رمال صريرة
رمال صريرة
إن الرمال المصدرة للأصوات تبقى إحدى الظواهر الطبيعية
المحيّرة، على الرغم من أنها معروفة منذ قرون عديدة.
<F. نوري> ـ <P. شولتز> ـ <M. بريتز>
لآلاف السنين، كان الرُّحَّلُ عبر الصحراء يظنون أن الأصوات الغامضة التي كانوا يسمعونها تصدر عن الأشباح والعفاريت. فقد ذكر ماركو پولو أن أرواح الشياطين «تُصدر من حين لآخر أصواتا من جميع أنواع الآلات الموسيقية، إضافة إلى أصوات الطبول وتصادم الأذرع.» وفي الوقت الحاضر هناك تفسير مفهوم: فهذه الأصوات جميعها هي إصدارات صوتية تولّدها الرمال المتحركة.
وقد وُجد على الأقل 30 كثيبا صُرّا في الصحاري والشواطئ الرملية بأفريقيا وآسيا وشمال أمريكا وفي أمكنة أخرى. وقد شبَّه المستمعون الأصوات التي تُصدرها تلك الكثبان بأصوات الأجراس والأبواق ومزامير الأُرغن وأبواق الضباب في السفن والمدافع والرعد والطائرات النفاثة التي تطير على ارتفاعات منخفضة وأزيز أسلاك التلغراف وحتى أصوات الأنين أو الطنين. ومع ذلك فلم يتفق الباحثون تماما على طريقة وسبب الأصوات التي تصدرها الرمال تحت ظروف معينة وفي أجزاء عديدة من العالم.
هل هو قدّ أو شكل حبيبات الرمل المتفردة؟ أو الطريقة التي تتفاعل فيما بينها؟ يبدو أنّ جميع هذه العوامل تتدخّل مع عوامل أخرى في هذا الأمر. صحيح إنه لم يجر إلا عدد قليل جدا من الفحوصات المنهجية لهذه الظاهرة، ومع ذلك فإن أي سيناريو لم يوضح بالضبط الميكانيكية (الآلية) التي تولد الأصوات. إنّنا لم نحصل على الإجابة النهائية ولكنّنا نهدف إلى إثارة المسائل التي قد تدلّ على الطريقة المؤدية إلى تفسير مقبول.
إن الأصوات التي تُصدرها الرمال ليست مثيرة دائما. والسير على رمال بعض الشواطئ، مثلا، يُحدث صليلا تحت القدم. إنّ هذا النمط من الرمال التي تدعى «الرمال الصلّيلة» squeaking sand أو «الصافرة» يمكن أن يوجد على الشواطئ الرملية وبجوار البحيرات والشواطئ وأسرّة الأنهار في جميع أنحاء العالم. أمّا النمط الآخر من الرمال الأقل شيوعا التي تدعى الرمال الصريرة Booming sand فلم تُدهش ماركو پولو فقط وإنّما حيّرت أيضا تشارلز داروين وأذهلت عددا آخر لا يُحصى من الناس. يحدث الصرير في أغلب الأحيان في الكثبان المنعزلة بأعماق الصحراء أو في مؤخرة الشواطئ الرملية البعيدة عن المياه.
وغالبا ما يقارن مستمعو الأصوات الرمال الصريرة بأصوات الآلات الموسيقية. ففي بعض الحالات، يصدُر الدويّ بضربات ثابتة، محدثا أصواتا تشبه قرع الطبول أو الدفوف. وفي كثبان أخرى، تُصدِر الرمال أصواتا تشبه أصوات الأبواق، أو الآلات الوترية أو الأجراس. وعادة ما تحدث مثل تلك الأصداء الواضحة المعالم عندما تتحرّك كميات صغيرة من الرمال بتأثير بعض القوى مولّدة تماما التردد (التواتر) نفسه من الاهتزاز في آن واحد. فقد لاحظنا في عام 1994 أنّ إحداث انهيارات صغيرة عند الساند ماونتن (جبل الرمل) في نيڤادا أصدر أصواتا مشابهة لأصوات الديدجيريدو didgeridoo، وهي آلة موسيقية أسترالية بدائية تتميز بإيقاع أزيزي منخفض.
أصوات الصحراء
تولّد الرمال الصليلة أصواتا ذات ترددات عالية جدا تتراوح ما بين 500 و2500 هرتز، وتدوم أقل من ربع ثانية، ويكون الدويّ نقيا من الناحية الموسيقية وغالبا ما يحتوي على أربع أو خمس نغمات متوافقة ومتناغمة. أما الرمال الصريرة فتصدر أصواتا أعلى ذات تردّد منخفض يتراوح ما بين 50 و300 هرتز، وقد تبقى لمدة طويلة تصل إلى 15 دقيقة في الكثبان الكبيرة (على الرغم من أنها تبقى عادة ثواني معدودات أو أقل). إضافة إلى ذلك فإنها بالأحرى مشوشة وتحوي عددا من الترددات المتقاربة. ولم يلاحَظ قط أن أصوات هذه الرمال تحتوي على أكثر من صوت تناغمي واحد من النغمة الأساسية.
تُصدر كثبان ناميب في جنوب أفريقيا صريرا عميقا أثناء التيهورات avalanches، ويمكن سماع هذا الصرير من مسافة عدة أميال. |
أدت هذه الفروق المثيرة إلى الإجماع على أنّه على الرغم من أنّ كلا النمطين من الرمال يُصدر انبعاثات صوتية، فإن الأساليب التي تصدر بها يجب أن تكون مختلفة تماما. وعلى ذلك فقد أصدر في أواخر السبعينات <K.B. هافّ> (من معهد كاليفورنيا للتقانة) صليلا في رمال صريرة، مقترحا بذلك وجود صلة وثيقة بين هذين النمطين.
يجب أن تتحرّك الرمال في كلا النمطين لإصدار الأصوات. فعلى سبيل المثال، إن السير على الرمال يجبر الرمل الواقع تحت القدم مباشرة على التحرك نحو الأسفل والخارج، مصدرا بذلك الصليل. أما في حالة الرمال الصريرة فإن الحركة تحدث أثناء التيهورات avalanches. وضمن التيهور يبدأ الصوت وفيه يجب أن تكمن الأجوبة.
قبل حدوث أي تيهور، يجب أن ترفع الرياح كثيبا بحيث يميل أحد جانبيه بزاوية معينة تبلغ عادة نحو 35 درجة بالنسبة إلى رمال الصحراء الجافة. وبمجرّد تحقيق هذه الزاوية، تبدأ الرمال في جانب الكثيب المقابل لاتجاه الرياح بالانزلاق نحو الأسفل، حيث تنزلق طبقات الرمال السطحية فوق الطبقات الموجودة تحتها كما تُقصّ مجموعة من ورق اللعب (الشدّة). وفي الوقت نفسه تتقلب أو تتدحرج الحبيبات المتفردة في الطبقة العليا فوق الحبيبات التي تحتها، حيث تسقط إلى الأسفل بشكل مؤقت في الفراغات التي بينها ثم ترتدّ فجأة ثانية نحو الأعلى لتتابع مسيرها لأسفل الكثيب. ويُعتقد أن حركتها المتناغمة إلى الأعلى وإلى الأسفل ربما كانت سر مصدر الصوت. إن التيهورات المتنامية تماما، التي تبقى فيها الألواح المنزلقة من الرمال سليمة عند تحرّكها، تولد أكبر كمية من الصوت. وفي بعض الأمكنة حيث تتدخّل في العملية كميات كبيرة من الرمال، يمكن سماع الصرير من مسافة نحو 10 كيلومترات.
وُجدت الرمال الصريرة (النقاط الحمراء) حول العالم. وتشاهَدُ بعض المواقع على الخريطة والصور الفوتوغرافية. إنّ الصوت الذي تولده الرمال الصريرة ذو نطاق (مجال) من التردّدات المتجاورة (a)، نبضات واضحة ومدة طويلة نسبيا (b)، صوت من رمال صليلة تتضمّن مدروجات من نغمة موسيقية أساسية (c)، ولكنها قصيرة جدا في (d).
|
إن ألغاز الاهتزازات متعددة. بداية ظلت الترددات المتعددة للرمال الصريرة عصية على الفهم. وفي السبعينات وجد <R .D. كريزْول> ومعاونوه من جامعة هيوستون، أنّ كلّ تردّد له ـ على ما يبدو ـ زمن ارتفاع وانخفاض خاص به ومستقل عن الترددات الأخرى. وإذا أخذنا هذه الترددات معا يمكنها أن تغطي نطاقا عريضا تقريبا، حيث يحدّد مداها بعوامل مختلفة. فعلى سبيل المثال، إن الساند ماونتن يولّد صريرا يتراوح نطاقه ما بين 50 و80 هرتز، أمّا الرمال في كوريزو بالأراضي الليبية فتولد صريرا يتراوح ما بين 50 و100 هرتز، وفي صحراء كالاهاري بجنوب أفريقيا، يتراوح نطاق التردّدات ما بين 130 و300 هرتز. إنّ مثل هذا الخرج الصوتي الذي يحتمل أن يكون سببه الأنماط المتعددة من الاهتزاز ضمن ألواح القص غالبا ما يكون صوتا غير موسيقي لا تستسيغه الأذن.
ولكون هذا الصوت ناجما عن أحجام كبيرة من رمال القص فإن الزئير (الأزيز) يكون عاليا أيضا. وفي الواقع، فإن الأصوات الناشئة عن الرمال الصريرة يمكن أن تُصم ـ تقريبا ـ الآذان. والاهتزازات المسببة لها يمكن أن تكون شديدة بحيث تجعل الوقوف في وسطها مستحيلا تقريبا.
إن أنسب مكان للبدء باستكشاف الخواص الاهتزازية للرمال هو في الحبيبات نفسها. يبلغ متوسط قطر أغلب حبيبات الرمال سواء كانت فعّالة صوتيا أو غير فعّالة نحو 300 مكرون. وعادة ما تكون الحبيبات في الكثيب الصريري متساوية في القدّ ولا سيما بالقرب من القمة المقابلة للرياح حيث ينشأ الصوت في الغالب. إن مثل هذا الانتظام يسمح بقصٍ فعّال أكثر. وإلا فإن الحبيبات الأصغر تُعيق الحركة السلِسَة للحبيبات الأكبر.
إن القدود المتشابهة وحدها لا تسمح بالصرير. وعلى العكس، فإن الرمال الصريرية في كوريزو وفي الجلف الكبير أيضا في ليبيا تُظهر نطاقا واسعا غير مميز من قدود الجزيئات. إضافة إلى ذلك فإن الكثيب الرملي الصامت غالبا ما يحتوي على حبيبات مشابهة، إلى حد ما، لتلك الخاصة بالرمال الصريرية.
وتميل حبيبات الرمال الصريرية أيضا إلى أن يكون لها سطوح ملساء بصورة استثنائية مع نتوءات في حدود المكرونات. وغالبا ما توجد الكثبان الصريرية في نهاية اتجاه الرياح لمصادر الرمال الكبيرة، وانتقلت إلى هنا على قفزات أو متدحرجة عبر الصحراء لمسافات طويلة، وعادة ما تكون حبيبات الرمال في هذه الكثبان مصقولة جيدا. ومع مرور الزمن يمكن أن تُصقل حبيبة الرمل أيضا بتكرار إزاحتها داخل الكثيب المتحرك. وتميل الرمال الصليلة لأن تكون مثلها ملساء أيضا بشكل استثنائي.
ومع ذلك أظهر الفحص الدقيق للرمال الصريرة للساند ماونتن وكالاهاري أن الحبيبات ليست كلها عالية الكروية أو الاستدارة. ففي عام 1936 ادّعى <D .A. لويس> في بريتوريا بأفريقيا الجنوبية أن الصرير قد يحدث في الحبيبات المكعّبة لملح المائدة العادي. بينما لا يحدث هذا الصرير بالمقابل في خرزات كروية من الزجاج. تُبيّن هذه الاكتشافات أنّه على الرغم من أن نعومة واستدارة الحبيبات أساسية لتوليد الصوت فإنه لا بد من وجود بعض درجات الخشونة.
وثمة عامل مهم آخر هو الرطوبة، لأن الرطوبة يمكن أن تخفف الاحتكاك بين الحبيبات أو تسبّب تكتل الرمل بعضه مع بعض، وبالتالي يكون عائقا للقص. وتحدث الأصوات في تلك الأجزاء من الكثيب الأسرع جفافا. ولربما يكون هطول الأمطار نادرا في الصحراء، ولكن الكثبان تحتفظ بالمياه بفعّالية ملحوظة. فالرمال القريبة من السطح تجف بسرعة، ومع ذلك، فالرمال الموجودة حول قمة الكثيب تجف بشكل أسرع.
يقود الجمع بين الحبيبات الملساء جيدة الفرز وفقدان الرطوبة بالقرب من القمة المواجهة للرياح إلى شروط أكثر احتمالا لتوليد أصوات أثناء القص. ونظرا لأن الرياح ترسب عادة رمالا أكثر بالقرب من الوجه المضاد للرياح، فإن الرمال تتجمع هناك بشكل أسرع من المناطق الأخفض. وبذلك يزداد ببطء انحدار الكثيب لدرجة تحدث معها التيهورات.
تبيّن صور المجهر الإلكتروني حبيبات الشاطئ الرملي الطبيعي (في الأعلى) التي تم جمعها من بحيرة هورون في بيْ سيتي بميتشيگان، وهي تتميّز بحواف خشنة. أمّا رمال الشاطئ الرملي الصليلة (في الوسط) من بحيرة ميتشِيگان في لودنگتن بميتشيگان، فتكون أكثر نعومة، وأمّا رمال الكثيب الرملي الصريرة (في الأسفل) من الساند ماونتن في نيڤادا فتكون أكثر صقلا. |
وبطريقة نموذجية تنفصل ألواح رقيقة وكبيرة بالقرب من القمة. وفي حالة الرمال الصريرة لا تميل هذه الألواح للتباطؤ في حركتها الجريانية عندما تصل إلى انحدارات أضعف، وإنّما تنهار عوضا عن ذلك أجزاؤها العلوية وتتداخل بشدة مع الأجزاء السفلية. ويكون انفصال الألواح في آخر الأمر عنيفا جدا.
إن ما تعلمناه عن الرمال المولدة للأصوات لم يكن سهلا. فقد تأخّر البحث بسبب نُدرة الظاهرة ـ وبخاصة بالنسبة إلى الرمال الصريرة، وصعوبة توليد الأصوات في المختبرات. إضافة إلى ذلك، لم يُفرّق العلماء بوضوح ولسنوات طويلة بين الرمال الصريرة والرمال الصليلة. وذلك كله جعل ما نشر مبكرا عن هذا الموضوع أقل ممّا يُعوّل عليه.
قرن من الدراسة
في عام 1889 نشر الجيولوجي الأمريكي <C .H. بولتون> إحدى أولى الدراسات عن هذه الظاهرة. فقد افترض أنّ الأصوات تنتج من أغشية film رقيقة من الشوائب المنحلة التي تترسّب على الحبيبات بالتبخر التدريجي للمياه. وقد تؤدي اهتزازات الوسائد الهوائية المرنة بين مستويات القص إلى إصدارات صوتية تُغيّر حجمها (شدتها) وطبقتَها (حدتها) البنيةُ السطحية للحبيبات نفسها. وقد اهتم بولتون بصورة أساسية بالرمال الصليلة ولكنه استخدم النموذج نفسه لشرح الرمال الصريرة.
وفي الوقت نفسه، اقترح العالم البريطاني <C. كاروس ويلسون> أن أصوات الرمال الصليلة تنجم عن تأثير الاحتكاك بين الحبيبات المتفرّدة. وكان ويلسون أول من استنتج بطريقة صحيحة أن الحبيبات الموجودة في الرمال المولدة للأصوات تكون كروية، وجيدة الاستدارة «جيدة الفرز»، وهي تسمية تُستخدم لوصف تركيز عال من حبيبات لها القدّ نفسه، ولقد حدّد كريزول ومعاونوه فيما بعد هذه النتائج كميا.
إن صرير الكثيب يحدث بعد أن يُهيّئ عدد من الأحداث الظروفَ الصحيحة: حبيبات من الرمال النظيفة والجافة والمصقولة والكروية بالقرب من قمة الكثيب. وبعد أن تصبح زاوية انحدار الكثيب أكبر من الزاوية الحرجة ˚34 يحدث فيه تيهور. تتحرّك الطبقات الرملية العليا بشكل أسرع من الطبقات السفلية (a) مندفعة نحو الأعلى والأسفل بشكل متكرّر بين الحبيبات (b-d). يُعتقد أن الحركة المتناغمة نحو الأعلى والأسفل هي التي تسبب الصرير. |
وفي عام 1966 نشر المهندس البريطاني والقائد الحقلي <A .R. باگنولد> موضوع: «قص الرمال الجافة وتمديدها» و«ميكانيكية الغناء» في تقرير الجمعية الملكية. ففي أول محاولة شاملة لمناقشة هذه الظاهرة برهن باگنولد أنّ سبب كل من الصليل والصرير يعود في الواقع إلى الطريقة نفسها. وقد اعتمد في برهانه على مبدأ التمديد (الاتساع) dilatation، أي مقياس الحيّز الفارغ بين الحبيبات. وقد برهن على أنه عندما ينزلق لوح على آخر فإنّه يميل للارتفاع والانخفاض دوريا أثناء استقرار الحبيبات في الفراغات بين الحبيبات السفلية. ويتغير تردد (تواتر) الصوت الناتج من الاهتزاز المتجمع عكسيا مع الجذر التربيعي لمتوسط قدّ الحبيبات.
وعلى الرغم من بساطة هذه الميكانيكية وفعاليتها فإنها لا تصف تماما حادثة الصرير، إذ إنها، على سبيل المثال، لا تعلّل لماذا تنشأ أربعة أو خمسة أنماط من الاهتزاز الأساسي في الوقت نفسه من لوح واحد من الحبيبات، كما أنها لا تُفسّر النبضات ذات التردد المنخفض التي ترافق من الناحية النموذجية الحركات الجريانية المستمرة.
إن براهين باگنولد أكثر إرشادا لتفسير الرمال الصليلة. ويفترض باگنولد أن المشي على الرمال الصليلة يسبب قصّا (انزلاقا) على طول مستوياتها بطريقة مشابهة لتلك التي تتكوّن أثناء التيهورات، ويؤكّد أن الفرق الوحيد هو القوة المطبّقة. فبينما يُسبّب وزن الرمل نفسه التيهورات والصرير، إلا أن الإجهاد الانضغاطي لموقع القدم يؤدي إلى القص (الانزلاق) الذي ينتج في الرمال الصليلة. وفي الواقع فإن الترددات التي تصدر عن الرمال الصليلة تنسجم مع نموذج باگنولد أكثر من الترددات التي تصدر عن الرمال الصريرة.
تحرّي الغموض
لم نكن قادرين على توليد أصوات صليلة في الرمال الصريرة، ولكن رجوعا إلى عام 1889 نجد أنه كانت هناك اقتراحات بأن النمط نفسه من الرمال قادر على توليد كلا الصوتين. فقد كتب بولتون: إن الرمال في هاواي تتمتّع بالخواص الصوتية لكل من الصحاري والشواطئ الرملية، حيث تولد الأصوات نفسها أثناء التيهورات مثل جبل ناگاس (وهو كثيب رملي صريري في مصر) وتولد أيضا صوتا غريبا يشبه نعيب البوم عندما تصطدم حبيباته بكيس، مثل رمال إيج Eigg [في سكوتلندا] مانشستر، ماساتشوستس، وشواطئ رملية بحرية أخرى.
وفي السبعينات ولّد هافّ أيضا أصواتا صليلة ذات تردد (تواتر) عال باستخدام الرمال الصريرة من كثبان ديونز كلسو في جنوب شرق كاليفورنيا. وقد أعطى هذا الاكتشاف دعما لنظرية باگنولد بأن الفرق الوحيد بين الرمال الصليلة والصريرة هو في ميكانيكية (آلية) إنتاج الصوتين: الانضغاط والتيهور.
ومع ذلك فإن هناك فروقا بين الرمال الصريرة التي قد تُجْبَر على إصدار الصليل في المختبر والرمال المعروفة بأنها تُصلُّ في مقرّها الطبيعي. وقد أظهر تحليل هافّ أن الترددات المتعددة الموجودة في الإصدارات الصليلة من الرمال الصريرة لا تشبه النغمات الموسيقية التي تولدها الرمال الصليلة الحقيقية.
لكي تصرّ الرمال لا بدّ من توافر بضعة شروط: أولها أن يكون الكثيب بعيدا عن مصدر رماله الأصلية، كي تستطيع الرياح حمل الحبيبات إلى مسافات طويلة، مُرسبة حبيبات متشابهة القدّ، جيدة الاستدارة عند أو بالقرب من قمة الكثيب. ويجب أن تزيل كميةٌ كافية من الأمطار الغزيرة الأتربةَ أو الجزيئات الصغيرة من بين الحبيبات. وثانيا لا بد من مرور أسبوع أو أسبوعين حتى يتم الجفاف. وأخيرا يجب أن تكون الرياح كافية لتدفع الرمال إلى قمة الكثيب، محدثة بذلك تيهورا.
يبدو أن أشد العوامل الحاسمة التي تتحكم في قدرة الرمال على الصرير هي مقاومتها للقص. إن الرمال المتماسكة بإحكام لا تستطيع القص (الانزلاق)، وكذلك فإن الحبيبات المتجمعة بشكل سائب تسلك سلوك مائع ولا تنزلق بشكل مناسب. ويُعرف عن جميع هذه العوامل بأنّها تؤثر في الأصوات التي تصدرها الرمال، ولكن معرفة كيفية امتزاج هذه العوامل لإنتاج هذه الأصوات تحتاج إلى دراسة إضافية.
ولربما تكون هاواي مكانا جيدا للبداية. وكثبان الشاطئ الرملي الخلفية على جزيرتي كايواي ونيهاو هي الأمثلة الوحيدة المعروفة عن الرمال غير الصحراوية التي تُصرّ. وتتميّز رمالها برطوبة أكثر من الكثبان الصحراوية النموذجية، وتكون الحبيبات كبيرة بشكل استثنائي حيث يبلغ قطرها نحو 460 مكرونا. إضافة إلى ذلك، فإن الرمال لا تشبه أية نوعية أخرى مولدة للصوت: إذ تتكوّن الكثبان أساسا من حبيبات كربونات الكالسيوم التي كانت تشكّل الأصداف البحرية، ويُعتقد أنها النوعية الوحيدة من الرمال الصريرة التي لا تتألف من الكوارتز. وبما أن الشاذ يوضّح القاعدة، فإن دراسة هذه الشواطئ الرملية ربّما تكون مفيدة جدا.
ويمكن أن نولّد الصرير والصليل في دلاء أو أكياس. ومع ذلك لتمثيل كيف يصدر الصوت تماما نحتاج إلى إلقاء نظرة داخل عملية القص. وقد يكون من الممكن إلقاء هذه النظرة بوساطة أجهزة إشعاعية radiological equipment معقدة، ولكن مثل هذا التحليل لم يتم بعد.
والطريق المثير للبحث هو السلوك الكهربائي للرمال. فعندما تنضغط حبة من السيليكا، فإنّها تميل إلى تكوين شحنات كهربائية متضادة عند كل نهاية: وهذا الفصل الشحني يمكن أن يؤدي إلى تجاذب الحبيبات الواحدة نحو الأخرى. ففي عام 1936 لاحظ لويس عند صب رمال كالاهاري الصريرة ببطء، أنّ الحبيبات تلتصق بصورة عرضية لتكوّن أغشية films بطول نصف بوصة، وقد أكّد مكشاف كهربائي electroscope أنّ هذه الأغشية هي في الحقيقة مشحونة كهربائيا. وعلى الرغم من ذلك فقد وجدنا أن تأريض الرمال كهربائيا ليس له تأثير في خرجهاoutput الصوتي. وعلى الرغم من أنّ المفعول (الأثر) الكهربائي قد يساعد على تفسير السبب الذي تعيق فيه الرطوبة الصرير، فإنه لم يتم حتى الآن جمع أي دليل قوي على ذلك.
وهناك طرائق أخرى واعدة للتحرّي تتضمن سبر التركيب المعدني لحبيبات الرمال الصريرة بشكل منهجي، وذلك لدراسة أهمية قوة القص. إنّ تكوين رمال صريرة صنعية يمكن أن يكون مفيدا، مما يُمكِّن الباحثين من مداولة العوامل المختلفة ومن ثم اختبار دورها.
إن الشيء الذي ربّما يلفت النظر هو أنّ الرمال الهدّارة بقيت لُغزا محيّرا لم يحل بعد.
المؤلفون
F. Nori – P. Sholtz – M. Bretz
عملوا معا على دراسة الرمال الصريرة بجامعة ميتشيگان في آن أربور. حصل نوري على الدكتوراه عام 1987 من جامعة إلينوي بمدينة أوربانا شامپين، وهو الآن أستاذ مشارك في آن أربور، كما عمل على مسائل متنوعة في فيزياء المواد المكثّفة والنظم المُعقدة. حصل شولتز على البكالوريوس في الفيزياء والرياضيات من آن أربور ويعمل مطورا للبرمجيات. أمّا بريتز فقد حصل على الدكتوراه من جامعة واشنطن عام 1971، وهو أستاذ للفيزياء في آن أربور ويدرس الظواهر الحاسمة في العديد من النظم الفيزيائية.
مراجع للاستزادة
THE PHYSICS OF BLOWN SAND AND DESERT DUNES. R. A. Bagnold. Methuen, London, 1954.
SOUND-PRODUCING DUNE AND BEACH SAND. J. F. Lindsay, D. R. Criswell, T. L. Criswell and R. S. Criswell in Geological Society of America Bulletin, Vol. 87, pages 463-473;1976.
SOUND-PRODUCING SAND AVALANCHES. Paul Sholtz, Michael Bretz and Franco Nori. Available at http://www-personal. engin.umich.edu/-nori/booming_sand.html on the World Wide Web.
Scientific American, September 1997