تعقيد القهوة
تعقيد القهوة(*)
إحدى المسرات البسيطة في الحياة هي في واقع الأمر معقدة تمامًا.
<E. إلِّي>
قليلة هي الممارسات اليومية التي تستطيع أن تنافس فنجان قهوة جيد في قدرته على منحنا المتعة الحسية الكاملة. ويمكن لعبير القهوة الساخنة الفتان التي تم إعدادها من حَبٍّ حديث التحميص، أن ينتزع النائمين من أسرَّتهم وأن يغري المارة بدخول المقاهي لاحتسائها. إن ملايين البشر في سائر أنحاء المعمورة يجدون صعوبة في بدء يومهم بدون دفقة الصفاء الذهني التي تمنحها إياهم مادة الكافئين في القهوة. وعلى الرغم من البساطة البادية لهذا المشروب المألوف، فإنه ينطوي على تعقيد كيميائي كبير. ففي غياب الفهم العميق للتأثير الفائق لاختلاف أساليب إنتاج حبوب القهوة وتحميصها وتحضيرها على مئات المركبات التي تحدد نكهة القهوة ورائحتها وقوامها، يصبح فنجان القهوة الممتاز مجرد مصادفة قليلة الحدوث.
ويتفق الذواقة connoisseurs على أن سيدة القهوة هي الإسپريسو espresso: وهو الفنجان الصغير الحجم المصنوع من الخزف الصيني الثقيل، الذي يُملأ نصفه بشراب أسمر داكن يعلوه زبد كثيف ناعم ذو لون بني ضارب للحمرة يسمى كريما crema. وباعتبار هذه الكريما تتألف من فقاعات غازية دقيقة مغلفة بأغشية رقيقة، فإنها تحتفظ بشكل مدهش بنكهات القهوة وعطرها المميز، وكذلك بالكثير من حرارتها. ويتم إعداد الإسپريسو (التي هي كلمة تشير إلى وجبة من طعام أو شراب أُعدت خصيصا لمناسبة معينة) بواسطة التخلل percolationالسريع لكمية صغيرة من الماء الساخن المضغوط عبر كمية متراصة من القهوة المحمصة المطحونة. ولا يحتوي الشراب الناتج من ذلك على مواد صلبة ذائبة فحسب، بل يحتوي كذلك على تشكيلة متنوعة من مواد عطرية في مستحلب منتشر dispersed يتكون من قطيرات زيتية دقيقة تمنح مجتمعة الإسپريسو طعمها الغني ورائحتها ومذاقها الفريد.
ويعتبر محبو القهوة أن الإسپريسو المعدة جيدا تمثل القمة بين أنواع القهوة، لأن طريقة تحضيرها الخاصة تُعظِّم وتُظهر المزايا المتأصلة في حبوب البن. وتوضح الإسپريسو ما نرمي إليه هنا من حيث كونها في الحقيقة خلاصة لجميع التقنيات المتعددة المستخدمة في تحضير القهوة، بما في ذلك الطريقة التركية ومختلف عمليات النقع والترشيح (انظر الإطار في الصفحة 13 لوصف طرائق أخرى لتحضير القهوة). إن معرفتك بالإسپريسو تعني معرفتك بالقهوة بمختلف أشكالها.
إن القهوة العالية الجودة هي نتاج المحافظة على التحكم الوثيق في عدد كبير من العوامل في الحقل والنبتة والفنجان؛ إذ تستلزم زراعة البن مراقبة عدد كبير من المتغيرات وتنظيمها. فمتى أُنتجت حبة البن، لا يمكن إضافة شيء أو إزالة شيء؛ فالجودة يجب أن تكون موجودة سلفا. إن تحضير فنجان واحد من الإسپريسو يحتاج إلى ما يتراوح بين 50 و 55 حبة بن مُحمصة، ووجود حبة واحدة معطوبة بينها سينعكس على المجموع بشكل تسهل ملاحظته. ويعود ذلك إلى أن حاستي الشم والتذوق عند الإنسان نشأتا كآليات دفاع تولت حماية أجدادنا من تناول الأغذية العفنة الضارة بالصحة. وباستخدام التقانة الحديثة فقط يستطيع المرء أن يتعرف، بشكل اقتصادي ومستديم، 50 حبة بُن سليمة تقريبا.
زراعة البُن(**)
إن حبوب البُن النيئة هي بذور نباتات تنتمي إلى فصيلة الفُوِّيَّات Rubiaceae، التي تشتمل على 66 نوعا species على الأقل من جنس genus البُن coffea. أما الصنفان اللذان يستثمران تجاريا فهما البن العربي Coffea arabica الذي يشكل ثلثي إنتاج العالم وبن كانيفورا C. canephora الذي يطلق عليه غالبا اسم البُن الخشن robusta والذي يشكل ثلث الناتج العالمي. ويمتلك نبات البن الخشن وجميع أصناف نبات البن البري 222 صبغيا (كروموزوما)، في حين يمتلك البن العربي 44 صبغيا. لذا فإن البن العربي لا يمكن تهجينه مع أنواع البُن الأخرى لإنتاج نبات هجين hybrid.
يلاحظ أن شجرة البن الخشن robusta غزيرة الإنتاج ومقاومة للأمراض، ويصل ارتفاعها إلى 12 مترا. وتعتبر الأجواء الحارة الرطبة مثالية لنموها. ويُنتج هذا البن فنجانا ذا قوام غني، ورائحة ترابية قوية، ومحتواه من الكافئين مرتفع، إذ يتراوح بين 2.4 و 2.8 في المئة من وزنه. وعلى الرغم من أن كثيرا من الموردين يبيعون البن الخشن، فإنه لا يعطي أجود نوعية من القهوة ولا أفضلها.
أما شجرة البن العربي التي يعود أصل منشئها إلى المرتفعات الإثيوبية، فيتراوح إنتاجها بين الضعيف والمتوسط، وهي شجرة رهيفة نوعا ما، يتراوح ارتفاعها بين 5 و 6 أمتار، وتعيش في الأجواء المعتدلة وتحتاج زراعتها إلى عناية خاصة. ويلاحظ أن شجيرات البن ذات المردود التجاري يتم تقليمها لأطوال تتراوح بين متر ونصفٍ إلى مترين. إن القهوة المصنوعة من البن العربي تكون ذات رائحة نفاذة ومعقدة تذكرنا بالزهور والفاكهة والعسل والشوكولا والكاراميل (السكر المحروق) أو الخبز المحمص. ولا يتجاوز محتواها من الكافئين 1.5 في المئة من وزنها. ونظرا لتفوّق نوعيتها وطعمها فإنها تباع بسعر أعلى من ابنة عمها القاسية الخشنة.
يشجع الهَطْل الجيد للأمطار ازدهار نباتات البن العربي، وبعد هطل جيد بنحو 210 أيام تظهر ثمار حُمْر أو صفر تسمى كَرَزات cherries. وتحتوي كل «كرزة» على بذرتين متطاولتين، هي حبات البن. ونظرا لوجود كل من الزهرة والثمرة على نفس الفرع في وقت واحد، فإن أفضل وسيلة لجمع الثمار الناضجة هي أن يستخدم جامع هذه الثمار سبابته وإبهامه لالتقاطها. أما تعرية كامل الفروع باليد أو باستخدام وسائل الحصاد الآلية فهي عملية لا تفرق بين الكرزات الناضجة وغير الناضجة.
وتعتمد الجودة النهائية لحبوب البن الناتجة على الصفات الوراثية للنبات وعلى التربة التي تنمو فيها، وكذلك المناخ الدقيق microclimate الذي يضم بعض العوامل مثل الارتفاع وكمية الهطل المطري وضوء الشمس وتغيرات درجات الحرارة اليومية. وإلى جانب عمليات التحميص المستخدمة تكون هذه الاعتبارات الزراعية والجغرافية مسؤولة عن الفروق في مذاق الضروب varietiesالعديدة من البن التي يقوم الموردون بخلطها لإنتاج مختلف المزائج blends المتميزة التي يمكن للمرء شراؤها.
معالجة البن(***)
لا بد من معالجة ثمار البن، بعد جمعها مباشرة، لمنع تلفها. ويستخدم المنتجون طريقتين للمعالجة وهما: التجفيف الشمسي والغسيل. ويتم التجفيف الشمسي الناجع بنشر الثمار (الكرزات) في فناء مكشوف وتقليب المتجفِّفة منها بشكل متكرر بقصد تسخينها وتهويتها بصورة متجانسة. ويتم بعد ذلك إدخال الثمار الجافة في آلة تقوم بتكسير القشور ومن ثم إزالتها مع الطبقة الغشائية الرقيقة التي تحيط بالحبوب، وبذلك يتم تحرير الحبوب من أجل فرزها وتعبئتها. أما الطريقة الأخرى البديلة فإنها تتمثل في نزع لب الثمرة آليا، وغسل الحبوب، ومن ثم تجفيفها وتخليصها من أغلفتها الرقيقة. ويلاحظ أن الهدف من كل من الطريقتين واحد، وهو خفض محتوى الرطوبة لكرزات البن من 65 في المئة إلى ما يتراوح بين 10 و 12 في المئة، وهي النسبة التي تحتوي عليها حبة البن الخام أو الخضراء.
يتمثل أكبر التحديات في إنتاج بن عالي الجودة في التأكد من أن المرء يبدأ من حبوب خُضْر متميزة. ويستخدم المنتجون ذوو الشهرة العالية، مثل الشركةillycaffè ومقرها في إيطاليا، تقانات متقدمة لمراقبة عمليات المعالجة بهدف تقليص نسبة حبوب البن المعيبة إلى أقل حد ممكن. وتتضمن هذه التقانات استخدام التحليل بالفلورة فوق البنفسجية ultraviolet fluorescence لاكتشاف الحبوب العفنة، وكذلك تقانة التصوير الثلاثي الألوان trichromatic لإنتاج بصمة لونية (صفراء مائلة للأخضر أو حمراء أو تحت الحمراء) لكل وجبة من الحبوب. وتستخدم الشركة illycaffè نظام فرز ثنائي الألوان تم إنشاؤه بالتعاون مع الشركة الإنكليزية Sortex كوسيلة مراقبة نهائية تسبق عملية التحميص مباشرة. وأثناء تعبئة الحبوب في الصناديق تقوم خلايا كهرضوئيةphotoelectric باكتشاف التالف منها، وتعطي إشارة لاستبعاده عن طريق نفثة هواء من فوهة خاصة. أما عملية الفَرْز sorting فتتم بسرعة لا يمكن للإنسان مضاهاتها بيده (حيث يتم فرز 4000 حبة في الثانية)، إضافة إلى دقة عالية لا تستطيعها أكثر العيون تدريبا ودراية.
تتكون حبوب البُن الكاملة النضج من خلايا ذات جُدُر غليظة بشكل غير مألوف، إذ يتراوح سمكها بين 5 و 7 ميكرونات، وهو ما يعتبر شيئا غير عادي في المملكة النباتية. وخلال عملية التحميص فإن هذه الخلايا التي تتراوح أقطارها بين 30 و 40 ميكرونا تقوم بدور مفاعلات صغيرة تتم داخلها جميع التفاعلات الأساسية التي تَحدث بفعل الحرارة وتُولد طعمَ وشذا القهوة الجذابين. وأما خلايا الحبوب غير الناضجة فإنها ذات جُدُر أرق، وتفتقد كذلك الپروتينات الطليعية العطرية المهمة التي تتكون في المراحل الأخيرة من عملية النضج. وأما الحبوب المخمَّرة fermented فتتألف من خلايا تم إفراغها من هذه المكونات الأساسية بفعل فِطْر العفن أو البكتيرات.
تحميص البن(****)
«التحميص» عملية تسخينية pyrolytic تزيد التعقيد الكيميائي للبن بشكل كبير. ويحتوي شذا البن الأخضر على نحو 2500 نوعا من الجزيئات الطيارةvolatile، في حين يعطي البن المحمص ما يزيد على 800 نوع من هذه الجزيئات.
وعند تعريض البن إلى التسخين المتدرج في آلة التحميص (وهي أسطوانة كبيرة دوّارة)، يتحول الماء المتبقي في كل خلية إلى بخار، يستحث بدوره قيام تفاعلات كيميائية معقدة ومتنوعة بين وفير السكاكر sugars والپروتينات والليپيدات والمعادن الموجودة داخل الخلايا (انظر الإطار في الصفحة 122). وعند درجات الحرارة العالية التي تتراوح بين 185 و 240 درجة مئوية، تتحد السكاكر مع الحموض الأمينية والپِپْتيدات والپروتينات في سيرورة كَرْملة caramelizationمعروفة تدعى تفاعل ميلارد Maillard’s reaction. وتكون النواتج النهائية بنية اللون ذات طعم يتصف بالحلو المر، وهي الگليكوزيلامين glycosylamineوالقتامينيات melanoidins، التي تضفي على القهوة طعمها المعروف. وإضافة إلى هذه المواد يتكون ثنائي أكسيد الكربون بمقدار يصل إلى 12 لترا لكل كيلوغرام من البن المحمص.
وفي نفس الوقت تتولد تشكيلة واسعة من جزيئات عطرية أقل كتلة. وتمنح هذه المركبات المتطايرة ذلك الشذا المألوف للقهوة. ويرتفع الضغط داخل كل خلية إلى حد يتراوح بين 20 و 25 ضغطا جويا فيما يحاول البخار وثنائي أكسيد الكربون الانطلاق من الخلايا من دون أن يتمكنا من ذلك، بسبب انحباسهما داخل الجُدُر الخلوية السميكة القليلة الثقوب وداخل الغطاء الزيتي الذي يسترها. وتنفجر في نهاية الأمر بعض الخلايا محدثة صوت الفرقعة المميز الذي نسمعه أثناء تحميص البن. وأثناء عملية التحميص، يزداد حجم حبة البن بما يعادل النصف أو أكثر، في حين تنخفض كتلة الحبة بما يعادل الخُمس.
ويمكن أن تدوم عملية التحميص لفترة تتراوح بين 90 ثانية و40 دقيقة، بحسب درجات الحرارة والطرائق المستخدمة. ولكن الفترة التقليدية للتحميص تبلغ 12 دقيقة. أما الديناميكا الحرارية thermodynamics للتفاعلات داخل الخلويةintracellular فإنها تختلف باختلاف فترة التحميص، وكذلك الحال بالنسبة للنتيجة النهائية. ويلاحظ أن فترة التحميص القصيرة، التي تحتاج إلى كمية كبيرة من الطاقة الحرارية، تقلل إلى حد كبير من فقدان الوزن ولكنها تُضفي على فنجان القهوة مرارة معدنية ناجمة عن وجود عديدات الفينولات polyphenolsالتي لم يتح لها الوقت الكافي للتفاعل بشكل مناسب. أما فترات التحميص الطويلة، المستخدمة في الدول الفقيرة التي لا يملك الكثير من المستهلكين فيها سوى ثمن حبوب البن الرخيصة والمعيبة defective، فإنها تضطر جميع النكهات والأريج الفوّاح إلى الخروج من الحبوب. ومن المؤسف أن المذاقات والروائح المرغوب بها تتلاشى كذلك، مما يخلف فنجانا يميل طعمه إلى المرارة.
وكلما ارتفعت الحرارة النهائية للتحميص ضعف شذا القهوة المرغوب به وازدادت مرارتها. وفي المقابل، فإن التحميص بدرجات حرارة منخفضة يخفق في بعث الشذا المطلوب بتمامه كما تَغْلُب الحموضة.
رائحة القهوة(*****)
يتصف علم العطور(1) بتعقيد بالغ. ويقوم الباحثون عادة بتحليل الروائح المنبعثة أثناء عملية تحميص حبوب البن باستخدام الاستشراب الغازي gaschromatography المقترن بالقياس الشمّي olfactometry، الذي يعمد فيه مختبِرون مهرة إلى تنشق رائحة كل عنصر يمكنه تعرّفه وتحديدها. وغالبا ما يستخدم بعد ذلك قياس طيف الكتلة mass spectrometry لتحديد التركيب الكيميائي لكل رائحة. ويعتبر تنشّق عطور البن المحمّص التي جرى تجزئتها باستخدام الاستشراب الغازي خبرة تنويرية(2)؛ إذ يستطيع المرء أن يتعرف روائح الورود وشاي دارجيلينگ Darjeeling tea والشيكولا والڤانيلا والبنفسج، إضافة إلى الكمآت truffles والحساء والجبنة والعَرَق، وحتى ما يسمى برائحة القطة التي ـ تشبه في حال تخفيفها ـ رائحة نبيذ سوڤينيون sauvignon الأبيض، في حين تكون منفِّرة في حالتها المركزة.
يركز الفنيون في مختبرات الشركة illycaffè اهتمامهم على أقوى المواد ذات الروائح الفواحة. تصور أنك تستمع إلى تسجيل لجوقة موسيقية يشارك فيها 800 من المطربين تتضمن الأصوات القوية المنفردة لكل من <جيسي نورمان> و<لوشيانو پاڤاروتي> وعدة فنانين آخرين ممن يغلب صوتهم على كامل الفريق. فإذا قمت بخفض شدة الصوت أثناء الاستماع إلى التسجيل فستبقى قادرا على تمييز الأصوات الأقوى على الرغم من تخامد صوت الجوقة ككل. إن تخفيف عطر القهوة هو شيء شبيه بهذا الأمر، فبعد نقطة معينة من التخفيف لا تدرك إلا المركبات القوية فقط. ولسوء الحظ فإن أقوى الجزيئات رائحة في عينة من القهوة هي تلك التي تنجم عن الحبات المعيبة.
إن وجود الجزيئات المسؤولة عن الرائحة غير المستساغة للحبوب غير الناضجة مثل جزيئات بوتانوات الإثيل ethylbutanoate وگلايكولات الإثيلethylglycolate، يفسد مذاق فنجان القهوة. وبالمثل فإن وجود جزيئات المركّبين إيزوبورنيول المثيل methylisoborneol وثلاثي كلور الأنيسول trichloroanisole TCAيولد الرائحة الكيميائية الترابية المميزة لأنواع القهوة المصنوعة من أنواع البن الخشن. وهذا المركب الأخير (TCA)، الذي يطلق عليه اسم مذاق ريو Rio taste (لأن أول اكتشاف له كان في أنواع بنٍّ تمت زراعتها حول مدينة ريو دو جانيرو)، يمكن أن يوجد أيضا في زجاجات النبيذ المغلقة بسدادات الفلين. وتعتبر عتبة الإدراك الحسي للجهاز الشمي البشري حيال هذا المركب منخفضة بشكل مذهل، إذ تتدنى حتى ستة أجزاء في المليون من جزء في البليون من الغرام في كل ملّيلتر.
تعتبر القهوة أكثر المشروبات شعبية (إلى جانب الماء طبعا)، إذ يُستهلك منها أكثر من 400 بليون فنجان سنويا.
* تأتي القهوة في المرتبة الثانية بعد النفط من حيث قيمة تداولها بالدولار في الأسواق العالمية [شكلت صادرات القهوة نحو 10.4 بليون دولار عام 2000]. * دلت إحصائية شملت 3000 أمريكي وقامت بها جمعية القهوة الوطنية عام 2001 على أن: 52 في المئة من البالغين (ممن تتجاوز أعمارهم الثمانية عشر عاما) في الولايات المتحدة يشربون القهوة يوميا، وهذا يعني أن هناك 107 ملايين شارب للقهوة يوميا. كما أن 28 في المئة من البالغين (أي 57 مليون فرد) يشربون القهوة بين الحين والآخر. شاربي القهوة الأمريكيين يستهلكون ما معدله 3.3 فنجان (كل منها تسع أُنصات) من القهوة يوميا. * مازال الجدل دائرا حول ما إذا كان ينبغي تشجيع زراعة أشجار البن في الأمكنة الظليلة بهدف تحسين بيئات الطيور. * كانت القهوة والكافئين موضوع دراسة مكثفة خلال الربع الأخير من القرن العشرين، حيث تم نشر ما يتراوح بين 1500 و 2000 بحث كل عام حول هذا الموضوع. ولم تظهر هذه الدراسات المعمقة سوى القليل من التأثيرات الصحية السلبية لشرب القهوة المحتوية على الكافئين باعتدال (فنجانين يوميا). وفي الحقيقة، تُظهر بعض الأبحاث الحديثة أن القهوة المحمصة هي مصدر جيد لمضادات الأكسدة antioxidants. * ما بين عامي 1000 قبل الميلاد و500 بعد الميلاد كانت قبائل أوروموس البدوية التي تقطن مملكة كيفا (إثيوبيا حاليا) تأكل البن مهروسا ومخلوطا بالدهن ومُقَوْلَبًا بمقادير في حجم كرة الگولف، كما كانت تستخرج منه شرابا منبها (كحوليا في الغالب). نحو 600 نوع من القهوة جلبها التجار عبر البحر الأحمر إلى الجزيرة العربية (وبخاصة اليمن حاليا). حتى أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر بقيت حبوب البن احتكارا عربيا، وقد جُلبت إلى تركيا ومصر وسوريا بواسطة الحجاج المسلمين العائدين من مكة. وقد فتحت المقاهي العربية في القسطنطينية ودمشق وغيرهما من مدن الشرق الأدنى، حيث تعرّفها التجار الأوروبيون، وبخاصة الڤينيسيون. نحو العام 1600 أطلق مستشارو البابا كلمنت الثامن على القهوة وصف «الاختراع المر للشيطان» وحثّوه على تحريم المشروب المفضل لدى الأتراك العثمانيين. ولكن البابا، بدلا من ذلك، قرر منح القهوة بركته، مما جعلها مقبولة لدى الروم الكاثوليك. في عام 1616 بدأ المستثمرون الهولنديون بزراعة البن على نطاق تجاري، بادئين بنبات البن المستورد من اليمن. وفي عام 1658 (أو في التسعينات من القرن السابع عشر بحسب بعض المصادر) كان الهولنديون يزرعون البن في سيلان وفي جاوا (إحدى مستعمراتهم في الهند الشرقية). في عام 1714 أهدى رئيس بلدية أمستردام ملكَ فرنسا لويس الرابع عشر شجرة بن من جاوا. في عام 1723 أحضر <M .G. دو كليو> [ضابط بحرية فرنسي] ثلاث شتلات من البن، حصل عليها بطريقة غامضة من الحدائق النباتية الملكية أثناء رحلة إلى جزيرة مارتينيك، وهي إحدى جزر الكاريپي، وقد نجحت زراعة إحدى هذه الشتلات. في عام 1727 طُلِب إلى <F. دو ميلو پالهيتا> [وهو مسؤول برتغالي من أصل برازيلي] أن يفصل في خلاف بين مستعمرتين تزرعان أشجار البن وهما گويانا Guiana الهولندية (سورينام) وگويانا الفرنسية، فقام بتهريب بضع شتلات من البن إلى موطنه.
في عام 1903 قام مستورد البن الألماني <L. روسيليوس> بصنع القهوة المنزوعة الكافئين decaffeinated.
في عام 1933 قام <F. إلّي> بتسجيل براءة اختراع أول ماكينة إسپريسو آلية.
في عام 1961 قام <E. ڤالينتي> [من فيماFaema بإيطاليا، وهو أحد صناع آلات إعداد القهوة] بتصميم النموذج الأولي لآلة إعداد الإسپريسو الحديثة. |
تحضير القهوة(******)
إن الخطوة الرئيسية التالية في تحويل الحبوب المحمصة إلى فنجان من الإسپريسو تتمثل في استخلاص المكونات الفعالة في القهوة المحمصة المطحونة بالماء الساخن. ويلاحظ أن التآثر بين الماء الساخن ومسحوق القهوة يختلف نوعا ما لدى تحضير القهوة المتقطرة drip coffee عنه لدى تحضير الإسپريسو.
كيمياء القهوة(*******)
تظهر الكريما هنا، وهي الرغوة الكثيفة البنية الضاربة للحمرة التي تعلو سطح الإسپريسو، في مقطع عرضي مُكبر. وإلى جانب كونها تتألف بشكل رئيسي من فقاعات صغيرة من ثنائي أكسيد الكربون وبخار الماء (الدوائر الكبيرة) محاطة بأغشية رقيقة من الناشطات السطحية surfactants، فإنها تشتمل أيضا على زيوت مستحلبة تحتوي على مركبات عطرية أساسية (الجسيمات ذات الحافات الحُمْر) وعلى شدف fragments قاتمة من البنية الخلوية لحبوب البن. |
التركيب الكيميائي التراكمي للإسپريسو مع تزايد زمنالاستخلاص extraction
إن الإفراط في استخلاص الإسپريسو (لما يزيد على 30 ثانية وهي الفترة المثالية)، يؤدي إلى أن يحتوي المشروب على مركبات عطرية أقل قابلية للذوبان وغير مرغوب فيها (مطبوع باللون الأحمر). |
طرائق أخرى لتحضير القهوة(**********)
طرائق الترشيح بالفلتر(3) (الترشيح الآلي، قوارير ميليتا وكيميكس). في هذه التقنيات الشائعة يوضع مسحوق البن الناعم في آنية مبطنة بأوراق ترشيح. وينبغي استخدام مسحوق بن متوسط النعومة في حالة استخدام الفلتر الذهبي ذي الاستعمال المتكرر. وثمة ملاحظتان ينبغي اعتبارهما لصنع قهوة متميزة باستخدام هذه الطرق: أولاهما تبليل ورقة الترشيح بماء ساخن لإزالة طعم الورق، أما الأخرى فهي التأكد من أن الماء المستخدم والقريب من درجة الغليان لا يستغرق أكثر من أربع إلى ست دقائق للمرور عبر مسحوق البن المستخدم بهدف تحقيق مستويات مُثْلى من الاستخلاص extraction. ويمكن التحكم في زمن الاستخلاص لجهاز تحضير القهوة الآلي بضبط كمية الماء، بحيث يستغرق تدفقها فترة الأربع إلى الست دقائق المطلوبة. المكبس الفرنسي أو قِدْرُ المكبس. يتم في هذا الجهاز نقع القهوة في الماء الساخن قبل ترشيح مسحوقها. ويكون على المرء أن يخلط الماء الساخن مع مسحوق البن الخشن في الوعاء ويتركه منقوعا لفترة تتراوح بين دقيقتين وخمس دقائق تبعا لتركيز القهوة المرغوب. وبعدها يتم ضغط مصفاة مكبس الشبكة السلكية ببطء عبر النقيع، لفصل ثُفْل القهوة في قاع الوعاء. الطريقة التركية. خلافا للطرائق الأخرى لتحضير القهوة، يُستحسن في هذه الطريقة غلي القهوة غليا خفيفا. تخلط كميات متناسبة من البن المطحون والماء والسكر في وعاء خاص يسمى إبريقا ibrik، يوضع هذا الأخير على النار مباشرة. ويحرك الخليط ببطء حينما يبدأ بالغليان، يوقف التحريك حينما لا يعود مسحوق البن يلتصق بالملعقة. وحالما يبدأ الخليط بالغليان وترتفع رغوته، يزاح الإبريق عن مصدر الحرارة، وينقر للتقليل من ارتفاع الرغوة نوعا ما. تكرر هذه العملية مرتين إضافيتين على الأقل، للحصول على شراب غليظِ القوام حلوِ المذاق. استخلصت من كتاب «القهوة الرائعة»، تأليف <J .T. كاسل> و <J. نيلسن> [Ten Speed Press, Berkeley, Calif., 1999] |
فعند تحضير القهوة المتقطرة بالترشيح (بالفلترة) يمر الماء الساخن عبر تجمع مفكك من مساحيق البن ذات الحجم المتوسط. وأثناء الدقائق الأربع أو الست من التلامس مع الماء المُغْلَى، تنتقل معظم المواد الذوَّابة الموجودة في البن المحمص إلى المحلول. وهكذا، فإن كميات كبيرة من الحموض العالية الذوبان والكافئين تذوب وتستقر في الفنجان. وعلى النقيض من ذلك فإن الزمن القصير لتخلل percolation الماء عند تحضير الإسپريسو يسمح بذوبان كميات قليلة من الحموض وما بين 60 و 70 في المئة فقط من الكافئين.
يحتاج إعداد الإسپريسو إلى جهاز خاص يستطيع تسخين الماء إلى درجة حرارة تتراوح بين 92 و 94 درجة مئوية، وزيادة ضغطه إلى تسعة ضغوط جوية. فالبن المطحون إلى حبيبات ناعمة أو متوسطة الحجم يوضع في سلة مثقبة ثم ترص بقوة لتكوين طبقة متماسكة من الحُبيبات التي يلتصق بعضها ببعض بفضل الغلاف الزيتي الرقيق الذي يحيط بها، والذي تعادل لزوجته لزوجة العسل. ويقوم الزيت بربط الحبيبات بعضها ببعض لتحصر بينها شبكة من الممرات الهوائية الدقيقة. لقد دلت التجارب على أن المقاومة الهدروليكية لطبقة مسحوق البن هذا لا بد أن تَقِلّ قليلا عن ضغط بخار الماء الذي يقوم بعملية الاستخلاص، الأمر الذي يسمح للماء بالانسياب عبر المسحوق بمعدل يقرب من ملّيلتر في كل ثانية.
ويُوصَى بأن تستمر عملية تخلل الماء لفترة 30 ثانية يتمكن خلالها القَهْوَجي (صانع القهوة) barista المتمرس من إنتاج 300 مليلترا من مشروب قهوة كثيف مغطى بكريما جيدة تماما. فإذا كان لون الرغوة السطحية خفيفا، فإن هذا يعني أن الإسپريسو لم تُستخلص جيدا، وقد يعود ذلك لخشونة حبيبات البن المطحون أكثر من اللازم، أو لانخفاض درجة حرارة الماء عما ينبغي، أو لقصر مدة الاستخلاص. أما إذا كانت الكريما قاتمة اللون جدا وفي وسطها «فجوة»، فمن المحتمل أن تكون حبيبات البن بالغة النعومة أو تكون كميتها أكبر من اللزوم. إن المبالغة في استخلاص الإسپريسو تؤدي إلى تكوين زبد أبيض به فقاعات كبيرة وذلك إن كان الماء فائق السخونة، أو إلى تكوين بقعة بيضاء في مركز سطح الفنجان إذا طال زمن الإعداد لفترة كبيرة.
وكذلك تؤدي عملية تخلل الماء إلى حمل المكونات الموجودة على سطح حبيبات البن المطحونة، بما في ذلك الزيت المشبع بعطر القهوة ومعه أجزاء من البنية الخلوية. ويؤدي الضغط العالي المتولد في آلة الإسپريسو إلى استحلاب emulsifies كمية صغيرة من الزيوت، نحو 0.11 غرام في كل فنجان. وتسبب الخلايا السليمة في مسحوق البن فورانا ناعما ينشأ عن الغازات (وبخاصة ثنائي أكسيد الكربون) التي تمر عبر ثقوب دقيقة في جُدُر الخلايا، وكذلك قد تشق بعض الحبيبات المتناهية الصغر طريقها إلى المشروب بصحبة شُدَف fragments من جُدُر الخلايا، مما يمنح الكريما الرغوية ما يسمى «مظهر جلد النمر».
تتمثل النتيجة النهائية في حدوث منظومة غَرَوَانِيّة colloidal عديدة الأطوار، تكون فيها جزيئات الماء مرتبطة بفقاعات الغاز المنتشرة وقطيرات الزيت والشدف الصلبة، وكلها لا تتجاوز الخمسة ميكرونات حجما. إن الصفة الغروانية لهذه المنظومة تمنح الشراب قواما غليظا ولزوجة عالية وتوترا سطحيا منخفضا. وهكذا فإن الإسپريسو عند تناولها تطلي ألسنتنا بشكل واضح، وتستمر في إطلاق المواد العطرية المتطايرة الذائبة في الزيوت المُسْتحلَبة مادامت عالقة باللسان. إن هذه الحاملات الزيتية للنكهة والشذا تؤدي إلى استمرار إحساسنا بالطعم اللذيذ والرائحة الفواحة للإسپريسو الجيدة لمدة تصل إلى 20 دقيقة بعد احتسائنا إياها. ولحسن الحظ فإن شارب الإسپريسو لا يحتاج إلى معرفة شيء عن الكيمياء المعقدة للقهوة كي يستمتع بها.
المؤلف
Ernesto Illy
رئيس الشركة illycaffè، وهو مشروع تجاري عائلي مقره في تريستا بإيطاليا، كان والده قد أسسه عام 1933. حصل المؤلف على الدكتوراه في الكيمياء، وأكمل دراسة متقدمة(2) في البيولوجيا الجزيئية. ومن أهدافه تسخير العلم للتوصل إلى فنجان إسپريسو كامل الأوصاف بحق. ويتناول الإسپريسو هذه ما يزيد على مليوني فرد كل يوم في إيطاليا وحدها.
مراجع للاستزادة
Coffee, Vols. 1-6. R. J. Clarke and R. Macrae. ElsevierApplied Science, 1985.
Coffee: Botany, Biochemistry and Production of Beans and Beverage. M. N. Clifford and K. C. Willson. Croom Helm, London, 1985.
Caffeine, Coffee and Health. Edited by S. Garattini. Raven Press, 1993.
Espresso Coffee: The Chemistry of Quality. A. Illy and R. Viani. Academic Press, 1995.
Coffee: Recent Developments. R. J. Clarke and O. Vitzthum. Blackwell Science, 2001.
International Coffee Organization: www.ico.org
International Scientific Association of Coffee: www.asic-cafe.org
Coffee industry-supplied information on coffee, caffeine and health: www.coffeescience.org
Scientific American, June 2002
(*) THE COMPLEXITY OF COFFEE
(**) Growing Coffee
(***)Processing Coffee
(****)Roasting Coffee
(*****) Smelling Coffee
(******)preparing Coffee
(*******)The Chemistry of Coffee
(********) Other Coffee-Brewing Techniques
(1)aroma science
(2) enlightening experience
(3) ويقال أيضا: المصفاة والمِرْشَح.
(4) advanced study