المعالجة المناعية لإدمان الكوكائين
المعالجة المناعية لإدمان الكوكائين
ربما ساعدت المركبات المطورة حديثا والمشتقة من جهاز المناعة على
مكافحة إدمان الكوكائين بتحطيم هذا المخدر سريعا بعد دخوله مجرى الدم.
<W .D. لاندري>
إن تفشي وباء إدمان الكوكائين في الولايات المتحدة منذ ما ينوف على عقد من الزمن لم يترك قطاعا من الأمة غير متأثر به. فملايين الناس تتعاطى المخدر بعواقبه الطبية التي تشمل الاضطراب النفسي الشديد ونوبات القلب المفاجئة. وقد شاركت التأثيرات الاجتماعية للانتشار غير المشروع للكوكائين في تخريب كثير من المدن عن طريق استنزاف الموارد البشرية والمالية التي كان من الممكن استخدامها استخداما مثمرا في نواحٍ أخرى.
وقد أسهمت عوامل كثيرة في حدوث هذه الأزمة، ومن بينها التقبل الاجتماعي لتعاطي المخدر، وعدم جدوى سياسات مكافحة التهريب التي أدت إلى توافر الكوكائين الرخيص، وتطوير شكل من هذا المخدر أشد فاعلية يمكن تدخينه وهو المعروف باسم «كراك» CRACK. ومن سوء الحظ، فنحن كمجتمع لم نقدر أن نعكس موجة المد، إضافة إلى إخفاق العلوم الطبية الحيوية في تقديم حل دوائي (علاجي).
وفي الحقيقة، وعلى الرغم من عقود من الجهود، فإن الأبحاث الطبية لم تنتج بعد أي وسيلة قادرة على العلاج الفعال لإدمان الكوكائين أو لتناول الجرعات المفرطة منه. وهذا الإخفاق المديد قد حثني وزملائي (في جامعة كولومبيا) على أن نعكف على دراسة أسلوب جديد جذريا. فقد حاولت الأبحاث الدوائية التقليدية أن تعترض تأثير الكوكائين في الدماغ؛ أما خطتنا فتهدف إلى تحطيم الدواء قبل أن تتاح له أي فرصة للوصول إلى الدماغ إطلاقا.
«الكراك» ومسحوق الكوكائين هما شكلا هذا المخدر. |
والاحتكام إلى هذا الأسلوب الجديد مبني على أساس تميّز تأثيرات الكوكائين في الدماغ. فجميع العقاقير المسببة للإدمان تنبه أساسا «سبيل المكافأة» reward pathway العصبي الذي تطور في أسلاف الثدييات قبل أكثر من 100 مليون سنة. وهذا السبيل ينشِّط في الدماغ ما يسمى المنطقة القشرية الحوفية lumbocortical region، وهي التي تتحكم في معظم الانفعالات والسلوكيات الأساسية. ففي المخلوقات قبل الواعية preconscious ساعد تنشيط سُبُل المكافأة في أشكال من السلوك شديدة التباين، مثل أكل الطعام والجماع، على التعلم ومنح ميزة البُقْيا من غير شك. ويستمر بقاء البِنَى نفسها حتى اليوم وهي توافر الأساس الفيزيولوجي لإدراكنا الذاتي للمتعة؛ إذ عندما تنبه كيماويات الدماغ الطبيعية، المعروفة باسم الناقلات العصبية neurotransmitters، هذه الدارات circuits يشعر الشخص بأنه «على ما يرام».
وقد غدا إدمان مادة ما أمرا متأصلا في بيولوجيا التعزيز reinforcementالعصبية السوية. فكل مادة يتعاطاها الناس بأنفسهم إلى حد الإدمان (مثل الكحول أو النيكوتين nicotine أو الباربيتيورات barbiturates أو الأمفيتاميناتamphetamines أو الهيروين heroin أو الحشيش أو الكوكائين) تنبه جزءا من سبيل المكافأة، وبذلك فهي «تعلّم» المستخدم أن يتعاطاها مرة بعد مرة. وفوق ذلك، تبدل هذه المواد الإنتاج الطبيعي للناقلات العصبية حتى إن الإقلاع عنها فور تأصل الإدمان قد يقدح متلازمة الامتناع withdrawl: أي ظهور اضطرابات نفسية أو فيزيائية (بدنية) تتباين تأثيراتها ما بين بغيضة جدا وخطيرة. فالبشر والحيوانات الأخرى سيؤدون الأعمال أو يضحون بالملذات أو يتحملون الألم لكي يؤمِّنوا الإمداد المستمر من المخدر الذي بلغوا مرحلة الاعتماد dependence عليه.
ويختلف مقدار التعزيز جوهريا فيما بين العقاقير المؤدية إلى الإدمان. ويزداد التعزيز أيضا بزيادة كمية المخدر التي تصل إلى الدماغ، والسرعة التي يتعاظم بها تركيز المخدر فيه. فالحقْن الوريدي يوافر بصورة نموذجية الإيصال الأشد فعالية. ومع ذلك فبالنسبة إلى المواد التي يمكن تبخيرها مثل الكوكائين في صورة «كراك»، يعد التدخين فعالاً بالقدر نفسه في إحداث التأثير الذي يريده المدمن. فالكوكائين، وبخاصة عندما يحقن أو يدخن على هيئة «كراك»، هو الأكثر فعالية من بين المعززات الشائعة، وآلية عمله المتميزة تجعل مكافحته صعبة بصفة استثنائية.
تحدي الكوكائين
يعمل الكوكائين عن طريق تحويل مفاتيح الدارات العصبية في سبيل المكافأة وجعلها في وضعية «التشغيل». وسبل المكافأة ـ شأنها شأن جميع الدارات العصبية ـ تتضمن مشابك synapses، وهي نقاط اتصال بين عصبونين neuronsقريبين يرتبطان بجسر من الناقلات (الموصلات) العصبية. وعندما يستثار عصبون ما على أحد جانبي المشبك، فإنه يطلق ناقلا مثل الدوپامين dopamine في الفضوة الضيقة ما بين الخليتين، ويستجيب العصبون على الجانب الآخر من المشبك بتغيير معدله الخاص من الإثارة. ولمنع فرط إطلاق الإشارات فإن العصبون الأول يلتقط سريعا الناقل العصبي من الحيز المشبكي.
ويعترض الكوكائين هذا النظام. فإزالة الدوپامين من المشبك تعتمد على بروتينات ناقلة تحمل الناقل (الموصل) العصبي من خارج الخلية إلى داخلها. ويمنع الكوكائين البروتينات الناقلة من العمل، وبالتالي ففي وجود المخدر يبقى كم كبير من الدوپامين في المشبك. وينبه الدوپامين بصورة هائلة سبيل المكافأة وهذا يعزز (يدعم) استخدام الكوكائين.
إن الطريقة التي تدرس الآن لمكافحة إدمان الكوكائين تعتمد على إمكان إيصال جزيئات أضداد إلى مجرى الدم حيث توقع الكوكائين في شراكها وتقطعه إربا. وبذلك تعطل الأضداد المخدر قبل أن تتاح له فرصة العمل في الدماغ. |
ولنقابل ما بين طريقة عمل الكوكائين وطريقة عمل الهيروين: فالهيروين يرتبط بمستقبلة الناقل العصبي فينبه سبل المكافأة بطريقة مباشرة؛ في حين أن الكوكائين ينبه الدارات نفسها بطريقة غير مباشرة، وذلك بإطالة أمد عمل النواقل العصبية الموجودة بالفعل. وهذا الفارق هو ما يجعل اعتراض سبيل الكوكائين تحديا حقيقيا. فالهيروين يمكن إيقاف عمله بمركبات زائفة عاطلة (غير ناشطة)، مثل النالتركسون naltrexone، ترتبط بالمستقبلات نفسها وبذلك تعوق إمكانية وصول الهيروين إليها. ولكن أي مركب يعوق إمكانية وصول الكوكائين إلى هدفه ـ ناقل الدوپامين ـ سيعطل غالبا قدرة ناقل الدوپامين على إزالة الدوپامين من الحيز المشبكي. وبذلك سيكون له فعليا تأثير الكوكائين ذاته. إن الاختلافات الدقيقة المكتشفة حديثا في طرق تآثر (تبادل التأثير) الكوكائين والدوپامين مع الناقلات توحي بأن محصرا (معيقا) للكوكائين قابلا للاستعمال قد يكتشف مستقبلا، ولكن حتى الآن فإن الجهود المكثفة لم تؤتِ ثمارا ناضجة.
يشجع الكوكائين الإدمان بالإثارة البالغة لتلك الدارة الدماغية التي ينجم عنها الانتعاش. وهذه الدارة (الشكل في اليسار) تتضمن عصبونات تمتد من سقيفة الدماغ المتوسط midbrain tegmentum وتؤلف نقاط تماس، أو مشابك synapses، مع عصبونات النواة المنحنية إلى الأمام nucleus accumbens. ويحدث التنبيه (الشكل في أعلى اليمين) عندما يرتبط الناقل العصبي «الدوپامين» بمستقبلات على خلايا ما بعد المشابك. وفي دماغ من لا يتعاطى المخدر تخبو الإشارة لأن الدوپامين يُزال من المشبك بوساطة العصبونات التي تطلقه. ويعوق الكوكائين هذه الإزالة (الشكل في أسفل اليمين) فيؤدي إلى تراكم الدوپامين في المشبك وتنشيط الدارة بشدة. |
وكطريق بديل، بدأت وزملائي قبل عدة سنوات في البحث عن إمكانية اعتراض إيصال الكوكائين إلى الدماغ. وبغض النظر عن الكيفية التي يدخل الكوكائين بها إلى الجسم، لا بد من أن يتم حمله إلى الدماغ عن طريق دوران الدم. ويقع الاختيار الطبيعي على معترضات interceptors منقولة بالدم هي الأضداد antibodies. والأضداد هي جزيئات جهاز المناعة التي تصممها الطبيعة كي ترتبط بجزيئات مستهدفة متباينة. وقد وجدنا تقريرا مثيرا يكاد يكون منسيا نشر عام 1974، وفيه اكتشف <R .C. شستر> (الذي يعمل حاليا في جامعة وين الحكومية في ديترويت) أن تمنيع (تحصين) القردة بمضاهئ analogue للهيروين (حرض الجهاز المناعي على إنتاج أضداد ضد المضاهئ) قد أحصر بعض تأثيرات المخدر.
ولسوء الحظ، سرعان ما تلاشت من مجرى الدم الأضداد الجائلة فيه عندما كونت معقّدات complexes مع هدفها. ولأن إدمان الكوكائين ينطوي على تعاطي جرعات متكررة، فقد كان واضحا لنا أن الأضداد المضادة للكوكائين تتطلب إزالة المخدر من دون أن تفقد هي نفسها نشاطها ومن دون أن يُقضى عليها. وفضلا عن ذلك، بإمكان الكوكائين أن يربط من الأضداد ما يعادل 250 ضعف وزنه، حتى إن جرعة واحدة قدرها 100 ملّيغرام أو نحو ذلك قد تقهر أي كمية معتدلة من الأضداد النوعية الجائلة في الدوران الدموي (الدورة الدموية).
يتضمن تحطم الكوكائين تغيير بنيته، فالصورة الأصلية (a) تتحول إلى حالة انتقالية أقل ثباتا (b). ثم تنشطر لتنتج مادتين غير فعالتين (c). |
ولحسن الحظ، فإن التقدم في الكيمياء العضوية منذ عام 1974 قدم الحل العملي الصحيح الذي كنا نحتاج إليه وهو: الأضداد التحفيزية catalyticantibodies. وفي أواخر الثمانينات من القرن العشرين، اكتشف <A .R. ليرنر> (من معهد سكريپس للأبحاث) و <J .S. بنكوڤيك> (من جامعة ولاية پنسلڤانيا) وكذلك <G .P. شولتز> (من جامعة كاليفورنيا في بيركلي) مستقلا عنهما، أن بمقدورهم إنتاج أضداد يمكنها في الوقت نفسه أن ترتبط بجزيئات منتقاة وأن تسهّل التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى تحطيمها. وحالما تحدث التغيرات الكيميائية، تتخلى الأضداد التحفيزية عن النواتج وتخرج من دون تغيير مستعدة للارتباط من جديد. وبعض الأضداد ذات النشاط التحفيزي القوي جدا، قد تُحدث العشرات من التفاعلات في ثانية واحدة. وقد تبين لنا أن هذه المعدلات العالية للتحويل تتيح لكمية ضئيلة من الأضداد أن تعطل كمية كبيرة من المخدر.
سهل التحطيم
وقد بدا الكوكائين مرشحا عظيما لتطبيق طريقة الضد التحفيزي من ناحية، إذ من الممكن لهذا الضد أن يعطل فعالية الكوكائين بتفاعل تشطير cleavage بسيط ينتج منه نتاجان خاملان. وهناك إنزيم (إنظيم) enzyme في دم الإنسان يعزز هذا التفاعل تماما، إلا أنه بطيء إلى حد لا يمنع الإدمان من بلوغ ذروته. وبالمقابل، فإن تشطير الهيروين ينتج المورفين وبالتالي لا يتعدى الأمر إحلال مخدر مسبب للإدمان محل مخدر آخر.
كما علمنا أن بعض الأضداد التحفيزية القادرة على تدريك degradationالإسترات esters (وهي طائفة من المركبات الكيميائية تتضمن الكوكائين) قد عملت بكفاءة تامة. وهذه الأضداد تستطيع تحفيز أكثر من 40 تحولا كيميائيا متباينا، غير أن معدلات التفاعل اختلفت بشدة، وكثيرا ما كانت منخفضة. ومع ذلك فإن بعض الأضداد التي تشطّر الإسترات (والمعروفة أحيانا بالإسترازات esterases) لها تقريبا فعالية الإنزيمات الطبيعية نفسها، وبالتالي فقد كان لدينا مسوّغ للاعتقاد بأن أضداد الكوكائين يمكنها أن تعمل بسرعة كافية لحرمان المدمن من معظم تأثير المخدر. وربما استطاعت بذلك كسر دورة التعزيز (الدعم) التي تُبقي على الإدمان.
وكبرهان على هذه الفكرة، كان بإمكاننا أن ننظر إلى التجربة المبهرة التي تضمنت الكوكائين الطبيعي والمركب الذي يمثل صورته المرآتية mirror image غير الفعالة بيولوجيا، والمعروفة باسم (+)-كوكائين (+)-cocaine. (إن للمركبين المكونات نفسها، إلا أن بنيتيهما تختلفان كاختلاف اليد اليمنى عن اليسرى.) وعندما حُقِن المركبان في قرد، وصل الكوكائين الطبيعي فقط إلى الدماغ. وتبين أن الإنزيم البيولوجي الذي يدرّك الكوكائين يدرّك أيضا مركب صورته المرآتية، ولكن أسرع بنحو 2000 مرة. فعمر النصف (العمر النصفي) للمركب (+)-كوكائين في مجرى الدم هو خمس ثوان فقط. لذا فإن إنزيمًا له النوع ذاته من التأثير في الكوكائين الطبيعي سيجعل شم هذا المخدر أو تدخينه غير مؤذ أصلا.
لذا شرعت وزملائي في تطوير أضداد تحفيزية قادرة على تدريك الكوكائين. وكانت خطتنا هي تكوين مضاهئ للكوكائين يحض جهاز المناعة في حيوانات المختبر على إنتاج أضداد الكوكائين. ويمكن بعد ذلك تنقية هذه الأضداد وتصنيعها بكميات كبيرة. وقد أردنا على وجه التخصيص تكوين جزيء يماثل في بنيته بنية الكوكائين فيما يسمى بحالته التحولية transition state. فالثنايا والجيوب والمواضع الناشطة لضد تحفيزي لا يتم تشكيلها على الصورة الطبيعية للمركب الهدف، بل بالأحرى على حالته التحولية، أي: الشكل الذي يتخذه الجزيء في غمرة التفاعل الكيميائي. ونتيجة لذلك، يشجع الضدُّ الهدفَ على أن يتخذ هذه الصورة، وبذلك يجعل التفاعل أكثر احتمالا. وآخر ما وصل إليه العلم في مجال تصميم مضاهئات الحالة التحولية هو مزيج من البحوث النظرية والتخبرية empirical. وعلى الرغم من جهود الباحثين، فبعض المضاهئات تخفق من الوجهة التحساسية الذاتية idiosyncraticaly في إثارة أضداد ناشطة تحفيزيا.
يرفع تدخينُ الكوكائين أو حقنُه مستوى المخدر في الدم (وفي الدماغ) على نحو أسرع من شمه أو بلعه وبالتالي يحدث أثرا أقوى. والعلاج بالأضداد قد لا يزيل المخدر كليا. ولكن ينبغي له أن يقلل من إغراء الكوكائين بتقليل فعاليته. |
وقد أنتجنا مثيل الحالة التحولية عندنا بالاستعاضة عن مجموعة ذريةatomic في الحالة التحولية بأخرى مكانها قادرة على تثبيت البنية مع الإبقاء على البنية الانتقالية الطبيعية. وقد اضطررنا إلى ابتكار طريقة جديدة لاصطناع هذا المركب نفسه، لأن جميع الطرق الأخرى المعروفة أخفقت في إنتاج البنية المرغوبة. وحالما تم إنتاجنا مثيلَ الكوكائين، كان علينا أن نربط به بروتينا حاملاcarrier protein للتأكد من أنه سيولّد استجابة مناعية. فالجزيئات الصغيرة كالكوكائين لا تستطيع بصورة عامة أن تنتج أضدادا بنفسها ـ وهذا هو السبب الذي يجعل الناس لا ينتجون أضدادا للأسپرين على سبيل المثال.
لقد منّعنا (حصّنا) الفئران بمركبنا، وعزلنا (استفردنا) الخلايا التي أنتجت أضدادا له. ووجدنا من بين تلك الخلايا ذُرِّيتين (سلالتين) strains أنتجتا أضدادا ارتبطت بالكوكائين، وقامت بتدريك المخدر وحررت مركبات خاملة، وكررت الدورة ـ وتلك هي أول الإنزيمات الاصطناعية التي تدّرك الكوكائين. ومنذ ذلك الحين، اصطنعنا مضاهئيْن إضافيين للحالة التحولية، ولدينا الآن تسعة أضداد تحفيزية متباينة. ويستطيع كل جزيء من أكثر عواملنا قوة إلى يومنا هذا أن يدرّك أكثر من جزيئيْ كوكائين في الدقيقة الواحدة. وهذه الفعالية كافية للدراسات البدئية في الحيوان.
وغالبا ما سنحتاج إلى ضد أكثر فعالية للاستخدام في الإنسان. فمجرى دم المدمن يجب أن يحتوي على 10 غرامات أو أكثر من أفضل إنتاجنا الحالي من أجل تعديل شمّة مقدارها 100 ملّيغرام من الكوكائين. وإذا ما أنجزنا تحولا معدله تفاعلان في الثانية فإن 500 مليغرام من الضد [والتي يسهل حقنها (إدخالها) بمحقنة syringe] ستكون كافية كي تصد جرعة كبيرة من الكوكائين عن الدماغ. ولأنه أُعلن عن أضداد تحفيزية لها فعالية تربو على 40 تحولا في الثانية، فإن هذا الهدف يبدو واقعيا.
ولتحسين الفعالية الكيميائية، فإننا نسلك مسلكا ذا ثلاث شعب. أولاها أننا طورنا طريقة لتصميم مضاهئات إضافية للحالة التحولية من شأنها أن تحدث أضدادا تحفيزية عالية الفعالية. إن أيا من الأضداد التي ترتبط بمضاهئاتنا الجديدة سيشوه الكوكائين ويحوله إلى هيئة هشة جدا تكاد تتشطر تلقائيا. وكذلك فإننا نطور وسائل للتقصي ستسمح لنا باختيار الأضداد لإحداث النشاط التحفيزي مباشرة بدلا من اختيارها أولا لترتبط ارتباطا وثيقا بمضاهئ الحالة التحولية. وأخيرا فقد كونا نسائل clones لأضدادنا التحفيزية، فأنشأنا مجموعات نقية من كل نمط، بحيث يمكننا أن نعدّل بنيتها انتقائيا.
إجبار الأضداد على العمل
وحتى بعد تطويرنا ضدا تحفيزيا بمقدوره تدريك الكوكائين بكفاءة، علينا أن نواجه صعوبات أخرى لابتكار علاج فعال للمخدر. فالأطباء لا يمكنهم تمنيع المدمنين بمضاهئ الحالة التحولية transition-state analogue مباشرة، لأن جزءا بسيطا فقط من بين الأضداد المختلفة التي ينتجها المريض ضد المخدر يحتمل أن يكون تحفيزيا. ولتأمين مستويات عالية من الضد التحفيزي في الدم يجب على الأطباء تسريبه infusion في الدم مباشرة ـ وهي عملية تعرف بالتمنيع المنفعلpassive. فإذا ما كانت تلك هي الحالة، فعلى المصنّعين أن يطوروا خطوطا خلويةcell lines قادرة على إنتاج كميات كبيرة من هذه الأضداد. ومهما يكن الأمر، فالأضداد وحيدة النسيلة صارت عناصر صيدلانية راسخة، لذا تبدو هذه المهمة قابلة للتنفيذ.
وبالإمكان تصميم الضد التحفيزي ليبقى في الجسم عدة أسابيع أو أكثر وهي بالتقريب المدة نفسها التي تبقاها الأضداد البشرية الطبيعية. وربما كانت هذه المدة الطويلة ضرورية لتبسيط البرامج العلاجية، إذ تستطيع حقنة واحدة أن تحصر الكوكائين مدة شهر. وقد تكون هذه الفترة كافية لكي تخمد أشد الآلام النفسية حدة، ولكي يترسخ العلاج التقليدي للإدمان. فالغالبية من المشاركين في المعالجات الحالية يستمرون في تعاطي الكوكائين حتى أثناء الاستشارات وتلقي غيرها من طرقِ مداواةٍ مصممة لفطامهم wean عن المخدر. وإذا ما أمكن إحصار block الكوكائين، فربما كانت المعالجات الأخرى أكثر فعالية. فبرامج معالجة الهيروين التي تستخدم كلا من الاستشارة الطبية وعقار الميثادونmethadone لإحصار تأثير هذا المخدر تورد معدلات امتناع تتراوح بين 60 و 80 في المئة مقابل معدل يتراوح بين 10 و 30 في المئة في تلك النظم العلاجية التي تعتمد على التغيرات السلوكية فحسب.
وحتى إذا لم يمنع مُحْصِر الكوكائين كل مقدار ضئيل من المخدر من الوصول إلى دماغ المستخدم، فإنه قد يستمر في العمل ضد الإدمان بتقليل حدة ذروة فعالية المخدر. فموجة تدخين جرعة كبيرة من «الكراك» ربما تنحسر إلى المستوى الأقل إغراقا والمتمثل في شم مليغرامات قليلة من مسحوق الكوكائين. وهذا الفارق قد يكون كافيا لوضع المدمنين على أول طريق الشفاء.
المؤلف
Donald W. Landry
هو أستاذ مشارك في الطب بكلية الأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا. وقد حصل على الدكتوراه في الكيمياء العضوية تحت إشراف <B .R. وودوورد> الحائز جائزة نوبل في جامعة هارڤارد، ثم حصل على بكالوريوس الطب من جامعة كولومبيا. وبعد إتمام فترة التخصص في الطب الباطني في مستشفى ماساتشوستس العام، عاد إلى كولومبيا عام 1985 كطبيب باحث تابع للمعهد القومي للصحة. وأسس مختبره عام 1991 لتحري التطبيقات الطبية للإنزيمات الاصطناعية.
مراجع للاستزادة
CATALYTIC ANTIBODIES. Richard A. Lerner and Alfonso Tramontano in Scientific American, Vol. 258, No. 3, pages 42-50; March 1988.
ANTIBODY-CATALYZED DEGRADATION OF COCAINE. D. W Landry, K. Zhao, G. X.-Q. Yang, M. Glickman and T M. Georgiadis in Science, Vol. 259, pages 1899-1901; March 26, 1993.
ANTI-COCAINE CATALYTIC ANTIBODIES: A SYNTHETIC APPROACH TO IMPROVED ANTIBODY DIVERSITY. G. Yang, J. Chun, H. Arakawa-Uramoto, X. Wang, M. A. Gawinowicz, K. Zhao and D. W. Landry in Journal of the American Chemical Society; Vol. 118, No. 25, pages 5881-5890; June 26, 1996.
Scientific American, February 1996