أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليل

اتجاهات في الاتصالات العلمية

 اتجاهات في الاتصالات العلمية

ضياع إنتاج العالم الثالث في المجال العلمي

يشعر العديد من الباحثين في البلدان النامية بأنّهم يدورون في حلقة مفرغة

من الإهمال، بل ومن التحيز ضدهم، في رأي البعض، وذلك بسبب عقبات

النشر التي يدّعون أنّها تحكم على بعض العلم الجيد بالضياع.

<W .W .گيبز>

 

بدا الغضب على وجه <.L بِنيتز-بريبيسكا> وهو يتذكر السنوات الأولى لمجلة أرشيف البحوث الطبية Archivos de Investigacion  Médica، وهي مجلة طبية مكسيكية يَرْأس تحريرها حاليا. فبعد فترة وجيزة من تأسيس هذه المجلة في عام 1970، وافقت شركة خاصة في فيلادلفيا، هي معهد المعلومات العلمية Institutefor Scientific Information  ISI )، على إدراج اسم هذه المجلة في فهرس الاستشهادات العلمية) Science Citation Index( SCI. يعرض هذا الفهرس قوائم بالمقالات التي ظهرت في نحو 300 3 مجلة علمية مختارة من بين أكثر من 000 70مجلة تُنْشر في العالم. ويضمن إدراج اسم مجلة في هذا الفهرس، أو في بعض قواعد البيانات المشهورة، أن مقالات هذه المجلة ستظهر عندما يبحث العلماء في الأدبيات عن الاكتشافات الجديدة في مجالهم بهدف تحديد ما نُشِر من بحوث بغية الاستشهاد بها في مقالاتهم.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005860.jpg

لقد مكّن تحليل الأوراق العلمية المنشورة خلال عام 1994 في 3300 مجلة مدرجة في فهرس الاستشهادات العلمية SCI (وهو قاعدة بيانات تجارية يستخدمها الباحثون على نطاق واسع) من إعداد الجدول أعلاه. وتظليل البلدان في الخريطة يُبين مدى مشاركتها فيما يسمى الأدبيات العلمية الدولية. إن شبه غياب الدول النامية في مجال النشر العلمي العالمي قد يعكس الحالة الاقتصادية لهذه الدول والانحياز في نشر البحوث بقدر ما يعكس نوعية البحوث التي تُجرى في العالم الثالث.

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005861.jpg

 

وطبعا كانت هناك شروط: للبقاء في الفهرس كان على المجلة المكسيكيةArchivos أن تنشر أعدادها في مواعيدها وأن تقدم ملخصات لمقالاتها باللغة الإنكليزية، كما كان عليها أن تسدد اشتراكا قيمته 000 100دولار. وقد قامت المجلة بذلك كله حتى عام 1982: «حينذاك دخل البلد في أزمة اقتصادية حادة نتج منها تأخر في النشر لمدة ستة أشهر»، كما يذكر بِنيتز. وعلى الرغم من أن المحررين شرحوا الوضع لمعهد الاستشهادات العلمية (ISI) والتمسوا من مديريه أن يصبروا عليهم، فإن هؤلاء «لم يعيروا الأمر أي اهتمام، وأُخرجنا من قاعدة البيانات،» كما جاء على لسان بِنيتز.

 

منذ ذلك الحين والمجلة تناضل لتكون جذابة بغية السماح لها بالعودة إلى الحلقة الداخلية للعلم. فقد أخذت تنشر ترجمة إنكليزية لكل ورقة بحث بالإسبانية؛ ثم توقَّفت كلية عن النشر باللغة الإسبانية؛ وأخيرا عيَّنت محررا أمريكيا، وأصرت على أن يكتب المؤلفون بالإنكليزية لتفادي أخطاء الترجمة وغيرّت اسمها ليصبح أرشيف البحوث الطبية Archives of Medical Research AMR. وفي الوقت نفسه شكَّلت المجلة هيئة تحرير مؤلّفة من أهم الباحثين المكسيكيين ولجنة مراجعة دولية مؤلفة من 15 عالما أمريكيا وكنديا وأوروبيا. وفي الشهر 12/ 1994حازت المجلة أعلى تصنيف من قبل الوكالة الوطنية المكسيكية للعلوم. وعلى الرغم من تخفيض العملة المكسيكية في الشهر 1/1995، الذي أدى إلى زيادة تكاليف المجلة بنحو 40 في المئة، فإنها تمكنت من إصدار عددها الصيفي قبل شهر من موعده.

 

يقول بِنيتز بأسى: «لكن المعهد (ISI) يدعي أننا مازلنا لا نحقق معاييره،» وقد لُفِت نظره إلى أن أعضاء هيئة تحرير المجلة لم يُستشهد بمقالاتهم بما فيه الكفاية. (لقد أصبح الآن تقويم العديد من الباحثين يعتمد على عدد المرات التي يُستشهد بأبحاثهم المنشورة كمراجع لأبحاث منشورة أخرى، وذلك بفضل وجود قواعد بيانات للاستشهادات العلمية مثل فهرس الاستشهادات العلمية SCI). ويتابع بنيتز: «لقد تم انتقاء هيئة تحرير مجلتنا باختيار الثلاثة عشر عالما في الطب الحيوي biomedicine الأكثر استشهادًا بأبحاثهم في المكسيك. لماذا يُفرض علينا التمسك بمثل هذه المعايير المتشددة عندما تعلن مجلات أمريكية جديدة في مجلة ساينس (العلم) Science أو نيتشر (الطبيعة) Nature أن عددها الأول سيصدر بعد ستة أشهر وأنها ستُفهرس في الفهرس (SCI)؟»

 

ليس بنيتز وحيدا في شعوره بالإحباط. فأكثرية العلميين ورؤساء تحرير المجلات العلمية في العالم الثالث ممن تمت مقابلتهم لإعداد هذه المقالة، والذين تجاوز عددهم المئة، يشيرون إلى وجود عقبات بنيوية وتحيزات داهية تمنع الباحثين في البلدان الفقيرة من إطلاع العالم الصناعي وإطلاع بعضهم بعضا على اكتشافاتهم. وعلى الرغم من أن الدول النامية تضم 24.1 في المئة من علميي العالم وتنفق 5.3 في المئة من إجمالي النفقات العالمية على البحوث، فإن معظم المجلات الرائدة تنشر مقالات لمؤلفين من هذه المناطق بنسب أقل بكثير [انظر الجدول في الصفحة 81].

 

إن التعتيم الذي يَحكم به النشر العلمي السائد على معظم البحوث الواردة من العالم الثالث هو الذي يُخفق الجهود التي تبذل في الدول الفقيرة لتقوية مجلاتها العلمية الأصيلة، ويثبط بالتالي نوعا من البحوث في مناطق هي في أشد الحاجة إليه. وقد يَحرم ذلك العالَم الصناعي من المعرفة الحاسمة، كما يلاحظ <H .R. هورتون>، المحرر في مجلة لانست Lancet، الذي يقول: «إن أحد أسباب ظهور أمراض سارية مثل حمة (ڤيروس) أيبولا Ebola virus هو أن التبدلات الاقتصادية في الدول النامية تعمل على التقاء أناس قادمين من أنظمة إيكولوجية (بيئية) كانت منعزلة في السابق. فالطريقة الوحيدة لفهم هذه السيرورة ومؤثراتها هي بنشر أعمال الباحثين المحليين.»

 

على الرغم من أن نسبة العلم السائد القادمة من الدول النامية لم تزدد بشكل ملحوظ خلال العقدين الأخيرين، فإن عدة مبادرات ساعدت على تغيير ذلك. فقد دعمت الأمم المتحدة ثلاثة فهارس تجارية لمجلات العالم الثالث. كما خصصت بعض الدول النامية مكافآت مالية لتشجيع علمييها على نشر أبحاثهم، وتحفيز مجلاتها المحلية للمحافظة على معايير عالية. ولكن التغيير الذي يحمل الأمل الأكبر لتيسير التواصل بين علميي العالم الثالث ونظرائهم في العالم الأول ـ ألا وهو الحركة السريعة للاتصالات العلمية على الشبكة إنترنت Internet ـ يمكن أن يؤثر عكسيا في توسيع وتعميق الفجوة المعلوماتية القائمة بين الدول النامية وسائر دول العالم.

 

حلقات ضمن حلقات

يقول بنيتز إنه سوف يتابع تقديم الطلبات للمعهد (ISI) بهدف الدخول إلى «النادي»، كما تسمى أحيانا، في المناطق الأقل تصنيعا، مجموعة المجلات التي تسمى زَعما دولية والتي تصدر بشكل أساسي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وعلى الرغم من أن بنيتز يدرك ضعف حظه في هذا الشأن ـ لمعرفته أن عدد مجلات دول العالم الثالث المغطاة في الفهرس (SCI) قد تدنى من 80 في عام 1981 إلى 50 في عام 1993 ـ فإنه يعترف أيضا أن البحوث التي تنشر في المجلة (AMR) ستصل إلى عدد محدود جدا من الباحثين إلى أن تتم فهرستها.

 

لقد بين <A .R .منگيني> (من جامعة سان باولو) محدودية الاستشهاد بهذه البحوث عندما درس الأوراق المنشورة من قبل 4877 عالما برازيليا في الكيمياء الحيوية على مدى 15 عاما. فقد حصلت كل من المقالات التي أُرسلت إلى مجلات «دولية» على 7.2 استشهاد وسطيا، في حين استُشهد بالمقالات التي أرسلت إلى مجلات برازيلية ـ ثلاث منها فقط مفهرسة في الفهرس (SCI) ـ عددا من المرات أقل بتسع مرات وسطيا. ومثل هذا التدني في الاستشهاد ببحوث المجلات المحلية هو القاعدة؛ إذ إن 70 في المئة من مجلات أمريكا اللاتينية غير مدرج في أي فهرس، حسب ما جاء في دراسة أجرتها <V.كانو> من كلية الملكة مارگريت في سكوتلاندا. وبالتالي «فقد حُكِم على هذه المجلات أن تبقى أشباحا،» كما كتبت كانو.

 

لسوء الحظ، بما أن ناشري قواعد البيانات يعتمدون في تحديد المجلات التي يدرجونها في فهارسهم على نسب الاستشهاد بهذه المجلات، «فإننا ندور في حلقة مفرغة: فلا يُستشهد بمقالاتنا كثيرا لأن المجلة ليست معروفة جيدا، وهي كذلك لأنها غير واردة في الفهارس الدولية،» كما جاء على لسان بنيتز. ويضيف <T .C. زيلنسكي> (*): «إن تجنب قواعد البيانات والذهاب مباشرة إلى رفوف المكتبات ليس خيارا فعليا. كما أن مكتبات البحث الغربية تقتني فقط المجلات التي لها وقع كبير، وبالتالي لا تشترك في مجلات خارج الحلقة السحرية لتحليل الاستشهادات. ويبدو واضحا والحالة هذه أن لدينا للمراجعة والاستشهاد نظاما مغلقا ومستديما ذاتيا.»

 

ويدَّعي<A .D. پندلبري> أحد المحللين في المعهد (ISI) قائلا: «إن عدم إدراج اسم مجلة في أحد الفهارس SCI أو MEDLINE أو INSPEC  أو في غيرها من قواعد البيانات الأخرى هو إحدى الحقائق المؤلمة للطريقة التي يعمل بها العلم في العالم حاليا.» ويذكر<E.گارفيلد>، الرئيس السابق للشركة المالكة للمعهد (ISI)، بأنه قبل عشر سنوات سنحت فرصة لم يُستفد منها لتغيير هذه الحقيقة، إذ قال: «لقد دَعَمْتُ اجتماعا اقترحَتْ خلاله كل من مؤسسة روكفلر والمؤسسة الوطنية للعلوم جمع مبلغ 000 250دولار، وهو ما يلزم لإدخال نحو 300 مجلة من مجلات العالم الثالث في الفهرس. لقد اعتقدت أنها فكرة هائلة، ولكن لم تتقدم أية جهة بما فيها المؤسستان المذكورتان بالمبالغ اللازمة لفهرسة المجلات الإضافية.» ويضيف: «بيد أنه إذا اكتُشِف أي شيء مهم فعلا (في بلد نام)، فإنه سيصل إلى المجلات الرئيسية التي نفهرسها.»

