أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

لمحة عن الحياة العلمية لـ : <بروس M ألبرتس>


لمحة عن الحياة العلمية لـ : <بروس M ألبرتس>

http://oloommagazine.com/images/Articles/SCI_General_index001.jpg

قائد منعتق من الرسميات يهز أكاديمية العلوم

 

الأكاديمية الوطنية للعلوم في واشنطن العاصمة هي معبد العلم حقا. تحتضن قاعدتها الكبرى ـ وهي غرفة فسيحة ذات قبة مزركشة بالصور الجدارية الزيتية وبالأقوال الملهَمة ـ الاجتماعات السرية لأعظم موهوبي الأمة العلميين. ومن غرف الاجتماعات ومن المكاتب المنبثقة عن القاعة الكبرى تتدفق تقارير عن حالة المشاريع العلمية وكيفية تأثيرها في المجتمع الذي يدعمها. وقد هز الأكاديمية مؤخرا، وهي المؤسسة التي أُحدثت عندما كان أبراهام لنكولون في البيت الأبيض، قادم جديد أبعد ما يكون عن التزمت.

 

إن <M .B. ألبرتس> أستاذ الكيمياء الحيوية والفيزياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا، قد أصبح رئيسا للأكاديمية في صيف 1993. وقد جلب معه إلى قاعاتها الفارهة برنامج عمل فعالا، وتحررًا من الرسميات التي يتميز بها الشاطئ الغربي من الولايات المتحدة، وولعا بالدعابة التي أساسها النقد الذاتي؛ مما أربك خجلا أشد موظفي الأكاديمية تزمتا. ولم تتعاف بعد هيئة العلاقات العامة التابعة له، من الحادثة التي وقعت في خريف 1993 عندما أخبر ألبرتس مجموعة من المراسلين كيف شرح لأحد أعضاء مجلس الشيوخ أن “الأكاديمية عبارة عن 1600 عالم ينتخب بعضهم بعضا. وفي الشهر الرابع من كل عام نقيم حفلة. وعدا ذلك فإننا لا نفعل شيئا.”

 

تميز ألبرتس ـ البالغ من العمر 54 سنة وعضو الأكاديمية منذ العام 1981 ـ بأبحاثه حول البروتينات التي هي وسيلة فعالة في استنساخ الصبغيات (الكروموسومات). ولم يكن ألبرتس ذائع الصيت عندما وصل إلى واشنطن، لأنه خلافا لمن سبقه مباشرة إلى رئاسة الأكاديمية، لم يشغل أي منصب علمي عال من قبل. وفي الواقع، لم يكن ألبرتس هو الاختيار الأول للجنة البحث المكلفة بترشيح خليفة لـ <F. پرس> وهو جيوفيزيائي تولى رئاسة الأكاديمية مرتين متتاليتين (المدة القصوى المسموح بها)، دامت كل منهما ست سنوات بدءا من عام 1981.

 

ومع أن هذه الوظيفة توفر لصاحبها راتبًا سنويًا يزيد على 250000 دولار وشقة في ووترگيت، فقد استنكف العديد من اللامعين العلميين الآخرين، الذين لديهم خبرة إدارية أفضل مما عند ألبرتس، عن أن يرشَّحوا لها. وكان من بينهم

<E .R. گوموري> رئيس مؤسسة <P .A. سلون> الوقفية في مدينة نيويورك، و<F .M. سنگر> رئيس مؤسسة كارنيگي في واشنطن.

 

ويبدو أن مسائل تتعلق بالتمويل وبتبدل العلاقات مع الحكومة الاتحادية بدأت تخلق سلسلة من المشكلات التي ترهب حتى الموظفين العتاة سياسيا.

 

ويرى <D .D. براون> (الباحث في قسم علم الأجنة بمؤسسة كارنيگي، الذي عمل مساعدا لمدير لجنة الانتقاء) أن ألبرتس قد حقق الشروط نظرا لكونه عالما نشيطا ذا خبرة واسعة، وحائزا أيضا على درجات عالية كإداري عندما كان رئيسا لقسمه في سان فرانسيسكو. ويشير براون إلى أن ألبرتس كان رئيسا نشيطا للجنة علوم الحياة في مجلس الأبحاث الوطني وهو منظمة مستقلة رسميا عن الأكاديمية، تقوم بإنجاز تقويماتها العلمية.

 

إضافة إلى ذلك فقد كان القوة الدافعة وراء المشروع الاتحادي للجينوم (المجموعة الجينية) genome  الاتحادي. ويعلّق براون بأن “ما يقوله ألبرتس هو  بالضبط ما يعتقده.”

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N2_H05_004734.jpg

<M .B. ألبرتس> وهو يتحدث في القاعة الكبرى بالأكاديمية الوطنية للعلوم. هل يستطيع هذا المفوَّه اللاذع المهتم بالمستجدات أن يجد طريقه عبر دهاليز السلطة؟

 

وإذا لم يكن ألبرتس الاختيار الأول لرئاسة الأكاديمية، فهي لم تكن أيضا اختياره الأول. فألبرتس يقول: “كنت سعيدا جدا بما أقوم به”، وهو الإشراف على مخبر (مختبر). ويشرح ذلك قائلا: “كانت صورتي الإدارية سلبية” وما زال يبدو، في قميصه بياقته المفتوحة، كعالم في مخبر حتى وهو يجلس في جناحه الرئاسي الفخم. ومهما كانت الدرجات العالية التي حصل عليها فهو لم يكن مسرورا بمهمته المحدودة رئيسا لقسمه، وظن أن رئاسة الأكاديمية ستكون على الأغلب مشابهة لها. غير أن أصدقاءه أقنعوه بضرورة إعادة النظر في هذا الأمر. ويشير إلى إذعانه للقبول في النهاية وفي ذهنه أن وجوده في الوظيفة العليا للمؤسسة سيمكنه من العمل على تحقيق أربعة أو خمسة أشياء لا يستطيع القيام بها دون ذلك. وقد تبين أن معظم هذه الأشياء هي تحويرات للاهتمام الرئيس عند ألبرتس، ألا وهو التعليم.

 

إن ألبرتس رجل ذو رسالة. بدأت سيرته البحثية بداية رائعة عندما قام باكتشاف مهم يتعلق ببنية الحمض الريبي النووي (الرنا RNA)، وذلك خلال عمله على أطروحته الجامعية الأولى في كلية هارڤارد في الخمسينات. وقد شجعه نجاحه المبكر على أن يصبح عالما لا طبيبا.

وبعد قضاء مدة عمل في جامعة برنستون وجد طريقه إلى كاليفورنيا.

 

وهناك برز اهتمامه البالغ بالنهوض بمستوى الثقافة العلمية العامة، ويقول: إن شغفه في هذا المضمار قد استوحاه بشكل رئيسي من قيادة زوجته لاتحاد المعلمين والآباء في سان فرانسيسكو. إن ألبرتس هو أيضا المؤلف الرئيس لكتاب جامعي شهير في البيولوجيا الجزيئية، لكنه يفضل الآن الحديث عن إنجاز آخر من إنجازاته وهو إسهامه في إقامة “الشراكة التربوية بين العلم والصحة” التابعة لجامعة كاليفورنيا. والبرنامج هو تعاون بين العلماء في الجامعة ومعلمي المدارس الرسمية، يسعى إلى إدخال أساليب حديثة في تعليم العلوم.

 

ويرغب ألبرتس الآن في الشروع بمخطط مماثل على المستوى الوطني. فيصرح: “لقد كان دافعا قويا لي في قبول هذه الوظيفة اختبارُ ما إذا كان باستطاعة الأكاديمية ملء الفراغ الفعلي في القيادة على المستوى الوطني في تعليم العلوم”. وإن رؤية ألبرتس لذلك مثيرة في جرأتها، فهو يريد أن يسخّر لهذا الغرض ليس فقط الأكاديمية بل معظم القوة العلمية العاملة في البلاد. ويصرّح: “إنني لا أتحدث عن دفع النظام برفق، بل أتكلم عن تغيير درامي عميق. ويمكننا استخدام تعليم العلوم كإسفين يغير النظام ويساعد المعلمين على تغيير طبيعة تجربة المدارس الرسمية.”

 

كلام جسور، لكن ألبرتس واثق من مسارعة العلماء لمساندة مسعاه وتكريس “طاقاتهم الهائلة ومهاراتهم وتركيزها” بغية الارتقاء بالتعليم وتعزيزه. فخلال شهرين من توليه منصبه في الشهر7/1993، بعد أن انتخب بالتزكية، قابل ألبرتس المشرف على المدارس بواشنطن وفي نيته إقامة مشروع للتجارب العلمية في المدينة. وفي الشهر 11/1993 جمع المراسلين ليسمعوا عن انطلاق مشروع رايز RISE (مبادرات المناطق في تعليم العلوم Regional Imitiatives inScience Education). إن رايز مشروع رائد يدعم فيه مجلسُ البحث الوطني التعاونَ الإقليمي بين العلماء ومعلمي المدارس الابتدائية لتحفيز تعليم العلوم من خلال الممارسة العملية.

 

تطور الأكاديمية أيضا معايير وطنية رسمية لتعليم العلوم. فقد تحدث ألبرتس إلى <W .R. رايلي> وزير التعليم في إدارة الرئيس كلينتون بخصوص سَنّ تشريعات تعطي المناطق التعليمية حوافز عند تبنيها لتلك المعايير. ويشير ألبرتس إلى أنه لا يوجد نقص في مناهج العلوم في الصفوف الابتدائية على الأقل؛ ويضيف: “إن المسألة هي فقط في الحصول على الخبرات اللازمة والرغبة في القيام بذلك”. ويأمل في إقناع شركات التقانة الحيوية خاصة باتباع من سبقها من المصانع الأخرى، وذلك بتقديم مِنَح مجزية للمدارس والمقاطعات التي تتبنى الأساليب الجديدة.

 

ويؤكد ألبرتس: “لن أواجه مشكلة تذكر بخصوص إيجاد ما يكفي من العلماء والدكاترة.” لكنه مع ذلك يعترف بأن ليس كل امرئ مهيأ لرسالة التعليم. “فهناك بعض العلماء الذين ينفرونني.” ويقول إنه مدرك لخطورة جعل الباحثين ذوي النيات الحسنة يتركون أبحاثهم لإلقاء محاضرات على المعلمين أو الطلبة في تخصصات علمية.

 

ويتذكر إصرار أحد علماء التربة على وجود “ثماني حقائق يجب أن يعرفها كل فرد بخصوص علم التربة.” ويعقب ألبرتس ضاحكا: “هذا حسن، فأنا نفسي لم أكن أعرفها وأنا رئيس الأكاديمية.”

 

إن هذه الدعابة أنموذج لأسلوب ألبرتس. وهو مشهور أيضا بكونه شارد الذهن بالشكل المعروف عن الأكاديميين. فقد أذهل مرة مساعديه وهو يصيح متعجبا: كيف له أن يسيِّر الأكاديمية وهو غير منظم، حتى إنه لا يستطيع إيجاد نظارته. وفي مناسبة أخرى أقفل على نفسه مكتبه بطريقة ما وكان لا بد من إنقاذه. ويبقى التساؤل قائما وهو: هل ستخدمه نقاط الضعف المحبِّبة هذه بصورة حسنة عندما يُدعى للاستماع إليه من قبل لجنة برلمانية عدائية؟

 

ومع أن نظرة ألبرتس للأمور هادئة، فإنه لا يحجم عن اللوم والتعنيف. إن الأكاديمية ومجلس البحث، إضافة إلى المؤسسات الشقيقة للأكاديمية، كالأكاديمية الوطنية للهندسة والمعهد الطبي، تستخدم ما يزيد على ألف محلل للسياسة في واشنطن. ويعلن ألبرتس بصراحة “إنها كبرت كثيرا مما يجعلها مشكلة”. وبتصريحه هذا يُرجع صدى شائعات تشير إلى إمكانية فقدان الأكاديمية لعدد كبير من موظفيها. لكن ألبرتس لن يؤكد إلماحات إلى أنه يُتوقع إجراء تخفيضات تزيد على 20 في المئة على مدى السنوات الخمس القادمة.

 

وعلى ألبرتس، كأي مدير مؤسسة، أن يتصدى لمسألة العائدات. ومع أن الرئيس السابق پرس قد زاد عائدات أوقاف الأكاديمية زيادة كبيرة خلال 12 سنة من خدمته، فوصلت إلى قرابة 120 مليون دولار، فإن هذا المبلغ ضئيل بالنسبة لمؤسسة بحجم الأكاديمية؛ على حد قول ألبرتس. ولكنه مهم لأن به فقط تستطيع الأكاديمية الشروع بدراسات في مجالات قد لا تستسيغ الحكومة النصيحة بصددها (لقد أُحدثت الأكاديمية أصلا لتزويد الحكومة بالاستشارة اللازمة، لكن طلب الحكومة لدراسات تقوم بها الأكاديمية في تدنٍّ مستمر). لقد أصدرت الأكاديمية أكثر من مئتي تقرير في العام 1993، أكثرها وليس جميعها، بتكليف من أقسام اتحادية ووكالات.

 

وعلى جبهة أخرى، اتخذ الرئيس الجديد أيضا إجراءات خلال ستة الأشهر الأولى من تعيينه لمواجهة مخاوف تتعلق بالاستقلالية والحياد في الدراسات التي يجريها مجلس البحث. فبسبب ظهور التقارير بصورة مستقلة تود الوكالات الحكومية الحصول على “مباركة” الأكاديمية بشأن هذه التقارير، غير أن أعضاء الأكاديمية تذمروا ـ كما يصرح ألبرتس ـ من أن أعضاء مجلس البحث يسمحون أحيانا للرسميين الحكوميين بالتأثير في التقارير، وهذا يخالف قواعد الأكاديمية.

 

ويطرح مصدرُ برلماني دراسةَ مجلس البحث لمنظومة مراقبة الأرض كمثال على ذلك. وهذه الدراسة هي برنامج اتحادي سَتْلِيّ (بالأقمار الصنعية) للاستشعار عن بعد، وقد خُففت الانتقادات الموجهة ضده والواردة في دراسة مجلس البحث، نتيجة اعتراض المسؤولين الحكوميين عليها بعد أن شاهدوا مسودة الدراسة قبيل نشرها.

 

ويقال إن دراسات لحرس الشواطئ ووزارة البحرية ودراسات حول السياسة الزراعية قد تأثرت أيضا بعلاقات حميمة مع أطراف خارجية.

وقد باشر ألبرتس مطالعة شاملة لعملية المراجعة التي تخضع لها المشاريع المقترحة، وذلك بغية تدعيم، المداولات العالية المستوى حول التعليل العقلي للدراسات، ولتأكيد مسؤوليات موظفي مجلس البحث. وأخيرا، فقد دشَّن جهودا لجعل مجلس البحث أكثر كفاءة ولتكون السلطة فيه موزعة بالتساوي إلى حد أكبر، وذلك بتحطيم “الحواجز المؤسساتية التي تمنع الناس من العمل بعضهم مع بعض.”

 

ومن خلال دوره كرجل دولة في نطاق العلوم، يؤيد ألبرتس الفكرة التي بدأها <پرس> ومفادها: أن على العلماء إدراك أن مطالبتهم باعتمادات مالية أكثر قد تجعلهم أكثر عرضة للنقد في مجلس النواب ولاتهامهم بالأنانية. ولمعالجة هذه المشكلة، يحاول ألبرتس بناء جسور مع أعضاء الكونغرس وموظفيهم.

 

وقد تشاور أيضا مع البيت الأبيض حول الخطة المعلنة حديثا، المتعلقة بتكوين مجلس وطني للعلم والتقانة، وهي مبادرة من الإدارة تستهدف تحقيق إشراف أفضل على الأبحاث المدعومة. ويقول ألبرتس: “علينا أن نكون أكثر خبرة ومهارة في تعريض الطلبة لمدى واسع في المهن العلمية. ويضيف قائلا: “وإلا ينبغي ألا نُخرِّج من حملة الدكتوراه في الفيزياء والكيمياء عددا كالذي نخرّجه حاليا.”

 

ويلاحِظ أن التحدي الرئيسي هو إزالة الحواجز التي تحول دون دخول أصحاب المهارات العلمية ـ ويشمل هؤلاء عمال الدفاع العاطلين عن العمل ـ إلى حقول جديدة كالتعليم، وهو الموضوع الذي تعود إليه معظم أفكار ألبرتس. ويوضح أن “علينا أن نحاول لجعله، على الأقل، طريقا جذابا.” وإحدى الإمكانات التي يفضلها هي إعداد أو تطوير مقررات (مَساقات) خاصة لتعليم أصول تدريس العلوم.

 

إن ألبرتس متعاطف مع أعباء التعليم والجهود التي يتطلبها. فله ابنة تدرّس العلوم وعليها، ككثير من زميلاتها، أن تشتري وسائل إيضاحية لصفها من راتبها. ويقول “لقد جعلنا التعليم مهنة لا يمكن النجاح فيها ما لم نكن من صنف الشهداء أو القديسين.” ويمكن لهذا الوضع أن يبدأ بالتغير إذا ما نجحت مساعي ألبرتس في هذا المضمار.

<T. بيرسلي>

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى