لماذا يتحدث الأطفال إلى أنفسهم
لماذا يتحدث الأطفال إلى أنفسهم
غالبًا ما يُوبَّخ الأطفال بسبب تحدثهم إلى أنفسهم بصوت مرتفع،
مع أن ذلك يساعدهم على ضبط سلوكهم وإتقان مهارات جديدة.
<E.L.بيرك>
إن أي والد أو معلم أو جليس أو مشاهد عابر، سيلاحظ أن الأطفال الصغار يتحدثون إلى أنفسهم ـ وأحيانا يكون ذلك بقدر ما يتحدثون به إلى الآخرين أو أكثر. يشكل هذا التحدث إلى النفس (الحديث الخاص) private speech (كما اصطلح عليه علماء النفس المُحْدَثون) ما بين 20% و 60% من مجموع الملاحظات التي تصدر عن الطفل الذي لم يتجاوز سن العاشرة من عمره. وكثير من الآباء والمربين يسيئون تفسير هذه الثرثرة حيث يعتبرونها علامة على العصيان أو اللامبالاة أو نوعا من الاضطراب العقلي. وفي الحقيقة، إن مثل هذا التحدث إلى النفس هو جزء أساسي للنمو المعرفي (الإدراكي) لدى جميع الأطفال على حد سواء. وإن تقبل هذه الحقيقة سيؤثر بفاعلية في الأساليب المتبعة لتعليم الأطفال، الأسوياء منهم أو الذين يعانون صعوبات في التعلم.
ومع أن هذا التحدث إلى النفس أمر يفترض أنه قديم قدم اللغة ذاتها، فإن المناخ السياسي في روسيا خلال الثلاثينات والسلطة العلمية لأحد كبار واضعي نظرية المعرفة الغربيين، قد حالا دون فهم علماء النفس والمربين أهميةَ هذا الأمر حتى وقت قريب جدا. ففي روسيا ومنذ أكثر من ستة عقود من الزمن سجل عالم النفس الشهير<L.S.ڤيگوتسكي> Vygotsky لأول مرة أهمية تحدث الطفل إلى نفسه. ولكن النظام الستاليني حينذاك دأب على اضطهاد العديد من المفكرين وطرد الكثير منهم من الجامعات ومراكز البحوث. وانغلق علماء النفس السوڤييت على أنفسهم بدافع الخوف. فالبعض منهم أعلن أن ڤيگوتسكي خائن مرتد، كما انفصل عن مجموعته العديد من زملائه وطلبته. وحسبما يذكر أحد طلبة ڤيگوتسكي، فإن الحزب الشيوعي هيأ «لمناقشة» جادة تستهدف أفكار ڤيگوتسكي. إلا أنه في عام 1934 وقبل أن يتمكن ڤيگوتسكي من نسخ واستكمال دراساته الأولية أو الدفاع عن موقفه أمام الحزب توفي بمرض السل. وبعد ذلك بعامين منع الحزب الشيوعي تداول أعمال ڤيگوتسكي المنشورة.
إضافة إلى عدم اطلاع علماء النفس والمربين الغربيين على آراء ڤيگوتسكي، كانوا أيضا مقتنعين بآراء العالم السويسري البارز<جان بياجيه>Piaget، والتي من ضمنها أن التحدث إلى النفس ليس له أي دور إيجابي للنمو المعرفي (الإدراكي) لدى الطفل السوي. ففي العشرينات من هذا القرن وقبل أن يبدأ ڤيگوتسكي تحقيقاته واستطلاعاته حول هذا الموضوع، كان بياجيه قد أتم سلسلة من الدراسات الأولية التي سجل فيها، بعناية، ألفاظ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة والسابعة. وإلى جانب التحقق من بعض الظروف الاجتماعية، حدد بياجيه ثلاثة أنماط إضافية من تعبيرات الأطفال التي لا يمكن فهمها بسهولة أو أنها غير واضحة تماما. فقد كرر الأطفال بعض المقاطع والأصوات بشكل هزلي، وأصدروا نوعا من المناجاة والدندنة، أسماه بياجيه المنولوج الجماعي.
وصف بياجيه هذه الأنماط الثلاثة للحديث المتمركز حول الذات، بأنها لا تصدر إلا عن عقول يعوزها النضج. وقد علل ذلك بأن الأطفال الصغار ينهمكون في مثل هذه الثرثرة المتمركزة حول الذات لأنهم يجدون صعوبة في فهم الآخرين. إذًا، فإن جزءًا كبيرًا من كلامهم هو حوار مع أنفسهم ولا يسهم في التواصل والتخاطب مع الآخرين إلا بقدر قليل. إضافة إلى ذلك، اعتبر بياجيه هذا الحديث مجرد أمر مصاحب أو مكمل أو معزز للنشاط الحركي لدى الطفل، أو أنه ضرب من الخلط الكلامي: ويبدو خلط الطفل هذا وكأنه يحث طفلا آخر على الكلام، ولكن لا ينتظر من هذا الشريك أن يسمع أو يفهم ما يقال له. واعتقد بياجيه أن التحدث إلى النفس ظاهرة تختفي تدريجيا مع تمكُّن الطفل من التفاعل الاجتماعي الحقيقي.
ومع أن العديد من معلمي وإداريي ما قبل المرحلة الابتدائية تشككوا، علنا، في آراء بياجيه، فقد بقيت له الكلمة الأخيرة إلى أن وصلت أعمال ڤيگوتسكي إلى الغرب في الستينات. فبعد ثلاثة أعوام من وفاة جوزيف ستالين عام 1953انتقد الرئيس السوفييتي الجديد نيكيتا خروتشوف «حكم ستالين الإرهابي» وأعلن عن سياسة جديدة شجعت المزيد من الحرية الفكرية. وبذلك انتهى تحريم تداول كتابات ڤيگوتسكي. وفي عام 1962 ظهرت في الولايات المتحدة ترجمة إنكليزية لمجموعة مقالاته تحت عنوان: «فكر ولغة». وفي أقل من عقد من الزمن، انتهى فريق العمل الذي يقوده<L.كولبرگ>(من جامعة هارڤارد)من جمع حقائق مثيرة تدعم آراء ڤيگوتسكي.
وفي أواخر السبعينات ازداد عدد المعارضين من علماء النفس الأمريكيين لنظرية بياجيه وأفكاره، وفي الوقت نفسه ظهرت باللغة الإنكليزية مجموعة أوسع من كتابات ڤيگوتسكي. واقترنت هذه الظروف بالنتائج التي توصل إليها كولبرگ لتكون حافزا لإجراء مجموعة جديدة من الدراسات والبحوث في هذا المجال. وفي الحقيقة، إن عدد الدراسات التي أجريت في الغرب حول التحدث إلى النفس ازداد ـ منذ أواسط الثمانينات ـ إلى ثلاثة أضعافه. ومعظم هذه الدراسات، ومنها بحوثي، عززت آراء ڤيگوتسكي.
لقد أفصح ڤيگوتسكي في مقالاته عن روابط قوية بين الخبرة الاجتماعية والتعلم. وطبقا لرأي هذا المربي الروسي فإن المفاهيم الواقعية التي يستطيع الطفل أن يستوعبها تقع ضمن ما أسماه منطقة النمو الوشيك (الكامن) zone of proximal (or potential) development. ويقصد بذلك مجموعة الأعمال التي لا يستطيع الطفل إنجازها إلا بتوجيهٍ من شخص بالغ (راشد) أو طفل آخر أكثر مهارة. فعندما يعالج الطفل مع مرشده مهمة تتحداه، فإن ذلك المرشد أو الموجه يقدم للطفل تعليمات وخططا في قالب لغوي. ويدمج الطفل لغة تلك التعليمات في تحدثه إلى نفسه مستخدما ذلك في توجيه أعماله وجهوده المستقلة.
التحدث إلى النفس (الحديث الخاص) يمكِّن جميع الأطفال من توجيه سلوكهم الشخصي، واكتساب مهارات جديدة، والعمل في مواقف غير مألوفة لهم. فعندما يواجه الطفل عملا (مهمة) جديدا، فإنه يفصح بصوت عال عن خصائص تلك المشكلات التي تبدو له محيرة. ومع تطور إمكانات هذا اليافع فإن التحدث إلى النفس ينقلب إلى تعابير غير مسموعة، وأخيرا، وعندما تتحسن ممارسة الطفل للعمليات المعرفية (الإدراكية) اللازمة لإنجاز المهمات بنجاح فإنه عندئذ سيفكر بصورة داخلية صامتة. |
كتب ڤيگوتسكي يقول: «إن اللحظة الأكثر دلالة للنمو الفكري… تتم عند التقاء الكلام بالنشاط العملي، في حين كان هذان العاملان يعتبران فيما سبق خطين مستقلين تماما للنمو.» ويؤكد ڤيگوتسكي أن اتجاه النمو ليس ذلك الاتجاه الذي يحل في نهايته التواصل (التخاطب/ التفاهم) الاجتماعي محل التعبيرات المتمركزة حول الذات، كما كان بياجيه يدعي. بل على العكس، فإن ڤيگوتسكي يفترض أن التواصل الاجتماعي المبكر يعجل من استخدام الطفل للتحدث إلى النفس. ويصر على أن هذا التواصل الاجتماعي ينمي ويطور العمليات المعرفية (الإدراكية) العليا التي ينفرد بها الإنسان عن غيره من المخلوقات. فبالتخاطب والتواصل مع أفراد المجتمع من الراشدين (الناضجين)، يتعلم الأطفال إتقان النشاطات وكيفية التفكير بطرائق وأساليب ذات معنى في ثقافة بيئتهم.
ومع اكتساب الطفل قدرة السيطرة على سلوكه، لا يعود التحدث إلى النفس بحاجة إلى أن يظهر بكامل أبعاده. ومع كل ذلك تظل الذات المستمع الأكثر تفهما. لذا، يحذف الأطفال من حديثهم إلى أنفسهم بعض الكلمات والجمل التي تدل على أشياء سبق أن تعرفوها في مواقف سابقة، ويقتصر حديثهم على تلك المفاهيم التي مازالت تبدو محيرة لهم. وبمجرد إتقان ممارسة العمليات المعرفية يبدأ الأطفال «التفكير في معنى الكلمات»بدلا من التلفظ بها. وبالتدريج، فإن تحدثهم إلى أنفسهم يتحول إلى حديث داخلي صامت، قوامه تلك المحاورات الواعية التي يجريها الطفل بينه وبين نفسه عند التفكير والعمل. ومهما يكن من أمر فإن الحاجة إلى ممارسة التحدث إلى النفس لن تختفي أبدا. فنحن حين نواجه في حياتنا أنشطة ومهمات غير مألوفة أو تحتاج إلى جهد، فإن التحدث إلى النفس يعود ليطفو على السطح من جديد، لأنه وسيلة تساعدنا على تخطي الصعاب وعلى اكتساب مهارات جديدة.
حاليا هناك برنامجان لبحثين أمريكيين، أحدهما برنامجي الخاص والآخر برنامج <M.R.دياز>(من جامعة ستانفورد)، وكلاهما يسعيان إلى إثبات النتائج التي توصل إليها ڤيگوتسكي وبناء دراسات جديدة عليها. لقد بدأت جهودنا، نحن الفريقين، بطرح تساؤلات متشابهة، من بينها: هل يمارس جميع الأطفال التحدث إلى النفس؟ وهل يساعدهم هذا التحدث في توجيه تصرفاتهم؟ وهل هذا التحدث ينبثق أساسا عن التخاطب الاجتماعي؟ وسعيا وراء الإجابة عن هذه التساؤلات، اخترت دراسة ومراقبة الأطفال في أماكنهم الطبيعية بالمدرسة، في حين اختار دياز المختبر لإجراء تجاربه.
وقمت، بمساعدة إحدى طالباتي، بمتابعة 36 طفلا من أسر ذات دخل منخفض (محدود) في منطقة «الأپالاش»(1)، تراوحت أعمارهم ما بين الخامسة والعاشرة، في إحدى المدارس التبشيرية في جبال كنتاكي الغربية بالولايات المتحدة. وقد قمنا بتسجيل أحاديث الأطفال في قاعة الدرس وفي الساحات وفي الردهات وفي قاعة الطعام، طوال اليوم. وقد أعطينا انتباها خاصا لتلك التعليقات التي صدرت عن الأطفال وغير الموجَّهة لمستمع معين.
لقد كشفت نتائجنا أن الأطفال نادرا ما مارسوا «الحديث المتمركز حول الذات» egocentric speech الذي أولاه بياجيه اهتمامه الخاص. فمعظم التعليقات التي سمعناها من الأطفال في تحدثهم إلى أنفسهم كانت إما لوصف أو لتوجيه ما يقومون به، وهذا ما يتفق مع فرضية أن توجيه الذات هو الوظيفة المحورية للتحدث إلى النفس. علاوة على ذلك، فالأطفال أكثروا من التحدث إلى أنفسهم عندما كانوا يواجهون مهمات كبيرة التحدي أثناء عملهم منفردين، وأيضا عندما لا تتاح لهم فرصة وجود معلم أو موجه للقيام بالمساعدة الفورية. وفي كلتا الحالتين يكون الأطفال مضطرين إلى الاعتماد على أنفسهم فيما يقومون به.
إضافة لذلك، وجدنا دليلا يفترض أن التحدث إلى النفس ينمو ويتطور بصورة متشابهة لدى جميع الأطفال وأنه يتزايد ويكثر من خلال الخبرة الاجتماعية. فالتحدث إلى النفس لدى التلاميذ الأپالاشيين تَغَيّر مع تقدمهم في العمر وفق أنماط تشبه إلى حد كبير تلك التي تَحدَّث عنها كولبرگ منذ عقد ونصف من الزمن.
أما أطفال الطبقة المتوسطة، كالذين خضعوا لدراسة كولبرگ، فهم يتحدثون إلى أنفسهم بصوت مرتفع وبتواتر متزايد بين الرابعة والسادسة من العمر. أما في المرحلة الابتدائية فإن تحدثهم إلى أنفسهم يميل إلى طابع التمتمة (الدندنة) غير المسموعة. وقد مر الأطفال الأپالاشيون بهاتين المرحلتين على نحو مشابه، وإن كان ذلك قد تم بطريقة أبطأ. ففي سن العاشرة، استمر أكثر من أربعين بالمئة من تحدثهم إلى أنفسهم مسموعا بوضوح، في حين أن أطفال سن العاشرة عند كولبرگ لم يتجاوز تحدثهم إلى أنفسهم بصوت مسموع 7% فقط من مجموع الحالات.
ولكي نفسر هذا الفرق قمنا بدراسة ثقافة البيئة الأپالاشية، فإذا بنا نحقق اكتشافا مثيرا. ففي حين أن الآباء في الطبقة الوسطى يكثرون من تحاورهم وتحدثهم إلى أطفالهم، نجد أن محاورة الآباء الأپالاشيين لأطفالهم أقل بكثير. علاوة على ذلك، فهم يعتمدون عادة على الحركات والإشارات أكثر من اعتمادهم على الكلام. فإذا صحت نظرية ڤيگوتسكي في أن التحدث إلى النفس ينشأ عن التواصل والتخاطب الاجتماعي فإن المناخ المنزلي السَّكوت قد يفسر بطء تطور التحدث إلى النفس لدى الأطفال الأپالاشيين.
وفي حين كانت دراستنا للأطفال الأپالاشيين تسير في مجراها، كان دياز مع إحدى طالباته <M.فراونگلاس>يجريان دراستهما داخل المختبر مستخدمين الڤيديو لتصوير 32 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة والسادسة وهم منهمكون في محاولات لمطابقة الصور وحل الألغاز (الأحاجي). كذلك وجد دياز و فراونگلاس أن التحدث إلى النفس لدى الأطفال يخفت ويصير غير مسموع مع تقدم العمر. ومع هذا، فإن نتائجهما إضافة إلى نتائج باحثين آخرين، طرحت تحديات مهمة لنظرية ڤيگوتسكي. أولها: إن كثيرا من الأطفال لم يصدروا إلا بعض التمتمات، والبعض الآخر لم يصدر أي صوت مما يدل على أن التحدث إلى النفس ليس ظاهرة عامة تشمل جميع الأطفال.
يعتقد ليڤ ڤيگوتسكي، الذي يبدو في الصورة مع إحدى بناته، أن التحدث إلى النفس يقوم بدور إيجابي في نمو جميع الأطفال. وبسبب الظروف السياسية في الاتحاد السوفييتي السابق بقيت أعماله، إجمالا، مجهولة حتى الستينات. |
كذلك ظهرت معضلة أخرى؛ فإذا كان صحيحا أن التحدث إلى النفس ييسر للطفل ضبط نفسه كما اعتقد ڤيگوتسكي، فلا بد أن يتناسب ذلك مع جودة أدائه وسلوكه أثناء العمل. لكن هذا عكس ما دلت عليه بحوث دياز وفراونگلاس، فالأطفال الذين أكثروا من التحدث إلى النفس كانوا أضعف أداءً في الأعمال والمهمات المطروحة! كما ورد في تقارير باحثين آخرين أن العلاقة بين التحدث إلى النفس والأداء تكون ضعيفة وأحيانا سلبية.
كان دياز صاحب بصيرة نافذة في تفسيره لهذه النتائج. فبعد أن فكر مليا بتعريف ڤيگوتسكي «لمنطقة النمو الوشيك (الكامن)» استنتج أن الأعمال التي تُعطى عادة للأطفال في المختبر ربما تكون غير مناسبة لاستثارة هذا التحدث إلى النفس لدى جميع الأطفال. فقد يكون بعضهم قد أَلِف حل الألغاز ومطابقة الصور لدرجة أن العمليات المعرفية (الإدراكية) التي يحتاجون إليها في ذلك صارت آلية (لا تتطلب جهدا فكريا). في حين أن البعض الآخر ربما استصعب هذه الأعمال لدرجة أنه لم يستطع إنجازها من دون مساعدة من الآخرين، وفي كل من الحالتين فإن التحدث إلى النفس بغرض توجيه الذات كان غير متوقع منهم. بل أكثر من ذلك، فإن دياز يرى أن التحدث إلى النفس يتزايد مع العوائق التي يواجهها الطفل، لذا غالبا ما يتوافق هذا التحدث مع فشل المهمة. وقد افترض أن الأثر المفيد للتحدث إلى النفس قد يظهر متأخرا في وقت لاحق من عمر الطفل.
وبالرجوع إلى قاعة الدرس ـ وفي هذه المرة كانت المدرسة التطبيقية لجامعة إيلينوي الأمريكية ـ بدأتُ بإجراء سلسلة من الدراسات لاختبار هذه الاحتمالات المهمة. وقد سجل فريقي من الملاحظين، بعناية، أحاديث الأطفال إلى أنفسهم وأفعالهم المرتبطة بالعمل المطروح أمامهم. كان عددهم خمسة وسبعين تلميذا من الصف الأول إلى الصف الثالث. وقد تمت الملاحظة والتسجيل أثناء انهماكهم في حل بعض المشكلات الرياضياتية منفردين؛ كل طفل على طاولة مستقلة. وكان هذا العمل برأي معلمي هؤلاء التلاميذ مناسبا لقدرة كل طفل من أطفال العينة. وقد قمت مع إحدى طالباتي بمتابعة ومراقبة عمل أطفال الصف الأول وسلوكهم بعد انتقالهم إلى الصفين الثاني والثالث.
إن كل طفل تمت ملاحظته تحدث إلى نفسه ـ بمعدل ستين بالمئة من الوقت. كذلك وجدنا ـ إضافة إلى دراسات سابقة ـ أن مجموعة الأطفال التي قمنا بملاحظتها ووصف أنشطتها قد حصلت على درجات أقل في الواجبات المنزلية وفي الاختبارات التي أجريت في العام الدراسي نفسه. ومع ذلك أنبأ التحدث إلى النفس الموافق لسن الطفل بتحسن أدائه في الرياضيات. وعلى وجه التحديد فإن تلاميذ الصف الأول الذين وجهوا ذواتهم بالعديد من التعليقات المسموعة أو غير المسموعة تميزوا بأداء أفضل في رياضيات الصف الثاني. وتنطبق الملاحظة نفسها على تلاميذ الصف الثاني الذين تمتموا لأنفسهم، فقد استوعبوا رياضيات الصف الثالث بسهولة في العام التالي.
وكذلك فإن العلاقة التي أشرنا إليها بين تحدث الطفل إلى نفسه وبين سلوكه المرتبط بالعمل المطروح (المهمة المنوطة به) قد أيدت فرضية ڤيگوتسكي القائلة بأن تعليقات الأطفال إلى أنفسهم، تساعد على توجيه سلوكهم. أما الأطفال الذين تضمَّن حديثهم كثرة الثرثرة الكلامية أو التعبيرات العاطفية التي ليس لها صلة بالعمل المطروح فقد غلب عليهم التململ في مقاعدهم أو عض أناملهم أو الدق على طاولاتهم.
وفي المقابل، فالأطفال الذين أكثروا من التعليقات المسموعة المرتبطة بالعمل المطروح، أكثروا من استخدام أساليب غير لغوية ليساعدوا أنفسهم على تخطي الصعوبات. ومن هذه الأساليب العد على الأصابع واستخدام القلم في تتبع النص المقروء. وأخيرًا، فإن الأطفال الذين غلب عليهم التحدث إلى أنفسهم بصوت غير مسموع نادرًا ما تململوا في مقاعدهم، بل على العكس تميزوا بانتباه أشد. وعلى وجه العموم، فإن الأطفال الذين سبقوا غيرهم في التحول من التعليقات المسموعة إلى الحديث الداخلي (الصامت) أثناء حوارهم مع أنفسهم كانوا أكثر تفوقًا في القابلية والقدرة على ضبط نشاطهم الحركي وتركيز انتباههم. وهكذا فإن تطور كلٍّ من التحدث إلى النفس والسلوك المرتبط بالعمل المطروح أمران يسيران جنبا إلى جنب.
وفي دراسة لاحقة حاولتُ مع طالبة أخرى من طلبتي، في المختبر، مشاهدة العلاقة الدينامية الفعالة ـ التي أثارها ڤيگوتسكي ـ بين التحدث إلى النفس وبين التعلم، وبالتحديد فرضية أن التحدث إلى النفس يتلاشى مع تحسن الأداء. كما أضفنا بُعدا جديدا إلى البحث الذي نجريه، وهو أن نستطلع كيف يستطيع التفاعل بين طفل وشخص بالغ أن يعزز الانضباط الذاتي للطفل من خلال تحدثه إلى نفسه.
لهذا طلبنا إلى ثلاثين طفلا بين الرابعة والخامسة من العمر أن يجمعوا قطع الليگو Lego لتقليد نموذج معروض. وقد أُعطي كل طفل ثلاث جلسات لتنفيذ هذه المهمة، مدة كل جلسة خمس عشرة دقيقة، بفاصل زمني لا يزيد على يومين إلى أربعة أيام بين كل جلسة وأخرى. وقد سمح لنا هذا التوقيت الزمني بمتابعة درجة تزايد التنافس لدى الأطفال. وقبل ذلك كنا قد اختبرنا كل طفل بلعبة الليگو للتأكد من كفايتها في تحديهم جميعا ـ أي أنها عمل جديد لم يجربوه من قبل. وبالتالي لم يشترك في هذا الاختبار إلا لاعبو الليگو المبتدئون. وقبل بدء الجلسات بأسبوعين سجلنا بالڤيديو أفلاما تظهر أمّ كل طفل مشترك في هذه التجربة وهي تساعده في النشاطات التي تتطلب مهارات مشابهة لتلك التي تتطلبها لعبة الليگو، كتجميع القطع التي يلائم بعضها بعضًا ومطابقتها من حيث اللون والشكل.
ثم بعد ذلك تم تقييم التواصل بين كل أم وطفلها خلال محاولتهما معًا حلّ المشكلات المواجهة. وطبقًا لدراسات سابقة فإن العلاقة (الرابطة) الوالديةparenting relation، التي تتميز بالدفء والتجاوب ولكنها تتضمن القدر المناسب من الحزم لتوجيه الطفل وتشجيعه على اكتساب مهارات جديدة، تساعد على تعزيز التنافس والإقدام لديه. (وهذا ما يطلق عليه علماء النفس الوالدية السلطوية authoritative parenting.) وعلى العكس فإن كلاًّ من الوالدية التسلطيةauthoritarian (قلة الدفء مع الضبط الزائد) والوالدية التسيّبية permissive (الدفء الزائد مع قلة الضبط) تنبآن بظهور مشكلات في التكيف والتعلم. وبناء على هذا الدليل وجدنا أن أسلوب الوالدية السلطوية قد يكون النموذج الأمثل الذي يجب أن تنطوي عليه ملامح المعلم البالغ (الراشد).
لقد كشفت نتائجنا أن أطفال الأمهات ذات السلطة المعتدلة غالبا ما استخدموا التحدث إلى النفس بغرض توجيه الذات، إذ إن أطفال الرابعة من العمر الذين خبروا مثل هذه السلطة أظهروا تحسنا في المهارة خلال الجلسات الثلاث للعبة الليگو، وذلك مقارنة بغيرهم. إضافة لذلك، أجرينا تحليلا إحصائيًا خاصًا، أشارت نتائجه إلى أن التحدث إلى النفس يشكل حلقة الوصل بين الوالدية السلطوية ونجاح المهمة ـ وتتفق هذه النتيجة مع فرضيات ڤيگوتسكي.
وخلافا لأي بحث مختبري سابق فإن كل طفل من العينة مارس التحدث إلى النفس. وكما كان متوقعا، لاحظنا خلال توالي الجلسات الثلاث أنه مع تزايد مهارة الأطفال في تجميع قطع الليگو تصير تعليقاتهم داخلية (محاكمات صامتة) على نحو أكبر. ومرة أخرى، إن ممارسة الطفل للتحدث إلى النفس أنبأت بمكاسب مهارية مستقبلية أكثر مما ساعدت في إنجاح آني للعمل المطروح. وبصورة خاصة، كانت أكبر المكاسب من نصيب الأطفال الذين استخدموا التحدث إلى النفس المناسب لأعمارهم، عبارات مسموعة وموجِّهة للذات بالنسبة لسن الرابعة، وتمتمات غير مسموعة بالنسبة لسن الخامسة.
إن توجيهات من قبل أحد الخبراء توفر للأطفال الأطرأ التي يحتاجون فيها إلى محاورة أنفسهم بشكل مجدٍ وفعال. فعندما يساعد شخص بالغ طفلا في مهمة تتحداه فإن بإمكانه أن يقدم له توجيهات كلامية أو استراتيجيات تساعده على النجاح في المهمة، وعندها يوظف الطفل لغة حواره مع مرشده في تحدثه إلى نفسه. ومن ثم يستطيع في مهمات لاحقة استعمال هذه اللغة لتوجيه محاولاته وجهوده الخاصة. |
بعد ذلك حولت اهتمامي إلى الأطفال الذين يعانون مشكلات تعليمية وسلوكية خطرة. وكان العديد من علماء النفس قد انتهوا إلى أن تلاميذ المدرسة الابتدائية، ممن هم قليلو التركيز أو المندفعون (المتهورون) أو الذين لديهم عوائق تعليمية، يعانون عجزا في ممارسة التحدث إلى النفس، ولعلاجهم صمم الباحثون وطبَّقوا بصورة واسعة برامج تدريبية تهدف إلى إثارة هؤلاء الأطفال كي يتحدثوا إلى أنفسهم. ففي برنامج نموذجي كان يُطلب إلى الأطفال أن يقلدوا المعالِج وهو يدلي بحديث إلى نفسه بغرض توجيه الذات بينما ينجز مهمة لديه، ثم يقوم المعالج بتحريك شفتيه فقط (من غير صوت) ويطلب إلى التلاميذ أن يتلفظوا ما تمتم به المعالج بصوت غير مسموع.
وعلى الرغم مما يبدو على هذا البرنامج التدريبي من تميز فإن أسلوبه قد فشل مع معظم الحالات، وقد يرجع ذلك إلى أن تصميم هذه البرامج العلاجية لم يكن مكتملا. فإجراءاته لم تستند إلى بحث منهجي حول كيف يمارس الأطفال الذين يعانون مشكلات تعليمية وسلوكية التحدث إلى النفس. فالتعبيرات التلقائية الموجِّهة للذات بقيت من دون تحقيق أو تمحيص.
لكي نسد هذه الثغرة في معلوماتنا، أجريتُ مع أحد طلبتي دراسة لتسعة عشر صبيا تراوحت أعمارهم ما بين السادسة والثانية عشرة كان قد تم تشخيصهم سريريًا على أنهم مصابون بقصور في التركيز(2) وفرط في الحركةattention-deficit hyperactivity disorder، وتختزل هذه الإصابة بأحرفها الأولىADHD. ومرة أخرى، قمنا بملاحظة التحدث إلى النفس لدى هؤلاء الأطفال وهم يحاولون حل بعض مسائل الرياضيات. وقد قارنا هذه الملاحظات (المشاهدات) بعينة أخرى مكونة من تسعة عشر صبيا من الأسوياء مماثلة للعينة التجريبية من حيث السن والقدرة الكلامية.
تتفحص فرانسيس مجموعة من كتب الأطفال وهي تغني لنفسها كي تتخلص من مشاعر الغيرة من أختها الصغيرة التي ستحتفل قريبا بعيد ميلادها. إن التحدث إلى النفس شائع جدا في أدب الأطفال. ولعل أشهر مثال على ذلك نجده في قصة مشهورة عنوانها «القاطرة الصغيرة التي استطاعت» The Little Engine That could، وفيها تحاورُ البطلةُ (القاطرة) نفسَها وهي تتسلق هضبة شديدة الانحدار «أعتقد أني أستطيع»، لتشجع نفسها على الاستمرار في صعود المنحدر. |
وعلى عكس الفرضيات التي تؤكد على التدريب الموجِّه للذات، فإن الصبية في العينة المرضية ADHD لم يكونوا أقل في استخدامهم للتحدث إلى النفس من مجموعة الصبية الأسوياء، فضلا عن أنهم فاقوا الصبية الأسوياء في إصدارهم تعليقات موجهة للذات مسموعة. كذلك تفحصنا الميول المرتبطة بالسن فوجدنا أن الفرق الوحيد بين المجموعتين كان في تحول صبية المجموعة ADHD من الحديث المسموع إلى الحديث الصامت في سن متأخرة عن مثيلتها في مجموعة الصبية الأسوياء.
لقد كشفنا النقاب عن تفسير مقبول لهذا التأخر في النمو. فنتائجنا دلت على أن القصور (الضعف) الشديد في الانتباه لدى المجموعة ADHD عاق فاعلية التحدث إلى النفس في إكسابهم الضبط الكافي لسلوكهم. فأولا: الصبية الأقل شرودا من المجموعة ADHD ارتبط حديثهم الموجِّه للذات بالتحسن في تركيز انتباههم أثناء إعداد واجباتهم في الرياضيات. وثانيا: تتبعنا عينة فرعية من المجموعة ADHD في حالة تناولها عقّارا منبها (محفزا) وفي حالة عدم تناولها له ـ هذا العقار هو الأكثر استخداما لعلاج مثل هذه الاضطرابات. (وعلى الرغم من أن هذه المنبهات لا تشفي حالات ADHD فإن كثيرا من الدلائل أشارت إلى أن هذه المنبهات ترفع من درجة الانتباه وتحسِّن الأداء الدراسي لمعظم الأطفال الذين تناولوه.) لقد وجدنا أن هذا العقار يزيد بدرجة عالية من نضج التحدث إلى النفس لدى صبية المجموعة ADHD، وكان الارتباط بين حديث المتمتم والتحسن في ضبط الذات يتم فقط بتناولهم هذا العقار.
إن ما توصلت إليه من نتائج شجعني على أن تتضمن دراساتي الأطفال الذين يعانون قصورا (عجزا) في التعلم. وقد شاركني زميلي<S.لاندو>في ملاحظة 112 تلميذا من الصف الثالث إلى الصف السادس خلال محاولتهم وهم على طاولاتهم حل تمارين الرياضيات واللغة الإنكليزية. وقد تم تصنيف نصف هؤلاء الأطفال ـ طبقا لمعايير جامعة ولاية إيلينوي ـ على أنهم عاجزون عن التعلم، حيث تدنى إنجازهم المدرسي عما كان متوقعا بالنسبة لمستوى ذكائهم. أما النصف الآخر من الأطفال فقد تم استخدامه كمجموعة ضابطة (شاهدة)control. وكما هي الحال في دراستنا للمجموعة ADHD، فقد وجدنا أن الأطفال الذين يعانون قصورا في التعلم أكثروا من استخدام العبارات المسموعة والموجِّهة للذات وإن كانوا قد تأخروا في تحولهم من المسموع إلى الصامت في تحدثهم إلى أنفسهم، وذلك مقارنة بمن ليس لديهم قصور في التعلم من الأطفال. وقد ظهرت هاتان النزعتان بشكل أكثر وضوحا لدى مجموعة جزئية من التلاميذ الذين لديهم قصور في التعلم والمصابين بأعراض ADHD.
إن البحوث التي أجريت على الأطفال الذين يعانون صعوبات تعليمية شديدة، قد أيدت نظرية ڤيگوتسكي حول التحدث إلى النفس. فهؤلاء الأطفال يمرون بنفس مراحل النمو للأسوياء من العمر نفسه، إلا أن قصورهم في العمليات المعرفية وعجزهم عن التركيز في الانتباه جعلت الأعمال الدراسية أكثر صعوبة بالنسبة لهم. وبدورها تُعقِّد هذه الصعوبة الضبطَ (التحكم) الذاتي في التعبير. إن النتائج التي توصلنا إليها توحي بأن تدريب الأطفال ذوي المشكلات التعليمية والسلوكية على التحدث إلى أنفسهم خلال أدائهم للعمل المعرفي لا يتعدى التحفيز لمهارة كامنة لديهم. وعلاوة على ذلك فإن التدخلات التي تدفع الأطفال للتحول السريع نحو التحدث الصامت مع النفس قد لا تكون مجدية. فقد أظهر أطفال ADHD والتلاميذ العاجزون عن التعلم اعتمادًا كبيرًا على التحدث المسموع إلى أنفسهم أثناء تركيزهم، وذلك تعويضا عن إعاقتهم الفكرية.
والآن نتساءل كيف تستطيع معلوماتنا الحالية عن التحدث إلى النفس أن توجهنا نحو تعليم الأطفال الأسوياء وأيضا الذين يعانون مشكلات تعليمية وسلوكية؟ تشير الأدلة ككل إلى أن التحدث إلى النفس هو أداة لحل المشكلات، التي تتوافر بصورة عامة لدى الأطفال الذين ينشؤون في بيئات غنية ومتفاعلة اجتماعيا. إن العديد من العوامل المتداخلة ـ كالمتطلبات التي تفرضها مهمة معينة، ومضمونها الاجتماعي، وخصائص (صفات) الطفل الفردية ـ تتحكم كلها في مقدار وسهولة استخدام الطفل للحديث الموجِّه للذات والمساعد على ضبط سلوكه. إن التدخل الأكثر فائدة ليس في نظرتنا للتحدث إلى النفس على أنه مجرد مهارة يجب التدريب عليها وإنما هو في خلق الظروف التي تساعد الأطفال على استخدام التحدث إلى النفس بشكل فعال.
وعندما يحاول الطفل القيام بأعمال جديدة فهو بحاجة إلى تدعيم حواري من قبل شخص بالغ (راشد) وصبور ومشجع، يقدم له القدر المناسب من المساعدة بعد درايته بمهارات الطفل الحالية. فعلى سبيل المثال، عندما لا يستوعب الطفل متطلبات نشاط معين، فإن بإمكان شخص بالغ أن يقدم توجيهات واضحة وصريحة للطفل. وبمجرد إدراك الطفل لكيفية ارتباط هذه الأفعال بالهدف للعمل (المهمة) المطروح عندئذ على البالغ تقديم الخطط والأساليب للحل بدلا من المساعدة المباشرة، وبالتدريج يستطيع البالغون التوقُّف عن تقديم هذا الدعم عندما يصير الأطفال قادرين على توجيه مبادراتهم بأنفسهم. وغالبا ما يحرم الأطفال المندفعون وعديمو الانتباه من هذه المساعدة في التعلم بسبب السلوكيات المتوترة للعلاقة القائمة بين الشخص البالغ والطفل. فالأطفال كثيرا ما يتعرضون للأوامر والتأنيب والنقد مما يحول بينهم وبين تعلمهم كيفية السيطرة على أفعالهم.
أخيرا على الآباء والمعلمين أن يدركوا القيمة الوظيفية للتحدث إلى النفس. ونحن نعلم الآن أن التحدث إلى النفس سلوك صحي وتكيفي وأساسي، وأن بعض الأطفال أحوج من غيرهم إلى استخدامه ولمدة أطول. ومع ذلك، فمازال العديد من البالغين يعتبرونه غير ذي معنى وسلوكا مرفوضا اجتماعيا، بل أكثر من ذلك علامة على مرض عقلي. ونتيجة لذلك، فإنهم غالبا ما ينهون الأطفال عن التحدث إلى أنفسهم. وفي المنزل على الآباء أن يحسنوا الإصغاء لتحدث الطفل إلى نفسه ليكونوا أكثر دراية بخطط الطفل وأهدافه والمصاعب التي تواجهه. وعلى المعلمين كذلك أن يستوعبوا حقيقة أنه حينما يستخدم التلاميذ التحدث إلى النفس بقدر أكبر من القدر المناسب لعمرهم فإن ذلك يدل على حاجتهم إلى المزيد من الدعم والإرشاد. ومما لا شك فيه أنه مازال علينا أن نكشف المزيد عن كيفية حل الأطفال للمشكلات من خلال استخدامهم للحديث العفوي الخاص. وعلى كل حال فإن نظرية ڤيگوتسكي عمَّقت فهمنا لهذه الظاهرة إلى حد كبير، كما تساعدنا حاليا على تصميم أساليب تعليمية أكثر فاعلية لدى جميع الأطفال، وعلى معالجة الأطفال ذوي المشكلات التعليمية والسلوكية. ولا يستطيع المرء إلا أن يأسف للأجيال السابقة من علماء النفس والمربين ـ وأولئك الذين كان بإمكانهم تقديم العون في هذا المضمار ـ لكن لم تُتَحْ لهم فرصة الاطلاع على آراء ڤيگوتسكي.
المؤلفة
Laura E. Berk
أستاذة في علم النفس وباحثة متميزة في جامعة ولاية إيلينوي. حصلت على البكالوريوس في علم النفس من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وعلى الماجستير والدكتوراه في علم النفس التربوي من جامعة شيكاغو. قامت بيرك بزيارات من أجل البحث العلمي إلى كل من جامعة كورنيل وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وجامعة ستانفورد ـ وقد موَّل أبحاثها كل من وزارة التربية الأمريكية والمعهد الوطني لصحة الطفل والنمو البشري. شاركت بتحرير كتاب «التحدث إلى النفس: من التفاعل الاجتماعي إلى التنظيم الذاتي» Private Speech: From Social Interaction To Self-Regulation، وهي أيضا مؤلفة لكتابين تدريسيين واسعي الانتشار: أولهما: نمو الطفل Child Development وثانيهما: المواليد والأطفال والمراهقون Infants, Children and Adolescents. وللمؤلفة العديد من المقالات المنشورة في المجلات المتخصصة.
مراجع للاستزادة
DEVELOPMENT OF PRIVATE SPEECH AMONG Low-INCOME APPALACHIAN CHILDREN. Laura E. Berk and Ruth A. Garvin in Developmental Psychology, Vol. 20, No. 2, pages 271-286; March 1984.
A LONGITUDINAL STUDY OF THE DEVELOPMENT OF ELEMENTARY SCHOOL CHILDREN’S PRIVATE SPEECH. J. A. Bivens and L. E. Berk in Merrill-Palmer Quarterly, Vol. 36, No. 4, pages 443-463; October 1990.
VYGOTSKY: THE MAN AND HIS CAUSE. Guillermo Blanck in Vygotsky and Education: Instructional Implications and Applications of Sociohistorical Psychology. Edited by Luis C. Moll. Cambridge University Press, 1990.
DEVELOPMENT AND FUNCTIONAL SIGNIFICANCE OF PRIVATE SPEECH AMONG ATTENTION-DEFICIT HYPERACTIVITY DISORDERED AND NORMAL Boys. Laura E. Berk and Michael K. Potts in Journal of Abnormal Child Psychology, Vol. 19, No. 3, pages 357-377; June 1991.
PRIVATE SPEECH: FROM SOCIAL INTERACTION TO SELF-REGULATION. Edited by Rafael M. Diaz and Laura E. Berk. Lawrence Erlbaum Associates, 1992.
PRIVATE SPEECH OF LEARNING DISABLED AND NORMALLY ACHIEVING CHILDREN IN CLASSROOM ACADEMIC AND LABORATORY CONTEXTS. Laura E. Berk and Steven Landau in Child Development, Vol. 64, No. 2, pages 556-571; April 1993.
Scientific American, November 1994
(1)الأپالاش: جبال في أمريكا الشمالية موازية لساحل الأطلسي.
(2) يصاحبه شرود وعدم انتباه.