أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
الدماغبيولوجياعلم الأحياء التطوريعلم الإنسان

كيف يميز الجسم اليسار من اليمين

كيف يميز الجسم اليسار من اليمين(*)

تقوم بروتينات تفرز في جانب واحد من الجنين بالتحكم جزئيا في

التوجه(1) الدقيق للأعضاء الداخلية لدى الإنسان وسائر الفقاريات.

<I.C.J.بلمونته>

 

إذا نظرت في المرآة وقمت برسم خط وهمي من قمة رأسك وعلى طول أنفك نزولا إلى صدرك وبطنك، فستلاحظ أنه ما من عضو خارجي يقع على أحد جانبي الخط إلا ويقابله مثيله على الجانب الآخر. ومع ذلك فإنك لا تملك إلا قلبا واحدا ومعدة واحدة وپنكرياسا (معثكلة) واحدا وطحالا واحدا، في حين ينثني قولونك من يمينك إلى يسارك. وحتى الأعضاء المزدوجة كالرئتين تبدي شيئا من اللاتناظر asymmetry: فالرئة اليمنى فيها فصوص أكثر من اليسرى على سبيل المثال، في حين لا توجد بعض البنى الدماغية إلا في أحد جانبي (أو نصفيhemisphere) الدماغ.

 

لماذا إذًا تتحدى أعضاؤنا الداخلية المخططَ العام المتناظر لأجسامنا؟ وكيف يتم لها هذا؟ في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، استطاع العلماء تحديد عدد من الجزيئات التي تملي على الأعضاء توضعها وبنيتها وتوجهها. لقد اكتشفنا أن العديد من الحالات المرضية يمكن أن تظهر عندما تغيب هذه العوامل (الجزيئات) أو تُنتَج في غير مكانها المناسب. إن فهمنا لآلية عمل هذه العوامل ربما يفتح الطريق أمامنا لتعلم كيفية معالجة هذه الأمراض أو الوقاية منها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003646.jpg

طفلة ذات توضع أحشاء طبيعي، فقلبها في جانبها الأيسر وكبدها في الأيمن، أما رئتها الثلاثية الفصوص فهي إلى اليمين وتلك الثنائية الفصوص إلى اليسار. كما ينثني قولون هذه الطفلة من اليمين إلى اليسار. لقد بدأ العلماء يتعرفون الجينات التي تملي على الجسم البنية والتوضع الطبيعيين اللامتناظرين للأعضاء الداخلية.

 

مكان لكل شيء …

يبدو أن تطور اللاتناظر في بنية الأعضاء وتوضُّعها قد حدث لأنه يؤمن أفضلية في البُقْيا. ففي الفقاريات العليا على سبيل المثال، قد يكون الجهاز الهضمي البالغ التعقيد أكثر كفاءة إذا ما رزمت عراه وثنياته في تجويف الجسم وفق نمط غير متناظر. وبالمثل فإن قلبا غير متناظر يستطيع القيام بمهمة ضخ الدم وتوزيعه بشكل أفضل. إن هذا اللاتناظر يتيح وجود منظومتي ضخ منفصلتين: الأولى تضخ الدم إلى الرئتين حيث يتم تزويده بالأكسجين وتخليصه من غاز ثنائي أكسيد الكربون، والأخرى تزود الجسم بالدم الذي أعيدت أكسجته reoxygenated blood.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003647.jpg

طفلة تعاني حالة توضع مقلوب situs invertus، ولدت بأعضاء داخلية هي صورة مرآوية لتوضعها الطبيعي. وعادة ما تكون هذه الحالة غير العادية حميدة العواقب، غير أن مشكلات كبيرة قد تحصل عندما يولد شخص ما بجانبين أيسرين أو جانبين أيمنين، أي عندما تكون الأعضاء اللامتناظرة عادة (كالقلب) متناظرة، وبالتالي تفشل في أداء وظيفتها طبيعيا.

 

ومن المثير أن نعلم أنه يمكن لتوضع الأعضاء الداخلية أن يكون معاكسا للحالة الطبيعية كما لو كان صورة مرآوية، ومع هذا تستمر هذه الأعضاء في أداء وظائفها بشكل جيد. ومن كل 8000- 25000إنسان يولد واحد بحالة تدعى التوضع المقلوب situs inversus، وفيها يكون توضع جميع الأحشاء عكس الحالة الطبيعية (التوضع السوي situs solitus): يكون قلب الشخص ومعدته على الجانب الأيمن في حين يكون كبده في الأيسر وهكذا. (تكون هذه الأعضاء أيضا عبارة عن صورة مرآوية لبنيتها الطبيعية). وهؤلاء الأشخاص أصحاء عادة، مما يدل على أنه مادامت أعضاء الإنسان كلها استدارت والتفت turned and loopedوفق نمط معين ومنسجم داخليا، فإن الجهة الحقيقية للاستدارة والالتفاف لا تكون مهمة.

 

… وكل شيء في مكانه

إن الذين يولدون بتوضع غير طبيعي للأحشاء من دون أن تكون أحشاؤهم صورة مرآوية للحالة الطبيعية يكونون أقل حظا من سابقيهم؛ وهؤلاء ـ الذين تدعى حالتهم التوضع الملتبس situs ambiguus ـ عادة ما يموتون في سن مبكرة بسبب مضاعفات قلبية أو رئوية. أما المصابون بالحالة المدعوة التماكب(2)isomerism فيولدون بشقين أيسرين أو أيمنين، أي إما أن يكون لديهم طحالان مثلا أو لا يكون لديهم أي طحال، وأما داخليا فتكون قلوبهم متناظرة تماما. ويتعرض المصابون بهذه الحالات إلى طيف معقد من المشكلات، غير أن المصابين بتماكب أيسر يكونون أفضل حالا من المصابين بتماكب أيمن لسبب لايزال مجهولا. ولا يشتكي الكثير من المصابين بتماكب أيسر من أية أعراض، في حين يندر أن يتخطى المصابون  بتماكب أيمن عامهم الأول.

 

واستطاع الباحثون توضيح بعض الآليات التي تتحكم في اللاتناظر اليساري اليميني left-right asymmetry من خلال دراستهم للمراحل المبكرة لتطور القلب في الأجنة. ويعزى تركيزهم على القلب إلى أن هذا العضو هو الأكثر حساسية لشذوذات الآلية البيولوجية المتحكمة في مخطط الجسم.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003648.jpg

يتنامى جنين الكتكوت في مراحله المبكرة كما هي حال جميع الفقاريات، بسلف للقلب يدعى أنبوب القلب، يلتف إلى الجانب الأيمن من الكائن الحي. ينشأ هذا الأنبوب عن مجموعتين متناظرتين من الخلايا(الشكل a، الأحمر والبرتقالي) تهاجران من سطح الجنين إلى طية فوق المنطقة المسماة عقدة هنسن. تشكل هذه الخلايا بعد التحامها(b) أنبوبا يكون متناظرا في البدء ثم ما يلبث أن يلتف بشكل لامتناظر إلى اليمين (cوd). وفي أسفل كل مخططٍ صورة بالمجهر الإلكتروني الماسح توافق كل مرحلة من مراحل التنامي.

 

إن جميع الكائنات اللامتناظرة تبدأ أجنةً متناظرة. وحسب ما نعرفه اليوم فإن جميع أجنة الفقاريات تكون متناظرة الجانبين بشكل كامل في مراحل تطورها المبكرة، إذ يكون جانبها الأيسر صورة مرآوية مطابقة لجانبها الأيمن. غير أن هذا التماثل evenness يتم كسره مبكرا عند مرحلة معينة. وتكون إحدى أولى العلامات الواضحة على حصول هذا عند الفقاريات وقوع حدث مميز أثناء المراحل الأولى لتشكل القلب.

 

فالقلب يتنامى عادة من مجموعتين متناظرتين من الخلايا القلبية السليفةprecardiac cells (أو ما يدعى بحقول القلب heart fields)، التي تتحد مع مرور الوقت [انظر الشكل في هذه الصفحة] لتشكل أنبوب القلب heart tube  المتناظر بداية. ويكون التفاف الأنبوب إلى اليمين أول علامة ملاحظة على تغير التناظر. إن هذا الالتفاف هو أحد أكثر المراحل حسما في تنامي القلب لأنه يحدد البنية الداخلية لنظامي الضخ القلبيين.

 

في عام 1995، حدّد<J.C.تابين>[من كلية الطب بجامعة هارڤارد] و <D.C.ستيرن>[من جامعة كولومبيا] مع زملائهما، أحد العوامل البيوكيميائية التي تحرض على التفاف أنبوب القلب المتنامي [انظر: «كيف تتنامى الأطراف»، مجلة العلوم، العدد10(1999)، ص24].

 

فقد استطاع هؤلاء الباحثون عبر دراسة أجنة الكتكوت إثبات أن حدوث هذه العملية يحتاج إلى اشتراك بروتين يدعى دعابةً القنفذ الصوتي(3) sonic hedgehog.(اكتسب هذا البروتين لقبه لأن غياب أحد أشكاله عند يرقات ذبابة الفاكهة يؤدي إلى اكتساب اليرقات الشكل المكور الشائك كما القنفذ الخائف). وبشكل محدد فقد لاحظ هؤلاء أن الالتفاف لليمين لا يحدث إلا عندما يتم إفراز القنفذ الصوتي في الجانب الأيسر فقط من مجموعة الخلايا الجنينية التي تعرف باسم عقدة هِنسن Hensen’s node. (تشكل عقدة هِنسن المكان الذي تغور فيه بعض خلايا جنين الكتكوت في مراحله المبكرة أسفل خلايا أخرى لتكوين جنين ثلاثي الأبعاد؛ وتحتوي أجنة الثدييات على عقدة مشابهة). أما إذا تم إنتاج القنفذ الصوتي في الجهة اليمنى من العقدة، فإن أنبوب القلب المتنامي يلتف إلى اليسار.

 

وليس القنفذ الصوتي هو اللاعب الوحيد في عملية تحديد اللاتناظر اليساري اليميني لقلب الفقاريات، فهناك بروتينات أخرى تتضمن العقدي nodalوالأشول lefty  التي تفرز فقط على الجانب الأيسر من الجنين المبكر، وأيضا الأكتيڤين activin βB والحلزون snail وعامل نمو الأرومة الليفية fibroblast growthfactor 8، وهي تفرز فقط على الجانب الأيمن. إن التوضع الصحيح للعضو يتطلب إنتاج هذه البروتينات في مكانها الصحيح وفي الوقت المناسب؛ في حين يفضي الخلل في مكان أو توقيت إنتاج هذه البروتينات إلى حدوث الشذوذات.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003649.jpg

تكون الجينات الفاعلة على جانب واحد فقط من الجنين المتنامي، كما في جنين الكتكوت المبكر هنا، هي المسؤولة عن حصول اللاتناظر اليساري اليميني للأعضاء الداخلية. وتكون الجينة الموجهة لإنتاج البروتين المدعو القنفذ الصوتي(الأزرق الداكن في الأشكال العليا) من أُوَل الجينات التي تنشط على الجانب الأيسر للجنين فوق عقدة هنسن. ويتوقف نشاط هذه الجينة بعد نحو العشر ساعات لتحل محلها جينتان مسؤولتان عن إنتاج البروتينين العقدي وPitx2(الأزرق الداكن في الأشكال السفلى).

 

ففي أجنة الكتكوت على سبيل المثال، يؤدي وجود القنفذ الصوتي والعقدي في الجانب الأيسر من عقدة هِنسن والأكتيڤين βB في الجانب الأيمن إلى تشكل قلب طبيعي غير متناظر. أما إذا عرضنا الجانب الأيمن لجنين ما إلى مزيد من القنفذ الصوتي أو العقدي (بحيث يتعرض جانبا العقدة إلى القنفذ الصوتي أو العقدي) فإن تأثيرهما قد يغلب تأثير الأكتيڤين βB مما يؤدي إلى اضطراب في التنامي: إذ يحتوي نحو نصف الأجنة الناجمة في هذه الحالة على قلوب طبيعية الالتفاف في حين تكون في النصف الآخر ملتفة في الاتجاه المعاكس. ويمكن تفسير هذه الاستجابة العشوائية بوجود عامل أو عوامل إضافية تحرض عملية الالتفاف، أي إنه في هذه الحالة يلعب القنفذ الصوتي والعقدي و الأكتيڤين βB دور موجِّه الالتفاف. إن إنتاج القنفذ الصوتي على جانبي عقدة هنسن يؤدي إلى إنتاج العقدي في الجانبين أيضا. وفي غياب إشارات واضحة للجهة التي يجب أن ينحوها الالتفاف فإن كل جنين «يقرر» جهة الالتفاف بشكل عشوائي، مما يؤدي إلى ظهور 50% من الذراري بتوضع سويّ و 50% بتوضع مقلوب.

 

ومن المدهش أن تكون النتيجة هي نفسها عندما يغيب القنفذ الصوتي أو العقدي من كلا الجانبين. وهذا يعني أن غياب أو وجود الإشارات في جانبي العقدة يؤدي إلى التفاف عشوائي للقلب. إن هذه البروتينات (شأنها شأن جميع البروتينات) تُنتَج عندما تكون الجينات المسؤولة عن تشكيلها فعالة ومُنشطة. ولم يعرف إلى الآن ما إذا كانت الجينات المسؤولة عن تكوين بروتيني القنفذ الصوتي والعقدي في الإنسان طافرة عند المصابين بتوضع مقلوب أو بالتماكب، غير أن تخمينات الباحثين تأخذ هذا المنحى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003650.jpg

في الحالة الطبيعية يلتف قلب شرغوف الضفدع(الشكل الأيسر) إلى اليمين، في حين يلتف المِعَى لديه بعكس اتجاه عقارب الساعة بسبب الجينة Pitx2 والتي عادة ما تكون فعالة ـ وبالتالي توجه اصطناع البروتينات ـ فقط على الجانب الأيسر من الحيوان. وبالمقابل يلتف قلب الشرغوف الذي تكون فيه الجينة Pitx2 فعالة فقط على الجانب الأيمن (الشكل الأيمن) إلى اليسار في حين ينثني المعى باتجاه عقارب الساعة. ولاتزال الآلية التي تتحكم بها البروتينات Pitx2 في عملية الالتفاف هذه مجهولة.

 

ولكن ما الذي يتحكم في التوضع والشكل اللامتناظر للأعضاء الأخرى؟ لقد تم حديثا تعرف جينة ـ من قِبل ست مجموعات بحثية مستقلة، بما فيها فريقي ـ يمكن أن تجيب جزئيا عن هذا السؤال، تكود هذه الجينة لبروتين يدعى Pitx2. وكما هي الحال في القنفذ الصوتي والعقدي، يظهر البروتين Pitx2 على الجانب الأيسر من القلب البدئي ويؤثر في جهة التفافه. غير أن هذا البروتين يتميز عن سابقيه بأن إنتاجه اللامتناظر يتواصل حتى مراحل متأخرة من التطور الجنيني. كما يستمر إنتاجه على الجانب الأيسر طوال هذه الفترة في الأعضاء اللامتناظرة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003651.jpg

تظهر الخلايا في عقدة جنين الفأر(أقصى اليسار)، وهي منطقة تشبه عقدة هِنسن عند الكتاكيت، على شكل بقعة محددة بوضوح على سطح الجنين في صورة المجهر الإلكتروني الماسح. ويُظهر التكبير الأقوى (اليسار) أن كل خلية في العقدة تحتوي على استطالة شعرية تدعى الهدب. يتحرك كل من هذه الأهداب بعكس اتجاه عقارب الساعة فقط، ويفترض أن يكون هذا النوع من الحركة ضروريا للمحافظة على البروتينات المسؤولة عن توطيد اللاتناظر اليساري اليميني، على الجانب الأيسر فقط من الجنين المتنامي.

 

إن منابلة إنتاج البروتين Pitx2 عبر غرس نسخ من جينته داخل الجنين تؤدي إلى حدوث التماكب أو الالتفاف المعكوس للأمعاء وأعضاء أخرى فضلا عن القلب، وربما يعتمد ذلك على كمية البروتين المنتج. وتدل هذه الدراسات، إضافة إلى تلك التي تعتمد على تعطيل الجينة Pitx2، على أن البروتين Pitx2 هو أحد العوامل المبكرة التي تؤدي إلى التياسر leftness خلال التنامي الجنيني. غير أن الآلية التي يؤثر بها البروتين Pitx2 وغيره في التفاف أنبوب القلب وتثني المعى  والتنامي اللامتناظر للدماغ لاتزال غير معروفة.

 

أما السؤال الآخر الذي لايزال بلا إجابة فيتعلق بكيفية حصول اللاتناظر البدئي للجسم، أي ما الذي يحرض على إنتاج القنفذ الصوتي أو الأكتيڤين βBأو الأشول أصلا. ربما يكمن أحد الأجوبة الممكنة عن هذا السؤال في الڤيتامين A. لقد اكتشف الباحثون على مدى الأعوام الأخيرة أن الڤيتامين A يؤثر في نوعية الخلايا المتشكلة في الجنين وفي قدرة الجنين على تمييز اليمين من اليسار، والرأس من الذيل، والخلف من الأمام. كما استطاع الباحثون تحقيق تقدم كبير في فهم الآلية التي يحقق بها الڤيتامين A هذه التأثيرات.

 

على سبيل المثال لاحظ فريقي وآخرون أن الزيادة في أحد أشكال الڤيتامين Aالمسمى حمض الريتينويك retinoic acid تؤدي إلى تعديل اللاتناظر الطبيعي للقلب في القوارض والطيور. ويبدو أنه يقوم بذلك عبر التأثير في إنتاج بروتينات مثل العقدي وPitx2  والأشول. وعلى ما يبدو فإن إنشاء اللاتناظر اليساري اليميني يتطلب تحكما دقيقا في إنتاج الڤيتامين A خلال المراحل المبكرة من التطور الجنيني.

 

إن اشتراك عوامل أخرى في هذه العملية أمر لا جدال فيه. وتتجمع الدلائل على قيام بنى خلوية تدعى الأهداب cilia بدور محوري في هذا الصدد. والأهداب عبارة عن بنى تشبه السياط تتوضع على السطوح الخارجية لبعض الخلايا المتخصصة، كتلك التي تبطن الأمعاء؛ كما تكون مسؤولة عن سباحة النطافsperm. لقد أظهرت الدراسات المعتمدة على المجهر الإلكتروني الماسح scanningelectron microscopy أن جميع الخلايا في عُقَد أجنة الفئران تحتوي على هدب وحيد متحرك، يتوضع بشكل مركزي على السطح الخارجي للخلية. وتقع هذه الخلايا المهدبة في مواجهة الجانب البطني ventral للجنين.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003652.jpg

يُظهر القلب المتنامي(الأحمر) لأجنة الكتكوت الفتية أهمية الڤيتامينA بالنسبة إلى التوضع الصحيح لهذا العضو. فالتعرض لتراكيز طبيعية من حمض الريتينويك، وهو شكل من الڤيتامينA، يؤدي إلى التفاف القلب التفافا ملائما(أقصى اليسار)، غير أن وجود كميات زائدة من حمض الريتينويك يؤدي إلى التفاف القلب في الاتجاه المعاكس(اليسار). ويفترض الباحثون أن هذا الحمض يساعد على تنظيم فعالية الجينات التي تملي اللاتناظر اليساري اليميني مثل الجينة Nodal.

 

يعاني المصابون بمتلازمة كارتاجنر Kartagener’s syndrome عيبا في أهداب  أنواع خلوية متعددة بما فيها النطاف. ويكون هؤلاء عرضة للإصابة بعداوى(أخماج) تنفسية (لأنهم يفتقدون الأهداب التي تطرد المكروبات عادة خارج المسالك التنفسية)، كما يعاني الذكور منهم العقم. إضافة إلى ذلك، فإن المصابين بهذه المتلازمة غالبا ما يكون لديهم توضع عكسي للأعضاء (الأحشاء). وبشكل مماثل تبدي الفئران الحاملة لنمط طافر من بروتين يدخل في تركيب الأهداب توضعا عشوائيا للأعضاء. وعليه فإن الاستنتاج الواضح هنا؛ هو أن غياب الأهداب العاملة (الوظيفية) في العقدة يؤدي إلى توضع عشوائي للأعضاء.

 

عامل السوط

إن بعض النتائج المثيرة بدأت توضح لنا كيف تقوم الأهداب في العقدة بتأمين توضع طبيعي للأعضاء. ففي عام 1998 لاحظ<N.هيروكاوا>وزملاؤه[من جامعة طوكيو]أن الخلايا العقدية للفأر، التي تمد أهدابها في السائل المحيط بالجنين، تدير أهدابها بعكس اتجاه عقارب الساعة، في حركة وحيدة الاتجاه لا مثيل لها في الأهداب الأخرى. وتؤدي هذه الحركة بدورها إلى نشوء تيار يمكن أن يجرف عوامل مهمة كحمض الريتينويك والعقدي والأشول إلى الجانب الأيسر من العقدة. إن هذا التجمع للسوائل والبروتينات في الجانب الأيسر يمكن أن يؤمن الانحياز اللازم لكسر التناظر الجنيني البدئي. وبمعنى آخر، إن خاصية بنيوية خلوية (جهة دوران الأهداب في العقدة) تترجم إلى انحياز يساري يميني في التنامي الجنيني يؤمن تحكما فعالا في طريقة تطور أعضائنا الداخلية.

 

التوائم السيامية

إن البيانات التي نوقشت في هذه المقالة مكنت<J .C.تابين>وزملاءه [من كلية الطب بجامعة هارڤارد]من اقتراح تفسير لكون بعض التوائم السيامية siamese twins(أو الملتحمة) أكثر عرضة من غيرها للخلل في توضع أعضائها الداخلية. ومن المثير أن هذا الاستعداد يتعلق بمكان التصاق التوائم. فعندما تكون التوائم متصلة بشكل جانبي (توائم ثنائية الرأس dicephalus twins)، كحال أبيگيل وبريتاني هنسل(اليمين)، يتعرض نصف المجموعات لأن ينتهي أحد التوأمين(ذلك الذي يقع إلى يمين توأمه عادة) بقلب على الجانب الأيمن عوضا عن الأيسر. وكما في جميع التوائم السيامية، تنشأ الأنماط الثنائية الرأس من الانقسام الناقص لبيضة ملقحة مفردة. ويكون توضع الجنينين في هذه الحالة بشكل متواز. إن قربهما هذا يفترض أن يسمح للعوامل التي تفرزها عقدة أحد التوأمين بأن تؤثر في التوأم الآخر.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003653.jpg

وتظهر الدراسات التي تُجرى على أجنة الكتكوت أن الأكتيڤين βB المفرز على الجانب الأيمن للتوأم الأيسر(اللون البرتقالي في الشكل إلى اليسار) يستطيع تثبيط إنتاج الشكل البشري من بروتين القنفذ الصوتي على الجانب الأيسر من التوأم الأيمن، وهذا يتيح لقلب التوأم الثاني الفرصة نفسها للتنامي على الجانب الأيمن أو الأيسر.

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N1_H02_003654.jpg

التوأمان أبيگيل وبريتاني هنسل وهما ملتحمان جنبا إلى جنب.

لا أحد يعرف على وجه التحديد لماذا يكون اتجاه دوران الأهداب عكس عقارب الساعة. ومع ذلك يفترض أن هذا النمط الحركي ناجم عن عدم تناظر نفس الجزيئات التي توجه حركة الأهداب. ومع ذلك يكون توضع الأعضاء، طبيعيا، غير متناظر عند نصف الأفراد(سواء كانوا بشرا أو فئرانا) الذين لا تحتوي عقدهم على أية أهداب البتة. ويدل هذا على أن الأهداب في العقد ليست ضرورية من أجل تنامي الأعضاء الحشوية، بل تتجلى مهمتها على الأغلب في توفير التدرجات الجزيئية molecular gradients اللازمة لحدوث توجه الأعضاء وتوضعها  الملائمين.

 

وعندما تختفي الأهداب، يتوقف نمط الجريان المفضل للسائل خارج الجنينيextraembryonic fluid، وبالتالي فإن محدِّدات اليسار أو اليمين التي يحملها السائل تظهر على جانبي العقدة كليهما. وفي هذه الأحوال يخضع توضّع العضو للمصادفة، ربما بسبب الرجحان العشوائي للإشارات الكيميائية المناسبة على أحد جانبي العقدة من دون الجانب الآخر.

 

لقد أثارت مشكلة تحديد الاتجاه اليساري اليميني للجنين المتنامي مخيلة علماء البيولوجيا على مدى عقود عديدة، إلا أن التقدم كان بطيئا على هذه الجبهة حتى وقت قريب، ويعزى ذلك جزئيا إلى غياب البيانات (المعطيات) الجزيئية. وحديثا أتاح اكتشاف الجينات التي تتفعل بشكل غير متناظر لدى الجنين في مراحله المبكرة تقديم العديد من الأدلة الجديدة. فعندما نتعرف بعض الجينات التي تسهم في سيرورة تطورية معينة يستطيع الباحثون تشغيلها أو إيقافها مختبريا في مواضع مختلفة من الجنين لاختبار الفرضيات حول الدور الذي تؤديه البروتينات التي تكودها تلك الجينات. وعلى الرغم من أن الغموض لايزال يحيط بالحدث البدئي المؤدي إلى اللاتناظر، فإن تعرف البروتينات التي تساهم في مراحل لاحقة سيساعد على اكتشاف البروتينات التي تؤثر في مناح أخرى من تنامي الأعضاء. وقد تتيح هذه المعرفة تحديد الطفرات (التي كانت مجهولة سابقا) والتي تؤهب لحدوث تشوهات محددة في العضو، الأمر الذي سيساعد بدوره على تطوير منظومات تشخيصية جديدة أثناء المرحلة الجنينية.

 

 المؤلف

Juan Carlos I. Belmonte

حصل على الدكتوراه من جامعة ڤالنسيا و Colegio de Esp?na في بولونيا عام 1987، ثم انتقل إلى المختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية في هايدلبرگ بألمانيا، ليلتحق بعدها بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. ويشغل حاليا منصب أستاذ مساعد في معهد سولك للدراسات البيولوجية وبجامعة كاليفورنيا في سان دييگو. قدم بلمونته إسهامات عديدة في مجال دراسة الأسس الجزيئية لتنامي الأطراف واللاتناظر اليساري اليميني لدى الفقاريات. وقبل أن يصير بلمونته عالما مارس كرة القدم محترفا في أليكانته بإسبانيا. ويتوجه المؤلف بالشكر لزميليه <C.رودريگز-استيبان> و<J.كاپديڤيلا>لمساهمتهما المهمة في هذه المقالة.

 

مراجع للاستزادة 

LEFT-R1GH’1′ ASYMMETRY IN ANIMAL DEVELOPMENT. William B. Wood in Annual Review of Cell and Developmental Biology; Vol. 13, pages 53-82;1997.

THE COMPULSION OF CHIRALITY: TOWARD AN UNDERSTANDING OF LEFT-RIGHT ASYMMETRY. Michael Levin and Mark Mercola in Genes & Development, Vol. 12, pages 763-769; March 15, 1998.

MOLECULAR MECHANISMS OF VERTEBRATE LEFT-RIGHT DEVELOPMENT. Ann F. Ramsdell and H. Joseph Yost in Trends in Genetics, Vol. 14, No. 11, pages 459-465; November 1998.

Scientific American, June 1999

 

(*) How the Body Tells Left from Right

(1)orientation

(2)أو “التزامر”، وهو تشابه التركيب مع اختلاف الترتيب. (التحرير)

(3) إحدى شخصيات الرسوم المتحركة والألعاب الحاسوبية. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى