الپروتيوميات
الپروتيوميات(*)
تهتم الپروتيوميات(1)، وهي أحدث المصطلحات في مجال التقانة الحيوية،
بفهرسة پروتينات أجسامنا وفهم الكيفية التي يتشابك بعضها ببعض.
ويمكن أن تؤدي الجهود في هذا المضمار إلى اكتشاف أدوية جديدة متميزة.
تنحَّ أيها الجينوم البشري،
إن شمسك آخذة بالأفول. فالباحثون يركزون حاليا على الپروتيوم البشريhuman proteome (وهو منظومة پروتينات الجسم التي تصنعها خلايا الفرد ونُسُجه). والجينوم (المجموعة الكاملة من المعلومات الوراثية في الجسم) يحتوي فقط على الوصفات التي يتم بموجبها تصنيع الپروتينات. والپروتينات هي التي تؤلف لبنات بناء الخلايا وملاطها وتنجز معظم مهامها، وهي التي تميز أنماط الخلايا بعضها عن بعض. ومع أن الخلايا كافة تحوي الجينوم نفسه تقريبا، فهي تتفاوت في أي الجينات يكون فعالا، ومن ثم أي الپروتينات يتم تصنيعه. وبالمثل فإن الخلايا المعتلة غالبا ما تنتج پروتينات لا تنتجها الخلايا السوية، والعكس بالعكس.
ووفقا لذلك، فإن علماء الشركات والأكاديميين يحثون الخطى لفهرسة الپروتينات البشرية كافة، ويميطون اللثام عن تآثرات هذه الجزيئات فيما بينها. ويتمثل الهدف من ذلك في استنباط أدوية أكثر نجاعة وذات تأثيرات جانبية أقل.
تنتشر شبكات البروتينات في جميع الخلايا
ولن يكون بلوغ هذا الهدف مجرد نزهة، ذلك أن دراسة الپروتينات أكثر صعوبة من دراسة الجينات، ولاتزال شركات التقانة الحيوية تجهد للتوصل إلى أجود التقنيات وأفضل الأدوات لإنجاز هذه المهمة. ومع ذلك، فإن تسابقا محدودا يحدث الآن، وثمة شركة واحدة على الأقل تتنبأ بأنها ستحل شفرة الپروتيوم البشري خلال ثلاث سنوات، وهذه خطوة مهمة في سبيل الملاءمة بين العدد الكبير من التآثرات بين الپروتينات المختلفة. وفي أثناء ذلك، تقوم برامج فدرالية بتمويل العلماء الأكاديميين لإجراء دراسات على پروتيوميات الخلايا السرطانية والمصل (القسم السائل من الدم البشري).
ولقد خطا الباحثون فعلا خطوات مهمة في هذا المجال، ففي الشهر 1(2002) ، أشارت مجموعتان إلى أنهما وضعتا خرائط للكيفية التي تتآثر وفقا لها پروتينات الخميرة (خميرة الخباز)، وهي نموذج شائع في دراسات بيولوجية الخلية. وفي الشهر2(2002) أعلن علماء آخرون أنهم استعملوا تقنيات پروتيومية لاستنباط اختبار دقيق للكشف المبكر عن سرطان المبيض.
وتتأهب الپروتيوميات لأن تصبح مشروعا تجاريا ضخما. ووفقا لمحللي الاستثمار لدى «فروست وسوليڤان»، فإن سوق الپروتيوميات العالمي ـ فيما يتعلق بالأدوات والتجهيزات والخدمات ـ سيرتفع من 700 مليون دولار في العام 1999 إلى 5.6 بليون دولار تقريبا في العام 2005، ولا يشمل هذا الرقم العائدات المتأتية من الأدوية والاختبارات التشخيصية التي طورت نتيجة مقاربات پروتيومية. وكما تقول<J.تشاتر> [المديرة المشاركة للتقانة الحيوية في مجموعة «مورگان ستانلي»] قد تصبح الپروتيوميات أساسية أيضا لمستقبل الصناعة الصيدلانية. وتقول إن هذه الصناعة أنفقت 30 بليون دولار في العام 2000 على البحث والتطوير، بيد أن 30 دواء فقط حظيت بالموافقة ذلك العام. وتدعي «أن الشركات الصيدلانية تعتمد على الپروتيوميات والتقانات المماثلة لإجراء مراجعة شاملة لكامل سيرورة تطوير الدواء، وإلا فإن هذه الشركات ستندثر.»
كان التعامل مع الجينات هينا(**)
في عام 1994 صاغ<R.M.ويلكنز> [نائب الرئيس لشؤون المعلوماتية الحيوية، في الشركة «پروتيوم سيستمز» في سيدني بأستراليا] تعبير «پروتيوم»، ليعني المجموعة الكاملة للپروتينات المكوَّدة بواسطة الجينوم. وتجدر الإشارة إلى أن اللاحقتين “-“ome و”-“omics قد كثرتا في حقل البيولوجيا إلى درجة أن موقعا على الوِب Web يدرج الآن عشرات من التعابير التي تحمل هذه الكنى. ويتفاوت التعريف الدقيق للپروتيوميات اعتمادا على من تسأل؛ بيد أن معظم العلماء يتفقون على أنه يمكن تجزئته إلى ثلاث فاعليات رئيسية: تَعرّف جميع الپروتينات المصنوعة في خلية أو نسيج أو كائن حي؛ وتعيين كيف تتعاون تلك الپروتينات لتشكل شبكات تشبه الدارات الكهربائية؛ وأخيرا، التحديد الدقيق للبنى الثلاثية الأبعاد للپروتينات بهدف العثور على كاحل ـ عقب ـ «آخيل»(2) لكل منها؛ أي تعيين الموقع في الجزيء، حيث يمكن أن يرتبط الدواء فيعطل فاعلية الپروتين أو ينشطها.
ومع أن هذه الأهداف تبدو واضحة المعالم، فإن عنوان مؤتمر عام 2001 الخاص بالپروتيوميات يلخص الأمر في العبارة: «مشروع الپروتيوم البشري: كانت الجينات هينة». وجزء من الإثارة المهرجانية، التي أحاطت بفك مغالق «مشروع الجينوم البشري» (الذي يعد الآن مكتملا)، أعطى الانطباع بأن تعرّف تسلسل أحرف الكود (أو أزواج قواعد الدنا DNA) البالغ عددها ثلاثة بلايين حرف تقريبا، والتي تؤلف الجينوم البشري ـ وعلى وجه التخصيص تعرُّف التسلسل في وحدات تكويد الپروتين (الجينات) ـ سيقود إلى فهم الپروتينات نفسها.
ولكن لسوء الطالع، فإن الپروتيوم أعقد بكثير من الجينوم. وتتألف «ألفباء» الدنا من أربعة أسس (قواعد) bases كيميائية، تعرف عادة بأحرفها الأولى: (A) أدنين، (C) سيتوزين، (G) گوانين، (T) ثايمين. وبالمقابلة، فإن الپروتينات مبنية من عشرين لبنة تسمى الحموض الأمينية. وتحدد الجينات أيَّ الحموض الأمينية يجب أن يرتبط الواحد منها بالآخر، لتشكل پروتينا معينا. ولكن حتى لو عرف العلماء تسلسل الحموض الأمينية لپروتين ما، فليس بالضرورة أن يكون باستطاعتهم استنتاج ماذا سيفعل هذا الپروتين، وأي پروتينات أخرى يتشابك معها. كما أنه ليس بإمكانهم أن يتنبؤوا دائما ببنيته الثلاثية الأبعاد بدقة مطلقة. وخلافا للجينات، التي هي خطّية البنية، فإن الپروتينات تنطويfold في أشكال قد تستعصي على التنبؤ.
فضلا على ذلك، تحور الخلايا عادة الپروتينات بإضافة السكاكر sugars إليها أو الدهون أو كليهما، على نحو يصعب توقعه. ومن أجل إنتاج پروتين تم تكويده بجينة اكتُشفت حديثا، لن يكون بوسع العلماء مجرد ربط الحموض الأمينية بعضها ببعض بالترتيب الذي تفرضه الجينة، بل كثيرا ما يجب عليهم أيضا أن يتأكدوا من حدوث التحويرات الملائمة التي تقتضيها إضافة الدهون والسكاكر. ومن أجل تعيين كيفية سلوك الپروتين، على الباحثين أيضا أن يضعوا في الحسبان أن بعض الپروتينات تذوب في الماء؛ في حين أن بعضها الآخر لا يعمل بصورة طبيعية إلا في وسط دهني، أو يمتلك مناطق مطمورة في أغشية خلوية مليئة بالدهون.
وليس هذا هو نهاية التعقيد. فمع أن معظم الباحثين يرون أن الجينوم يتألف من نحو000 40جينة، فإن خلية نمطية واحدة تصنع مئات الآلاف من الپروتينات المتمايزة. ولفهم الپروتيوم يجب على العلماء أن يدركوا جميع خصائص تلك الپروتينات. وإذا أردنا الاستفادة من بيانات (معطيات) مشروع الجينوم البشري، التي أَجْهزت أخيرا على الاعتقاد القديم بأن الجينة الواحدة تكود پروتينا واحدا، فإن ذلك لن يجدي نفعا؛ لأنه من الواضح أن الجينة الواحدة تعطي (بشكل أو بآخر) العديد من الپروتينات المتباينة.
الپروتيوميات/ نظرة إجمالية(***)
أما وقد اكتمل الآن مشروع الجينوم البشري، فإن العلماء يوجهون اهتمامهم لحل شفرة شبكات الپروتينات داخل الخلايا والنُّسُج. ولكن الپروتينات أشد تعقيدا بكثير من الجينات، كما أن دراستها أكثر صعوبة.
ينفق المستثمرون مئات ملايين الدولارات من خلال شركات نذرت نفسها لإنتاج تجهيزات پروتيومية أو لتطوير أدوية أو اختبارات تشخيصية، تقوم على تقنيات پروتيومية. إن تعيين البنى الثلاثية الأبعاد للپروتينات يتيح للباحثين تعرف المواضع التي تكون فيها الپروتينات أكثر حساسية للأدوية. |
وعلى الرغم من هذه التعقيدات، فإن الباحثين في مجال الپروتيوميات يبدون متفائلين. ويعترف<L.A.برلينگام> [من جامعة كاليفورنيا في سان فرَنسِسكو] «أن نحو 30- 50 في المئة من پروتينات الإنسان مازالت غير معروفة ووظائفها مجهولة.» ولكنه يضيف: «إننا نمتلك حاليا القدرة على تعرّف المكونات الپروتينية للكائنات البشرية بسرعة معقولة. إنها طريق غير مسدودة النهاية، سنجتازها خلال العامين القادمين.»
مصانع پروتيومية(****)
عندما يرغب العلماء في اكتشاف أي الپروتينات يوجد في خلايا أو نُسج منتقاة، فإنهم يلجؤون عادة إلى تقنيتين: الرحلان الكهربائي الهلامي ذي البعدين two-dimensional gel electrophoresis، ومطيافية الكتلة mass spectrometry. ففي الهلامة ذات البعدين، يضع العلماء على حافة هلامة رقيقة مزيجا من الپروتينات، فتفصل الهلامة في أحد البعدين الپروتينات وفقا لحجومها، وتفصلها في الاتجاه المتعامد مع الأول وفقا لشحناتها الكهركيميائية (انظر الصفحة المقابلة). وبما أن لكل پروتين حجما وشحنة مميزين، فإن كلا منها يتوضع في نقطة على الهلامة محددة وخاصة به. وعندئذ باستطاعة الباحثين أن ينتزعوا من الهلامة النقاط الإفرادية، ليتعرفوا ـ باستعمال تقنيات أخرى ـ الپروتينات التي تحويها هذه النقاط، وبوسعهم تعرف الپروتينات التي يكوّنها نسيج ما (ولا يصنعها نسيج آخر)، بمقارنة نمطَيْ نقاط هلامتي النسيجين.
كيف تستطيع الـ روتيوميات أن تساعد على تطوير الدواء (*****)
أما في مطيافية الكتلة، فتطبق على الپروتينات حقول مغنطيسية (أو كهربائية) لفصل پروتينات متمايزة واضحة المعالم وفقا لكتل الذرات التي تكون كلا منها. وتظهر النتائج كَذُرا في شكل بياني. ومع هذا، فلا يعتبر الرحلان الكهربائي الهلامي ذو البعدين ولا مطيافية الكتلة تقنيتين مثاليتين. فالرحلان ذو البعدين يشتهر بصعوبة إجرائه، كما أنه لا يميز الپروتينات الشديدة الضخامة أو الضئيلة الحجم أو تلك التي تبرز خلال الأغشية. أما مطيافية الكتلة فباهظة الثمن (تكلف الماكينة الواحدة أكثر من نصف مليون دولار)، وتخفق أحيانا في الكشف عن الپروتينات النادرة.
ولكن على الرغم من هذه التحفظات، فإن كثرة من الشركات تهيئ أشكالا مطورة من هذه الطرائق لاستعمالها على مستوى صناعي، على نسق الآلات التي جعلت إنجاز مشروع الجينوم البشري أمرا ممكنا. وتتمثل الآلة المحورية في هذا المشروع بالطراز ABI 3700: مُسَلْسِل للدنا من صنع الشركة أپلايد بيوسيستمز، وهي تشكل حاليا جزءا من الشركة أپليرا، التي تضم أيضا الشركة سيليرا جينوميكس المشارِكة مع التجمع الحكومي في إنجاز سلسلة الجينوم البشري عام 2000. وفي الشهر 1(2002) أماطت الشركة أپلايد بيوسيستمز اللثام عن محلل الپروتيوميات 4700 المبني على مبدأ مطيافية الكتلة. كما أعلنت عن اتفاقية عقدتها مع الشركتين پِرْكن إلمر وميلّيپور، كي تبني نظاما مُؤَتْمتا لإجراء الرحلان الكهربائي الهلامي ذي البعدين وتحليله. ويأمل مديرو الشركة أن يتيح نظام الأتمتة للعلماء أن ينجزوا خلال أيام معدودة ما كان يتطلب إنجازه أشهرا أو سنوات.
وعلينا أن ننتظر لنرى هل ستغدو هذه النظم الجديدة هي النظم المعيارية فيما يتعلق بالپروتيوميات. وكما يقول<D.سولومون> [الذي يشرف على أبحاث علوم الحياة وتطويرها لدى الشركة أجيلنت، إحدى منافسات الشركة أپليرا]: «لن تكون هناك أداة واحدة تسود بمفردها الصناعة، فالپروتيوميات تحتاج إلى الكثير.»
وفي غضون ذلك، زادت سرعة الإنتاج لشركات مثل: «ميرياد جينيتكس» [في سولت ليك سيتي] و«جين پروت» [في جنيڤ] و«لارج سكيل بيولوجي» [في كاليفورنيا] و«MDS پروتيومكس» [في تورنتو]، من خلال مصانع پروتيومية أنشئت خصيصا لكل منها، بعضها يستعمل تقنيات إنسالية robotic اقتبست من صناعة السيارات. وفي عام 20011 أعلنت الشركة ميرياد أنها أبرمت مع الشركتين هيتاشي وأوراكل صفقة قدرها 185 مليون دولار لحل شفرة كامل الپروتيوم البشري في ثلاثة أعوام، وفقا لبرنامج بدأ رسميا في الشهر1(2002). ومن جانبها، خصصت الشركة سيليرا نحو بليون دولار لتنفقها على جهودها الپروتيومية. وتجدر الإشارة إلى أن<C.J.ڤنتر> [مؤسس «سيليرا»] استقال في الشهر1(2002) من رئاسة الشركة، التي أعلنت أنها تبحث عن بديل ذي خبرة أكبر في مجال تطوير الأدوية. ولقد فسر هذا الإجراء على نطاق واسع كدلالة على أن الشركة ستبتعد عن نهجها التجاري القائم على بيع البيانات الخاصة بجينومياتها (وپروتيومياتها) إلى الشركات الأخرى، لتتحول إلى استنباط أدويتها الخاصة بها.
وأكد منتقدو هذه المشروعات الضخمة أنه لا يوجد پروتيوم بشري واحد: فالپنكرياس، مثلا، يصنع مجموعة من الپروتينات تختلف كليا عن الپروتينات التي يصنعها الدماغ. كما أن الپروتينات تخضع لمتغيرات كثيرة، منها مثلا تناول شخصٍ قُبيل لحظات كأس نبيذ وإمكان أن يؤثر ذلك في أنماط الپروتينات التي ينتجها الجسم. ويشرح<F.M.موران> [الباحث الرئيسي في الشركة MDS پروتيومكس] ذلك قائلا: «إن كل حالة (في ظروف المرض والصحة، وفي حالة تناول دواء أو التوقف عنه) هي پروتيوم مختلف.»
وبكلمات أخرى، إن إعداد قائمة بالپروتينات البشرية ينطلق بك إلى عوالم لا تخوم لها. فلكي تفهم ما الذي تفعله الپروتينات في الجسم، ولكي تطور أدوية مفيدة، عليك أن تعرف الكيفية التي يتغاير وفقا لها خليط الپروتينات من نمط خلوي لآخر، وفي الخلية الواحدة من ظرف لآخر. كما أنك تحتاج إلى أن تعرف كيف تتآزر الپروتينات فيما بينها كي تنجز الأنشطة المختلفة للخلية.
تعرّف الشبكة الپروتينية(******)
لقد ركزت الشركة MDS پروتيومكس على هذه المهمة الأخيرة، وهي فحص الكيفية التي تتآثر بها الپروتينات فيما بينها، لتشكل سلاسل من التفاعلات الكيميائية الحيوية، أو لتصنع ماكينات جزيئية، كالمغزل الذي يشد خليتين إحداهما بعيدا عن الأخرى خلال انقسام الخلية. ويقول <موران>: «تنتظم الپروتينات في شبكات. فإذا كان عليك معرفة شيء واحد عن پروتين ما، فسيكون هذا الشيء هو: ما الپروتينات الأخرى التي يتآثر معها.»
وفي الإصدار10/1/2002 من مجلة نيتشر أعلن علماء من الشركة MDSپرُتيومِكس وجامعة تورنتو وآخرون من مجموعة مستقلة من الشركة سِلْزوم ومن المختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية (وكلاهما في هايدلبرگ بألمانيا) أنهم توصلوا إلى استراتيجية جديدة، تمكنهم من اكتشاف مئات من مثل هذه التآثرات الپروتينية في الخميرة. وتضمنت مقاربتهم ربط قطع صغيرة من الدنا، تكود «عُلاَّمات» tags لزجة، بمئات الجينات المنتقاة من جينات الخميرة. ومن ثم يصبح باستطاعة الباحثين عزل الپروتينات التي كونتها الجينات المحوَّرة، إضافة إلى أية پروتينات قد ترابطت بها، عن طريق طحن خلايا الخميرة وصب الروبة slurry عبر عمود من الخرزات المجهرية تستطيع الارتباط فقط بالعُلامات اللزجة. وعلى إثر إدخال المعقّدات الپروتينية في مطياف الكتلة وتحليل النتائج، وجد العلماء أن أكثر من تسعين في المئة من المعقدات التي تم عزلها تحوي پروتينات مجهولة الوظيفة. وما هو أكثر من ذلك، أن نحو 80 في المئة من الپروتينات المدروسة تآثرت مع پروتين واحد آخر على الأقل، الأمر الذي يوضح تعقيد الشبكة الكيميائية الحيوية داخل الخلايا.
تستعير محطات العمل الإنسالية(3) للتجهيزات الپروتيومية تقانتها من خطوط تجميع صناعة السيارات. وصممت هذه الوحدة من أجل أتمتة المهمات التكرارية، كالتوزيع بالممص وتغيير وسط الزرع: خطوات ضرورية لإنماء المستنبتات الخلوية ومتطلب أساسي لدراسة الپروتيوميات. كما أن وحدات قياسية أخرى، تقوم بعزل الپروتينات وتعرفها على نطاق صناعي، لتجهيز العينات للدراسات التالية. |
وتخطط الشركة MDS پروتيومكس حاليا لتطبيق هذه التقنية على پروتيوم الإنسان. وبما أن إنجاز مشروع پروتيوم الخميرة استغرق أسابيع معدودة فقط، فإن مسؤولي الشركة يأملون إنتاج مسودة أولية لپروتيوم خلية بشرية في غضون عام واحد. ولكن من غير الواضح حتى الآن نمط الخلية البشرية الذي سيدرسونه، ولا الظروف التي ستتم فيها هذه الدراسة.
وتستثير الپروتيوميات اهتمام القطاع العام أيضا. فلقد أسس باحثون أكاديميون (برئاسة <سميرM.حَنَش> من جامعة مِتشيگان) «منظمة الپروتيوم البشري» (HUPO)، التي تهدف إلى إقامة صلات بين المشروعات الحكومية للپروتيوم البشري، وذلك على غرار ما حدث في مشروع الجينوم البشري، حيث تشاركت المختبرات الأكاديمية في حل شفرة الجينوم البشري. ويتمثل أول أهداف المنظمة HUPO بتعرُّف پروتينات مصل الدم.
وتَشَارك المعهد الوطني للسرطان (NCI) وإدارة الغذاء والدواء (FDA) الأمريكيان في مجهود مستقل يتمحور حول استعمال الپروتيوميات لتطوير معالجات أكثر استهدافية وتشخيصات أشد وثوقية للسرطان. ويحلل الباحثون في هذا البرنامج ـ الذي أعلن عنه في الشهر 1(2001) ـ الخلايا الورمية من أفراد مرضى بغية وضع قائمة بالپروتينات التي توجد في الخلايا السرطانية ولا توجد في الخلايا السوية. كما أنهم سيبحثون عن «الواسمات» markesالپروتينية ذات العلاقة بأنواع السرطان الأكثر عدوانية، فلعل ذلك يقود إلى استنباط اختبارات تشخيصية أفضل.
مجموعة من شركات الپروتيوميات(*******)
ولقد أوضح مؤخرا<E.پتريكُوين> [المدير المشارك لبرنامج FDA/NCI] وزملاؤه في هاتين المؤسستين وفي «كورِّلُوجيك سيستمز» [في ميريلاند] ما تعد به مقاربة الپروتيوميات في تشخيص السرطان. وفي بحث نشر في 8/2/2002 على موقع الوِب لمجلة لانست، أشار الباحثون إلى أنهم تمكنوا من مقارنة أنماط الپروتينات الموجودة في مصل دم المصابات بسرطان المبيض وغير المصابات به. ومن خلال هذه المقارنة تعرفوا على نحو صحيح كل النساء الخمسين المصابات بسرطان المبيض. وقد رصد اختبارهم ثلاث حالاتٍ خطأ، لنسوة غير مصابات بسرطان المبيض؛ إذ أعطى نتائج إيجابية.
وكتالوگات الپروتينات وخرائطها تُشكل فيما بينها ثلثي الپروتيوميات فقط، ذلك أن تعيين أشكال الپروتينات ذو أهمية مماثلة. وتتمثل التقنية المعهودة بمبحث بلورات الأشعة السينية، إذ ينقي العلماء الپروتينات ويتركونها تنمو على شكل بلورات، ثم يقذفون هذه البلورات بالأشعة السينية. وبتحليلهم للكيفية التي تنعرج وفقا لها الأشعة لدى اصطدامها بكل ذرة من ذرات الپروتين، يستنتج الباحثون كيف تترابط أجزاء الپروتين، وبوسعهم عندئذ وضع خريطة لشكله الإجمالي الثلاثي الأبعاد.
شكل الأشياء القادمة(*********)
في الماضي كان مبحث بلورات الأشعة السينية تقنية أقرب إلى العلوم الأساسية، ويتطلب توافر خط حزمي beam line من الأشعة السينية يصدر عن السنكروترون. وغالبا ما تتمثل هذه الأداة بحلقات هائلة الحجوم، قد تصل أقطارها إلى الأميال، واستعملها الفيزيائيون في الماضي لتسريع الجسيمات الذرية. وتنتج الأشعة السينية كجزء من تلك السيرورة. ولكن التقدم في ليزرات الأشعة السينية، أتاح تطوير أجهزة صغيرة يمكن استعمالها في المختبرات.
وعمدت شركتا سِيْركِس وستركتشرال جينومكس (SGX) [وكلاهما في سان دييگو] إلى نقل مبحث بلورات الأشعة السينية إلى المستوى الصناعي. ويشرح <N.ديڤيد> [المؤسس المشارك، مدير تطوير الأعمال في الشركة سيركس] قائلا: «اليوم كل شيء ينجز إنساليا.» وكما هي الحال في الشركات التي أتمتت سيرورة اكتشاف الپروتينات، فإن الشركة سيركس استعارت تقنيات من صناعة السيارات. وبالفعل، فقد وظفت الشركة مستشارين من «جنرال موتورز» لأتمتة معداتها، التي تنتشر على مساحة قدرها 000 84 قدم مربع، حيث إن كل شيء (بدءا من تنقية الپروتينات حتى بَلْوَرتها) يتم على خط تجميع. وإضافة إلى ليزرات الأشعة السينية الخاصة بها، فإن الشركة تعاقدت مع «أدڤانسد لايت سورس» [في مختبر لورنس بركلي] على استعمال خط خاص من حزم الأشعة السينية. كما أن الشركة ستركتشرال جينومكس أبرمت صفقة مماثلة مع «أدڤانسد فوتون سورس» [في مختبر أَدْگون الوطني]، حيث شيدت هناك خطها الحزمي.
يتطلب مبحث بلورات الأشعة السينية تنمية بلورة نقية (الإطار المستدير) للپروتين المدروس. والصورة هنا لِبَلُّوْرة CD4 (الپروتين الذي يعمل كبوابة لدخول ڤيروس الإيدز، كي يُعْدي (يخمج) الخلايا المناعية)، وضعت في أنبوب صغير جدا أحكم إغلاقه بكرة من الشمع. وسيقذف الأنبوب بالأشعة السينية، لينتج نمطا انعراجيا للأشعة يمكن أن يستخلص منه العلماء البنية الثلاثية الأبعاد لجزيء مفرد من الپروتين. |
إن هذه المعلومات البنيوية قد تصبح مصدرا للربح. وتراهن الشركة أكسفورد گليكوساينسز [في إنگلترا] أنها باستعمال البيانات الپروتيومية تستطيع المشاركة في حقوق براءة قسم مهم من الجينوم والپروتيوم البشريين. وفي الشهر12(2001) تقدمت الشركة بطلب الحصول على براءات خاصة بتطبيقات لأربعة آلاف پروتين بشري. وقد تؤدي هذه الخطوة إلى إعادة النظر في الكيفية التي تُعرَّف وفقا لها الملكية الفكرية في نطاق التقانة الحيوية. ففي الماضي، سعت الشركات إلى الحصول على براءات اكتشاف تسلسلات الدنا والپروتين الفرد الذي يعتقد أنه سيكوّد بواسطة هذه التسلسلات. ولكن بما أن الجينة نفسها تستطيع أن تصنع طيفا من الپروتينات، فإن المطالبات القائمة على الپروتينات نفسها قد تكون أجدى وأكثر قيمة وتقدم أسلوبا للالتفاف حول براءات اكتشاف تسلسلات الدنا التي يمتلكها المنافسون. وإذا كان الأمر كذلك، فإن المحاكم ستشكل ميادين تنافس وصراع إضافية، حيث سيتوجب على الجينات أن تتخلى عن مواقعها لصالح الپروتينات.
<C.إزل> كاتبة وعضوة في هيئة التحرير
بمجلة ساينتفيك أمريكان
مراجع للاستزادة
High-Speed Biologists Search for Gold in Proteins. Robert F. Service in Science, Vol. 294, pages 2074-2077; December7, 2001.
Separation Anxiety: Why Proteomics Can’t Let Go of 20 Gels. Aaron J. Sender in Genome Technology, No. 16, pages 34-39; December 2001.
For a glossary of the proliferating biotechnology terms ending in “-ome” and “-omics,” visitwww.genomicglossaries.com/content/omes.asp
Scientific American, April 2002
(*)العنوان الأصلي: PROTEINS RULE
(**)Genes Were Easy
(***)Overview/Proteomics
(****)Proteo-Factories
(*****) Listening In on the Network
(******) A Proteomics Rolodex
(*******) The Shape of Things to Come
(1) proteomics
(2) وفقا للأسطورة اليونانية، فإن<تيتس>، والدة <آخيل> (وهي ألهة يونانية) أمسكته من كاحله (عقبه) وغطسته عند ولادته بماء نهر ستيكس المقدس، فابتل كامل جسده ما عدا كاحله، فأضحى جسده (ما عدا الكاحل) عصيا على الموت. ولكن الإلهة <أفروديت> أباحت بالسر ل<پاريس> الذي سدد سهما مسموما إلى كاحل <آخيل> فأصمى كاحله وقتله. ومن هنا أُطلق تعبير «كعب آخيل» على نقطة الضعف في بنية ما. (التحرير)
(3) نسبة إلى إنسالة، وهذه نحت من إنسان ـ آلى robot. (التحرير)