هل سرعة الضوء ثابتة حقاً ؟
بقلم: ستيوارت كلارك
ترجمة: همام بيطار
يبدو أن الحد الأقصى للسرعة في الكون ثابت ويصعب تغييره، لكن هناك سببا جيدا يدعو إلى الاعتقاد أن السرعة ربما كانت أسرع،-وربما لاتزال تواصل التغير حتى الآن.
سرعة الضوء في الفضاء هي أقصى حد للسرعة الكونية. فمجرد الاقتراب منها يُسبب المشكلات: إذ تظهر تشوهات غريبة في نسبية آينشتاين ليتباطأ الزمن، وتتمدد الأطوال، كما أن كتل الأشياء، التي طالما اعتقد أنها ثابتة، تتغير. ويُمكن للأشياء التي كانت كتلتها معدومة أن تصل إلى سرعة الضوء، وتُعتبر الفوتونات مثالاً كلاسيكياً على ذلك. وبشكلٍ مطلق لا يُمكن لأي شيء أن يتجاوز هذه القيمة الكونية العظمى.
لقد عرفنا عن الطبيعة الخاصة لسرعة الضوء منذ أن أجرى عالما الفيزياء الأمريكيان ألبرت ميكلسون Albert Michelson وإدوارد مورلي Edward Morley تجربتهما في ثمانينات القرن التاسع عشر. في تلك التجربة استخدم العالمان شعاعين من الضوء أحدهما مواز لاتجاه دوران الأرض والآخر عمودي عليه، وقد افترضا أن الحركات النسبية المختلفة هي نتيجة لحركة أشعة الضوء بسرعات مختلفة، لكنهما وجدا في النهاية أن قيمة السرعة كانت ثابتة دائما.
تُعتبر سرعة الضوء الثابتة والمحدودة كابحاً لطموحاتنا باستعمار الفضاء بين النجمي، إذ يبلغ عرض مجرتنا نحو 100 ألف سنة ضوئية، كما أن الضوء يحتاج إلى نحو أربع سنوات ضوئية للوصول إلى بروكسيما سنتوري Proxima Centauri الذي يُعد أقرب النجوم إلى الشمس والأرض، ومن المحتمل أنه موطن لكوكب قادر على استضافة الحياة وشبيه بالأرض.
إذا كانت سرعة الضوء لانهائية، فإن الجسيمات عديمة الكتلة والمعلومات التي تحملها ستتحرك بين نقطتين A
وB لحظياً مما يعني أن كل شيء سيحصل في الوقت نفسه، وذلك يعني أنه لن يكون للكون تاريخ أو مستقبل، كما أن الزمن كما نفهمه الآن سيختفي. لن نحب كوناً كهذا!
لكن، لا تُحجِم بعد. ففي الحقيقة، عندما لا تضع قيداً على سرعة الضوء، فإنّ قيمةً أكبر لسرعة الضوء ستحل واحدة من أكبر المسائل في علم الكون، وهي: تجانس درجة حرارة الكون في كافة أرجائه على الرغم من عدم وجود زمن كافٍ منذ الانفجار الكبير للوصول إلى مثل هذا التوازن الحراري Thermal equalisation (انظر: توسيع آفاقنا).
ويحل علم الكون القياسي Standard cosmology هذه المشكلة عبر فرضية التضخم Inflation التي تنص على وجود فترة خلال المراحل المبكرة من عمر الكون توسع أثناءها الفضاء بشكلٍ مفاجئ وأكبر من سرعة الضوء -وهو أمر تسمح به نسبية آينشتاين- مما أدى إلى توازن درجة الحرارة وصولاً إلى الأرجاء النائية من الكون. لكن لم يتمكن أحد من إيجاد طريقة معقولة يحقق من خلالها الفضاء مثل ذلك، إذ يجب جعل نماذج التضخم مرنة بحيث تصبح متسقة مع أي عملية رصد.
لكن، يُمكنك تحقيق التأثير نفسه الذي ينتج من التضخم إذا بدأت بسرعة ضوء لانهائية (أو على الأقل أكبر بكثير مما هي عليه) عند الانفجار الكبير، ومن ثمّ تباطأت تلك السرعة مع توسع الفضاء. وفي هذا السيناريو تناقصت السرعة بشكلٍ حاد في البداية، وهي تواصل ذلك في أيامنا هذه ولكن بتدرجٍ أبطأ بكثير، وهذا يفسر السبب وراء قياسنا لقيمة ثابتة.
يبدو ذلك غريباً، لكنّ نياش أفشوردي Niayesh Afshordi من جامعة واترلو University of Waterloo في كندا وجواو ماغيجو João Magueijo من إمبريال كوليدج لندن Imperial College London في بريطانيا اقترحا العام الماضي طرقاً لاختبار قيمة متغيرة لسرعة الضوء باستخدام عمليات مسح مجرّيّة، أو اضطرابات الخلفية الكونية الميكروية (اختصارا: الخلفية CMB)، التي تُمثل الأثر الذي خلَّفه الانفجار الكبير وراءه. يقول ماغيجو:»إن الفكرة القائلة إن سرعة الضوء متغيرة كانت فكرة جذرية عندما اقترحت للمرة الأولى، لكنها أصبحت شيئاً يُمكن للفيزيائيين اختباره مع وجود التنبؤ العددي،» ويتابع قائلاً: «إذا كان هذا صحيحاً، فإنه يعني أن قوانين الطبيعة لم تكن هي نفسها دائما كما هي عليه اليوم.»
يجب أن نصل إلى الأجوبة قريباً، إذ ستبدأ تجربة HETDEX في تلسكوب هوبي-إبيرلي Hobby-Eberly Telescope المُحدَّث في فورت ديفيس-بتكساس العمل خلال العام القادم وستُقدم بيانات لتوزع المجرات البعيدة، كما ستساهم في الإجابة تجربةُ أداة القياس الطيفي للطاقة المعتمة Dark Energy Spectroscopic Instrument، والتي هي قيد الإعداد حالياً في مرصد كيت بيك الوطني Kitt Peak National Observatory بأريزونا والمقرر أن تبدأ في التوصل إلى نتائج خلال عام 2018. إذا تعذر القيام بذلك بوجود تلك التجارب، فإن تجربة الجيل التالي من CMB-S4 ستتفحص الخلفية الكونية الميكروية بدقة كافية، وقد يظهر لنا أن ذلك الكون البديل قد لا يكون بديلاً بشكلٍ مطلق.