رعاية لقارة تُحْتَضَر
رعاية لقارة تُحْتَضَر(*)
في زمبابوي ـ حيث يقتل الإيدز جيلا من البالغين
في مقتبل حياتهم ـ يناضل الموجِّهون والباحثون
ضد العادات الاجتماعية واليأس ومراوغة الڤيروسات.
<C. إزل>
إن عائلة گومبدزا واحدة من 107 أُسَر تتكون من أطفال يتامى يعيشون في ناحية منعزلة ضمن مارونديرا، وهي مدينة يقطنها نحو 000 50 نسمة وتبعد 75 كيلومترا (47 ميلا) عن هراري عاصمة زمبابوي. مات الوالدان بسبب الإيدز؛ وجدتهم التي كانت ترعاهم بعد موت والديهم ماتت أيضا قبل عهد قريب. وهم الآن يعيشون في منزل من دون ماء أو كهرباء، في رعاية خالة غير متزوجة عمرها 30 سنة، لا تعمل ولديها ابنة عمرها ثلاث سنوات. إن عدد اليتامى في زمبابوي ـ الدولة الواقعة في إفريقيا الجنوبية التي يقارب عدد سكانها عدد سكان ولاية پنسلڤانيا (12 مليونا) ـ يزداد بمعدل 60000 كل عام، وفقا لما تقوله <S. پاري> [من اتحاد دعم اليتامى]. وبهذا المعدل، كما تُقدِّر، سيكون في زمبابوي 1.1 مليون يتيم بحلول عام 2005. والوضع متشابه ورهيب في أمكنة كثيرة من سائر إفريقيا، وهذا يعني أن جيلا كاملا تقريبا سيكبر يتيما من دون والدين. |
تجلس <مليسنت تيگيري> على حافة الأريكة مترقبة، وقد طوت يديها في حجر تنورتها السوداء البسيطة. عمر مليسنت 20 عاما، وهي متزوجة منذ سنتين ولديها طفلة عمرها عام واحد، تشدها الآن على ظهرها بمنشفة من القماش الوبري الأبيض. لقد مات أحد أقربائها قبل عام، وتشك أن السبب كان الإيدز. حضرت مليسنت إلى العيادة اليوم لتعرف ما إذا كانت هي نفسها لها مستقبل ـ أم أنه كتب على طفلتها أن تصبح يتيمة مثل العشرة ملايين الآخرين في قارة إفريقيا.
تعيش مليسنت في إحدى ضواحي هراري، عاصمة زمبابوي وهي إحدى دول إفريقيا الجنوبية. يعمل زوجها، البالغ من العمر 26 عاما، أمينا للصندوق في مصرف ـ وهو عمل جيد، إذا أُخذ في الاعتبار معدل البطالة في الدولة والذي يبلغ نحو 50%. تتكلم مليسنت الإنكليزية قليلا، وهي اللغة الرسمية لزمبابوي، لكنها تفضل أن تكون جلسة الإيدز الإرشادية بالشونا Shona، وهي لغة قبيلتها.
أما <Ch. موياكا> (موجِّهة مليسنت) فهي إنسانة عطوف في الأربعينات من العمر ترتدي نظارة وعيناها بنيتا اللون كبيرتان. تتضح خبرتها السابقة كمعلمة من خلال إرشادها مليسنت لملء الاستبيان الأوّلي الذي يمهد لفحص دمها لڤيروس العوز المناعي البشري (HIV) المسبب للإيدز AIDS.
هل تعرف مليسنت كيف ينتشر ڤيروس الإيدز؟ إنها تدرك تماما أن ممارسة الجنس من دون وقاية والتشارك في الإبر تحت الجلدية hypodermic needlesوالولادة، هي الطرق الرئيسية التي ينتقل من خلالها الڤيروس HIV.
هل مارسَت الجنس مع أي شخص آخر غير زوجها؟ تهز رأسها بالنفي. هل مارس زوجها الجنس مع نساء أخريات؟ «لا أظن ذلك،» تجيب وهي تضحك بعصبية.
هل فكرت فيما يحدث إذا كانت نتيجة اختبارها إيجابية؟ تتلاشى ابتسامتها. ثم تتوقف برهة لتتناول أحد جوربي طفلتها النائمة، وترفعه إلى أعلى قبل أن تجيب «سأنزعج إذا كانت إيجابية، لأن زوجي سيطلقني، وسأقلق بشأن الرضاعة الطبيعية.» وتعلن مع ذلك، أنها تنوي إطلاع زوجها على نتائج اختبارها.
وعلى الرغم من أن مليسنت تقول إنها وزوجها لم يستعملا الرفالات condomsمطلقا لأنها تأخذ حبوب منع الحمل، فهي توافق على مناقشة استخدام الرفال مع زوجها قبل عودتها بعد أسبوعين لتتسلم نتائج اختبارها للڤيروس HIV. أخذت مليسنت اثني عشر رفالا مجانيا، لأنها تقول إنها وزوجها يمارسان الجنس كل ليلة تقريبا. ثم تغادر غرفة الاستشارة إلى غرفة الفحص في العيادة لأخذ عينة من دمها.
قُدِّر للإيدز أن يغير التاريخ في إفريقيا ـ بل في العالم ـ إلى درجة
لم تشاهد في ماضي البشرية منذ الموت الأسود.
إن فرص خلو مليسنت من العدوى بالڤيروس HIV ليست جيدة؛ إذ يقدِّر البرنامج القومي للتنسيق ضد الإيدز (NACP) في زمبابوي أن ما بين 20 و 25 في المئة من السكان يحملون الڤيروس وحينما أسير في شوارع هراري، لا يفارقني الاحتمال بأن واحدا من كل أربعة أشخاص أقابلهم مصاب بڤيروس الإيدز. إن شبح الڤيروس HIV يبدو في كل مكان: على سائق التاكسي الذي قادني إلى موعدي الأول هذا الصباح؛ على نادلي في الليلة السابقة؛ على بائعة الذرة المشوية على جانب الطريق؛ وعلى رجل الأعمال الخارج من سيارته المرسيدس.
لقد جئت إلى زمبابوي لأنها إحدى أفضل الدول الأسوأ وضعا من حيث انتشار الإيدز. وكما هي الحال في الدول الإفريقية الأخرى الواقعة جنوب الصحراء، فإن مشكلة الإيدز هنا وخيمة لدرجة يعجز مصطلح «أزمة» الشائع الاستعمال عن التعبير عنها. لقد قدر للإيدز أن يغير التاريخ في إفريقيا ـ بل في العالم ـ إلى درجة لم تشاهد في ماضي البشرية منذ الموت الأسود(1). بيد أن زمبابوي ـ بخلاف بعض الدول الإفريقية الأخرى ـ لا يمزقها العنف القبلي. وإذا قدر لأي «تدخل سلوكي» behavioral intervention ضد الإيدز أن ينجح في إفريقيا، فإن إحدى أفضل فرص نجاحه ستكون هنا بالذات.
مستودع مكدس من الأرض إلى السقف بصناديق رفالات ذكرية تحوي مددا يكفي الدولة كلها 4 أشهر، وفقا لقول أمين المخزن <R. سابمبا> (الجالس). تُمنح الرفالات أساسا من المملكة المتحدة، وتوزع من مستودع هراري هذا على العيادات بوساطة المجلس القومي لتنظيم الأسرة بزمبابوي. ومع أن الرفالات متوافرة من دون أي مقابل مادي فإن كثيرا من الرجال مازالوا يرفضون استعمالها. |
لكن معدل إصابة واحد فقط من كل أربعة زمبابويين بالڤيروس HIV يحتمل أن يكون تقديرا متفائلا، إذا أخذنا بعين الاعتبار قلة البيانات والنزوع إلى تمني الأفضل. فالمعدل يستمد من عينات الدم التي تجمع بصفة دورية من الحوامل اللاتي يراجعن اثنتي عشرة عيادة توليد في أنحاء الدولة ـ وهو نظام تعترف بعدم دقته حتى <E. ماروا>، مديرة البرنامج القومي للتنسيق ضد الإيدز.
ويرى العاملون في العيادة التي راجعتْها مليسنت أن معدلات العدوى بالڤيروس HIV أعلى بكثير؛ إذ إن نحو 400% من النساء اللاتي يحضرن للاستشارة والخضوع للفحص بحثا عن الڤيروس HIV كن إيجابيات، وفقا لإخصائية الوبائيات <S .N. پاديان> [من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو]. وتتعاون پاديان مع <M .Z. تشيرنجي> و <T. تشيپاتو> و<M. مبزڤو> [من قسم التوليد وأمراض النساء في جامعة زمبابوي] في دراسات لإيجاد طرائق تمنع انتشار الڤيروس HIV الذي ينتقل في إفريقيا بشكل رئيسي عبر ممارسة الجنس مع الجنس المغاير hetersexual sex ومن الأم إلى وليدها. ومثل الكثير من باحثي الإيدز الآخرين، تركز هذه المجموعة على النساء بدلا من الرجال، لأن النساء معتادات على مراجعة العيادات أثناء الحمل ومن أجل الحصول على وسائل تنظيم النسل. ويستهدف بحثهم الحفاظ على النساء في سن الإنجاب، اللاتي لم يصبن بالعدوى بعد، وعلى أسرهن بمنأى عن الإصابة.
ولأن المتطوعات للتجارب ـ اللواتي يزيد عددهن على 000 10 ـ يجب تقصي الڤيروس HIV لديهن، فإن الباحثين يجمعون أيضا بعض أكثر البيانات وثوقية عن «معدل الحدوث الحقيقي» true incidence للعدوى بالڤيروس HIV في زمبابوي، الذي يعتقد أنه نموذج للمعدل في إفريقيا الجنوبية.
بيد أن الوضع بالنسبة إلى كثير من النسوة متأخر جدا؛ إذ تدوّن بيانات كل من تحضر إلى العيادة في سجل ضخم. وعندما تصل نتائج اختبارات الڤيروسHIV السرية، تكتب النتائج السلبية بالحبر الأسود والنتائج الإيجابية بالحبر الأحمر. وفي كثير من صفحات السجل يطغى الحبر الأحمر على الأسود.
في مجتمع الإيدز
لو كان الڤيروس HIV مخلوقا مفكرا قادرا على تصميم الشروط المثلى لازدهاره، لما استطاع أن يستنبط موقعا أفضل من زمبابوي ـ ومعظم إفريقيا في الواقع. وإذا نحينا جانبا الفقر ونقص الرعاية الصحية العامة الناتجين من التضخم والبطالة المتفشيين، فإن الخصائص الثقافية لزمبابوي فيها مكامن ضعف أخرى يمكن للڤيروس HIV أن يستغلها. أولاها، أنه مجتمع يهيمن عليه الرجال وتعدد الزوجات، لدرجة أن شخصيات المسلسلات الهزلية حاليا يطلقون النكات حول أي الزوجات سيبيتون معها في ليلة ما. ثانيتها، وكما هي الحال في كثير من الدول الإفريقية الأخرى، يأتي كثير من الرجال الزمبابويين إلى المدن للبحث عن عمل تاركين زوجاتهم وأطفالهم في القرى التي لا يرجعون إليها إلا مرتين أو ثلاثا في الشهر، وفقا لقول <Ch. موزنگيزي> [مديرة شبكة دعم النساء والإيدز (WASN)]. وأثناء وجودهم في المدينة، يزور الرجال أحيانا مومسات أو يتخذون لهم عشيقات، قد تعاشر كل منهن عدة رجال يشتركون في إعالتها: واحد يدفع الإيجار وآخر يشتري البقالة… وهكذا. وقد تضطر بعض الزوجات الباقيات بالقرى أحيانا إلى بيع الجنس أيضا، وبخاصة قبيل حلول موعد سداد الرسوم لمدارس أطفالهن.
يمضي <والتر مُتسمبا> (ذو الست سنوات) الأيام الأخيرة من حياته القصيرة في تكية الإيدز ذات الستة عشر سريرا التابعة لمنظمة في هراري تدعى ماشامبانزو، وترجمتها على وجه التقريب «فجر يوم جديد» وحرفيا «عندما تنزل الأفيال إلى النهر لتشرب وتغتسل». ماتت أم والتر ثم أبوه بسبب الإيدز في عامي 1997 و 1998 على التوالي. وفي عام 1998 كان في ماشامبانزو، التي تديرها راهبات كاثوليكيات، 159 مريضا من جميع الأعمار. تقول الأخت <M. ماك ألن> «من الأمور المهمة مساعدة الناس أن يموتوا بكرامة.» |
وأثناء رحلة بالسيارة داخل هراري في أحد الأيام، يخبرني رودلف ـ وهو سائق تاكسي له زوجة وسبعة أطفال في إحدى المناطق الريفية ـ أن معظم أصدقائه لهم عشيقات ويطلق عليهن زوجات المدينة. ويضيف رودلف «يقول البعض إن أفضل شيء أن [يكون لك نساء أخريات و] تستعمل الرفالات.» ولكن رودلف، الذي يرفض ذكر كنيته، فَقَد أخا وابن أخ وبنت أخ بسبب الإيدز. ثم يقول «لا أريد أن تكون لي صلات مع نساء أخريات؛ إني أقتصر على زوجتي فقط. كلما أحسست بطول المدة، سأذهب لأرى زوجتي. أحب أن أتحكم في نفسي وأن أدع زوجتي تقوم بالواجب [الجنسي].»
من الصعب التأكد مما إذا كان أشخاص مثل رودلف ومليسنت يقولون الصدق؛ فالناس في كل مكان يكذبون أحيانا عندما يتحدثون عن سلوكهم الجنسي. فعندما سألتُ الممرضة المسؤولة عن العيادة التي تُجرى فيها دراسات تشيرنجي وتشيپاتو وپاديان، عما إذا كان العديد من المومسات أو العشيقات يترددن على العيادة، أجابتني: من الصعب تقرير ذلك. فمثل هذه العلاقات قد تستمر سنوات، وعادة ما تعتبر النساء أنفسهن زوجات. ولا يحتمل أن تعترف امرأة صراحة أنها تبيع الجنس عندما تكون في حاجة ماسة إلى المال؛ ثم تعلق تلك الممرضة «كل النساء يقلن إنه كان لهن شريك [جنسي] واحد خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.»
إن العادات الجنسية والصحية في إفريقيا الجنوبية تسهم أيضا في زيادة معدلات العدوى. فمن المألوف أن تستخدم النساء أصابعهن أو قطعا من القماش أو الورق أو القطن لمسح جدران المهبل قبيل الجماع مباشرة أو أثناءه لإنجاز ما يدعى الجماع الجاف dry sex الذي يستحسنه كثير من الرجال. كما تلجأ بعض النسوة إلى إدخال منظفات أو مواد يحصلن عليها من معالِجين شعبيين ـ مثل الأعشاب، وفي أحوال نادرة التراب الذي بالت عليه القرود من النوع الرباحbaboon ـ لإحداث تفاعل التهابي يؤدي إلى جفاف المهبل وتدفئته وتضييقه.
في عدد الشهر 2/2000 من مجلة الأمراض المعدية Journal of Infectious Diseasesذكر <J. ويگرت> ـ الذي يعمل الآن في مجلس السكان بمدينة نيويورك ـ أن النساء اللاتي يلجأن إلى مثل تلك الممارسات يكون الإخلال بالتوازن الطبيعي للبكتيريا النافعة healthy bacteria في مهابلهن أكثر احتمالا منه لدى غيرهنّ. ومعروف أن مثل هذا الإخلال يجعل المهبل أكثر قابلية للإصابة بالعدوى التي تنتقل عن طريق الجنس. كما يعمل الجماع الجاف لصالح الڤيروس HIV، لأنه يزيد احتمال تمزق الرفالات. إضافة إلى ذلك، فإنه يؤدي إلى تمزقات مكروية (مجهرية)microtears في جدران المهبل يستطيع الڤيروس HIV أن يجد من خلالها مدخلا أسرع إلى مجرى الدم.
يخبرني الطبيب تشيرنجي، وهو رجل جذاب يرأس قسم التوليد وأمراض النساء، أنه يصعب تحديد نسبة النساء اللاتي يلجأن لتلك الممارسات المهبلية. ويضيف «إنهن يخجلن من مناقشة هذا الموضوع. ولكن المحتمل أن ربعهن أو ثلثهن يلجأ إليها.»
ويشير مسح حديث ـ يدعى مشروع الأصوات والاختيارات Voices and ChoicesProject ـ لمئتي امرأة إيجابية للڤيروس HIV في زمبابوي، إلى أن النسبة المئوية يمكن أن تكون أعلى من ذلك. فقد وجدت مديرة المشروع <C. ماپوشير> [من المجلس العالمي للنساء] أن 50% من النساء اللاتي أجرت عليهن دراستها يغسلن مهابلهن بالماء والصابون قبل ممارسة الجنس. وأن 20% أخريات يستعملن منظفات منزلية، وأن 17% يولجن أعشابا. وتضيف ماپوشير «كلهن يستعملن شيئا ما.» وقد صدمتُ عندما علمتُ أن 67% يتألمن أثناء الجماع. إن نصف هؤلاء اللاتي يتألمن مصابات بأمراض تنتقل جنسيا أو بالتهابات في الحوض يمكن أن تنشأ من الإصابة بنوبات متكررة من الأمراض التناسلية؛ في حين يعزو النصف الآخر تألمهن إلى تعرضهن للقسر من قبل شركائهن، أو إلى استعمالهن الأعشاب لإنجاز جماع جاف.
فني المختبر <T. نياموريرا> واختصاصية الوبائيات الأمريكية <S .N. پاديان> يراجعان السجل الذي تُدون فيه أسماء النساء اللاتي حضرن إلى عيادتهما في هراري من أجل اختبارهن لڤيروس العوز المناعي البشري (HIV)، المسبب للإيدز. إنهما يكتبان النتائج السلبية باللون الأسود والإيجابية بالأحمر. السجل مملوء باللون الأحمر: إن نحو 40 في المئة من النساء اللاتي جرى تقصيهن مصابات بالعدوى. |
وإذا كانت النساء البالغات يواجهن صعوبات في تقليل مخاطر إصابتهن بالعدوى بالڤيروس HIV، فإن الأمر أصعب بالنسبة إلى الشابات بسبب ظاهرة «الأب العطوف» sugar daddy: الرجال الأثرياء كبار السن الذين يسعون إلى ممارسة الجنس مع المراهقات. والمال الذي يدفعه الآباء العطوفون لهؤلاء المراهقات يكون أحيانا مصدرا مهما لدخل أسرهن. ويعرِف الرجال أن احتمال أن تكون الفتيات قد مارسن الجنس من قبل ـ ومن ثم تعرضن للڤيروس HIV ـ أقل منه لدى النساء الأكبر سنا. كما أن بعض الرجال يعتقد أن ممارسة الجنس مع عذراء يمكن أن يشفيه من العدوى بالڤيروس HIV أو الإيدز. ووفقا لموزنگيزي [مديرة الشبكة WASN] فإن معدل العدوى بالڤيروس HIV بين المراهقات في المرحلة بين15-20 سنة يساوي خمسة أضعاف المعدل بين المراهقين في نفس الفئة العمرية، وهذا يدل على أن الشابات لا بد أن يكن أصبن بالعدوى من رجال أكبر سنا.
إن الرفال الذكري هو أفضل وسيلة معروفة لإيقاف انتشار الڤيروس HIV، بيد أن التفاوض بشأن استعمال الرفال يتطلب براعة وحذرا من معظم النساء الزمبابويات، ولا سيما الزوجات. فليس الأمر ببساطة مجرد عودة الزوجات إلى بيوتهن حاملات بعض الرفالات والطلب إلى أزواجهن أن يستعملوها. يقول إليوت [وهو موجه إيدز في الأربعين من العمر ومصاب بالمرض] «إذا جاءت زوجتي بفكرة ما من هذا القبيل، فهي إنما تقلل من قدري،» ويضيف: الرجال «يغضبون» إذا اقترحت الزوجة شيئا ما، لأنه من المفروض ضمنا أن يكون الرجل قد فكر فيه أولا. كما يستاء الرجال عندما تطلب إليهم زوجاتهم استعمال الرفالات.
عقبات تواجه استعمال الرفال
حتى الآن، فإن نحو نصف عدد النساء اللاتي شاركن في دراسة تقبّل الرفالcondom acceptability study ـ التي أجريت من قبل تشيرنجي وپاديان والممولة من المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) ـ استطعن إقناع أزواجهن باستعمال الرفال، لأن الموجهات مثل موياكا يعملن مع النساء لاستنباط «سيناريوهات» يستطعن استخدامها لإقناع شركائهن. كما يشرحن لهن الطريقة الصحيحة لاستعمال الرفال الذكري على نموذج خاص بذلك.
أربعون في المئة تقريبا من النساء اللاتي راجعن العيادات من أجل
الاستشارة والاختبار للإيدز ثبت أنهن إيجابيات.
وإذا استمر عجز امرأة عن إقناع شريكها باستعمال الرفال الذكري، تُقدَّم لها في الزيارة التالية خيارات أخرى، مثل الرفالات الأنثوية female condoms، ويتم تدريبها على كيفية استعمالها على نموذج من البلاستيك للفرج والمهبل. يتكون الرفال الأنثوي أساسا من غمد بلاستيكي له حلقتان بلاستيكيتان لدنتان عند كل طرف. يتم إدخال الحلقة الصغرى ـ وهي الموجودة عند الطرف المغلق للغمد ـ فوق عنق الرحم، بحيث يبطن الغمد جدران المهبل، ويبقى الطرف المفتوح للغمد والحلقة الكبرى خارج الجسم.
<B. ماندير> حضرت إلى عيادة هراري مع طفليها التوأمين لإجراء اختبار HIV ولتناقش مع المستشارة <E. تشيتييو> كيف تقلل من فرص إصابتها بالعدوى. إذا ثبت أنها سلبية فسيقدم لها رفالات مجانية وسيتواصل إرشادها ضمن تجربة سريرية تدرس أفضل الطرائق لمساعدة النساء على إقناع شركائهن باستعمال الرفال. أما إذا كانت إيجابية فستحال إلى المنظمات المحلية المختصة بالمصابين بالڤيروس HIV. ولأن هذه المنظمات لا تستطيع توفير العقاقير المضادة للڤيروس فهي لا تقدم لمراجعيها إلا المواساة والنصح الغذائي. |
ومع أن البيانات النهائية لم تتوافر بعد، فإن الرفال الأنثوي «في الحقيقة لم يلق بعد الإقبال الذي كنا نأمله،» تعلق <G. خومالو-ساكوتكوا> [كبيرة علماء الاجتماع في مشروع التعاون بين جامعتي كاليفورنيا وزمبابوي]. وتضيف: كثير من النساء يكرهن الرفال الأنثوي الذي تقدمه العيادة مجانا لأنهن يدعين أنه قبيح الشكل وغير طبيعي وقد يحدث صريرا أثناء الممارسة الجنسية.
والرفال الأنثوي غال أيضا. تقوم الحكومة البريطانية بالتبرع لزمبابوي بمعظم الرفالات الذكرية الرخيصة التكلفة نسبيا والتي يمكن الحصول عليها مجانا من أي عيادة أو مقابل ثمن زهيد من جميع أنواع الدكاكين طبقا لبرنامج تسويقي مدعوم. وفي المقابل، لا تستطيع سوى عيادات قليلة توفير الرفالات الأنثوية مجانا، مع أن منظمة خدمات السكان الدولية Population ServicesInternational (إحدى منظمات العون) بدأت برنامجا تضمن بيع كل رفالين أنثويين بأقل من 100 سنتات أمريكية.
المعالِجة الشعبية <G. شهيور> تمسك ظرفا يحوي مسحوق قلف شجر أحمر، وتوصي مرضى الإيدز برشه على طعامهم من الثريد لمعالجة الإسهال. تقول شهيور إنها تستقبل يوميا 10 –20 مريضا ـ معظمهم مصابون بالإيدز ـ في رواق منزلها الأسمنتي الحديث. يوجد عند قدميها سلة ممتلئة بأظرف ومرطبانات: جذور حمراء لإيقاف فقد الوزن، أعشاب لمقاومة التدرن والسلاق (القُلاع)(2) thrushh، ومسحوق آخر لألم الصدر. وتعلن «إنها هدية من أسلافي، فجدتي كانت معالجة عظيمة. وهي تزورني في الحلم الآن وتخبرني بما ينبغي عمله.» وتقدر <L. فرانسس> ـ المولودة في أمريكا، والإيجابية لڤيروس HIV والتي أسست جماعة دعم للإيدز في هراري تدعى المركز The center ـ أن 60% من زبائنها يذهبون للمعالِجين الشعبيين للتخلص من أعراض الإيدز. تقول إنها هي نفسها تأخذ مسحوق قلف الشجر ـ الذي تسميه المعالِجة «سكّر» ـ للإسهال الذي تسببه العدوى بالڤيروس HIV. |
ويقول مارووا [من البرنامج القومي للتنسيق ضد الإيدز] إن مكتبه يشجع استخدام كل من الرفالات الذكرية والأنثوية. ولكنه يؤكد أن الرفال الذكري لايزال أكثر قبولا من الأنثوي.
إن العلاقات الجنسية والعائلية تعقد مسألة استعمال الرفال، ومن الذي يرتديه، الرجل أو المرأة. يقول إليوت: إذا طلبت زوجة إلى زوجها ارتداء رفال ذكري فقد يعد هذا اتهاما له بالخيانة الزوجية. وبالمثل يعتقد بعض الرجال أن الزوجات اللاتي يستطعن الحصول على الرفالات الذكرية والأنثوية تكون خيانتهن لأزواجهن أكثر احتمالا. كما يضيف قرار استعمال الرفالات مستوى آخر من التعقيد حول قرار موعد ـ أو حتى إمكانية ـ إنجاب الأطفال. أحيانا تضغط الحماوات على الزوجات لإنجاب العديد من الأطفال لكي يكبر حجم الأسرة. ولكن من الصعب على الكنة أن تصارح بأنها لا تثق بزوجها إلى الحد الذي يجعلها تقبل بالتخلي عن استعمال الرفال، كي يحدث الحمل.
إن إقناع الرجال باستعمال الرفال يتطلب براعة من معظم النساء
الزمبابويات، فالأمر ليس مجرد العودة إلى المنزل بعدد من الرفالات.
إن إخبار المرأة شريكها بأنها إيجابية الڤيروس HIV قد يكون له عواقب أسوأ. وتقدر موياكا أنه من بين كل 100 نساء إيجابيات، ست يخشين في البداية إخبار أزواجهن. وهي لا تعرف كم امرأة تركها زوجها نتيجة لذلك، وتضيف: لقد عادت إلينا اثنتان وأبلغتانا أنهما تعرضتا للضرب.
تتعايش أسرة پاوكا ـ كريستين وإدوارد والطفل شارون ـ مع الإيدز في بيتهم في المنطقة الريفية من شيكوتو. ترقد كريستين في الفراش مصابة بالتدرن (السل)، الذي عادة ما يصحب الإيدز، ويُظهر إدوارد طفحا جلديا حكاكيا لا يشفى. يزورهم بانتظام متطوعون من منظمة تدعى تسنگيريراي، التي تعني «ثابر وتشجع.» وتناضل هذه المنظمة بميزانية سنوية لا تزيد على 000 30 دولار لتؤمن رعاية منزلية لستين مريضا بالإيدز شهريا، ولإيصال برامج توعية عن الإيدز إلى 000 160 شخص يعيشون في جميع أنحاء المنطقة. |
تقديم الأمل
قبل توقف سيارتنا في موقف العيادة في ساحة مستشفى هراري المركزي في الساعة الثامنة صباحا، كانت النساء هناك جالسات في ظل الشجرة أو على درجات السلم الأسمنتية، وقد حمل كثير منهن أطفالهن على ظهورهن. استيقظ معظمهن قبل الفجر وحضرن إلى العيادة إما ماشيات وإما باستخدام «تاكسي الطوارئ» ـ وهي حافلات صغيرة غير مرخصة يُشغِّلها رجال يتقاضون ما يعادل أقل من دولار أمريكي لنقل الناس إلى المدينة من «الضواحي المزدحمة»، وهي التسمية الصحيحة سياسيا لما كان يدعى مناطق الزنوج.
وسيارتنا، التابعة لبرنامج الأبحاث في العيادة، ليست أفضل كثيرا: فهي پيجو قديمة، ليس لأبوابها مقابض من الداخل، ولها مقبض واحد فقط لزجاج النوافذ ـ وحتى هذا كثيرا ما يرتطم بأرضية السيارة القذرة محدثا ضجة عالية وكأنه قطعة عدة احتياطية. ولكي نخرج من السيارة، ينبغي أن نلتمس مقبض زجاج النافذة، ونعيد تركيبه، لنفتح زجاج النافذة، ثم نمد يدنا لنفتح الباب من الخارج.
لكن طاقم العيادة جميعهم مبتهجون اليوم. فقد علم منسقا المشروع <T. موتيفدزي> و<J. براون> للتو أنه اعتُمد مستحضر هلام النونوكسينول 9nonoxynol-9 gel الذي يأملان أن يقدماه طريقة بديلة للوقاية من الڤيروس HIV إلى النساء اللاتي لا يستطعن استعمال الرفالات بصفة دائمة. كما أن اليوم هو اليوم الأول في تجربة تُجرى بهدف إصلاح أي خلل في أساليب دراسةٍ ضخمة وشيكة، تستهدف معرفة ما إذا كان استعمال موانع الحمل الهرمونية مثل حبوب تنظيم النسل وحقن ديپو پروڤيرا Depo-Provera ـ أكثر أشكال تنظيم النسل شعبية في زمبابوي ـ يجعل المرأة أكثر قابلية للإصابة بڤيروس الإيدز.
إن تشيرنجي، الذي أسس العيادة التي تُجرى فيها دراسات الإيدز، يؤيد استعمال مبيدات الميكروبات microbicides مثل هلام النونوكسينول 99 بصفة خاصة للنساء اللاتي لا يستطعن مناقشة أزواجهن بشأن استعمال الرفال. وفي دراسة سابقة وجد ويگرت وتشيرنجي وزملاؤهما أن مستحضرا آخر يدعىBufferGel كان مقبولا تماما من النساء وشركائهن، مع أن بعض الرجال في بادئ الأمر عبَّروا عن خوفهم من أن يؤدي هذا الهلام إلى جماع رطب.
يعلق تشيرنجي وتشيپاتو وپاديان آمالا كبيرة على هلام النونوكسينول 9. وستشمل دراستهم للهلام، التي تمولها منظمة دولية تدعى شبكة ڤيروس الإيدزHIVNET، أكثر من 4440 امرأة غير مصابة بالڤيروس HIV؛ كما ستتضمن عيادة زمبابوي إضافة إلى عيادتين في دولة ملاوي المجاورة. وسوف تُختَبر النساء بحثا عن الڤيروس HIV كل ثلاثة أشهر طوال ثلاث سنوات لمعرفة مدى فعالية الهلام في وقايتهن من الإصابة بالعدوى.
تقول پاديان، وهي امرأة نشيطة ضئيلة الجسم ذات شعر أشقر وتلبس نظارة، إنها وتشيپاتو مهتمتان بصفة خاصة بمقاربات تقي عنق الرحم cervix الذي تظنان أنه أكثر أجزاء السبيل التناسلي الأنثوي قابلية للإصابة بالعدوى بالڤيروس HIV. وتصرح پاديان «إن الدراسة التي كنت أريد القيام بها منذ سنوات هي معرفة ما إذا كانت حماية عنق الرحم تقي من الإصابة بالعدوى.» إنها متلهفة لإجراء تجارب سريرية على الحُجُب diaphragms وقلانس caps(أغطية) عنق الرحم. وتقول «يظن البعض أن النساء لن يستعملن الحجاب (المهبلي)؛ ولكن إذا كن راغبات في استعمال الرفال الأنثوي، فإنه ينبغي أن يرحبن باستعمال الحجاب.»
تستشهد پاديان بدراسات تثبت أن الحجب تقي من المتدثرة(3) (الكلاميديا)chlamydia والسيلان gonorrhea اللتين تستهدفان عنق الرحم، إلى جانب دراسات أخرى تشير إلى أن الڤيروس HIV يُفرَز من عنق رحم المرأة المصابة بالعدوى أكثر مما يُفرَز من جدران مهبلها. لكنها تقر بأن بعض الباحثين وجدوا أن النساء اللاتي استؤصلت أرحامهن بالكامل، بما في ذلك عنق الرحم، قد أصبن بالڤيروسHIV بعد ذلك.
لكن الدراسة الهرمونية ـ وهي جزء من الجهد الدولي للمنظمة HIVNET الذي يشمل أيضا أوغندا وتايلند ـ سوف تشغل وقت پاديان الآن. وسوف تقوم منسقتا المشروع <A. موتشيني> و<M. دنبر> بتقصي آلاف النسوة في عيادة زمبابوي بحثا عن 1490 امرأة غير مصابة بالڤيروس HIV؛ وسيصل العدد الإجمالي للنسوة الخاليات من الڤيروس HIV في جميع مواقع الدراسة إلى 63600. سيأخذ ثلثهن موانع حمل فموية (عن طريق الفم)، ويأخذ الثلث الثاني موانع حمل زرقية (بالحقن)، والباقيات سيستعملن أشكالا غير هرمونية من موانع الحمل. وستعطى النسوة كلهن رفالات ذكرية مجانية، وسينصحن بأنها أفضل وسيلة متاحة حاليا للوقاية من الإصابة بالڤيروس HIV. وبانتهاء ثلاثة أعوام، سيرى الباحثون في جميع المواقع ما إذا كان معدل الإصابة بهذا الڤيروس لدى النسوة اللاتي أخذن موانع حمل هرمونية أعلى منه لدى غيرهن.
المومستان <M. مويو> (الواقفة) وامرأة طلبت أن تدعى أدليد، تعيشان وتعملان في منزل متهدم، من دون كهرباء أو ماء جار، يقع في وسط هراري، على بعد مسافة قصيرة من فندق فخم يرتاده نزلاء أجانب. أدليد، التي تطالع صور بعض الأصدقاء، عمرها 32 سنة وهي مومس منذ خمس سنوات؛ أما ماري وعُمرها 38 فتمارس البغاء منذ 10 سنوات. وكلتاهما لديها أطفال يعيشون مع أقربائهما في المناطق الريفية، ولم يسبق لهما الزواج. البغاء غير شرعي في زمبابوي. وتُغير الشرطة بانتظام على المواخير المعروفة. لكن محترفات الدعارة لا يشكلن إلا جزءا من مشكلة الإيدز، فالعديد من النساء يبعن الجنس أحيانا عندما تكون أسرهن معوزة. تقول أدليد إنها وماري تطلبان إلى زبائنهما استعمال الرفالات، لكن بعض الرجال يعرضون أن يدفعوا أكثر لإعفائهم من استعمال الرفال. تقول ماري «نعرف أننا مصابتان بالڤيروس HIV، استنادا إلى بعض الأعراض التي نعانيها، ومن المرجح أن بعض الرجال يصابون بالعدوى منا.» |
ستكون هذه أول دراسة تختبر العلاقة الارتباطية بطريقة إحصائية مباشرة ودقيقة. أما كيف يمكن للهرمونات أن تجعل المرأة أكثر قابلية للعدوى فلم يتضح بعد بالتفصيل، لكن المعروف أن هذه العقاقير تزيد عدد الخلايا الظهارية العمودية الشكل column shaped داخل عنق الرحم وقريبا منه. تفترض پاديان أن الأيسر للڤيروس HIV أن يقحم نفسه بين الخلايا الظهارية العمودية الشكل بدلا من التلوي خلال طبقات الخلايا الظهارية الصَدَفية squamous epithelium المسطحة التي تبطن معظم المهبل. وفي المقابل، يمكن أيضا للهرمونات أن تساعد على وقاية النساء من العدوى بالڤيروس HIV، لأن المعروف أن الهرمونات تزيد من ثخانة مخاط عنق الرحم الذي قد يشكل حاجزا أمام الڤيروس.
قد يستغرق الوصول إلى إجابات عن مثل هذه الأسئلة سنوات. وفي الوقت نفسه، يحاول عدد من المنظمات تغيير سلوكيات الناس في زمبابوي، ولا سيما الشباب. وتقوم <D .B. تشاكنيوكا> [مشرفة البرنامج القومي للشباب التابع لجمعية الشابات المسيحيات (YWCA) في زمبابوي] بإدارة برنامج للمراهقات على مستوى الدولة يعتمد على إرشاد الأقران؛ تقول تشاكنيوكا «نحن نركز على العفة، لكننا نعطيهن أيضا معلومات عن الرفالات.»
وتقرر <L. ساڤادي> [من منظمة الدعم المعروفة باسم الاتحاد الاستشاري للإيدز Aids Counseling Trust] أن النساء مهيئات بصفة خاصة لتعلم كيف يقللن من مخاطر الإصابة بالعدوى، بيد أن التعليم ليس كافيا. وتؤكد «إن لدى الناس المعلومات الكافية، لكن ينبغي التركيز على أوجه تغيير السلوك. إنهن يعرفن المخاطر، لكن ليس لديهن الدافع ليغيرن من سلوكهن.»
إن سبب عدم قيام الناس بفعل الأشياء التي يعلمون أنها مفيدة لغز عالمي، لكنه لغز ذو عواقب مميتة بعد ظهور الڤيروس HIV. تخبرني نيامپفيني [الممرضة المسؤولة عن عيادة هراري التي زرتها] أنها لم تسمع بعد عن مراجِعة تقول إنها وشريكها استعملا ولو مرة رفالا ذكريا للوقاية من الإيدز حصرا.
لقد أتيح لنيامپفيني، المرأة الأنيقة التي ترتدي البلوزات الرقيقة والبدلات الأنيقة تحت معطف المختبر الأبيض، أن تعاني شخصيا الانفصام بين المعرفة والسلوك. فقد ماتت شقيقتها وزوجها بسبب الإيدز قبل سنوات قليلة، وتتقاسم هي وزوجها وسائر أسرتها الموسعة مسؤولية رعاية اليتامى الأربعة الباقين الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و 18 سنة. وعندما أسألها عن الحال التي سيكون عليها بلدها بعد 20 عاما، تجيب بوقار «أعتقد أنه سيكون هناك ناس قليلون جدا.» وتقول إنها لو كانت مسؤولة عن جهود مكافحة الإيدز في زمبابوي، لكان من أول الأشياء التي ستركز عليها هو تحري أسباب قلة فاعلية برامج التوعية بالإيدز المنتشرة في كل مكان. ثم تعلق نيامپفيني وهي حزينة «نحن نأخذ وقتا طويلا جدا كي نغير سلوكنا، ومازلنا نعاني قدرًا كبيرًا من الرفض.»
يخشى تشيپاتو [شريك پاديان وتشيرنجي في الأبحاث] أيضا على مستقبل وطنه. إن هذا الرجل الهادئ ذا الاثنين والأربعين عاما يتنبأ ـ وهو يحدق بنظرة مؤثرة ـ بأنه «بعد خمسة عشر عاما من الآن سيكون هناك عدد قليل جدا من السكان في زمبابوي؛ إن معظم معاصريّ ينقرضون.»
لقد حث إلحاح المشكلة بعض الناس على اقتراح إجراءات صارمة. فيدافع <M. تاديريرا> [الذي يرأس الفرع المحلي لمنظمة أيتام خارج هراري تدعى مشروع بُقْيا الطفل Child Survival Project] عن فكرة تجميع كل الإيجابيين للڤيروس HIVقسرا في قرى خاصة وفصلهم عن غير المصابين بالعدوى. وتاديريرا يعرف جيدا معنى الاحتجاز: فقد أمضى في السجن ست سنوات بسبب أنشطة سياسية، وأمضى بعدها سنوات عديدة تحت الإقامة الجبرية في بيته، وقد أدى تعذيب سجانيه له إلى إصابته بالعرج. ويحذر «إذا لم يتغير الجيل الأصغر، فسوف نفنى.»
ويدعم آخرون خططا أقل قسوة. فها هي <A. كلوفكورن> [السكرتيرة التنفيذية لشبكة الإيدز في زمبابوي] تحيي تشكيلَ الحكومة مؤخرا لمجلس قومي للإيدز لتنسيق كل أوجه الإصابة بالڤيروس HIV والإيدز. وتدعي أن البرنامج القومي للتنسيق ضد الإيدز (NACP) الحالي عاجز، لأن نطاق سلطته لا يتعدى وزارة الصحة.
وتوافق <H. جاكسون> [المديرة التنفيذية لخدمة نشر معلومات الإيدز في إفريقيا الجنوبية (SAFAIDS)] على هذا، وتؤكد «أن الإيدز قضية تنموية وينبغي أن يعالج على هذا الأساس.» وقد سعت منظمتها أيضا إلى إنشاء المجلس القومي للإيدز الذي يمتلك حتى الآن ميزانية قدرها 8 ملايين دولار. ثم تقول «لقد أمكننا تدبير المال من أجل الحرب [في جمهورية الكونگو الديمقراطية، حيث تساند زمبابوي لوران كابيلا]، ويفضل عدد كبير منا أن يرى المال ينفق على الصحة بما في ذلك [برامج] الإيدز.»
وترى ماپوشير [من المجلس العالمي للنساء] في انتخابات رئيس الجمهورية في زمبابوي المحدد موعدها في 2002 سبيلا إلى التغيير المحتمل. إن روبرت موگابي [رئيس جمهورية زمبابوي منذ استقلالها عن بريطانيا في عام 1980] لم يعلن إلى الآن الإيدز كارثة قومية. وتؤكد ماپوشير أنه ينبغي معالجة قضية الڤيروس HIV والإيدز معالجة سياسية، مع توفير الموارد. فإذا أعلن أنها كارثة قومية فإن المال سيتوافر.
إذا لم تتغير سلوكيات الجيل الأصغر, فسوف نفنى
اجتماع لأحد نوادي الفتيات للرقص التقليدي في مهندورو، إحدى المناطق العائدة للأملاك القبلية العامة في وسط زمبابوي. تنظم جماعة رعاية مرضى الإيدز والتوعية به المعروفة باسم تسونگيريراي مثل هذه الأندية لجذب الفتيات والفتيان لتعليمهم كل ما يتعلق بالإيدز. بعد الدرس يتمرن الفتية على الرقص ليتنافسوا مع أندية أخرى. هذه المجموعة المسماة نادي شباب ماكاوا، كسبت نحو 30 دولارا وميدالية وكمية من حبوب الذرة في العام الماضي عندما حصلت على الجائزة الأولى في إحدى منافسات المقاطعة. وقد بدأت جمعيات كثيرة تستهدف الجيل الصاعد على أنهم الأمل الوحيد لتغيير بعض السلوكيات الجنسية التي تعزز انتشار الإيدز في إفريقيا. |
ليس المال كل شيء، لكنه بكل تأكيد سيساعد. وطبقا لتقرير أعد في الشهر7/1998 بوساطة البرنامج NACP ووزارة الصحة ورعاية الطفل ـ والذي يشكل البرنامج NACP جزءا منها ـ فإن الميزانية السنوية للوزارة كلها يتوقع أن تصل إلى 54 مليون دولار أمريكي فقط في العام 20000. وقد تجنب مارووا أن يذكر لي مقدار الميزانية السنوية للبرنامج NACP، لكنه قال إن 20% فقط من الميزانية تستمد من الخزانة الزمبابوية. وتأتي البقية من وكالات أجنبية ومن مانحين. على سبيل المثال، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإنفاق نحو مليوني دولار سنويا على قضايا تتعلق بالإيدز في زمبابوي منذ عام 1989، وفقا لقول <B .W. مارتن> [مشرف برنامج في زمبابوي تابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)].
وفي حدود مثل هذه الميزانيات الضئيلة، فإن العقاقير التي تطيل أعمار مرضى الإيدز المتاحة للكثيرين في العالم المتطور ـ والتي تكلف ما يزيد على000 10 دولار أمريكي للفرد سنويا ـ لا يمكن مجرد التفكير فيها بالنسبة إلى معظم الزمبابويين. ولا يبقى بعد ذلك سوى تعديل السلوك، الذي يعني الآن استعمال الرفالات.
وحتى مع الصعوبات المحيطة باستعمال الرفال، يبدو أن زمبابوي هي الدولة الإفريقية التي تلقت ـ على أكمل وجه ـ رسالة أهمية استعمال الرفال. يقول <L .P. أوسيوي> [مدير برنامج الڤيروس HIV والإيدز في الوكالة الأمريكية USAID، فرع زمبابوي]: بأن المجلس القومي لتنظيم الأسرة في زمبابوي يقوم بتوزيع 50 مليون رفال ذكري سنويا، «وهو أكبر عدد في القارة [الإفريقية].»
وهذا يعني 4 رفالات تقريبا لكل شخص في زمبابوي سنويا. وأنا أغادر تمنيت أن أعرف نتيجة فحص مليسنت للإيدز، وما إذا كانت، لو ظهرت نتيجتها سلبية، من المحظوظات اللاتي سيكن قادرات على استعمال الرفالات دائما لوقاية أنفسهن. وحتى لو كان الأوان قد فات وكانت مليسنت إيجابية، فليس لي إلا أن آمل أن تكون ابنتها غير مصابة بالعدوى وأن تكبر ولديها القدرة على أن تُبقي نفسها كذلك ـ حتى لو صارت يتيمة. وكما تقول جاكسون من خدمة نشر معلومات الإيدز في إفريقيا الجنوبية (SAFAIDS): «الشيء الذي يجب ألا يحدث هو القول إن الموقف سيئ جدا ولا يوجد ما يستطيعون فعله.»
للحصول على معلومات أكثر عن المنظمات المذكورة في هذه المقالة، زر على الإنترنت الموقع:
www.sciam.com/2000/0500issue/AIDS.html
Scientific American, May 2000
(*) Care For a Dying Continent
(1) الطاعون الأسود Black Death: تعبير يطلق على وباء الطاعون الذي كان القاتل الأكبر في الماضي، وقد تفشى في أوروبا وآسيا في القرن الرابع عشر. (التحرير)
(2) مرض فطري يصيب الفم والحلق. (التحرير)
(3) وجمعها المتدثرات: وهي عوامل ممرضة تعيش داخل الخلايا وتسبب العديد من الأمراض، مثل التراخوما وبعض الأمراض المنتقلة جنسيا. (التحرير)