أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

البحث في الكون عن ظلال أراض أخرى

البحث في الكون عن ظلال أراض أخرى(*)

لقد عثر الفلكيون على عشرات من الكواكب العملاقة خارج نظامنا الشمسي،

بيد أنهم لم يتمكنوا، حتى الآن، من رصد كوكب بحجم كرتنا الأرضية.

<R.L. دُويل> ـ <J.H. ديگ >ـ <M.T. براون>

 

لم ير أحد قط كوكبا (سيارا) خارج نظامنا الشمسي. ولكن اثنين من الفلكيين شاهدا في الشهر 11/1999 شيئا مثيرا جدا، ألا وهو ظل كوكب. وقد حدث ذلك عندما كان <D. شاربونو> [وهو طالب دراسات عليا في جامعة هارڤارد] يحلل سطوع النجم الشبيه بالشمس HD 209458 بالاعتماد على بيانات جُمعت في وقت سابق. حين كان يعمل مع أحدنا (براون). وفي الوقت نفسه تقريبا، كان<G. هنري> [وهو فلكي يعمل في جامعة تينيسي الحكومية] يرصد النجم ذاته مستقلا عن شاربونو.

 

إن النجم HD 209458 نجم مغمور، حتى إنه لم يعط اسما خاصا به. ولكنه يستحق الشهرة لسبب وحيد هو وجود كوكب يدور حوله، كتلته تعادل على الأقل، ثلثي كتلة المشتري ـ أو هكذا ظن الفلكيون. هذا ولم يُستدل على وجود الكوكب إلا بأسلوب غير مباشر، وذلك عن طريق الارتعاشات (التراوحات) wobbles التي كان يحدثها في النجم. ولكن شاربونو وهنري طَرَقا تقنية مختلفة للتحقق من هذا الكشف. فقد طرحا السؤال التالي: «هل يمكن للكوكب أن يمر من أمام النجم عبر خط نظرنا، ويحجب عنا مؤقتا بعضا من ضوء النجم؟»

 

من منظورنا، لا بد للنجم عند ذلك من أن يعتم بطريقة مميزة. ويتطلب مثل هذا الحدث، الذي يسمى عبورا(1) transit، أن يكون مدار الكوكب مائلا جدا، ولكن هذا ليس بالأمر المستحيل كما قد يبدو للوهلة الأولى. والسبب أن احتمال مرور الكواكب التي تدور قريبا جدا من نجومها ـ مثل الكوكب الذي يدور حول النجم HD 2094588 ـ بين الراصد وهذه النجوم هو واحد في العشرة. وبحلول الوقت الذي كان فيه شاربونو وهنري ينظران إليه، كان قد جرى البحث دون نجاح عن حوادث عبور لمعظم الكواكب الأخرى المعروفة خارج نظامنا الشمسي. وكان من نتيجة ذلك أن نفرا قليلا من الفلكيين بدأوا يفكرون: هل عدم رصد حوادث عبور يُعني ضمنا عدم وجود كواكب؟ وربما كان ثمة خطأ في تفسير أرصاد الارتعاشات.

 

ولكن دراسات شاربونو وهنري بددت هذه الشكوك. ففي الوقت نفسه الذي أشارت أرصاد الارتعاشات إلى احتمال حدوث عبور، أعتم النجم بنحو 1.8 في المئة مدة ثلاث ساعات. وإضافة إلى أن هذا الإعتام قدَّم دليلا واضحا على وجود كوكب، فإنه مَكن من القياس المباشر لقطر الكوكب والذي وجد أنه يعادل 1.3 مرة قطر المشتري ـ وهذه أول مرة يُقاس فيها حجم كوكب خارج نظامنا الشمسي. ويتوافق هذا القياس مع التنبؤات النظرية التي تذهب إلى أن هذا الكوكب، القريب جدا من نجمه، لا بد أن يكون قد انتفخ.

 

لقد وفرت طريقة العبور بداية ميمونة لكشف الكواكب. فحتى الآن، مازال صيادو الكواكب يعتمدون اعتمادا أساسيا على تقنية الارتعاش، التي تسمى تقنيا طريقة السرعة نصف القطرية radial-velocity method. وتبحث هذه الطريقة عن الانزياحاتshifts الدورية الدقيقة في طيف نجم، والتي تشير إلى أن النجم يُدفع جيئة وذهابا بوساطة رفيق غير مرئي. وقد تحقق أول نجاح لها عام 19955 عند اكتشاف كوكب حول النجم 51 پيگاسي 51 Pegasi  الشبيه بالشمس. ومنذ ذلك الحين، تعرَّف الفلكيون أكثر من ثلاث دستات من الكواكب (انظر الإطار في الصفحتين 28 و 299). ويمكن تطبيق طريقة السرعة نصف القطرية على أي نجم، ولكن هذه الطريقة تعاني صعوبة رؤية العوالم الصغيرة جدا أو البعيدة جدا عن نجومها.

 

ولطريقة العبور عيب جوهري متأصل فيها ـ هو الحاجة إلى وقوع الكوكب والنجم والراصد على استقامة واحدة، ويلزم لذلك حظ وافر. ولكن عندما تقع حوادث العبور بالفعل، فإنها تبين حجم الكوكب وخواصه الأخرى، حتى لو كان عالَما صغيرا إلى حد ما. وفي الحقيقة، إن طريقة العبور هي التقنية الوحيدة القادرة حاليا على كشف الكواكب التي يصل صغرها إلى حجم أرضنا والتي تدور حول نجوم شبيهة بالشمس. وقد استخدم اثنان منا (دويل وديگ) هذه الطريقة في نظام نجمي آخر يسمى CM دراكونيس Draconis للبحث عن عوالم شبيهة بأرضنا. ويُمْكِننا من رؤية أجسام هي من الصغر بحيث تعادل أقطارها 2.55 مرة قطر الأرض. وهكذا فإن أول بحث عن كواكب خارج نظامنا الشمسي يحتمل وجود حياة عليها كما نعرفها، ماضٍ قدما.

 

على الشمس حاليا بقعة سوداء صغيرة(**)

إن فكرة البحث عن حوادث عبور ليست جديدة، فالكسوف الشمسي هو أساسا عبور للقمر أمام الشمس. وفي وقت مبكر يعود إلى القرن السابع عشر توقع<J. كپلر> عبورا لعطارد أمام الشمس، ثم إن أحد أسباب توجه القبطان <J. كوك> في أول رحلة له إلى البحار الجنوبية South Seas، هو مشاهدة عبور كوكب الزهرة عام 1769. وكان فلكيو تلك الأيام يستخدمون حوادث العبور لحساب بُعْد الأرض عن الشمس. وأول من اقترح ـ في مذكرة صغيرة ـ فكرة إمكان رصد عبور الكواكب أمام نجوم أخرى غير الشمس هو<O. شتروڤي> [من مرصد يِركيس] عام 1951، ثم طور هذه الفكرة <F. روزنبلات> [من جامعة كورنيل] عام 1971 و<W. بوروكي> [من مركز إيمز للبحوث التابع للوكالة ناسا] في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.

 

وخلال عبور لعطارد أو للزهرة، يشاهد الفلكيون نقطة سوداء صغيرة تنزلق عبر وجه الشمس. ولكن عبور كواكب من خارج نظامنا الشمسي لا يمكن كشفه إلا بطريقة غير مباشرة. وهنا يتعين على الراصدين مراقبة منحني ضوء(2) light curve النجم والبحث عن انخفاض دوري فيه، وهذه علامة مميزة على وجود كوكب يمر من أمام النجم. إن القياس الدقيق لضيائية luminosity النجم هو فرع قائم بذاته من علم الفلك، يطلق عليه اسم الفوتومترية (قياس الشدة الضوئية) photometry. ويمكن للعين المجردة أن تميز بسهولة تغير شدة سطوع نجم بمقدار 2.5 مرة تقريبا. وبمقارنة سطوع نجمين بطريقة تسمى الفوتومترية التفاضلية differential photometry، يمكن للعين المدربة كشف تغيرات أدق. وبإمكان المقاريب الصغيرة، المزودة بكاميرات حديثة تستعمل أداة قرن بالشحنة(3) charge-coupled device  CCD ، بلوغ دقة قدرها 0.11 في المئة. أما المقاريب الكبيرة فيمكنها أن تؤدي ما هو حتى أفضل من هذا، وذلك بتجميعها قدرا أكبر من الضوء، وبحسابها لمتوسط الشذوذات الجوية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002260.jpg

ربما يكون قد كُشف عن كوكب شبيه بالأرض حول النجم الثنائي CM دراكونيس. وقد رصد مؤلفو هذه المقالة إعتاما طفيفا يتكرر بانتظام لضوء النجم ـ وقد يشير ذلك إلى وجود كوكب يمر أمام النجم الثنائي. وسواء ثبت هذا الأمر أو لا، فإن تقنية البحث عن ذبذبات في السطوع النجمي هي الآن أفضل أمل للفلكيين في العثور على عوالم تصلح لوجود حياة عليها.

 

وفي حالة الكواكب الصغيرة، تكون قياسات العبور بالطريقة الفوتومترية أشد حساسية من طرق الكشف الأخرى. وقد تُحدَّد الحساسية بالإشارة التي يراد قياسها ـ أي بكمية الضوء النجمي المحجوب بالكوكب. وهذه الإشارة تتناسب طرديا مع مساحة المقطع العرضي للكوكب، ومن ثم فهي تتغير طرديا مع مربع نسبة نصف قطر الكوكب إلى نصف قطر النجم. وبالمقابل، فإن الارتعاش في السرعة نصف القطرية لنجم يتناسب طرديا مع نسبة كتلة الكوكب إلى كتلة النجم، ومن ثم مع النسبة بين مكعبي نصفي قطريهما. وبسبب كون الكواكب أصغر بكثير من النجوم ـ فنصف قطر المشتري يساوي نحو 10 في المئة من نصف قطر الشمس، ونصف قطر الأرض يساوي نحو 1 في المئة من نصف قطر الشمس ـ فإن النسبة بين المربعين تكون أصغر من النسبة بين المكعبين، وهذا يؤدي إلى قياسات أفضل للعبور.

 

لقد أخذ استكشاف جزئي للعبور أمام النجم HD 209458 نحو 40000 فوتون من الطاقة الضوئية، في حين أخذ قياس ارتعاشه بنفس الدرجة من الثقة نحو 100 ملايين فوتون. وبالطبع، فقد استعملت هذه الفوتونات على نحو مختلف: ففي طريقة العبور، كانت تُعَدّ طوال الوقت بوساطة فوتومتر (مقياس الشدة الضوئية) photometer؛ وفي طريقة الارتعاش كانت تقسم جزئيا في المطياف إلى نُطُق (عصائب) bands ضيقة من الأطوال الموجية بوساطة مطياف. ولكن الميزة الجوهرية للطريقة الفوتومترية هي أنها تمكننا من استعمال مقاريب أصغر للعثور على كواكب من حجمٍ معطى. هذا وإن كوكبا بحجم المشتري يجعل نجمه يعتم بنسبة 1 في المئة تقريبا، وهذا أمر يمكن كشفه جيدا بوساطة المقاريب التي قطرها متر واحد. أما الكواكب التي هي بحجم الأرض، التي تعتم نجومها بنسبة تقرب من 0.01 في المئة، فيتعذر كشفها حتى بأكبر المقاريب المتوفرة حاليا. ومع ذلك، فالدقة المطلوبة يمكن بلوغها باستخدام حيل رصدية خاصة وتقنيات معينة لكشف الإشارات.

 

هذا ويجب أيضا أن تؤخذ في الاعتبار المسافة بين الكوكب ونجمه. فطريقة الارتعاشات تنخفض حساسيتها بدرجة تتناسب طرديا مع الجذر التربيعي لهذه المسافة، لأن الكواكب البعيدة تمارس شدا تثاقليا أضعف على نجومها. وهذا هو السبب في أن معظم الكواكب التي عُثِر عليها بهذه الطريقة كانت بحجم المشتري، وكانت تسير في مدارات قريبة من نجومها. ولكن حوادث العبور يمكن كشفها في حال رفيقين بعيدين على استقامة مع الراصد بالسهولة ذاتها التي يُكشف بها الرفيقان القريب أحدهما من الآخر. والتأثير الذي ينشأ عن المواقع النسبية للنجم والكوكب والراصد هندسي محض. وبمقارنة المسافة بين النجم والكوكب بالسنين الضوئية التي تفصل النجم عن الأرض، يظهر أن هذه المسافة غير مؤثرة على الإطلاق؛ ومع أنها يمكن أن تتغير بجزء كسري كبير من قيمتها، فإن مقدار الإعتام من منظورنا سيبقى دون تغيير تقريبا.

 

الآن أنت تراه، الآن أنت ترى منه جزءا أقل: هذه هي الفكرة التي تكمن وراء طريقة العبور في كشف الكواكب. لنأخذ كوكبا في نظام نجم ثنائي. إن الفلكيين لا يرون في الواقع نجمين منعزلين، ذلك أن ضوءيهما يتجمعان معا. وحين يمر الكوكب أمام كل من النجمين من منظورنا، يعتم النظام بأسلوب مميز. ويتوقف قدر الإعتام ومدته، المقيسين بدقة، على موقعي النجمين في مدارهما المشترك.

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002261.jpg

 

هنا تكون المسافة الظاهرية الفاصلة بين النجمين أكبر ما يمكن. ويكون عبور الكوكب مزدوجا لأنه يمر أمام أحدهما، ثم أمام الآخر.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002262.jpg

إذا مر الكوكب من الأمام حين يكون أحد النجمين كاسفا للآخر، فيمكن للعبور أن يدوم مدة أطول ويُحْدِث نقصانا نسبيا أكبر في السطوع.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002263.jpg

إذا مر الكوكب من الأمام قبل الكسوف النجمي مباشرة، حدث عبور ثلاثي: أولا عبر النجم القريب، ثم عبر النجم البعيد (ولكن خلال مدة أقصر لأن النجم والكوكب يتحركان في اتجاهين متعاكسين)، وأخيرا عبر النجم البعيد مرة أخرى.

 

ما الكواكب الأخرى التي تدور حول شموس أخرى(***)

ولكن ازدياد المسافة بين النجم والكوكب يقلل من فرصة وجود الكوكب في مدار يمكِّننا من مشاهدة حوادث عبوره. وعلى سبيل المثال، إن احتمال رؤية عبور الأرض في مدارها الحالي أمام الشمس، من قبل فلكي موجود في موقع محدد عشوائيا خارج الأرض، يساوي 0.5 في المئة فقط. ولهذا السبب، فقد أُهملت طريقة العبور ردحا طويلا من الزمن. ولكن ثمة تطورين غيَّرا أفكار الفلكيين. أولهما هو الاكتشاف غير المتوقع لتلك الكواكب العملاقة خارج نظامنا الشمسي القريبة جدا من نجومها ـ خلافا للكواكب في نظامنا الشمسي التي لها مدارات واسعة. وتجدر الإشارة إلى أن المدارات القريبة من النجوم تزيد من احتمال كشف العبور 10 مرات. والأمر الآخر هو ابتكار نظم التصوير المتسع المجال (المدى) wide-field imaging systems، الذي يُمكِّن من مراقبة عشرات أو مئات الآلاف من النجوم في وقت واحد. والسبب في ذلك بسيط؛ فإذا نظرنا إلى عدد كاف من النجوم خلال وقت كاف، فلا بد أن يُكشف عن حوادث عبور لبعضها. وبهذه الطريقة، لا يتمكن الفلكيون من إعداد قوائم للكواكب فحسب، وإنما يستطيعون أيضا جمع إحصائيات عن انتشارها العام.

 

وتُجرى حاليا عمليات بحث كثيرة باستعمال مقاريب مقامة على الأرض، يبحث معظمها عن كواكب عملاقة مثل الكوكب الذي عثر عليه يدور حول النجم HD 209458 وقريبا منه. هذا وإن مشروع ستير STARE (الذي يديره براون)، ومشروع ڤلكان Vulcan(الذي يديره بوروكي و<D. كوش> [من مركز بحوث إيمز التابع للوكالة ناسا] و<J. جينكينز> [من معهد سيتي SETI في كاليفورنيا]) يفحصان بعناية قرص disk درب التبانة، حيث توجد النجوم بأعداد كبيرة. وفي هذه الأثناء يقوم <A. كويرينباخ> [من جامعة كاليفورنيا بسان دييگو] بالبحث عن كواكب في الحشود النجمية المفتوحة(4)open star clusters. ولأنه من الممكن تقدير عمر الحشد النجمي، يستطيع الفلكيون تقدير عمر أية كواكب يُعثر عليها في أحد الحشود.

 

ومنذ عهد قريب، أجريت عملية بحث أخرى باستعمال مقراب هبل الفضائي. فالفريق الذي يقوده <R. جيليلاند> [الفلكي في معهد علوم المقراب الفضائي] رصد بالتعاون مع براون، الحشد الكروي 47 توكاني 47 Tucanae طوال ثمانية أيام. وقد تعقب الباحثون 34000 نجم، وتوقعوا إحصائيا رؤية 177 عبورا، ولكنهم لم يعثروا على شيء. ومازال الفلكيون يفكرون مليا في هذه النتيجة الصفرية. وربما كان هذا الحشد لا يحوي كواكب لأن نجومه تفتقر إلى وجود العناصر الثقيلة التي تكون الكواكب، أو لأن قرب النجوم بعضها من بعض أدى إلى تشويه المدارات الكوكبية على مدى العشرة بلايين سنة أو نحوها، وذلك منذ أن تكونت المجرة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_0071.gif http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002264.jpg
تَمثل أول نجاح لطريقة العبور في تأكيد وجود كوكب حول النجم HD 209458 الشبيه بالشمس. وضمنيا، يدل الانخفاض بنسبة 1.8 في المئة في سطوع النجم (النقط ذات القضبان الرأسية الدالة على مقدار الخطأ التجريبي) على وجود كوكب قطره يعادل 1.3 مرة قطر المشتري (الخط المتصل)، ولو كان الكوكب أصغر أو أكبر بنسبة 10 في المئة لكان له الأثر نفسه تقريبا (الخطوط المتقطعة). وتوحي الأرصاد الحديثة المتعددة الألوان بأن قطر هذا الكوكب يعادل 1.6 مرة كوكب المشتري. وقد زادت أخطاء القياس بعد العبور، لأن النجم كان يقترب من الأفق.

 

وتوفر لنا جميع هذه المحاولات فكرة عميقة وقيمة عن الطريقة التي تتكون بها الكواكب، وعن مدى شيوعها. ولكن لما كانت عمليات البحث مقصورة على النجوم الكبيرة نسبيا، وكان الرصد يُجرى خلال وقت قصير ـ ومن ثم فهو يكشف عن عبور وحيد بدلا من عبور متكرر ـ فإن هذه العمليات تستهدف النجوم العملاقة الغازية التي لا يمكن أن توجد عليها حياة كما نعرفها. وللبحث عن عوالم يحتمل أن تكون صالحة للحياة عليها، قام دويل وديگ بسلوك أسلوب آخر. فنحن نركز اهتمامنا على النجوم الصغيرة نسبيا، التي يُعرف أنها تَشغل وضع الاستقامة اللازم لاكتشاف حوادث العبور. بعد ذلك، نقوم بمراقبتها مدة طويلة بدرجة تكفي لرصد حوادث عبور متعدد، وهذا يزودنا بإشارة واضحة، حتى لو كان كل عبور أضعف من أن يكون بالإمكان كشفه على حدة.

 

ولفهم مغزى السمة الأولى، لننظر فيما يلزم لنشوء موطن للأشياء الحية. إن الكيمياء الحيوية، من النمط السائد على الأرض، تتطلب ماء سائلا. ولا يمكن لكوكب أن يحوي ماء سائلا إلا إذا كان يدور على مسافة معينة من نجمه. فإذا كان كوكب قريبا جدا من نجمه، فهو يعاني تأثير احتباس حراري (دفيئة) جامح. واستنادا إلى بحث أنجزه <J. كاستينگ> [من جامعة پنسلڤانيا الحكومية] و<D. ويتماير> [من جامعة جنوب لويزيانا] و<R. رينولدز> [من مركز إيمز التابع لناسا]، يتبين أن الاستراتوسفير (الغلاف الطبقي) stratosphere للكوكب القريب من نجمه يصبح مشبعا ببخار الماء، وأن ضوء الشمس يحلل الماء إلى أكسجين وهدروجين، وأن الهدروجين يبتعد إلى أغوار الفضاء. والنتيجة الإجمالية هي كوكب جاف تماما وفائق الحرارة مثل الزهرة. وبالمثل، إذا كان كوكب بعيدا جدا عن نجمه، فما يحدث هو تأثير تبريد شديد runawayrefrigerator effect. وهنا تتجمد غازات الاحتباس الحراري، كثنائي أكسيد الكربون، إلى ثلج. ولأن الجليد يعكس إشعاعا أكثر مما تعكسه الصخور، فإنه يقوي النزعة إلى التبريد. ومن ثم يدخل الكوكب في بيئة قارسة البرودة، كما هي الحال في المريخ.

 

والنجوم الأصغر من الشمس أبرد منها، لذا تكون المناطق الصالحة للحياة حولها أقرب إليها. ويزيد هذا القرب من احتمال رؤيتنا لحوادث العبور. إضافة إلى ذلك، فإن كوكبا من حجمٍ معطى، يوفر إشارة عبور أقوى حين يمر أمام نجم صغير. ومن ثم فإن الكواكب التي تدور حول نجوم صغيرة والتي يحتمل وجود حياة عليها، ربما كانت هي الأسهل اكتشافا من غيرها من الكواكب.

 

ظلال أراض أخرى(****)

السمة الأخرى للنجوم في عينتنا هي أنه يبدو بأنها تملك فعلا التوجه الضروري لرصد حوادث العبور. وقد اخترناها من كاتالوگ الفلكيين المحتوي على النظم الثنائية الكسوفية(5) eclipsing binary systems، وهي نجوم ثنائيةٌ مستويات مداراتها موازية لخط نظرنا. ويستنتج الفلكيون هذا التوجه من التغير الواضح في سطوع هذه النظم: فسطوع النجمين يتزايد ويتناقص، تماما كما يجب أن يفعلا إذا مر كل منهما بانتظام أمام الآخر. وعلى مدى السنين، عثر الفلكيون (المحترفون منهم والهواة) على آلاف من النجوم الثنائية الكسوفية. وفيما عدا توجهها التصادفي المتوافق، فإن هذه النظم تظل نجوما ثنائية عادية. ويمكن أن يكون لمثل هذه النظم مدارات كوكبية مستقرة مادامت المسافة بين النجم والكوكب أكبر بأربع مرات على الأقل من المسافة الفاصلة بين النجمين. ويدور الكوكب في مداره بالأسلوب المألوف، بيد أن له شمسين في سمائه بدلا من واحدة.

 

الكواكب :تقرير متابعة للتقدم

عوالم الارتعاش(*****)

وصل العد الآن إلى 44، وهذا هو عدد الكواكب المكتشفة حتى الآن حول نجوم قريبة شبيهة بالشمس. وتُزيد المقاريب المنتشرة حول العالم ـ في هاواي وكاليفورنيا وماساتشوستس وتشيلي وأستراليا وفرنسا ـ هذا العدد كل شهر تقريبا. وعلى الرغم من هذا السباق المثير، فإن عمليات البحث مازالت حساسيتها تقتصر على الكواكب الكبيرة نسبيا، التي لا تبعد كثيرا عن شموسها. ومع ذلك، فقد بدأت اتجاهات مفاجئة ومثيرة للدهشة بالظهور، وهذه الاتجاهات تتحدى مفاهيمنا السابقة عن أصل النظم الكوكبية في الكون وتنوعها.

لقد اكتُشفت الكواكب الأربعة والأربعون جميعا بوساطة قياس ارتعاشات (تراوحات) نجومها خلال دوران هذه الكواكب حولها. ومع تحرك النجم نحونا استجابة لسحب الكوكب له، تنزاح خطوطه الطيفية نحو الأطوال الموجية الأقصر والأشد زرقة. وخلال تراجع النجم تنزاح خطوطه الطيفية نحو الأحمر. وبقياس انزياحات دوپلر الدورية الدقيقة هذه، يتمكن الفلكيون من استنتاج المدار والكتلة الدنيا للكوكب (أو الكواكب) الذي يدور حول النجم.

الدقة هي الكلمة المفتاح في هذا الصدد. فالتأثير في حالة المشتري، أو أي عالَم مشابه، هو مجرد 12.5 متر في الثانية على مدى دور يبلغ 12 عاما. وعلى سبيل المثال، فإن الخطوط الطيفية للشمس في الجزء الضوئي من الطيف (حول 500 نانومتر) تنزاح 0.00002 نانومتر فقط. وفي حالة الأرض، يبلغ التغير الدوري في السرعة عُشر متر في الثانية فقط.

وعلى الرغم من القيود التي تحد هذه التقنية، فقد أذهلت كشوفها الفلكيين. وكان أول الاكتشافات كوكبا بكتلة المشتري تقريبا يدور قريبا جدا من النجم 51 پيگاسي، إذ إن المسافة بينهما ليست سوى 0.05 وحدة فلكية (بعد الأرض عن الشمس). لم يتوقع أحد مثل هذا المدار القريب جدا من النجم. وبعد الإعلان عن هذا مباشرة عام 1995 من قبل<M. مايور> و <D. كويلوز> [من مرصد جنيڤ] أعلن فريق يقوده<W.G. مارسي> و<P.R. بتلر> [اللذان كانا حينذاك في جامعة سان فرنسيسكو الحكومية] اكتشاف كواكب ضخمة تدور حول نجمين قريبين آخرين. وقد أحدث أحد هذه الكواكب، الذي يدور حول النجم 70 ڤيرجينيس Virginis، مفاجأة أخرى، إذ وُجِدَ أن مداره يتسم بلامركزية شديدة، أي إن هذا المدار الإهليلجي متطاول وذلك خلافا لمدارات الكواكب في نظامنا الشمسي.

وبناء على عمليات المسح التي أجريت لنحو 800 نجم في جوار شمسنا، يبدو تقريبا، أن لكل واحد من بين عشرين نجما شبيها بالشمس كوكبا عملاقا يدور حوله. ولبعض الكواكب، كتلك التي تدور حول 51 پيگاسي، مدارات دائرية قريبة جدا من نجومها؛ ولبعضها الآخر، كتلك التي تدور حول 70 ڤيرجينيس، مدارات أوسع ومتطاولة. وثمة نظام واحد على الأقل، وهو Upsilon Andromedae، يتضمن كواكب متعددة، [انظر: «أخيرا.. هل هناك نظام كوكبي؟»، مجلة العلوم، العدد 3 (2000) ، ص 18]. وهناك نجوم كثيرة أخرى، ومن ضمنها 55 Cancri، يُعتقد أن ثمة مجموعات كبيرة من الكواكب تدور حولها.

وبفضل التحسينات التي أدخلت على دقة قياسات السرعة نصف القطرية اكتشف فريق مارسي وبتلر كوكبين لكل منهما كتلة تساوي كتلة زحل تقريبا، أي نحو ثلث كتلة المشتري. وسرعان ما أعقب الإعلان عنهما في الشهر 3/2000 تقرير عن كوكب ثالث، كتلته ثلث كتلة زحل، اكتشفه الفريق السويسري. ويعزز هذان الاكتشافان التنبؤات بأن الكواكب ذات الكتل الصغيرة شائعة في الكون. ولكنه تبين، بالمقابل، أن الأقزام البنية(6) التي تدور في مدارات مُحكمة هي أندر مما كان يظن. وقد يشير هذا إلى أن الكواكب والأقزام البنية تتكون من خلال عمليات مختلفة جدا، وبأن العوالم الصغيرة هي أسهل في التكوين من العوالم الضخمة.

وتبقى المدارات المتطاولة سرا مجهولا. ولما كانت الكواكب تتكون في أقراص من الغاز والغبار حول نجوم فتية، فالمفترض أن يكون الاحتكاك قد أدى إلى اقتراب مداراتها من الدائرية. لكن كيف لم يستجب 70 ڤيرجينيس والعوالم المماثلة لهذا التأثير؟ ربما وفرت المذنبات الموجودة في نظامنا الشمسي تفسيرا لذلك، إذ يظن أن اقتراب المذنبات من الكواكب يؤدي إلى قذف هذه المذنبات لتسلك مدارات إهليلجية. وربما شاركت الكواكب ذاتها في عمليات القذف هذه. وإذا كانت هذه هي الحال، فقد يكون نظامنا الشمسي، الذي معظم مداراته دائرية الشكل تقريبا، الاستثناء وليس القاعدة. وفي بعض الحالات، مثل 16 Cygni B، قد يكون التأثير التثاقلي لنجم رفيق ثنائي مسؤولا عن تشويه المدارات.

وقد لاحظ كثير من الباحثين خاصية مثيرة منتشرة بين النجوم المُضيفة للكواكب الخارجية exoplanets، وهي أن هذه النجوم تميل إلى أن تحوي تركيزات عالية على نحو غير مألوف من العناصر الأثقل من الهدروجين والهليوم(7).

وأحد التفسيرات هو أن احتواء النجم وقرصه المحيط به على كمية حرجة من العناصر الثقيلة هو شرط لتكون الكواكب. وثمة رأي آخر يقول بأن هذه النجوم ارتفع محتواها من هذه العناصر نتيجة التهامها بعض كواكبها المولودة حديثا.

وفيما نفكر مليا في هذه الأسرار، سيتلو مزيد من الاكتشافات لكواكب خارجية نتيجة لعمليات المسح الجديدة التي تراقب مزيدا من النجوم بدقة أعلى على مدى زمان أطول. (ومن ثم يمكن العثور على كواكب ذات أدوار أطول). وبمقدور قياسات دوپلر الحديثة الآن الوصول إلى مستوى دقة يصل إلى نحو ثلاثة أمتار في الثانية، وربما إلى دقة أعلى. وقد يعثر الباحثون قريبا على كواكب كتلتها بصغر كتلتي أورانوس ونپتون اللتين تعادلان نحو 5 في المئة فقط من كتلة المشتري. ولكن تقنية دوپلر ربما لا تصلح عند قياس ما يقرب من متر واحد في الثانية؛ فغالبا لن تسمح البقع النجمية واللطخات السطحية الأخرى بقياس انزياحات الخطوط الطيفية بدقة أعلى من ذلك. إن اكتشاف كواكب شديدة الشبه بالأرض قد يتطلب تقنية من نوع جديد تماما.

 

المؤلف

Ray Jayanwardhona

هو زميل أبحاث بجامعة كاليفورنيا في بركلي، حيث يدرس أصل الكواكب.

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_0072.gif

 
http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002265.jpg

يمثل مدار 51 پيگاسي واحدا من النمطين المرصودين للمدارات الكوكبية (الصفوف الزرقاء في الجدول): فهو مُحكم ودائري.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002266.jpg

يمثل مدار 70 ڤيرجينيس النمط الآخر للمدارات الكوكبية (الصفوف السوداء في الجدول): فهو أوسع وإهليلجي متطاول.

لمزيد من المعلومات [انظر: «كواكب عملاقة في مدارات حول نجوم بعيدة»، مجلة العلوم، العددان 7 /8 (2000) ، صفحة 5]

 

إن النجوم الثنائية الكسوفية هي هبة الطبيعة لصياد الكواكب، هذا ما قاله أول مرة <J. شنايدر> و<M. شيڤرتون> [من مرصد مُدُون في باريس]. ويعتقد النظريون بأنه إذا تكونت فعلا أي كواكب في نظم نجوم ثنائية، فإنها تنحو لتكون في نفس المستوى المداري للنجمين. وإذا كان الأمر كذلك، فإن احتمال رؤية عبور يكون مئة في المئة. وعندما يمر مثل هذا الكوكب أمام نجميه الأبوين، يجب أن يُحْدِث انخفاضا مزدوجا واضحا، وذلك عندما يحجب ضوء أحد النجمين ثم ضوء الآخر. ويتوقف شكل الانخفاض المزدوج على التشكل الهندسي للنجمين والكوكب (انظر الشكل في الصفحة 26).

 

وفي عام 1994 نظَّمنا شبكة على نطاق عالمي لمقاريب قطر كل منها متر واحد (وهي شبكة عبور الكواكب الموجودة خارج النظام الشمسي (transit of extrasolar planets(TEP  ، وذلك للبحث عن عوالم شبيهة بالأرض حول CM  دراكونيس، وهو أحد أصغر نظم النجوم الثنائية الكسوفية المعروفة. ويتكون هذا النظام من نجمين صغيرين جدا وباردين جدا، عمرهما نحو تسعة بلايين عام، ويبعدان عنا نحو 54 سنة ضوئية. وللكواكب الموجودة داخل المنطقة الصالحة للحياة في هذا النظام أدوار مدارية تقع بين 18 و 35 يوما  تقريبا. وبهدف القيام ببحث دقيق عن كوكب شبيه بالأرض في هذه المنطقة، فقد تعين على الشبكة TEP رصد هذا النظام طوال مدد زمنية مجموعها أكثر من 1000 ساعة. وخلال السنوات الست السابقة، قام فلكيون بتقديم بيانات عنها، كلٌّ من خط الطول الخاص به. وهؤلاء الفلكيون هم شنايدر و<V. كوجِڤْنيكوڤ> [من جامعة أورال الحكومية في روسيا] و<B. أويديكر> [من جامعة نيو مكسيكو] و<E. مارتن> [من معهد كاليفورنيا للتقانة CIT] و<E.J. بلو> [من SRI International في كاليفورنيا] و<S.P.R. ستون> [من مرصد ليك في كاليفورنيا] و<E. پاليولوگو> [من جامعة كريت].

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002267.jpg

هل هذا ضجيج صرف؟ أو هل ثمة كوكب يتوارى في مكان في هذه القياسات لسطوع النجم الثنائي CM دراكونيس (النقاط)؟ للتمييز بين الارتعاش (التراوح) العشوائي الناجم عن جو الأرض وبين الإعتام الناجم عن كوكب ما، قام المؤلفون بالبحث عن أنماط متكررة. تمثل الخطوط المنحنية الإعتامَ المتوقع لجسم قطره يعادل 2.5 مرة قطر الأرض ودوره 23 يوما.

وتكمن المشكلة في التمييز بين إشارة العبور والضجيج الذي يتضمن التغيرات في غلاف الأرض الجوي، وعدم استقرار التجهيزات، والتغيرات النجمية الذاتية، وغير ذلك. ومن حسن الحظ أن نمط حوادث العبور عبر النجوم الثنائية الكسوفية مميز يمكن التنبؤ به ـ إلى درجة أن خوارزميتنا، التي أُنجزت بالاشتراك مع جنكينز، يُمكن أن تَكشف كواكب حتى لو كان الإعتام الذي تحدثه أقل من الضجيج. وبغية تخليص كوكب من الضجيج، نقوم بمقارنة جميع الأنماط الممكنة لتحديد أي منها يتفق مع البيانات. ويمكن لعدد كبير من الأنماط الاختفاء في الأرصاد الفوتومترية التي تستغرق 1000 ساعة. ولعدم إغفال أي منها، قمنا باختبار أكثر من 400 مليون نمط مرشَّح تمت مقابلتها بمنحنى الضوء. ويسمى هذا الربط بين أنماط العبور الممكنة والأرصاد المتوفرة مرشِّح مقابلة matching filter. وكانت النتيجة أن هناك إمكانيات لكواكبَ نصف قطر كل منها يعادل 2.5 مرة تقريبا نصف قطر الأرض. وكان هدف الاختبار التوثق من استمرار العبور في الأوقات المتوقعة له بدقة. وفي خريف 2000 بقي احتمالان لكوكبين دَوْراهما 21 و26 يوما. وفي الوقت نفسه، وسَّعنا مجال بحثنا ليتضمن عدة مئات من النجوم الثنائية الكسوفية.

 

عالم التوقيت(******)

وفي نهاية المطاف، يمكن لحوادث العبور أن تكشف حتى وجود توابع للكواكب. وهذه التوابع، يمكن أن تُحدث ذبذبات معتدلة في الحركات المدارية للكواكب التي تدور حولها، ومن ثم تغير قليلا من توقيت العبور. وعلى سبيل المثال، إذا قام فلكيون من خارج الأرض بمراقبة الشمس، فإنهم سوف يلاحظون إعتاما طفيفا فيها كل 365.24 يوم، ومن ثم يستنتجون وجود أرض. ولكن حوادث العبور، على مدى السنين، تحدث متأخرة أو متقدمة عن موعدها بنحو دقيقتين، وهذا يقتضي ضمنيا وجود قمر (إذا ما أخذنا في الحسبان الظواهر المدارية الأخرى). ولو أمكن قياس الضوء الذي يُجرى من الفضاء خارج الأرض بدقة عالية للغاية، لأمكن للفلكيين هناك الكشف مباشرة عن بعض الإعتام الإضافي الذي يسببه القمر.

 

لو كان هناك فضائيون من خارج الأرض

يراقبون الشمس، لاستنتجوا وجود الأرض.

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002268.jpg

 

إن حوادث العبور ليست الوسيلة الوحيدة التي تُمَكّن الفوتومتر (مقياس الشدة الضوئية) من الكشف عن وجود كوكب عابر. فالنجم الثنائي الكسوفي يمكن أن نعده نوعا من أنواع الساعات، ذلك أن حوادث الكسوف النجمية يجب أن تحدث على فترات زمنية منتظمة. فإذا كانت الساعة غير مضبوطة، فقد يعني هذا أن ثمة جسما غير مرئي يُشد بقوة نحو النجوم. وإذا سَحب كوكب تبلغ كتلته قدر كتلة المشتري النجم الثنائي بعيدا عنا مثلا، فإن ظواهر الكسوف تحدث متأخرة بضع ثوان، لأن ضوء النجمين سيستغرق هذا القدر من الثواني للوصول إلى الأرض. ويزيد هذا التأثير كلما زاد بُعْد الكوكب أو كبرت كتلته. لذا يمكن كشف كوكب عملاق دون أن يعبر أمام النجمين أبدا. وباستعمال البيانات المتوفرة، تمكن الفلكيون من وضع حدود لمدى انتشار الكواكب العملاقة في نظم نجوم معينة. فمثلا، لا يحوي نظام CM دراكونيس أي أجسام كتلتها أكبر من نحو ثلاثة أمثال كتلة المشتري، ويقل بُعْدها عن بُعْد مدار الأرض (حول الشمس).

 

وتسمح الدقة العالية في قياس الشدة الضوئية، إضافة إلى الأرصاد التي أجريت طوال سنوات، بالتوصل إلى نتيجة إضافية أخرى تتعلق بالضوء المنعكس عن كوكب ما. فالكواكب القريبة من نجومها بدرجة كافية لا بد أن تعكس قدرا يمكن كشفه من الضوء النجمي. وهي تخضع لتغيرات في الطور تشبه تغيرات طور القمر التي تحدث كل شهر، وهذا يولِّد تموجات دورية يمكن تمييزها عن تغيرات السطوع النجمي الأخرى. ويمكن لهذه التقنية أن تتبين الأجسام التي تبلغ أدوارها المدارية أسبوعا أو أقل. وقد تتمكن من سبر طبيعة الكوكب ذاته، لأن الكواكب ذات السطوح الخشنة تُحدِث تغييرات في السطوع أكبر مما تحدثه الكواكب ذات السطوح الملساء. وهناك طريقة تتعلق بالطريقة السابقة وتبحث عن الضوء المنعكس من الكوكب في طيف النجم. ففي عام 2000 ادعى<C.A. كاميرون> [من جامعة سانت أندروز باسكتلندا] وزملاؤه، بأنهم رأوا الضوء المنعكس عن الكوكب العملاق الذي يدور حول النجم Tau Bootis، بيد أنه تبين أن هذا الكشف مثير للجدل.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N4_H04_002269.jpg

يبين هذا المخطط موجزا للطرائق المختلفة المطبقة في اكتشاف الكواكب، وهو يبين حساسية هذه الطرائق للكواكب التي لها كتلة مفروضة (المحور الرأسي) وبُعْد مفروض عن نجومها (المحور الأفقي). وطريقة السرعة نصف القطرية، حتى عند حدها النظري (الخط الأسود)، لا تعثر على العوالم التي تصغر كوكب زحل ما لم تكن قريبة جدا من نجومها. ويمكن لطريقة العبور كشف أجسام بحجم الأرض، ولكن الحدود العملية تجعل هذه الطريقة تقتصر حاليا على كشف الكواكب القريبة إلى حد ما من نجومها (الأصفر)، غير أن البعثات الفضائية سوف تغطي هذا المخطط بأكمله. هذا وقدرة طريقة توقيت الكسوف (الأزرق) على كشف الكواكب البعيدة أكبر من قدرتها على كشف الكواكب القريبة.

 

ولما كانت أكبر مصادر الخطأ في قياس منحنيات الضوء النجمي تأتي من الغلاف الجوي للأرض، فمن الواضح أن مراقبة النجوم من الفضاء سوف تجعل الأمور أفضل. وسوف يكون بإمكان المرصد المداري إنجاز دقة في قياس الشدة الضوئية قدرها 0.002 في المئة. وثمة الكثير من البعثات المشابهة يجري إعدادها الآن. فمن المقرر إطلاق السفينة الفضائية الأوروبية COROT عام 20044، وستكون هذه السفينة حساسة للكواكب الصغيرة التي يعادل حجمها ضعف حجم الأرض. وكذلك يمكن لمرصد إدينگتون، التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، أن يكتشف فعلا كواكب بحجم الأرض. وأكثر البعثات طموحا هي ساتل كپلر Kepler satellite  التابع للوكالة ناسا، وهو قادر على مراقبة 170000 نجم في كوكبة الدجاجة Cygnus، ولو تحقق ما تشير إليه التحليلات الإحصائية، سوف يكون بإمكانه كشف عبور أكثر من 600 كوكب بحجم الأرض، وكذلك الضوء المنعكس عن نحو 1700 من الكواكب الداخلية العملاقة. وستكون هذه العوالم أهدافا واضحة لأجهزة قياس التداخل المحمولة في الفضاء، التي لا بد أن تكون قادرة في النهاية على إلغاء الوهج النجمي وأخذ صور حقيقية للكواكب [انظر: «البحث عن الحياة على كواكب أخرى،» مجلة العلوم، العدد 11 (1997) ، ص 38]. وخلال العبور؛ تكون الكواكب مضاءة من الخلف بنجومها، وهذا يُسهِّل فحصها طيفيا ومعرفة ما إذا كانت توجد شواهد عن وجود حياة فيها، مثل الأوزون والماء والميثان.

 

ونحن، جميع العاملين في هذا الميدان، نشعر أننا محظوظون لكوننا نعيش في العصر الذي شهد أول اكتشاف لكواكب تدور حول نجوم أخرى غير الشمس. لقد كتب فلكي عصر النهضة <C.  هُويْگنز> ما يلي: «ما أروع النظام المدهش لهذا الكون البديع الفسيح الأرجاء الذي نعيش فيه! إنه يحوي الكثير الكثير من الشموس (النجوم المماثلة للشمس)، والكثير الكثير من الكواكب المماثلة للأرض.» ترى، هل كان هُويْگنز محقا في قوله؟ هل توجد كواكب أخرى مثل كوكبنا؟ وهل هي مأهولة؟ سوف يكون في الإمكان معرفة الجواب بحلول نهاية هذا العقد.

 

المؤلفون

L. R. Doyle – H-J. Deeg – T. M. Brown

ثلاثة فلكيين يبحثون عن كواكب خارج النظام الشمسي بتطبيق الطريقة الفوتومترية (قياس الشدة الضوئية) منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي. يعمل دويل في معهد SETI بكاليفورنيا، وقد ابتكر أيضا خوارزميات لتحليل أصوات vocalizations الثدييات البحرية، مثل صفير حيوان الدلفين. أما ديگ، فيعمل في معهد الفيزياء الفلكية في أندالوسيا بإسپانيا. وهو كثيرا ما يستفيد من المقاريب المقامة في جزر الكناري. أما براون فيعمل في المركز الوطني لبحوث الجو في كولورادو، ولمقرابه فتحة قطرها 2.5 بوصة فقط، ولكنها توفر مجالا واسعا للرؤية.

 

مراجع للاستزادة 

CIRCUMSTELLAR HABITABLE ZONES: PROCEEDINGS OF THE FIRST INTERNATIONAL CONFERENCE. Edited by Laurance R. Doyle. Travis House Publications, 1996.

A TRANSITING “51 PEG-LIKE” PLANET. Gregory W. Henry, Geoffrey W. Marcy, R. Paul Butler and Steven S. Vogt in Astrophysical Journal, Vol. 529, No. 1, pages L41-L44; January 20, 2000.

DETECTION OF PLANETARY TRANSITS ACROSS A SUN-LIKE STAR. David Charbonneau, Timothy M. Brown, David W. Latham and Michel Mayor in Astropbysical Journal, Vol. 529, No. 1, pages L45-L48; January 20, 2000. Preprint available at xxx.lanl. gov/abs/astro-ph/9911436 on the World Wide Web.

OBSERVATIONAL LIMITS ON TERRESTRIAL-SIZED INNER PLANETS AROUND THE CM DRACONTS SYSTEM USING THE PHOTOMETRIC TRANSIT METHOD WITH A MATCHEDFILTER ALGORITHM. Laurance R. Doyle et al, in Astrophysical Jozernal, Vol. 535, No. 1, pages 338-349; May 20, 2000. Preprint available at xxx.lanl.gov/abs/astro-ph/ 0001177 on the World Wide Web.

For a description of these many other planet searches, see the Extrasolar Planets Encyclopedia atwww.obspm.fr/encycl/encycl.html

Scientific American, September 2000

 

(*) Searching for Shadows of Other Earths

(**) A Little Black Spot on the Sun Today

(***) What Other Plants Circle Other Suns

(****)Shades of Other Earths

(*****) Wobble Worlds

(******) Clockworld

 

(1)مرور كوكب مباشرة بين نجم وراصده. وفي نظامنا الشمسي لا ترى هذه الظاهرة من الأرض إلا في عطارد والزهرة، فهما وحدهما يمكن أن يعبرا بهذه الطريقة. (التحرير)

(2) مخطط يبين كيفية تغير سطوع brightness النجم مع تغير الزمن.

(3) أداة إلكترونية تسجل شدة الضوء الوارد إليها. وقد حلت هذه الأداة محل الأفلام في معظم التطبيقات الفلكية. (التحرير)

(4) مجموعات من مئات أو آلاف النجوم تكونت في الوقت نفسه تقريبا.

(5) وهي أزواج من النجوم، يمر في كل منها نجم مرورا دوريا أمام الآخر، وهذا يؤدي إلى إخفاء ضوء الأخير جزئيا أو كليا عن الناظر إليه من الأرض.

(6) وهي نجوم خاملة كتلتها تعادل ما يتراوح بين عشرة وثمانين مثلا من كتلة المشتري.

(7) [انظر: “Here Come the Suns,” by G. Musser; News and Analysis Scientific American, May 1999].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى