أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

بحث جاد عن حبوب مضادة للشيخوخة

بحث جاد عن حبوب مضادة للشيخوخة(*)

في المختبرات الحكومية وفي غيرها يجري البحث عن عقار

يطيل العمر ويديم زخم الشباب. وتظهر الدراسات أن السبيل

إلى ذلك هو الإقلال من مقدار الكالوريات (السعرات).

<A .M.لين> ـ <K .D.أنگرام> ـ <S .G.روث>

 

في الشهر5/2002عبّر الباحثون في مجال الشيخوخة عن موقفهم قائلين إنه لا يتوافر الآن في السوق عقار ثبتت قدرته على إبطاء هرم الإنسان؛ أي استفحال التخرب الجزيئي والخلوي الذي يزيد من قابلية التعرض للسقم والعجز مع تقدم السن. إلا أن ثمة طريقة تدخّل وحيدة تتمثل في تناول أغذية منخفضة الكالوريات، ولكنها متوازنة تغذويا، تعمل على نحو مثير للدهشة في مدى واسع من الحيوانات، فتزيد من أعمارها وحسن صحتها. وتوحي تلك النتائج أن بوسع الإقلال من الكالوريات وتحديدها أن يؤخرا الشيخوخة في البشر أيضا.

 

ومن سوء الطالع أن الحصول على الفائدة المثلى قد يوجب أن يقلل الناس مدخولهم من الكالوريات بنسبة 30 في المئة تقريبا؛ الأمر الذي يعادل إنقاصها من 2500 إلى 1750 كالوري يوميا. ولا يستطيع الالتزام بهذا النظام الصارم إلا قلة من البشر، وخاصة على امتداد سنين ومن دون انقطاع. ولكن كيف ستكون الحال لو تمكن أحدهم من إيجاد حبوب تحاكي في تأثيراتها التأثيرات الفيزيولوجية الناجمة عن تناول كمية طعام أقل من دون إجبار الناس على أن يجوعوا؟ هل يستطيع محاكي تحديد الكالوريات(1) ـ كما ندعوه ـ أن يمكّن البشر من البقاء أصحاء الجسم مدة أطول، وأن يؤجل وقوع الاضطرابات المرتبطة بتقدم العمر (كالداء السكري ومرض القلب والسرطان) حتى وقت متأخر جدا في الحياة؟
لقد طرحنا هذا السؤال للمرة الأولى في أواسط عقد التسعينات، بعد أن وجدنا مصادفة عاملا كيميائيا بدا أنه يُحْدِث في القوارض العديد من فوائد تقليل الكالوريات. ومنذ ذلك الحين، نبحث مع آخرين عن مركَّب يحقق بشكل سليم ذاك المفعول الفذ ذاته في الناس. ونحن نقر بأننا لم ننجح بعد، ولكن إخفاقاتنا شكلت مصدر معلومات لنا، كما بعثت فينا الأمل بإمكان تطوير محاكيات تقليل الكالوريات والتوصل إليها فعلا في نهاية المطاف.

 

فوائد الإقلال من الكالوريات(**)

إن بحثنا عن محاكيات تقليل مقدار الكالوريات جاء من رغبتنا في الوصول إلى فهم أفضل للتأثيرات العديدة التي يحدثها الإقلال من الكالوريات في أبداننا. ولقد تعرف العلماء قيمة هذه الطريقة للمرة الأولى منذ أكثر من 60 سنة، حينما وجدوا أن الجرذان التي ربيت على نظام غذائي منخفض الكالوريات، عاشت في المتوسط مدة أطول من تلك التي تركت تأكل حرة كما تشاء، وأن الأولى كانت أقل عرضة للوقوع في حالات مرضية يزداد شيوعها في السن المتقدمة. إضافة إلى ذلك، بقيت بعض الحيوانات المعالجة على قيد الحياة مدة أطول من تلك التي كانت الأطول حياة في المجموعة الشاهدة. ويعني هذا أن مدى العمر (وهو أطول عمر يمكن إحرازه)، وليس مدى العمر المتوسط فحسب، هو الذي ازداد أيضا. وهناك مداخلات متنوعة، كالعقاقير المقاومة للعداوى (الأخماج)، تستطيع أن ترفع متوسط عمر البشر. أما زيادة مدى العمر فلا تتمكن من تحقيقها إلا الطرائق التي تبطئ من سرعة شيخوخة الجسم.

 

وجرى تكرار النتائج المستمدة من التجارب على الجرذان عدة مرات، وتوسعت لتصل إلى مخلوقات امتدت من الخمائر حتى ذبابة الفاكهة والديدان والأسماك والعناكب والفئران واليرابيع hamsters. وقد اقتصرت الدراسات حتى وقت قريب نسبيا على مخلوقات قصيرة العمر وبعيدة عن البشر وراثيا. غير أن هناك دراسات طويلة الأمد على نوعين أشد قربا للإنسان هما: قرد الرّيص وقرد السنجاب rhesus and squirrel monkeys، تشير إلى أن الرئيسات primatesتستجيب للإقلال من الكالوريات على نحو يماثل إلى حد ما استجابة القوارض. وهذا ما يجعلنا أكثر تفاؤلا من أي وقت مضى بأن محاكيات الإقلال من الكالوريات ستقدم خدمة للبشر.

 

وتبين الدراسات، التي أجريت على القرود وبدأها فريقنا [في المعهد القومي للشيخوخة (NIA)] في أواخر عقد الثمانينات وفريق آخر [من جامعة وسكونسن ماديسون] في أوائل عقد التسعينات، النتائج التالية التي انبثقت بعد مقارنة تلك الحيوانات التي أعطيت طعاما قليل الكالوريات بحيوانات شاهدة تناولت طعاما غير مقيد. لقد كانت درجات حرارة الأولى منها أدنى، كما كانت مستويات هرمون الپنكرياس (المعثكلة)، أي الأنسولين، لديها أخفض. وتبين أيضا أنها تحتفظ بمستويات لبعض الهرمونات تحاكي المستويات المشاهدة عند الشباب (مثل DHEAS، أي: سلفات ديهدرو إيباندرو ستيرون) التي تتدنى مع تقدم العمر.

 

كذلك تبدو هذه الحيوانات أفضل حالا حسب مؤشرات الخطورة للأمراض المرتبطة بالعمر. فعلى سبيل المثال، إن لديها مستويات أخفض من ضغط الدم ومن ثلاثي الگليسريد (مما يدل على نقصان أرجحية إصابتها بمرض قلبي)؛ كما أن مستويات الگلوكوز في دمها عادية أكثر (مما يشير إلى تناقص خطورة حدوث الداء السكري عندها، وهو الذي يتصف بمستويات من گلوكوز الدم أكثر ارتفاعا من المعهود). كما بيّنا مؤخرا أن قرود الريص التي كانت تستهلك طعاما مقيد الكالوريات لفترة طويلة (نحو 15 سنة) عانت أمراضا مزمنة أقل؛ الأمر الذي يتوافق مع ما أشارت إليه المعلومات المستمدة من مؤشرات الخطورة. ولكن من الواجب متابعة هذه القرود وغيرها مدة أطول للتأكد من أن استهلاك طعام أقل يرفع كلا من متوسط مدى العمر ومن مدى العمر الأعظمي لدى القرود: إن قرود الريص تعمر عادة نحو 14 سنة وقد تصل أعمارها حتى 40 سنة؛ أما قرود السنجاب فتعيش عادة نحو 19 عاما، ولكن أعمارها قد تطول حتى 28 عاما.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H02_002843.jpg

إن محاكي تحديد الكالوريات قد يُمكّن البشر ـ من اكتساب الفوائد الصحية الملاحظة عند الحيوانات التي تخضع لتغذية محددة، من دون أن يتطلب ذلك من الناس البقاء جائعين.

 

بدء الرحلة(***)

مع حلول عام 1995 أردنا أن نعرف كيف أن كثيرا من التغيرات الفيزيولوجية والكيميائية الحيوية المحرَّضة بتقليل الكالوريات أدى إلى تأخير ظهور الشيخوخة في الثدييات. ولأسباب عدة، ساورنا شك في أن تغيرات الاستقلاب (الأيض) (2) الخلوي هي أساس ذلك وسببه. لقد ركزنا على الاستقلاب جزئيا لأن  فوائد تقليل الكالوريات تعتمد اعتمادا واضحا على الإقلال من كمية الغذاء الإجمالية التي تدخل إلى الجسم لمعالجتها. ويضاف إلى ذلك، أن تقييد الكالوريات يؤثر في هرم نسج متعددة جدا؛ مما يدل على أنه يغير السيرورات البيولوجية التي تقوم بها الخلايا كلها. وقليل من هذه السيرورات أساسي وأكثر أهمية من الاستقلاب.

 

لقد تساءلنا بالتحديد عما إذا كانت التغيرات المرتبطة باستقلاب سكر الگلوكوز ستقدم تفسيرا لفوائد تحديد الكالوريات. إن الگلوكوز الذي يتشكل عندما تُهضم الكربوهيدرات هو مصدر الطاقة الأساسي في الجسم ـ أي إنه المادة الأساسية التي تستخدمها الخلايا لصنع الجزيء ATP (ثالث فسفات الأدينوزين adenosine triphosphate) وهو الجزيء، الذي يزود بالطاقة مباشرة معظم النشاطات الخلوية. وأردنا أيضا أن نعرف مقدار أهمية التغيرات في إفراز الأنسولين ونشاطه، وهو الذي يؤثر في استعمال الخلايا للگلوكوز. ويتم إفراز الأنسولين مع ارتفاع مستويات الگلوكوز في الدم إثر تناول وجبة طعام، وهو يعمل كمفتاح يفتح «أبواب» الخلايا للسكر. لقد تركّز اهتمامنا على الگلوكوز والأنسولين لأن انخفاض مستوييهما وارتفاع الحساسية الخلوية للأنسولين هما من بين أكثر السمات البارزة الثابتة الناجمة عن تحديد الكالوريات في كل من القوارض والرئيسات، كما أن هذه السمات تظهر سريعا جدا بعد بدء تقييد الكالوريات.

 

كيف يعمل نموذج أولي محاكٍ للإقلال من الكالوريات(****)

إن أفضل مرشّح تمت دراسته ليكون محاكيا للإقلال من الكالوريات هو المركب DG2 – 2)ديوكسي-D-گلوكوز)، وهو يعمل من خلال التدخل بالطريقة التي تعالج process الخلايا بها سكر الگلوكوز. ولكن هذا المركب برهن على سميته في بعض المقادير في الحيوانات؛ ولذا لا يمكن استخدامه في البشر. ومع ذلك، فقد بيّن هذا المركب أن بوسع المواد الكيميائية أن تضاعف تأثيرات الحد من الكالوريات؛ وتبقى الغاية هي إيجاد المادة الكيميائية الصحيحة لهذا الغرض.

تستعمل الخلايا الگلوكوز الذي تستمده من الطعام كي تولّد الجزيء ATP(ثالث فسفات الأدينوزين)، وهو الجزيء الذي يهب الطاقة للنشاطات الجسمية العديدة [التسلسل الأعلى]. ونقول على وجه التحديد، إن الگلوكوز بعد دخوله الخلايا (السهم الأزرق) يتغير شيئا فشيئا بسبب سلسلة من التفاعلات الإنزيمية تطرأ على سيتوپلازم (هيولى) الخلايا وميتوكوندراتها؛ مما يؤدي في النهاية إلى إنتاج مواد تُدخِل الإلكترونات [é] في آلية إنتاج الجزيء ATP. إن نقل الإلكترونات من أحد مكونات الآلية إلى آخر، ومن ثم إلى الأكسجين، يسبب تدفق الپروتونات [H+] عبر معقَّد يدعى سنتاز ATP، الذي يستجيب بتوليد الجزيء ATP [السهم الأحمر].

إن تقييد الكالوريات الذي يتم عن طريق تحديد المدخول من الطعام [التسلسل الأوسط] ينقِص إلى الحد الأدنى من كمية الگلوكوز التي تدخل الخلايا [الأسهم الزرقاء الرفيعة] ويقلل إنتاج الجزيء ATP. وحينما يعطى المركب DG2 إلى الحيوانات التي تأكل بشكل طبيعي [التسلسل السفلي]، يصل الگلوكوز إلى الخلايا بوفرة، ولكن العقار يمنع معظمه من أن يخضع لسيرورات المعالجة، وبذا فهو يقلل من إنتاج الجزيء ATP.

اقترح الباحثون عدة تفسيرات تشرح لماذا يمكن لقطع سيرورة معالجة الگلوكوز وإنتاج الجزيء ATP أن يؤخر حدوث الهرم. ويرتبط أحد الإمكانات بإطلاق آلية الجزيء ATP جذورا حرة [الأسهم الصفراء] يُعتقد  أنها تسهم في عملية الشيخوخة وحدوث أمراض متصلة بالسن، كالسرطان، وذلك عن طريق تخريبها الخلايا. وتخفيض عمل هذه الآلية لا بد من أن يحد من إنتاج الجذور الحرة ومن ثم التلف الذي تسببه. وتقترح نظرية أخرى أن قطع سيرورة الگلوكوز يمكنه أن يرسل إشارة إلى الخلايا بأن الطعام قليل (حتى إن لم يكن كذلك) وأن يحرضها على الانتقال إلى أسلوب مضاد للشيخوخة يتم فيه تأكيد الحفاظ على الكائن الحي على حساب «أشكال من الرفاهية» كالنمو والتوالد.

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H02_002844.jpg

 

وبعد فترة وجيزة من اتخاذنا قرارا باختيار الفرضية التي ترى أن الإقلال من الكالوريات يؤخر حدوث الشيخوخة عن طريق تغيير الاستقلاب، بدأ آخرون بنشر بيانات تظهر أن السيرورات الاستقلابية (الأيضية) التي تشمل الگلوكوز والأنسولين تؤثر في مدى العمر. وشجعت تلك النتائج اعتقادنا بأننا نسير على الطريق الصحيح. ونذكر على سبيل المثال أن عددا من الاستقصاءات حقق إطالات واضحة في مدى العمر في الديدان المنبسطة nematode worms عن طريق إحداث طفرات في الجينات المشابهة للجينات التي تتدخل في استجابات الأنسولين الجزيئية لدى الثدييات. ووجد الباحثون منذ وقت قريب أن بوسع خفض المدخول من الگلوكوز أو اختلال تسلسل سير عملياته أن يطيل مدى العمر في الخميرة. أما في ذبابة الفاكهة، فالجينات التي تتدخل في الاستقلاب، مثل الجينة INDY 3  ذات علاقة بالتحكم في مدى العمر.

 

لحظة انبهار(*****)

في الوقت الذي ظهرت فيه الدراسات على الديدان المنبسطة، بدأنا نبحث في الأدبيات العلمية عن طرائق لمنابلة إفراز الأنسولين وحساسيته من غير أن يسبب ذلك ظهور الداء السكري أو نقيضه، أي نقص سكر الدم hypoglycemia. وعثرنا على دراسات تعود إلى أربعينات وخمسينات القرن الماضي تذكر مركّبا يدعى -2ديوكسي-D گلوكوز (DG2) الذي كان موضع اختبار في القوارض لمعالجة السرطان، ولكن ذُكر أيضا أن ذلك المركب خفّض مستويات الأنسولين في الدم. وعندما دققنا النظر أكثر فأكثر في الأدبيات الطبية، فاجأتنا لحظة انبهار حقيقي.

 

لقد بدا أن المركب ولّد كثيرا من الاستجابات المعهودة الناجمة عن الإقلال من الكالوريات ـ ومن بينها تناقص نمو الورم (وهي استجابة أقل شدة بشكل طفيف من الزيادة المعروفة جيدا في مدى العمر)، وانخفاض درجة الحرارة، وارتفاع مستويات الهرمونات القشرانية السكرية glucocorticoid hormones، ونقص أعداد دورات التناسل. فإذا استطاع المركب DG2 أن يحاكي فعلا عدة  جوانب من تقييد الكالوريات في الحيوانات، فقد يحقق التأثير ذاته في البشر.

 

وفيما كنا نضع خطط أول دراستنا للمركب DG2، طالعنا ما كتب حوله للحصول على تفاصيل عن كيفية عمله على الصعيد الجزيئي لعلمنا أنه يحطم فعل إنزيم أساسي ذي علاقة بمعالجة الگلوكوز في الخلايا. وهذا المركب شبيه بالگلوكوز بنيويا، ولذا فهو يدخل الخلية سريعا؛ كما يتحول بوساطة إنزيم يمارس فعله عادة على الگلوكوز نفسه. ولكن الإنزيم الذي يكمل ما يلي من خطوات عدة مرتبطة بمعالجة الگلوكوز يعطل بالضرورة المتوسط intermediateالذي ينتجه المركب DG2. ويمنى بالإخفاق حينما يحاول القيام بفعله على هذا المتوسط. إضافة إلى ذلك، تصبح قدرته على العمل على متوسط الگلوكوز السوي ضعيفة [انظر الشكل في الصفحة المقابلة].

 

إذا استطاع المركب DG2 أن يحاكي الإقلال من الكالوريات

في الحيوانات، فلربما يكون له الأثر نفسه في البشر.

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H02_002845.jpg

 

والنتيجة النهائية هي أن الخلايا تصنع كميات أقل من نواتج الگلوكوز الثانوية، وهو ما يحصل تماما حينما يحد تقييد الكالوريات من مقدار الگلوكوز المتوجه نحو الخلايا. وتقوم بعض هذه النواتج بعملها كمادة خام في آلية إنتاج الجزيء ATP، هذه الآلية المؤلفة من سلسلة من معقدات الپروتين متوضعة في حجرات داخل الخلايا تدعى الميتوكوندرات (المتقدرات) mitochondria. فإذا حُرمت الآلية من هذه المادة الخام، أدى ذلك إلى إنتاج مقدار أقل من الجزيء ATP. ويتمثل جوهر العملية في احتيال المركب DG2 على الخلايا وإدخالها في حالة استقلابية (أيضية) شبيهة بتلك الحالة التي تشاهد أثناء الإقلال من الكالوريات، مع أن ما يدخل إلى الجسم من طعام هو مقادير طبيعية. ومادامت الكمية المنتجة من الجزيء ATP  وافية بمتطلبات الخلايا الدنيا، فإن هذه العملية المُضْعَفة من آلية إنتاج الجزيء ATP مفيدة على ما يبدو.

 

لماذا قد يمكن لإضعاف آلية إنتاج الجزيء ATP أن يساعد على محاربة الشيخوخة؟ لا يمكننا الإجابة عن هذا السؤال على نحو مؤكد، ولكن لدينا بعض الأفكار. هناك فرضية صامدة منذ زمن حول الشيخوخة تنحي باللائمة في حدوثها على إنتاج جزيئات تدعى الجذور الحرة free radicals. ويتم إطلاق الجزيء الأكبر من الجذور الحرة في الجسم حينما تقوم آلية إنتاج الجزيء ATPبالعمل. ويعتقد أن هذه الجزيئات الشديدة التفاعل تسبب مع مرور الزمن تخربا دائما في أجزاء خلوية مختلفة، بما فيها معقدات الپروتين المسؤولة عن إنتاج الجزيء ATP. وربما بتخفيض معدل إنتاج الجزيء ATP، فإن المركب DG2 وإقلال الكالوريات يبطئان المعدل الذي تتشكل وفقه الجذور الحرة وتعطّل الخلايا.

 

وقد يؤدي نقصان نواتج الگلوكوز الثانوية إلى تأخير حدوث الشيخوخة بطريقة أخرى أيضا. فبعض تلك المواد يساعد على حث خلايا البنكرياس (المعثكلة) على إفراز الأنسولين بعد أن يتناول الكائن الحي الطعام. ويفترض أن إنقاص كمية تلك النواتج الثانوية يحد من إفراز الأنسولين؛ مما ينجم عنه إقلال تأثيرات الأنسولين الضارة في الجسم إلى أدنى الحدود. وإضافة إلى قيام الأنسولين بدعم شديد غير مباشر لآلية إنتاج الجزيء ATP، وبالتالي تعزيز إنتاج الجذور الحرة، فهو يسهم في حدوث المرض القلبي والتكاثر الخلوي غير المرغوب.

 

ويتراءى لنا أيضا أن الخلايا تفسّر نقصان مستويات المواد الخام اللازمة لآلية إنتاج الجزيء ATP  كإشارة إلى شح المؤونة الغذائية. وقد تستجيب الخلايا لتلك الرسالة جيدا عن طريق التحول إلى صيغة تتوافر فيها الحماية الذاتية لها، وتتثبط النشاطات غير اللازمة لصيانتها وإصلاحها ـ كالتكاثر مثلا ـ وتتركز معظم طاقتها على تماسك أجزائها. فإن صحَّت تلك الفكرة، أمكنها أن تشرح السبب الذي يجعل تحديد الكالوريات يزيد من إنتاج المواد التي تحمي الخلايا من فرط الحرارة ومن إجهادات أخرى.

 

ويعكس تبني صيغة المحافظة على الذات تغيرات اقتُرح حدوثها على مستوى الكائن الحي في أوقات ندرة الطعام. وقد اقترح <T.كيركوود> [من جامعة نيوكاسل في إنكلترا] في نظريته المقبولة عموما عن الشيخوخة، وهي نظرية «الجسد النبوذ» disposable soma، أن الكائنات الحية تقيم توازنا بين الحاجة إلى الإنجاب والحاجة إلى الحفاظ على الجسد. فحينما تتوافر الموارد، تتمكن الكائنات الحية من امتلاك قدرة الحفاظ على ذاتها، إضافة إلى النمو والتناسل أيضا. أما عندما يشح الغذاء، فيُحدث الجسم سيرورات تثبط النمو والتكاثر، ويبذل جهدا إضافيا للحفاظ على الجسد.

 

التأثيرات المختلفة للإقلال من الكالوريات(******)

إن القوارض والقرود التي تُلْزَم بنظام غذائي تُحدّد فيه الكالوريات تختلف من نواحٍ عدة عن نظيراتها التي تتناول طعاما أكثر وفرة. وقد أدرجت بعض هذه الاختلافات أدناه [c-a]. ومع أن الواجب يقتضي إيضاح ما تسببه هذه الاختلافات المشتركة من تأثير في الشيخوخة، فإن التشابهات المتقاربة في استجابة القوارض والقرود تبعث الأمل في أن التأثيرات، التي تحسن الصحة وتعاكس الشيخوخة والتي شوهدت طويلا في القوارض [d-a]، تكون عامة بين الثدييات بما فيها البشر. فإذا كان الأمر كذلك، فإن على محاكيات تحديد الكالوريات أن تساعد الإنسان على إطالة عمره. إن التأثيرات المشار إلى كل منها بـ[أدناه] قد تم إحداثها لدى الجرذان بوساطة المركب DG2.

تأثيرات دالة على تغير في النمو أو التطور أو الاستقلاب (الأيض)

انخفاض درجة حرارة الجسم

تأخر النضج الجنسي

تأخر النضج الهيكلي

تأثيرات دالة على تحسن في الصحة

نقصان الوزن

قلة شحوم البطن

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H02_002846.jpg

تأثيرات دالة على انخفاض خطورة الأمراض المرتبطة بتقدم العمر [كالسكري والمرض القلبي]

ازدياد الحساسية للأنسولين

انخفاض مستويات الأنسولين على الريق

انخفاض مستويات الگلوكوز على الريق

انخفاض مستوى الكولستيرول وثلاثي الگليسريد

انخفاض مستوى عامل النمو 1 الشبيه بالأنسولين

ارتفاع مستوى الكولستيرول «الجيد» [HDL]

انخفاض متباطئ في مستوى الهرمونDHEAS

تأثيرات شوهدت في القوارض ولاتزال قيد الاستقصاء في القرود

تأخر ظهور الأمراض المرتبطة بتقدم العمر [بما فيها السرطان]

ازدياد الانتحار الخلوي [الذي قد يساعد على الحد من نمو الورم]

ازدياد طول متوسط مدى العمر

ازدياد طول مدى العمر الأعظمي [وهو إشارة قوية تدل على تباطؤ الشيخوخة]

 

بدء الاختبارات(*******)

في اختباراتنا الأولى التي كُرّست لفحص فعالية المركب DG2 أعطينا الجرذان جرعات ضئيلة منه بإضافتها إلى طعامها على امتداد ستة أشهر. وقد أدت المعالجة إلى نقصان معتدل في مستويات گلوكوز الدم على الريق (أي المستويات التي قيست بعد الانقطاع عن الطعام مدة 12 ساعة)، وفي وزن الجسم ودرجة حرارته. كما أفضت المعالجة إلى نقص شديد في مستويات الأنسولين التي جرى اختبارها على الريق. وتنسجم هذه النتائج مع ما يؤدي إليه إقلال الكالوريات في حد ذاته. ومما يثير الانتباه أنه بعد إجراء تعديل مبدئي على النظام الغذائي الجديد، لم تكن مجموعة المركب DG2تتناول طعاما أقل كثيرا مما تتناوله أفراد المجموعة الشاهدة. وهكذا أظهرت هذه التحاليل الأولية المثيرة إمكان محاكاة بعض من تأثيرات تحديد الكالوريات على الأقل من دون إنقاص المدخول من الطعام.

 

وفي عام 1998، أي بعد مدة قصيرة من نشرنا هذه النتائج، بدأت مجموعات بحثية أخرى تتعرف طرائق جديدة يحاكي المركب DG2 فيها نتائج تقييد الكالوريات. فمثلا، ذكر <P .M.ماتسون>[الذي كان حينذاك في جامعة كنتاكي] وزملاؤه أن باستطاعة الحد من الكالوريات أن يقلل الضرر الذي يلحق بالخلايا العصبية، وأن يحد من أشكال العجز السلوكي في القوارض المعالجة بمركبات سامة لخلايا الدماغ. ولاحظوا الحماية العصبونية ذاتها حينما عالجوا القوارض بالمركب DG2 عوضا عن إنقاص الكالوريات.

 

وفي الوقت الذي نكتب فيه هذه المقالة، لانزال منهمكين بإجراء تجارب طويلة الأمد على القوارض لاختبار فعالية المركب DG2. وتؤكد النتائج المستمدة من السنة الأولى لدراستنا في هذا الاتجاه صحة نتائجنا السابقة التي ترى أن هذا المركب ينقص گلوكوز الدم ودرجة حرارة الجسم على نحو طفيف. ونختبر أيضا ما إذا كان باستطاعة المركب DG 2 أن يقلل نسبة حدوث السرطان وأن يزيد مدى  العمر فيما لو تناولته الحيوانات بمقادير منخفضة بدءا من فطامها وحتى نفوقها.

 

وتقدم الدراسات التي أجريت حتى الآن «دليلا تجريبيا» واضحا على أن تثبيط استقلاب الگلوكوز قادر على بعث التأثيرات العديدة الناجمة عن تحديد الكالوريات. ولكن ما يؤسف له أن المركب DG2  يعاني عيبا قاتلا يمنعه من أن يكون «الحبة السحرية» المؤمَّلة. فمع أن تناوله آمن في المستويات المنخفضة، إلا أنه كما يبدو يصبح ساما لبعض الحيوانات إذا ما زيدت قليلا الكمية المعطاة منه، وإذا ما أعطي لمدة طويلة. إن ضيق حيز الأمان الفاصل بين المقادير المسعفة والمقادير السامة سيؤلف حاجزا بينه وبين تطبيق استعماله في البشر. ويحدونا الأمل ألا تكون هذه سمة عامة تتصف بها محاكيات تقليل الكالوريات كلها.

 

وتصير المهمة هي إيجاد مواد أخرى لها فوائد المركب DG2 ولكنها أكثر  منه سلامة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N2-3_H02_002847.jpg

تقدُّم الدراسات(********)

إذا افترضنا أن دراساتنا الطويلة الأمد تؤكد أن تثبيط الاستقلاب يمكنه تأخير حدوث الشيخوخة، تصبح المهمة هي إيجاد مواد أخرى يمكنها توفير فوائد المركب DG2 على أن تكون أكثر أمانا في حال إعطائها بمدى أكبر من التسامح في مقاديرها وبرامجها. وتبين الدراسات الأولية وجود العديد من المواد المرشحة الواعدة، ومن بينها أسيتات اليود iodoacetate التي يقوم فريق ماتسون باستقصائها الآن في مختبر العلوم العصبية التابع للمعهد القومي للشيخوخة (NIA). ويبدو أن هذا العامل agent يحمي خلايا الدماغ في الحيوانات من اعتداء المواد السامة عليها؛ الأمر الذي يتطابق تماما مع فعل المركب DG2وتقليل الكالوريات. وقد تثبت المعالجة بالأدوية المضادة للداء السكري التي تقوي الحساسية الخلوية للأنسولين أنها مفيدة أيضا مادامت الكميات المعطاة لا تسبب هبوطا شديدا في مستويات گلوكوز الدم.

 

وثمة أبحاث كثيرة تشير إلى دور استقلاب الگلوكوز في تنظيم مدى العمر، مع أن مظاهر استقلابية أخرى قد تتغير أيضا كرد فعل على تقليل الكالوريات. فحينما يعجز الجسم عن استخلاص طاقة كافية من گلوكوز الطعام، يتحول إلى استنباط طرائق بديلة كي يحصل على حاجته، كأن يلجأ إلى تحطيم الپروتينات والدهون مثلا. ومن الممكن استخدام المواد الصيدلانية التي تستهدف هذه السيرورات كمحاكيات لإنقاص الكالوريات. وقد تطبق هذه وحدها أو بمشاركة عقاقير تتدخل في استقلاب الگلوكوز. وقد تم تعرف بعض المركبات التي تعمل في تلك الاتجاهات، مع أن الباحثين لم يتوصلوا بعد إلى تقدير واف لإمكاناتها كمحاكيات لإنقاص الكالوريات. وربما أثبتت العقاقير، التي لا تضاعف إلا تأثيرات مختارة من تأثيرات تقييد الكالوريات، أن لها أيضا دورا تؤديه. ومن الناحية النظرية، تناسب الڤيتامينات المضادة للأكسدة تلك القائمة، بيد أن الأبحاث التي أجريت حتى الآن تشير إلى أن هذا التدخل الخاص ربما لا يؤدي إلى إطالة العمر.

 

وخلافا لإكسيرات الحياة الوفيرة التي تحظى بإطراء شديد كآخر ما تم التوصل إليه من علاجات مضادة للشيخوخة، فإن محاكيات الإقلال من الكالوريات ستغير سيرورات بالغة الأهمية تؤلف أساس الشيخوخة. ونحن نأمل أن نطور مركبات تحتال على الخلايا كي تتمكن من تفعيل صيانتها وإصلاح نشاطاتها بحيث يفضي ذلك إلى صحة أفضل للكائن الحي وإلى إطالة عمره. ومع أن تلك المهمة صعبة، فقد تجاوزت مرحلة الاستحالة. فإذا استطاع العلماء التوصل إلى عوامل تحقق فوائد المركب DG2 وتتفادى عيوبه، أمكن للبشر الفوز بطول العمر وبصحة أفضل، والتمتع بهما أيضا.

 

المؤلفون

Mark A. Lane – Donald K. Ingram – George S. Roth

لعدة سنوات أجروا معا أبحاثهم حول تحديد الكالوريات، وذلك في المعهد القومي للشيخوخة (NIA) التابع للمعاهد القومية للصحة. ولين الذي أصبح في الشهر3/2002 مديرا للمشروعات في شركة ميرك في Rahway بولاية نيوجيرسي، مازال يتعاون مع أنگرام و روث بصفته باحثا زائرا لدى المعهد القومي للشيخوخة. يشغل أنگرام منصب رئيس قسم علم الأعصاب السلوكي في مختبر العلوم العصبية التابع لذاك المعهد. أما روث الذي قضى نحو 30 عاما متفرغا للبحث في المعهد القومي للشيخوخة، فهو المسؤول التنفيذي عن GeroTech، وهو فرع جديد في التقانة البيولوجية مكرس للاستراتيجيات المضادة للشيخوخة.

 

مراجع للاستزادة 

Caloric Restriction and Aging. Richard Weindruch in Scientific American, Vol. 274, No. 1, pages 32-38; January 1996.

2-Deoxy-D-Glucose Feeding in Rats Mimics Physiological Effects of Caloric Restriction. Mark A. Lane, George S. Roth and Donald K. Ingram in Journal of Anti-Aging Medicine, Vol. l, No. 4, pages 327-337; Winter 1998.

Caloric Restriction in Primates and Relevance to Humans. George S. Roth, Donald K. Ingram and Mark A. Lane in Annals of the New York Academy of Sciences, Vol. 928, pages 305-315; 2001.

The position statement on human aging mentioned at the start of this article is available at

 www.sciam.com/explorations/2002/051302aging/

Scientific American, August 2002

(*) THE SERIOUS SEARCH FOR AN ANTI-AGING PILL

(**) The Benefits of Caloric Restriction

(***) The Journey Starts

(****) How a Prototype Caloric – Restriction Mimetic Works

 (*****) An “Aha”! Moment

(******) Caloric Restriction’s Varied Effects

(*******) Testing Begins

(********) Moving On

 

(1) caloric-restriction mimetic

(2) الاستقلاب metabolism: العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تتحول بها الغُذيّات (المواد الغذائية) في الدم إلى طاقة لاستخدامها في النشاطات الخلوية. (التحرير)

(3)I’am Not Dead Yet: لم أمت بعد.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button