أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءملف خاص

تقرير خاص

تقرير خاص

خطط إرسال بعثات بشرية إلى المريخ(*)

يعرض كل من < G. مَسَّرْ > و < M. ألپرت > عددًاكبيرًا

من الخطط لإرسال بعثات بشرية إلى المريخ.

 

إن إرسال بعثات بشرية إلى المريخ أمر مثبط للهمم. فمن المعروف أنه عندما يكون هذا الكوكب أقرب ما يمكن من الأرض يصبح بُعْده عنا 80 مليون كيلومتر، ثم إن حدوث هذا الاقتراب الأكبر يستغرق سنوات كثيرة. بيد أن العلماء والمهندسين يقولون إن لديهم حلولا للتحديات التقانية الرئيسية التي تتطلبها البعثات البشرية إلى المريخ. والعقبة الرئيسية هي، بكل بساطة، التكلفة الباهظة.

 

من الممكن إجراء تخفيض كبير في تكلفة الرحلة إلى المريخ عن طريق تخفيض كتلة السفينة الفضائية. فكلما خف وزنها قلت حاجتها إلى الوقود الذي يمثل سعره أعلى تكلفة منفردة للسفر إلى الفضاء. وتاريخ تخطيط البعثات إلى المريخ هو، إلى حد بعيد، سرد للجهود الرامية إلى التقليل إلى الحد الأدنى من وزن السفينة الفضائية دون المس بسلامة روادها أو التفريط بالأهداف العلمية لرحلتها. وفي عام 1952، تصور رائد الصواريخ < W. ڤون براون > أسطولا من السفن الفضائية تدفعه صواريخ كيميائية تقليدية، ويزن 200 37 طن عند انطلاقه. إن مجرد وضع هذا الأسطول في مدار حول الأرض يكلف المئات من بلايين الدولارات. ومنذ ذلك الحين، بدأ المخططون بالتفكير في طرق لتخفيض هذه التكاليف الباهظة، وذلك باستعمال صواريخ نووية أو كهرمغنطيسية أكثر فعالية، وبتخفيض عدد رواد الفضاء أو حمولة السفن، وبصنع وقود على المريخ ذاته.

 

وفي هذه الأيام، فإن البعثة التي تشغل مركز الصدارة في اهتمام المخططين هي تلك المسماة الخطة المباشرة لبعثة المريخ Mars Direct Plan، التي تقدر كلفة تجهيزاتها بنحو 20 بليون دولار تُصرف على مدى عشر سنوات، يضاف إلى ذلك بليونا دولار تنفق على كل رحلة [انظر: “الخطة المباشرة لبعثة المريخ” في هذا التقرير الخاص]. هذا وإن الخطة الخاصة بالوكالة ناسا، التي أُطلق عليها اسم “البعثة المرجعية للتصميم” design reference mission تَبنت كثيرا من أفكار الخطة المباشرة المذكورة آنفا، غير أن تكلفة خطة ناسا تعادل قرابة ضعف كلفة الخطة المباشرة، وذلك بسبب إجراءات السلامة الإضافية والعدد الأكبر من الملاحين (ستة بدلا من أربعة).

 

تتطلب خطة ناسا في أحدث صيغة لها [انظر الشكل في هذه الصفحة] ثلاث سفن فضائية: مَرْكبة حمولة غير مأهولة تهبط على سطح المريخ وتحوي مركبة للصعود ومعملا للوقود الداسر؛ ومرْكبة غير مأهولة تمثل وحدة سكنية معدة للهبوط على المريخ وتدور في فلك حوله؛ ومركبة لنقل الملاحين تنطلق، في حال وصول المركبتين الأُوليين بسلام، حين يقع المريخ والأرض ثانية في وضع الاقتران، وذلك بعد 26 شهرا من إطلاق المركبتين الأُوليين. وتحمل مركبة نقل الملاحين رواد الفضاء إلى المريخ وتقابل مركبة الوحدة السكنية المعدّة للهبوط على المريخ، التي ينتقل إليها الرواد ليهبطوا فيها على سطح المريخ ليظلوا هناك 500 يوم، ثم ليعودوا في مركبة الصعود. بعد ذلك تعيدهم إلى الأرض مركبة نقل الملاحين، التي تكون بانتظارهم في مدار حول المريخ. وتنطلق كل 26 شهرا ثلاث سفن فضائية أخرى مكوِّنة، في نهاية المطاف، البنيةَ الأساسية لمستوطنة دائمة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001658.jpg

 

إن التكاليف التقديرية لهذه الخطط أقل كثيرا من تكاليف المحطة الفضائية الدوليةInternational Space Station أو برنامج أپولو. ومع ذلك، فلا تملك ناسا سمعة جيدة فيما يتعلق بتقديراتها للتكاليف. ولهذا السبب، فإن كثيرا من المتحمسين للمريخ الذين ينتمون إلى منظمات مثل جمعية المريخ Mars Society والجمعية الفضائية الوطنية National Space Societyيبحثون عن طرق جديدة لإدارة برنامج فضائي.

 

وأكثر خطة متطورة تماما هي التي اقترحتها ThinkMars، وهي مجموعة من طلبة معهد ماساتشوستس للتقانة MIT ومدرسة هارڤارد للأعمال Harvard Business School. وهم يقترحون إقامة هيئة لإدارة مشروع المريخ يوكلون فيه إنجاز المهمات المختلفة إلى شركات خاصة وإلى مراكز بحوث ناسا. وما سيحدث هو أن حكومة الولايات المتحدة وحكومات أخرى ستحجز مقاعد أو أمكنة للحمولات على سفينة المريخ بأسعار مخفضة. وللحصول على كامل نفقات تنفيذ الخطة تُباع تسهيلات ترويجية وتُمنح حقوق للإعلان وتراخيص للمنتجات الثانوية التقانية.

 

وقد بين الباحثون أن إرسال بعثات مأهولة أمر ممكن تقنيا. وما يحتاج إليه المتحمسون منهم هو دعم دافعي الضرائب والسياسيين وكبار رجال الأعمال الذين يتعين عليهم دفع النفقات.

 

الإطلاق والتجميع

تتطلب الخطوة الحاسمة الأولى، اللازمة لتنفيذ جميع الاقتراحات لإرسال بشر إلى المريخ، إطلاقَ سفينة فضائية لتدور في مدار أرضي منخفض (ارتفاعه بين 200 و 500 كيلومتر). والمشكلة الرئيسية هي أن أي سفينة مأهولة تستعمل تقانات الدسر(1) الحالية تحتاج إلى كمية ضخمة من الوقود للوصول إلى المريخ، ومن ثم فإن السفينة ستكون ثقيلة جدا، إذ سيبلغ وزنها 130 طنا متريا على الأقل، وربما كان ضعف ذلك. ولا وجود الآن لسفينة إطلاق يُمكنها رفع هذه الكتلة الضخمة إلى ذلك المدار. فالمكوك الفضائي والصواريخ القادرة على رفع أثقال كبيرة، مثل تيتان 4B، لا تتمكن من رفع حمولة صافية تتجاوز 25 طنا. إضافة إلى ذلك، فإن تكاليف الإطلاق الحالية تصل إلى 20 مليون دولار للطن، وهذا يجعل إرسال سفينة فضائية إلى المريخ عملية باهظة التكاليف.

وتقوم شركات الصناعات الجوية الفضائية بإنتاج صواريخ أقل تكلفة (مثل Delta 4) ومركبات إطلاق يمكن إعادة استعمالها (مثل VentureStar)، غير أنه ليس بمقدور أي منها رفع حمولة صافية قدرها 130 طنا. ويمكن للصاروخ ساتورن 5، الذي ينتمي إلى عصر أپولو، إنجاز هذه المهمة، كما يمكن للصاروخ المعزِّز إنيرگيا Energia، الذي صُنع في الاتحاد السوڤييتي السابق، فِعْل ذلك، إلا أن تحديث إنتاج أي من هذين الصاروخين سيكون أمرا غير عملي. ومن ثم، فالمرجح هو إطلاق سفينة إلى المريخ على مراحل، ثم تجميع الأجزاء التي جرى إطلاقها في المدارات؛ ويفضل أن يُنَفذ ذلك بالقيام بمناورات التحام يمكن التحكم فيها من الأرض. (تجميع السفينة في المحطة الفضائية الدولية سيكون عملية غير فعالة لأن ميل مدار المحطة 51.6 درجة. ومن الأسهل دفع الحمولات الصافية من مرافق الإطلاق في كيپ كانا ڤيرال بولاية فلوريدا لبلوغ مدار أرضي ميله 28.5 درجة). وباستطاعة المكوك الفضائي نقل الملاحين إلى سفينة المريخ بعد الانتهاء من إنجازها.

ولتبسيط عملية التجميع، من الضروري تقليل عدد عمليات الإطلاق والالتقاء في المدارات إلى الحد الأدنى. وقد صمم المهندسون في مركز مارشال للطيران الفضائي في هنتسڤيل بولاية ألاباما صاروخا يسمى ماگنوم Magnum يستطيع رفع نحو 800 طنا إلى المدار، وهذا يمكِّن من إرسال سفينة تتجه إلى المريخ وزنها 130 طنا بمرحلتي إطلاق فقط (ولإجراء مقارنة بمركبات إطلاق أخرى انظر الرسم البياني في الأسفل). وقد صُمِّم ماگنوم كي يستعمل نفس منصات الإطلاق والمحركات التي تعمل بالوقود الصلب التي يستعملها المكوك الفضائي. وستكون معزِّزات المكوك موصولة بصاروخ جديد ذي مرحلتين تدفعه ثلاثة محركات روسية التصميم من نوع RD-120. ويستطيع ماگنوم حمل حاوية للحمولة الصافية طولها 28 مترا، ثم إن السطح الخارجي للمرحلة العليا من الصاروخ يمكن أن يقوم مقام درع حراري لسفينة المريخ.

ولما كان ماگنوم يستعمل المعززات ومرافق الإطلاق الموجودة، فإن تكلفة إنشائه ستكون منخفضة نسبيا، وهي تقدّر بنحو بليوني دولار، ومليوني دولار لكل طن في كل عملية إطلاق، وهذا يجعل التكلفة أقل عشر مرات مما يكلّفه المكوك. فضلا عن ذلك، فقد يكون من الممكن بناء مركبة إطلاق أقوى مكونة من مركِّبات المكوك الفضائي، هذا ما يقترحه مهندس الملاحة الفضائية <R. زوبرين> وهذه المركبة، التي أُطلق عليها اسم إيرزAres، يُمكِنها استعمال محرك للمرحلة العليا قوي الدفع لوضع السفينة الفضائية المأهولة في مسار يتجه إلى المريخ.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001659.jpg

صاروخ ماگنوم هو أحد الخيارات الرخيصة نسبيا لإطلاق السفينة الفضائية التي ستحمل أول رواد فضاء إلى كوكب المريخ. وباستعمال ماگنوم لمنصات إطلاق المكوك الفضائي ومعززاته الصاروخية التي تعمل بالوقود الجاف، فإنه يستطيع رفع وزن قدره 80 طنا ليضعه في مدار أرضي.

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_0024.gif

لا تتمكن مركبات الإطلاق الحالية من تلبية احتياجات بعثة بشرية إلى كوكب المريخ. إن دفع سفينة (مخصصة للسفر إلى المريخ) وزنها 130 طنا إلى مدار أرضي يتطلب ست عمليات إطلاق لتيتان 4B، أو للمكوك الفضائي، أو لدلتا 4 هيڤي، أو لڤنتشر ستار، في حين أن دفعها بماگنوم لا يتطلب سوى عمليتين فقط.

 

نظام الدفع (الدسر)

كيف يمكنك دفع سفينة فضائية مأهولة من مدار أرضي إلى المريخ؟ للإجابة عن هذا السؤال، يدرس المخططون عدة خيارات، لكل منها ميزاته وعيوبه، لكنهم يتفقون على أن الموازنة الأساسية هي بين دفع الصاروخ وفعالية وقوده. وتوصف أنظمة الدفع القوي بأنها أرانب برية: إنها تقوم بتسريع عال، لكنها عموما تستهلك وقودا أكثر. أما أنظمة الدفع الضعيف فتوصف بأنها سلاحف: إنها تحتاج إلى وقت أطول للتسريع لكنها تقتصد في الوقود. لذا يمكن استعمال كلا النظامين في مراحل مختلفة من بعثة واحدة. فصواريخ الدفع القوي يمكن أن تنقل رواد الفضاء بسرعة، في حين يُمكن استعمال تجهيزات الدفع المنخفض في إيصال الحمولات غير المستعجلة، أو في المركبات غير المأهولة.

الصواريخ الكيميائية

إلى حد ما، اعتمدت جميع المركبات الفضائية، التي تم إطلاقها حتى الآن، على محركات صواريخ كيميائية، وهي عادة تحرق الهدروجين والأكسجين وتستعمل الغازات المتمددة لتوليد الدفع. إنها تقانة أثبتت كفاءتها، وهي تولِّد دفعا أكبر مما تولده معظم المحركات الأخرى، لكنها أقل فاعلية. فالصواريخ الكيميائية تتطلب كميات هائلة من الوقود لدفع مركبة فضائية إلى المريخ. ويحتاج أحد التصاميم لسفينة وزنها 233 طنا إلى 166 طنا من الأكسجين والهدروجين السائلين لبدء الرحلة. والمحركات السبعة من نوع RL-10 المستعملة لدفع هذه السفينة (وهي محركات رائعة تُستعمل في كثير من الصواريخ الأمريكية) توزع على ثلاث مراحل للدفع. ففي حين تقوم المرحلة الأولى بدفع السفينة إلى مدار ناقصي (إهليجي) عال حول الأرض، فإن المرحلة الثانية تضع السفينة في مسار يتجه إلى المريخ؛ أما المرحلة الثالثة فتدفع السفينة لتعود إلى الأرض في نهاية البعثة. وفي كل مرحلة تعمل المحركات الصاروخية بضع دقائق فقط ثم يجري التخلص منها.

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001660.jpg

الصواريخ النووية الحرارية

في الستينات من القرن العشرين، بنت حكومة الولايات المتحدة صواريخ نووية حرارية واختبرتها على الأرض في سياق برنامج Rover / NERVA. وتولِّد هذه المحركات الدفع بجعل الهدروجين السائل يتدفق عبر مفاعل نووي ذي قلب صلب. ويسخَّن الهدروجين إلى أكثر من 2500 درجة سيلزية ويندفع عبر صنبور الصاروخ بسرعة عالية. ويولد الدفع النووي من الزخم (كمية الحركة)momentum لكل كيلوغرام من الوقود ضعف ما تولده أفضل الصواريخ الكيميائية، ثم إنه يمكن استعمال المفاعلات أيضا لتوليد الكهرباء اللازمة للسفينة الفضائية. وإن مركبة مأهولة، وزنها 170 طنا وتحوي ثلاثة صواريخ نووية ونحو 90 طنا من الهدروجين السائل، يمكنها أن تصل إلى المريخ في ستة أو سبعة أشهر. بيد أن العقبة الكبيرة هي المعارضة الشعبية لوضع مفاعل نووي في الفضاء ـ وهي مشكلة تواجه أيضا كثيرا من أنظمة الدفع الأخرى. هذا ولم تموِّل ناسا بحوثا في المفاعلات التي تُحْمَل إلى الفضاء طوال قرابة عقد من الزمان.

الدفع: 000 67 نيوتن

سرعة العادم: 9 كيلومترات في الثانية

مدة احتراق العينة: 27 دقيقة

نسبة الوقود في العينة: 32 في المئة

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001661.jpg

الدفع الأيوني

الدفع الأيوني، الذي استُعمل للمرة الأولى في الخمسينات من القرن العشرين، هو من التقانات التي تَستعمِل الحقول الكهربائية بدلا من الحرارة لقذف الوقود الداسر. وهنا يجري الوقود الغازي، مثل السيزيوم cesium أو الزينون xenon، في حجيرة ويؤيَّن بوساطة مدفع إلكتروني شبيه بالمدافع الموجودة في شاشات التلفزيون والحواسيب. وتنتزع الڤلطيةُ على زوج من الشبكات المعدنية الأيوناتِ المشحونةَ إيجابيا كي تنطلق عبر الشبكة، ومن ثم إلى الفضاء. وفي هذه الأثناء يدفع كاثود (مهبط) موجود في مؤخرة المحرك الإلكترونات إلى الحزمة الأيونية كي لا تكوِّن السفينة الفضائية تدريجيا شحنة سالبة. وقبل نحو عام، أجرى المسبار Deep Space 1 أول اختبار لهذا النظام يُجرى بين الكواكب، واستهلك 2.55 كيلوواط من الطاقة الشمسية، وولَّد دفعا صغيرا قدره 0.1 نيوتن، لكنه كان مستتبا. ولسوء الحظ، فإن الشبكات ـ التي تسرِّع الجسيمات، ولكنها أيضا تعترض طريقها ـ ربما لا ترقى إلى مستويات الميگاواط اللازمة لبعثات المريخ المأهولة. كذلك، فإن دفعا أيونيا كبيرا قد يحتاج إلى سحب طاقته من مفاعلات نووية؛ هذا وإن الألواح (الصفائح) الشمسية القادرة على توليد زهاء 100 كيلوواط قد تكون غير عملية.

الدفع: 30 نيوتن

سرعة العادم: 30 كيلومترا في الثانية

مدة احتراق العينة: 79 يوما

نسبة الوقود في العينة: 22 في المئة

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001662.jpg

 

مفعول هول

تَستعمِل دفَّاعاتُ تحكُّم thusters مفعول هول، مثلها مثل الدفع الأيوني، حقلا كهربائيا لقذف الجسيمات المشحونة إيجابيا (من الزينون عموما). ويكمن الفرق في طريقة توليد دفّاعات التحكم للحقل. تقوم حلقة من المغانط أولا بتوليد حقل مغنطيسي شعاعي يجعل الإلكترونات تدور حول الحلقة. وتولِّد حركتُها هذه حقلا كهربائيا محوريا axial. يتجلى جمال هذا النظام في أنه لا يحتاج إلى شبكات، وهذا يجعل عملية الدفع فيه أسهل مما هي في الدفع الأيوني. صحيح إن الفاعلية تكون أخفض، بيد أنه يمكن رفعها بإضافة مرحلة دفع ثانية. لقد استُعمِلت دفّاعات تحكمِ مفعولِ هول في الأقمار الصنعية الروسية منذ مطلع السبعينات من القرن العشرين، ووجدت لها، منذ عهد قريب، مؤيدين في الولايات المتحدة. وآخر نموذج لهذا النظام، وهو مشروع أمريكي ـ روسي مشترك، يستهلك نحو 5 كيلوواط، ويولد دفعا قدره 0.2 نيوتن.

الدفع: 30 نيوتن

سرعة العادم: 15 كيلومترا في الثانية

مدة احتراق العينة: 90 يوما

نسبة الوقود في العينة: 38 في المئة

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001663.jpg

 

صواريخ تحريك الپلازما المغنطيسيMagnetorlasmadynamic

تقوم هذه الصواريخ بتسريع الجسيمات المشحونة باستعمال حقول مغنطيسية عوضا عن الحقول الكهربائية. ويتألف الجهاز من قنال مكوّن من أنود (مصعد) anode وكاثود (مهبط) cathode يمتد في وسط الجهاز. وتقوم ڤلطية بين هذين الإلكترودين بتأيين الوقود الداسر، وهذا يسمح لتيار كهربائي قوي بالجريان شعاعيا عبر الغاز تحت الكاثود. ويولِّد التيار في الكاثود حقلا مغنطيسيا دائريا يتفاعل مع التيار في الغاز لتسريع الجسيمات باتجاه عمودي على كليهما ـ أي محوريا. ويمكن أن يكون الوقود من الأرگون أو الليثيوم أو الهدروجين ـ وهذه الأنواع الثلاثة من الوقود مرتبة وفق تزايد فعاليتها. وبعد مرور عقود من الاهتمام المتقطع بهذا النظام، استأنفت ناسا في عام 1999 بحوثها على صواريخ تحريك الپلازما المغنطيسي. وبمتابعة ناسا للجهود المبذولة في جامعة پرنستون وفي معاهد روسية ويابانية وألمانية، بنت هذه الوكالة نموذجا أوليا قدرته 1 ميگاواط يحدث فيه التيار بنبضات كل 2 ملي ثانية.

الدفع: 100 نيوتن

سرعة العادم: من 20 إلى 100 كيلومتر في الثانية

مدة احتراق العينة: من 21 إلى 25 يوما

نسبة الوقود في العينة: من 6.7 إلى 31 في المئة

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001664.jpg

 

دفّاعة التحكم النبضية التحريضية PulsedInductive Thruster

إن دفاعة التحكم النبضية التحريضية تقانة أخرى تقوم ناسا بإعادة فحصها. ويعتمد هذا الجهاز على متتالية سريعة من الحوادث التي تولِّد ـ مثل صواريخ تحريك الپلازما المغنطيسي ـ حقلين متعامدين أحدهما كهربائي والآخر مغنطيسي. تبدأ هذه المتتالية حين يحرِّر صنبور سحابة من الغاز (وهو، عادة، أرگون) تنتشر عبر وجه لفة منبسطة من الأسلاك قطرها متر تقريبا. ويقوم الحقل المغنطيسي الشعاعي المولَّد بالنبض بتحريض حقل كهربائي دائري في الغاز، وهذا يؤين الغاز ويجعل الجسيمات تدور باتجاه معاكس تماما مثل النبض الأصلي للتيار. ولما كانت حركة هذه الجسيمات عمودية على الحقل المغنطيسي، فإنها تُدْفع خارجا إلى الفضاء. وخلافا لوسائل الدفع الكهرمغنطيسية الأخرى، فإن دفّاعة التحكم النبضية التحريضية لا تتطلب إلكترودات ـ لأنها تميل إلى الاهتراء ـ ومن الممكن لطاقتها أن تُرفَع بزيادة معدل النبض. وفي نظام قدرته 1 ميگاواط تحدث النبضات 200 مرة في الثانية.

الدفع: 20 نيوتن

سرعة العادم: 50 كيلومترا في الثانية

مدة احتراق العينة: 110 أيام

نسبة الوقود في العينة: 14 في المئة

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001665.jpg

صواريخ الپلازما المغنطيسية ذات الدفع النوعي المتغير

Variable Specific Impulse Magnetoplasma Rocket

يملأ هذا النوع من الصواريخ الفجوة بين النظام ذي الدفع العالي والنظام ذي الدفع المنخفض. ويؤيَّن أولا الوقود الداسر ـ الذي هو هدروجين عموما ـ بوساطة موجات راديوية، ثم يوجَّه إلى حجرة مركزية تجتازها حقول مغنطيسية. وثمة جسيمات تدور بحركة لولبية حول خطوط الحقل المغنطيسي بتردد معين. وبقصف الجسيمات بموجات راديوية لها التردد نفسه، فإن النظام يسخِّنها إلى 10 ملايين درجة. ويقوم صنبور مغنطيسي بتحويل الحركة اللولبية إلى حركة محورية، وهذا يولد الدفع. وبضبط طريقة التسخين وتعديل الخانق المغنطيسي magnetic choke، يستطيع الطيار التحكم في معدل العادم. والآلية شبيهة بآلية ناقل التروس (ناقل الحركة) في السيارات. فإغلاق الخانق يضبط الصاروخ على ترس السرعة العالية: إنه يخفض عدد مرات تهييج الجسيمات (ومن ثم يخفض الدفع)، لكنه يبقي درجة حرارتها عالية (ومن ثم تزداد سرعة العادم). أما فتح الخانق فيقابل استعمال ترس السرعة البطيئة: دفع عال، لكن فعالية منخفضة. وتستعمل المركبة الفضائية ترس السرعة البطيئة وحرّاقا لاحقا(2)afterburner للخروج من المدار الأرضي ثم الانتقال إلى  الرحلة بين الكواكب. وتخطط ناسا لطيران تجريبي تنفذه عام 2004 لجهاز قدرته 10 كيلوواط. هذا وإن بعثات المريخ بحاجة إلى 10 ميگاواط.

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001666.jpg

 

الأشرعة الشمسية Solar Sails

تقوم الأشرعة الشمسية ـ وهي من موضوعات الخيال العلمي ـ بإحداث توازن إلى أبعد الحدود بين الدفع والفاعلية. تُدفَع هذه الأشرعة بالضغط المنخفض لنور الشمس ـ الضعيف، لكنه طليق. فلإرسال 25 طنا من الأرض إلى المريخ في مدة طولها عام، يجب أن يكون للشراع مساحة 4 كيلومترات مربعة على الأقل. ثم إن كثافة مادته يجب ألا تتجاوز قرابة غرام واحد للمتر المربع. وألياف الكربون هي الآن بهذه المواصفات تقريبا. وسيكون التحدي التالي هو نشر مثل هذه الأشرعة الكبيرة السريعة العطب. وفي عام 1993 نشر اتحاد ريگاتّا Regatta الفضائي الروسي المرآة الفضائية زناميا Znamya التي مساحتها 3000 كيلومتر مربع، لكن أجزاءها تشابَك بعضها ببعض عندما أجري عليها اختبار ثان في عام 1999. ومنذ عهد قريب، موّلت ناسا فكرة مشابهة لصنع “شراع” مغنطيسي لاصطياد الريح الشمسية (وهي جسيمات مشحونة تصدر عن الشمس) بدلا من ضوء الشمس.

الدفع: 9 نيوتن للكيلومتر المربع (على مسافة الأرض عن الشمس)

سرعة العادم: غير قابل للاستعمال

مدة احتراق العينة: 58 يوما

 

مصطلحات حول الصواريخ

الدفع thrust: هو القوة التي يمكن أن يوفرها محرك صاروخي من الأنماط السابقة في بعثة إلى المريخ، وهو يقاس بوحدة نيوتن (التي تساوي نحو ربع باوند قوة).

سرعة العادم exhaust speed: مقياس لفعالية الوقود.

مدة احتراق العينة sample burntime: طول المدة التي يجب خلالها على الصاروخ استعمال الوقود لتسريع حمولة صافية قدرها 25 طنا من مدار أرضي منخفض لبلوغ سرعة الإفلاتescape velocity. وهذه المدة تتناسب عكسيا مع الدفع.

نسبة الوقود في العينة samplefuel ratio: هي نسبة كتلة الوقود إلى الكتلة الكلية للسفينة الفضائية المدفوعة بالوقود الداسر (في السيناريو المذكور آنفا).

 

 

أي طريق نسلك؟

صنف الاقتران Conjunction Class

فيما يتعلق بصواريخ الدفع القوي، فإن أفضل طريق يجب سلوكه لتوفير أكبر فعالية ممكنة للوقود يسمى طريق نقل هوهمان Hohmann. وهو قطع ناقص يمس مدارَي الأرض والمريخ كليهما، وهذا يجعلنا نجني فائدة قصوى من الحركة المدارية لكلا هذين الكوكبين. وتنطلق السفينة الفضائية حين يكون المريخُ سابقا الأرضَ بزاوية قدرها نحو 45 درجة(3) (وهذا يحدث كل 266 شهرا). إنها تنطلق إلى خارج مدار الأرض وتصل إلى المريخ في الوقت الذي تصبح فيه الشمس واقعة تماما بينه وبين الموقع الأصلي للأرض. ويسمي الفلكيون هذا الترتيب الكوكبي اقترانا(4) conjunction. ولعودة رواد الفضاء، فإنهم ينتظرون إلى أن يسبق المريخُ الأرضَ بزاوية قدرها نحو 75 درجة، وعندئذ ينطلقون في قوس داخلي ويتركون الأرض تلحق بهم.

تتطلب كل مرحلة دفقتين من التسارع. ويتطلب الانطلاق من سطح الأرض سرعة قدرها زهاء 11.5 كيلومتر في الثانية للإفلات من جذب الأرض ودخول مدار الانتقال إلى المريخ. وهناك خيار آخر، هو الانطلاق من مدار أرضي منخفض تكون السفينة سابحة فيه بسرعة، ثم تشغيل المحركات للانطلاق بسرعة تقارب 3.5 كيلومتر في الثانية. (هذا وإن الانطلاق من مدار قمري يجعل الدفع أصغر؛ ولهذا السبب جرى الحديث عن مثل هذه العملية في خطط البعثات الأولى. بيد أن معظم المقترحات الحالية تهمل هذه العملية لكونها غير ضرورية ومكلفة.) ويتعين على الصواريخ العكسية(5) retrorockets إبطاء سرعة السفينة بنحو كيلومترين في الثانية لتدخل المدار، أو بنحو  5.5 كيلومتر في الثانية لتهبط على السطح. وللعودة إلى الأرض تُعكس هذه المتتالية.

وتستغرق الرحلةُ الكاملة، نموذجيا، أكثر بقليل من سنتين ونصف السنة: 260 يوما لكل رحلة و460 يوما على المريخ. وفي التطبيق العملي، يمكن أن يكون المسار الأمثل أطول أو أقصر قليلا، وذلك لأن المدارات الكوكبية إهليلجية ومائلة. وتفضِّل الخطط الرئيسية ـ مثل “الخطة المباشرة لبعثة المريخ” و”البعثة المرجعية لناسا” ـ بعثاتِ الاقتران، لكنها تسرِّع الرحلة بحرق كميات إضافية من الوقود. ويضمن التخطيط الدقيق عودة السفينة إلى الأرض عودة طبيعية إذا أصيبت المحركات بعطب (وهي استراتيجية شبيهة بتلك التي طبقتها أپولو 13 Apollo).

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001667.jpg

صنف التقابل Opposition

لتقصير طول الرحلة، عكف مخططو ناسا على دراسة مسارات تقابلية، وقد سميت المسارات بهذا الاسم لأن الأرض تقوم بأكبر اقتراب لها من المريخ ـ وهذا الترتيب يسميه الفلكيون تقابلا opposition ـ في مرحلة معينة من  رحلتها. وتتطلب هذه المسارات دفقة من التسارع تُنفَّذ في طريق الرحلة. وتستغرق الرحلة النموذجية عاما ونصف العام: 220 يوما للوصول إلى المريخ، و30 يوما للبقاء عليه، و290 يوما للعودة منه. وطريق العودة يتجه نحو الشمس، وقد يقترب من الزهرة، ثم يقترب من الأرض من جهة الخلف. ومن الممكن عكس هذه المتتالية بحيث يكون طول الطريق إلى المريخ هو الأطول. ومع أن الاهتمام بمثل هذه المسارات قد ضعف ـ إذ إنها تبدو رحلة طويلة لإقامة قصيرة الأمد ـ فمن الممكن تعديلها لتلائم الصواريخ الذرية الشديدة الفعالية، أو خططا يُطلق عليها اسم “cycler” تسافر فيها السفينة ذهابا وإيابا بين الكوكبين دون توقف.

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001668.jpg

 

دفع منخفض Low Thrust

مع أن صواريخ الدفع المنخفض، مثل صواريخ الدفع الأيوني، تقتصد في الوقود، لكنها ضعيفة جدا في التحرر من جذب الأرض لدى انطلاقها منها. فيتعين عليها أن توسع مداراتها ببطء بحركة لولبية تتباعد عن الأرض، كالسيارة التي تسلك طريقا متعرجا في صعودها جبلا. وقد يستغرق بلوغها سرعة الإفلات سنة كاملة، وهذا يجعل الملاحين يتعرضون مدة طويلة إلى أحزمة إشعاع ڤان ألين Van Allen المحيطة بالأرض. وثمة فكرة لقَصر استعمال الدفع المنخفض على نقل الشحنات فقط. ثم هناك فكرة أخرى لاستعمال صاروخ دفع منخفض في تحريك سفينة شاغرة إلى أن تبلغ سرعة الإفلات، ثم ينتقل إليها روّاد فضاء قدموا في “تاكسي فضائي” شبيه بالمكوك الفضائي، ومن ثم تشغِّل السفينة صاروخا آخر ليقوم بالدفع الأخير للوصول إلى المريخ. ومن الممكن أن يكون الصاروخ الآخر إما عالي الدفع أو منخفض الدفع. وفي تحليل للإمكان الأخير، تشغِّل دفاعة تحكم نبضية تحريضية طوال 40 يوما، ثم تهبط السفينة وتتوقف مدة 85 يوما، وبعدئذ تشغِّل الدفاعةُ ثانية مدة 20 يوما آخر ـ أو نحو ذلك ـ عند وصول السفينة إلى الكوكب الأحمر.

هذا وتوفر صواريخ الپلازما المغنطيسية ذات الدفع النوعي المتغير خيارات أخرى. فبقاؤها على ترس السرعة البطيئة (دفع متوسط لكن بفعالية منخفضة)، يمكِّنها من مغادرة الأرض بسلوكها مسارا لولبيا في 30 يوما. ويقوم احتياطي الوقود الداسر بوقاية رواد الفضاء من الإشعاع. وتستغرق الرحلة بين الكواكب 85 يوما آخر. وفي النصف الأول من المسار يقوم الصاروخ بالدفع نحو الأعلى؛ وفي منتصف هذا المسار يبدأ الصاروخ عملية الكبح استعدادا للهبوط. وعند الوصول إلى جوار المريخ ينفصل قسم من السفينة ويحط على سطح الكوكب، في حين يقوم القسم الباقي ـ ومن ضمنه مركبة رحلة العودة ـ بتجاوز الكوكب ومواصلة الكبح ثم يدخل المدار بعد مرور 131 يوما.

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001669.jpg

 

 

 

الرحلة بين الكواكب

خلال الرحلة إلى كوكب المريخ، لا شيء أهم من نظم الإعاشة(6) life-support systems لسلامة الملاحين. وقد بدأ الباحثون في مركز جونسون الفضائي بهيوستن التابع لناسا ببذل جهود حثيثة لتحسين فعالية النظم الحالية ووثوقيتها. وقد أمضى ملاحون متطوعون مددا تصل إلى ثلاثة أشهر في حجرة مغلقة مصممة لاختبار التقانات الجديدة لإعادة استخدام الهواء والماء. وإضافة إلى الطرق الفيزيائية والكيميائية، تضمنت التجارب تجربة التجديد الحيوي biological regeneration ـ ومنها، مثلا، معالجة  الفضلات الجامدة للملاحين لتحويلها إلى مخصِّبات لإنبات القمح، وهذا زود المتطوعين بالأكسجين والخبز الطازج.

ويقوم العلماء أيضا بدراسة طرق التقليل إلى الحد الأدنى من آثار المكوث الطويل في حالة انعدام الوزن. وتجدر الإشارة إلى أن رواد الفضاء، الذين قضوا عدة أشهر في مدار أرضي، فقدوا قدرا لا يستهان به من كتلة عظامهم، كما عانوا مشكلات صحية أخرى [انظر: “انعدام الوزن وجسم الإنسان”، ، العدد11 (1999) ، ص 4] إحدى الطرق لدرء الإصابة بالضمور(7) atrophy  هي تدوير سفينة المريخ حول محورها ببطء خلال رحلتها بين الكواكب. وفي خطط عديدة أخرى، يُستعمل حبل لربط كبسولة الملاحين بثقل موازِن، كأن يكون مرحلة صاروخية مستعملة؛ والقيام بدورة واحدة في الدقيقة في دائرة نصف قطرها 340 مترا يُحاكي تسارع الثقالة على سطح الكوكب الأحمر الذي قدره (g 0.38 (8)). إن مضاعفة سرعة الدوران تقصر نصف القطر المطلوب أربع مرات، ولكنها تجعل تسارع كوريوليس Coriolis  أسوأ، وهذا  يؤدي إلى تأرجح رواد الفضاء عند دخولهم السفينة الفضائية. بيد أن مخططي البعثة ليسوا متحمسين لتدوير السفينة الفضائية خلال طيرانها، فذلك سيعقِّد إجراء المناورات والاتصالات. ويدرس الباحثون الطبيون أيضا خيارات أخرى، مثل القيام ببعض التمرينات، وتناول بعض الأطعمة الخاصة، واستعمال الكراسي النابذة.

وثمة هاجس آخر هو الإشعاع. فالملاحون سيتعرضون إلى نمطين منه: الأشعة الكونية، الممثلة بأيونات عالية الطاقة تتدفق بأعداد كبيرة وباستمرار عبر مجرتنا، وألسنة اللهبflares الشمسية التي هي دفقات شديدة من البروتونات  تقذفها الشمس دوريا. وتتمتع الأشعة الكونية بقدرة أعلى من قدرة بروتونات ألسنة اللهب الشمسية، ومن ثم فإن حجبها أمر أكثر صعوبة. فرائد الفضاء يمتص جرعة قدرها 75 ريم(9) rem كل عام. أما إذا كانت السفينة واقعة خلف جدار من الألمنيوم سمكه ستة سنتيمترات، فإن الجرعة التي يتلقاها الرواد على متنها تنخفض بنسبة 20 في المئة. (إن تعزيز هذا الدرع بحجاب واق إضافي لن يسفر عن فوائد تُذكر. فحتى رواد الفضاء على سطح المريخ سيتلقون هذه الجرعة.) بيد أن خبراء الأشعة يعتقدون أن هذه الجرعة السنوية ستزيد بنسبة طفيفة احتمالَ موت رائد فضاء بمرض السرطان في غضون 30 عاما. ويمكن للحبوب المقاومة للتأكسد أن تقاوم بعضا من خطر الإصابة بهذا المرض.

هذا وإن إشعاع ألسنة اللهب الشمسية أشد خطرا لأنه يأتي في دفقات لا يمكن التنبؤ بها، وبمقدوره أن ينقل 4000 ريم إلى الجلد و200 ريم إلى الأعضاء الداخلية في جرعة واحدة قاتلة. وتحدث عاصفة شمسية من هذه الإشعاعات مرة واحدة على الأقل في ذروة الدورة الشمسية التي طولها 11 عاما، كما تهب عواصف أصغر حجما، ولكن أقوى، مرة كل سنتين. إن روّاد الفضاء في مدار أرضي منخفض محميّون بفضل الحقل المغنطيسي الأرضي الذي يصدّ البروتونات الواردة ويحرفها عن مسارها، في حين لا يتمتع المسافرون وهم في طريقهم إلى القمر أو المريخ بهذه الميزة. ولحسن الحظ، فمن الممكن اعتراض سبيل هذه الجسيمات. وتصنع أفضل الدروع من مادة غنية بالهدروجين، مثل البولي إيتيلين أو الماء؛ أما الذرات الأثقل فليست فعالة، ذلك أن الاصطدامات بين البروتونات تسفر عن طرد نيوترونات الذرات، وهذا يولِّد دفقا خطيرا من الإشعاع. إن طبقة من الماء سمكها 10 سنتيمترات تخفض الجرعة إلى 20 ريم. وقد اقترح مخططو البعثة إحداث ملجأ من عواصف ألسنة اللهب الشمسية على سفينة المريخ بخزن الماء اللازم للملاحين في حاويات تحيط بالمناطق التي ينامون فيها. ويمكن للأقمار الصنعية التي ترصد الشمس أن تقوم بتحذير رواد الفضاء من ألسنة لهب شمسية وشيكة الوقوع.

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001670.jpg

تشبه مقصورة الملاحين في سفينة المريخ الفضائية مرْكبة الهبوط ترانسهاب TransHab التي لا يمكن توسيع حجمها والتي اقتُرِح استعمالُها في المحطة الفضائية الدولية (أعلى اليسار). ولهذه المركبة أربعة طوابق (في الأعلى)، يحوي أسفلها مطبخا وحجرة للطعام، في حين تحوي الطوابق الأخرى غرفا للنوم ومنطقة للتمرينات الرياضية.

 

 

الهبوط والصعود

سيكون هبوط سفينة فضائية مأهولة على سطح المريخ أصعب كثيرا من هبوط مركبات أپولو على القمر. فخلافا للقمر، يوجد للمريخ جو، ثم إن ثقالته أقوى بمرتين من ثقالة القمر. وإضافة إلى ذلك، ستكون عربة النزول على المريخ أثقل من العربات القمرية لأنها ستحمل الوحدة السكنية المعدَّة للهبوط على المريخ التي سيعيش فيها رواد الفضاء خلال مكوثهم على سطح المريخ طوال 500 يوم.

لم يفلح في الهبوط على الكوكب الأحمر سوى ثلاث مركبات إنسالية robotic فقط وهي: ڤايكنگ 1 و ڤايكنگ 2 عام 1976، ومارس پاثفايندر عام 1997. وقد استَعملت المركبات الثلاث دروعا واقية من الحرارة ومظلات للهبوط وصواريخ كابحة لإبطاء سرعة هبوطها. (استعملت پاثفايندر أيضا وسائد هوائية لتخفيف اصطدامها بسطح الكوكب). ويتعين على مركبة مأهولة أن تتبع هذه المتتالية نفسها من الإجراءات، غير أن هندستها ستكون مختلفة [انظر الشكل في هذه الصفحة]. وقد جثمت السفينة الإنسالية على دروع حرارية لها شكل شبيه بصحن الفنجان، وغاصت في جو المريخ. لكن السفينة المأهولة تتطلب توجيها دقيقا خلال هبوطها، إذ يتعين عليها الهبوط قريبا جدا من المركبة غير المأهولة التي تحوي حمولة، والتي أُرسِلت إلى المريخ في وقت سابق.

وتتطلب الخطط الحالية لناسا مركبة هبوط لها شكل رصاصة البندقية، ومغلفة بقشرة خارجية تقوم مقام درع واق من الحرارة. ووفقا للخطة المرسومة، ترسل المركبة إلى المريخ شاغرة قبل إرسال الملاحين. إنها تَدخل في مدار حول المريخ بمساعدة الكبح الهوائي لجو الكوكب الأحمر. وتبقى المركبة في مدارها إلى حين وصول رواد الفضاء في مركبة نقل الملاحين. وبعد أن ينتقل رواد الفضاء إلى المركبة الأولى فإنها تهبط هبوطا مماثلا تماما لهبوط المكوك الفضائي، وتكون مقدمتها خلال الهبوط مائلة نحو الأعلى. وبتحريك الربان لهذه السفينة الفضائية يمينا ويسارا، فإنه يتمكن من توجيهها نحو موقع الهبوط. وتقوم المظلات بإبطاء حركة الهبوط، ثم تشغَّل الصواريخ الكابحة، وهذا يمكِّن الربان من الهبوط بسفينته في البقعة المستهدفة تماما.

وبعد مضي 500 يوم على سطح المريخ، يستقل رواد الفضاء مركبةَ صعودٍ تغادر هذا السطح للقاء مركبة نقل الملاحين في المدار الذي تسير فيه. وفي أول رحلة بشرية إلى المريخ، ستوصل مركبة مملوءة تماما بالوقود بالوحدة السكنية المعدة للهبوط على المريخ. بيد أن عربة الصعود في البعثات اللاحقة ستكون أُرسلت سابقا، وستستعمل وقودا صاروخيا مصنوعا على الكوكب الأحمر. ولفعل ذلك يمكن لوحدة إنتاج وقود داسر حجمها يماثل حجم سيارة للركاب أن تدمج الهدروجين السائل الذي جلب من الأرض في ثنائي أكسيد الكربون الموجود في المريخ. وبإمكان سلسلة من التفاعلات الكيميائية توليد وقود داسر من الميثان السائل والأكسجين السائل، كما تولِّد ماء وهواء للتنفس إضافيين لاستعمال الملاحين. وستُختبر تقنيات هذا الإنتاج على عربات الهبوط الإنسالية التابعة لبعثة ماسح المريخ Mars Surveyorالمقرر إرسالها عامي 2001 و 2002. وتتضمن خطط هذه البعثة اختبار إشعال محرك صاروخي صغير باستعمال الميثان والأكسجين المصنوعين على المريخ.

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001671.jpg

تبدأ سلسلة عمليات الهبوط على المريخ باللقاء المداري بين مركبة نقل الملاحين ومركبة الوحدة السكنية المعدة للهبوط على المريخ. وبعد أن يستقل رواد الفضاء المركبة الأخيرة، تبدأ هبوطها إلى جو المحيط محمية بدرعها الواقي من الحرارة. وتقوم مظلات الهبوط والصواريخ الكابحة بإبطاء المرحلة الأخيرة من هبوطها، وهذا يسمح للسفينة أن تحط قرب مركبة الحمولة التي أُرسلت سابقا.

 

 

بيئة المريخ

شكل البيئة

حالما يترجل رواد الفضاء من مركبتهم، سيعرفون أنهم موجودون في عالم غريب؛ فستكون الثقالة الأضعف واضحة عند بدئهم بالمشي. ومشي خطوة يشبه أرجحة بندول (نواس) ويحدث هذا بإيقاع تابع لقوة الثقالة. ومن ثم فإن الناس يسعون إلى المشي بسرعة تعادل نحو 60 في المئة من سرعتها على الأرض، وهم، بفعلهم هذا، يحرقون نصف عدد السعرات الحرارية. والاندفاع اللازم لتجول متمهل على الأرض يؤدي إلى ركض على المريخ.

وفي الجو الرقيق للمريخ ـ الذي يماثل جو الأرض على ارتفاع قدره زهاء 35 كيلومترا ـ تتغير درجة الحرارة والضغط تغيرات كبيرة وسريعة. لكن أنماط الطقس متماثلة عموما في جميع الأمكنة. ومع أن الرياح قد تهب بسرعة 100 كيلومتر في الساعة، فإن القوة التي تنشأ عنها ضعيفة. وقد يرى رواد الفضاء ضبابا وجليدا وغيوما زرقاء رقيقة في الصباح الباكر. وتغيِّر السماء لونها تبعا للمكان والزمان اللذين يتطلع فيهما المرء إليها. هذا وإن انتشار الغبار يجعل السماء تظهر في الأفق حمراء اللون. ثم إن شروق الشمس وغروبها يظهران بلون أزرق؛ أما في الأمكنة الأخرى فتبدو السماء بلون بني فاتح. أما الإضاءة فتكون خادعة للعين. فبسبب النسبة المتغيرة لضوء الشمس المباشر ووهج السماء غير المباشر، تبدو ألوان الصخور مختلفة بين وقت وآخر من النهار [انظر الشكل في اليسار].

المريخ شديد الانبساط: فالمرتفعان الشهيران Twin Peaksالواقعان في منطقة هبوط مارس پاثفايندر لا يعلوان أكثر من 50 مترا، ومع ذلك فمن الممكن رؤيتهما بوضوح من مسافة كيلومتر واحد. وحتى أوليمپوس مونسOlympus Mons، وهو أكبر جبل في النظام الشمسي، فإن ميل انحداره أقل من عشرة في المئة. وتصبح الطوبوغرافيا أكثر إثارة للاهتمام على حافات ڤاليس مارينيرس Valles Marineris الذي يعتقد بأنه يشبه كانيونلاندس Canyonlands بولاية يوتا الأمريكية.

وبسبب هذا الانبساط، سيرى رواد الفضاء أن المريخ أصغر من الأرض: فالمسافة إلى الأفق تتناسب طرديا مع الجذر التربيعي لنصف قطر الكوكب. ويمكن لشخصين طول كل منهما 170 سنتيمترا أن يرى كل منهما الآخر حين تفصلهما مسافة تصل إلى سبعة كيلومترات. هذا وإنك نادرا ما تلاحظ الأفق النظري على الأرض (الذي يكون في هذه الحالة أبعد بمقدار 2.5 كيلومتر) وذلك بسبب تدخل الطوبوغرافيا. والأفق هو أيضا حدُّ للاتصالات الراديوية المباشرة على المريخ الذي يفتقر إلى الغلاف الأيوني ionosphere. ومن ثم فإن رواد الفضاء بحاجة إلى أقمار للاتصالات.

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H03_001672.jpg

يوگي yogi صخرة صوَّرتها مركبة مارس پاثفايندر عام 1977، وهي تبدو في الصباح (في اليسار) مختلفة عما هي عليه بعد الظهر (في اليمين)، وذلك بسبب تقلبات الضوء المريخي.

الغبار

قد تكون الجسيمات الدقيقة أكبر مشكلة تواجه البشر على المريخ. ولما كان الكوكب الأحمر يفتقر كليا إلى الماء السائل، الذي يخلِّص الأرض من مثل هذه الجسيمات الدقيقة، فإنه مغطى بغبار، القطر المتوسط لكل من حبيباته ميكرونان ـ وهذا قريب من حجم حبيبات دخان لفافات التبغ. وسيلتصق الغبار بالبزّات الفضائية، ويخدش مقدّمات الخوذ، ويُحدِث دارات كهربائية قصيرة، ويسفع التجهيزات، ويعوق عمل المحركات. وجدير بالذكر أن البزات على القمر، المغبر بدرجة مماثلة، لم تصلح للاستعمال عليه إلا يومين فقط قبل أن تبدأ بتسريب الغبار. وإضافة إلى ذلك، توحي تحليلات مرْكبتي فايكنگ بأن الجسيمات مغلفة بمواد كيميائية حاتة مثل پيروكسيد الهدروجين. ومع أن تركيزات هذه المواد منخفضة، فإن هذه التوكسينات toxins تُبلي ببطء موانع التسرب المطاطية. ولهذه الأسباب، تخطط ناسا لإجراء بحوث أكثر تفصيلا لمركبات الهبوط القادمة.

وإذا كانت، ولو نسبة صغيرة من جسيمات الغبار مكونة من الكوارتز، كما تلمح إلى ذلك نتائج مارس پاثفايندر، فإنها قد تسبب تهديدا خطيرا للصحة إذا ما استُنشِقت: إذ إنها تسبب التترُّب الرئوي silicosis، وهو مرض رئوي غير قابل للشفاء يقتل سنويا عدة مئات من عمال المناجم في الولايات المتحدة. ولإبقاء الوحدة السكنية التي يعيش فيها رواد الفضاء خالية من الغبار، يتعين عليهم تنظيفها بعناية قبل دخولها، وهذا أمر ليس بالسهل. ولما كان الغبار ممغنطا ومشحونا كهربائيا، فإنه يلتصق بأي شيء، وسيسفر ذلك عن نقص في إمدادات الماء. ومن الممكن أن يقوم رواد الفضاء باستعمال الجليد الكربوني(10) dry-ice  لحت  الثلج المتكثف من الجو. ويمكنهم أيضا ارتداء بزات فضائية من طبقتين بحيث يمكن ترك الطبقة الخارجية منها في دسام هوائي(11) airlock خاص موجود خارج مركبة الوحدة السكنية المعدة للهبوط على المريخ.

وثمة موضوع آخر هو الطاقة الكهربائية؛ فقد هبط خرج output الألواح الشمسية على مارس پاثفايندر بنسبة واحد في المئة كل ثلاثة أيام بسبب تراكم الغبار عليها. ويمكن لعاصفة من الغبار أن تجعل السماء مظلمة وتخفض إلى النصف من مقدار الطاقة المولَّدة. ولهذه الأسباب، فربما احتاجت البعثة إلى مفاعل نووي طاقته 100 كيلوواط.

الوقاية الكوكبية

لا ريب في أن الميكروبات (الجراثيم) سترافق رواد الفضاء إلى المريخ، وهذه مشكلة تعقد البحث عن حياة هناك. وبالعكس، فإن كل ميكروب على المريخ سيكون قادرا على الوصول إلى الأرض على متن السفينة العائدة. ويحتمل ألا تسبب العضويات أمراضا للبشر أو لأصناف بيولوجية أخرى ـ لأن معظم العلماء يظنون أنها مختلفة جدا عن أنماط الحياة الأرضية ـ لكن احتمال حدوث كارثة عالمية ليس معدوما. ومع أن ناسا تقوم بابتكار نظام عزل بيولوجي لبعثات العودة الإنسالية، فلا وجود لأسلوب يبعد التلوث عن رواد الفضاء. وقد كانت إجراءات الحجر الصحي خلال برنامج أپولو بطيئة ومزعجة ومثيرة للجدل وغير محكمة، ثم إن المحاجر الصحية أدت إلى ظهور مشكلات عويصة. فإذا مرض رواد الفضاء، فهل يجب منعهم من العودة إلى الأرض في حال إصابتهم بوباء غريب؟ من الأفضل عدم الاضطرار لاتخاذ هذا القرار. وفي تقرير قدمه المجلس القومي للبحوث عام 1992 ذُكِر فيه أن مسألة وجود حياة نشيطة أو هاجعة على المريخ يجب أن تُحل قبل إرسال رواد فضاء إليه. وأقل ما يجب على رواد الفضاء أن يعرفوه سلفا هو تلك الأجزاء من الكواكب التي يسود فيها الأمان، والاحتياطات التي يجب عليهم اتخاذها لتفادي التماس المباشر بأي أشكال محتملة من الحياة المريخية.

 

 (*)How to go to Mars

 

(1) propulsion technologies

(2) جهاز لزيادة دفع محرك نفاث بحرق كمية إضافية من الوقود مع الأكسجين غير المتحد.

(3) وهي الزاوية التي يحدها نصف القطر المتجه من الشمس إلى الأرض ونصف القطر المتجه من الشمس إلى المريخ.

(4) أو، زيادة في الدقة اقترانا أعلى superior conjunction، تمييزا له عن الاقتران الأدنى interior conjunction عندما يمر كوكب بين الأرض والشمس.

(5)صواريخ مركبة على السفينة الفضائية وذلك لإحداث دفع مضاد للحركة الأمامية يعمل كقوة كابحة.

(6) هي نظم توفر المراقبة والتحكم الجوي، مثل نظام تنقية الهواء وترشيحه، أو نظام طرد ثنائي أكسيد الكربون.

(7) تناقص حجم خلية أو نسيج أو عضو بعد أن كان ذا حجم طبيعي ونمو كامل.

(8) g هي وحدة تسارع تساوي تسارع الثقالة (الجاذبية) الأرضية، التي تبلغ تقريبا 9.8 متر في مربع الثانية.

(9) وحدة للإشعاع المؤين، وهي تساوي الكمية التي تحدث الضرر ذاته الذي يحدثه للإنسان مقدار رنتجن واحد من الأشعة السينية العالية الڤلطية. والكلمة ريم مشتقة من الأحرف الأولى من roentgen equivalent man.

(10) ثنائي أكسيد الكربون في شكله الصلب.

(11) حجرة يمكن إغلاقها بإحكام تام، وتكون مهيأة للمرور بين مكانين ضغطاهما مختلفان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى