أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

ربما تكون جينات التصلب المتعدد قد نشأت لدرء العدوى الحيوانية

الجينات التي تسبب مرض التصلب المتعدد نفسها ربما تكون قد حمت الرعاة الرحل من التقاط العدوى من حيواناتهم منذ آلاف السنين

بقلم كلير ويلسون

تسلط أكبر قاعدة بيانات وراثية للبشر القدماء حتى الآن ضوءاً جديداً على بعض الحالات الطبية الحديثة، مثل التصلب المتعدد Multiple sclerosis (اختصاراً: المرض MS)، وكذلك سبب وجود اختلاف بين الناس عندما يتعلق الأمر بالسمات الوراثية الأخرى، مثل الطول.

إحدى النتائج هي أن الجينات المسببة لمرض التصلب العصبي المتعدد ربما صارت أكثر شيوعا لأنها ساعدت الناس على مقاومة العدوى التي تنتقل من الحيوانات.

وتشمل النتائج الأخرى تفسيرات لسبب شيوع مرض ألزهايمر (تنطق آلزايمرز) Alzheimer’s disease في بعض المجموعات أكثر من غيرها، ولماذا يميل الأشخاص من شمال أوروبا إلى أن يكونوا أطول من أولئك الذين يعيشون في جنوب القارة.

يقول إيفان إيرفينغ- بيس Evan Irving-Pease من جامعة كوبنهاغن University of Copenhagen في الدنمارك: «الأشياء التي كانت تحدث منذ آلاف السنين يمكن أن تكون لها تأثيرات عميقة حقاً في صحة وطول عمر الأشخاص الذين يعيشون في الوقت الحاضر».

لقد تشكلت جينات الأشخاص الذين ينحدرون من أوروبا وغرب آسيا من خلال ثلاث موجات كبيرة من الهجرة. ووصل الإنسان الحديث الذي يعيش أسلوب حياة الصيد وجمع الثمار Hunter-gatherer لأول مرة إلى هذه المناطق منذ نحو 45 ألف عام. بعد ذلك كانت هناك موجة من المزارعين من الشرق الأوسط منذ نحو 11 ألف سنة، أعقبها تدفق إضافي لرعاة الماشية من السهوب الأوراسية، الذين يطلق عليهم الآن شعب اليمنايا Yamnaya people.

ولفهم كيف شكلت هذه الحركات الجماعية الظروف الطبية الحديثة، حلل فريق إيرفينغ- بيز عينات العظام والأسنان مما يقرب من 5 آلاف بقايا قديمة موجودة في مجموعات المتاحف في أوروبا وغرب آسيا، ويبلغ عمر أقدمها 34 ألف عام.

أحدث التقارير البحثية عن الدفعة الأولى من العينات المقرر تحليلها، بناءً على نحو 1,600 فرد. قارن الفريق هؤلاء الأفراد ببيانات وراثية من 410 ألف شخص من مجموعة بيانات طبية ضخمة تسمى بنك المملكة المتحدة البيولوجي UK Biobank، وحللوا نتائج المشاركين البيض فقط لاختيار أولئك الذين هم من أصول أوروبية.

بدأ الفريق بالتركيز على مرض التصلب العصبي المتعدد، وهو مرض من أمراض المناعة الذاتية Autoimmune تحدث عندما يبدأ الجهاز المناعي في مهاجمة الأعصاب Nerves، مما يؤدي غالباً إلى إعاقة تدريجية. وقد وجدت الدراسات السابقة 233 تنويعا (متغيراً) وراثياً Genetic variants يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض التصلب العصبي المتعدد.

التنويعات الجينية المهيئة لمرض التصلب العصبي المتعدد نشأت لأول مرة في شعب اليمنايا وصارت أكثر تواتراً في أحفادهم مع انتشارهم غرباً عبر أوروبا

وأظهرت النتائج أنه من بين الأشخاص المعاصرين في المملكة المتحدة، فإن أولئك الذين لديهم خطر وراثي أعلى للإصابة بمرض التصلب العصبي المتعدد لديهم أصول أكثر من اليمنايا. ووجد الفريق أيضاً أن بعض هذه التنويعات الجينية المهيئة لمرض التصلب العصبي المتعدد نشأت لأول مرة في اليمنايا وصارت أكثر تواتراً في أحفادهم مع انتشارهم غرباً عبر أوروبا.

وخلص الباحثون إلى أن بعض المتغيرات الـ 233 المرتبطة بمرض التصلب العصبي المتعدد تؤثر أيضاً في الجهاز المناعي، إلى جانب أن اليمنايا عاشت بين الحيوانات. وأن الجينات المسؤولة عن مرض التصلب العصبي المتعدد ربما ساعدت شعب اليمنايا على مقاومة البكتيريا والفيروسات التي يمكن أن تنتقل إلى البشر من الحيوانات. وقد أظهر الفريق سابقاً أيضاً أن عدداً قليلاً من تنويعات خطر مرض التصلب العصبي المتعدد مرتبطة بمقاومة جزئية ضد مرض السل Tuberculosis.

وفي ورقة بحثية أخرى، سلط الباحثون الضوء على كيفية تأثير أسلافنا في المخاطر الجينية للإصابة بمرض ألزهايمر. من المرجح أن يكون لدى الناس حالياً جين يسمى الجين ApoE4، مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، إذا كانت لديهم أسلاف أكثر من السكان الصيادين وجامعي الثمار الأوائل في أوروبا.

يبدو أن المتغير البديل لهذا الجين، المسمى ApoE2، والذي يؤدي إلى انخفاض خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد نشأ في شعب اليمنايا الوافد، ربما لأنه يوفر الحماية ضد الملاريا Malaria أو عدوى فيروسية غير معروفة، كما كتب الباحثون في ورقتهم البحثية.

غير أن التنويع الحامي من مرض الألزهايمر لا يقدم ميزة إنجابية Reproductive advantage، لذلك لم يكن التطورسينتخبه (ينتقيه) Selected لتأثيراته في الخرف Dementia، بالنظر إلى أن الحالة تحدث بشكل عام بعد فترة طويلة من إنجاب الأشخاص لأي أطفال، كما يقول بنجامين ترامبل Benjamin Trumble من جامعة ولاية أريزونا Arizona State University الذي لم يشارك في أي من هذه الأبحاث.

يقول ترامبل: «الشيء الرائع في هذه الورقة البحثية هو أنهم ينظرون إلى الوراء نظرة أعمق في الزمن، ويتحدثون عما قد يكون مفيداً أو غير ملائم في ذلك الوقت… في كثير من الأحيان نركز على البيئات الحديثة ونقول إن جيناً معيناً ضار تماماً. علينا أن نفكر في ماهية الضغوط الانتخابية (الانتقائية) Selective pressures في الأوقات المختلفة».

ومن النتائج الأخرى التي توصل إليها التحليل أنه من بين الأشخاص الذين يعيشون في أوروبا، فإن أولئك الذين لديهم أصول أكثر من اليمنايا يميلون إلى أن يكونوا أطول، وهو ما قد يفسر سبب تمتع الأشخاص في شمال أوروبا، في المتوسط، بقامات أطول من أولئك الموجودين في جنوب أوروبا.

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى