التسلية بالرياضيات
التسلية بالرياضيات
<I. ستوارت>
بقرات في المتاهة
إن المتاهات شائعة في الرياضيات الجادة أكثر مما نتصور. وفي الواقع، فإن أي دراسة رياضياتية تتطلب إيجاد ممر (طريق) بين متاهة عبارات، بحيث يتم الانتقال من أي عبارة إلى العبارة التالية وفق استنتاج منطقي صحيح. وثمة متاهة من نوع جديد أوجدها <R. أبّوت> من مدينة جوپيتر بولاية فلوريدا سمّاها: أين البقرات؟ وهي متاهة منطقية وهندسية. وقد أخذناها من كتابه الجديد “المتاهات الخارقة” (Prime Publishing, Rocklin, Calif; 1996).
تعتمد متاهة أبّوت على حيلة منطقية، هي المرجعية الذاتية. وتسبب عبارات المرجعية الذاتية الصداع لعلماء المنطق والفلاسفة. وأحد الأمثلة هو المحيرة (المفارقة) المتعلقة بإپيمينايدز Epimenides: كريتي (شخص من جزيرة كريت) أعلن بأن جميع الكريتيين كاذبون، وتؤول هذه المحيرة إلى:
هذه العبارة خاطئة
حسنا، هل هي صحيحة أم لا؟ أنت في ورطة أيا كان اختيارك. كما يوجد أيضا عبارات مرجعية بالتبادل:
الجملة التالية صحيحة
الجملة السابقة خاطئة
إنه حقل ألغام منطقي.
إن المرجعية الذاتية هي حقل دراسة مهم لعلماء المنطق، إلا أن السؤال المهم بالفعل (من وجهة نظري) هو التالي: هل يمكن استخدام المرجعية الذاتية لجلب تشويش أكثر للمتاهات؟ يسعدني أن أبين أن الجواب هو “نعم”.
نبين في الشكل في الصفحة المقابلة متاهة أبوت. ليس فقط النص هو ذو مرجعية ذاتية، وإنما تتغير قواعد المتاهة وفقا لطريقة انتقالك. ولكي تدخل في هذه المتاهة، فإنك تحتاج إلى كلتا يديك، كما أن من المناسب أن تمسك قلما أو أي مؤشر آخر في كل يد لتذكرك أين أنت. ولكي تبدأ ضع أحد القلمين على الصندوق 1 والآخر على الصندوق 7. (إن ترقيم الصناديق لم يتم بصورة متتالية تماما: هذا الأمر مدروس.) أما هدفك فهو عمل سلسلة من الحركات بحيث ينتهي أحد القلمين على الأقل مشيرا إلى الصندوق الذي كُتِب عليه الهدف GOAL. ومن أجل أن تُجْري نقلة، اختر أحد القلمين واتّبِع التعليمات في الصندوق الذي يشير إليه هذا القلم. ذلك يعني أنه لا حاجة إلى عمل اختيارات أخرى، ما عدا تلك التعليمات التي تتبعها في الصندوق 55.
لنفترض مثلا أن اختيارك الأول هو القلم المؤشِّر إلى الصندوق 7. إن جواب سؤال الصندوق “هل القلم الآخر في صندوق رقمه عدد فردي؟” هو “نعم” وضوحا. وهكذا فإن عليك أن تنقل القلم في الصندوق 7 على طول الطريق الذي كُتِب عليه “نعم” والذي يقود إلى الصندوق 26.
سهل؟ إذًا انتظر. لنفترض أنك اخترت القلم الذي في الصندوق 26. “لو أنك اخترت القلم الآخر، فهل ستخرج إلى ممر مشار إليه بـ لا؟” هم م… (همهمة). القلم الآخر كان ولا يزال في الصندوق 1. لو كنت قد اخترت هذا القلم، فسيكون السؤال “هل يشير القلم الآخر إلى صندوق كُتِب نصُّهُ بالأحمر أو بالأخضر؟” الصندوق 7 كُتِب نَصُّهُ بالأحمر، لذا فإن جواب السؤال هو: “نعم.” وهكذا يخرج القلم على طول الطريق الموافق لـ “نعم.” ويعني كل ذلك أن جواب السؤال في الصندوق 26 هو “لا،” وهكذا فإن القلم يتحرك الآن من الصندوق 26 على طول طريق الـ “لا” وينتهي في الصندوق 55. أف… وأخيرا….
إن معظم الصناديق تسأل أسئلة، ويتعلق طريق الخرج بالجواب. إلا أن بعض الصناديق تعمل بصورة مختلفة، فالصندوق 61 يخبرك بتحريك كلا القلمين، ولا تتم النقلة حتى تفعل ذلك. أما الصندوق 55 فله مخرج مشار إليه بـ LUGNUTبدلا من “لا” المألوفة. وهناك فرق يتضح لو كان قلمك الآخر يشير إلى الصندوق 26.
أين البقرات؟
متاهة ذات مرجعية ذاتية (ليس لها علاقة بالبقر ).
تلميحات
إذا جربت كل ما سبق وبقيت محتارا، فإليك بعض المقترحات:
– للوصول إلى الهدف، عليك أن تصل إلى الموضع (50,50) الذي يشير فيه القلمان إلى الصندوق 50 والقاعدة 60 غير سارية المفعول. أما الاستراتيجيتان الأخريان للانتهاء فلا يمكن في الواقع فهمهما. – للوصول إلى (50,50) عليك أن تصل أولا إلى (35,35). وعندئذ فأنت على بعد 18 خطوة من الهدف. – للوصول إلى (35,35) يجب أن تصل إلى (61,75) وتحرِّك القلم إلى 61. عندئذ يمكن تحريك القلمين معا إلى الصندوق 1. ومن هناك يسهل عليك الوصول إلى (35,35). – يوجد الكثير من الطرائق التي توصل من البداية (1,7) إلى (61,75)، وتتطلب جميع هذه الطرائق منك أن تفعِّل قاعدة الصندوق 60 ثم تحذفها ثانية في الصندوق 65. حل في كل زوج مما يلي، يشير الرقم الأحمر إلى القلم الذي ينبغي أن تختار تحريكه. أما النجمة فتشير إلى أن القاعدة 60 سارية المفعول.
|
إن من الصناديق المتطرفة حقيقة هما 60 و65. حيث يغير الصندوق 60 القاعدة للخروج من صندوق كُتِب نَصُّهُ بالأحمر، لتحل محلها القاعدة (فقط اخرج إلى الممر المشار إليه بـ “نعم”) التي سأسميها القاعدة 60. أما الصندوق 65 فيبطل القاعدة 60. إذًا من الممكن أن يكون لديك قلم يشير إلى الصندوق 60 والآخر يشير إلى 65. إن كلاّ من الصندوقين يطلب إليك فعليا أن تهمل الصندوق الآخر. إلا أن ذلك لا يولِّد مسائل المرجعية الذاتية، لأن عليك أن تختار أحدهما لتتبعه، إذ لا يمكن تنفيذ الأمرين معا.
تبدو بعض التعليمات غامضة، فمثلا يسأل الصندوق 5 فيما إذا كان القلم الآخر يشير إلى نص يحتوي على كلمة (أحمر) أو (أخضر). فلو كان القلم الآخر يشير إلى الصندوق 1، فإن من الواضح أن الجواب هو “نعم”. ولكن ماذا لو كان القلم يشير إلى الصندوق 5، الذي يستشهد بالكلمتين (أحمر) و(أخضر)؟ إن تفسير أبّوت لذلك، هو أن الاقتباس لا يدخل في حسابنا، لذا فالجواب هو “نعم”. هناك أيضا الصندوق 50 الذي يسأل فيما إذا كان الصندوق الآخر يشير إلى نص يشير إلى البقرات، على أي حال فإن “البقرات” لم تظهر في أي صندوق آخر. بالطبع يمكن أن يشير كلا القلمين إلى الصندوق 50، حيث تخرج في هذه الحالة إلى الهدف، ما لم تبرهن على أن الصندوق 50 لا يشير إلى البقرات بحد ذاته. تجنب التشويش الفلسفي من هذا النوع، وإلا فإنك لن تحل المتاهة أبدا.
لعلك إلى الآن أقنعت نفسك بأن الطريقة الوحيدة الممكنة للوصول إلى الهدف هي أن يكون القلمان معا في الصندوق 50. هذا صحيح لو لم يكن هناك الصندوق 60. إذا استطعت أن تضع قلما في الصندوق 50 عندما تكون القاعدة 60 سارية المفعول، فإنك تصل للهدف بغض النظر عن وضع القلم الآخر. في الحقيقة، هناك طريقة أخرى يمكن تصوُّرها للوصول إلى الهدف، هل بإمكانك إيجادها؟
إن الحالة المشؤومة التي يمكن أن تحدث هي أن يشير القلمان معا إلى الصندوق 26. إذ لا توجد طريقة واضحة للإجابة عن السؤال. إذًا ماذا يحدث؟ لقد بنى أبّوت متاهته ببراعة بحيث يمكن للقلمين أن يشيرا إلى الصندوق 26 فقط عندما تكون القاعدة 60 سارية المفعول، وفي تلك الحالة فإن النص المكتوب في الصندوق 26 يُهمل! ويتحقق الشيء نفسه إذا أشار القلمان معا إلى الصندوق 61.
ما يجب عليك فعله حقيقة الآن هو أن تقوم بمحاولة من دون أي مساعدة إضافية. فإذا كنت لا ترغب في اللجوء إلى قوة غريزية، فإن لديك استراتيجيات متعددة. إحداها أن تنظر إلى الصفات المميزة للمتاهة. فمثلا، لكي تصل إلى الهدف يجب أن يكون قلمك في الصندوق 50 وأن تكون في وضع يكون من أجله المخرج الصحيح هو “نعم”. وثمة حيلة أخرى هي أن تبدأ العمل بالعكس أي أن تبدأ من الموضع المطلوب.
استمتع!