البحث عن الجينات المقاومة للإيدز
البحث عن الجينات المقاومة للإيدز
لقد تم الكشف عن خَلّة جينية تقي من الإصابة بالإيدز، ويجري اكتشاف المزيد من تلك الخِلال
الجينية. وهذه الاكتشافات تفتح سبلا جديدة تماما لتطوير وسائل الوقاية والعلاج من هذا المرض.
<J .S. أوبرين> ـ <M. دين>
في الوقت الحاضر، يعرف معظم الناس التأثيرات المدمرة لڤيروس العوز المناعي البشري (HIV). وهذا الڤيروس الذي ينتقل بتماس دم بدم آخر، قد يبقى سنوات من دون أن يُحدِث أي أعراض، إلا أنه في العادة يقوم بتدمير الخلايا الرئيسية في جهاز المناعة خلال 10 – 15سنة مسببا متلازمة العوز المناعي البشري المكتسب (الإيدز). وبسبب فقدان المناعة، تتمكن العضويات الميكروية (المجهرية) ـ التي تكون في الحالة الطبيعية مكبوحة ـ من التكاثر بشكل لا يمكن التحكم فيه، مما قد يسمح للسرطانات المهدِّدة للحياة أن تظهر. وهكذا أدى الإيدز إلى قتل أكثر من 000 350 شخص في الولايات المتحدة وحدها حتى اليوم، وأصبح السبب الرئيسي في وفاة من تتراوح أعمارهم بين 24 و 44. كما أن 000 750 أمريكي آخرين يحملون الڤيروس، ضمن نحو 30 مليون مصاب به في جميع أنحاء العالم.
يؤثر جين البروتين CCR5 في مقاومة الجسم لڤيروس العوز المناعي البشري (HIV)، وهو الڤيروس الذي يسبب الإيدز. ويعرض الناس الذين يحملون أشكالا معيارية، أو ألائل، للجين (الصفحة المقابلة) البروتينَ CCR5 على الخلايا التي تسمى البلاعم (a). وبوجود البروتين CD4 يمكن للبروتين CCR5 أن يرتبط بڤيروس العوز المناعي (b) ويتيح له الفرصة لإصابة البلاعم (c) بالعدوى. وبالمقابل، فإن الناس الذين لديهم ما يدعى بالطفرات الخاصة بالخَبْن deletion للجين CCR5 يقاومون العدوى (هذه الصفحة)، لأن البروتين الذي يُصنع من الجين المصاب بالطفرة لا يتم عرضه (a). ومن دون البروتين CCR5 الذي يعلق عليه الڤيروس HIV (b)، فإن هذا الڤيروس يكاد يفشل دائما في غزو البلاعم (c). |
وخلال السنوات القليلة المنصرمة، ساعد التقدم في مجال المعالجة الدوائية عددا من المرضى على الإفلات من الموت؛ إذ أدت التوليفات combinations المتطورة من الأدوية إلى إنقاص مستويات الڤيروس في الجسم واستعادة الوظيفة المناعية. وقد حظيت هذه الإنجازات الفذّة بالدعاية التي تستحقها، إلا أن النتائج التي لا يعلمها إلا القلة أحدثت مؤخرا ضجة في أوساط الباحثين في الإيدز.
ولطالما تساءل الباحثون، منذ أمد بعيد، عن سبب إفلات بعض الأفراد من العدوى (الخَمَج) بالڤيروس HIV على الرغم من تعرضهم الشديد لخطر الإصابة به، ولماذا تتفاقم العدوى إلى مرض الإيدز ببطء غير معتاد لدى بعض مَنْ يصابون بالڤيروس؟ فعلى سبيل المثال، في الفترة ما بين عامي 1978 و 1984، وقبل إجراء التقصي على الدم المجموع من المتبرعين لكشف الڤيروس HIV، أصيب بالعدوى 000 12 تقريبا من مرضى الناعور hemophiliacs الذين نُقلت إليهم منتجات دم ملوث، إلا أن 10 – 155في المئة من هؤلاء المتلقين لم يصابوا بالڤيروس؛ كما بقي نحو 1% من الأشخاص الذين يحملون الڤيروس HIVأصحاء نسبيا، بأعراض بسيطة أو من دون أية أعراض، مع الاحتفاظ بوظائف مناعية كافية مدة طويلة بشكل غير عادي، دامت 15 سنة أو أكثر.
وقد أظهرت الاكتشافات الحديثة أن بعض الناس يقاومون العدوى بالڤيروسHIV بشكل كلي أو جزئي، ويرجع حسن حظّهم إلى ما يمتلكون من جينات، أو على وجه الدقة إلى امتلاكهم جينا مغايرا خاصا يؤثر في الوظيفة المناعية. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى تكثيف الجهود لترجمة المفهوم الجديد للجينات إلى استراتيجيات خَلاقة للوقاية من الڤيروس HIV ومكافحة العدوى به. (ينبغي ملاحظة أننا نستعمل HIV للدلالة على HIV-1، وهو الڤيروس المسؤول عن معظم حالات الإيدز في جميع أنحاء العالم. أما النمط الآخر «HIV-2» فيسبب حالات الإيدز بشكل أبطأ، وهو محصور في أجزاء معينة من إفريقيا. ولم تدرس المقاومة الجينية للڤيروس HIV-2 حتى الآن).
السوابق عند الحيوانات
تعد القصة التي تصف كيف أُميط اللثام عن أول جين مقاوم للڤيروس HIVقصة نجاحٍ شديد البطء تبعه سيل مفاجئ من الاكتشافات. فقد بدأنا نحن الاثنين وزملاؤنا في المعهد الوطني للسرطان (NCI) بالبحث عن مثل هذه الجينات في عام 1984، أي بعد سنة واحدة فقط من اكتشاف أن الڤيروس HIV هو المسبب للإيدز، وبعد ثلاث سنوات من تعرّف المرض لأول مرة.
وكان مشروعنا في ذلك الوقت أمرا ملحًا، فلتفسير سبب اختلاف مصائر الناس الذين يتعرضون بشكل متساوٍ للڤيروس HIV، ركَّز معظم الباحثين في الثمانينات على الخصائص الجينية للڤيروس [مثل اختلافات الفوعة (الضراوة)virulence في الذراري المختلفة] أو على العوامل المساعدة غير الجينية والتي قد تؤثر في قدرة الڤيروس على إحداث المرض [مثل إصابة العائل (الثوي) بالعدوى بميكروب آخر]، ولم يكن لدينا سوى القليل من الأدلة القوية حول إمكانية امتلاك البشر حصانة (مقاومة) تجاه الإيدز. وفي الواقع أبدى بعض زملائنا شكوكهم في إمكانية عثورنا على شيء ما في حملتنا التنقيبية الجينية، وهو صيد كنا نراهن عليه بالكثير من الوقت والمال.
إلا أننا لم نكن نعمل على غير هدى. فقد أثبتت البحوث على الحيوانات أن الجينات كثيرا ما تؤثر في الإصابة بالعدوى وتطورها، ولا سيما العدوى الناجمة عن الڤيروسات القهقرية retrovirus، وهي العائلة التي تتضمن الڤيروسHIV. وتعمل معظم الجينات كنسخ (مخططات) أولية blueprints للبروتينات، وهي الجزيئات التي تقوم بالغالبية العظمى من الأنشطة في الخلايا. وحالما يتم تفعيل أحد الجينات التي تكوِّد encode البروتين، فإن توابعه من الوحدات البنائية ـ أو النيوكليوتيدات الدنوية DNA ـ تُستعمل دليلا لتجميع المتتاليات المنفردة من الحموض الأمينية لتصبح بروتينا معينا. فإذا كان هذا الجين عديد الأشكالpolymorphic ـ يوجد بأكثر من شكل واحد في الجمهرة (التجمع) ـ فإن ضروبهvariants، أو ألائِله(1) alleles، قد تتسبب في ظهور ضروب من البروتين تختلف في مدى كفاءتها الوظيفية في البدن. وفي الفئران، ثبت أن ألائل نوعية لأكثر من 30 جينًا تمنحها مقاومة للڤيروسات القهقرية.
تتغير ألفة affinity ڤيروس العوز المناعي البشري HIV تجاه الخلايا المناعية مع تقدم الوقت ضمن المصابين بالعدوى. ففي البدء يكون الڤيروس ميمي التوجه (في اليسار)، فهو يفضل البلاعم التي يغزوها بارتباطه (عبر البروتين gp120) بالجزيئات CD4 و CCR5 الموجودة على سطح البلاعم. وفي النهاية، يستطيع الڤيروس HIV أن يصير مزدوج التوجه (في الوسط). وتنتج هذه الذراري جزيئات gp120 قادرة على تعرّف البروتين CXCR4 الموجود على الخلايا التائية الحاملة للجزيء CD4، وتستطيع إصابة كل من البلاعم والخلايا التائية بالعدوى. وفي وقت لاحق، يمكن لمجمل الجمهرة (المجموعة) الڤيروسية أن تتحول في تفضيلها إلى مستقبلة CXCR4 لتصبح تائية التوجه (في اليمين)، وسرعان ما تدمر الڤيروسات التائية التوجه الخلايا التائية المصابة بالعدوى، وتسهم في انهيار الجهاز المناعي وبدء الإيدز. |
كما أثبتت بعض التجارب على الحيوانات وجود دور للجينات في الأمراض المُعْدِيَة، إذ تبدو الفئران والجرذان والدواجن والمواشي الناتجة من تزاوج الأقارب (التهجين الداخلي) inbred حساسة بشكل واضح للأمراض السارية، ولعل ذلك يعود بشكل رئيسي إلى أن تزاوج الأقارب لا يترك لها سوى ذخيرة محدودة من الألائل المقاومة للمرض. أما المجموعات الناتجة من تزاوج الأباعد (التهجين الخارجي) outbred، فمن المحتمل أن يوجد في بعضها أليل يحصِّنها تجاه عامل مُمْرِض ما، ويمكن لمن يحمل مثل هذا الأليل الصمود والبقاء في مواجهة الوباء وتأمين الاستمرارية للمجموعة. ولما كان البشر مختلفين جينيا (وراثيا)، فقد افترضنا أنهم ـ مثل الأنواع الأخرى الناتجة من تزاوج الأباعد ـ لديهم كثير من الألائل القوية المقاومة للأمراض. وربما يكون من بين هذه الألائل مقاومات للڤيروس HIV، تنتظر بكل بساطة من يكتشفها.
والأكثر من ذلك، أنه على الرغم من قلة ما تم تحديده بشكل مقنع من الألائل المقاومة للعوامل الممرضة لدى البشر، فإن العديد من الدراسات الوبائية أشارت إلى التأثير القوي للجينات في الاستعداد للمرض susceptibility. فعلى سبيل المثال، أظهر تحليل بعض الدراسات أنه إذا مات أحد الوالدين البيولوجيين لمتبنٍّ قبل سن الخمسين بسبب مرض معدٍ فإن المتبنّى يكون معرضا لخطر أكبر بشكل ملحوظ للموت بسبب العدوى أيضا.
ولسوء الحظ، لم يوافر لنا العلم مخططا بسيطا لاكتشاف الألائل المقاومة للڤيروس HIV لدى البشر، لهذا جمعنا التقنيات والمعارف من ثلاثة فروع دراسية منفصلة، هي علم وبائيات الإيدز AIDS epidemiology والوراثيات الجزيئية عند البشر ونظرية الوراثيات السكانية population genetics theory.
التوقعات الجينية في ظل التقانة المتقدمة
في البدء، كنا بحاجة إلى مصدرٍ للجينات من السكان الذين نهتم بدراستهم، مثل الأفراد الذين تعرَّضوا للعدوى بالڤيروس HIV وأصيبوا، أو الذين لم يصابوا ولكن احتمال إصابتهم يبقى كبيرا. فإذا اختلفت المجموعتان في تركيبهما الجيني ـ أي في ألائلهما الخاصة بجينات نوعية ـ فيمكننا أن نفترض أن الجينات محلَ الاختلاف هي التي أثرت في الاستعداد للعدوى بالڤيروس HIV.
وللحصول على الدنا DNA لدراسته قمنا بضم جهودنا إلى جهود الاختصاصيين بوبائيات الصحة العامة ممن كانوا يحاولون استقصاء نمط الوباء الجديد. وكجزء من تلك الجهود أعد اختصاصيو الوبائيات قوائم بالأتراب(2) cohorts المعرضين بشكل كبير لخطر العدوى بالڤيروس HIV، وهذا يعني الرجال الجنوسيين(3) ومن يتعاطون العقار drug بالحَقْن الوريدي والمصابين بالناعور (الهيموفيليا) الذين تلقوا منتجات الدم الملوثة. على أن تتم مراقبة هؤلاء الأتراب على مدى سنوات بوساطة الأطباء الذين يقومون (بعد الحصول على موافقة المرضى) بتزويد الباحثين بعينات دموية ونسيجية من المرضى وبتقارير عن حالاتهم. وخلال جمع الدم قام فريقنا المتخصص بالبيولوجيا الخلوية، بإشراف <C. وينكر> بإنتاج أنسال خالدة (لا تنتهي)immortal من الخلايا المزروعة التي ستزودنا بمَدَدٍ لا ينفد من الدنا اللازم للاختبارات الجينية.
ولتحديد أي هذه الجينات ستتم مقارنته، فقد رأينا أن نستفيد من التطورات التي تحققت مؤخرا في مجال إعداد الخرائط الجينية، وهي سلسلة من العمليات التي تحدِّد بدقة موقع الجينات على الصبغيات (الكروموسومات)، وتحدد أيضا ما بها من المتتاليات النيوكليوتيدية. وقد تمَّ حتى الآن إعداد خرائط ما يزيد على 6000 جين من بين نحو 000 50 ـ 000 100جين هي مجمل الجينات في الصبغيات البشرية. وإذا عدنا إلى عام 1984 فإننا سنجد أن عدد الجينات المكتشفة كان أقل من 1000. ومع ذلك، فإن اختبار 1000 جين في دراستنا الخاصة بأتراب الإيدز كان عملا مستحيلا.
لقد ضيقنا مجال الاختيار باتباع المعلومات المؤكدة حول كيفية سلوك الڤيروسات القهقرية في عوائلها (أثويائها). فالعائل يتعاون دائما ومن دون ارتياب على توطيد العدوى وتمكين العامل الممرض من الانتشار في الأنسجة. فلكي تدخل الڤيروسات الخلايا ينبغي أن تتعرّف (وترتبط) جميعها ببروتينات معينة تكوّدها جينات العائل وتكون معروضة على سطح الخلية. وتعمل هذه البروتينات في الأحوال الطبيعية كمستقبلات لجزيئات العائل الأخرى، إلا أن الڤيروسات تستطيع أن تختار تلك المستقبلات وتوظِّفها كنقاط انطلاق لدخول الخلية.
وما إن تتسلل الڤيروسات القهقرية إلى داخل الخلية حتى تقحم جيناتها تدريجيا في صبغيات العائل. وبتلك الوسيلة تضمن الڤيروسات عبور جيناتها ـ التي تستطيع أن تدير عملية تكوين مَدَدٍ لا ينفد من الجسيمات الڤيروسية viralparticles ـ إلى كل جيل جديد من الخلايا كلما تكاثرت الخلية العائلة الأولى. وهنا، يحتاج الڤيروس مرة أخرى إلى المساعدة من العائل، فلا بد من توظيف إنزيمات خلوية متعددة لتضفير splice الجينات الڤيروسية لتصبح صبغيات، ولإنتاج جسيمات ڤيروسية جديدة، وحتى لتجنب دفاعات العائل المناعية.
الفرق في توزع النمط الجيني بين المجموعة المصابة والمجموعة غير المصابة، بعدوى الڤيروس HIV إن الفروق في الشاكلة الجينية بين مجموعتين من الجمهرات (الشكل) توضح دور الجينCCR5 في مقاومة العدوى بڤيروس العوز المناعي البشري HIV. فقد تعرّف المؤلفان في البدء الأنماط الجينية أو مجموعات الألائل لكل جين من الجينات المئة والسبعين في مجموعة من المصابين بعدوى الڤيروس HIV، وبشكل فردي في مجموعة من غير المصابين بالعدوى. فعلى سبيل المثال؛ قاما بقياس النسب المئوية لمن لديهم نسختان من الأليل السوي CCR5 أو نسختان من الأليل المصاب بالطفرة الخاصة بالخَبْن deletion والتقطع، أو لمن لديهم نسخة واحدة من كل أليل (الجدول)؛ ثم قاما برسم الفروق الإحصائية (النقط) في توزيع النمط الجيني بين الجمهرتين المدروستين. ومن بين جميع الجينات التي درست، اتضح أن الفرق في الجين CCR5 فقط ذو دلالة عالية إحصائيا. |
قررنا في البدء مسترشدين بمثل هذا الفهم أن نركِّز على نحو 50 جينًا من الجينات التي يحتمل أن تؤثر بروتيناتها في دورة حياة الڤيروس HIV، كما قمنا بفحص 250 قطعة متعددة الشكل polymorphic متغيرة من قطع الدنا التي أمكن تحديدها في مواقع صبغية بين الجينات. فإذا وُجِد خلاف في هذه القطع لدى الأشخاص موضع دراستنا، فإن تلك الاختلافات تشير إلى أن ألائل الجينات المجاورة قد تختلف بشكل نظامي بين المجموعات. وعندها يمكننا أن نضيِّق البحث إلى حد ما حول تلك الجينات، وأن نحاول تحديد وظيفتها في الخلايا ودورها في العدوى بالڤيروس HIV.
وأخيرا، لكي نحدد بدقة الخِلاّت traits الجينية المقاومة للڤيروس HIV فقد استعرنا استراتيجيات من وراثيات التجمعات البشرية. فقسمنا كل مجموعة أتراب إلى زمرتين وفقا لبعض المظاهر الصحية المنتقاة الخاصة بهم. على سبيل المثال، المصابون بعدوى الڤيروس HIV مقابل أولئك الذين لايزالون غير مصابين بتلك العدوى على الرغم من تعرضهم الشديد لها، أو المصابون بالعدوى الذين تفاقمت حالاتهم بسرعة إلى العوز المناعي البشري (الإيدز) مقابل المصابين بالعدوى الذين لم تتفاقم حالاتهم إلى الإيدز أو تفاقمت ولكن بشكل بطيء، أو المصابون بالعدوى الذين اكتسبوا مرضا مرتبطا بالإيدز بشكل نوعي (مثل التهاب الرئة بالمتكيسات الرئوية الكارينية Pneumocystis carini أو ساركومة كاپوزي Kaposiصs sarcoma) مقابل المصابين بالعدوى الذين لم يكتسبوا أيا من هذه الأمراض.
وبعد إنجاز هذه التقسيمات، قارنا عدد مرات ظهور كل أليل معروف أو قطعة عديدة الأشكال في كل مجموعة. كما قمنا بمقارنة ما يعرف بالأنماط الجينيةgenotypes، فالفرد يرث نسختين من كل جين ما عدا الصبغييْن الجنسيين (نسخة من الأم ونسخة من الأب)، ويتشكل النمط الجيني من زوج من الألائل في موضع محدد من الصبغي، أو العنوان الجيني. فمن يرث أليلين متماثلين لجين ما، يطلق عليه متماثل الزيجوت homozygote، ومن يرث أليلين مختلفين لجينٍ ما، يطلق عليه متغاير الزيجوت heterozygote. وفي اختبارات التقصي التي أجريناها سجَّلنا النسبة المئوية للمرضى الذين كانوا متماثلي الزيجوت بالنسبة لأليل معروف في كل مجموعة، والنسبة المئوية للمرضى ممن كانوا متغايري الزيجوت. وتدل الفروق الواضحة في تكرّر الأليل أو النمط الظاهري أو كليهما في مجموعتي الأشخاص على أن الجين الذي تتم دراسته قد يكون مسؤولا عن اختلاف المصير في أفراد المجموعتين.
وعلى مدى سنوات واصلنا إضافةَ أعداد أخرى من المرضى ومن الجينات ومن القطع العديدة الأشكال ومن البرامج الحاسوبية المعقدة لتحليل البيانات (المعطيات). وكنا نظن بين الحين والآخر أننا عثرنا على اختلافات جينية، إلا أن تلك الاختلافات كانت تتلاشى بصفة شبه دائمة عند التفحص الدقيق. وفي تلك الأثناء، كنا نراقب التطورات العديدة في فهم المناعة البشرية وسلوك الڤيروسHIV في الجسم، بحثا على الدوام عن أفكار لندرس جينات أخرى. وفي نهاية عام 1995 وبداية عام 1996 وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على بداية هذه الجهود الضخمة والمرهقة، ظهرت بارقة أمل.
تُظْهر مقارنة للفترة الزمنية التي يحياها المصابون بعدوى ڤيروس العوز المناعي البشري من دون أن تتفاقم لديهم العدوى إلى الإيدز، أن المرضى الذين لديهم طفرة واحدة خاصة بخَبْن الجين CCR5 (الخط الأخضر) تفادوا الإيدز فترة أطول من المرضى الذين يحملون الألائل المعيارية CCR5 فقط (الخط الأصفر). فعلى سبيل المثال، استغرق تفاقم المرض إلى الإيدز لدى 50 في المئة من مرضى المجموعة الأولى نحو 11 عاما مقابل 8 سنوات تقريبا استغرقها نصف مرضى المجموعة الثانية للوصول إلى النقطة نفسها. |
وأخيرًا، زال الغموض
إن ما أنعش آمالنا هو ما توصلت إليه فرق أخرى من الباحثين الذين استطاعوا تفسير سِرّيْن غامضين داما طويلا يتعلقان بالتآثر (التأثير المتبادل) بين جزيئات الڤيروس HIV والخلايا العائلة له. وترتب على ذلك فهمُ دورِ الجينات التي تسهم في المقاومة ضد الڤيروس HIV.
ففي منتصف التسعينات كان العلماء وغيرهم على السواء يعرفون جيدا أن الڤيروس HIV يسبب العوز المناعي، لأنه يستنزف بشكل رئيسي خلايا الدم البيضاء المعروفة باللمفاويات التائية T lymphocytes التي تعرض على سطحها بروتينا يسمى CD4. وتعمل هذه الخلايا في الحالة السوية على التنسيق بين العديد من أوجه الاستجابة المناعية تجاه الڤيروسات. وكان من المعروف أيضا، ولكن في نطاق محدود، أن الڤيروس HIV يستطيع أن يُعدي صنفا آخر من الخلايا المناعية التي تحمل البروتين CD4، وتسمى البلاعم macrophages، وأن يبقى فيها سنوات من دون أن يدمرها، ولكنه يجد فيها ملاذا آمنا.
وتشارك جزيئات CD4 الموجودة على اللمفاويات والبلاعم عادة في إيصال الإشارات بين الخلايا المناعية. ولكن عندما يدخل ڤيروس العوز المناعي في المشهد، فإن جزيئات CD4 ترتبط ببروتين سكري (gp120) يبرز من الغلاف الخارجي للڤيروس HIV، وبذلك تساعد الڤيروس على الولوج في الخلايا المرتبطة به. إلا أن التجارب أثبتت أن البروتين CD4 غير كاف، على الرغم من أنه ضروري لولوج الڤيروس HIV في الخلية. ولا بد أن تَعْرِض الخلايا أيضا بروتينا ثانيا على الأقل حتى يستطيع الڤيروس الارتباط به. ومع ذلك، فبعد عشر سنوات من اكتشاف الڤيروس HIV، مازال العلماء يجهلون طبيعة المستقبلة receptor الثانية.
أما اللغز الثاني فيتعلق باكتشافٍ سُجِّل عام 1986 من قبل <A .J. ليڤي> في جامعة كاليفورنيا-سان فرانسيسكو. فقد عثر على صنف من اللمفاويات التائية تعرض بروتينا مختلفا ـ CD8 ـ وهو جزيئات إفرازية تدعى العوامل الكابتةsuppressive، وتقوم بإحصار (إعاقة) الڤيروس HIV عن مهاجمة الخلايا القابلة طبيعيا لأن تُهاجَم في المزرعة (المستنبت). وقد ثبت أيضا أن العوامل الكابتة التي حدَّت من العدوى الڤيروسية توجد لدى القرود الإفريقية التي تُؤْوي (تثوي) ڤيروسات العوز المناعي القردي SIV (وهو الشكل القردي من ڤيروس العوز المناعي البشري HIV)، ومع ذلك لم تتفاقم (تتطور) إلى الإيدز، كما توجد لدى الناس الذين يبقون أحياء مُدَدًا طويلة بشكل غير عادي مع إصابتهم بعدوى الڤيروس HIV. ويبقى أن يتم تعرّف هوية هذه العوامل الكابتة المتنوعة.
القصة الطبيعية الغامضة لأليل المقاومة
إن أليل مقاومة ڤيروس العوز المناعي البشري (HIV)، أو الجين CCR5 الطافر المصاب بالخبن لا يتوزع بشكل متساو بين الناس في العالم. فهو مفقود واقعيا عند سكان إفريقيا وشرقي آسيا وعند السكان الأصليين في أمريكا، ونادر في الأمريكيين الإفريقيين. (انظر العمود الثاني من الجدول أدناه). ولكنه منتشر إلى حد ما بين القوقازيين (المتحدرين من المستوطنين الأوائل في أوروبا وغرب آسيا).
ولكن انتشاره يختلف حتى بين القوقازيين. فدراسة خريطة تبين توزيع الألائل بين القوقازيين في أوراسيا (انظر الخريطة في الأسفل) تظهر وجود ميل أو انحدار، أي يكون أعلى ما يمكن في الشمال وينقص إلى مستوى منخفض لا يكاد يكتشف في المملكة العربية السعودية. ويحسب التكرّر بإيجاد عدد النسخ المصابة بالطفرة في السكان وتقسيمه على المجموع الكلي لنسخ الجين CCR5 ـ وهو مجموع النسخ السليمة والمصابة بالطفرة معا. وبينما تجيب هذه النماذج عن بعض الأسئلة، فإنها تثير أسئلة أخرى حول أصل الطفرة وانتشارها، والتي تكوِّد البروتين CCR5 المعيب. إن الغياب الواضح للطفرة في إفريقيا يدل على أنها ظهرت بعد فترة من ترك الناس لإفريقيا، ويُعتقد على نطاق واسع أن الانفلاق split وقع قبل 200000 – 000 130سنة. ولكن ما الذي جعل طفرة الخبن تصل إلى مثل هذا التكرر العالي عند القوقازيين، ومتى وقع هذا الحدث؟ إن الازدياد المذهل في تكرّر الأليل في أجزاء من أوروبا وآسيا يشير إلى أن بعض الأحداث المدمرة في هذه المناطق منحت الأفراد، النادرين أصلا، الحاملين للطفرة ميزة دراماتيكية للنجاة. ثم عاش هؤلاء الأفراد وتكاثروا، وكانوا السبب في أن السكان الذين كانوا يحملون الأليل ازدادوا عددا. وبما أن الناجين من هذه الجائحة التاريخية تناسلوا فقد دامت طفرة الجين CCR5 التي يحملونها وتراكمت بمستويات عالية. ويخامرنا شعور بأن الحادث الفاجع كان وباء كبيرا ناتجا من عامل ـ يشبه الڤيروس HIV ـ يستفيد من البروتين السوي CCR5، وليس من شكله المعيب، ليصيب الخلايا بالعدوى. وتبدو هذه النظرية معقولة بالنسبة لنا، إذ إن الألائل النادرة غالبا ما تصبح أكثر شيوعا لدى الحيوانات بعد أن تقاوم العوامل المُمْرِضة الجديدة التي تصادفها. وكلما طالت فترة الوباء ازداد تكرر الألائل. ونعتقد أيضا أن الوباء الأوراسي (في أوروبا وآسيا) قد وقع منذ وقت طويل جدا. وفي الحقيقة، عند استعمال الطرق الجينية لتحديد زمن (تاريخ) الوقوع، قدرنا أن الكارثة قد وقعت قبل نحو 4300 سنة، وعلى وجه اليقين قبل فترة لا تقل عن 1200 عام. وتبدو الطفرة أقل شيوعا في جنوب أوراسيا منها في شمالها، وربما يعود ذلك إلى أن الوباء قد تمركز في الشمال. إن الميراث الأوروبي والغرب آسيوي الذي ورثه الكثير من الأمريكيين يفسر سبب حمل قسم كبير نسبيا من الأمريكيين القوقازيين للأليل، فقد جلبه أسلافهم معهم كجزء من صفاتهم الجينية. ويحمل بعض الأمريكيين الإفريقيين ذلك الأليل، مع أن معظم الإفريقيين لا يحملونه، وقد يعود ذلك إلى التزاوج الحديث العهد بين الإفريقيين والقوقازيين في أمريكا. ولا يسعنا إلا أن نتعجب عند تعرّف هوية هذا العامل الممرض. فعامل مثل الڤيروس HIV الذي يقتل أكثر من 900 في المئة من ضحاياه يمكن أن يكون مسؤولا عن ذلك. ولم يُتّهم الڤيروس HIVالحالي الذي تفشى في المجموعات السكانية خلال السنوات العشرين الأخيرة. ومع ذلك، فيحتمل أن تكون جائحة قديمة بالڤيروس HIVقد وقعت ولم يتم توثيقها. وهناك احتمالات أخرى تشمل الميكروبات (الأحياء الدقيقة) المسؤولة عن حدوث الكوليرا (الهيضة) والسل (التدرن) والإنفلونزا. أما الميكروب الذي سبب الطاعون الدبلي bubonic plague في القرن الرابع عشر، واعتبر في يوم ما سببا ممكنا، فالمحتمل أنه ليس مسؤولا، إذ إنه لم يهاجم أوروبا إلا قبل 600 سنة تقريبا.
|
وفي الشهر 12/1995 أعلن <C .R. گالو>، الذي كان يعمل حينذاك في المعهد الوطني للسرطان NCI، ومعاونوه أنهم استطاعوا تعرّف هوية ثلاثة عوامل كابتة متقاربة تستطيع أن تحصر العدوى بضروب متباينة من الڤيروس HIV التي تفضل استعمار البلاعم macrophages (والتي تسمى الذراري الميمية التوجه M-tropic strains). ثم اتضح أن هذه العوامل الثلاثة جميعها من المنشطات الكيميائية (الكيموكينات) chemokines، وهي سلاسل قصيرة من الحموض الأمينية المسؤولة عن توجيه خلايا المناعة نحو الأنسجة المصابة بالأذية أو بالمرض.
وقد أدرك كثير من الباحثين الذين مازالوا في صراع لحل اللغز الأول ـ وهو البحث عن المستقبلات الثانوية للڤيروس HIV ـ أن المنشطات الكيميائية تؤثر في الخلايا الدفاعية بارتباطها ببروتينات سطحية، كما بدا ممكنا أن تتدخل المنشطات الكيميائية التي عزلتها (استفردتها) مجموعة گالو وأطلقت عليهاMIP-1β، MIP-1،Rantes في عملية دخول الڤيروس HIV في الخلية المناعية بارتباطه وبإحصاره بعض البروتينات الموجودة على سطح الخلايا، والتي تعد ضرورية لوصول ڤيروس العوز المناعي إلى داخل الخلية. وبعبارة أخرى، تستطيع المستقبلة (أو المستقبلات) لمنشطات گالو الكيميائية الموجودة على سطح الخلية أن تعيش حياة مزدوجة كمستقبلة ثانوية للڤيروس HIV على البلاعم، وربما على الخلايا الأخرى التي تحمل على سطحها البروتين CD4.
لقد استعصت هذه الفكرة على الاختبارات المباشرة، لأن المستقبلات الخلوية لكل من RANTES وما يمت لها بصلة لم تكن قد عُزِلت بعد، ولكن الاكتشافات التي سُجلت في أوائل عام 1996 جعلت إجراء مثل هذه الاختبارات ممكنا، فقد زودتنا وزودت غيرنا بجينات يمكن تقصيها كعوامل مقاومة.
مؤثرات أخرى في تفاقم العدوى بالڤيروس HIV
كما سبق أن بينا، يمكن للجينات أن تؤثر بشكل يقيني في ما إذا كان أي فرد يتعرض لڤيروس العوز المناعي البشري (HIV) يصاب بالعدوى وتتفاقم حالته بسرعة إلى الإيدز. إلا أن هناك عوامل أخرى، منها خصائص الڤيروس والعائل (الثوي) للڤيروس، قد تؤدي دورا في ذلك أيضا.
ويُبدي بعض الناس مقاومة مناعية شديدة في صورة هجوم على الڤيروس HIV فور حدوث العدوى، وقد يعود ذلك لتعرضهم في وقت سابق لڤيروس ذي بنية مشابهة للڤيروس HIV. ويمكن للاستجابة المبكرة القوية التي تحُدّ من مستويات الڤيروس HIV لدى العائل أن تقضي على الڤيروس بشكل كامل في بعض الحالات. ويمكن لقوة الاستجابة المناعية أيضا أن تؤثر في معدل تفاقم المرض لدى المصابين بالعدوى إلى الإيدز. ومن العوامل التي يمكن أن تؤثر في القابليةsusciptibility للإصابة بالڤيروس HIV وسرعة حدوث الإيدز، هو ما إذا كان الشخص يقاوم ڤيروسات أخرى. فإن وجود عدوى متزامنة في الجسم يؤدي إلى إنتاج مواد تدعى المنشطات الخلوية (السيتوكينات) cytokines، والتي يعتقد أن بعضها يعزز دخول الڤيروس HIV إلى الخلية وتكاثره فيها. وأخيرا، فإن الذرية (السلالة) الڤيروسية نفسها قد تؤدي إلى فرق كبير في معدل تفاقم عدوى الڤيروس HIV. فالذراري التي تتمتع بانتقائية تامة لنمط الخلية التي ستصيبها، والتي تتكاثر وتطفر بشكل أبطأ نسبيا والتي لا تقتل الخلايا العائلة لها يحتمل أن تكون الأقل تخريبا للجهاز المناعي، على الأقل في بادئ الأمر. وحتى الذراري التي تبدو ضعيفة في البدء، قد تصاب بالطفرة في وقت لاحق لتصبح أشكالا أكثر عدوانية.
|
في البدء قام <A .E. برگر> وزملاؤه ـ في المعهد الوطني للأليرجيا (الحساسية) والأمراض المعدية ـ بعزل المستقبلة الثانية لضروب الڤيروس HIV المتباينة التي تفضل استعمار اللمفاويات التائية (الذراري التائية التوجه)، وهي من مستقبلات المنشطات الكيميائية، مع أن إحداها (تسمى حاليا CXCR4) ارتبطت بمنشط كيميائي مختلف عن MIP-β، MIP-،RANTES. وإذا لم تستطع اكتشافات گالو إقناع الباحثين في مجال الإيدز بالدور الذي تؤديه المستقبلات الكيميائية في عدوائية infectivity الڤيروس HIV، فإن النتائج التي توصل إليها برگر قد حققت ذلك بنجاح كامل.
وفي الوقت نفسه تقريبا، قام <M. سامسون> و<M. پارمنتير> (من الجامعة الحرة في بروكسل) ومعاونوهم بعزل الجين الخاص بالمستقبلة التي يعلق عليها كل من MIP-β، MIP-،RANTES، عندما تَسْتَدْرِج هذه المنشطات الخلايا الدفاعية إلى النسيج المصاب بالتلف. وخلال شهرين أثبتت خمس من فرق البحث أن البروتين المكوَّد المعروف حاليا باسم CCR5 هو أيضا المستقبلة المحيِّرة الثانية للذراري الميمية التوجه للڤيروس HIV.
وبربط نتائج الأبحاث المتعلقة بمستقبلات المنشطات الكيميائية الجديدة والملاحظات الأخرى المستخلصة من دراسات غيرها أمكن تنقيح المفاهيم حول كيفية حدوث العدوى بالڤيروس HIV وكيفية تفاقمها بشكل حاسم. فالڤيروسHIV يستهل العدوى بتأمين مقر له أولا في البلاعم. ويدخل هذه الخلايا بربط البروتين الخاص به والمسمى gp120 باثنتين من المستقبلات على البلاعم هما:CD4 و CCR5. وما إن يستقر ڤيروس العوز المناعي داخل البلاعم حتى يشرع بتكوين كميات كبيرة من الڤيروسات ويتحدى الجهاز المناعي بإمكاناته.
وبعد سنوات، يستطيع الڤيروس الدائم التعرض للطفرات تغيير الجين الخاص بالبروتين gp120 بطريقة تجعل هذا البروتين قادرا على تغيير ارتباطه الحميم بالمستقبلة الثانية. ويؤدي التغيير الجيني (الوراثي) إلى جعل المنطقة التي تتعرّف المستقبلة CCR5 ترتبط ارتباطا أوثق بالمستقبلة CXCR4 الموجودة على اللمفاويات التائية. وهنا تصبح الڤيروسات HIV تحت سيطرة الضروب المتباينة التائية التوجه ـ وهي الضروب التي تفضل عدوى (خمج) الخلايا التائية.
وسرعان ما يصبح هذا التحول في الانجذاب مميتا، لأن الڤيروسات التائية التوجه تقتل الخلايا التي تصيبها بالعدوى. لذا فليس من المستغرب أن يعقب التحول في أحيان كثيرة وبشكل سريع نقص شامل في تراكيز الخلايا التائيةCD4 لدى المرضى، ويتزامن ذلك مع بدء حدوث حالات العدوى الانتهازيةopportunistic infection والسرطانات التي كانت تدل منذ سنوات عديدة على تفاقم المرض إلى الإيدز. وتقوم مراكز مكافحة المرض والوقاية منه (CDCP) بتعريف الإيدز رسميا بوجود العلل المحدِّدة له أو بنقص عدد الخلايا التائية CD4 لأقل من 200 في كل ملّيمتر مكعب من الدم، في حين تصل المستويات السوية إلى 1000 خلية في كل ملّيمتر مكعب من الدم.
وتتعاقب الإنجازات
وما إن علمنا أن CCR5 و CXCR4 ما هما إلا مستقبِلتان مساعِدتان للڤيروسHIV حتى قررنا وعلى الفور أن نرى ما إذا كانت الجينات الخاصة بهذين البروتينين أثّرت في المقاومة تجاه الڤيروس HIV لدى الأتراب الذين نخضعهم للدراسة. ولتنفيذ هذه الفكرة، كان يجب أن نُقرِّر ما إذا كان كل من الجينين CCR5و CXCR4 عديد الأشكال. وإذا كان كل شخص لديه تحويلات (نسخ معدلة) متماثلة identical versions من هذه الجينات، فإن هذه الجينات لن تستطيع تفسير الاختلافات في القابلية للعدوى بالڤيروس HIV.
وقد كانت جميع النسخ من الجين CXCR4 التي فحصناها متشابهة تماما. ولكن <M. كارينگتون> من مجموعتنا اكتشفت في الشهر 7/1996 وجود تفاوت رئيسي في الجين CCR5 السوي بمعدل واحد من كل خمسة أفراد تقريبا. وقد أظهرت المقارنات بين المتواليات النيوكليوتيدية للأليلين الخاصين بالجين CCR5أن الأليل الأقل شيوعا ينقص 32 نيوكليوتيدا. وقد عرفنا من الطريقة التي يعمل بها التكويد الجيني أن ذلك الفَقْد يؤدي إلى إحداث مبتسر لكود «التوقف» في الجين، وهذا بدوره يجعل الخلايا تصنع نُسَخًا معدلة بالغة القِصَر من البروتينCCR5.
وعندما قسَّمنا 2000 من المرضى المعرَّضين للخطر بشكل كبير إلى مجموعة مصابة بالعدوى وأخرى غير مصابة، وقارنا أنماطهم من الجين CCR5، وجدنا فروقا واضحة؛ إذ لا يحمل نحو 3 في المئة من الأفراد غير المصابين بالعدوى سوى الطفرة المصابة بالخَبْن(4) deletion من الجين CCR5 في خلاياهم (وهذا يعني أنهم متماثلو الزيجوت homozygous بالنسبة لهذه الطفرة). وعلى العكس من ذلك لم نجد مريضا واحدا متماثل الزيجوت بالنسبة للطفرة المصابة بالخبن من بين المصابين بالعدوى الذين يبلغ عددهم 1343 مريضا. ويعد هذا الفرق ـ الذي يشير إلى أن تماثل الزيجوت بالنسبة للطفرة المصابة بالخبن يعد محصِّنا ضد العدوى بالڤيروس البشري ـ فرقا ذا دلالة عالية إحصائيا، ولا يعد بالتأكيد محض مصادفة.
وفضلا عن ذلك، فإن الحصانة الواضحة الناتجة من الاقتصار على الألائلCCR5 المصابة بالطفرة، لا تعتمد على طريقة العدوى: إذ لم يُصَبْ بالڤيروس HIV أي من مرضى الناعور أو الجنوسيين (المعاشرين للجنس المماثل) أو المدمنين على المخدرات ممن كانوا متماثلي الزيجوتي. وقد ظننا أن التماثل الزيجوت بالنسبة للطفرة المصابة بالخبن قد حمى المرضى؛ لأنهم كانوا يصنعون فقط بروتينات CCR5 مبتورة، وهذه إما أن تفشل في الوصول إلى سطح الخلية، وإما أن تكون مشوهة إلى درجة لا تستطيع معها الوصول إلى الڤيروس HIV.
وبعد أسابيع قليلة من تقديم بحث حول هذه النتائج المهمة في مجلة العلمScience عرفنا أننا لم نكن الوحيدين الذين أجروا البحوث في تعدد أشكال مستقبلات المنشطات الكيميائية (الكيموكينات)؛ فقد اكتشف <R .N. لاندو> و< A .R. كوپ> ومساعدوهما (من مركز آرون دياموند لبحوث الإيدز في مدينة نيويورك) وبشكل مستقل، نفس الأليل الخاص بالخبن ذي 32 زوجا من القواعد. فقد كانوا يدرسون مجموعة من الرجال الجنوسيين الذين تعرضوا للعديد من المقارفات الجنسية العالية الخطورة بالنسبة للعدوى بالڤيروس HIV من دون أن يصابوا بالعدوى قط. وقد أظهر فحص خلايا الدم البيض لدى اثنين منهم أن البروتين CCR5 كان مفقودا من سطح تلك الخلايا، كما أظهر تفحص السلسلة النيوكليوتيدية للجينات CCR5 أن كلا من الرجلين متماثل الزيجوت بالنسبة للطفرة الخاصة بالخبن. وفي عمل آخر، بحث فريقا سامسون وپارمنتير عن أي تماثل زيجوتي للأليل المصاب بالخَبْنِ في مجموعة تتألف من 743 من المصابين بعدوى الڤيروس HIV، وفشلا في التوصل إلى ذلك (وقد ظهر هذان التقريران في الشهر 8/1996، فيما ظهر تقريرنا في الشهر 9).
لا يوجد عند <S. كرون> سوى طفرات خاصة بالخبن في الجين CCR5. ومثل معظم من يشبهونه في الشاكلة الجينية وتعرضوا بشدة لڤيروس العوز المناعي البشري HIV، بقي كرون خاليا من الڤيروس. ويعمل الباحثون على تطوير معالجات تؤمن حماية مشابهة للذين يحملون نسخا معيارية من الجين CCR5. |
وقد أظهرت دراسات تالية غياب تماثل الزيجوت بين الإفريقيين والآسيويين والأمريكيين الأفارقة، في حين أظهرت أن 2-1 في المئة من الأمريكيين القوقازيين (أي المنحدرين من أوروبيين أو غرب آسيويين) كانوا متماثلي الزيجوت بالنسبة لهذه الطفرة. وفضلا عن ذلك، عندما أَنْعَمْنا النظر في الأنماط الجينية عند الأشخاص الذين لم يصابوا بالعدوى على الرغم من تعرضهم البالغ الشدة للڤيروس HIV (من خلال اقترافهم ممارسات جنسية غير مأمونة بشكل متكرر أو تلقيهم جرعات كبيرة من عوامل تجلط clotting factor ملوثة بالڤيروس HIV أثناء معالجتهم كمصابين بالناعور)، لاحظنا أن نسبة منهم ـ تصل إلى 200 في المئة ـ متماثلة الزيجوت بالنسبة للطفرة الخاصة بالخبن. أما مقاومة العدوى في الـ 80% الباقية منهم فلا بد أن تكون قد نشأت عن مصادر أخرى جينية أو غير جينية.
ومن البديهي أنه إذا كان جينان CCR5 طافران يمنحان حصانة كاملة من العدوى بڤيروس الإيدز، فإن وجود أليل واحد طافر وأليل آخر سوي قد يؤمن حصانة جزئية، عن طريق تنصيف عدد البروتينات CCR5 التي تقوم بوظائفها والتي تصنعها الخلايا. وعندما قمنا بتحليل الوقت بين حدوث العدوى وظهور العلل المحددة للإيدز AIDS-defining diseases وجدنا أن البدء الصريح للإيدز قد تأخر 3-22 سنوات لدى المصابين بعدوى الإيدز الذين كانوا يحملون أحد ألائل الخَبْن، وقد ظهر هذا التأخير عند كل من الرجال الجنوسيين والمصابين بالناعور. كما أن النمط الجيني المتغاير الزيجوت (والذي يحدث لدى 20% تقريبا من الأمريكيين القوقازيين) قد أخَّر الزمن الذي تنقص فيه مستويات الخلايا التائيةCD4 إلى أقل من 200 خلية في المليمتر المكعب من الدم.
لقد كانت الإثارة عارمة. فوجود الطفرة الخاصة بالخبن، عندما تورث من كلا الوالدين، يؤدي في الحقيقة إلى وقاية جينية قوية ضد الڤيروس HIV، حتى بعد التعرض المتكرر. كما أن وراثة طفرة وحيدة خاصة بالخبن تمكِّن من إبطاء تفاقم العدوى لدى المصابين إلى الإيدز. وقد دلت هذه النتائج ضمنا على أن المعالجات القادرة على أن تُحْصِر تآثر interaction ڤيروس العوز المناعي مع البروتين CCR5السوي، يمكنها المساعدة على وقاية الأصحاء من الإصابة بعدوى الڤيروس HIVأو تؤخر التفاقم إلى الإيدز لدى مَنْ سبقت إصابتهم بالڤيروس.
وقد ركَّزت الشركات الصيدلانية منذ سنوات جهودها العلاجية المضادة للڤيروس HIV على الڤيروس فقط، ولم تهتم إلا قليلا بكيفية تعاون الأجهزة الخلوية لدى العائل (الثوي) عند تعاملها مع المرض المزمن. وعلى سبيل المثال، فإن توليفات (مجموعات) العقاقير التي استخدمت في العلاج تتدخل بشكل مباشر في نشاطات الڤيروس HIV نفسه، مثل الحيلولة دون عمل بعض إنزيماته؛ أما ما انتهى إليه علم الوراثة الحديث فيشير إلى أن استهداف مشاركة العائل في التفاقم نحو مرض الإيدز يمكن أن يفتح طرقا لم يكن بالإمكان تصورها من قبل للتحكم في تكاثر الڤيروس HIV لدى المصابين بالعدوى أو للوقاية من العدوى بالڤيروس HIV في المقام الأول.
آفاق للمعالجة
ليس مستغربا أن يسارع العديد من الباحثين إلى البدء بالتفكير في الطرق التي تعيق التآثر (تبادل التأثير) بين الڤيروس HIV والبروتين CCR5. ونظريا، يمكن أن تتضمن مثل هذه الاستراتيجيات المواد التي تغلِّف البروتين gp120. أما في الممارسة العملية فإن معظم الجهود تبحث عن طرق لسدّ موقع ارتباط الڤيروس HIV الموجود على البروتين CCR5.
وفي البدء كان هناك تخوف من احتمال أن يكون إحصار البروتين CCR5خطرا، فقد يؤدي إلى إضعاف المناعة بجعل البلاعم صماء لا تسمع نداء RANTESوالمنشطات الكيميائية (الكيموكينات) ذات الصلة، ولكن ذلك القلق ما لبث أن تلاشى بسرعة، فالأفراد الذين لديهم أليلان مصابان بالطفرة ليس لديهم خلل وظيفي مناعي واضح أو تبدلات نسيجية مرضية، ويبدون بصحة تامة. ومن الواضح أن بإمكان المستقبلات الخاصة بالمنشطات الكيميائية الأخرى أن تعاوض نقص البروتين CCR5. ويمكن لاثنين من المنشطات الكيميائية (CCR3،CCR2B) أيضا أن يعملا كمستقبلين معاونين لڤيروس العوز المناعي؛ على الرغم من أنهما بشكل عام لا يؤديان ذلك العمل الشنيع بفاعلية تكافئ بشكل تقريبي فاعلية البروتين CCR5.
ومن الاستراتيجيات العلاجية التي يتم بحثها، الإيصال المباشر للجزيئات التي تسدّ موضع ارتباط الڤيروس HIV الموجود على البروتين CCR5. وقد يكون من هذه الجزيئات المنشطات الكيميائية أو المشتقات التكوينية للمنشطات الكيميائية. وعلى سبيل المثال، قام فريق دولي من الباحثين بتطوير مشتق كيميائي معدل من RANTES يبشر بجدواه في الدراسات المختبرية. ومن الجزيئات «السادة» الأخرى، الأضداد التكوينية synthetic antibodies ـ وهي جزيئات مناعية أضخم، تأوي بشكل نوعي إلى البروتين CCR5 وتمنع الارتباط بالڤيروس HIV.
ومن الوسائل الأخرى نجد أن تطعيم vaccinating الناس بشدف (أجزاء) من البروتين CCR5. يمكن أن يحث الجهاز المناعي لدى المتلقي على إنتاج مضادات الارتباط binding antibodies بالبروتين CCR5، وبدلا من ذلك، يمكن للباحثين استخدام الهندسة الوراثية لتزويد البلاعم بجينات جديدة يمنع نتاجها تكوين البروتين CCR5 أو يمنعه من السلوك كموضع لعلوق الڤيروس HIV به.
وبالنسبة لبعض المرضى الذين يواجهون الموت الوشيك ـ مثل أولئك الذين في المرحلة النهائية من الإيدز والمصابين إلى جانب ذلك بالورم اللِّمْفي (اللِّمفومة) ـ فقد أخذ فريقنا يفكر في تعديل المعالجة الجذرية التي يزداد تطبيقها يوما بعد يوم في الحالات المتقدمة من سرطانات الدم أو سرطانات الثدي. وعندما يكون الهدف شفاء السرطان، فإن المرضى يعالَجون بأعلى جرعات من المعالجة الكيميائية أو الإشعاعية للتخلص التام من جميع الخلايا السرطانية. ولما كانت تلك المعالجات تُتْلف الخلايا المنتجة للدم في نقي (نخاع) العظم [ويشمل ذلك الخلايا التي تُكوِّن الجهاز المناعي] فإن الأطباء يعيدون بناء الجهاز المناعي لدى المريض بتزويده بنقي عظم صحيح (سليم) ومتوافق.
وفي حالة مرضى الإيدز، سيكون هدفنا إتلاف (تخريب) جميع خلايا الدم المصابة بعدوى الڤيروس HIV، ثم إنقاذ المريض بإعطائه نقي العظم المأخوذ من متبرعين متماثلي الزيجوت بالنسبة للطفرة الخاصة بالخبن في الجين CCR5. ونأمل أن تساعد هذه الخطوة الأخيرة على وقاية المريض من عدوى جديدة بالڤيروس HIV، وأن تساعد أيضا على منع انتشار جزيئات الڤيروس HIV ـ التي نجت من العلاج المدمر للڤيروس ـ من خلية لأخرى.
إن خطة تحقيق شفاء المرضى مع وقايتهم في الوقت نفسه مما تبقى أو انعزل من الڤيروس HIV، تلقى ترحيبا كبيرا. ولكننا نطبق المعالجة بنقي العظم بحذر، نظرا لبعض المخاوف المهمة، وأهمها أنَّ زرع (غرس) نقي العظم خطر في حد ذاته. فالاختلافات المناعية بين المتبرع والمتلقي قد تؤدي إلى رفض الطعم أو، وهو الأسوأ، قد تجعل الخلايا المناعية في نقي عظم المتبرع تهاجم أنسجة العائل المريض وتقتله.
إضافة إلى ذلك كله، لوحظ في الشهور الأخيرة بعض الأفراد المتماثلي الزيجوت بالنسبة للطفرة الخاصة بالخبن، ومع ذلك أصيبوا بعدوى الڤيروسHIV. ولا نعرف حتى اليوم كيف ترسخت العدوى، إلا أن بعض العلامات تشير إلى أن هؤلاء المرضى النادرين صادفوا سلالة تائية التوجه شديدة الفوعة بشكل غير عادي تتبع النمط الذي لا يظهر عادة إلا في المراحل المتأخرة من العدوى بالڤيروس HIV.
وحتى اليوم، فإن الحكمة التقليدية تقتضي أن الڤيروسات التائية التوجه غير قادرة على نقل العدوى من شخص إلى آخر؛ إذ على ما يبدو يتم تعرّفها وتدميرها بوساطة الجهاز المناعي السليم للأفراد الحديثي التعرض لها. وكان من المعتقد أنه لكي تتم العدوى لابد من وجود ڤيروسات ميمية التوجه، تتكاثر بهدوء إلى مستويات عالية في البلاعم من دون أن تؤدي إلى تدمير هذه الخلايا. وهناك من الدلائل ما يشير إلى أن المرضى الذين أصبحوا مصابين بالعدوى، على الرغم من أنهم كانوا متماثلي الزيجوت بالنسبة للطفرة الخاصة بالخَبْن، لم يكونوا سوى مرضى سيئي الحظ صادفوا ذراري (سلالات) من الڤيروسات الغريبة التائية التوجه استطاعت التحايل على الدفاعات المناعية وتوطيد العدوى من دون الحاجة إلى ذرارٍ ميمية التوجه لتمهد لها الطريق. ومع ذلك فمن الممكن أيضا أن تكون مقاومة المرضى الفطرية للذراري الميمية التوجه قد ساعدت بطريقة ما على تحول الذراري الميمية التوجه إلى أنماط تائية التوجه عنيفة وقادرة على توطيد العدوى بنفسها (من غير مساعدة).
فإذا كانت المقاومة للذراري الميمية التوجه بتوسط البروتين CCR5 تشجع الڤيروس HIV على أن يصبح عنيفا، فإن ذلك سيعني أن طعوم (زراعات) graftsنقي العظم ـ بل في الحقيقة، أي وسائل وقائية أو علاجية تهدف إلى إحصار وصول الڤيروسات HIV إلى البروتين CCR5 ـ ستحقق عكس النتائج المرجوة وستدعم العدوى والتفاقم إلى الإيدز بدلا من تأخيرها. ولكن الذي يعيد الطمأنينة هو حقيقة أن معظم الناس المتماثلي الزيجوت بالنسبة لخَبْن الأليل يتفادون العدوى بڤيروس العوز المناعي بدلا من الوقوع ضحايا للڤيروسات التائية التوجه العنيفة. ومع ذلك، وقبل أن يستطيع الأطباء معالجة المرضى بشكل روتيني بمضادات CCR5، لا بد للباحثين أن يثبتوا أن مثل هذه الأدوية تحسِّن احتمالات البُقْيا بدلا من أن تقللها.
وبينما كان العلماء يستكشفون طرقا فعّالة وآمنة للاستفادة من المكتشفات الجينية الجديدة، كانوا يتابعون أيضا البحث عن عوامل جينية (وراثية) أخرى يمكنها أن توحي بوسائل جديدة لحماية الناس من الإيدز. وفي الحقيقة، فإن مجموعتنا اكتشفت مؤخرا ضربا مغايرا للجين CCR2B يستطيع حتى في نسخة وحيدة منه أن يؤخر بدء الإيدز مدة سنتين أو ثلاث سنوات، تماما مثل ما يفعل تغاير الزيجوت بالنسبة للجين CCR5. وفي وقت مبكر من هذه السنة، أعلن <L. هي> (من معهد دانا-فاربر للسرطان) وزملاؤه أن البروتين CCR3 يعزز دخول الڤيروس HIV إلى الخلايا الدبقية الميكروية microglia (وهي خلايا مناعية في الدماغ)، وأن إحصار المستقبلة يمنع عدوى الخلايا الدبقية الميكروية (الصغيرة) بالڤيروس HIV في المختبر.
وبعد مرور ما يزيد على عقد من سنوات البحث عن الخِلال الجينية التي تؤمن الوقاية من الإيدز، نحن في الحقيقة سعداء بتسارع خطى الاكتشافات؛ إلا أن الهدف الأساسي يجب أن يبقى تحويل الرؤى الجينية إلى طرائق غير مسبوقة لتفادي الڤيروس HIV أو لمهاجمته. وهو ڤيروس على قدر من الذكاء مكّنه من تدمير الخلايا المعنية بالقضاء عليه. وعلى الرغم من أن التطبيقات العلاجية لاتزال قيد الافتراضات حتى الآن، فإننا نأمل أن تتضافر مواهب الباحثين في مختلف الميادين لتزويدنا بوصفة علمية ترد التفاقم المتعاظم لوباء الإيدز على أعقابه.
المؤلفان
Stephen J. O’Brien – Michael Dean
تعاونا مدة تزيد على عشر سنوات. فقد كان أوبرين رئيسا لمختبر التنوع الجينومي (المجيني) genomic في المعهد الوطني للسرطان منذ عام 1986. وهو معروف على مستوى العالم بإسهاماته في علوم الوراثة البشرية والحيوانية وفي البيولوجيا التطورية وفي علم الڤيروسات القهقرية وفي المحافظة على الأنواع. وقد أسس أوبرين بمساعدة زميلين آخرين المؤسسة NOAHS، وهي مؤسسة سمثسونيان لاتحاد العلماء والمتدربين الذين يطبقون التقانة البيولوجية من أجل المحافظة على الأنواع، وقد أسهم في إدارتها. أما دين فهو رئيس قسم الوراثة البشرية في مختبر التنوع الجينومي، إذ طبق تقنيات جينية جديدة في دراسة الأمراض البشرية المعقدة. ويهدي المؤلفان هذه المقالة إلى ذكرى شقيق أوبرين الذي مات بسبب الإيدز عام 1994.
مراجع للاستزادة
HIV-1 ENTRY COFACTOR: FUNCTIONAL CDNA CLONING OF SEVEN TRAN MEMBRANE, G PROTEIN-COUPLED RECEPTOR. Y Feng, C. C. Broder, P. E. Kennedy and E. A. Berger in Science, Vol. 272, pages 872-877; May 10, 1996.
HOMOZYGOUS DEFECT 1N HIV-1 CORECEPTOR ACCOUNTS FOR RESISTANCE OF SOME MULTIPLY-EXPOSED INDIVIDUALS TO HIV-1 INFECTION. Rong Liu et al. in Cell, Vol. 86, No. 3, pages 367-377; August 9, 1996.
GENETIC RESTRICTION OF HIV-1 INFECTION AND PROGRESSION TO AIDS BY A DELETION ALLELE OF THE CKRS STRUCTURAL GENE. Michael Dean et al. in Science, Vol. 273, pages 1856–18F2; September 27, 1996.
CONTRASTING GENETIC INFLUENCE OF CCR2 AND CCR5 VARIANTS ON HIV-1 INFECTION AND DISEASE PROGRESSION. Michael W Smith et al. in Science (in press).
Scientific American, September 1997
(1) جمع أليل وهو أحد الأشكال المتباينة للجين الواحد والتي تختلف في ترتيب سياق الدنا فيها، وهي تؤثر على وظيفة الجين في توليد الرنا RNA أو البروتين. وتتوضع الألائل في مواقع متناظرة على الصبغيات المتماثلة وتتولد نتيجة الطفرات. (التحرير)
(2) مجموعات من مئات الأفراد المتماثلي الظروف.
(3) الجنوسي homosexual هو الذي يعاشر جنسه المثيل. (التحرير)
(4) الخبن: فقدان جزء من المادة الجينية (الوراثية) من الصبغي، ويمكن أن يكون ذلك الفقد مجرد قاعدةBASE واحدة أو أكثر حتى فقدان شدفة FRAGMENT مكونة من عدة جينات.(التحرير)