 

يتحدى بنيتز وآخرون هذا الادعاء. يقول بنيتز: «لنأخذ مثلا الكوليرا التي تتزايد حاليا حالات الإصابة بها في المكسيك. فإن لدى باحثينا اكتشافات مهمة عن بعض السلالات الجديدة، لكن المجلات «الدولية» ترفض أوراقنا لأنها لا تعتبر الكوليرا موضوعا ساخنا. ولكن ماذا يحدث إذا انتشرت هذه السلالات عبر الحدود إلى تكساس وكاليفورنيا؟ حينئذ ستصبح هذه الأوراق مهمة بالنسبة لتلك المجلات. وفي هذه الأثناء تكون المعرفة السابقة عن المرض قد ضاعت. ولن يجد الباحثون في الأدبيات الأوراق التي نشرت في المجلات المكسيكية لأنها غير مفهرسة.»

 

ينبه هورتن إلى أمر مهم أيضا: «إن تبادل البحوث فيما بين الدول النامية أمر حيوي. وكذلك فإن عدم وجود وسيلة لدى باحثي هذه الدول لتبادل الأفكار مع البنية التحتية الطبية في بلدانهم أمر غير أخلاقي إلى حد كبير.»

 

مجلات العالم الثالث: من المجرى العلمي الرئيسي

 إلى المجرى العلمي المردود

“إن المشاركة في النشر العلمي الدولي التي تسمح بها مراكز خدمات الفهرسة الغربية، والتي تقدر بنحو 2 في المئة، قليلة جدًّا للدلالة على الإنتاج العلمي لنحو 80 في المئة من سكان العالم.”

<T.C . زيلنسكي>،(*)

منظمة الصحة العالمية.

على الرغم من أن العديد من الدول النامية زادت من استثمارها في البحوث العلمية خلال الأعوام الأخيرة، فإن مجلات العالم الثالث تجاهد لتبقى فقط على هامش المجتمع العلمي الدولي. وقد هبطت نسبة هذه المجلات ضمن النشرات العلمية المدرجة في فهرس الاستشهادات العلمية ـ التي لم تكن قط كبيرة ـ بنحو 40 في المئة منذ عام 1981. وجدت بعض المجلات المرموقة في الدول النامية أن أثرها impact factor، وهو مقياس لعدد المرات التي يُستشهد بمقالاتها في مجلات أخرى، قد تدنى كثيرا خلال العقد الماضي.

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005862.jpg

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005863.jpg

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005864.jpg

 

بالطبع ليست جميع المجلات المحلية كفؤة لتأدية هذا الدور. يقول<M. كراوسكوپڤ> وهو كيميائي حيوي في جامعة تشيلي قام خلال عدة سنوات بدراسة موضوع النشر العلمي في أمريكا اللاتينية: «إن العديد منها لا يستحق النشر من وجهة النظر العلمية،» ويضيف: «يجب مواجهة حقيقة أن بعض المجلات تُفْشِل المساعي في هذا المضمار بسبب نوعيتها الرديئة.»

 

وحسب <C.K. گراگ> (من المعهد الوطني للعلوم والتقانة ودراسات التنمية في نيودلهي) فإن 20 في المئة فقط من المجلات التي تصدر في الهند والتي يزيد عددها على 1500 مجلة، هي مجلات مُحكَّمة وتصدر بانتظام. ويذكر منگيني أن «جميع المجلات البرازيلية تقريبا، وعددها يناهز 400، إما أن يكون لديها سياسة تحرير متساهلة أو ليس لديها أية سياسة.» وفي مثل هذه الأدبيات الكالحة grayliterature، كما هي معروفة، «يندر التأكد من صحة الطرائق ومن معرفة الكاتب بالبحوث العلمية المنشورة في مجاله، لأنه ينقصنا المحكِّمين المؤهلين ولأن محدودية إمكانية الحصول على مثل هذه المجلات لا تشجع الخبراء الأجانب على القيام بمهمة التحكيم لها،» كما يقول <F. لاكانيلاو>، وهو الرئيس السابق لجامعة الفيلبين في ڤيزاياس، ويضيف: «قد تكون المجلات الفيلبينية مضرة من حيث كونها تُخلَّد الممارسات الخاطئة. ومن خلالها يضيع الكثير من المخصصات المالية لبحوثنا، وهذا أمر من الصعب الاعتراف به.»

 

أثارت مثل هذه التصريحات مناقشات في جميع بلدان العالم الثالث حول كيفية تشجيع وتحديد العلم الجيد، الذي كثيرا ما يطرح مع السيئ، وكيفية تبادله مع الباحثين في الدول الفقيرة الأخرى وكذلك مع «النادي». فنتائج البحوث، مثل الدروس التي تم تعلمها من السنغال وغامبيا عن الفعالية ـ في الحقل ـ للقاحات شلل الأطفال عبر الفم وبالحَقْن، لها أهميتها أيضا في جنوب آسيا على سبيل المثال،» حسبما جاء على لسان <K .E. هيكس> (**)؛ ولكن مثل هذه الدروس، إذا نُشرت على الإطلاق، فإنه يندر أن تَعبر الحدود الوطنية.

 

ومن أجل تغيير ذلك، أطلقت العديد من المؤسسات برامج تشجيعية لمكافأة العلميين الذين ينشرون في مجلات محكَّمة، وقد لاقى ذلك بعض النجاح. يذكر لاكانيلاو: «أَدخلتُ في مركز تطوير مسامك جنوب شرقي آسيا (SEAFDEC) شرط النشر في مجلات يغطيها المعهد (ISI) للترقية في عام 1986، وللحصول على مبلغ تحفيزي يقدر بخمسين في المئة من الراتب السنوي للباحث ـ في عام 1989.» وبحلول عام 1993 ازداد عدد البحوث المنشورة لكل علمي نحو سبع مرات. ويفتخر < M. ڤيلاسكو>، الذي يترأس برنامج تشجيع البحث في فنزويلا، بأن عدد المقالات المدرجة في الفهرس (SCI) قد ازداد بنسبة 57 في المئة منذ بدء برنامجه في عام 1990. وقد وجدت وكالة تمويل البحوث في البرازيل، التي تقدم منحا قَيِّمة للعلميين الذين ينشرون في المجلات «الدولية»، أن عدد الأوراق المقدمة من برازيليين يعملون مع زملاء في الولايات المتحدة وأوروبا قد ازداد أربع مرات.

 

إن برامج المكافآت لها أيضا سلبياتها. «على الرغم من أهمية هذه الحوافز، فإنها قد تولد بحوثا هزيلة، وتشجع على نشر أوراق قصيرة مولدة بتمديد بحث واحد؛ كما أن السباق نحو النشر يطرح أوراقا تزيد على الحاجة إليها،» تحذر <T.ماگارنياو> من المركز SEAFDEC. ففي الفيلبين ضُبط اثنان من العلميين ينشران الورقة ذاتها تقريبا في مجلة واحدة. يقول <E .M. أڤيلا> وهو باحث في البيولوجيا البحرية في جامعة الفيلبين بمدينة سيبو: «هناك مشكلة أخرى هي النشر البائت. إنني على علم بحالتين أو ثلاث حالات حديثة تم فيها استرجاع ونشر بيانات تعود إلى السبعينات بغية حصول الباحثين على حوافز.»

 

ويحذر بعض العلميين، بصورة أكثر تشاؤما، من أن تفضيل الأوراق المنشورة في المجلات «الدولية»(***) سيجعل البرامج التحفيزية تترك الفضلات للمجلات  المحلية.

 

تحرير المقالات العلمية

يتّبع العلماءُ في كثير من الأحيان أسلوبًا يقوم على استبعاد ما هو غير محتمل عندما يشكلون النظريات. فليس مستغربا إذًا أن تختار المجلات مقالاتها بالأسلوب ذاته. ولكن يبدو أن المحررين والمراجعين بحماسهم لتصفية البحوث السيئة من المجرى العلمي الرئيسي، يستبعدون عددًا غير متناسب من البحوث المقدمة للنشر من قبل باحثين في الدول النامية.

فمجلة ساينس (العلم) على سبيل المثال، وجدت أن العدد الضئيل من الأوراق المقدمة للنشر فيها من قبل مؤلفين من اثنتي عشرة من الدول النامية الأغزر إنتاجا، قد تضاعف منذ 1991؛ لكن المجلة قبلت عام 1994 فقط 1.4 في المئة من تلك الأوراق وذلك كما في عام 1991. وبالمقابل، نشرت هذه المجلة نحو 21 في المئة من الأوراق المقدمة من الولايات المتحدة.

ومجلة ساينس ليست غريبة في تصرفها هذا؛ فالمجلات الرائدة في معظم المجالات تنشر نسبة أقل بكثير من 5.3 في المئة من المقالات المتوقعة كثمرة لهذا الجزء من الاستثمار العالمي في البحوث الذي يتم في البلدان النامية [انظر الجدول أدناه، في اليمين].

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005865.jpg

<J . P. كسيرر>

مجلة نيوإنگلاند الطبية

يعتقد العديد من رؤساء التحرير أن التمثيل المنخفض يعكس بدقة النوعية السيئة للعلم في البلدان الفقيرة. يقول <H .W .گليز> رئيس تحرير مجلة العلم والتقانة البيئية Environmental Scienceand Technology: «إن علم البيئة في البلدان النامية متخلف بالفعل مقارنة بسائر بلدان العالم، وذلك كما يمكن توقعه. إنه ليس فقط متقادم ولكنه أحيانا غير منفذ بشكل جيد. فالتوثيق سيئ والتجارب لا تتناسب مع معاييرنا.»

يلاحظ محررو المجلات العلمية أن العديد من مؤلفي العالم الثالث يخطئون لغويا. يقول <G .F.بلوم> المحرر في مجلة ساينس: «عندما نرى أشخاصا يرتكبون أخطاء لغوية عديدة في الهجاء والنحو والصرف والدلالة، لا بد أن نتساءل ما إذا كانوا يرتكبون أيضا أخطاء مماثلة من عدم الانتباه خلال قيامهم بأبحاثهم العلمية.» ولكن من المهم أن نشير على أية حال إلى أن نسبة قبول الأوراق العلمية المقدمة من الهند هي أقل بكثير من نسبة المقالات المقبولة والمقدمة من فرنسا وألمانيا، مع أن اللغة الإنكليزية تستخدم في الهند على نطاق واسع.

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005866.jpg

<R. هورتن>  مجلة لانست

ثمة محررون يعتقدون أن العالم قد يكون أغنى إذا أعطي علم العالم الثالث اهتماما أكبر. وتحاول فئة قليلة منهم رفع نسبة ما ينشر في مجلاتهم من البحوث المقدمة من الدول النامية، دون تخفيض معاييرهم. ويعترف گليز: «إننا نهتم كثيرا بخدمة علماء البيئة في العالم كله، ولكنه من الواضح أننا لا نقوم بذلك.» ولهذا فإنه يكلّف علماء متقاعدين كمرشدين لمساعدة غير الناطقين بالإنكليزية على إعداد مقالاتهم للنشر.

ولدى <R. هورتن> المحرر في مجلة لانست Lancetفكرة مماثلة. فبصفته رئيس الجمعية العالمية للمحررين الطبيين، يسعى هورتن لإقامة شبكة عالمية من الباحثين الذين يرغبون في مساعدة محرري المجلات الطبية في العالم الثالث على وضع أسس إجراءات المراجعة العلمية من قبل الأقران للبحوث التي تقدم للنشر في مجلاتهم. ويأمل بأن تُشْعر هذه الشبكة محرري المجلات الدولية بالفوارق الثقافية التي يعتقد أنها تفسَّرُ خطأ بأنها علم سيئ.

إن هذه الفكرة لا تلقى إعجابا من الجميع. فقد رفض <P .J. كاسيرر> رئيس تحرير مجلة نيوإنگلاند الطبية New England Journal ofMedicine الانضمام للشبكة مؤكدا أن المجموعة  تتوجه توجها خاطئا. ويقدم كاسيرر اقتراحا فحواه أنه لا بد للبلدان النامية من الحصول على التوجيه في مجالات التغذية والمناعات قبل حصولها على نصح في مجال تحرير المقالات الطبية. ويقول: «لدى الدول الفقيرة أمور عدة يجب أن تهتم بها بدلا من القيام ببحوث ذات مستوى عال.. ليس ثمة علم لديها.»

ومع ذلك فإن مقالة افتتاحية في مجلة كاسيرر بذاتها، أثنت في الشهر5/1995على دراسة قام بها أطباء في معهد البحوث الطبية في كينيا. توصلت الدراسة إلى طريقة أدق وأبسط من الطرق المتعارفة لتشخيص الملاريا، علما بأن هذا المرض مازال يقضي على 3000 شخص يوميا. وهذا التقدم الطبي سيساعد على نجاة مرضى الملاريا الذين يشكل الأطفال الأفارقة 90 في المئة منهم. وعلى تعليقات كاسيرر، يرد هورتن قائلا: «يحزنني أن أسمع شخصا في منصب كاسيرر يطرح مثل هذه الأفكار.» ويقول إن قلة تقدير علم الدول النامية يمثل «الفوقية العرقية في أسوأ أشكالها.»

ويبدو أن نسب قبول الأبحاث للنشر في مجلتي لانسِت ونيوإنگلاند الطبية تعكس الفارق في وجهات نظر محرريها. وقد قبلت الأولى خلال عام 1995 نحو 8 في المئة من الأوراق العلمية التي وردتها من دول نامية، في حين قبلت الأخرى 2 في المئة فقط.

إن فلسفة التحرير قد تفسر أيضا لماذا تأتي أكثر من 20 في المئة من المقالات التي تنشرها مجلة علم الغابات Forest Science من دول نامية. لقد عمل <B .هايد> المحرر السابق لهذه المجلة في  بلدان فقيرة. ويقول «تعلمت أن أعامل العلميين في الدول النامية كما أعامل من يجاورني في التخصص، وهو في هذه الحالة اختصاصي في البساتين وليس اختصاصيا في الاقتصاد. فإذا عاملته على أنه غبي لأنه لا يعلم ما أعلمه، عندئذ لا أستطيع أن أكسب كل رؤيته، وسيكون كل ما أقوم به بخصوص اقتصاد أشجار التفاح خاطئا على الأغلب. ولكن إذا اعترفت أن لديه رؤية مختلفة عن رؤيتي، عندئذ يستطيع الواحد منا أن يكمل الآخر. وحينئذ يمكن أن نحقق شيئا مما نصبو إليه.»

< B.ديكوكر>

مقالات لمؤلفين من العالم الثالث منشورة عام 1994 في عنوان المجلة

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005867.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005868.jpg

 

 ويتذكر <H. ڤيسوري> وهو عالم اجتماع في العلوم من المعهد الفنزويلي للبحث العلمي، اجتماعا لمنظمة اليونسكو تم فيه تحليل الضعف في مجلات أمريكا اللاتينية. وقد خلص الاختصاصيون إلى أن «النشرات تدور في حلقة مفرغة: لم تحظَ المجلات المحلية بالشهرة ولم يزدد توزيعها دوليا لأن العلميين المحليين ينشرون أفضل نتائجهم في الخارج، ولكن باحثي أمريكا اللاتينية ينشرون في الخارج لأن المجلات المحلية لا تأخذ نتائجهم إلى العالم العلمي.»

 

عُقد الاجتماع المذكور في عام 1964. ويلاحظ ڤيسوري أنه خلال 30 عاما، لم يحدث سوى تغير طفيف، غير أن النمو الهائل وتخصص المعرفة يجعلان المجلات الأجنبية أكثر جاذبية. ويعترف بنيتز أنه حتى الأطباء المشاركون في هيئة تحرير المجلة (AMR) يرسلون نحو 70 في المئة من تقاريرهم إلى مجلات مدرجة في الفهرس (SCI)، إما في الولايات المتحدة أو في أوروبا.

 

تحاول مجالس العلوم الوطنية في البرازيل والمكسيك كسر هذه الحلقة المفرغة بوضع ترتيب لمجلاتها وتوفير كل دعمها لأعلى مرتبة بين هذه المجلات. ففي البرازيل بيّن التقويم الأولي أن 83 في المئة من العناوين المحلية لا تناسب المقام. وُجدت بعض المجالات أسوأ من غيرها: وقد نجت أقل من 7 في المئة من المجلات الزراعية من الإلغاء. وبأسلوب مماثل حددت المكسيك 20 «مجلة مكسيكية متميزة،» يغطي الفهرس (SCI) اثنتين منها.

 

وحين يُستبعد العديد من أحسن وأرقى المجلات في الدول النامية، «فإن المشاركة في البحث العلمي العالمي بنسبة 2 في المئة المسموح بها من قبل مراكز خدمات الفهرسة الغربية قليلة جدا للدلالة على الإنتاج العلمي لنحو 80 في المئة من سكان العالم،» كما كتب زيلنسكي في الشهر 6/1995 في المجلة الطبية البريطانية British Medical Journal. ويضيف: «هذا صحيح بشكل خاص في مجالات مثل الطب، حيث إن الأمراض لا تحترم الحدود، لا سيما مع ازدياد السفر جوا وظهور أمراض معدية مثل الجدري والسل من جديد. وهذه الأمراض إضافة إلى المعلومات الفريدة عن مواضيع مثل مرض الإيدز «فقدان المناعة المكتسبة»AIDS والتنوع الحيوي الاستوائي والطب التقليدي، كلها مغطاة بشكل جيد في  المجلات المحلية.»

 

لقد شكلت منظمة الصحة العالمية (WHO)، برئاسة زيلنسكي كونسورتيوم (ائتلاف) ناشرين من 223 مجلة طبية، معظمهم من الدول النامية. وبالتعاون مع الشركة البريطانية إنفورمانيا، بدأ الكونسورتيوم اعتبارا من الشهر 7/1995 بإنتاج فهرس على أقراص السي دي روم(1) CD-ROM سمي ExtraMED يحتوي على أكثر من 8000 صورة لصفحات كاملة تم مسحها من أحدث أعداد المجلات. وتبقى قاعدة البيانات هذه بسعرها الذي يبلغ 750 دولارا للمشتركين في الدول النامية (وضِعف هذا المبلغ للمشتركين في الدول الغنية)، متاحة أكثر من الفهرس (SCI) الذي يكلف 990 10دولارا، وهو مبلغ ليس في متناول أغلب مكتبات البلدان النامية. (يقدم معهد المعلومات العلمية (ISI) أحيانا خصما للزبائن من الدول الفقيرة.)

 

«ليس عندي أي شك في وجود بعض التحيّز الصميمي في أذهان بعض

المحكِّمين الغربيين ضد البحوث المقدمة للنشر من العالم الثالث.»

<.R .N .C راو>،

مركز جواهر لال نهرو

للبحوث العلمية المتقدمة

 

بما أن الأرباح تُقتسم فيما بين المجلات المشاركة، ولا يحتاج الباحثون إلى دفع رسوم لطباعة نسخ عن المقالات من الأقراص، «فمن المرجح أن يوفر ذلك دافعا ـ ومخصصات مالية ـ يتطلبها بشدة تحسين نوعية المجلات العلمية في العالم الثالث،» كما يقول زيلنسكي. ويضيف: «إننا نأمل بأن ندفع بالمجلات الطبية في الدول النامية إلى المجرى الرئيسي للأبحاث المنشورة في العالم المتقدم». ولم يقتصر تطبيق ذلك على المجلات الطبية، فقد اتفقت شركة إنفورمانيا مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (UNFAO) على إنتاج أقراص سي دي روم مماثلة لـ 500 مجلة زراعية، كما اتفقت مع منظمة اليونسكو على إنتاج الفهرسExtraSCI الذي يحتوي على 5000 دورية في جميع مجالات العلم والتقانة.

 

ويعترف زيلنسكي بأن أسواق العالم الثالث قد تكون محدودة لبعض الوقت لأن أقل من مكتبة واحدة لكل عشر مكتبات لديها حاسوب، بغض النظر عن قارئ أقراص السي دي روم. ولكن قد يساعد الفهرس على توجيه بعض من انتباه الباحثين في الولايات المتحدة وأوروبا إلى الإنتاج العلمي في العالم الثالث. وقد صُمِّم محرك البحث لرصد وتحديد المقالات التي تُقرأ وإجراء تقارير إحصائية ترفع للكونسورتيوم. «ولعل ذلك يعوض جزءا من الإجحاف في الفهرسة وتحليل الاستشهادات،» كما كتب زيلنسكي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005869.jpg

إن عنوان الباحث لدى رجوعه إلى بلده قد يؤثر في قبول أبحاثه المرموقة، وذلك على حد قول <L .بريبيسكا> الذي يرى أن هذه المجلات تقبل نشر أبحاثه بنسبة أقل منذ عودته من أوروبا إلى المكسيك.

 

مفعول متّى (ماثيو)

إن مثل هذا التفاؤل سابق لأوانه. فالعديد من الباحثين في العالم الثالث ـ نحو نصف الذين تمت مقابلتهم لإعداد هذه المقالة والذين كانوا مستعدين للتعليق على هذا الموضوع ـ مقتنعون أن احتمال قيام المراجعين والمحررين للمجلات العلمية الرئيسية برفض مقالة من مؤسسة في دولة نامية أعلى من احتمال رفضهم لمقالة من نوعية مكافئة من مؤسسة في دولة صناعية. والأهم من ذلك، كما يقولون، حتى عندما تُنشر مقالاتهم في مجلات مرموقة، فإن زملاءهم في الشمال يميلون إلى إهمال عملهم أو ذكر أوراق لاحقة لعلماء أمريكيين أو أوروبيين ممن اتبعوا خطواتهم.

 

«إن معظم الأفريقيين والآسيويين يقولون إن هناك كثيرا من التحامل ضدهم، في حين أن معظم الأمريكيين والأوروبيين يقولون إن ذلك غير صحيح،» كما يلاحظ <S. أروناشلام> الذي يدرس مدى نجاح العلميين العاملين في المعهد المركزي للبحوث الكهركيميائية بالهند في نشر بحوثهم. وردا على ذلك يقول <E.F. بلوم>، المحرر في مجلة ساينس: «لقد سمعت هذه الادعاءات ولكنني لا أتعاطف معها. ففي المجلات الرفيعة المستوى التي عملت لديها محررًا أو مراجعًا كنا نحاول جاهدين المساعدة على تقديم العلم الذي يُنتج في الدول النامية عندما يكون ذلك ممكنا.»

 

إن الدليل الإحصائي على تحامل المراجعين ضعيف، لأن تجميعه يتطلب متابعة كل المقالات المرفوضة من قبل إحدى المجلات لمعرفة عدد المقالات التي ستُقبل لاحقا في مجلة أخرى من مستوى مساو للمجلة الأولى. «يشبه ذلك معرفة عدم إخلاص زوجتك دون أن تكون لديك إمكانية البرهان عليه،» كما يجيب أحد الباحثين الأمريكيين الجنوبيين. ولكن بعض ذوي القدر والشأن من العلماء يؤكدون وجود هذا التحامل.

 

يقول<R .N .C. راو>، رئيس مركز جواهر لال نهرو للبحوث العلمية المتقدمة في بانگالور: «لا يوجد أي شك في ذهني أن هناك بعض التحيز الصميمي في أذهان بعض المراجعين في الغرب بالنسبة للمؤلفين من بلدان العالم الثالث. فهؤلاء المراجعون يغلب عليهم الإحساس بأنه لا يمكن لبحث جيد أن يتم في دولة نامية. ومع أنني نشرت في المجلات الرئيسية في العالم خلال 40 سنة، لكنني حتى الآن أُجابِه بعض التحامل من قبل المراجعين. وهذا الأمر ليس نادرا.»

 

لقد اكتشف بعض العلميين الذين انتقلوا من دولة صناعية إلى دولة نامية أن تغيير العنوان يدعو إلى الاختلاف لدى المراجعين. يقول بنيتز: «عندما كنت مقيما في بوسطن كان بإمكاني نشر بحوث في المجلة الأمريكية لعلم الأمراضAmerican Journal of Pathology مع زميلين أمريكيين من اختصاصيي علم الأمراض، فقد كانوا ينشرون بسرعة دون أية إشكالات. ذهبت بعد ذلك إلى جامعة بون في ألمانيا ونشرت مقالتين في مجلة نيتشر، ثم عدت إلى المكسيك أكثر خبرة ونضجا. غير أنني حين أرسلت بحوثا لتنشر في المجلات ذاتها رُفضت مباشرة.»

 

يعلق على ذلك <W. كڤيرز>؛ وهو كيميائي حيوي من جامعة كيپ تاون في جنوب أفريقيا بقوله: «إن نوعية المراجعة التي نتلقاها من قبل محكمي مجلات علم الحياة يبعث على الذهول. إنها تنم عن عقدة العالم الأول. يبدو أنهم يتوقعون منا أكثر مما يتوقعون من باحثين أمريكيين أو أوروبيين.»

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N4_H01_005870.jpg

تعمل شبكة إنترنت العالمية على تغيير الاتصالات العلمية، لكنها بطيئة في دخول العالم الثالث، الأمر الذي يجعل العديد من الباحثين في البلدان الفقيرة غير قادرين على الاتصال غير الرسمي بزملائهم في البلدان الصناعية.

 

يؤكد گڤيرز أنه في بعض الحالات تؤخر هذه التصرفات نشر نتائج مهمة، مشيرا إلى «ثلاثة اكتشافات خارقة لم تؤخذ على محمل الجد عندما قدمناها إلى مجلات رئيسية.» لقد وجد أول هذه الاكتشافات أن الدواء المضاد للسرطان -5أزاسيتيدين azacytidine-5 يستطيع أن يوجه بعض الخلايا الناشئة لتصبح إما خلايا عضلية أو دهنية، وذلك تبعا لبعض الظروف؛ ويتعلق الاكتشافان الآخران بالتمثيل العضوي لجزيئات البروتينات الدهنية lipoprotein ذات الكثافة المنخفضة في الجسم. يقول گڤيرز: «كانت هذه الأوراق ترسل من جهة إلى أخرى لعدة أشهر قبل أن تُقبل للنشر أخيرا، وذلك على الرغم من أن المحررين كانوا يصفون العمل بأنه منفذ بشكل جيد.»

 

إن العديد من المقالات الأخرى، لا سيما تلك المنشورة في المجلات التطبيقية والتي تكرِّس لها الدول النامية معظم تمويلها للعلوم، لا تجد أي مستمع لها من بين الباحثين في الاتجاهات العلمية الرئيسية. يقول <G .R .F. إيليس>، وهو كوسمولوجي (باحث في علم الكون) في جامعة كيپ تاون: «أرى مشكلة خطيرة على المدى الطويل في تحامل العديدين في العالم الأكاديمي على البحث التطبيقي». ويجادل إيليس: «هناك نوع من ترتيب الدَّرْبَخة(2) pecking order الذي يضع الفيزياء النظرية في القمة والمجالات التطبيقية في القاع. ولكن قيام العلميين في العالم الثالث بعدد أكبر من البحوث التطبيقية هو أمر صحيح وصحي.» ويضيف: «يقع على عاتق المجتمع العلمي الدولي الاعتراف بالنتائج العالية الجودة.»

 

يتضمن الاعتراف هذا أن يقوم الذين يعتمدون على بحث معين بالاستشهاد به. ولكن بعد دراسة ما نشر من قبل 207 علميين يعملون في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، استنتج <J. گايار> من وكالة المساعدة الدولية الفرنسية، أورستوم ORSTOM، أن العلميين في الدول النامية «عالقون في حلقة مفرغة، إذ إنهم ـ كما يقولون جميعهم ـ حتى عندما تنشر اكتشافاتهم في مجلات علمية مرموقة عالية التأثير، يتم الاستشهاد بهم أقل بكثير من زملائهم في الدول الصناعية.»

 

وجد منگيني أنه يُستشهد بالبحوث البرازيلية، على سبيل المثال، بما نسبته نحو 60 في المئة أقل مما يستشهد بالبحوث الأمريكية التي تنشر في المجلة ذاتها. وتُظهِر دراسات نسب الاستشهاد لدول نامية أخرى الأنموذج ذاته. ويؤكد: «إن هذا أكثر من إجحاف، إنه ظاهرة اجتماعية.»

 

لقد لاحظ <K .R. مرتون>، من جامعة كولومبيا، أن هناك في العلم ميلا فعليا نحو الإقرار بفضل الباحث الأكثر شهرة والمرتبط بالاكتشاف عوضا عن الأكثر استحقاقا. ففي ورقة تقليدية في مجلة ساينس، أطلق مرتون اسم «مفعول متّى (ماثيو)» على هذه الظاهرة، وذلك نسبة إلى آية من إنجيل متّى (ماثيو): «لأن كل من له يُعطى فيزداد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه.(3)»

 

لاحظ راو أن مفعول متّى «ليس قليل الشيوع حتى بالنسبة لعمل تم في دول متقدمة ولكنه يؤذي العاملين في الدول النامية أكثر بكثير، لأن هؤلاء يقومون ببحوثهم في ظروف أصعب نسبيا، ويتطلب إتمامها أحيانا سنوات عدة. إن عدم الإقرار بفضلهم محبط ومخيب للآمال.»

 

يرى بعض علميي العالم الثالث غايات تنحدر من الخبث أكثر من انحدارها من مفعول متّى. ويتذكر <M .P .بهارگاڤا> ورقة نشرها منذ زمن غير بعيد في المجلة الهندية للكيمياء الحيوية والفيزياء الحيوية Indian Journal of Biochemistryand Biophysics  فيقول: «وردني في أحد الأيام الظريفة نسخة مطبوعة من مؤلِّف أوروبي. وكان مقاله يصف عملي ولكن فقط باستخدام جرثومة مختلفة ـ ودون أي استشهاد ببحثي. وكانت هناك ملاحظة مرفقة بالنسخة تقول: «إنني استمتعت بقراءة ورقتك.» لقد كان ذلك أكثر مما أستطيع تحمله.» والأستاذ بهارگاڤا هو مؤسس ومدير مركز بيولوجيا الخلايا والجزيئات في حيدر أباد بالهند.

 

للتخفيف من تأثير مفعول متّى بدأت بعض المجلات برفع أسماء المؤلفين وانتماءاتهم من الأوراق قبل إرسالها إلى المراجعين، وهو إجراء معروف بالمراجعة العمياء. ويعتقد گفيرز أن «المراجعة العمياء أكثر إنصافا إلى حد كبير. كما أنها تصحح العديد من إشكالات النظام.» وعلى الرغم من أن عدة دراسات مفيدة قد أظهرت أن المراجعة العمياء تحسن بعض الشيء من جودة البحوث المنشورة في مجلة ما، لكن لم يُختبر بعد أثر ذلك فيما يُطرح من باحثي الدول النامية.

 

يقول أورناشلام مقترحا: «إن دعوة علماء من الدول النامية للقيام بالمراجعة قد تساعد أيضا، ولكن أنظمة البريد البطيئة وخطوط الفاكس غير الموثوقة في الجزء الأكبر من العالم النامي تُعقد هذا الحل. ويقول بلوم من مجلة ساينس التي ليس لديها أي مُراجِع خارج الولايات المتحدة وأوروبا واليابان: «إن أحد همومنا هو سرعة وصول الأوراق العلمية إلى المراجعين وسرعة رد هؤلاء.»

 

الأسلاك الشائكة

إن تحرك النشر العلمي الرئيسي نحو الشبكة إنترنت يَعِدُ بتحرير بعض باحثي العالم الثالث من عزلتهم. يلاحظ <M  .جينسن> من الاتحاد الدولي للاتصالات: «مع تأخر أو عدم وجود المجلات العلمية (في الدول النامية)، يمكن للاتصالات الإلكترونية أن تكون الصلة الحيوية للحفاظ على الصلات العلمية مع الأقران، ولتبادل مجموعات البيانات والاستفادة من الخدمات المتاحة على الحواسيب البعيدة.»

 

تضافر فريق رفيع المستوى مشكل من 13 خبيرا مفوضا من قبل المدير العام لمنظمة اليونسكو <F. مايور>. واقترح هذا الفريق في تقرير نُشر في صيف عام 1994، أن توفر اليونسكو للعلميين في جميع الدول إمكانية استخدام الشبكة إنترنت بشكل كامل وبأدنى الأسعار الممكنة، وأن تقوم المنظمة ببيع مثل هذه الخدمات، إذا كان ذلك ضروريا. كما أوصى فريق اليونسكو بتشجيع «الانتقال السريع والشامل نحو النشر الإلكتروني للبحوث العلمية.»

 

يتخوف البعض من أنه ليس بمقدور منظمة اليونسكو القيام بالتحدي الأول وليس ثمة حاجة لأن تقوم اليونسكو بالتحدي الثاني. فالاتصالات العلمية تتحرك بسرعة فائقة نحو الإنترنت مدفوعة من قبل السوق ومجذوبة بإمكانية المشاركة في المعلومات والمحاكيات التي هي واسعة جدا أو ديناميكية جدا إلى حد أنها قد لا تتسع لها صفحة، فالاتصالات العلمية تندفع بسرعة هائلة نحو الإنترنت [انظر: The Speed of Write, by G. Stix  Scientific American, December 1994].

 

لم تتمكن اليونسكو في هذه الأثناء من تأمين المجلات الأساسية وقواعد البيانات للعديد من مكتبات البحث في العالم الثالث، وبالتالي فإن وصل الباحثين الأفراد بالإنترنت هو أمر يتجاوز إلى حد كبير إمكاناتها، ويخشى البعض من أن يتجاوز ذلك أيضا إمكانات الحكومات الوطنية، لا سيما في أفريقيا وفي أكثر أجزاء آسيا فقرًا.

 

إن خطوط الهاتف في هذه المناطق نادرة جدا ومكلفة وغير موثوقة لدعم الاتصالات العالية السرعة التي تتطلبها تطبيقات الإنترنت. ويلاحظ جينِسن أن القارة الإفريقية بأكملها لديها أجهزة هاتف بعدد أقل مما هو موجود في مانهاتن. ويتم وضع الزبائن الأفريقيين الذين يطلبون الخدمة الهاتفية على قائمة انتظار فيها 3.6 مليون شخص. وفي مناطق جنوب الصحراء الأفريقية يمتد الانتظار تسع سنوات.

 

تفرض الموارد النادرة بهذا الشكل أسعارا عالية. وقد بينت دراسة استطلاعية تمت في عام 1993 لخمسة بلدان أفريقية من مناطق مختلفة أن وسطي سعر مكالمة دولية من هذه الدول هو 5 دولارات للدقيقة الواحدة، وفي بعض المناطق يكلف إرسال صفحة واحدة بوساطة الفاكس 30 دولارا. وبالمقابل فإن الراتب الشهري الوسطي لمحاضر في الجامعة هو 100 دولار. وهكذا فمع أن نصف عدد الدول الأفريقية تستطيع أن تقدم خدمة البريد الإلكتروني لبعض الباحثين على الأقل، فإن الخطوط المستأجرة للوصول إلى الإنترنت ـ التي تستطيع دعم معدلات بيانات صغيرة جدا وتصل تكلفتها إلى 000 65 دولار في السنة ـ غير شائعة ومن المحتمل أن تبقى كذلك بعض الوقت.

 

«إن الخطر الكبير هو أن شبكة الإنترنت قد تخلق طبقة عالمية مدقعة الفقر ليس لديها إمكانية الوصول لنظم المعلومات»، يحذر<M. هول>، وهو عالم آثار في جامعة كيپ تاون ويتعاون كثيرا مع باحثين في أجزاء أخرى من أفريقيا. ويضيف: «بعد خمس سنوات سنتعامل بشكل رئيسي مع مجلات لاورقية. وحاليا يعتمد العديد من الباحثين الأفريقيين على الصدقة للحصول على مجلات مطبوعة؛ وسيحرم هؤلاء الباحثون تماما من المجلات اللاورقية. لقد أُفقرت أفريقيا من القيادة الأكاديمية في العديد من التخصصات، ومن المحتمل أن يتزايد ذلك الإفقار بسبب توسع الفجوة المعلوماتية».

 

لقد عرضت ثلاث شركات هي AT&T Submarine Systems، و Alcatel وFLAG، بشكل مستقل عن بعضها بعضا، إحاطة أفريقيا بكبل بحري من الألياف الضوئية يَربط كل دولة ساحلية بالإنترنت. ليس واضحا حتى الآن متى سيتم ذلك ـ أو ما إذا ـ سيكون هناك طلب كاف على الإنترنت لتغطية التكلفة التي تبلغ ما بين 2 و 6 بلايين دولار. ولكن إذا أُنشئت هذه الحلقة فستبعثُ النشاط في عدد كبير من العلميين الذين يعانون «انكسار الخاطر وانخفاض المعنويات» وذلك على حد قول <A .A. گيمْبل>، مدير برنامج جنوبي الصحراء الأفريقية في الجمعية الأمريكية لتقدم العلم.

 

ولا شك أنه ستتحقق نتائج طيبة إذا ما أُتيحت الفرص لعلميي العالم الثالث ليتواصلوا مع نظرائهم في البلدان الغنية وفي البلدان الأخرى، بغية عرض اكتشافاتهم والمشاركة في الحوار العلمي والتجارب العلمية.

 

Scientific American, August 1995

(*) .مدير معلومات الطب الحيوي للمكتب الإقليمي في شرق البحر الأبيض المتوسط، التابع لمنظمة الصحة العالمية

(**) .السكرتيرة العامة للمجلس الاستشاري للبحث العلمي حول مشكلات التنمية في هولندا

(***) .تكافأ مثل هذه الأوراق في البرازيل وجنوب أفريقيا والفيلبين بإعطائها ضعف النقاط التي تعطى للأوراق المنشورة محليا

 

(1) أقراص مدمجة (مضغوطة) بذاكرة قراءة فقط. (التحرير)

(2) رتبة النقر لدى بعض الطيور ـ مقام اجتماعي.

(3) إصحاح 25 ـ آية 29. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى