أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

الرؤية تحت الماء باستخدام ضجيج الخلفية


الرؤية تحت الماء باستخدام ضجيج الخلفية

يمكن للأصوات أن «تضيء» الأجسام المغمورة

في مياه البحر معطية صورا ملونة متحركة

من دون الحاجة إلى استخدام السونار.

<J .M. بيوكينگهام> ـ <R .J. پوتر> ـ <L .Ch. إپيفانيو>

 

طالما أسمعتنا الأفلام السينمائية الصوت المميز لجهاز السونار sonar، حيث تزوِّد الأصداء المستقبَلة من الأهداف العاملين في الغواصات بمعلومات عن مواضعها. وحتى وقت قريب كان ضجيج الخلفية background noise للبحر يعدُّ إضرارا بعملية الكشف بسبب حجبه الإشارات المفيدة. ومن مظاهر هذا الضجيج تلاطُمُ الأمواج ومرور القوارب وهطول المطر والأصوات المميزة لمختلف الأصناف الحيوانية القشرية (مثل الربيان)، حيث يسهم كل ذلك في الجلبة الموجودة ضمن ما نسميه دون حق «عالم الصمت». ومن هنا كان بحث المهندسين طويلا عن سبل التخلص من آثار ضجيج الخلفية بغية الحصول على أفضل الإشارات الممكنة.

 

ويجري حاليا البحث عن سبل الاستفادة من ضجيج الخلفية بدلا من إلغائه لأن الأجسام المغمورة في البحر تغيِّر من الحقل الصوتي المحيط بحسب أشكالها وتركيبها وموضعها. إن انتشار الضجيج الموجود ambient noise في مياه البحر يشبه انتشار ضوء النهار في الجو، إذ إننا نرى أو نصوّر الأجسام لكونها تبعثر وتعكس ضوء النهار. وبشكل مماثل تؤدي الأصوات التي تملأ البحار دور «ضوء النهار الصوتي»، ويمكن الحصول على صور أجسام مغمورة في الماء باستخدام الضجيج الموجود فيه مصدرًا «للإضاءة». وتشير نتائجنا الأولية إلى أن التصوير الصوتي الجديد سيكون مفيدا في حالات عديدة، ابتداء من أمن الموانئ حتى كشف الألغام البحرية الغائصة.

 

وحتى الآن لاتزال الصور التي نحصل عليها غير متقنة المظهر ومايزال مَيْزها (فصلها) resolution أقل بكثير من الصور الضوئية. إن رؤية العين دقيقة جدا لأن الحدقية المتوسعة تكون أكبر بعشرة آلاف مرة من طول موجة الضوء المرئي، وهذا ما يسمح لها بتلقي عدد كبير من أطوال الموجة. وهكذا يقتضي الوصول إلى ميز صوتي مكافئ استخدام مستقبِل ذي قطر يصل إلى ستمئة متر! وعلى الرغم من ذلك، بما أن الماء يمتص معظم الإشعاع الكهرمغنطيسي (وخصوصا الضوء) فسيكون الصوت هو السبيل الأمثل (وغالبا الوحيد) للحصول على معلومات عمَّا يحصل في الأعماق البحرية.

 

اهتم القدماء بانتشار الصوت في الماء، إذ تساءل أرسطو وپلينيوس الأرشد(1)عما إذا كانت الأسماك تسمع. وعند الصينيين القدماء كان الصيادون يحددون أمكنة أسراب الأسماك عن طريق إدخال قضيب من الخيزران المجوَّف في الماء ومن ثم الاستماع إلى ضجيج البحر من الطرف الآخر للقضيب. وقد طوَّر ليوناردو داڤينشي هذه الفكرة لاحقا، إذ كتب في دراساته التي تتناول خواص الماء «إذا كنا في سفينة راسية على سطح الماء وأدخلنا طرف قضيب طويل في الماء ثم وضعنا أذننا عند الطرف الآخر فإنه بوسعنا سماع أصوات السفن البعيدة» .

 

وعلى الرغم من ذلك لم يتوصل الإنسان إلى اختراع منظومات السونار الأولى إلا إبان الحرب العالمية الأولى بغية تحديد موضع الأجسام الموجودة تحت سطح البحر وخصوصا بهدف مواجهة خطر الغواصات المعادية. كانت هذه الأجهزة البدائية أصل معظم السونارات التي تلتها لاحقا والتي تسارع إنتاجها أثناء الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك يبقى مبدأ عمل أكثر السونارات تقدما مطابقا لمبدأ عمل السونارات الأولى، فهي ترسل بشكل فعَّال active أصواتا ثم تستقبل الصدى الناتج من الهدف الذي ترتطم به، أو أنها تتلقى بشكل منفعل passive الأصوات التي يبعثها هدف ما (مثل محرِّك غواصة أو رفاص سفينة).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N11_H05_006441.jpg

طريقة عمل الضوء الصوتي الطبيعي

 

يعلّل الدور التاريخي الذي أدته الطرائق الفعالة أو المنفعلة سبب عدم البحث عن طريقة جديدة «للرؤية» في مياه البحر إلا منذ فترة وجيزة. فمن خلال فهم الباحثين في أواسط الثمانينات أن الرؤية العادية «الضوئية» ليست فعالة أو منفعلة (بمعنى أن العين ترى المنابع الضوئية الناتجة من تبعثر وانعكاس ضوء الشمس)، وضع أحدنا (بيوكينگهام) أسس الرؤية الصوتية في مياه البحر بطريقة مماثلة لآلية الرؤية بوساطة العين. وهكذا أزاحت هذه الطريقة الجديدة العوائق الرئيسية للطرائق التقليدية لكشف الأجسام الموجودة في مياه البحر. فالكشف باستخدام الصدى (الكشف الفعَّال) يعرِّض الكاشف للرصد أيضا في حين أنه لا تمكن الاستفادة من مبدأ الكشف المنفعل (أي بوساطة الأصوات الصادرة عن الهدف) في تحديد موضع الأجسام الساكنة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N11_H05_006442.jpg

استطاعت العدسة أدونيس كشف حيتان المتنزه البحري لمدينة سان دييگو، وهذه أول منظومة للتصوير الصوتي المستخدم للضجيج الموجود في مياه البحر. وفي يمين الصورة يظهر العاكس قبل غمره في الماء.

 

التجربة الأولى

في عام 1991 أجرينا أوائل تجارب التصوير الصوتي في المحيط الهادي قبالة شواطئ كاليفورنيا، حيث كان الجهاز الأساسي مكونا من مستقبِل صوتي يحتوي على عاكس مكافئ الشكل قطره 1.2 متر ومن هيدروفون hydrophone (وهو مكرفون يعمل ضمن الماء) موضوع في بؤرته، حيث يؤدي هذا العاكس دور عدسة صوتية.

 

كان هدف التجربة التحقق فيما إذا كان بوسع جسم موضوع أمام «حزمة» (حقل إنصات) المستقبِل أن يغير من الضجيج الواصل إليه. ولهذا الغرض وضعنا هدفا مكوَّنا من لوح خشبي مستطيل الشكل أبعاده 0.9× 0.77 متر ومغطى بمادة النيوپرين neoprene (وهي مادة عاكسة للصوت ومبعثرة له). ودلت التجربة على أنه ضمن مدى الترددات المحصورة بين 5 و 50 كيلوهرتز (وهو مجال الترددات التي يحدثها تلاطم الأمواج الذي يشكل المصدر الأساسي للضجيج الموجود في البحر) تتضاعف شدة الضجيج عندما يوضع الهدف في حقل إنصات المستقبِل. وتظل هذه النتيجة صحيحة حتى عندما تُزاد المسافة بين الهدف والمستقبِل من سبعة أمتار إلى اثني عشر مترا. إضافة إلى ذلك، يعكس الهدف بعض الترددات ويمتص بعضها الآخر. وبذلك يمكننا القول إن للهدف «لونا» صوتيا نستطيع ترجمته إلى لون ضوئي بصورة تمكننا من تشكيل صور صوتية ذات ألوان اصطلاحية false colors.

 

بعد هذا النجاح الأولي قمنا بإدخال المزيد من التحسينات على الجهاز. فالعاكس المكافئ المزود بهيدروفون موضوع في بؤرته «لا يرى» إلا ضمن اتجاه واحد، وهذا ما يوافق عنصورة (عنصور صورة-پيكسل) pixel واحدة من الصورة. ومن أجل تشكيل صورة أكثر كمالا ينبغي علينا الحصول على عدد كبير من العنصورات باستعمال المزيد من «الحزم» المستقبِلة (على غرار العين المركَّبة للذبابة). وهكذا يمكن تحويل شدة الصوت المتلقى من قبل كل مستقبِل إلى مستوى زَهْو brilliance عنصورة على شاشة عرض ڤيديوي. ويسمح التباين بين زهو العنصورات للعين بتفسير النتيجة كصورة ذات حبيبات ناعمة أو خشنة (كما هي الحال في صور الجرائد).

 

سعينا في البداية إلى الحصول على صور مؤلَّفة من مئات العنصورات. وهكذا بدأنا في أواسط عام 1992 بتصميم عدسة صوتية جديدة أسميناها أدونيس ADONIS، (وهو مختصر لعبارة المنظومة الصورية المستخدمة للضجيج الموجود في البحر، ضوء النهار الصوتي acoustic-daylight, ambient-noise imagingsystem)، ثم بنينا عاكسا كروي الشكل قطره ثلاثة أمتار بمساعدة الشركة EDOللصوتيات التي صنعت لنا صفيفا إهليلجيا مؤلفا من 1288 هيدروفونا وضعناها في بؤرة هذا العاكس. وقد بلغ الحقل الكلي لهذه المنظومة نحو ست درجات (أفقيا) وخمس درجات (عموديا)، وهذا ما يمثل عُشر الرؤية الزاوية لآلة تصوير فوتوغرافي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N11_H05_006443.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N11_H05_006444.jpg

شوهد هدف مستطيل (في اليسار) من قبل العدسة أدونيس كشكل متطاول وملون اصطلاحيا بالأحمر (في أعلى اليسار). تمثل كل عنصورة إشارة قادمة من هيدروفون. وقد عملت معالجة الصورة على تحسين مظهر هذا الشكل (في أعلى اليمين).

 

في الشهر 8/1994 غطَّسنا العدسة أدونيس لأول مرة قبالة شواطئ جنوب كاليفورنيا انطلاقا من منصة بحوث تابعة للمعهد سكريپس، واستعملنا أهدافا مؤلفة من ألواح مربعة من الألمنيوم المغطى بالنيوپرين طول ضلع كلِّ واحد منها متر واحد، حيث ركبت الألواح بتوضعات مختلفة على محامل مربعة موضوعة في قعر البحر. وقد وضعت المجموعة الإلكترونية (الموجودة ضمن صندوق معدني محكم الإغلاق) على طول الصاري الذي يحمل العاكس، حيث ينبغي على هذه المجموعة الإلكترونية تحويل البيانات الملتقطة بوساطة العدسة أدونيس إلى إشارات رقمية. وانطلاقا من هذه البيانات المنقولة إلى السطح يقوم حاسوب موضوع على السطح بعرض الصور على شاشته بالألوان الاصطلاحية.

 

أن نرى أو ألا نرى؟

بعد التغلب على مشكلات العمل الأولى استخدمنا العدسة أدونيس لرصد تراصف ثلاثة ألواح بحيث تشكل هدفا أفقيا ارتفاعه متر واحد وعرضه ثلاثة أمتار وضعناه على مسافة 18 مترا من العدسة، وما لبثنا أن شاهدنا على الشاشة ظهور شكل مستطيل مشوش يملأ تقريبا الصورة الإهليلجية الظاهرة على الشاشة [انظر الشكل في الصفحة33 ]. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام أول صورة صوتية ناتجة من ضجيج الخلفية.

 

وضع الغواصون منبعا صوتيا في مركز الهدف لمساعدتنا على مراصفة العدسة أدونيس مع الألواح، ولكن ذلك لم يكن ضروريا، إذ أمكننا تعيين موضع الهدف بفضل ضجيج البحر ذاته. وهكذا أبعدنا الهدف إلى مسافة 38 مترا من العدسة، أي إلى أبعد مسافة ممكنة من دون إعاقة حركة الملاحة في المرفأ. وقد كنا نخشى أن تقل كفاءة منظومة الكشف مع ازدياد المسافة، ولكن على الرغم من اختزال قدِّ الهدف على الشاشة فقد شكل البحر خلفية جيدة تُظهر الهدف المستطيل بشكل لافت للانتباه.

 

ولكن هل يمكن للعدسة أدونيس كشف أجسام متحركة؟ لمعرفة ذلك وضعنا محركا مائيا في داخل الصاري بحيث يدور العاكس حول نفسه مرة كل 12 دقيقة. وبينما كان العاكس الكروي يدور ببطء ظهر الهدف على جانب الشاشة ثم انزلق إلى وسطها ثم اختفى في الجانب الآخر، وكان ذلك تبيانا لقدرتنا على تشكيل صور متحركة.

 

ولكن ماذا يحدث إذا غيرنا شكل الهدف؟ لهذا الغرض استعاض الغطاسون عن الهدف ذي الشكل الشريطي بأربعة ألواح تأخذ شكل صليب في مركزه ثقب مربع طول ضلعه متر واحد. ترى هل سنرى هذا الثقب من مسافة 38 مترا؟

 

استخدامات جديدة لضجيج الخلفية

يعد التصوير الصوتي في الصوت الطبيعي إحدى طرائق الرصد عن بعد التي تعتمد على ضجيج الخلفية المنتشر في البحر. وحديثا وضع الباحثون البحريون عدة طرائق متشابهة يستخدم بعضها مثلا الضجيج الموجود في البحر لتحديد الخواص الصوتية لقعر البحر، وإلى حد ما لتعيين تركيبه. وفي المياه الساحلية قليلة العمق (أقل من مئتي متر) يعكس قعر البحر الضجيج. يشير الشكل الذي ينعكس فيه الضجيج إلى السرعة التي تنتشر فيها الأمواج الصوتية في أرض قعر البحر. وهكذا نحدد تركيب هذه الأخيرة، إذ ينتشر الضجيج بسرعات تختلف بين الصخر والرمل.

ولتحقيق هذه القياسات يتم توزيع مجموعة من العوامات وتعليق هيدروفونات في أسفلها، وهذا ما يسمح بمسح قعر البحر بفضل الضجيج الموجود في البحر. ونبحث حاليا عما إذا كان بوسع هذه الطريقة الاستغناء عن السونارات التي يجب علينا نقلها على كامل سطح المنطقة المراد دراستها من أجل تسجيل الصدى.

يكشف ضجيج الخلفية أيضا عن آليات تحدث على السطح، وهو يشير خصوصا إلى كمية الغاز الجوي الذي تمتصه المحيطات. إذ يريد الباحثون في علم الطقس (لا سيما المهتمون منهم بمسألة احترار (ارتفاع حرارة) الكرة الأرضية) معرفة كمية الغاز المتبادل بين الغلاف الجوي والمحيطات. وهكذا يمكن أن يكون الضجيج عاملا مساعدا للدراسات المجراة لأن تلاطم الأمواج (الذي يعد المصدر الرئيسي للضجيج) هو أيضا السبب الرئيسي للتبادلات الغازية بين الغلاف الجوي ومياه البحر، إذ تغير الفقاعات من صوت الأمواج المتلاطمة بشكل مميز لهذه الغازات بحيث تكشف الهيدروفونات الموجودة تحت طبقة الفقاعات عن هويتها الصوتية.

وهكذا انطلاقا من قياس صوتي بسيط، بوسعنا التنبؤ بكمية الهواء في طبقة الفقاعات والعمق الذي تصل إليه هذه الفقاعات. حيث ترتبط هذه المقادير بكمية الغاز الذي يتسرب إلى داخل المحيطات. وقد دلت التجارب الأولية على صلاحية هذه المنظومة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N11_H05_006445.jpg

يسمح الضجيج الموجود في البحر بقياس الخواص الصوتية لقعر المحيط (في اليسار) وبقياس كمية الغاز الممتص في مياه البحر (في اليمين)

 

 

كانت أوائل الصور التي حصلنا عليها للهدف غير واضحة، إذ أمكن رؤيته ولكن لم يكن ظهور الثقب المربع جليا. ومنذ ذلك الوقت أعدنا فحص البيانات وأجرينا عليها بعض المعالجات المعلوماتية، وقد بدا أنه من الممكن استخدام طيف شدة الضجيج (وهو شدة الصوت عند مختلف الترددات) كدالة للتمييز بين الهدف وما حوله. ولكننا رأينا آنفا أن الترددات تقابل ألوانا، وهكذا ميَّزنا بسهولة الزوايا الأربع الفارغة والثقب المربع عن الهدف المتصالب، إذ تظهر ألواح الهدف بألوان مختلفة عن تلك الموجودة في المناطق الفارغة، بما فيها الثقب المركزي. وقد ظهر ذلك كما لو أننا فرضنا أن لون الألواح «أحمر» ولون الثقب «أزرق». ونجري حاليا المزيد من البحوث على هذه الطريقة كأداة لتعزيز الصور الصوتية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N11_H05_006446.jpg

تعطي المحاكاة لمحة عن إمكانات التصوير الصوتي في الصوت الطبيعي. لقد حسبنا هنا الصورة التي تعطيها منظومات مركبة لكرة من الفولاذ. مع افتراضنا أن الضجيج قادم من الأمواج (الممثلة بوساطة خطوط متقطعة صفراء). تعطي منظومة مؤلفة من تسعين ألف عنصورة مَيْزا جيدا (a)، ولكن تحقيقها يظل أمرا صعبا. تتألف الصور الحالية من نحو مئة عنصورة (b)، كما نتوقع بناء منظومات تشكل صورا مؤلفة من تسعمئة عنصورة (c).

 

رؤية العالم البحري

بعد أن اختبرنا طريقتنا باستخدام الأهداف الثابتة قمنا بزيادة الصعوبة وحاولنا متابعة حيتان موضوعة في حوض المتنزه البحري بمدينة سان دييگو الأمريكية. وفي الوقت نفسه كان بيولوجيو المتنزه يدرسون رد فعل هذه الحيتان على وجود الأهداف في «حوضها»، إذ يبدو أن الحيتان تعتبر أن كل جسم موضوع في الحوض جزء من ممتلكاتها الخاصة.

 

في الشهر 2/1995 وضعنا منظومتنا في الحوض بينما كانت الحيتان تسبح بِحُرية، موليًة إيانا اهتماما موازيا لاهتمامنا بها. في البداية كانت الحيتان حذرة من العاكس الكروي الكبير ولكنها ما لبثت أن اعتادت سريعا عليه. وقد أثار فضول الحيتان ملاحظة أنها عندما تُصدر قعقعة أمام العاكس الكروي فإن صوتها يعود إليها بشدة أكبر بسبب المفعول المركِّز لهذا العاكس، وكان هذا أولى مغامرات الحيتان مع أجهزتنا، وليس آخرها، لذا قررنا نقل الحيتان إلى حوض مجاور بحيث نجري تجاربنا عليها من دون أن تعبث بأجهزتنا.

 

وأخيرا وبعد مواجهة مصاعب عديدة وضعنا جهازنا قيد العمل من جديد، وهكذا بدأت البيانات بالوصول إلينا. ولم نكن في الأصل متأكدين من نتيجة تجربتنا لأن ضجيج الخلفية الموجود في الحوض يمكن أن يكون مختلفا عن ذلك الموجود في البحر. بيد أننا لاحظنا أن المضخات ومختلف الآلات الأخرى تولد ضجيجا يمكن مقارنته بضجيج البحر.

 

وبينما كنا ننظر إلى النتائج الأولية (من دون القيام بتعزيز الصور) ظهر شكل مبهم على الشاشة فجأة. وأثناء الثواني القليلة التي كان فيها الشكل مرئيا على الشاشة شاهدنا (بأعيننا) أحد الحيتان وهو يتحرك في حقل رؤية العدسة أدونيس. وأثناء هذه الفترة أكد كل من الهيدروفونات ومدربو الحيتان أن هذه الأخيرة لم تصدر أصواتا. وهذا يدل على أن الصور التي رأيناها ناتجة من ضجيج الخلفية الصوتي. ويجب علينا دراسة صور الحيتان مرة أخرى ومقارنتها بالتسجيلات الڤيديوية التي صورناها في الوقت نفسه للتأكد من أننا قد صورنا الحيتان صوتيا، ولكن الملاحظات الأولية والتجربة التي أجريناها في عرض البحر بكاليفورنيا تجعلنا واثقين من نتائجنا.

 

ومن المأمول تحقيق العديد من تطبيقات الصور الصوتية في محيط من الصوت الطبيعي. إذ يمكن استخدام هذه الطريقة من أجل كشف الألغام تحت البحرية خصوصا تلك التي تنفجر عند تلقيها إشارة من السونار. كما يمكنها إعطاء «صورة صوتية» لمركبات غائصة مستقلة تتجنب العقبات وتسمح بضبط سلامة بناء المنصات البحرية البترولية من دون تدخل بشري. وبسبب عدم إمكان كشف هذه الطريقة فإنه يمكن تطبيقها في التصوير الصوتي بغية ضبط الحركة في المرافئ. وأيضا يسمح عدم إحداث هذه الطريقة تداخلاتٍ صوتية مع الثدييات البحرية بإحصاء عددها من دون إحداث اضطراب في سلوك هذه الحيوانات. وهذا ما يدعونا للتساؤل فيما إذا كانت هذه الثدييات تستخدم التصوير الصوتي للحصول على المعلومات من محيطها الطبيعي.

 

ومن المنتظر إحراز المزيد من التقدم. فأثناء التجارب الأخيرة ميزت العدسة أدونيس (بفضل الألوان الصوتية) أجساما طافية مثل عوامة بلاستيكية أو كرات من التيتانيوم أو براميل من بولي كلور الڤينيل (PCV) تحتوي على رمل مبلل وعلى مادة رغوية. وقد دلت التحليلات الأولية على إمكان رؤية هذه البراميل حتى وإن كانت قابعة في قعر البحر.

 

إننا الآن في مرحلة تذكرنا بالأيام الأولى للتلفزيون، فليست نوعية الصورة مهمة أمام حقيقة وجود الصور. وفي غضون الأشهر القادمة سنستعيض عن العاكس الكروي بصفيف ذي تحكم طوري يتألف من نحو ألف هيدروفون. وبشكل مواز سنقوم ببرمجة خوارزميات متخصصة بتعزيز الصور وضمان تعرُّف الصورة آليا. ونأمل في تحسين نوعية الصور الصوتية وإعطاء الأجيال القادمة من العدسة أدونيس فرصة كونها آلات التصوير تحت البحري المستقبلية.

 

 المؤلفون

Michael J. Buckingham, John R. Potter, Chad L. Epifanio

يعمل بيوكينگهام أستاذا للصوتيات في المعهد سكريپس بدلايولا (كاليفورنيا)، كما يعمل إپيفانيو باحثا في المعهد نفسه. أما پوتر فهو مدير مختبر الصوتيات في جامعة سنغافورة.

 

مراجع للاستزادة 

IMAGINE THE OCEAN WITH AMBIENT NOISE. Michael J. Buckingham, Broderick V. Berkhout and Stewart A. L. Glegg in Nature, Vol. 356, pages 327-329; March 26, 1992.

THEORY OF ACOUSTIC IMAGINE IN THE OCEAN WITH AMBIENT NOISE. Michael J. Buckingham in Journal of Computational Acoustics, Vol. 1, No.1, pages 117-140; March 1993.

ACOUSTIC IMAGING USING AMBIENT NOISE: SOME THEORY AND SIMULATION RESULTS. John R. Potter in Journal of the Acoustical Society of America, Vol. 95, No. 1, pages 21-33; January 1994.

ACOUSTIC DAYLIGHT IMAGING: VISION IN THE OCEAN. Michael J. Buckingham and John R. Potter in GSA Today, Vol. 4, No. 4, pages 97-102; April 1994.

Scientific American, February 1996

 

 

(1) عالم في الطبيعيات وكاتب لاتيني عاش في القرن الأول الميلادي، كان أدميرالا لأسطول مسِّينا، ألّف «التاريخ الطبيعي» الذي يضم سبعة وثلاثين مجلدا. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى