أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بيولوجيا

مقايضة جينية بكتيرية في الطبيعة


مقايضة جينية بكتيرية في الطبيعة

تنتقل الجينات بين البكتيريا المستقلة بتواتر يفوق ما كان يُظَن.

وتساعد دراسة تلك السيرورة على الحدّ من أخطار

إطلاق الميكروبات المهندسة جينيا في البيئة.

<V .R. ميلَّر>

 

في مطلع الثمانينات، وفيما كان العلماء ينجزون تقنيات تضفير splicingجينات غريبة (خارجية) داخل البكتيريا، بدأ بعض الباحثين باقتراح طرائق لاستخدام هذه التقانة لصالح البيئة. فلقد عرضوا مثلا استخدام البكتيريا المهندسة جينيا (وراثيا) للتخلص من بقع النفط أو لحماية المحاصيل من الأمراض والآفات. ولكن المشروع الذي عُرِف بالتقانة البيئية الحيوية سرعان ما هوجم.

 

حينذاك، وكما هي الحال الآن، فإن هذه الاقتراحات أثارت قلقا من أن الميكروبات المحوَّرة قد تنشر الدمار، أو أن جيناتها قد تنتقل على نحو لا يمكن التنبؤ به إلى كائنات حية أخرى، (ظاهرة أطلق عليها الانتقال الجيني «الأفقي»genetransfer horizental، لتمييزها عن الانتقال «العمودي» vertical الذي يحدث بين الأب وابنه). وكان يُخشى أن تؤدي هذه الفاعليات، بشكل أو بآخر، إلى إضرار ـ لا يمكن إصلاحه ـ بالبيئة أو الحيوانات أو البشر. حتى إن بعض المراقبين أصدروا تحذيرات تنذر بأن الكائنات المحوَّرة قد تدمر العالم. ولم تكد الصحف الشعبية المصورة (التابلويد) تفرغ من إعلان تخوفها من الهجوم بالبندورة (الطماطم) «القاتلة» القادمة من الفضاء الخارجي حتى بدأت تثير الفزع من خطر محلي ـ هو الكائنات الميكروية (المجهرية) المحوّرة جينيا والتي تلتهم الأخضر واليابس.

 

ومما يُؤْسف له أنه لم يكن لدى البيولوجيين حينها سوى القليل من المعلومات الموثوقة التي يمكن بوساطتها الرد على مثل هذه المخاوف. فلم يكونوا يعرفون تقريبا أي شيء عن مصير الميكروبات المهندسة جينيا في الطبيعة، وعن نزوع الجينات البكتيرية الأصلية أو المقحمة إلى الانتقال إلى عوائل (أثوياء) جُدد. وقد تم حاليا معالجة هذه الندرة في البيانات بفضل التعاون غير المسبوق بين باحثي علم الوراثة وعلم بيئيات الميكروبات microbial ecology  الذين يدرسون  الكائنات الميكروية في مواطنها الطبيعية.

 

أما اليوم، فقد تمت موافقة وكالة حماية البيئة الأمريكية على استعمال ذريتين على الأقل من البكتيريا المهندسة جينيا في الزراعة، كما أُجريت عشرات التجارب الحقلية. وتشير هذه التجارب وبحوث أخرى أكثر عمومية تناولت انتقال الجينات بين البكتيريا في مواطنها الطبيعية، إلى أنه ليس من المحتمل أن تتكاثر البكتيريا المعالَجة جينيا بشكل يخرج عن السيطرة. فهي تنزع لأن تكون هشة وأن تنقرض بسرعة كبيرة نسبيا، عوضًا عن أن تستمر إلى ما لانهاية. لذا، فقد لا تتهيأ الفرصة أمام جيناتها كي تنتشر في الطبيعة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H03_008066.jpg

تبين أن الانتقال الجيني بوساطة سيرورة تعرف بالتنبيغ(1) يحدث بين البكتيريا التي تعيش في الطبقة الموحلة (الإپيليتون) التي تغطي الصخور المغمورة المجاورة (في اليسار)، وفي أمكنة أخرى. ويحدث التنبيغ بعد أن تلتصق عاثية بكتيرية (ڤيروس مُعْدٍ للبكتيريا) بخلية بكتيرية، تحقن دناها DNA داخل الخلية (a و b في اليسار، صورة مجهرية في اليمين). ويتنسخ الدنا المحقون داخل البكتيريا (c)، فيتحطم عندئذ صبغي البكتيرة (d). وفي الحالة السوية يتم تعبئة ورزم الدنا الڤيروسي في جسيمات ڤيروسية جديدة، تنفجر من العائل (e). ولكن يحدث أثناء التنبيغ أن تلتقط بعض الجسيمات الڤيروسية دنًا بكتيريًا محتويا على جينات بكتيرية عوضا عن دنا ڤيروسي، وتنقله إلى بكتيرة أخرى (f)، فتدمج هذا الدنا المنقول في صبغيها (g).

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H03_008067.jpg

 

ومع هذا، فمن الممكن في ظروف معينة، أن تنتقل الجينات إلى بكتيريا أخرى أو حتى إلى أنماط أخرى من الكائنات الحية. إذًا، فأساس الإطلاق الآمن للميكروبات هو التحقق من الشروط التي تشجع (أو تردع) أنواعا معينة من البكتيريا على نقل جيناتها إلى كائنات حية أخرى ـ وهو تحدٍّ ينهمك في مواجهته بقوة الباحثون في مختبري بجامعة أوكلاهوما الحكومية وغيره. وعند توافر هذه المعلومات، يغدو بوسع الباحثين انتقاء الذراري البكتيرية الأقل احتمالا في أن تتبادل جيناتها مع كائنات أخرى في الموقع المراد «معالجته». فمثلا، عند معالجتهم لبحيرة، يمكن للمتخصصين في التقانات الحيوية انتقاء أنواع بكتيرية لا تتبادل جيناتها بسهولة في الماء.

 

وحتى الآن لم يتوصل العلماء إلى إعداد تصنيف دقيق للبكتيريا الأنسب لكل تطبيق معين. بيد أن البحوث المتضامنة أوضحت أمورا كثيرة تتعلق بالنزوع إلى الأشكال الثلاثة الأكثر شيوعا للانتقال الجيني الأفقي (التي تحدث في الطبيعة) ـ وهي التنبيغ والاقتران(2) والاستحالة(3).

 

وستركز هذه المقالة على الأشكال الثلاثة. ولكن يجب أن نذكر أن تعميق فهمنا للشروط التي تيسر الانتقال الجيني الأفقي في البكتيريا، له تأثير في موضوع مقلق معاصر آخر: هو تزايد مقاومة البكتيريا المسببة للأمراض للمضادات الحيوية. فقد ثبت أن بعض أنواع البكتيريا (وهي كائنات حية وحيدة الخلية) غالبا ما تمنح لأنواع أخرى من البكتيريا في جسم الإنسان جينات مقاومة للمضادات الحيوية. إن فهم متى وكيف يحدث هذا الانتقال سيساعد الباحثين على تطوير استراتيجيات تعمل على إحباطه.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H03_008068.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H03_008069.jpg

بوسع البكتيريا أن تنقل الپلازميدات، وهي دوائر (حلقات) من الدنا، عن طريق الاقتران. ففي البكتيريا السلبية الغرام، تمد خلية مانحة بروزا (لاحقة) واحدا أو أكثر ـ الأشعار ـ يلتصق بخلية متلقية، ويجذب الخليتين البكتيريتين مقربا إحداهما من الأخرى (الصورة المجهرية) و(a). يتشكل عندئذ جسر (وهو في الأساس مسامّ) بين الخليتين؛ ومن ثم يمر شريط (خيط) من الدنا الپلازميدي إلى البكتيرة المتلقية (b)، ثم يصبح كل شريط مفردٍ مزدوجا مرة أخرى (c). وباكتمال الانتقال، تنفصل الخليتان البكتيريتان (d). ويحدث الاقتران في البكتيريا الإيجابية الغرام (غير مبين في الشكل) بطريقة مماثلة، بيد أن الخليتين تنجذب إحداهما إلى الأخرى بوساطة إشارات كيميائية عوضا عن الشعرة.

 

أما من الناحية النظرية، فاكتشاف الانتقال الجيني الأفقي الشائع جدا في الطبيعة يوحي بأن هذه السيرورة ربما تكون أسهمت عبر عصور التطور في نشوء هذا التنوع الجيني الواسع الذي يتضح الآن لدى البكتيريا؛ بل إن بعض النتائج تشير إلى أنه قد تم تبادلٌ جيني بين المجموعات الرئيسية الثلاث للحياة البيولوجية، وهي: البكتيريا وحقيقيات النواة eukaryotes (الحيوانات والنباتات والفطور والأوالي protozoa) والبدائيات archaea (الميكروبات القديمة التي تتمتع بخصائص كل من البكتيريا وحقيقيات النواة). وتوحي المعلومات الحالية بأن الانتقال الجيني قد حدث من البكتيريا إلى حقيقيات النواة، ومن البكتيريا إلى البدائيات، وبشكل خاص من حقيقيات النواة إلى البكتيريا. وهكذا، فإن التبادل الجيني الأفقي يمكن أن يكون قد أثر في تطور جميع أشكال الحياة.

 

رحلةُ صيد سمكٍ مصيرية

ويعود تعلقي باستكشاف الانتقال الجيني الأفقي في الطبيعة إلى ربيع عام 1976، عندما كنت أستاذا مساعدا في جامعة تنسي بنوكسڤيل. كان عملي حينذاك ينحصر في علم الوراثة، وأدرس كيف تعمل الخلايا الحية. وكنت قد أدركت فعلا أن بعض البكتيريا تنقل جيناتها طبيعيا من خلية بكتيرية بالغة إلى أخرى. ومع ذلك، ومن منظوري الشخصي، كان الانتقال الجيني الأفقي مهمًّا مادام أنه يمثل فقط طريقة عملية لإدخال جينات جديدة وبالتالي صفات جديدة، إلى خلايا تُدرس في المختبر.

 

وفجأة تغيرت نظرتي الضيقة بسبب رحلة صيد سمك قمتُ بها ـ بعد ظهر أحد أيام السبت ـ مع <G. سيلر> (وهو أستاذ مساعد شاب في الجامعة نفسها). فبينما كنا نجلس في زورقنا سألني سيلر (وهو مختص في علم بيئيات الميكروبات) عما إذا كنت أعتقد بحدوث تبادل جيني واسع النطاق بين البكتيريا الموجودة في ماء البحيرة من تحتنا. لقد افترضت أن الخلايا البكتيرية تتبعثر في ماء البحيرة، ولا يوجد سوى اتصال ضئيل نسبيا بينها. لذا، ظننت أن معدل الانتقال الجيني كان ضئيلا. وعندما ألحَّ علي بالسؤال، اعترفت له بأنني لست على معرفة جيدة بالنشرات العلمية التي تعالج موضوع الانتقال الجيني الأفقي في الطبيعة.

 

وفي يوم الاثنين التالي توجَّهت إلى المكتبة بحثا عن إجابة مؤكدة، وكلي ثقة بأن الأبحاث المنشورة حول هذا الموضوع ستكون واسعة. ولكنني خرجت بعد ساعات مصدوما خائبا؛ إذ لم يُنشر فعلا شيء عن هذا الموضوع.

 

أما سيلر فكان تياها معجبا بنفسه. لقد أنهى لتوه إعداد غرفة لدراسة الكائنات الحية التي تعيش في المياه العذبة. وصار بوسعنا اختبار الجهاز والبدء بملء فجوة علمية من خلال قياس مقدار التنبيغ الذي يحدث في بحيرتنا الصغيرة. وخلال فصلي الخريف والربيع التاليين، قمنا بأولى الدراسات التي أثبتنا فيها أن التنبيغ يمكن أن يحدث في المياه العذبة.

 

وعندما نشرنا النتائج عام 1978، كنا واثقين بأنّ الآخرين سينبهرون مثلنا، وأن بحثنا كان الأول في سلسلة مشاريع بحوث طويلة حول التبادل الجيني البكتيري في الطبيعة. ولكن لم يشاركنا في هذه الرؤية حينذاك أي من الوكالات الممولة. ومع ذلك، وبحلول عام 1985، تغير كل ذلك بسبب القلق من إطلاق البكتيريا المهندسة جينيا في البيئة. ولهذا السبب، بدأتُ مع سيلر ـ وآخرين أيضا ـ بتناول الموضوع بسرعة واستكشاف إمكانية حدوث الانتقال الجيني الأفقي في أمكنة أخرى.

 

إثبات الاقتران

كان الاقتران أول آلية انتقال جيني دُرست بشكل موسّع كوسيلة يمكن أن تَنشر بوساطتها البكتيريا المادةَ الجينية في أوساط خارج المختبر. ففي عام 1946 تم تعرّف هذه الظاهرة عندما وجد كل من <J. ليدربرك> و <E. تاتوم> (من جامعة ييل) أن البكتيريا المعوية «الإشريكية القولونية» Escherichia Coli، تتبع طريقة تماثل الجنس لتتبادل عناصر الدنا DNA الدائرية (الحلقية)، والتي تُعرَف حاليا بالپلازميدات(4).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H03_008070.jpg

تقوم البكتيريا المقبلة على الاستحالة (a) بالتقاط الدنا الحر المنطلق من خلية بكتيرية ميتة. وعندما تشرع معقَّدات ربط الدنا الموجودة على سطح البكتيريا في معالجة الدنا (التفصيل) تقوم إنزيمات خاصة بتفكيك شريط واحد إلى نيوكليوتيدات. وفي الوقت نفسه يتم تدامج الشريط الآخر مع صبغي البكتيرة (b). ومع أن الاستحالة المبينة هنا تتم في بكتيريا إيجابية الغرام، فإنها تحدث أيضا في الأنواع السلبية الغرام. ومع هذا، فإن هذه السيرورة ليست صفة خاصة في أي من هاتين المجموعتين.

 

تحتوي الپلازميدات على جينات، ولكنها مستقلة عن الصبغي البكتيري الذي يكون أكثر ضخامة ويحوي الجينات الضرورية للتوالد البكتيري (وعلى الرغم من أنه يمكن أحيانا تبادل الصبغيات بالاقتران أيضا، فإن ذلك لا يحدث إلا في ظروف غاية في الندرة). وغالبا ما تحمل الپلازميدات جينات تعزز فرص البُقيا في ظروف غير مواتية. فمثلا، إضافة إلى احتواء الپلازميدات على الجينات التي تحتاج إليها لتنسُّخها وانتقالها، فإنها غالبا ما تؤوي جينات لبروتينات تساعد البكتيريا على تفادي تخريب المضادات الحيوية لها، وعلى تقويض المركبات السامة (لتجريدها من سميتها) مثل ثنائيات الفينيل متعددة الكلورةpolychlorinated biphenyls PCBs، وعلى تحويل الزئبق والمعادن الثقيلة الأخرى إلى أشكال أقل ضررا.

 

ولأسباب تاريخية، يقسم مختصو الأحياء الميكروية البكتيريا ـ اعتمادا على احتفاظها أو عدم احتفاظها بصبغٍ (مادة ملوّنة) معين ـ إلى قسمين: سلبية الغرام gram negative وإيجابية الغرام. ولقد بينت الدراسات المختبرية أن الاقتران لدى البكتيريا السلبية الغرام، أي التي لا تحتفظ بالصبغ، يبدأ عندما تلصق البكتيرة المانحة donor بروزًا appendage (يسمى الشعرة pilus) ببكتيرة متلقيةreceipient تعرض مستقبلة لتلك الشعرة، ثم تنكمش الشعرة مجتذبة جنبا إلى جنب كلا من البكتيرة المانحة والبكتيرة المتلقية. وعموما، فإن العديد من البكتيريا تمد أشعارا في وقت واحد تقريبا، وقد يتجمع عدد من الخلايا المانحة عند خلية متلقية واحدة في الحال. ونتيجة لذلك، فإن مد الأشعار يسبب تكدسaggregation الخلايا البكتيرية في تجمعات. وبعد ذلك، تتشكل جسور (مسامات) بين الخلايا المانحة والمتلقية. وعبر هذه الجسور تمر الپلازميدات من الخلايا المانحة إلى المتلقية.

 

ويعزز بعض الأشعار تجمع وتكدس الخلايا البكتيرية في السائل وعلى السطوح الصلبة، في حين لا تحرِّض أشعار أخرى على التجمع بكفاءة إلا على سطوح صلبة فقط. ومثل هذه الفروق تعني أنه إذا أراد الباحثون إدخال بكتيرة سلبية الغرام مهندسة جينيا في بيئة مائية فقد يكون من الحكمة أن ينتقوا نوعا له أشعار تُحدث التجمع على سطوح صلبة فقط.

 

أما الاقتران في البكتيريا الإيجابية الغرام فلا يستلزم أشعارا. وكمقدمة للاقتران، تفرز البكتيريا الراغبة في أن تكون متلقية لجينات جديدة، مواد تحث المانح المحتمل على إنتاج بروتينات (تدعى في الغالب عوامل التلازن clumpingfactors) قادرة على اجتذاب الخلايا البكتيرية بعضها إلى بعض. وما إن تترابط الخلايا، حتى تتشكل المسامات الضرورية لانتقال الدنا. ولهذا، إذا كان على الباحثين أن يختاروا بكتيرة مأشوبة(5) إيجابية الغرام لنثرها وإطلاقها في منطقة، تحوي بكتيريا أخرى إيجابية الغرام، فإن بإمكانهم الإقلال مما يخشونه من حدوث الانتقال الجيني في ذلك الموضع بتحوير البكتيرة كي تصبح غير قادرة على تكوين أي عامل من عوامل التلازن.

 

بعض البيئات التي ثَبُتَ حدوثُ الانتقال الجيني الأفقي فيها

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H03_008071.jpg

 

وعموما، فإن البكتيريا السلبية الغرام والبكتيريا الإيجابية الغرام (التي تتواجد جنبا إلى جنب في بيئات طبيعية مائية وبرية) تتبادل پلازميداتها حصرا بين أفراد مجموعتها هي، وكثرة منها تقيد التبادل ضمن النوع نفسه فقط. بيد أن بعض الپلازميدات «غير المميِّزة» يمكن أن تنقل الدنا إلى أنواع لا تربطها قرابة؛ أي بين بكتيريا سلبية الغرام وبكتيريا إيجابية الغرام، وحتى من البكتيريا إلى خلايا الخميرة yeast  والنباتات. فمن الواضح إذًا أن البكتيريا التي تحمل پلازميدات غير مميِّزة، لا تُستخدم إلا قليلا خارج المختبر.

 

ولكن هل يحدث الاقتران في الطبيعة بتواتر يبرر الاحتياطات التي تفرضها البحوث في المختبر؟ منذ بدء عصر التقانة الحيوية البيئية في الثمانينات، أثبت الباحثون أن الاقتران يحدث فعلا في مناطق طبيعية كثيرة، بما في ذلك الماء واليابسة وفي نباتات وحيوانات متنوعة.

 

دراسات أساسية في الاقتران

أثبت <J. فراي> و<M. ديي> وزملاؤهما (من جامعة ويلز)، عبر سلسلة من الدراسات المشهورة، أن انتقال الجينات من خلال الاقتران يمكن أن يحدث بين البكتيريا في بيئات المياه العذبة. ووجد الباحثون أن الاقتران يمكّن ذرية مختبرية من الزائفة الزنجارية Pseudomonas aeruginosa  أن تلتقط پلازميدًا يمنح طبيعيا مقاومة ضد سمية الزئبق لبكتيريا تستوطن نهر تافت الملوث قرب كارديف في ويلز. والزائفة الزنجارية بكتيريا شائعة الوجود في التربة والمياه العذبة، يمكنها إحداث خمج (عدوى) في المسالك التنفسية والبولية لدى البشر ذوي الدفاعات المناعية الضعيفة.

 

واستهل الباحثون دراساتهم بتطفير أحد جينات الزائفة الزنجارية، بحيث يولّد هذا الجين شكلا شاذا (غير طبيعي) من البروتين الذي يحدده الجين السوي. ويمكن استعمال البروتين المُحوَّر فيما بعد كواسمة لاقتفاء أثر أي خلية بكتيرية توضع في النهر. وبعد إتمام تحوير (تعديل) جين الزائفة الزنجارية، أدخل فريق البحث البكتيريا الموسومة في طبقات موحلة غنية بالمغذيات، أو ما يعرف بالإپيليتون epilithon الذي يغطي الحجارة المغمورة في النهر. ولقد غلِّفت الحجارة بمادة مرشحة دقيقة جدا تحول دون هروب البكتيريا.

 

وبعد انقضاء 24 ساعة، استعاد الفريق الحجارة وتفحصوا الإپيليتون بحثا عن الخلايا الموسومة للزائفة الزنجارية، التي تلقت پلازميدَ مقاومةِ الزئبق من التجمع البكتيري للزائفة الزنجارية التي توجد طبيعيا على الصخور. واتضح أن نسبة تتراوح ما بين زائفة زنجارية واحدة فقط من بين 000 10 وواحدة من كل بليون زائفة أدخلت قد اكتسبت پلازميدا، وهذا يثبت إثباتا لا يمكن إنكاره أن الانتقال الجيني قد حدث فعلا. كما تمخض البحث عن معلومات مفيدة تدل على أن عوامل مثل درجة حرارة الماء ومستوى الحموضة وتركيز المغذيات يؤثر في معدل الاقتران.

 

وفي دراسات أخرى عديدة، وُجد أن العوامل البيئية تغيّر الاقتران بطريقة تختلف في الطبيعة عنها في المختبر. فمثلا، حدث الاقتران في تجارب فراي وديي وزملائهما بين درجتي الحرارة 6 و 18 مئوية، وهي درجات أخفض من أن تساعد على اقتران ذراري البكتيريا في المختبر. وتعني هذه النتائج غير المتوقعة أن على الباحثين أن يدرسوا الاقتران في الطبيعة إذا ما رغبوا في أن يحددوا بدقة الشروط التي تحفظ الاقتران عند حدوده الدنيا.

 

وبناء على بحوث فراي وديي وآخرين، يتضح للعلماء الآن أنه على الرغم من أن البكتيريا تستعمل الاقتران لنقل المعلومات الجينية في بيئات عديدة مختلفة، فإن الپلازميدات المحورة جينيا قد تشكل بعض الخطر. فالپلازميدات تُبطئ سرعة نمو البكتيريا، ويتم التخلص منها عادة إذا لم يكن في وجودها منفعة للكائن الحي. فمثلا، إذا ما استطاع پلازميد ـ محور جينيا ليحمل خاصيةِ مقاومة الزئبق ـ أن يجد طريقه إلى داخل كائن حي يعيش في وسط غير ملوث بالزئبق، فإن العائل (الثوي) الجديد سيتخلص بسرعة من الپلازميد.

 

وعلاوة على ذلك، من النادر جدا أن تدامج (تكامل) الپلازميدات نفسها في صبغيات (كروموسومات) البكتيريا. وعلى ذلك، حتى لو انتقلت الپلازميدات إلى عائل بكتيري جديد، فإنها لن تصبح جزءا ثابتا من مجين (جينوم) هذا العائل. فالصبغيات تُستنسخ باستمرار، وتتوزع في أجيال جديدة من الخلايا البكتيرية كلما تكاثرت الخلية الوالدية نفسها، في حين أن الپلازميدات لا تتوالد بشكل ثابت مع انقسام الخلية. ومع ذلك، فمن أجل أن يستبعدوا فعليا احتمال أن ينتشر الجين الذي وضع داخل بكتيرة محورة جينيا سينتشر عن طريق الاقتران، فإن علماء التقانة الحيوية الذين يفكرون في استعمال بكتيريا مأشوبة في الطبيعة آثروا غرز الجينات في الصبغيات بدلا من الپلازميدات.

 

خطر الاستجابة في حدوده الدنيا

ومع أن الاقتران كان أول آلية للانتقال الجيني دُرِست تفصيليا في البيئة، فإنه لم يكن أول ما تم تعرّفه. فقد بدأت دراسة الانتقال الجيني ما بين البكتيريا عام 1928، عندما لاحظ عالم البكتيريا البريطاني <F. گريفيث> أن المكورات الرئوية غير المفوعة nonvirulent تصير مفوعة (ممرضة) إذا ما حُقِنت في الفأر مع مكونات رئوية مفوعة ميتة. واستنتج گريفيث أن البكتيريا غير المفوعة أصلا التقطت عاملا «استحاليا» transforming  من البكتيريا المفوعة الميتة، وبذا أضحت ضارية بما يكفي لقتل الفأر. ونعرف الآن أن العامل الاستحالي هو الدنا DNA الذي تحرر في الوسط المحيط لدى تمزق البكتيريا الميتة إلى أشلاء. ويقال إن جينا تم تبادله بنجاح عبر الاستحالة إذا ما أُدخل كجزء من پلازميد كامل، أو إذا تم تدامج شدفة من الدنا تحوي الجين مع صبغيٍّ متلقٍّ.

 

وتتطلب الاستحالة الطبيعية في كل من البكتيريا السلبية الغرام وتلك الإيجابية الغرام، أن يبقى الدنا المتحرر ثابتا وأن تصبح الخلايا المتلقية المحتملة مؤهلة لاقتناصه. بمعنى أنه يجب أن تعرض الخلايا المتلقية بروتينات سطحية متخصصة تترابط بالدنا وتدخله فيها.

 

وحتى عهد قريب افترض الباحثون أن الاستحالة لا تحدث في معظم الأمكنة، لأن الدنا الحر لا يثبت في التربة أو في الماء. بيد أن دراسات <M. لورنز> و <W. ڤاكرناجل> (من جامعة أولدنبورگ في ألمانيا) و <G. ستوتزكي> (من جامعة نيويورك) وآخرين، أثبتت أن الدنا يمكن أن يغدو ثابتا بضمه إلى مكونات التربة، وأن هذا الدنا يُقتنص من قبل الخلايا المؤهلة المقتدرة. وتشير البحوث الأحدث إلى أن دنا الپلازميد قد نُقِل بالاستحالة من حين لآخر في ماء النهر وفي طبقة الإپيليتون التي تكسو حجارة النهر. (ولكنني أعلم أنه لا توجد ملاحظات تشير إلى أن الجينات الصبغية قد نُقِلت بالاستحالة في بيئات مائية أو برية).

 

ومع ذلك، يعتقد قليل من الباحثين أن التبادل الجيني بالاستحالة تُحتمل نشأته بسهولة إذا ما نُثرت بكتيريا مهندسة جينيا (وراثيا) في البيئة. ويبدو أن الاستحالة الطبيعية تحدث بين خلايا النوع الواحد فقط، وأن أنواعا بكتيرية قليلة نسبيا قادرة على أن تغدو مؤهلة للاستحالة، وبوسع علماء التقانة الحيوية تفادي استعمال هذه الأنواع في الهندسة الجينية. وعلاوة على ذلك، ومع أن البكتيريا الميتة قد تحرر أحيانا كميات كبيرة من الدنا الذي يُمتص من قبل بكتيريا أخرى معينة، فإن الدنا لا يميل إلى جينات سليمة. ولقد بيّن <J. يول> وزملاؤه (من جامعة فلوريدا الجنوبية) أن تراكيز عالية من الدنا البكتيري الطليق من الخلايا يمكن أن تظهر في مياه مصبات الأنهار بعد الفجر، عندما تموت عادة أعداد كبيرة من الخلايا محررة موادها الجينية. ومع ذلك، فقد وجد الباحثون في التجارب المختبرية أن معظم الدنا المتحرر الذي تسترده البكتيريا الحية، يُحطَّم فورا إلى مكوناته التي تُستعمل في تركيب دنا جديد، ونادرا ما يتم الحفاظ على سلامة الجينات المحتواة في الدنا الحر.

 

من البكتيريا إلى  الڤيروسات وبالعكس

وخلافا للاستحالة، فإن الشكل الثالث من الانتقال الجيني الأفقي، (وهو التنبيغ transduction) يمكن أن يحدث لدى طيف واسع من البكتيريا. ففي التنبيغ، تلتقط عاثيات (لاقمات) البكتيريا bacteriophages (وهي الڤيروسات التي تعدي  البكتيريا) المادة الجينية من خلية بكتيرية وتضعها في خلية أخرى.

 

وكجزء من دورة حياتها، فإن عاثيات البكتيريا تلتصق بالبكتيريا وتَحقن فيها دناها. ويعمل هذا الدنا كمخططٍ لصنع نُسخٍ إضافية من عاثية البكتيريا التي تنفجر من البكتيريا المصابة، وتنطلق لتعدي خلايا جديدة. ولكن يحدث من حين لآخر أن تحمل الجسيمات الجديدة دنًا بكتيريًا عوضا عن دنا ڤيروسي. وفي الحقيقة، بوسع عاثيات البكتيريا أن تنقل بين العوائل پلازميدات كاملة وقِطَعًا من الصبغيات. (وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصبغي الكامل أضخم من أن تتسع له عاثية البكتيريا.) وتشير التجارب المختبرية إلى أن بعض عاثيات البكتيريا يمكن أن تعدي بوضوح أنواعا كثيرة وحتى أجناسا من البكتيريا، وهذا يوحي أن بوسعها نشر الجينات البكتيرية أبعد كثيرا من الموضع الذي التُقِطت فيه أصلا تلك الجينات.

 

ولأن التنبيغ يمكن أن يسبب تبعثرًا واسعًا للجين الغريب، فقد ركزتُ وزملائي على دراسة هذه الظاهرة. وبدأنا بالبحث عن التنبيغ بجمع بكتيريا في نوع من الغرف الاحتوائية البيئية environmental containment chamber، استنبطه سيلر. كانت تتألف تلك الغرفة من أنبوب بلاستيكي شفاف، وُضِع في كل من نهايتيه غطاء مزود بمرشحات تسمح للماء والمغذيات بالدخول وتمنع البكتيريا من التسرب خارج الأنبوب. وفي تجاربنا الحالية نستعمل أكياسا بلاستيكية منفذة للغاز.

 

وبناء على دراساتنا، اقترحنا مخططا لتبعثرٍ تنبيغيِّ الوساطة للمادة الجينية من البكتيريا الغريبة (المُدخلة) إلى أنواع البكتيريا الأخرى الموجودة في الطبيعة. ويقرر مخططنا ببساطة أنه عندما تدخل بكتيرة تحمل جينا جديدا موطنا ما، فإن عاثيات البكتيريا تعدي تلك الخلية وتكوّن جسيمات عاثيَّة أكثر. فإذا ما انتهى أي من الجسيمات وكان يحمل الجين الجديد، فإنه ينقله إلى التجمع البكتيري المحلي. كما أن هذا المخطط ممكن التطبيق على تنبيغ الدنا الصبغي والپلازميدي. وقد حاولنا مؤخرا أن نبرهن على أن هذا السيناريو يحدث فعلا في المياه العذبة. فعزلنا بكتيريا وعاثيات البكتيريا من بحيرات مختلفة، وأوضحنا أن البكتيريا تتشارك فعلا في المعلومات الجينية عن طريق التنبيغ في هذه المواضع.

 

وكان كثير من المختصين بعلم الأحياء الميكروية (المجهرية) microbiologyيظنون أصلا أن التنبيغ لا يشكل وسيلة تبادل جيني مهمة في البيئة، ذلك أنه يتطلب وجود ڤيروسات وبكتيريا ليتآثرا(6) ـ وكان يُظن أنهما كليهما موجودان في البيئة بتراكيز منخفضة. بيد أنني ومعاونيّ وجدنا مؤخرا عاثيات البكتيريا بتراكيز عالية جدا وصلت في كثير من الأحيان إلى مئة بليون جسيم ڤيروسي في الملّي لتر من المياه العذبة والمالحة. ولقد استدعت هذه الملاحظات إعادة تقويم تكرّر التآثرات، بما في ذلك التنبيغ الذي يحدث بين عاثيات البكتيريا وعوائلها.

 

ومع هذا، فإن فهمنا الحالي يوحي بأن تنبيغ الجينات المحمولة في بكتيريا مهندسة جينيا في البيئة قد يكون مقيدا بشدة بعدد من العوامل. أحدها أن معظم عاثيات البكتيريا تعدي نوعًا واحدًا فقط من البكتيريا، وليست أنواعا مختلفة كثيرة. وثانيها أن معظم عاثيات البكتيريا في الطبيعة تعدي فقط البكتيريا التي تنتسب إلى موطن عاثية البكتيريا، وليست الذراري البكتيرية المختبرية المستعملة في الهندسة الجينية. وأخيرا، ينبغي أن يكون علماء البيولوجيا الجزيئية قادرين على تزويد البكتيريا المحورة جينيا بصفات تُقيِّد مقدرة الدنا البكتيري على الانتقال إلى نوع آخر ومن ثم البقيا فيه، وحاليا يتم بالفعل تطوير هذه التقييدات.

 

ويستطيع البيولوجيون الآن أن ينابلوا(7) البنية الجينية لأي كائن حي تقريبا. وإضافة إلى تطبيق ذلك لتكوين بكتيريا مأشوبة، فإن التقانة تُستعمل حاليا من قبل المزارعين لإنماء محاصيل محوَّرة جينيا تقاوم الأمراض المختلفة. وتوحي مجموعة الدراسات على البكتيريا في مواطنها الطبيعية بأنه يمكن نثر الكائنات الحية المهندسة جينيا في البيئة على نحو آمن، وأن أشد الاعتبارات أهمية يتمثل فيما إذا كان بوسع الكائن الحي المحوَّر جينيا أن يؤدي المهمة المطلوبة منه. ومع هذا، فإن الحذر له ما يبرره. فمع تعمُّق فهمنا للانتقال الجيني الأفقي، نجد أن على علماء التقانة الحيوية المختصين بعلم البيئة أن يتزودوا بالمعلومات الضرورية ليقللوا الأخطار قدر الإمكان إلى الحدود الدنيا.

 

 المؤلف

Robert V. Miller

حصل على الدكتوراه من جامعة إلينوي. ومنذ عام 1991 وهو أستاذ ورئيس قسم الأحياء الميكروية (الميكروبيولوجيا) وعلم الوراثة الجزيئية في جامعة أوكلاهوما الحكومية . بدأ سيرته الأكاديمية عام 1974 في جامعة تنسي بنوكسڤيل. وفي عام 1980، التحق بكلية طب ستريتش في جامعة لويولا بشيكاگو. وبين عامي 1987 و 1993 عمل في اللجنة الاستشارية لعلم التقنيات البيولوجية التابعة لوكالة حماية البيئة الأمريكية، حيث ساعد في تلك الأثناء على وضع سياسة الوكالة المتمثلة في إطلاق الميكروبات المهندسة جينيا في البيئة.

 

مراجع للاستزادة 

GENE TRANSFER IN THE ENVIRONMENT. Edited by Stuart B. Levy and Robert V. Miller. McGraw-Hill, 1989.

GENETIC INTERACTIONS AMONG MICROORGANISMS IN THE NATURAL ENVIRONMENT. Edited by E. M. H. Wellington and J. D. van Elsas. Pergamon Press, 1992.

RELEASE OF GENETICALLY ENGINEERED AND OTHER MICRO-ORGANISMS. J. C. Fry and M. J. Day. Cambridge University Press, 1992.

STRATEGIES AND MECHANISMS FOR FIELD RESEARCH IN ENVIRONMENTAL BIOREMEDIATION. Robert V. Miller and Jeanne S. Poindexter. American Academy of Microbiology, Washington, D.C., 1994.

HORIZONTAL GENE TRANSFER. Edited by M. Syvanen and C. Kado. Chapman and Hall (in press).

Scientific American, January 1998

 

(1) transduction وهو انتقال المادة الوراثية البكتيرية (الجرثومية) من بكتيرة إلى أخرى بوساطة عاثية (لاقمة) bacteriophage تعمل كناقل. (التحرير)

(1) conjugation اتحاد مؤقت لكائنين حيويين وحيدي الخلية يأخذ أحدهما مادة جينية من الآخر.

(3) transformation تغيير المادة الوراثية للبكتيرة البدائية النواة عن طريق إدخال دنا غريب (خارجي) إليها. (التحرير)

(4) plasmids: عناصر جينية ذاتية التكرر توجد خارج الصبغيات في الكثير من البكتيريا وتكسبها فوائد تطورية خاصة (كحمايتها من المضادات الحيوية)، وهي عبارة عن جزيئات دنا مزدوجة الأشرطة strands ودائرية مغلقة. (التحرير)

(5) المأشوب recombinant: الفرد أو الخلية الجديدة التي تتولد نتيجة اتحادات جينية بين الصبغيات أو في الصبغي نفسه. (التحرير)

(6) interact.

(7) manipulation. (التحرير)

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button