الاصطناع بالاحتراق
الاصطناع بالاحتراق(*)
يمكن لموجات الحرارة الذاتية الانتشار أن تشكِّل مواد جديدة
ومحسَّنة؛ إلا أن الباحثين لم يتمكنوا إلا حديثا من التوصل إلى
طرائق لمراقبة ورصد هذه التفاعلات الكيميائية الفائقة السرعة.
<A. ڤارما>
فَكِّر مليا في اشتعال خيط من البارود تسري فيه النار سريعا مخلّفة حفنة من رماد غير متماسك وبعض الغازات. ولنتخيل خيطًا آخر من البارود وقد أُشعِل من أحد طرفيه، فاندفعت موجة الحرارة الساطعة فيه تاركة وراءها كتلة مادية صلبة. قد تبدو هاتان الصورتان متناقضتين، إلا أن تناقضهما ظاهري فقط؛ ذلك أن الاحتراق لا يعني دائما استنفاد المادة المحترقة أو تحللها. وتعدّ هذه النتيجة أساس واحدٍ من أكثر الاكتشافات الواعدة في علم المواد وهو «الاصطناع بالاحتراق» combustion synthesis.
عرف العلماء ظاهرة الاصطناع بالاحتراق منذ ثلاثة عقود؛ واستطاعوا بوساطتها تحضير أكثر من 500 مركب، كان معظمها ذا قيمة عالية لا تقدّر واستخدمت في صناعات مختلفة كمساند وحوامل للكرات المعدنية المرنة، وسواتر الوقاية من الإشعاع النووي، والمواد الساحجة، والموصلات الفائقة عند درجات الحرارة العالية، وسواها من الصناعات المتقدمة تقانيا (انظر ما هو مؤطر في الصفحة 35). وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل الحافل، فقد كان العمل بالتجريب والاختبار الوسيلةَ الأساسيةَ لهذا الاكتشاف. فمثلا ربما يتوصل باحث إلى أن البداية بمساحيق ناعمة قد تؤدي، في نهاية المطاف، إلى مادة مصطنعة أكثر متانة، إلا أن الباحث في كل ذلك لا يملك أكثر من تخمين الأسباب وراء هذا التحول. ولهذا السبب بقيت تطبيقات الاصطناع بالاحتراق ذات تخصصية عالية، ولم يتمكن المهندسون إلا مؤخرا من إدراك آلية انتشار موجات الحرارة في المزيج الأصلي المتفاعل، مخلفة المادة المراد تشكيلها. إن المعرفة الدقيقة لما يحدث بين المكونات التي يُشرع فيها والناتج (المنتج) النهائي هي السبيل الأفضل للباحثين لتطوير تقانات الاصطناع بالاحتراق بغية توسيع نطاق استخداماتها.
تسخين المزيج الأولي
إن التماس القائم ما بين جسيمات المسحوقين الأوليين (الكرات الصغيرة والكرات الكبيرة) محدود بدرجة لا تتيح حدوث تفاعل كيميائي بينهما عند درجات حرارة منخفضة. التخلص من الشوائب يُبعد التسخين الشوائب، مثل الماء (اللون الأخضر)، الذي يتبخر عندما ترتفع درجة حرارة المزيج الأولي إلى ما فوق 100 درجة سيلزية. المتفاعل الأول يذوب وينتشر يشكل المسحوق ذو درجة الانصهار الأدنى (اللون الأزرق) طبقة تكسو جسيمات المسحوق الآخر، وينطلق التفاعل الكيميائي بتزايد التماس بين المتفاعِلَيْن وارتفاع درجات الحرارة. حدوث التفاعل الكيميائي تطلق الحافة المتقدمة لموجة الحرارة ـ التي قد تصل درجة حرارتها إلى 4000 درجة سيلزية ـ التفاعل الكيميائي التام. وغالبا ما تكون النواتج الأولية (اللون البرتقالي) ذات تركيب مختلف عن تركيب الناتج الصلب في النهاية. تشكل الناتج النهائي إن الحرارة المنطلقة أثناء التفاعل الكيميائي تحول المنتجات الأولية إلى التركيب المطلوب (اللون الأحمر). تنامي البلورات وانتظامها ذاتيا
تبرد المصهور إلى ناتج صلب |
عرف الإنسان النار والاحتراق منذ عصور مُغْرِقة في القدم ترقى إلى ما قبل التاريخ، واستخدمها لتحقيق منافع له. ومنذ نحو 000 13 عام كُشف أن شيّ قطعة من صلصال طيّع بالنار يحوّلها إلى مادة خزفية صلبة. كما عرف التقانيون حديثا كيفية حرق مساحيق خاصة من الصلصال في موقد لإنتاج صفائح خزفية مقاومة للحرارة وذات متانة عالية تصلح موادّ عازلة لسفن الفضاء. وتعتمد طريقة الحرق في كلتا الحالتين على تسليط منبع حراري خارجي لتحطيم الروابط الكيميائية في المادة الأصلية وإعادة ترتيبها في بنية جديدة.
وعندما لاحظ الباحثون في نهاية القرن التاسع عشر أن تغيير الروابط الكيميائية بالتكسير وإعادة الترتيب يمكن أن يطلق كمية ملحوظة من الطاقة الحرارية، بدؤوا يتساءلون عن إمكانية استخدام هذه الطاقة بصورة مباشرة، لاصطناع مواد جديدة مفيدة. وفي عام 1972 اكتشف علماء الاتحاد السوڤييتي السابق كيفية جمع جزء كاف من هذه الطاقة لإتمال تفاعل اصطناع دون أي حاجة إلى تسخين المزيج باستمرار. إذًا فالتصنيع بالاحتراق لا يحقق ناتجًا صلبًا جديدًا من مركبات أولية متباينة فحسب، بل إن تفاعله ينتشر ذاتيا؛ فما إن تُعطى الحرارة اللازمة لبدء التفاعل حتى ينطلق هذا الأخير بصورة تلقائية. لذا فإن كل ما يلزم لإشعال تفاعل اصطناع بالاحتراق هو نبضة حرارية قصيرة من منابع من قبيل وشيعة مسخنة من التنگستين أو حزمة ليزرية تستخدم طاقة أقل بكثير مما تستخدمه المواقد الصناعية التي تعد أكثر الطرق شيوعا لصنع مواد متطورة.
تندفع موجة الحرارة إلى الوراء في ثوان معدودة على طول قضيب طوله 10 سنتيمترات مكون من مساحيق مضغوطة (في الأسفل). وقد غدا بوسع الباحثين اليوم أن يحددوا بدقة تامة كيف تُطلق موجة ُالحرارة التفاعلات الكيميائية وتحوّل التركيب الجزيئي مخلفة وراءها مادة صلبة جديدة (الصورة المكبرة في الأسفل). |
وليس توفير الطاقة هذا سوى واحدة من المزايا العديدة التي تميز الاصطناع بالاحتراق عن الطرق التقليدية الأخرى المستخدمة في تصنيع المواد، علما بأن حجوم المواقد وطبيعتها التي تتصف باستهلاك الطاقة، تحدّ من كم المادة التي يمكن تحويلها، في حين يُنتج الاصطناع بالاحتراق مواد بأي حجم مطلوب، لأن الحرارة من التفاعل الكيميائي تنشأ عن كل نقطة داخل العينة الأصلية. كذلك تراوح حرارة هذه التفاعلات ما بين 1500 و 4000 درجة سيلزية، ويصل معدل تسخين المادة إلى حد مذهل يربو على مليون درجة سيلزية في الثانية، وهذا يعني أن زمن تفاعل الاصطناع بالاحتراق لتحويل مزيج من المواد المتفاعلة إلى مادة صلبة جديدة، لا يتعدى ثواني عدة، بخلاف الدقائق والساعات التي يحتاج إليها موقد الاحتراق التقليدي الذي نادرا ما تصل حرارته إلى 2000 درجة سيلزية، والتي يتطلبها إجراء التفاعل ذاته. إن التسخين الشديد والسريع يُنتج مركَّبات ذات بنى مجهرية على درجة كبيرة من الاتساق، مقارنة بالأفران التقليدية التي تُسخن المادة بصورة غير منتظمة مما قد يتسبب في حدوث عيوب في بنية المادة المتشكلة، وهي مشكلة قد تكون على درجة بالغة من الخطورة في مادة قد تتعرض لإجهادات عالية جدا. فالتصدع المجهري بالسطح الخارجي المعدني لجسم الطائرة مثلا قد يمتد في بعض الأحيان إلى الحد الذي يتسبب في حدوث انهيار مأساوي [انظر: «لماذا تتكسر الأشياء»، مجلة العلوم، العدد 3(2000)، ص 20].
قد تتضمن بعض تفاعلات الاصطناع بالاحتراق مواد غازية؛ إلا أن أكثر طرقه شيوعا، وهي الطريقة المسماة اللهب الصلب solid flame، لا تتضمن مثل هذه المواد، بل تبقى جميع موادها الأولية ومنتجاتها المتشكلة في حالة صلبة أو سائلة. ويمكن لهذا النوع من التفاعلات أن يوحد بين الفلزات، مثل النيكل والألمنيوم، لتشكيل مركبات خفيفة الوزن ومقاومة للحرارة، تُستخدم في صناعة عنفات (توربينات) محركات الطائرات وسواها من أجزاء المحرك، إذ تُضغط المساحيق الأولية على شكل حبات أو أقراص ذات شكل أسطواني على الأغلب. وتسخّن هذه الأقراص، لبعض الأغراض، بكاملها تسخينًا منتظمًا حتى يحدث التفاعل في كامل العينة في وقت واحد، في حين تسخن العينة، في معظم الحالات، من موضع واحد فقط، ومنه تنتقل موجة الحرارة مخترقة العينة من أحد طرفيها إلى الآخر.
ليس الاصطناع بالاحتراق طريقة سريعة وموفرة للطاقة لتحضير مواد قيّمة فحسب، بل هو أيضا طريقة لتصنيع مواد يتعذر تصنيعها بأي طريقة أخرى؛ ذلك أن درجات الحرارة المرتفعة وأزمنة التفاعل القصيرة يمكن أن تحوِّل مركَّبا ما بسرعة تكفي لتعيد ترتيب جزيئاته في حالة صلبة وعلى شكل بُنى قد تكون غير ثابتة أو مستقرة تحت الظروف الاعتيادية. وهذه الطريقة تجعل من الممكن اختراع مواقد يصعب تصنيعها بأي طرق أخرى، ومثال ذلك الخزف المرصع بالألماس الصنعي، وهو تركيب مثالي لصناعة آلات القطع ذات الجودة العالية. ففي الأفران التقليدية ذات التسخين البطيء يتحول الألماس إلى گرافيت ليّن، في حين تحافظ جسيماته على شكلها وصلابتها خلال عملية الاحتراق السريع. إلى جانب ذلك، فإن الاصطناع بالاحتراق يسمح بتشكيل ما يعرف بالمواد المتدرجة وظيفيا functionally graded materials التي تتوزع المكونات والخواص فيها على النحو المطلوب، كأن تتحول البنية المجهرية لهذه المادة، وبصورة سلسة، من فلز متين في أحد طرفيها إلى خزف مقاوم للحرارة في طرفها الآخر. إن تغير تركيب المادة بصورة متدرجة بدلا من وجود فواصل فجائية بين المركَّبات، يجعل المواد أكثر قدرة على مقاومة التغيّرات المفاجئة في درجات الحرارة وفي الإجهادات الميكانيكية.
إن موجة التفاعل المتألقة تميز العديدَ من تفاعلات الاصطناع بالاحتراق، بما في ذلك تفاعل تشكّل سيليسيد التيتانيوم. وتظهر أربع صورٍ، التقطت بآلة تصوير ڤيديوي عالية السرعة، السيليكون وقد انصهر وأحاط بجسيمات التيتانيوم الصلبة، إيذانًا بانطلاق التفاعل بينهما (اللون الأحمر). ومع ظهور البقع الحارة تتحرك موجة الاحتراق نحو الأمام (a). ويعد التغير الكبير في درجة الحرارة في جبهة الاحتراق (أو الحافة الأمامية للتفاعل) مشكلةً عدم الانتظام الناجم في البنية المجهرية للناتج النهائي. إن بدء التفاعل في عينات أعلى كثافة يمكن أن يبدد الحرارة المنتشرة بفاعلية أكبر تقل معها إمكانية تشكل البقع الحارة d)، (c، ويؤدي بالتالي إلى تشكل بنية مجهرية أكثر انتظاما. ويسعى الباحثون إلى توفير شروط التفاعل التي تؤدي إلى تكوين موجة شبه متجانسة تتحرك بثبات، وتظهر تغيرًا ضئيلا نسبيًا في درجة الحرارة على طول جبهة الاحتراق (d). |
نظرة سريعة وعن قرب
على الرغم من المزايا المهمة المحتملة التي تتمتع بها تقانة الاصطناع بالاحتراق، فإن ثمة عقبات يتعين على العلماء التغلب عليها قبل أن تتاح لها فرصة الانتشار على نطاق واسع. إن تصنيع مواد تلبي حاجة الزبون يتطلب فهمًا دقيقًا لميكانيكية تشكُّل البنى الجزيئية الجديدة ـ مما يعني القدرة على تتبع ما يجري في كل مرحلة من مراحل التفاعل. ثم إن أكثر ملامح الاصطناع بالاحتراق مدعاة للاهتمام ـ وهي معدلات التسخين العالية ودرجات الحرارة العالية وأزمنة التفاعل المنخفضة ـ تجعل من الصعب دراسة انتشار موجة التفاعل في المزيج، ولتجاوز هذا التحدي يبزغ اليوم حقل جديد من البحوث الأساسية.
بدأ المهندسون بدمج أفكار جديدة من مجالات علمية وهندسية مختلفة في تحرياتهم حول تفاعلات الاحتراق، فاقتبسوا من البيولوجيين الذين يدرسون الحركة العضلية السريعة، تقانة تمكنهم من إجراء مراقبة دقيقة لتحديد زمن انصهار بعض المركبات وزمن تشكُّل بلورات جديدة خلال التفاعل. وتسمى هذه الطريقة حيود (انعراج) الأشعة السينية الزمني time-resolved-x-ray diffraction، وفيها يقوم الجهاز بمسح العينة المتفاعلة بإشعاع سينكروتروني قوي لتشكيل صورة سينية للمادة كل 0.01 من الثانية. ومن خلال هذه الصور يستطيع الباحثون تعرّف تركيب الأطوار الكيميائية للجملة المتفاعلة في لحظة معينة خلال التفاعل. ولمعرفة تطور التركيب المجهري، استخدم المهندسون تقنية كانت قد طُوِّرت أصلا لدراسة كيفية احتراق الوقود الصلب للصواريخ، وذلك برمي عينة محترقة في وعاء يحتوي على غاز الأرگون السائل للجْمِ التفاعل وإيقافه قبل أن تتحول جميع مكوِّناته الأولية إلى الناتج (المنتج) النهائي، ثم تُقطَّع العينة المسقّاة (الخامدة) إلى شرائح رقيقة تحلل بنيتها المجهرية باستخدام تقنيات حديثة مثل المجهر الإلكتروني.
لقد اكتشف المهندسون، عندما بدؤوا بدراسة تفاعلات الاحتراق بهذه الطرق الجديدة، أن الخصائص المميزة للمادة تتغير مع انتقال موجة التفاعل خلال مناطقها المختلفة. ويركز العديد من الباحثين جهودهم في الوقت الحاضر لفهم الظواهر التي تحدث قرب الحافة الأمامية (الحافة المتقدمة) leading edge لموجة التفاعل ـ المسماة أيضا جبهة الاحتراق combustion front ـ لأن المركَّبات الأولية التي تحدد بنية وخواص المادة النهائية تتشكل عندها. ويراوح عرض هذا الجزء الصغير عموما ما بين 0.05 و0.5 مليمتر، وهي منطقة تكفي لاحتواء عدد ضئيل من الجسيمات أو عشرات منها على الأكثر. وتجري في هذه المنطقة الصغيرة عدة عمليات فيزيائية وكيميائية متناسقة لتحويل التركيب الجزيئي، ولهذا كان الباحثون بحاجة إلى وسيلة تُمكِّنهم من رصد ما يجري في هذا الموقع بالذات.
وخلال السنوات الست الماضية قمت وزملائي في جامعة نوتردام بتصميم آلة تتيح لنا على نحو خاص، رصد الأحوال المجهرية على طول جبهة الاحتراق، وصار بوسعنا الآن مراقبة موجة التفاعل وهي تنتقل عبر المادة بمساعدة آلة تصوير ڤيديوي رقمية عالية السرعة «تُحدّق» من خلال مجهر فترى الأجسام الدقيقة التي لا يتجاوز قطرها 0.0015 مليمتر (أي ما يعادل 50/1 من ثخانة الشعرة). ونذكر أن آلة التصوير هذه تستطيع التقاط 12000 صورة في الثانية، في حين تلتقط آلة تصوير الڤيديو التقليدية 30 صورة في الثانية. وقد اكتشفنا باستخدام هذه التقنية أن تفاعلا ما يبدو بالسلّم المرئي وكأنه يجري على نحو مستقر وثابت، يمكن أن يُرى بخلاف ذلك على المستوى المجهري، أي إنه يُرى وكأنه يجري بصورة معقدة وغير ثابتة.
واعتمادا على هذه المعلومة الجديدة عن البنية المجهرية للمادة المتحولة، قمنا بتصنيف موجات التفاعل إلى نوعين عامين هما: الموجة شبه المتجانسةquasi – homogeneous والموجة المتألقة (المتلألئة) scintillating. تتحرك الموجة شبه المتجانسة بثبات، ويكون تغير درجات الحرارة فيها على طول جبهة الاحتراق ضئيلا نسبيًا، وتعد هذه الشروط مثالية لصنع مواد ذات بنية متجانسة بدرجة عالية. أما موجة التفاعل المتألقة فتبدي، بالمقابل، تغيرات كبيرة في درجات الحرارة قد تؤدي أحيانا إلى حدوث عيوب وتصدعات في بنية المادة الصلبة المتشكلة. يحدث هذا النموذج الموجي في النظم التي تنصهر فيها واحدة على الأقل من المواد المتفاعلة خلال التحول، فتبدأ جسيمات المادة المتفاعلة التي لها درجة انصهار منخفضة بالانصهار في مقدمة جبهة الاحتراق مشكلة بقعًا حارةhot spots، وتتحرك موجة التفاعل نحو الأمام فقط عندما تظهر هذه البقع.
لم يكن وصف موجات التفاعل ممكنًا على هذا النحو إلا خلال عامي 1998 و 1999، ولكن ما نجده أنا وزملائي مثيرا جدا هو أن معرفة هذه التفاصيل تتيح لنا مسبقًا وبدقة تحديد خواص المركَّب المطلوب تحضيره، وبإمكاننا ـ في حالة التفاعلات التي تنتقل كموجات متلألئة ـ التحكم في مظهر البقع الحارة عن طريق اختيار عوامل (شروط) التجربة اختيارا دقيقا. نذكر مثالا على ذلك، التفاعلات التي تتم بين التيتانيوم والسيليكون، إذ تتسبب زيادة كثافة حبيبات المساحيق الأولية في تشكّل عدد أقل من البقع الحارة، وتؤدي بالتالي إلى حدوث تفاوت أقل في درجات الحرارة على طول جبهة الاحتراق (انظر الشرح في الصفحة 34).
إن التوصل إلى طرق جديدة لتحليل تفاعلات الاحتراق فتح الباب أمام العلميين لاصطناع مواد جديدة أكثر فعالية، مثل تحسين أنواع الخلائط المعدنية المرتكزة على عنصر الكوبالت والمستخدمة كثيرا في عمليات زرع الأعضاء، مثل المفاصل والركب الصناعية، إذ لعقود من الزمن ظلت التقانة المستخدمة في صناعة هذه الأعضاء تعتمد على صهر سبائك خلائطية في الأفران، ومن ثم سكبها في قوالب وفقا للشكل المرغوب. وحاليًا أعمل مع زملائي على تصنيع خلائط أكثر متانة وذلك بتصنيع العينة في قالبها مباشرة، مما يعني اختصار مراحل التصنيع. إلا أن تطوير هذه التقانة وسواها مما يستخدم في تفاعلات الاصطناع بالاحتراق، يتطلب عدة سنوات من الجهد. لكن الطرق المستخدمة في تتبع هذه التفاعلات الفائقة السرعة، «كالاستجهار الڤيديوي العالي السرعة»(1)، وغيرها قد تضع الاصطناع بالاحتراق في مقدمة التقانات المستخدمة في تصنيع مواد جديدة.
المؤلف
Arvind Varma
عمل في مجال اصطناع مواد متطورة بالاحتراق في مختبره بجامعة نوتردام خلال السنوات العشر الماضية. وقد بدأ اهتمامه بمجالات أخرى من الهندسة الكيميائية في جامعة مينيسوتا، حيث نال الدكتوراه عام 1972. عمل مدة عامين في شركة (يونيون كربيد) قبل أن يلتحق بجامعة نوتردام عام 1975، حيث شغل منصب أستاذ منذ عام 1988.
مراجع للاستزادة
SELF-PROPAGATING HIGH-TEMPERATURE SYNTHESIS: TWENTY YEARS OF SEARCH AND FINDINGS. A. G. Merzhanov in Combustion and Plasma Synthesis of High-Temperature Materials. Edited by Z. A. Munir and J. B. Holt. VCH Publishers, 1990.
COMBUSTION SYNTHESIS OF ADVANCED MATERIALS: PRINCIPLES AND APPLICATIONS. A. Varma, A. S. Rogachev, A. S. Mukasyan and S. Hwang in Advances in Chemical Engineering, Vol. 24, pages 79-226; 1998.
COMPLEX BEHAVIOR OF SELF-PROPAGATING REACTION WAVES IN HETEROGENEOUS MEDIA. A. Varma, A. S. Rogachev, A. S. Mukasyan and S. Hwang in Proceedings of the National Academy o f Sciences USA, Vol. 95, No. 19, pages 11053-11058; 1998.
Scientific American, August 2000
Form from Fire (*)
(1) high-speed video microscopy