أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونياتفيزياء نظرية

اتجاهات في الفيزياء الفلكية

اتجاهات في الفيزياء الفلكية

الكون المتقلب

<S .C .پاول>، محرر بمجلة ساينتفيك أمريكان

 

إن المقاريب المقامة في الفضاء، والتي يمكنها

بفضل تجهيزاتها رؤية الأشعة السينية وأشعة

غاما، ترصد عالَمًا ديناميا لا يهدأ أبدا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005149.jpg
يتوهج الكوازار المتألق كأنه قرص غازي يسير بسرعة ملتفا كالدوامة حول ثقب أسود يحوي كتلة تعادل نحو بليون كتلة شمسية. ويقوم الساتلان الفلكيان الحساسان للأشعة السينية وأشعة غاما، وهي أقوى أشكال الإشعاع، بكشف السر الذي يحيط بهذه الظواهر الفلكية.

 

ثمة جو من الإثارة يعم المبنى 2 في مركز گودارد للطيران الفضائي في گرين بلت، بولاية ماريلاند، التابع للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)NASA. وغالبا ما تنتهي المناقشات التي تدور في أروقة المبنى، والتي يرافقها تلويح بالأيدي، باندفاع إلى السبورة. وتتحول الحلقة الدراسية حول المجرات النشيطة إلى أخذ ورد بين المحاضر وجمهرة الحضور إذ ينبري بعضهم لطرح أسئلة على المحاضر، أو اقتراح بعض التصحيحات، أو إضافة بعض المعلومات التي حصلوا عليها. وتتزود الحلقة الدراسية بسيل مطرد من المعطيات يتدفق إلى گودارد من عدد من السواتل (الأقمار الصنعية) العلمية أهمها مرصد كومپتون لأشعة غاما Compton Gamma Ray Observatory  التابع لناسا والساتل رونتگن Roentgen Satellite، وهو مشروع أمريكي بريطاني ألماني مشترك.

 

إن مرصد كومپتون والساتل رونتگن هما، باللغة الفلكية، جهازان يُرسلان معلومات عن الأجسام التي تولد الأشعة السينية وأشعة غاما، وهي أكثر أشكال الإشعاع الكهرمغنطيسي شدة في الطبيعة. ويحمل كل شعاع سيني طاقة تراوح ما بين مئات وعشرات آلاف المرات من طاقة فوتونات الضوء المرئي، أما أشعة غاما فإنها تحمل طاقة أعلى. وباصطياد المراصد المقامة في الفضاء لهذه الأشعة وتحليلها لها، فإنها توفر لنا النفاذ بعمق لا مثيل له إلى كنه طبيعة بعض أعنف الظواهر الطبيعية في الكون وأشدها إعجازا، مثل: النجوم التي تبتلع نجوما أخرى cannibal stars، والكوازارات المتوهجة، والاندفاعات المبهمة لأشعة غاما التي تنطلق فجأة على نحو عشوائي في الظاهر. ويعلق <D .C.بايلين> (من جامعة ييل) على هذه المراصد الفضائية بقوله: «وجدنا  فجأة أن لدينا هذه اللعب الجديدة الأنيقة التي سننظر إلى الفضاء بوساطتها. إنها تدفع نحو الأمام دراسة بعض الأشياء التي بقيت راكدة زمنا طويلا.»

 

وتقوم هذه الآلات الجديدة برسم صورة للسموات تذهل حتى هذه الآلات الرائعة التي تحدق في النجوم. ويقول< N .كيرلس> (العالِم الرئيسي في مشروع مرصد كومپتون لأشعة غاما): «عندما تنظر إلى السماء شطر الطاقات العالية، فإنك تجدها مكانا متقلبا على نحو مذهل.» وفي فترات زمنية تراوح ما بين أسابيع وبضعة أجزاء في الألف من الثانية، تتلألأ أجسام وتظلِم، ترتعش بسرعة وتهتز ببطء. وتدل مثل هذه التغيرات السريعة على أن مصادر الإشعاع صغيرة جدا بالمقياس الكوني (وإلاّ لاستغرق تغيرٌ فيزيائيٌ زمنًا طويلا جدا ليؤثر في قسم كبير من المنطقة المشعة). ومع ذلك، فإن هذه الأجسام نفسها تبث كميات ضخمة من الإشعاع العالي الطاقة.

 

ويظن الفلكيون أنهم قد حددوا السبب المحتمل وراء العديد من هذه المنارات الكونية الغريبة: إنه ثقب أسود يعرف بأنه مادة منهارة كثافتها هائلة إلى درجة أنها لا تسمح لشيء، حتى الضوء، أن يفلت منها نظرا لثقالتها الرهيبة. وعلى سبيل المثال، فإن ثقبا أسود كتلته تساوي كتلة الشمس لن يتجاوز قطره ستة كيلومتر تقريبا. وغني عن القول إن الثقب نفسه لا يمكن أن يصدر أي إشعاع، لكن المادة القريبة منه تقدر على ذلك. وتبين الحسابات النظرية أن أي شيء يسوقه سوء حظه إلى الاقتراب كثيرا من الثقب يُدوَّم spun  بسرعة كبيرة ويتحول إلى حلقة مسطحة تعرف باسم قرص التنامي accretion disk. ومع تحرك الغاز في القرص بحركة لولبية نحو الداخل لملاقاة مصيره المحتوم، فإن التسخين الاحتكاكي frictional heating يرفع درجة حرارته إلى ملايين الدرجات، وقد تبرز أيضا حزم من الجسيمات من القرص قبل أن تختفي المادة إلى الأبد في الثقب.

 

تحري الطيف الكهرمغنطيسي 

استُهلّت دراسة الأمواج الراديوية والأمواج المكروية (الدقيقة) باستخدام المقاريب المقامة على الأرض منذ الثلاثينات من هذا القرن. وتأتي أدق الأرصاد الراديوية من منظومات الهوائيات الكبيرة أو من صحون ضخمة.

يجري امتصاص الأشعة تحت الحمراء بمعظم الأطوال الموجية (الطاقات) قبل بلوغها الأرض. وقد بلغ علم الفلك تحت الأحمر infrared astronomy سن رشده عام 1983، عندما أطلقت ناسا الساتل الفلكي تحت الأحمر InfraredAstronomical Satellite  المتطور.

لا يغطي الضوء المرئي سوى جزء صغير جدا من الطيف الكهرمغنطيسي. وقد مكَّنت أرصاد الطاقات الأخرى الفلكيين من توفير الكثير من التفاصيل المجهولة عن الكون.

لا تقدِر الأمواج فوق البنفسجية وإشعاعات أقوى منها على اختراق الجو. وقد أتاحت سواتل مثل مستكشف الأشعة فوق البنفسجية الدوليInternational Ultraviolet Explorer، الذي أطلق عام 1978، الفرصة لتقصي مصادر الأشعة فوق البنفسجية في السماء.

اكتُشفت الأشعة السينية الواردة من خارج النظام الشمسي عام 1962 وذلك باستخدام صواريخ السبر sounding rockets. ويقدم الساتل رونتگن ـ الذي بدأ عمله عام 1990 ـ صورا للأشعة السينية حساسة وواضحة على نحو لم يسبق له مثيل.

تم كشف أشعة غاما الصادرة عن منابع كونية بوساطة السواتل عام 1967. ويقوم مرصد كومپتون لأشعة غاما برسم أول خريطة مفصلة لمصادر أشعة غاما في السماء.

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005150.jpg

 

هذا ومن الناحية النظرية على الأقل، فلم يسبق لأحد أن رأى في الواقع ثقبا أسود. وعلى الرغم من أن نظرية <آينشتاين> في النسبية تتنبأ بضرورة وجود هذه الثقوب، كما أن جميع الفلكيين تقريبا يؤمنون بها،  فإن إثبات صحة هذه الدعوى مسألة مختلفة تماما. ولما كانت الثقوب نفسها غير مرئية، فإنه يمكن للفلكيين البحث عنها بطريقة وحيدة، ألا وهي مراقبة ما يحدث في المناطق المحيطة بها، وهي الأمكنة التي يصبح فيها رصد الأشعة السينية وأشعة غاما أمرا لا غنى عنه. ونظرا لكون هذه الأشعة تحمل الكثير من الطاقة، فإنها لا بد أن تنشأ في أكثر بقاع الفضاء ثورانا، والتي يحتمل أن تكون قريبة تماما من ثقب أسود. ومن ثم، فإن الأشعة السينية وأشعة غاما تكشفان عن معلومات حاسمة للعثور على ثقوب سوداء محتملة، وللتعريف بالكيفية التي تتفاعل بها هذه الثقوب مع البيئات المحيطة بها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005151.jpg

أمضى <N .گيرلس> (من مركز گودارد للطيران الفضائي) عدة سنوات وهو يطلق مقاريب لرصد أشعة غاما محمولة على مناطيد تستطيع أن تلقي نظرة سريعة على السماء عدة ساعات فقط في كل مرة. وهو الآن عالِم مشروع الساتل المسمى «مرصد كومپتون لأشعة غاما» الذي ركّب أول صورة شاملة لعالم الأشعة الغاماوية، وأسهم كثيرا في جهود الفلكيين الرامية إلى فهم الظواهر الطبيعية العنيفة والمتغيرة جدا والتي يمكن مدها بالطاقة بوساطة الثقوب السوداء.

 

هذا وتَرِدُ بعض أكثر المعطيات إقناعا بوجود الثقوب السوداء من رصد المستعرات المصدرة للأشعة السينية x-ray novae، التي تنتمي إلى أكثر الأجسام تطايرا volatility  بين مصادر الأشعة السينية في السماء. فخلال بضعة أيام، يتضاعف سطوع brightness هذه الأجسام قرابة مليون مرة. وبعد ذلك، وعلى مدى عدة أشهر، تتضاءل حدة هذا السطوع تدريجيا إلى أن ينتهي إلى ظلام دامس. وسلوك هذه المستعرات شبيه بسلوك المستعرات العادية التي يُستهلكُ فيها نجمٌ عادي، ببطء، من قِبَلِ رفيقه، وهو بقايا نجم منهار يعرف باسم القزم الأبيض white dwarf.ويتراكم الغاز على سطح القزم إلى أن يبلغ نقطة حرجة ينفجر بعدها مثل قنبلة هيدروجينية ضخمة.

 

بيد أنه لما كانت المستعرات المصدرة للأشعة السينية تتألق shine بطاقات أعلى كثيرا من طاقات المستعرات التقليدية، فإن الجسم المنهار هو شيء ربما كان أكثف جدا حتى من القزم الأبيض. وقد يكون هذا الشيء ثقبا أسود. ويقول <E .J .مكلنتوك> (من مركز هارڤارد  السمثسوني للفيزياء الفلكية): «إن المستعرات المصدرة للأشعة السينية هي ثروة كبيرة، إنها توفر أقوى الشواهد على وجود الثقوب السوداء.»

 

طريقة التفتيش عن ثقب أسود

يلاحظ مكلنتوك أن الطبيعة السريعة الزوال للمستعرات المصدرة للأشعة السينية، وهي الخاصية التي كانت أول ما جذب انتباه الفلكيين، تجعل من المستعرات حقلا مثمرا للدراسة. وأثناء هيجان منبع للأشعة السينية، فإن الوهجglare  يحجب مركّبات المستعرات، لكن ما إن يذوي هذا المنبع حتى يصبح من السهل رصد النجم الرفيق وقياس حركته، ومن ثم استنتاج كتلة الجسم الغريب الذي يجري الدوران حوله.

 

ومن الناحية النظرية، فإن أي جسم منهار تتجاوز كتلته ثلاثة أمثال كتلة الشمس يولد حقلا تثاقليا لا يقاوم بحيث يتقلص الجسم إلى ثقب أسود. وقد أمضى مكلنتوك وآخرون أكثر من عقد من الزمان وهم يفتشون منهجيا عن جسم يتجاوز هذا الحد السحري.

 

وخلال عامي 1991 و 1992 بدأت المعطيات تبدو واعدة على نحو متزايد. وعلى سبيل المثال، ففي العام 1992 ، قام <J .كاساريس> (من معهد الفيزياء الفلكية في جزر الكاناري بإسبانيا) ومجموعة من معاونيه بتحليل المستعرV404 Cygni، وهو مستعر مصدر للأشعة السينية (يبعد عن الأرض 7000 سنة ضوئية) ثار عام 1989. وقد أعلنوا أن النجم غير المرئي يجب أن يحوي من الكتلة حدا أدنى يعادل نحو 6.3 كتلة شمسية، وهذا ما يجعل المستعر V404 Cygni، على حد قول مكتشفيه، «أكثر الحالات المقنعة التي تثبت صحة وجود ثقب أسود.»

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005152.jpg

إن هذه الصورة المركبة التي حصلت عليها الآلة COMPTEL، هي إحدى الآلات المثبتة على متن مرصد كومپتون لأشعة غاما، تعطي فكرة عن الطبيعة الغريبة لبعض منابع الأشعة الغاماوية في السماء. إن نبَّاض السرطان Crab pulsar هو أسطع المنابع المستمرة لأشعة غاما، وهو يومض  30 مرة في الثانية. وفي الشهر8/1992 ازداد سطوع المستعر Nova Persei 1992 بمقدار 000 1000مرة، لكن نوره يخبو الآن نحو الظلام التام. ويتغير الكوازار في خلال أيام. أما انبثاق أشعة غاما فقد تألق بتوهج استثنائي، لكنه زال بعد عشر ثوان فقط.

 

إن السلوك غير المنتظم والجامح للمستعرات المصدرة للأشعة السينية قد يحوي في طياته دلالات مهمة عما يحدث عندما يوجد ثقب أسود في جوار نجم عادي. ويقول مكلنتوك: «ليس واضحا وضوح الشمس سبب انطفاء المستعرات المصدرة للأشعة السينية ـ لكن هذا يحدث.» ويذهب أحد تفسيرات آلية القطعswitching mechanism  إلى أن الثقب الأسود بحاجة ماسة إلى الوقود معظم الوقت، باستثناء حالات عرضية متفرقة حين ينتفخ النجم الرفيق سالخا عنه طبقاته الخارجية التي تذهب إلى الثقب. ويفترض نموذج آخر أن الغاز الصادر عن النجم العادي يتراكم في قرص يحيط بالثقب الأسود إلى أن يبلغ القرص حالة حرجة، وعند هذه النقطة يندفع الغاز بحركة لولبية نحو الداخل مطلقا وميضا من الإشعاع.

 

إن البحوث النظرية، التي أجراها <W .شين> (من گودارد) بالاشتراك مع گيرلس و<M. ليفيو> (من معهد علوم المقراب الفضائي في بالتيمور)، تدعم التفسير الأخير. وتلاحظ مجموعة شين أن المستعرات المصدرة للأشعة السينية غالبا ما تُحْدِث سطوعا ثانويا أو سطوعين ثانويين بعد انقضاء شهرين على الانبثاق الأولي للأشعة، وقد اكتشف مرصد كومپتون لأشعة غاما هذا السلوك في المستعر

1992 Nova Persei ، وهو مستعر مصدر للأشعة السينية ساطع على نحو غير عادي ثار في عام 1992. ويقول گيرلس: «إننا نظن الآن أننا  نعرف ما الذي يسبب ذلك.» ويظن هو وزملاؤه أن هناك عدم استقرار instability في قرص التنامي يطلق الانفجار الأولي للأشعة السينية. بعد ذلك يقوم إشعاع صادر عن الجوار المباشر للثقب الأسود بتحرير مادة من سطح النجم الرفيق، وهذه المادة تسقط في نهاية المطاف في الثقب مولدة التوقد flare التالي للأشعة السينية.

 

ونظرا لتحسن نوعية أرصاد الأشعة السينية وكميتها، فقد اكتشف الباحثون مظهرا مثيرا للاهتمام يتسم بالتكرارية لارتعاش المستعرات المصدرة للأشعة السينية. فعندما قامت مجموعة يرأسها <S .W .پاسييساس> (من جامعة ألاباما في هنتسڤيل) باستخدام مرصد كومپتون لأشعة غاما لمراقبة المستعر Nova Persei 1992 اكتشفت أن سطوعه يتغير على نحو تكراري، لكنه غير منتظم تماما؛ ويطلق الفلكيون على هذه التغيرات اسم الاهتزازات شبه الدوريةquasiperiodic oscillations. وقد سجل الساتل الياباني جينگا Ginga  ترجُّحاتfluctuations  مماثلة في عدة مستعرات أخرى مصدرة للأشعة السينية. وخلال عام 1992، لاحظ عدد من الباحثين تغيرات شبه دورية أيضا في «الدجاجة» Cygnus X-1، وهو نظام يحوي نجما ثنائيا كان يظن لمدة طويلة أنه يحوي ثقبا أسود.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005153.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005154.jpg

يثور المستعر المصدِر للأشعة السينية عندما تتدفق مادة من نجم عادي على رفيقه المنهار، الذي قد يكون ثقبا أسود. إن الغاز الذي يدور حول الثقب الأسود يسخُن ويبث وابلا من الأشعة السينية قبل أن يتم ابتلاعه (في الأسفل)، وثورانات المستعر متقطعة كما يُرى في منحني سطوع NovaPersei 1992 (في الأعلى). ويحتمل أن يكون السطوع الثانوي للمستعر ناجما عن عدم استقرار في النجم العادي أحدثه إشعاع صادر عن الجوار المباشر للثقب الأسود.

 

ويقول <P .J .نوريس> من گودارد: «إن الاهتزازات شبه الدورية تنطلق ـ على نحو مفاجئ ـ في جميع بقاع السماء، مما يجعلنا نحار فيما يجري.» وحتى عهد قريب، كان معظم الباحثين يعتقدون بأن الاهتزازات لا يمكن أن تحدث إلا حول نجوم كالأقزام البيض والنجوم النيوترونية، التي لها سطوح صلبة دوارة. لكن الثقوب السوداء لا تملك البتة مثل هذه السطوح بمعناها التقليدي. وتقتضي عملية الحذف process of elimination  أن الاهتزازات يجب أن تنشأ في قرص التنامي، لكن نوريس يعترف بأن «لا وجود لنظرية جيدة واحدة حول المنشأ الدقيق لاهتزازات الثقب الأسود.».

 

وللاهتزازات التي بُلِّغَ عنها حتى الآن أدوار تراوح ما بين 10 و 100 ثانية ـ وهذه أبطأ من أن تكون ناجمة عن دوران الأجزاء الداخلية للقرص. ويذهب  < E .گُوتِيلْفْ> (من جامعة كولومبيا) إلى أن الاهتزازات قد تحدث عندما تتمزق خطوط الحقل المغنطيسي وتتصل ثانية في القرص الذي يُدوّم بسرعة.

 

ولّد البحث عن الثقوب السوداء في النجوم الثنائية المصدرة للأشعة السينية اهتماما كبيرا لدى الباحثين وقليلا من المفاجآت، ولكنه لم يتوصل إلى مجاراة ادعاءات بعض الباحثين بأن مركز درب التبانة هو مقر لثقب أسود عملاق يحوي قرابة مليون كتلة شمسية [انظر: «ماذا يحدث في مركز مجرتنا؟» مجلة العلوم ، العدد 7 (1992) ، صفحة 34]. وقد يخال المرء أن تحديد موقع آلة مفترسة عملاقة تقبع في مركز مجرتنا التي نقطنها سيكون مسألة بسيطة، لكن الشواهد على ذلك تظل في الحقيقة غير حاسمة. وحتى السير <J .M .ريز> (من جامعة كامبردج،  وهو أحد المؤيدين الرئيسيين لهذه الفكرة) يقر بأن «الدليل ليس قاطعا»، ولكنه يؤكد ـ بابتسامة تعلو شفتيه ـ أن «لا وجود لدليل قوي ضدها.»

كما أن ريز وآخرين يقدمون حججا عامة تؤيد وجود ثقب أسود في قلب المجرة. وكثير من المجرات، بل معظمها، يمر بطور مبكر مضطرب، وخلال هذا الطور يكون في مركزها مناطق متألقة نشيطة. ويقدر <J .تْرُومْپَرْ> (من معهد ماكس بلانك لفيزياء خارج الأرض Max Planck Institute for Extraterrestrial Physicsفي گارشنگ) بأن الساتل رونتگن قد رصد 250000 من هذه المناطق التي يطلق عليها اسم النوى المجرِّية النشيطة active galactic nuclei. ويعتقد معظم المنظرين بأن هذه المناطق تُغذَّى بالطاقة بوساطة ثقوب سوداء أضخم جدا من تلك الثقوب التي تُقرَن بالنجوم الثنائية المصدرة للأشعة السينية. ومثل هذه العمالقة المنهارة يجب أن تكون هاجعة بهدوء في مجرات أقدم وأقرب. وإذا صحَّت هذه النظرية، فإن درب التبانة يحتمل أن يحوي ثقبا أسود أيضا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005155.jpg

صورة أشعة سينية التقطها الساتل رونتگن (ROASAT) تبين على نحو رائع تفاصيل دقيقة في الغيمة الماجلانية الكبيرة. وتمثل البقعة الساطعة في وسط اليسار التوهج الشديد للأشعة السينية الصادرة عن LMC X-1، وهو نظام نجم ثنائي يُعتقد بأنه يحوي ثقبا أسود. وبعض المنابع الأخرى ـ التي تُرى هنا ـ هي نجوم وغيوم غاز ساخن. وهذه الصورة موسعة قرابة أربعة أمثال قطر القمر حين يكون بدرا.

 

هناك بعض الأدلة القوية على أن درب التبانة يحوي مثل هذا الثقب. فقد حدد الفلكيون منبعا راديويا قويا، هو «القوسA*    »، Sagittarius واقعا في مركز المجرة تماما ـ أو قريبا منه ـ في وسط منطقة تحوي غازا مضطربا ومتحركا بسرعة. لكن تبيّن أن القوس A*، خلافا للمستعرات المصدرة للأشعة السينية، هو هدف يصعب تحديد موقعه بمقاريب الأشعة السينية وأشعة غاما. لم تفاجئ ندرة الإشعاع ذي الطاقة العالية الصادر عن القوس A* الباحث ريز الذي يذكر بأن «الثقب قد لا يفعل الكثير معظم الوقت» ـ وبكلمات أخرى، فقد يكون الثقب هادئا بعض الشيء، وذلك يعود ـ ببساطة ـ إلى أن ما يسقط فيه من الغاز قليل جدا.

 

وأخيرا، وفي عام 1991، نجح الساتل الفرنسي السوڤييتي گرانات GRANATفي كشف إصدارات ضعيفة للأشعة السينية من القوس A*. وفي اجتماع الجمعية الفلكية الأمريكية -American Astronomical Society الذي عقد في الشهر 1/1993 ـ قال فريق (برئاسة <R .J .ماتوكس> من گودارد) إن مقراب إيگريتEGRET  ـ الموجود على قمة مرصد كومپتون لأشعة غاما ـ كشف منبعا ضعيفا لأشعة غاما يبعد مسافة 500 سنة ضوئية عن المركز الدينامي لمجرتنا.

 

وقد بنى< F .ميليا> (من جامعة أريزونا) نموذجا متسقا تبرز فيه الإصدارات الراديوية وتحت الحمراء والسينية غير المستقرة للقوس A* من قرص من الغاز الساخن يندفع بحركة لولبية نحو ثقب أسود. وهو يدّعي بفخر بأنه استنبط كتلة، هي «الأكثر ملاءمة»، قدرها نحو 900000  كتلة شمسية وقطرًا لقرص التنامي طوله قرابة 100 مليون كيلومتر، وهذا يساوي تقريبا قطر فلك عطارد حول الشمس. وثمة  باحثون آخرون لهم وجهات نظر أكثر تشككا، مثل <R.پيتر> (من گودارد، كبير علماء الفريق الأمريكي في مشروع بعثة الساتل رونتگن) الذي يصرح بأن «هيئة المحلفين مازالت بعيدة عن التوصل إلى قرار ـ فهناك الكثير من الأدلة المتعارضة فيما يتعلق بالثقب الأسود في مركز المجرة.»

وينشأ هذا الارتباك، جزئيا، عن حقيقة أنه لا يوجد منبع وحيد بل عدة منابع للأشعة السينية وأشعة غاما قرب مركز مجرتنا. وأحد هذه المنابع المثيرة للاهتمام والجدل يحمل الاسم غير المشهور

E 1740.7-29421. فمنذ ثلاثة أعوام صرح <R .سونيابيڤ> (من  معهد البحوث الكونية في موسكو) بالاشتراك مع مجموعة من معاونيه السوفييت والفرنسيين، بأن الساتل  گرانات رصد نبضا قصير الأمد من أشعة غاما، ولكن شديد السطوع، صادرا عن المنبع E 1740.7-29421. وكان لكثير من الإشعاع الصادر عن هذا المنبع طاقة تقترب من000  511  إلكترون فلط، وهي الكمية التي تُحرَّر عندما يقابل إلكترون ويفني توأمه من الپوزيترون (ضديد المادة). (للمقارنة، إن الضوء المرئي يحمل طاقة تقدر بنحو 2 إلكترون ڤلط). ولهذا السبب، أطلق <M .ليڤنثال>، (الذي يعمل الآن في گودارد) على هذا المنبع اسم «العادم العظيم» Great Annihilator.

 

بهذا الأسلوب المحكم الفريد يوجز ليفنثال الكيفية التي يمكن أن يعمل وفقها العادم العظيم. فمن المحتمل أنه مكوَّن من نجم عادي ضخم وثقب أسود كتلته تعادل كتلة نجمية، كل منها خاضع للدوران حول الآخر في فلك صغير. وتغدو حرارة الغاز الساقط على الثقب الأسود مرتفعة جدا بحيث يصدر أشعة غاما. ولما كانت المنطقة المشعة حول الثقب جد صغيرة، فإن كثيرا من هذه الأشعة يصدم بعضها بعضا مولدة أزواجا من الإلكترونات والپوزيترونات (هذا الواقع هو بيان لصحة معادلة آينشتاين الشهيرة التي تقرر أن المادة والطاقة متكافئتان). وتنبثق دفقات من الإلكترونات والپوزيترونات من هذا النظام، وفي نهاية المطاف تَفنى الپوزيترونات مع الإلكترونات في غيمة كثيفة من الغاز، وهذا يولد الأشعة الغاماوية التي طاقتها   000 511   إلكترون فلط.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005156.jpg

تُظهِر هذه الخريطة السماوية التي حصل عليها الساتل رونتگن قرابة 50000 منبع للأشعة السينية. ويظن أن أكثر من نصفها نوى مجرية نشيطة ومجرات ساطعة على نحو استثنائي ومناطق مركزية دينامية. إن المجرات النشيطة تبعد عنا ـ وسطيا ـ مليون مرة من بُعد نجوم مجرتنا عنا، وهذا يشير إلى الضيائية الهائلة للمجرات. وتدل الألوان على التدفق النسبي للأشعة السينية العالية الطاقة «النفّاذة» hard والمنخفضة الطاقة «غير النفاذة» soft الصادرة عن كل منبع. ويشير اللون الأحمر إلى أضعف المنابع نفوذا، والأصفر إلى المنابع المتوسطة نفوذا، والأزرق إلى أقواها نفوذا.

 

وقد أثبت العادم العظيم أنه متقلب على نحو مثير، كغيره من الأجسام التي يشتبه بأنها ثقوب سوداء. وإذ يواصل مرصد كومپتون لأشعة غاما مراقبة منطقة مركز المجرة بعين يقظة، فإن العادم العظيم يتصرف كطفل سييء السلوك تراقبه عيون والديه: إنه يحافظ على هدوئه بكل تهذيب. وقد صرح <W .پورسل، جونير> (من جامعة نورث وسترن) بأنه جزع كثيرا لأن جهاز OSSE المثبت على متن مرصد كومپتون لأشعة غاما لا يرى «دليلا» على أن العادم العظيم يقوم بأي إفناء أبدا. وهو يقر بأن «الأمر سيكون أكثر إثارة، إلى حد كبير، إذا رأينا فعلا خط 000 511   إلكترون ڤلط.» ويتابع كلامه قائلا: «لكنني سأسمي الخطوط كما أراها.»

 

ومن ناحية أخرى، فإن خريطة راديوية، أعدها <F .I .ميرابل> (من  مركز البحوث النووية في ساكليه بفرنسا) بمشاركة العديد من زملائه، تؤكد أن العادم العظيم هو في الحقيقة شيء نادر ورائع المنظر. إنه دَفَقان متقابلان يبثان أمواجا راديوية، وينبثقان عن منبع متراص ينطبق على الموقع الذي يبث الأشعة السينية وأشعة غاما. وتفسير ميرابل، الذي تبناه ليڤنثال بحماسة، هو أن الدفقين الراديويين يرسمان خطوط حركة الپوزيترونات العالية السرعة قبل أن تفنى في الغيوم الغازية المحيطة.

 

إن بنى الدفوق هذه غير مألوفة بين الأجسام في درب التبانة، لكنها تثير إحساسا برؤيتها من قَبْل لدى الفلكيين الذين يدرسون كبرى المحطات الكونية لتوليد الطاقةـ وهي الكوازارات وأمثالها التي تُعرف إجمالا باسم النوى المجرية النشيطة. وفي بعض الحالات، تمتد الدفوق مئات الآلاف من السنين الضوئية من المنبع المتألق  ـ لكن المتراص ـ في مراكز هذه المجرات. وتشبه النوى المجرية النشيطة أيضا العادم العظيم من ناحية الجمع المتناقض ظاهريا بين التغير السريع والسطوع المذهل.

 

فهم الكوازارات

يمكن أن يفوق تألق الكوازارات تألق درب التبانة الكلي بعامل قدره 1000، ومع ذلك فإن سطوعها في الضوء المرئي يمكن أن يتغير 50 في المئة خلال يوم واحد. وتؤكد آخر دورة لأرصاد الطاقة العالية ـ وأهمها تلك التي أنجزها مرصد كومپتون لأشعة غاما ـ التطرف الشديد للسلوك الذي يمكن أن تتسم به بعض الكوازارات. وتضيف المعطيات الجديدة أيضا دعما مؤثرا للنماذج النظرية الرئيسية للكيفية التي يمكن أن تُنجِز بها مثل هذه الأجرام بعض تصرفاتها الغريبة التي يمكن وصفها بأنها خارقة.

 

وتبين هذه النماذج أن أشد الكوازارات ضيائية luminosity تشتمل على ثقوب تحوي داخلها بليون كتلة شمسية في منطقة يمكن أن تُحشر داخل فلك بلوتو حول الشمس. وكما هي الحال في النجوم الثنائية المصدرة للأشعة السينية، فإن الغيوم الغازية التي تطوقها ترتفع حرارتها وتشع بقوة، وذلك مباشرة قبل أن يبتلعها الثقب الأسود المركزي. وفي بعض الحالات، تنطلق من قرص التنامي دفوق من الجسيمات المشحونة مسافات تقدر بعشرات الآلاف من السنين الضوئية. والزاوية التي يُرى من خلالها القرص من قبل الفلكيين على سطح الكرة الأرضية تحدد مظهر الجسم ومن ثم الطريقة التي يصنَّف بها. إن الكوازارات وأبناء عمومتها التي تشبهها، وهي أجرام لاسرتا BL Lac objects، هي أشد النوى المجرية النشيطة إشراقا، ويعرف أكثر أقربائها رصانة باسم مجرات سيفرت Seyfert.

 

إن أرصاد طاقات الأشعة السينية تصلح أن تكون دليلا مقنعا، ولو أنه عرضي، على أن النوى المجرية النشيطة مؤلفة فعلا من أقراصِ تنامٍ حول ثقوب سوداء مفرطة الكتلة. وقد عرف الفلكيون منذ عدة سنوات أن سطوع الأشعة السينية من النوى يمكن أن يتغير بسرعة كبيرة، في مدى ساعات بل دقائق. ويقول <A .لورنس> (من كليتي كوين ماري  ووستفيلد في لندن): «إن كثيرا من الناس يعولون على تغيرات الأشعة السينية، لأن سرعتها تخبرك بأنه يتعين عليك توجيه نظرك إلى القلب تماما» ـ أي إلى الجوار المباشر للثقب الأسود. وفي المناطق الداخلية حول ثقب أسود، تكون المسافات صغيرة جدا والحركات سريعة جدا، بحيث يمكن للتغيرات أن تحدث خلال هذه الفترات الزمنية الصغيرة.

 

وقد أعلنت بحوث سابقة أن تغيرات الأشعة السينية بدت عشوائية، لكن عندما قام لورنس وتلميذه المتخرج <I .پاپاداكيس> بإعادة تحليل أرصاد الأشعة السينية المحفوظة لمجرة سيفرت NGC 5548 رأوا شيئا غير متوقع أبدا: إنه اهتزاز شبه دوري بطول نحو ثماني دقائق. وعندما تفحص لورنس وپاپاداكيس الأرصاد الواردة من الساتل الياباني جينگا، وجدا النموذج الزمني نفسه هناك أيضا، مما حدا بلورنس أن يقول بابتهاج: «إن هذا يبرهن على أننا لا نحلم.» وقد زاد من سعادة لورنس أيضا اكتشاف اهتزازات مشابهة في نظم النجوم الثنائية التي يظن بأنها تحوي ثقوبا سوداء. ويخامر لورنس شعور بأن «الآلية نفسها تفسر هذين النوعين من الأشياء.»

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005157.jpg

تتوقد انبثاقات أشعة غاما (النقاط الخضراء) فجأة وتستمر مدة تراوح ما بين جزء من الثانية ودقيقتين، ولم يسبق أن شوهد انبثاق يتكرر. وقد كان بعض الفلكيين يظنون أن الانبثاقات تنشأ عن نجوم نيوترونية موجودة في مجرتنا، التي يجب أن تظهر فيها الانبثاقات مصطفة على طول شريط درب التبانة (الذي نراه هنا في صورة فوتوغرافية بالضوء المرئي). لكن مرصد كومپتون لأشعة غاما بيّن أنها ترد من اتجاهات عشوائية.

 

قد تشير دورية المجرة NGC 5548 إلى أن كتلة صغيرة من مادة ساخنة تدور في فلك ـ يُرى قسم منه ولا يرى القسم الآخر ـ موجود في قُرْص تنامٍ أو أنها قد تمثل عدم استقرار متقلبا oscillating instability  في القرص نفسه. ولو صح أحد هذين التفسيرين، لأمكننا استنتاج قيمة تقريبية لكتلة الثقب الأسود انطلاقا من دور التغير. ويستنتج لورنس كتلة تراوح ما بين  000 100ومليون كتلة شمسية، وهذا أقل بمقدار عشر مرات إلى 100 مرة مما قدَّره باحثون آخرون انطلاقا من التغير الضوئي للمجرة NGC 5548. ويعترف لورنس بأن هذا يجعله عصبيا إلى حد ما.

 

ومن المؤكد أن لعبة التخمينات المتعلقة بالثقوب السوداء مازالت تحوي مجالا واسعا للخطأ. ويأمل لورنس أن تدفع أرصاده النماذج النظرية «مباشرة إلى مداها الأقصى» كي نتمكن من إيضاح كيفية عمل أنظمة الثقوب السوداء.

 

ويتجه المنظِّرون نحو القبول بأن الاهتزازات شبه الدورية يحتمل حدوثها كلما وُجد قرصُ تنامٍ، لكنه ـ وحتى الآن ـ ثمة مجرة نشيطة واحدة فقط تبدي تغيرات منتظمة بدقة الميقاتية. ففي عام 1985 اكتشف ساتل الأشعة السينية إكزوسات EXOSAT  أن السلوك التوهجي لمجرة أخرى من مجرات سيفرت، وهيNGC 6814، يبدو متكررا كل 3.3 ساعة. وقد حللت <C .دون> (من جامعة ليسستر) معطيات حديثة من الساتل جينگا وتوصلت إلى دور period أدق يساوي 12.1300 ثانية. وبينت  هذه الباحثة أيضا أن هذا الدور يظل «مستقرا جدا» مما يوحي بأن منشأه ليس قرص تنام، حيث من المحتمل أن تكون الظروف متغيرة باستمرار.

 

وترى (دُون) أن أكثر الأسباب قبولا لحدوث التغير المنتظم هو نجم محجوز في فلك صغير حول الثقب. ويتطلب مثل هذا التفسير أن تكون الأشعة السينية التي تبثها المجرة NGC 6814 صادرة عن جسم وحيد، وليس عن مجموعة منابع صغيرة. وهذه حجة على وجود ثقب أسود «من الوزن الثقيل»، هذا وإن دور التغير يعطي إشارة إلى قيمة كتلة الثقب.

 

ومن الواضح أنه لم يتم التهام النجم من قِبَل الثقب، ومن ثم يتعين أن يكون سابحا في فلك حول الثقب على مسافة مأمونة بعض الشيء. فإذا كان النجم يدور حول الثقب على مسافة 80 مليون كيلومتر تقريبا منه ـ وهذا يعادل مسافة تفوق نصف قطر الثقب نفسه نحو 50 مرة ـ فإن كتلة الثقب ستكون أكبر من كتلة الشمس قرابة مليون مرة. وترى (دُون) أن الجسم المركزي يجب أن يحوي أقل من 100 مليون كتلة شمسية لتفادي ابتلاعه للنجم، لكنه يجب أن يحوي أكثر من  000 100كتلة  شمسية لتوليد السطوع المرصود للأشعة السينية الصادرة عن المجرة NGC 6814. وهذا المدى يقع تماما ضمن القيم التي توقعها علماء الفيزياء الفلكية استنادا إلى النماذج التي تبين كيفية تألق النوى المجرية النشيطة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H02_005158.jpg

أمضى <B .پازينسكي>(من جامعة پرنستون) سنوات وهو يكافح لحل لغز انبثاقات أشعة غاما. وقد بقي خلال الثمانينات يشكك بالنظريات السائدة آنذاك والتي كانت تفسر الانبثاقات، ومن ثم فإنه لم تعتره الدهشة عندما أثبت مرصد كومپتون لأشعة غاما عدم صحتها. وهو يظن أن الانبثاقات يمكن أن تنشأ نتيجة تصادمات بين النجوم النيوترونية في المجرات البعيدة.

 

«فوتونات من جهنم» 

يقوم مرصد كومپتون لأشعة غاما باختبار بعض تفصيلات تلك النماذج، وذلك بتوفير صورة محسنة جدا لما تبدو عليه النوى المجرية النشيطة في الطاقات العالية جدا لأشعة غاما. ويقول <D .C .ديرمر> (من مخبر  البحوث البحرية في مدينة واشنطن) إن المعطيات الجديدة «أعادت النشاط تماما إلى هذا الحقل.» وحتى الآن، فإن ديرمر سعيد بقوله إن نتائج مرصد كومپتون لأشعة غاما «منسجمة، إلى حد ما، مع السيناريو العياري standard  المتعارف.» ويبدو أن المجرات النشيطة التي لا تصدر إشعاعات راديوية لا تحوي دفوقا، ومن ثم فإن جميع إشعاعاتها يجب أن تصدر عن المادة المحيطة بالثقب الأسود. وهو يصرح بأن الإشعاع الخارج من هذه المجرات النشيطة «الهادئة راديويا» يصدر بطاقات تفوق  000 100إلكترون فلط تقريبا. وهو يؤكد أن طيف الطاقة العالية لهذه الأجسام يشبه ما يتوقعه المرء من قرص من الغاز الساخن يدور حول ثقب أسود ذي كتلة مفرطة.

 

ويتعين على المجرات النشيطة ـ التي تحوي دفوقا مصدرة للموجات الراديوية ـ أن تكون قادرة على توليد انهمارات لأشعة غاما بطاقات أعلى بكثير. وقبل إطلاق مرصد كومپتون لأشعة غاما عام 1991، لوحظ أن مجرة نشيطة واحدة فقط، هي الكوازار  3C 273، تصدر أشعة غاماوية حاملة طاقة تتجاوز 100 مليون إلكترون ڤلط، لذا فإن الباحثين لم يتمكنوا ـ استنادا إلى هذه الحادثة فقط ـ من استخلاص أي نتائج عامة.

 

لقد تغير الوضع الآن، إذ إن المسح الدقيق لبقاع السماء المصدرة لأشعة غاما بوساطة مرصد كومپتون كشف 23 مجرة مصدرة لهذه الأشعة، وهذا العدد يتزايد أسبوعيا. وكل هذه المجرات منابع راديوية قوية، ولجميعها تقريبا طيف يطلق عليه الفلكيون اسم «الطيف من النمط المتوقد» blazar-type spectrum، الذي يبدو فيه الطيف عند أعلى الطاقات مختلفا تماما عن الإشعاع الذي يبثه الغاز الساخن. وتوصل ديرمر إلى استنتاج أنه «يبدو لنا أننا ننظر مباشرة تقريبا إلى دفق» هذه المجرات.

 

إن وجود دفقٍ موجَّهٍ نحو الأرض من شأنه أن يساعد على تفسير كثير من الصفات المميزة للكوازار المشهور C 2793. وعلى الرغم من أنه  يبعد عنا مسافة ستة بلايين سنة ضوئية تقريبا ـ وهذا يساوي نصف المسافة إلى النهاية المرئية للكون ـ فإن هذا الكوازار ظهر بوضوح في المكاشيف detectors الموجودة على متن مرصد كومپتون. واستنادا إلى هذه الرصود، فإن الكوازار  C 2793  يحمل  الرقم القياسي كأشد منابع أشعة غاما سطوعا في الكون. وأيا كان المحرك المركزي الذي يولد أشعة غاما، فإنه فعال جدا، لأن الكوازار C 2793 يبث من الطاقة في نطاق أشعة غاما عشرة أمثال ما يبثه في جميع الأجزاء الأخرى من الطيف. وهذا المحرك يجب أن يكون صغيرا أيضا. وقد شاهد <C .R .هارتمان> (من گودارد) ومعاونوه، الذين يتعاملون مع مقراب إيگريت المثبت على متن مرصد كومپتون، أن سطوع أشعة غاما للكوازار

279  C3  تضاعف ثم اشتد أربع مرات خلال فترة زمنية امتدت أسبوعين في عام 1992.

 

إن حزمة من الجسيمات ـ تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء ـ تجعل الصفات المميزة للكوازار C 2793 قابلة للتفسير إلى حد ما. وإذا كانت الأرض هدفا لحزمة مركزة من الجسيمات، فلن يكون من الضروري للكوازار عند ذلك أن يشع بالشدة نفسها في الاتجاهات الأخرى، وهكذا يمكن أن تكون ضيائيته الكلية أكثر تواضعا مما يمكن للمرء أن يقبله بكل بساطة. ويمكن للجسيمات المسرَّعة إلى سرعات قريبة من سرعة الضوء في الحزمة أن تحمل من الطاقة ما يكفي لتوليد أشعة غاما العالية الطاقة.

 

وفي الحقيقة، فإن الكوازار  C 2793 كان يعرف بأنه كوازار «ذو ضوء فائق»superluminal، أي إنه جسم تبدو بعض أجزائه بالتصوير الراديوي أنها تسير بحركة أسرع من الضوء. ويظن أن حالة الضوء الفائق هي وهج ناجم عن الآثار النسبوية relativistic  في حزمة قوية تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء، وهذه فكرة تنسجم مع الأرصاد الأخرى.

 

وتتحرك الجسيمات في الدفوق على نحو عنيف يجعلها تولد أشعة غاماوية قوية جدا يستطيع حتى مرصد كومپتون أن يراها. وفي الشهر 8/1992 اكتشف فريق من الباحثين برئاسة <C .T .ويكيس> (من مرصد ويپل في أمادو بولاية أريزونا) أقوى أشعة غاماوية شوهدت حتى الآن من مجرة نشيطة. فقد وجدوا أن «ماركاريان 421» Markarian ـ وهو جرم قريب ينتمي إلى أجرام لاسرتا BL(ويبعد عنا نحو 4000 مليون سنة ضوئية فقط، وهذه مسافة صغيرة بالنسبة إلى جرم من هذا النمط) ـ يصدر أشعة غاماوية طاقتها تعادل تريليونات إلكترون ڤلط.

 

وهذه الأشعة هي من القوة بحيث يمكن رصدها من سطح الأرض. وعند اصطدامها بذرات جو الأرض، فإن الأشعة تولد رذاذا من جسيمات دون ذريةsubatomic particles ثانوية تولِّد بدورها وميضا flash  مرئيا لدى تباطئها. إن أشعة غاما الصادرة عن ماركاريان 421 ـ التي يسميها بعض الباحثين «فوتونات من جهنم» photons from hell  ـ تشير إلى أن الجسيمات في الدفق يجب أن تنطلق بطاقة تعادل، في الأقل، طاقة أشعة غاما التي تبثها أخيرا هذه الجسيمات. وقد كشف الساتل رونتگن منذ عهد قريب أن ماركاريان 421 هو أيضا منبع للأشعة السينية ومتغير جدا.

 

إن كشف حقيقة أن العديد من الكوازارات وأجرام لاسرتا BL تتألق بشدة وعلى نحو متقلب في الطاقات العالية يقدم دعما إضافيا للرأي القائل بأن هذه الأجرام يجب أن تكون موجودة حول ثقوب سوداء مفرطة الكتلة. وتذهب إحدى النظريات القديمة العهد ـ التي تعترض على هذه المقولة ـ إلى أن المجرات النشيطة تشع نتيجة تكوُّن النجوم وانفجارات المستعرات الأعظمية الواسعة الانتشار. لكن <A .روبنسون> (من جامعة كامبردج) يلاحظ أن مثل هذا النموذج لا يمكن أن يفسر الطاقة أو التغير السريع للإشعاع الصادر عن كثير من النوى المجرية النشيطة.

 

تفسير ما لا يمكن تفسيره

إن نجاح علماء فيزياء الفلك في استخدام الثقوب السوداء في تفسير المستعرات المصدرة للأشعة السينية والنوى المجرية النشيطة، جعل بعض هؤلاء العلماء يستشهدون بالثقوب السوداء لتفسير منابع خاصة لأشعة غاما تسمى مفجِّرات أشعة غاما gamma-ray bursters، التي قد تكون أشد الظواهر الطبيعية المعروفة إبهاما وتغيرا، وذلك يعود إلى أنه خلال فترة تراوح ما بين جزء من الثانية ودقيقتين، فإن هذه المفجرات تومض بشدة تعلو شدة أي منبع آخر لأشعة غاما في السماء ـ وغالبا ما تكون الشمس ضمن هذه المنابع. هذا ولا يوجد وميضان متماثلان تماما، كما أنه لا يمكن أن يصدر وميضان عن الاتجاه نفسه تماما. وفضلا عن ذلك، فإن انبثاقات هذه المنابع تشتد وتضعف بسرعة مذهلة حتى بمعايير الفيزياء الفلكية عالية الطاقة high-energy astrophysics. ويحدث أقصر التغيرات أمدا في أقل من جزء في الألف من الثانية بكثير، وهذا يدل على أن الانبثاق ينشأ في منطقة قطرها لا يتجاوز بضع عشرات من الكيلومترات. ولم يتمكن أحد حتى الآن من رصد المناطق التي تنطلق منها الانبثاقات.

 

وبحلول منتصف الثمانينات، توصل الفلكيون إلى اتفاق عام حول مصدر هذه المقذوفات الشاذة من أشعة غاما. وقد ذهبت النظرية العيارية إلى أن الانبثاقات نجمت عن نوع من التصدع جرى على نجم نيوتروني أو حوله، وهذا النجم هو بقايا مفرطة الكثافة خلَّفها انفجار مستعر أعظم. وكثافة نجم نيوتروني هي من الضخامة بحيث يمكن أن نزج في كرة قطرها 20 كيلومتر ما كتلته تعادل تقريبا كتلة الشمس من مادة النجم. ونظرا لهذه الكثافة الهائلة، فإن أقل تصدع ـ ضربة زلزال، صدم كويكب asteroid صغير ـ يمكن أن يحرر قدرا هائلا من الطاقة، وهذا يفسر ومضات أشعة غاما التي تختفي بسرعة.

 

كان الباحثون يأملون بأن تُثبت الأرصاد التي يجريها مرصد كومپتون لأشعة غاما صحة النظرية العيارية، وأن يزول نهائيا الغموض الذي يلف انبثاقات أشعة غاما. ويحمل مرصد كومپتون على متنه جهازا يسمى Burst and Transient Source Experiment، أو اختصارا باتس BATSE، وهو يمسح السماء كلها بحثا عن ومضات مفاجئة لأشعة غاما. فلو كانت الانبثاقات مرتبطة بنجوم نيوترونية، لوجب أن يظهر أضعفها متراصفا في مستوي درب التبانة، تماما كما تقع «أبهت» النجوم في السماء الليلية على طول ذلك الشريط.

 

وما أثار دهشة الجميع هو أن الجهاز باتس بيَّن أن الانبثاقات الباهتة موزعة عشوائيا في السماء، تماما مثل الانبثاقات الساطعة. وتفسير هذا اللغز هو أنه يوجد نقص في عدد الانبثاقات الباهتة المرئية، مما يشير إلى أن الجهاز باتس يتمكن من الرؤية إلى حافة حشد كروي لكنه محدود. وخلافا للأجهزة السابقة، فإن الجهاز باتس لا يرى ذلك النوع من أطياف أشعة غاما الذي ظن الباحثون أن النجوم النيوترونية قد تولده.

 

وبين عشية وضحاها، بدأ نموذج النجم النيوتروني يبدو غير جدير بالثقة، وهذا حث المنظِّرين على أن يندفعوا نحو اختراع أفكار بديلة. بيد أنه لم يكن جميع الباحثين غير متحفظين. ويقول <B .پازينسكي> (من جامعة پرنستون) بصوت مفعم بالغضب: «كانت كل هذه الأفكار من بدايتها محض تخمينات.»

 

وهكذا، فما الشيء الذي يتوزع حول الأرض بالتساوي في جميع الاتجاهات، وهو، فضلا عن ذلك، منتهي finite الحجم؟ هناك جواب واحد ـ واضح وضوح الشمس تقريباـ إنه الكون نفسه، وفي هذه الحالة تكون «الحافة» المدرَكَة لحشد انبثاقات أشعة غاما مقابلة للنهاية المرئية للكون. وقد جَهِد پازينسكي في حث زملائه على دراسة هذه الإمكانية طوال سنوات قبل أن تظهر نتائج الجهاز باتس، وقد باتت هذه الإمكانية تشكل رأي الأغلبية الآن.

 

والسؤال الذي يتعين على پازينسكي وآخرين مواجهته هو تفسير كيف أن جسما بحجم جزيرة برمودا، ويبعد عنا ملايين بل بلايين السنين الضوئية، يمكن أن يفوق تألقه كل مصدر آخر لأشعة غاما في السماء. ولن يكون من المفاجئ إذا انبرى بسرعة ثقب أسود للإجابة عن السؤال. فقد استنبط پازينسكي مخططا (سيناريو) يصطدم فيه نجم نيوتروني بثقب أسود، أو يلتحم فيه نجمان نيوترونيان مكوِّنين ثقبا أسود. ويولد التصادم الأولي، والأنقاض المتخلفة التي تسقط في الثقب، انفجارا قصير الأمد ـ لكن عنيفا ـ للإشعاع الغاماوي. ويرى پازينسكي أن مثل هذا النموذج «يراعي القيود الرصدية الأساسية» المفروضة على انبثاقات أشعة غاما، لكنه سرعان ما يضيف إلى ذلك قوله بأنه «لا وجود لشيء في المعطيات يبين أنه صحيح.»

 

ويقول <E .B .شيفر>من گودارد: «في أحد الأيام اللطيفة يمكنني تقديم ثمانية براهين لا بأس بها لدحض نموذج پازينسكي.» وألذع نقد يوجهه هو أنه في أبسط أنماط النموذج يجب على النيوترونات المتصادمة أن تولد نوعا مختلفا جدا لِطيف أشعة غاما عن الطيف الذي تولده الانبثاقات فعلا. ومن جهة أخرى، فإن ديرمر يشير إلى أن انبثاقات أشعة غاما تبدو «مشابهة على نحو مذهل لإصدارات أشعة غاما من الكوازارات.» لذا فإنه يقترح نموذج ثقب أسود مختلفا تماما. وفي هذا المخطط المميز، تحدث الانبثاقات حين يلتهم ثقب أسود ضخم وهامد في مركز مجرة مظلمة نجما كاملا دفعة واحدة وبسرعة. وهنا أيضا تبرز مشكلة، إذ إن ريز توصل حسابيًّا إلى أن التوقد الناتج يجب أن يدوم بضع سنوات لا بضع ثوان.

 

لكن پازينسكي يذكر بأنه ليس من الضروري البتة اللجوء إلى الثقوب السوداء. فإذا كانت انبثاقات أشعة غاما لا تحدث في البقاع البعيدة من الكون، فيمكن للمنظِّرين العودة إلى نموذج انفجار النجم النيوتروني الذي يتسم بالأناقة، والذي طور قبل استخدام الجهاز باتس. وتصبح المسألة عندئذ هي تفسير السبب في ظهور الانبثاقات على نحو متساو في جميع الاتجاهات. إن إحدى طرق تفسير هذا التوزع المنتظم هو الافتراض بأن درب التبانة محاط بهالة من النجوم النيوترونية نصف قطرها يتجاوز 100000 سنة ضوئية تقريبا.

 

وهذا النوع من «التفسير» يثير مباشرة سؤالا آخر: كيف دخلت النجوم النيوترونية إلى الهالة التي لا نرى فيها نجوما عادية؟ وللإجابة عن هذا السؤال يقترح< J .سيلك> (من جامعة كاليفورنيا في بركلي) بالتعاون مع <D .إيكلر> (من جامعة بن گوريون في فلسطين) إمكانية مثيرة للاهتمام. فقد يكون درب التبانة محاطا بحشد من الأقزام البيض، وهي بقايا أقدم حشد من النجوم تكوّن قبل أن تنهار مجرتنا وتأخذ شكلها اللولبي المفلطح الحالي. ومن وقت لآخر يندمج زوج من هذه الأقزام البيض مكونا نجما نيوترونيا. ويولِّد كل نجم نيوتروني حديث المولد انبثاقا لأشعة غاما أثناء استقرار قسمه الداخلي.

 

وتُجرى الآن عملية بحث عن كتل ضخمة من مادة غير مرئية تحيط بدرب التبانة (هي «المادة المظلمة» dark matter السيئة الذكر)، ويتعين على هذه العملية أن تبين خلال السنوات القليلة المقبلة ما إذا كانت غيمة الأقزام البيض التي اقترحها سيلك موجودة فعلا. لكن الأدلة التي يوفرها الجهاز باتس لا تبدو عموما داعمة لنماذج تفترض وجود انبثاقات لأشعة غاما في هالة درب التبانة. وعلى سبيل المثال، فإن <J .J .برينارد> (من مركز مارشال للطيران الفضائي التابع لناسا) تخلى عن النتائج التي حصل عليها في عمله السابق، وهو يعلل ذلك قائلا: «إنني أجد من الصعب جعل نموذج هالة مجرية يحقق أي نجاح الآن.»

 

إن الافتقار التام إلى تفسير ملائم لانبثاقات أشعة غاما قاد بعض الباحثين إلى التفكير بنماذج أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن <S .R  .وايت> (من جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد) يجري محاولات لإثبات أن انبثاقات أشعة غاما تنجم عن المذنبات المتصادمة. ويتطلب نموذجه وجود غيمة جديدة، لم تكن معروفة سابقا، من مذنبات ممغنطة تحيط بالشمس. ويعلق <G  .فيشرمان> (من مركز مارشال للطيران الفضائي، والذي يرأس مجموعة العلماء التي تشرف على الجهاز باتس) قائلا: «إننا نشهد مباراة بين المنظّرين، ولا نعلم تماما ما هذه الأشياء التي يقترحونها.» وقد ظهر خلال عامي 1991 و1992 أكثر من 100 نموذج لانبثاق أشعة غاما في المجلات العلمية المحكّمة.

 

إن أحجية انبثاق أشعة غاما تؤدي دور مذكرة تحذيرية تشير إلى أنه على الرغم من إطلاق مرصد كومپتون لأشعة غاما والساتل رونتگن، فإن الفلكيين مازالوا في بداية بحوثهم حول منابع الطاقات العالية في السماء. وثمة طريق طويل بين الرصد وفهم المصادر المتقلبة التي قد تحوي ثقوبا سوداء. ويقول پازينسكي إن «الفلكيين دأبوا على رصد النجوم آلاف السنين قبل أن يدركوا السبب الذي يجعلها تتألق.» ويعلق على هذا بقوله «إن هذا السبب والطريقة التي يعمل بها هما أمران مختلفان جدا.» وبالطبع فإن الرغبة في ردم الهوة بينهما تفسر الكثير من الانفعال الذي يسود المجتمع الفلكي، الآن، بكل وضوح . ويلخص شيفر الوضع بإيجاز لا يخلو من الحماس إذ يقول: «إن الربح كبير، لذا واظِب على البحث دون انقطاع، وما عليك إلا أن تكون متفائلا.»

Scientific American , May1993

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى