أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أجهزة ذكيةتكنولوجيا

شركات التكنولوجيا العملاقة لا تريدك أن تصلح هاتفك! حان وقت المقاومة – Tech giants don’t want you fixing your phone. Time to fight back

بقلم: مات رينولدز  Matt Reynolds
ترجمة: آية علي

بدأت القوانين التي تُجبر صانعي الأدوات على نشر كتيبات التصليح وأدواته بكسب الدعم، لكن في أثناء تحقق ذلك، بدأ المستهلكون فعليا  بانتهاج مقاربة اصنعها بنفسك” DIY.

تعدّ معركة صنع الهاتف الذكي المثالي معركة لا هوادة فيها، وتضم هذه المعركة الطاحنة شركات التقنية الأكثر شهرة في العالم مثل سامسونج وأبل. لكن السعي إلى إيجاد تصاميم أرق وأسرع وأخف وزنا له جانبٌ قبيح، إذ أصبح إصلاح الأجهزة التي نلهث وراءها مع كل إصدار جديد أغلى أكثر فأكثر. ويبدو أن أجهزة الهاتف قد صُمِّمت بطريقة تسمح باستخدامها مرة واحدة فقط، ومن ثم التخلص منها فور عطبها.

ولكن لا حاجة إلى أن يكون الأمر على هذا الحال، فهناك تحالف غير تقليدي بين بعض المزارعين ومحبّي الأدوات الذين ينظمون حملات من أجل حقنا في تصليح ما نملك.

وفي هذا العام، اقترح مشروعو القوانين في 12 ولاية أمريكية ما تسمى بقوانين “الحق في التصليح”، والتي ستجبر الشركات على نشر كتيبات التصليح وأدواته للجمهور. كذلك دعا البرلمانُ الأوروبي الدولَ الأعضاء إلى تشريع المزيد من حقوق التصليح، وقد تقرّر مناقشة الأمر في وقتٍ لاحق من هذا العام.

لكن شركات التقنية العملاقة تحارب هي الأخرى لمنع صدور مثل هذه القوانين، فهل هذا الأمر مجرد قضية يقلق حيالها هواة التصليح المتحمسون؟ أم هل يجب علينا جميعا المطالبة بالحق في تصليح أجهزتنا وهواتفنا؟

ربما تخشى استبدال شاشة هاتفك المعطوبة بنفسك (انظر الإطار: اصنعها بنفسك مع بعض المساعدة)، لكن فتح سوق التصليح قد يوفّر عليك مالا كثيرا. ويحصل المصنّعون على فرصة ثانية لالتهام أموال المستهلكين عبر الضغط للاستعانة بخدماتهم الخاصّة أو خدمات أطراف ثالثة مُصرّح لها. وتقول كورين ماكشيري Corynne McSherry، من مؤسسة إليكترونيك فرونتيه فاونديشن Electronic Frontier Foundation غير الربحية: «فهذا الأمر هو بقرتهم الحلوب.»

إذا كسرت شاشة هاتف آيفون 7، فإنك ستضطر إلى دفع 129 دولارا لشركة آبل كي تصلحها لك، إلا إذا كنت قد دفعت بالفعل 129 دولارا لضمان ممتد إلى عامين. ويمكن أن تكلّف بعض التصليحات الأخرى التي لا يغطّيها الضمان مبلغا يصل إلى 319 دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة إلى هاتف يكلّف 649 دولارا عند شرائه جديدا. وفي كثير من الحالات فإن اختيار طرف ثالث أرخص لتصليح الهاتف يؤدي تلقائيا إلى إبطال الضمان.

وتُصر شركة آبل على أن خدمات التصليح التي تقدمها هي أفضل من تلك التي تقدمها أطراف ثالثة تستخدم أجزاء وأدواتٍ غير معتمدة. وادّعى متحدّث باسم الشركة أن أجهزة الآيفون معقدة للغاية لدرجة أن الشركة لا يمكنها ضمان أن تقوم محلات التصليح بعمل جيد، حتى وإن وفّرت لها التعليمات والأدوات.

وهناك أيضا تحالف غير تقليدي يتضمن بعض المزارعين ومحبّي الأدوات الذين ينظمون حملات لحقنا في تصليح ما نملك.

 لكنّ تجربة راحيل سيّد Rahil Syed تشير إلى عكس ذلك. ويعمل سيّد في متجرٍ مستقل بلندن مختص بتصليح الهواتف، حيث يصلح ما يصل إلى 12 هاتفا في اليوم الواحد، ومعظمها أجهزة آيفون. ويقول سيد إن ممارسات آبل تضرّ بعمله، فقد اضطر إلى عدم استقبال الزبائن لمدة 3 أشهر بعدما صدر جهاز آيفون 7 في سبتمبر من عام 2016، وذلك إلى أن تصله الأجزاء غير المعتمدة من الصين. وأضاف قائلا: «إن شركة آبل لا تريد مساعدتنا على الإطلاق،» على الرّغم من أنها تسمح للأفراد بالاشتراك كمصلِّحين مُرخّص لهم.

ولا يقتصر الأمر على شركات أجهزة الهاتف فحسب، بل إن هناك بعض الأخطاء التي تحصل في الجرارات الزراعية الحديثة، والتي لا يمكن تصليحها سوى باستخدام أدوات خاصة لاستكشاف الأخطاء وتصليحها، والتي لا تقوم الشركات المصنِّعة ببيعها للمزارعين. لذا فإن خيارهم الوحيد هو دفع الرسوم المرتفعة التي تطلبها منهم الشركات المصنّعة أو محلات التصليح المرخّص لها عند تصليحهم لهذه الجرّارات.

كما يكافح المزارعون في الولايات المتحدة من أجل حقّهم في تصليح معداتهم، لكنّ صانع الجرّارات جون دير John Deere يمارس ضغوطاته ضد إصدار مثل هذه القوانين في ولايتي كانساس وويومنغ، وقد بدأ يؤثر في صنع القرار. فعلى الرغم من الدعم المُقدّم من الديموقراطيّين والجمهوريّين، إلا أن قوانين الحق في التصليح قد أُجّلت في كلّ الولايات التي اقتُرِحت فيها.

لكنّ هذا لم يثنِ غاي غوردون بيرن Gay Gordon-Byrne، رئيسة المجموعة الأمريكية الداعمة للتصليح والمسمّاة The Repair Association، عن عزمها. وتقول بيرن إن العديد من المشرّعين يعتزمون إعادة قانون حق التصليح إلى الواجهة مرة أخرى في العام المقبل، وإذا ما شرّعت ولاية أو ولايتان هذا القانون فإن ذلك قد يشجّع الولايات الأخرى على الإقدام على هذه الخطوة. كما تأمل بيرن بإعادة خلق النجاح الذي حققته الحملة التي هزّت صناعة السيارات الأمريكيّة عام 2012، وذلك عندما صدّقت ولاية ماساتشوستس على قرار الحق في التصليح، والذي أجبر صُنّاع السيارات على تسليم معلومات تشخيص الأعطال وكيفية تصليحها. كما أُلزِمت الشركات المصنِّعة في وقت لاحق بفعل الشيء نفسه في كل الولايات الأمريكية الخمسين.

وعلى الرغم من اعتراض شركة آبل على القوانين المقترَحة، إلّا أنّها قد بدأت تُعير انتباها لحركة الحق في التصليح. فقد وضع هذا العملاق التقني في شهر يونيو خططا لوضع آلات لتصليح الشاشات في 400 مركز تصليح خارجيّ معتمد موجود داخل 25 دولة حول العالم، وذلك بنهاية هذا العام. كما أنّها غيّرت جزءا من سياساتها، بحيث لم يعد تصليح شاشات الهواتف في مراكز غير معتمدة أمرا يُبطل ضمان أجهزة الآيفون في الولايات المتحدة.

لكنّ اللفتات الرمزيّة من هذا القبيل لن تحوّل الدفّة لصالح المستهلكين، إذ يجب على الشركات المصنّعة زيادة تأثيرها في خيارات التصليح لا التقليل منه، وذلك في الوقت الذي تصبح فيه الكثير من الأجهزة كالتلفاز والثلاجات أجهزة “ذكيّة”.

وسِّخ يديك Get your hands dirty

لحسن الحظ، ومع تزايد عدد الأشخاص الذين يعدّون  كتيّبات التصليح وينشرونها على الإنترنت، فإنّ لدينا بديلا آخر؛ وذلك في حال كنت مستعدا لتوسيخ يديك قليلا.

«إن الهواتف الذكيّة جزء لا يتجزّأ من حياتنا، لكنّها تنكسر دائما. لذا فإنّ المستهلكين سيجدون بالطبع طُرُقا لتصليحها،» كما تقول جوليا بلوف Julia Bluff من موقع iFixit، وهو موقع يحتوي على ما يزيد على 30 ألف دليل تصليح أعدها المستخدمون، إضافة إلى بيعه مجموعات أدوات مناسبة تحتوي على آلاف الآلات. وكلما أُطلق إصدار متطور من هاتف ذكيّ، فإن مجتمع المصلحين الموجودين في الموقع iFixi يهرعون إلى تفكيكه ونشر دليل تصليح له في غضون أيامٍ قليلة. لكن الأمر ليس بالسهل على الراغبين بالاشتغال بالتصليح. فقد اشترك الموقع iFixi مع منظمة غرينبيس Greenpeace لإعداد تقرير يبحث في أكثر العلامات التجاريّة وأقلها صنعا لأدوات القابلة للتصليح، ووجد التقرير أن ثلاث شركات فقط هي التي توفّر قطع غيار وكتيّبات لمساعدة الجمهور، وهي: فيرفون Fairphone، وديل Dell، وإتش بي HP.

وتقول بلوف إن أصعب مرحلة في التصليح تكون غالبا هي الوصول إلى داخل الجهاز، فمن المعروف مثلا أن أجهزة الحاسوب المحمولة “سيرفيس” التابعة لميكروسوفت تكون صعبة الفتح، «إذ يُلصق  الجهاز ببعضه بشدة كي لا يكون قابلا للفتح، لدرجة أنك قد تضطر إلى كسره من أجل الوصول إلى داخله،» على حد تعبيرها.

ولا يقتصر الأمر على شركة ميكروسوفت، فقد ألصقت شركة HTC  البطاريات في بعض هواتفها، مما يجعل استبدالها دون الإضرار بالجهاز من الداخل أمرا شبه مستحيل. كذلك تُغلق أجهزة آبل المحمولة والهواتف غلقا محكما بمساميرٍ مقاوِمة للعبث، مما يجعلها عصيّة على الفتح بالمفكّات العاديّة. وعندما أَجْرت آبل هذا التغيير على أجهزتها، فإن خبراء التصليح قد سارعوا إلى صنع مفكات خاصة قادرة على فك هذه المسامير.

وتعيقُ هذه الممارسات المضادّة للمستهلكين جهود إعادة التدوير التي تبذلها الأطراف الثالثة، فعندما يستبدل سيّد شاشة مكسورة لهاتف آيفون، فإن طبقة الزجاج وحدها هي التي تكون متضررة في العادة، ولكن لكونها ملتصقة بإلكترونيات العرض فإنه يضطر إلى استبدال القطع بأكملها، مما يدفعه إلى تكديس الشاشات المكسورة في الأدراج.

ويقوم سيد من وقت إلى آخر بحزم هذه الشاشات وإرسالها إلى مصنعٍ في الصين، حيث يُقشّر الزجاج ويستبدل هناك، ومن ثم يعاد شحن الشاشات بعد تصليحها إليه في لندن، ليستخدمها في تصليح هواتف أخرى. ويعدّ هذه النظام دائرة مغلقة بشكل مدهش، وذلك في صناعة ينتهي فيها المطاف بالعديد من الأجهزة في مكبات النفايات، حيث ترشح منها المواد السامّة لتترسّب في التربة. ووقفا لتقرير الأمم المتحدة عام 2014، فإنّ العالم قد ألقى بنحو 42 مليون طن من النفايات الإلكترونيّة، وهي كمّية يُتوَقّع ارتفاعها إلى 50 مليون طن بحلول عام 2018.

ولكن لا يمكننا إلقاء اللوم على عمالقة التكنولوجيا فقط، فنحن لدينا أيضا نقص في الحماس للأجهزة الإلكترونية الصديقة للبيئة. انظر مثلا إلى هاتف فيرفون2 Fairphone 2 الذي صدر عام 2015، والذي يحتوي على سبعة أجزاء قابلة للإزالة، ممّا يسمح لمالكيه باستبدال الشاشات والكاميرات وتحديثها. وفي عام 2016، حذت كل من الشركة LG  والشركة Motorola  حذو فيرفون، فأصدرتا أجهزة هواتف ذكيّة تركيبيّة [تتألف من وحدات] Modular smartphones، لكنّ سوق هذه الأجهزة لم يكن جيّدا، مما اضطر شركة غوغل إلى تأجيل خططها بإصدار هاتف تركيبيّ منخفض التكلفة.

وقد ترجع السهولة التي يتخلص بها الأفراد من هواتفهم التي لا يرغبون بها بعد عدة سنوات، دون التفكير في الاستدامة، إلى كونهم يدفعون ثمنها من خلال عقد شهري، وليس عبر دفعهم لكامل المبلغ – 600 جنيه إسترليني – مقدما. وينبغي أن نتوقف عن ذلك.

“إننا نتخلص من هاتف تلو آخر كل عدة سنوات بدلا من البحث من التفكير في الاستدامة، وينبغي أن نتوقف عن ذلك”

 وتقول بلوف: «لا يمكننا، من الناحية البيئيّة، استخدام الأجهزة الالكترونية لمرة واحدة ومن ثم التخلص منها فور عطبها.» هذا يعني أن الأمر يعود إلى المستهلكين كي يجبروا صناعة الإلكترونيات على التحول إلى تصاميم أكثر قابليّة للتصليح. وأضافت بلوف قائلة: «علينا إلقاء المزيد من الضغوطات على الشركات المصنّعة، والتصويت على ما نريد باستخدام أموالنا.»

اصنعها بنفسك مع بعض المساعدة Diy with a little help

هل تريد تصليح أدواتك بنفسك، لكنّك لا تعرف من أين تبدأ؟ إن معظم التصليحات هي أسهل مما تعتقد، كما أن معظم قطع الغيار متاحة للشراء بسهولة عبر الإنترنت.

«يمكن للشخص العادي تغيير أحد المكوّنات،» كما تقوله جانيت غونتر Janet Gunter التي شاركت عام 2012 في تأسيس ريستارت بروجكت  Restart Project، وهي مؤسسة خيرية مقرها لندن تساعد الناس على تعلم كيفية تصليح أجهزتهم الخاصة بدلا من التخلّص منها.

ولكن إن لم ترغب في تصليحها بنفسك، فيمكنك الذهاب بدلا من ذلك إلى ورشة تعاونية. فيقوم المتطوّعون المحلّيون في ريستارت بروجكت بتعليم الناس كيفيّة تصليح الأجهزة الكهربائيّة والأدوات المعطوبة، كما تستضيف المنظّمة فعاليات تعليم التصليح في جميع أنحاء المملكة، وذلك لتشجيع الناس على عدم رمي الأجهزة في مكبّات القمامة.

كما بدأت محلات تصليح أخرى تديرها تعاونيات محلّية بالظهور في جميع أنحاء العالم، فقد أُطلِق مفهوم مقهى التصليح The Repair Café في أمستردام عام 2009، ثم انتشر منذ ذلك الحين في 1300 مكان حول العالم، لذا قد يكون أحد هذه الأماكن قريبا منك. إنهم يجتمعون في المقاهي أو المباني العامة مرة كل شهر أو نحوه، ويفتحون أبوابهم لأيّ شخص يحتاج إلى المساعدة في تصليح الأشياء المكسورة.

وتقول غوتنر إن النماذج الجديدة التي تصدر كل عام للأجهزة تجعلنا نعتقد أننا بحاجة إلى استبدال هواتفنا الذكيّة بانتظام، لكن تحسينا بسيطا كاستبدال البطارية يمكنه مضاعفة عمر الجهاز، فالأمر في حقيقته مجرّد خيارٍ شخصي.

نشرت المقالة في مجلة نيوساينتيست، العدد 3136، 29 يوليو 2017.

https://www.newscientist.com/article/mg23531360-100-tech-giants-dont-want-you-fixing-your-phone-time-to-fight-back/

@ حقوق الترجمة العربية محفوظة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى