تاريخ العلوم
تاريخ العلوم
تحليل معاصر لبعض التجارب التاريخية(*)
إن محاولة إعادة إجراء بعض التجارب المهمة في إطارها
التاريخي تصادف مفاجآت عدة. ولا يختلف الأمر إن تعلق ذلك بغزل
خيط من الحرير أو بتدريب العضلات على استخدام مضخة يدوية.
<P. هيرنگ> ـ <F. ريس> ـ <C. سيشاو>
يعتبر التغلغل الكامل للعلم والتقانة في جميع نواحي الحياة تطورا حديث العهد؛ إذ لم يبدأ الباحثون باستخدام الطريقة العلمية إلا في القرن السابع عشر. وعلى أساس من ذلك فإن ما يعتد به هو ما يمكن إثباته بالتجربة العلمية، التي تؤدي دائما إلى النتائج نفسها.
وكان <گاليليو گاليلي> (1564-1642) من الرواد الأوائل، إذ اكتشف عام 1590 أن جميع الأجسام على سطح الكرة الأرضية تقع تحت تأثير القوى نفسها التي تجذبها إلى أسفل، وبالتالي فإن سرعة الجسم الساقط، وليس مسار الجسم، تتناسب مع زمن السقوط. وقد دار نقاش بين مؤرخي العلوم في الستينات من القرن العشرين، حول ما إذا كان گاليليو قد توصل إلى قانون السقوط بشكل تجريبي باستخدام كرات تتدحرج على سطح مائل. واعتقد عدد لا بأس به من المؤرخين بأن گاليليو كان يقوم بتجارب ذهنية بدلا من التجارب العملية. ولم يكن هؤلاء هم المتشككين الأوائل، ففي عام 1636 انتقده <M. ميرسين> (1588-1648) [وهو باحث العلوم الطبيعية الفرنسي وأحد مؤسسي أكاديمية باريس للعلوم] حين قال: «إني أتساءل ما إذا كان گاليليو قد أجرى فعلا تجربة حول التدحرج على سطح مائل، إذ إنه لم يدون ذلك في أي موضع، وإن التناسبات التي أعطاها تتناقض في معظم الأحيان مع التجربة.» ومن الواضح أن ميرسين لم يتمكن من إعادة التجارب وتقديم نتائج تتفق مع نتائج گاليليو.
بدأت الثورة الفرنسية بالهجوم على الباستيل في14/7/1789، وعُدَّ ذلك التاريخ بداية لمرحلة سياسية جديدة. وكان <جين پول مارات>، وهو أحد أكثر قادة هذه الثورة تطرفا، يهتم قبل ذلك بأعوام قليلة بقضايا عادية: ففي عام 1782 نُشِر بحثه حول طبيعة الظواهر الكهربائية. وقام مؤلفو هذه المقالة بإعادة بعض تجاربه. |
ونظرا للشك فيما إذا كانت نتائج گاليليو يمكن التوصل إليها باستخدام طرائق القياس والتجريب المتوفرة حينذاك، ولما كانت دراسة الأبحاث المنشورة والمراسلات والكتيبات لا تساعد على حل هذه الإشكالية، قام مؤرخ العلوم الأمريكي <B .T. سِتِل> بإعادة بعض التجارب عام 1961 حسب ما كان گاليليو قد أورده، ومن بين هذه التجارب ما كان أشار إليه ميرسين سابقا. وقد كان النجاح حليف سِتِل، إذ اتفقت قياساته مع تلك التي يفترضها قانون گاليليو. وأخيرا وضع حدا للجدل بالعثور على صفحة من مخطوطة كتبها گاليليو احتوت على بعض القيم القياسية.
ويوضح هذا المثال واحدة من مشكلات تاريخ العلوم الكبيرة ومؤداها أن فهم التجربة التاريخية في إطاريها العلمي والاجتماعي هو مطلب أساسي وضروري، لأن دراسة المصادر المكتوبة والمتعلقة بهذه التجربة تفضي غالبا إلى القليل من المعلومات.
ومن أجل تعرف العوامل التي تؤثر في إنجاح التجربة، لا غنى في الغالب عن إعادتها، وهنا لا بد من مراعاة جميع تفاصيلها، مما يستلزم بالطبع دراسة جميع المصادر المتوفرة ومراعاة كافة الوسائل المتبعة في مجال أبحاث تاريخ العلوم. ففي مجال الفيزياء ابتكر باحثون في قسم الفيزياء [بجامعة كارل فون أُوسِتسْكي في أولدنبرگ] ما يطلق عليه طريقة الإعادة (التكرار)، وتشتمل على ثلاث خطوات:
. إعادة بناء الأدوات والأجهزة تدريجيا وبأكبر قدر من التطابق مع مثيلاتها الأصلية.
. التنفيذ الأمين للخطوات التجريبية التي يقوم بها الأشخاص المعنيون.
. إعادة بناء الأطر العلمية والتاريخية والاجتماعية لكل تجربة.
ونتساءل عن ماهية ظروف النجاح الأساسية لباحث مثل گاليليو أثناء قيامه بإجراء تجاربه العلمية: هل توفرت لديه المواد اللازمة؟ وهل وُجد حينذاك صانع أجهزة لم يُذكر اسمه؟ وهل وُجدت أماكن مخصصة للعمل، وهل كان هناك مساعد لتدوين الملاحظات أو إعداد الرسومات أو توفرت لديه قدرات خاصة ولم يُذكر هو الآخر؟ إن إعادة التجربة تقدم نظرة جديدة إلى التجربة التاريخية، كما توفر تقييما جديدا لمصادر المواد التي وُجدت حينذاك.
ولدينا في هذا المجال ثلاثة أمثلة، أولها دراسات <P .J. مارات> الخاصة بمفهوم الكهرباء وطبيعتها، وثانيها تجربة الفتل (الالتواء) التي أجراها <A .C. كولومب> لمعرفة أثر قوة الشحنات الكهربائية (قانون كولومب)، وثالثها اكتشاف مفعول جول-تومسون Joule-Thomson Effect، الذي يُردّ إلى <P .J. جول> و <W. تومسون>، والذي تعتمد عليه طريقة لند لإسالة الغازات.
إن الطبيب الفرنسي وباحث الطبيعيات وفيما بعد القائد الثوري <P .J. مارات> (الصورة في اليسار تعود إلى عام 1793)، اهتم أثناء تجاربه التي قام بها لإرساء قواعد علم الكهرباء، قبل كل شيء، بالبحث في مجال تفريغ الشحنة. ومن أجل ذلك قام بشحن زجاجة لايدن، وهي شكل قديم للمكثف (في اليمين) بوساطة آلة توليد كهرباء مستخدمة حينذاك، ثم راقب عملية التفريغ من خلال إسقاط ظلي. |
التجربة مشهد لافت
يعرف الكثيرون أن الطبيب والمؤلف <P .J. مارات> ( 1743-1793) كان حتى مصرعه واحدا من أكثر قياديي الثورة الفرنسية راديكالية وتطرفا، ولكن قلة من الناس ملمة بالتجارب التي أجراها حول واحدة من أكثر المسائل العلمية إثارة في ذلك الوقت، والتي تتعلق بمفهوم الظواهر الكهربائية. لقد أجرى مارات ما لا يقل عن 212 تجربة تتعلق بهذا المجال، وقام بنشرها عام 1782 في كتاب تجريبي اشتمل على 461 صفحة. (وكان مارات قد نشر في ذلك الوقت أعمالا مشابهة تشتمل على معالجات واسعة لمواضيع تتعلق بالحرارة والضوء).
في ذلك الوقت كانت قد انتشرت نظريات «الموائع» في مجال الفيزياء: وكانت واحدة منها (أو أكثر) مادية، ولكن بعضها الآخر كان يتعلق بموائع خفيفة أو متطايرة (غازية أو سائلة) يمكنها النفاذ من جميع الأجسام. وتمثل هذه النظريات افتراضات تهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية المختلفة مثل الضوء والحرارة. فهل كان مفهوم الكهرباء أحد هذه الإسهامات؟
لقد حاول مارات من خلال استخدام تجارب كيفية، توضيح تصوراته حول مائع كهربائي يختلف بشكل واضح عن الحرارة والضوء، وحاول أن يصوره للمجتمع العلمي، وذلك بجعله شيئا ملحوظا ويسهل إدراكه، إذ قال: «إن انسياب الكهرباء يمكن إدراكه عندما يتم إعمالها.» ويتبين ذلك بوضوح أثناء تفريغ جسم مكهرب، لذا فإن مارات اهتم قبل كل شيء بالبحث في موضوع تفريغ الشحنة.
كما استخدم مارات لهذا الغرض أجهزة تحكُّم كانت مستعملة حينذاك، مثل آلة الكهربة. وكان عالم الطبيعيات الألماني <O. ڤون گيركه> (1602-1686) قد صمم أول نموذج لها عام 1660، وبعدها تم تطوير هذا النموذج وصار أكثر مصادر توليد الكهرباء استخداما، وهو يتكون من جزء المسح (قطعة جلد مزودة ببطانة مملغمة) الذي يرتكز على شريحة زجاجية دوارة تشحن نفسها كهربائيا. ويتم بعدها نقل هذه الشحنة، عبر قائمة معدنية، إلى كرة معدنية تختزن الشحنة (موصل)، ثم تفرغها على نحو ملحوظ على شكل شرارات. وكثيرا ما استخدم مارات، بدلا من الموصل، قناني لايدن التي تختزن الكهرباء بشكل أفضل. وابتكر هذه القناني عام 1745 المخترع <J .E. فون كلايست> (1700-1748) وفيلسوف الطبيعيات (من مدينة لايدن) <P. فان موشنبروك> (1692-1761)، كل على حدة.
وسرعان ما رسّخ هذا النموذج الأقدم من المكثفات نفسه جهازا قياسيا في أبحاث الكهرباء، وكان على شكل قنينة زجاجية غطيت من الداخل والخارج برقائق القصدير. وكان يتم شحن الرقيقة الداخلية بوساطة آلة كهربائية، أما الرقيقة الخارجية فكانت توصل بالأرض. وتوفرت للنموذج بذلك قدرة تفوق تلك التي توفرها الكرة المعدنية البسيطة التي كانت تتعرض عند وصل الرقائق إلى تفريغ أكبر.
وفي بعض التجارب قام مارات بتحضير المواد الموصلة من الماء والملح أو من النبيذ الأحمر، وحينذاك قارن بين الشرارات الناجمة وألوانها. ولقد قمنا بإعادة هذه التجارب وسجَّلنا ملاحظاتنا، التي اتفقت إلى حد كبير مع ما جاء في سجله لعام 1782. ومن ناحية أخرى اتضح أن الظواهر التي يمكن مشاهدتها مباشرة لم يكن قد جرى وصفها بدقة. ولم يشكل هذا الأمر بالنسبة إلى مارات أية مشكلة، ذلك أنه كان يُجري تجاربه أيضا على الملأ، الأمر الذي كان دارجا حينذاك، لإثبات صحة النتائج العلمية ودعم مصداقيتها.
ولكن هناك تجارب أخرى للباحث بقيت، حسبما ورد في مخطوطاته، غامضة ومبهمة. فعندما أراد أن يوضح أن الموائع الكهربائية والمغنطيسية ليست متماثلة، كان يقرب إبرة مغنطيسية دوارة من مغنطيس، ثم من قنينة لايدن مشحونة، وكانت الإبرة تتأثر في كل مرة. وعندما وضعت الإبرة في الماء وأعيدت التجربة، لم تتأثر الإبرة بقنينة لايدن، حسب وصف مارات. وقد بدا ذلك في أوله شيئا غير مفهوم، ولكن تكرار الأمر دعا إلى الاعتقاد بأن المكثف يجري تفريغه في الماء. لم تظهر مثل هذه التفاصيل في مذكرات مارات، ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أنه كان يهتم بالظواهر العامة ولم يكن يلقي بالا إلى تفسير الحالات الخاصة أو إلى التفاصيل.
أما المهندس العسكري <A .C. كولومب> (1736-1806) فقد كانت اهتماماته مختلفة تماما، إذ لم يكن يهتم بعدد الموائع الكهربائية وخواصها، بل ركز على وضع وصف رياضياتي للعلاقات الفيزيائية. وأدت إنجازات كولومب في مجال المغنطيسية وسكونية (استاتيكية) البناء إلى اختياره عام 1781 عضوا في أكاديمية باريس للعلوم، وهي الأكاديمية صاحبة الكلمة العليا في جميع فروع العلوم بفرنسا. وبعد مرور ثلاثة أعوام من نشر مارات لأعماله عام 1785، بدأ كولومب بتقديم أعماله إلى الأكاديمية في مجال الكهرباء الساكنة، وكان قد قام بها قبل ما يزيد على ست سنوات ونشرها في ست مقالات.
في المقالتين الأوليين وَصَف كولومب تجربتين، شكلت نتائجهما مبدأ ما يعرف حاليا بقانون الكهرباء الساكنة الأساسي والذي يحمل اسم هذا الباحث.
وفي إحدى التجارب أوضح كولومب أن قوة جذب الكهرباء الساكنة بين شحنتين تتناقص مع ازدياد مربع المسافة بينهما. ولإثبات ذلك ربط نهاية قضيب رفيع من الشيلاك (الّلك)(1) بصفيحة رقيقة من الذهب في حجم قطعة الفينيگ(2). وأوصل بها خيطًا رفيعا غير مغزول من شرنقة يسروع الحرير (دودة القز)، وعلق بوساطته القضيب الصغير على حامل خشبي. وقد وضع كولومب هذا الجزء من الجهاز أمام كرة معدنية كبيرة معزولة كهربائيا.
شكّل مجال القياسات الدقيقة هدفا للعالم <A .C. كولومب>. وقد بحث في قوة الكهرباء الساكنة (الاستاتيكية)، التي تظهرها كرة مستخدمة بالنسبة إلى جسم مشحون شحنة معاكسة (اليمين). ولقد أثبتت محاولة إعادة بناء الجهاز أن تلك عملية بالغة الصعوبة، لعدم توافر المهارات اليدوية اللازمة واختفائها منذ زمن بعيد (اليسار). |
بعد ذلك تم شحن كل من الكرة والقضيب بشكل غير متماثل، مما أدى إلى جذب الكرة للقضيب. ثم قام كولومب، حسبما جاء في مقالته، بربط القضيب بالصفيحة من الجنب، فأدى ذلك إلى تأرجح الصفيحة حول نقطة تعليقها. وحدد كولومب الفترة الزمنية المطلوبة لتأرجح الفتل torsion swinging، والتي كانت تقل مع زيادة قوة الجذب. وكانت هذه القوة بدورها تتناسب مع المسافة بين الكرة والصفيحة. وسجل كولومب ثلاثة أزواج من القياسات، اعتبرها إثباتا كافيا لصياغة قانونه.
وبهذا دخلت تلك التجربة تاريخ الفيزياء وأصبحت تَرِدُ عادة في أدبياته. أما السبب الذي دعا المهندس الفرنسي للاكتفاء بثلاثة قياسات للتوصل إلى استنتاجاته فهو أحد الأسئلة التي أردنا إيضاحها من خلال إعادة التجربة.
لقد تبين أن إعادة البناء عملية صعبة. وبطبيعة الحال توقعت ورشات الجامعة أن تتمكن من إنجاز الحوامل الخشبية، لكن أحدا لم يكن يمتلك المعرفة اللازمة بالمواد والتجهيزات لبناء هذه المنظومة من قضيب الشيلاك وخيوط الحرير وصفائح الذهب الرقيقة. وكان لا بد لمن يريد إعادة التجربة أن يكتسب المهارات التي كان يملكها أسلافه في الماضي ليعرف كيف يمكن سحب خيط من الشرنقة وبطول كاف؟ وكيف يحضّر عصية من الشيلاك؟ وكيف يمكنه أن يلصق بها صفيحة الذهب الرقيقة؟ وبأية طريقة يمكن تقريب العصية والصفيحة من الخيط وضبطهما بحيث يتعلقان بشكل أفقي؟ وكان لا بد من توفر قدر كبير من المهارة للتعامل مع المواد المستخدمة، في حين بقيت هذه القدرات والمهارات طي الكتمان ولم يُشر إليها في الأبحاث التاريخية المنشورة، بل إن أحدا لم يرغب في الحديث عنها وتدوينها بدقة.
تناقضات وأسئلة مفتوحة
يجب ربط الصفيحة بمنتهى الحرص، وإلا انقطع الخيط أو تهشمت الصفيحة الذهبية. ومن أجل تفادي تأثير أي تيار هوائي كان لا بد من التحرك بحرص شديد والتنفس ببطء. لقد عانى كولومب من دون شك هذه الصعوبات، لذا فإن إجراء هذه التجربة في مكان عام لم يكن بأي حالٍ من الأحوال أمرا واردا.
ولإنجاح هذه التجربة كان لكمية الشحنة على الكرة أثر كبير. وكما أظهرت تجاربنا، فإن الشحنة الصغيرة لا تؤدي إلى ظهور تأرجحات ملحوظة؛ أما إذا أصبحت الكرة كبيرة، فإن التأرجحات الالتوائية للبندول تتركز باتجاه الكرة، مما يؤدي إلى عدم القدرة على تحديد مدتها بشكل دقيق.
لقد أمكن معرفة الكثير من الجوانب المتعلقة بإعداد التجربة أو إجرائها وذلك بعد عملية التنفيذ. وهذا ينطبق أيضا على التجربة الثانية التي أشار إليها كولومب بقانون القدرة ـ المسافة المتعلق بالتنافر بين الشحنات الكهربائية المتشابهة. وكان الجهاز الأساسي المستخدم في القياس هو ميزان الالتواء (أو الدوران rotation)، الذي يتكون من خيط رفيع من الفضة يبلغ قطره 0.04 مليمتر، مثبت من طرفه العلوي بما أسماه كولومب مكرومتر الالتواء، وتتدلى منه أسطوانة صغيرة من النحاس. ومن ناحية أخرى ثُبِّت عليه بشكل عمودي على الخيط، قضيب غير موصل للكهرباء يحمل في طرفه كرة من نوع البيلسان. وكانت هذه الكرة تلامس أثناء التجربة كرة أخرى ثابتة.
وإذا ما شحنت الكرتان بشحنة كهربائية متماثلة اصطدمت إحداهما بالأخرى، وهذا يؤدي إلى التواء الخيط. وقد أثبت كولومب من تجاربه السابقة حول قياس الحقل المغنطيسي أو الخاصة بتعيين زاوية الالتواء للخيوط المعدنية، أن الحركة تتطلب قدرة، وهذه تزداد بشكل طردي مع زيادة الزاوية. وعلاوة على ذلك، فقد كان معروفا حينذاك أن قوة التصادم الكهربائي تضعف بزيادة المسافة، وبالتالي كان لا بد من توفير وضع متوازن، تتساوى فيه قوة التصادم وقوة العودة للوضع الأصلي، وهنا تصبح الكرة المتحركة في حالة سكون.
وعندما قام كولومب بلَيّ الخيط مجددا، أدى ذلك إلى التأثير في التوازن؛ إذ اقتربت الكرة الأولى من الأخرى وتأرجحت في وضع توازن جديد. وباستخدام مكرومتر الالتواء أمكن اعتبار زوايا هذه الأوضاع مقياسا لتحديد قوة التصادم وحساب قيمتها. وعلى هذا الأساس، توفرت أزواج من قيم زوايا الالتواء والمسافات، التي شكلت نسبةُ بعضها إلى بعض في كل حالة نسبةَ قوى التصادم إلى المسافات بين كل من الكرتين. وهكذا، فإن كولومب لم يحدد القوى الكهربائية الساكنة بشكل مطلق، بل بشكل نسبي.
ومرة أخرى نشر هذا العالم ثلاثة أزواج من القيم ليدعم صحة قانونه. وكان بإمكانه من حيث المبدأ وباستخدام جهازه، قياس قوى صغيرة جدا تماثل قوة وزن كتلة تبلغ جزءين من مليون جزء من الغرام. ونتساءل: كيف كان بإمكانه أن يكون واثقا إلى هذا الحد؟
وكان تجهيز هذه التجربة، محفوفا بالمشكلات أيضا: فقد استخدم كولومب ـ كقضيب عازل ـ خيوطا حريرية ملبسة بالشيلاك، كما تطلب استعمال خيوط فضية رفيعة ـ كان لابد من لحامها في مسند (ماسك) ـ الكثير من التدريب.
لقد شكل إجراء التجربة مفاجأة بالنسبة إلينا، ذلك أن ميزان الالتواء لم يعطنا أية قيم قياسية تنطبق مع القيم التي لا بد من الحصول عليها حسب قانون كولومب والتي تتناسب فيها القوة عكسيا مع مربع المسافة حسب منطوق القانون. ولكننا بفضل تجهيزة الحجب (الحماية) للشحنة الخارجية التي لم تكن معروفة حينذاك، أمكننا في النهاية قياس قيم ملائمة. وربما كان سبب هذه المشكلة هو الشحنات الكهربائية التي قد تكون عالقة بملابس من يقوم بإجراء التجربة.
لا بد أن كولومب واجه مثل هذه الصعوبات، وهذا يطرح سؤالا حول كيفية حصوله على قيم قياساته. فإذا استبعدنا التزوير المقصود، تبقى أمامنا احتمالات قليلة. فهل تمكّن كولومب، من أخذ احتياطات ـ احتفظ بسريتها ـ مكنته من حل مشكلة الشحن (مثل أن يكون قد أرَّض ملابسه(3) أو أنه أجرى التجارب عاريا)؟ أو أنه يا تُرى اختار بعض القيم التي تتناسب مع تصوراته، بحيث يصبح قانون الكهرباء مماثلا لقانون الجاذبية لعام 1666 الذي وضعه إسحق نيوتن (1643-1727)؟
وفي هذه المرحلة اصطدم تكرار التجربة ببعض العوائق، إذ ليس بالإمكان إعادة تجربة فيزيائية بدقة وموثوقية بعد أكثر من 200 عام. وعلى سبيل المثال تشير مؤرخة العلوم الأمريكية <M. ترمپلر> [من جامعة ييل في ولاية كونيكتيكت الأمريكية] بأنه ليس بالإمكان إعادة تمثيل ملابس كولومب أو باروكته (شعره المستعار) بقدر كبير من الموثوقية. ومع ذلك تشير المصادر المكتوبة إلى أن الشحنات الخارجية (التي قد تنجم عن الشخص الذي يجري التجربة) قد أزعجت كولومب في تجارب أخرى من دون أن يتمكن من الحصول على مساعدة أو العثور على حل لهذه المشكلة.
ونتساءل: لماذا بحث كولومب في الكهرباء الساكنة على الرغم من هذه المشكلات؟ إن وثائق أرشيف أكاديمية باريس للعلوم تدل على أنه في عام 1784، أي قبل بدء هذه التجارب بفترة وجيزة، بحثت الأكاديمية عن أفضل وسيلة تقنية واقتصادية لحماية مخازن البارود من الصواعق. وكان كولومب أحد أعضاء اللجنة المشكلة لهذا الغرض. وهكذا يمكن اعتبار تجاربه برنامجا يهدف إلى حساب الأسس اللازمة لعمل مانع صواعق مثالي.
من قانون الطبيعة إلى القياس الدقيق
وعند إعادة التجربة، فإنها تظهر اليوم في صورة جديدة. وفي الوقت نفسه أصبح واضحا أن مارات و كولومب استخدما طرقا شديدة التباين: إذ رأى مارات أن تفريغ الشحنة هو الوسيلة الأساسية للدلالة، وقد نظمت تجاربه بشكل يجعل نتائجها واضحة للعيان ويمكن إجراؤها أمام الجمهور ليشاهدوها بوضوح؛ إذ كان جل اهتمامه أن يثبت جوهر الكهرباء. أما كولومب فلم يكن مهتما بمثل هذه الأمور، بل إنه أشار إلى أن نتائجه تتساوى سواء نظرنا إليها في ضوء مائع واحد أو مائعين؛ إذ كان الوصف الرياضياتي الكمي هو الأهم بالنسبة إليه. ولهذا السبب قام بإجراء قياساته الدقيقة في أبحاث الكهرباء.
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر استخدم الباحثون بنجاح الوسائل العملية في مجالات علم التحريك (الديناميك) الحراري وفيزياء الطاقة. ومن التجارب الكلاسيكية في هذا المجال التي نجدها في المراجع الفيزيائية تلك التي يطلق عليها اليوم مفعول جول ـ تومسون، وهي أن الغاز الحقيقي ـ الذي يمكن إسالته عند الضغط ـ تنخفض درجة حرارته أو ترتفع، حسب انخفاض أو ارتفاع درجة حرارة البدء عن القيمة المميزة لهذا الغاز. وهذا ما يطلق عليه حرارة الانقلاب، وهي على سبيل المثال بالنسبة إلى الهواء والنتروجين وثنائي أكسيد الكربون أعلى من درجة حرارة الغرفة، في حين أنها أقل من ذلك بالنسبة إلى الهدروجين والهيليوم.
وفي الشهر5/1852 انتقل أستاذ الفيزياء الشاب <W. تومسون> (1824 -1907) من مدينة گلاسگو إلى مانشستر من أجل أن يجري بعض التجارب بالاشتراك مع العالم الهاوي الثري ومالك مصنع التخمير <P .J. جول> (18188-1889). وكان جول قد نشر مبدأ حفظ (صون) الطاقة، وقدم الدليل على ذلك من خلال العديد من التجارب التي أجراها، لكنه لم يكن مقبولا في عالم المختصين، مما دفعه إلى طلب دعم تومسون الذي كان عالما معروفا. وكان أكثر ما يهم جول هو أن يحصل على دعمٍ بسبب خلافه العلمي مع الطبيب الألماني <R .J. ماير> (1814-1878) حول من له الأسبقية في وضع مبدأ حفظ الطاقة، وأراد في التجارب اللاحقة أن يدحض ادعاءات ماير من خلال إثبات بطلان حججه وبراهينه.
لقد استخدمنا في التجارب التي قمنا بإعادتها، مضخة يدوية لدفع الهواء عبر أنبوب أغلقنا طرفه الآخر بسدادة نَفوذ بشكل جزئي، بحيث ينشأ في الأنبوب الذي يسبقه ضغط معين [الصورة في الأعلى]. وكان تومسون و جول قد غمسا الأنبوب الحلزوني في حمام مائي، حتى يكتسب الهواء المدفوع درجة حرارة معينة. وكان يتم قياس درجة حرارة الهواء بعد السدادة المسامية. لقد كانت تقل قليلا عن مثيلتها في الأنبوب.
بعد إعادة تجربة <P .J. جول> و <W. تومسون> لعام 1852، ظهر على الفور أن إجراء هذه التجربة يحتاج إلى شخصين على الأقل. ذلك أن تأمين ظروف تشغيل ثابتة يتطلب أن يتفرغ شخص ما لتشغيل المضخة اليدوية مدة طويلة لتوفير تيار هواء منتظم. |
وعثرنا على أجزاء من الجهاز الأصلي في أحد متاحف مانشستر، مما سهل علينا إعادة بنائه. وكان لا بد لنا من أخذ الحيطة، ذلك أن جول نفسه كان قد استخدم أجزاء من هذا الجهاز في تجارب لاحقة وأجرى عليها بعض التغيير. ومن أجل الدقة في إجراء التجربة كان من الضروري توليد تيار هوائي منتظم بوساطة المضخة اليدوية. ولاحظنا عند إحداث تغيير بسيط في رتابة الضخ حصول تقلبات غير مرغوبة في درجات الحرارة. وقد اتفقت هذه النتائج مع ملاحظة جانبية ذكرها جول وتومسون في بحث نشراه، وقد تحدّثا فيه عن المشكلة نفسها.
ولكن جول وتومسون لم يذكرا في أي موضع، سواء كان ذلك في أبحاثهما المنشورة أو في رسائلهما أو في سجل المختبر، أي شيء عن الزمن اللازم للضخ أو عمن قام بذلك. وأثناء إعادة التجربة بلغت درجة حرارة الهواء المدفوع نقطة ثابتة بعد نحو خمس إلى ست دقائق، مما يوفر قيمة يمكن قياسها بدقة. ولقد ورد في سجل مختبر جول بعض المعلومات عن إجراء التجارب، مما يفيد بضرورة القيام بثمانٍ وأربعين ضخة في الدقيقة، وذلك حتى يصل الضغط في الأنبوب إلى وضع مناسب. وقد اشتملت سلسلة القياسات على ما يصل إلى عشرة قياسات فردية. وبشكل عام، فلا بد من القيام بالضخ المنتظم لما يقرب من الساعة، وهو أمر يحتاج إلى مجهود عضلي كبير.
وكان لا بد أيضا من أن يقوم أحد الأشخاص بتحريك حمام الماء من أجل أن تتساوى درجات الحرارة في الأنابيب، وعلى من يجري التجارب أن يقرأ ميزان الحرارة ومقياس الضغط (المانومتر). وهكذا أظهرت عملية إعادة التجربة أن من المستحيل أن يجري هذه التجربة فرد واحد. ويلاحظ أن تومسون لم يمض في مانشستر خلال الشهر5/1852 سوى عشرة أيام، وبعدها نشر جول تفاصيل هذه التجربة ونتائجها. ويشير سجل المختبر إلى أن جول قام بعد ذلك التاريخ بتجارب عديدة في المجال نفسه، وأنه تبادل الرسائل مع تومسون حول الموضوع نفسه بعد رجوع الأخير إلى مدينة گلاسگو. وهنا يبرز هذا السؤال: من قام بالتجارب في قبو منزل جول الذي يحمل رقم 1 في الميدان أكتون؟
يُعتقد أن جول قد اقتصر دوره على قراءة ميزان الحرارة ومقياس الضغط، وهو الأمر الذي كان يعتبر حينذاك الدور المركزي الذي ينبغي أن يؤديه القائم على التجربة. ولا بد أن نشير إلى أن جول كان يعاني منذ طفولته علة في ظهره، مما يجعله عاجزا عن القيام بعملية ضخ الهواء المرهقة. وهكذا، فلا بد أن شخصا واحدا على الأقل قام بمساعدته، وإن كان هذا الشخص حتى الآن غير معروف الهوية، وقد يكون أحد موظفي منزل جول أو عاملا في مصنع التخمير الذي تمتلكه العائلة.
وفيما يتعلق بهذا الأمر، هناك فرق واضح بين مختبر جول الخاص ومختبر أبحاث تومسون التعليمي في الجامعة. فبينما يتوفر في مختبر الأخير طلبة يقومون بالمساعدة ومساعد دائم في المختبر، فإن مثل هذا الأمر لا يتوفر في مختبر جول حسبما تدل مصادر المعلومات والوثائق الموجودة، مع أن تكرار التجربة أوضح بشكل جلي أن إجراء هذه التجربة يتطلب وجود مساعدين في المختبر. وحينما سأل تومسون جول في ربيع العام نفسه، إن كان ينبغي أن يوفر مساعدا لهما في المختبر، رفض جول هذه الفكرة، مدعيا أن هذا ليس ضروريا. ويبدو أنه نظّم العمل في مختبره على نمط العمل في مصنع التخمير، ويستدل على ذلك من رسالة بعث بها إلى تومسون أخبره فيها عدم رغبته في تعيين مساعد متفرغ في المختبر.
لقد كان هذا أيضا سببا في أن جول وتومسون قاما، بعد عام 1852، بإجراء التجارب باستخدام أجهزة أضخم، واستخدما في ذلك آلة بخارية لتشغيل مضخة الهواء، من أجل الحصول على تيار هوائي أكبر وأكثر تجانسا. ولكن النتائج التي حصلا عليها من الآلة كانت أسوأ من تلك التي حصلا عليها من خلال الاستعانة بالمساعد المجهول. ذلك أنه باستخدام تلك الآلة كان لا بد من تشغيلها مدة ساعة ونصف إلى ساعتين حتى يستقر الضغط في الأنابيب، وبالتالي يمكن أخذ القياسات الأولى.
وبدراسة ما ورد في سجل المختبر حول عدد الضخات في الدقيقة، يمكن استنتاج بعض التفاصيل الأخرى المتعلقة بالتجربة، وبخاصة حول السدادة المستخدمة. فقد استعمل جول في البداية صنبورا مغلقا تقريبا، وبعد ذلك استخدم قطعة من الجلد. وبما أنه لم يحصل على أية نتائج مُرْضية باستخدام الصنبور، فقد ركزنا في تجاربنا على البحث عن نوع مناسب من الجلد.
السدادة بيت القصيد
في تجاربنا، قمنا باستخدام ثلاث قطع مختلفة من الجلد. وحصلنا على أفضل النتائج باستخدام قطعة جلد تتناسب فتحات مساماتها مع تلك التي استخدمها جول إلى حد كبير. ولذا، اعتقدنا أن هذا العالم قد أعطى هذه الخاصية اهتماما أكبر، مع أننا لم نجد في التصاميم المكتوبة أي شيء حول هذا الموضوع. ومن الواضح أن درجة نفاذية المادة التي اختارها جول قد حققت الحل الوسط الأمثل بين متطلبين متعاكسين؛ أولهما الوصول إلى معدل ضخ مناسب للحصول على ضغط مرتفع في الأنابيب، والآخر التوصل إلى تيار هوائي منتظم يكون قريبا ما أمكن من خلف السدادة. وظهرت أهمية السدادة كذلك من أن جول وتومسون، في تجاربهما اللاحقة، كانا يجريان عليها بعض التغييرات.
ومن الطبيعي أن طريقة قياس التغيرات البسيطة في درجات الحرارة باستخدام ميزان حرارة مناسب، إضافة إلى موضع هذا الميزان، كانت تؤدي دورا مهما في موثوقية التجربة ودلالة نتائجها. وكان بناء التجربة يفرض بعض القيود بالنسبة إلى ميزان الحرارة؛ إذ كان ينبغي على الأقل ألا يتجاوز قطر نهايته السفلى أربعة مليمترات، حتى يمكن إدخاله في الأنبوب الضيق. وتجدر الإشارة إلى أن جول وتومسون لم يذكرا في أبحاثهما المنشورة سوى القليل عن التجهيزات المستخدمة.
كان ميزان الحرارة الذي استخدمناه يختلف اختلافا مهما عن ذلك الذي استخدمه جول، إذ كان يحتوي على كمية أكبر من الزئبق، ويعود ذلك إلى أن الخزان كان أسطوانيا وليس كرويا. ولقد تبين أن لذلك فائدة، إذ صار ميزان الحرارة أقل حساسية تجاه التقلبات الصغيرة لتيار الهواء الناجمة عن الزمان والمكان.
وقد اتفقت القياسات التي حصلنا عليها من إعادة التجربة مع النتائج النظرية المتوقعة. وعلى العكس من ذلك، فإن جول وتومسون لم يكونا سعيدين بنتائجهما التي حصلا عليها في صيف عام 1852. وفي الحقيقة فقد اعتقدا جازميْن بأنهما أثبتا أن الهواء يبرد نتيجة تخفيف الضغط، ولكنهما لم يتمكّنا من التوصل إلى اتفاق عملي كمي مع توقعاتهما النظرية، مما يدل على أنهما كانا على خطأ، وذلك ما اكتشفاه بنفسيهما بعد عام. ولكن نتائجهما كانت تشير أيضا إلى أن ميزان الحرارة الذي استخدماه كان حساسا للتقلبات البسيطة في تيار الهواء.
ولا بد، عند التحليل التاريخي للتجربة، من معرفة منشأ الأجهزة والأدوات المستخدمة. ففي عام 1852 لم يكن أمام جول إلا أن يشتري ميزان الحرارة الذي استخدمه، في حين أنه كان يمتلك جميع التجهيزات الأخرى. كما استعان جول قبل ذلك بصانع الآلات المعروف حينذاك <B .J. دانسر> (1812-1887). وأغلب الظن أن جول قد استعان به مرة أخرى. وكان تحضير التجهيزات وصناعة الأدوات يمثل جانبا بسيطا من الصناعات اليدوية القائمة في المدينة الصناعية مانشستر. ولقد اتضحت أهمية توفر المصادر المحلية للأدوات، حين تمكن جول وتومسون عام 1853 من إجراء التجربة باستخدام أدوات تديرها الآلات. وحتى يتوفر ذلك كان لا بد من توفر المهندسين المؤهلين والفنيين والعمال اليدويين، وهو ما كان متوافرا بالفعل في مدينة صناعية مثل مانشستر. ولقد تراجع دور دانسر، ولا سيما بعد أن أحضر تومسون معه أجهزة القياس من باريس. وفي نحو عام 1850 بدأ مرصد كيو Kew في لندن بإنتاج ما يسمى ميزان الحرارة المعياري. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 1872، أكد جول بأن كل عالم بحث في مجال الحراريات كان لديه ميزان حراري مصنوع في تلك المؤسسة. وهنا أيضا يمكننا أن نرى كيف أن فكرة القياس الموثوق أصبحت الهدف النموذجي للبحث الفيزيائي، مما يمكن من معايرة التجهيزات وضمان صحة القياسات.
هناك وجهات نظر مختلفة حول أعمال كولومب، ويتعلق الأمر هنا بوضع قانون يسمح باستنتاجات كمية، ذلك أن جول وتومسون عمدا عند تقديم نتائجهما إلى اختيار القياسات التي تتفق مع توقعاتهما النظرية، بما في ذلك النتائج التي حصلا عليها عند بداية عملهما في المشروع والتي جاءت ـ على أقل تقدير ـ مخيبة لآمالهما.
إن الباحثين في مجال الفيزياء يصبحون أبطالا في حقل تاريخ الفيزياء، إذ نجد أدواتهم وسجلات مختبراتهم ورسائلهم المتبادلة محفوظة في المتاحف وسجلات التاريخ (الأرشيف). ولكن طريقة إجرائهم للتجارب لا تصل بالتأكيد إلى الأجيال التالية. ومن هنا فإن إعادة تجاربهم تفتح من جديد مجالات في السياق التاريخي الاجتماعي، وتسهم في تطور المعرفة في مجال العلوم الطبيعية، ويمثل هذا إضافةً مهمة إلى الطرق المتبعة في كتابة تاريخ العلوم.
وحينما ينتهي تحليل إحدى التجارب، يصبح بالإمكان الاستفادة من إعادة بنائها في مجالات عدة، مثل دراسة الفيزياء في المدارس والجامعات. أما الدروس المستخلصة من التاريخ فيمكن أن تخدم المعرفة الفيزيائية والتدريبية، وتوضح الدور العلمي للفيزياء. وبالنسبة إلى غير الخبراء في هذا المجال، فإن إعادة التجربة تؤمن لهم مدخلا جديدا للفيزياء. كما أن الأجهزة والأدوات الأصلية المحفوظة في خزائن المتاحف الآمنة ـ لما لها من قيمة وخصوصية تاريخية ـ توفر للزائرين والزائرات الذين يقصدون هذه المتاحف فرصة إعادة بناء هذه التجهيزات واكتساب مهارات تجريبية مهمة.
المؤلفون
Peter Heering – Falk Riess – Christian Sichau
حصل هيرنگ (في اليسار) على الدكتوراه في مجال قانون كولومب من قسم الفيزياء بجامعة كارل فون أوسيتسكي في أولدنبرگ. وريس (في الوسط) يُدرّس الفيزياء وأصول تعليمها بقسم الفيزياء المذكور ويشرف على المجموعة المسؤولة عن أصول التعليم الجامعي وتاريخ العلوم في الجامعة نفسها. أما سيشاو فيبحث بالجامعة في تاريخ علم التحريك (الديناميك) الحراري في القرن التاسع عشر.
Spektrum der Wissenchaft, Dezember 1999
إحدى أخوات “مجلة العلوم” الإحدى عشرة التي تُتَرْجِم ثلثي محتويات المجلة الأم “ساينتفيك أمريكان”.
مراجع للاستزادة
Literaturhinweise
Jean Paul Marat: Scientist and Revolutionary. Von Clifford D. Connor. Humanities Press, Atlantic Highlands (New Jersey), 1997.
Das Grundgesetz der Elektrostatik,. Von peter Heering. DUV. Wiesbaden, 1998.
Welt erforschen – Welten konstruieren: physikalische Experimenticrkultur vom 16. bis zum 19. Jahrhundert. Von peter Heering (Hg.) Isensee, Oldenburg. 1998.
(*)Historische Experimente auf dem prÜfstand
(1) نوع من الراتنج.
(2) الفلس الألماني، وهي عملة تساوي 1/100 من المارك الألماني (التحرير)
(3) أي وصلها بالأرض. (التحرير)