أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
فلك وعلم الكونيات

حينما تتصادم النجوم

 حينما تتصادم النجوم(*)

عندما يتهشم نجمان بسبب تصادمهما،

فقد ترى منظرا جميلا جدا، مادمت بعيدًا عنه بُعدًا كافيًا.

وفيما مضى، كانت مثل هذه الأحداث تعتبر مستحيلة،

بيد أنه تبين أنها شائعة في بقاع معينة من مجرتنا.

<شارا.M>

 

من بين جميع الطرق التي يمكن أن تنتهي بها الحياة على الأرض، ربما كان أكثرها إثارة هو اصطدام الشمس بنجم آخر. وإذا كانت القذيفة الواردة قزما أبيض ـ وهو نجم مفرط في كثافته يكدس كتلة بقدر كتلة الشمس في حجم يعادل واحدا في المئة من حجم الشمس ـ فإن قاطني الأرض سيكونون مدعوين لمشاهدة عرض ألعاب نارية لا مثيل له. سيخترق القزم الأبيض الشمس بسرعة فوق صوتية تتجاوز600 كيلومتر في الثانية، مولدا موجة صدمية شديدة سوف تضغط وتسخن الشمس كلها، لتبلغ درجات حرارة أعلى من تلك التي تحدث عندها الانفجارات النووية الحرارية.ا

 

إن اختراق القزم الأبيض للشمس لن يستغرق أكثر من ساعة، لكن الضرر الذي سيسببه سيكون لاعكوسًا. فالشمس، التي سوف تسخَّن بإفراط، ستحرر أثناء تلك الساعة طاقة اندماجية تعادل ما تحرره عادة في مئة مليون سنة. واستفحال الضغط سيجبر الغاز على الخروج منها بسرعات أعلى بكثير من سرعة الإفلات(1) escape velocity. وفي بضع ساعات، تكون الشمس قد مزّقت نفسها إربا. أما القزم الأبيض، الذي سبب هذه الكارثة، فسوف يواصل في تلك الأثناء طريقه مبتهجا ـ ولا يعني ذلك أننا سنشهد ما حدث، ونفكر في الظلم الذي وقع.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H03_002936.jpg

هذا مشهد لا تود رؤيته البتة. إذا صدم قزم أبيض الشمس، فسوف يقدح زناد سلسلة أحداث كارثية ـ مع أن قطر القزم لا يكاد يبلغ واحدا في المئة من قطر الشمس. ومع اقتراب القزم من الشمس، فإنه يمتص المادة نحوه، ومن ثم يحوّل هيئة الشمس إلى شكل إجّاصة (كمثرى). ولحسن الحظ، فإن مثل هذا الصدم غير محتمل الحدوث. بيد أن ثمة أحداثًا مشابهة تقع بانتظام في أجزاء أكثف من مجرتنا، كالحشود النجمية الكروية.

 


وخلال جزء كبير من القرن العشرين، بدا للفلكيين أن دراسة التصادمات النجمية فكرة سخيفة غير جديرة بالاهتمام. فالمسافات بين النجوم الموجودة في جوار الشمس تبلغ من الكبر درجة لا تمكنها من التصادم بعضها ببعض. ثمة كوارث أخرى سوف تحل بالشمس (والأرض) في المستقبل البعيد، لكن اصطدامها بنجم قريب لا يحتمل أن يكون إحدى هذه الكوارث. وفي الحقيقة، فإن الحسابات البسيطة التي أجراها في مطلع القرن العشرين عالم الفيزياء الفلكية البريطاني<J.جينز>أوحت بأنه لم يحدث مطلقا أي تصادم بين نجمين من بين النجوم الموجودة في قرص مجرتنا، والتي عددها نحو مئة بليون نجم.

 

لكن ذلك لا يعني أن التصادمات هي حدث غير شائع. فافتراضات <جينز>، والنتيجة التي توصل إليها، تنطبق على المناطق المجاورة للشمس، ولا تسري على البقاع القريبة الأخرى من درب التبانة. فالحشود النجمية الكثيفة هي بقاع فعلية لعمليات تدميرية. فضمن هذه العقد النجمية التي تكون النجوم فيها ملتزة، اكتشف الفلكيون في السنوات الأخيرة أجساما يستحيل وجودها طبقا لمبادئ التطور النجمي العادي ـ لكن يمكن تفسير وجودها طبيعيا على أنها نجوم محطمة. ويمكن للتصادمات أن تعدل التطور الطويل الأمد للحشود النجمية بكاملها، ويمكن رؤية أعنفها في منتصف المسافة عبر الكون.

 

عالَمٌ تأكل فيه النجوم بعضها بعضا(**)

إن اكتشافات الكوازارات عام 1963 هي التي دفعت بالفلكيين المتشككين لأخذ موضوع التصادمات النجمية على محمل الجد. وكثير من الكوازارات يشع من الطاقة ما تشعه 100 تريليون شمس. وبسبب كون بعضها يسطع أو يأفل بشدة في أقل من يوم، فإن مناطقها التي تنتج الطاقة يجب ألا تكون أكبر من المسافة التي يقطعها الضوء في يوم ـ وهذا يعادل حيز نظامنا الشمسي تقريبا. ويطرح الفلكيون السؤال التالي: لو تمكنْتَ أن تحشر ـ بطريقة ما ـ ملايين النجوم في مثل هذا الحيز الصغير، فهل ترتطم هذه النجوم بعضها ببعض؟ وهل يمكن لهذا التدافع تحرير تلك الطاقة الهائلة؟

 

بحلول عام 1970، صار من الواضح أن الجواب عن السؤال الثاني هو لا. ثم إن الرقص النجمي العنيف(2)slam dancing  لم يفسر التدفقات الضيقة التي تنبعث من مصادر الطاقة المركزية لكثير من الكوازارات. لذا أُرجع السبب إلى الثقوب السوداء الفائقة الكتلة. (ومن قبيل المفارقة، فقد اقترح بعض الفلكيين، منذ عهد قريب، أن التصادمات النجمية قد تساعد على ضخ المادة في تلك الثقوب.)

 

وفي الوقت الذي كان الفلكيون، الذين يدرسون خارج مجرتنا، يرفضون التصادمات النجمية كسبب لهذه الظاهرة، فإن زملاءهم من المتخصصين بدراسة مجرتنا أخذوا على عاتقهم دراسة التصادمات دراسة مكثفة ومستفيضة. هذا وإن ساتل أوهورو Uhuru، الذي أُطلق عام 1970 لمسح السماء بحثًا عن الأجسام التي تصدر أشعة سينية، اكتشف نحو 100مصدر متألق في درب التبانة. وكان 10 في المئة منها موجودة في أكثف أنماط الحشود النجمية، ألا وهي الحشود الكروية. لكن هذه الحشود لا تشكل سوى 0.01 في المئة من نجوم درب التبانة. ولسبب ما، تحوي هذه الحشود من منابع الأشعة السينية عددا كبيرا لا يتناسب البتة مع عدد نجوم تلك الحشود.

 

التصادمات النجمية/ نظرة إجمالية(***)

هذه إحدى الحالات التي تقتضي إجراء تعديلات للكتب الدراسية في علم الفلك. إن الرأي التقليدي القائل بأن تصادم نجمين أمر مستحيل هو رأي خاطئ؛ فالتصادمات يمكن أن تحدث في الحشود النجمية، وبخاصة في الحشود الكروية، حيث تكون كثافة النجوم عالية، وحيث تعزز التفاعلات التثاقلية من احتمالات حدوث هذه التصادمات،

 الدليل الرصدي الرئيسي على حدوث هذه التصادمات ذو شقين. أولهما هو أن الحشود الكروية تحوي نجوما تسمى النجوم الزرقاء المنتشرة في غير نظام، وأفضل تفسير لها هو أنها تكونت نتيجة تصادمات. ثانيهما هو أن الحشود الكروية تحوي عددا هائلا من منابع الأشعة السينية ـ من المحتمل أيضا أن تكون هذه المنابع نتيجة للتصادمات النجمية.

 

للتعبير عن هذا الغموض بطريقة أخرى، لننظر فيما يولّد منابع الأشعة السينية هذه. يُظن أن كلا من هذه المنابع هو زوج من النجوم، أحدها مات وانهار متحولا إلى نجم نيوتروني أو ثقب أسود. ويقوم النجم السابق بالتهام رفيقه، وبفعله هذا يسخِّن الغاز إلى درجات حرارة عالية جدا ومن ثم يطلق أشعة سينية. إن مثل هذه الاقترانات المروعة حدث نادر، والتطور المتزامن لنجمين حديثي الولادة في نظام ثنائي، لا ينجح في توليد ثنائي مصدِّر لأشعة سينية ساطعة إلا مرة واحدة فقط في كل بليون محاولة.

 

ماذا عن العامل الذي يتيح للحشود الكروية أن تتغلب على هذه العقبات؟ لقد تبين للفلكيين أن ظروف الازدحام في هذه الحشود قد تكون هي العامل الحاسم. فيوجد نحو مليون نجم مكدّس في حيز عرضه بضع عشرات من السنين الضوئية ولا يتسع مثل هذا الحجم بالقرب من الشمس إلا لنحو مئة نجم فقط. وكما هي الحال بالنسبة إلى النحل الذي يحوم حول خليته، فإن النجوم تتحرك في مدارات دائمة التغير. أما النجوم التي لها كتل أقل، فإنها تميل إلى أن تُقذف خارج الحشد وذلك نتيجة اكتسابها طاقة خلال مواجهتها عن كثب نجوما وحيدة أو ثنائية ذات كتل أكبر؛ وتسمى هذه العملية تبخرا evaporation لأنها تشبه فرار الجزيئات من سطح سائل. أما النجوم المتبقية التي فقدت طاقة، فإنها تتمركز بالقرب من مركز الحشد. وبمرور قدر كاف من الوقت، تبدأ النجوم المكدسة بكثافة بالتصادم بعضها ببعض.

 

العمليات التي تزيد من احتمال حدوث التصادمات النجمية(****)

التبخر

إن النجوم في حشد كروي تندفع بحيوية ونشاط كأنها سرب من النحل. وبين الفينة والأخرى، تقترب ثلاثة أو أربعة نجوم بعضها من بعض. إن الاقتراب الشديد لبعضها من بعض يعيد توزيع الطاقة، ويمكن أن يسمح بقذف واحد من هذه النجوم خارج الحشد كليا. أما العناصر المتبقية من الحشد، فإنها تتجمع معا على نحو مكثف جدا. وإذا ما قذف عدد كاف من النجوم، فإن النجوم المتبقية في الحشد تبدأ بالتصادم. وتحدث هذه العملية عادة عبر بلايين السنين.

التبئير التثاقلي

في المعيار الكوني للأشياء، تكون النجوم أهدافا صغيرة عندما يتعلق الأمر بالصدم. فكل منها يمسح منطقة ضيقة جدا من الفضاء، ويبدو، للوهلة الأولى، أنه من غير المحتمل أن تتراكب منطقة منها مع منطقة أخرى. لكن الثقالة تحوّل النجوم إلى أهداف كبيرة، وذلك بحرفها مسارات أي أجرام تقترب منها. وفي الواقع، فإن كل نجم يمسح منطقة أكبر من حجمه بعدة مرات، وهذا يزيد كثيرا من احتمال التراكب والتصادم.

الأسر المدّي

يمثل الثقب الأسود أو النجم النيوتروني هدفا أصغر حتى من النجم العادي. لكن يمكنه أن يوفر قوى مدّيّة جبارة بمقدورها تشويه شكل نجم عابر. ويبدّد هذا التشوه طاقة، كما يمكن أن يجعل الجسمين يغيران مداريهما. إن حدوث التصادم بينهما يصبح عند ذلك مسألة وقت فقط، لأن المواجهات القريبة المتتالية بينهما تواصل سلبهما طاقة مدارية.

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H03_002937.jpg

 

 وحتى في حشد كروي، فإن متوسط المسافة بين النجوم يكون أكبر بكثير من النجوم ذاتها. لكن<G.J.هيلز>و<A.C.داي> [وكان كلاهما يعمل في جامعة ميشيگان بآن آربر]، بيّنا عام 1975 أن احتمال التصادم لا يتوقف على مجرد المقطع العرضي الفيزيائي للنجوم. فلما كانت النجوم في حشد كروي تتحرك ببطء (بالمعايير الكونية) لأن سرعاتها تقع بين 10 و 20 كيلومترا في الثانية، فسوف يتسع الوقت للثقالة لكي تؤدي دورها خلال المواجهات القريبة بين النجوم. ومن دون ثقالة، لا يمكن لنجمين أن يتصادما إلا عندما يكون كل منهما متجها مباشرة نحو الآخر؛ أما بوجود ثقالة، فيقوم كل من النجمين بسحب الآخر، وبذلك يحرف مساره. وتتحول النجوم من قذائف بالستية، خط طيرانها معد سلفا، إلى قذائف موجهة تندفع نحو هدفها. وعندئذ يزداد احتمال التصادم بمعامل يصل إلى نحو 000 10 مرة. والواقع أن نصف عدد النجوم في البقاع المركزية من الحشود الكروية يحتمل أن تكون قد تعرضت لحادث تصادم واحد أو أكثر خلال الثلاثة عشر بليون سنة المنصرمة.

 

وفي نفس الوقت تقريبا، افترض<C.A.فابيان> و<E.J.برينگل> و <J.M. ريز> [من جامعة كمبردج] أن تصادمًا، أو مسًا عابرا رفيقا، يمكن أن يجعل نجمين منعزلين يقترنان. وفي الأحوال العادية، فإن مواجهة عن قرب لجرمين سماويين تكون تناظرية: فهما يقتربان أحدهما من الآخر، ويستجمعان سرعة، ويتأرجحان أحدهما أمام الآخر، وما لم يجر تماس بينهما فإن كلا منهما يذهب في سبيله بمعزل عن الآخر. بيد أنه إذا كان أحدهما نجما نيوترونيا أو ثقبا أسود، فإن ثقالته الشديدة يمكن أن تحرف مسار النجم الآخر، وتجرده من بعض طاقته الحركية وتمنعه من الفرار، وهذه عملية تسمى أسرا مديّا tidal capture.ويواصل النجم النيوتروني أو الثقب الأسود التهام فريسته التي وقعت في شَرَكِه، مطلقا أشعة سينية.

 

حدوث تصادم(*****)

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H03_002938.jpg

للنجوم سبعة أنماط أساسية، أكثفها الثقوب السوداء، وأقلها كثافة العمالقة الفائقة. شمسنا هي نجم متتالية رئيسية main-sequence star. ويعرض هذا الجدول نتائج الاقترانات المختلفة وعددها 28. وفي كثير من الحالات يمكن أن يسفر تصادم عن أكثر من نتيجة ممكنة، وهذا يتوقف على سرعة التصادم وزاويته وأبعاد أخرى. وتفترض النتائج هنا تصادمات تُحدث اختراقات عميقة بسرعة معتدلة. ونبين في الأسفل اثنين من هذه التصادمات.

قزم أبيض يصدم عملاقا أحمر

نجم متتالية رئيسية يصدم نجم متتالية رئيسية

يستغرق قزم أبيض شهرا لاختراق العملاق الأحمر المنتفخ. ويخرج القزم دون أن يصاب بأذى، ويسلب بعض غاز العملاق. لكن العملاق يتحطم مع أن قلبه يبقى سليما ويتحول إلى قزم أبيض آخر. الشريط السينمائي الكامل متاح في الموقع www.ukaff.ac.uk/movies/collision.mov

نجمان عاديان لهما كتلتان غير متساويتين تصادما بعيدا عن مركزيهما. النجم الصغير أصغر كتلة، لكنه أكثف من الكبير. لذا فإنه يبقى سليما مدة أطول. وفي خلال ساعة، يكون قد دخل في النجم الكبير، ونتج من ذلك نجم وحيد يدوّم بسرعة. ويضيع قسم من الكتلة في الفضاء السحيق. الشريط السينمائي الكامل متاح في الموقع www.sciam.com

 

وإذا كانت المواجهة عن كثب بين ثلاثة نجوم وليس نجمين، فإن احتمال نشوء ثنائي أشعة سينية x-ray binary يكون أكبر. إن ديناميكية الأجسام الثلاثة مسألة بالغة التعقيد وشواشية أحيانا؛ إذ تقوم النجوم في العادة بإعادة توزيع طاقاتها بطريقة يقترن فيها النجمان الأثقل ليكونا نجما ثنائيا، أما النجم الثالث فينطلق بعيدا عنهما. ويتضمن الوضع النموذجي نجما نيوترونيا منعزلا يقترب قليلا من نجم ثنائي عادي. وأحد النجمين العاديين في النجم الثنائي يُنبذ، ويحل النجم النيوتروني محله، مولدا منبع أشعة سينية. والنتيجة النهائية هي أن ديناميك الأجسام الثلاثة والأسْر المدي يسفران عن زيادة تصل إلى ألف مرة للمعدل الذي تتكون به منابع الأشعة السينية في الحشود الكروية، وهذا حل جيد للأحجية التي طرحها أوهورو.

 

مشهد ارتطام (******)

ما الذي يحدث عندما يتواجه نجمان ويصطدمان بشدة؟ كما هي الحال في تصادم سيارتين، تتوقف النتيجة على عدة عوامل: سرعتي الجسمين المتصادمين، وبنيتيهما الداخليتين، وأبعاد الصدم (التي تحدد ما إذا كان الاصطدام يحدث بين مقدمتي السيارتين أو بين جانبيهما). بعض الحوادث لا تسفر إلا عن ليِّ حاجزَيْ الاصطدام أو الرفرفين، وبعضها الآخر يتمخض عن تحطم السيارتين بالكامل، وبعضها يقع بين هذا وذاك والسرعات العالية والاصطدامات التي تحدث بين المقدمتين هي أفضل الطرق لتحويل الطاقة الحركية إلى حرارة وضغط يؤديان إلى تحطيم السيارتين تماما.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H03_002939.jpg

يسفر التصادم بين الشمس وقزم أبيض عن انفجار الشمس، الذي يماثل انفجار قنبلة نووية حرارية هائلة، مخلفا وراءه غيمة سديمية غازية. بعد ذلك تتجمع بضعة أجزاء في المئة من كتلة الشمس في قرص يتحلق حول القزم الأبيض، الذي يواصل طريقه. تنجو الأرض من الكارثة، لكن محيطاتها وجوها تغلي وتتبخر. وبسبب عدم وجود ثقالة تشد الكواكب إلى نجم مركزي، فإنها تندفع جميعها إلى الفضاء بين النجمي، وتبدأ بالطواف حول المجرة، من دون أن تؤوي أي نوع من أنواع الحياة.

 

ومع أن الفلكيين يعتمدون على الحواسيب الفائقة في دراستهم للتصادمات بالتفصيل، فثمة بضعة مبادئ بسيطة تحكم آثارها الإجمالية. أهم شيء هو التباين في الكثافات. فالنجم العالي الكثافة سيحل به أذى أقل بكثير من نجم غير كثيف، تماما كما يحدث عندما تخترق قذيفة مدفع cannonball بطيخة، فالقذيفة تبقى على حالها تقريبا في حين تتمزق البطيخة إربا. إن التصادم الذي يحدث بين مقدمتي نجمين ـ أحدهما شبيه بالشمس والآخر أكثف منها بكثير، كأن يكون قزما أبيض ـ دُرِس في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من قبلي وزميليَّ <G.شاڤيڤ> و<O. ريگيڤ>. ففي حين يُمحق النجم الشبيه بالشمس، فإن القزم الأبيض، الذي هو أكثف من الشمس بنحو 10 ملايين مرة، يخرج من حادثة التصادم بارتفاع بسيط في حرارة طبقاته الخارجية فقط. وباستثناء وجود وفرة سطحية عالية جدا من النتروجين، فإن القزم الأبيض سوف يبدو وكأن شيئا لم يتغير فيه.

 

إن القزم أقل قدرة على إخفاء آثار فِعْلته، عند حدوث اصطدام عابر رفيق، وهذا ما وجدته بالنمذجة التي أجريتها بالتعاون مع ريگيڤ و<N.سوكر> [من جامعة فرجينيا] و<M. ليڤيو> [من معهد علوم المقراب الفضائي (STSI)]. من الممكن أن يكوّن النجم الممزق الشبيه بالشمس قرصا ضخما يدور في فلك حول القزم. وحتى الآن، لم يثبت وجود مثل هذه الأقراص، لكن الفلكيين قد يخلطون بينها وبين نجوم ثنائية ناقلة للمادة في الحشود النجمية.

 

عندما تكون النجوم المتصادمة من نفس النمط والكثافة والحجم، فإن تتابع الأحداث يختلف تماما. وكان <W.G.A.كاميرون> [الذي كان حينذاك في جامعة يشيڤا والموجود حاليا في جامعة أريزونا] و<P.G.F.سيدل> [من معهد گودارد للدراسات الفضائية التابع للوكالة ناسا] هما أول من أجريا محاكاة في أوائل السبعينات من القرن الماضي لحالة نجمين شبيهين بالشمس. ومع التراكب المتزايد للنجوم ـ الكروية أصلا ـ فإنها تضغط وتشوه بعضها بعضا لتتخذ أشكال أنصاف دوائر. هذا ولا ترتفع البتة درجات الحرارة والكثافات إلى درجة تكفي لإشعال حريق نووي حراري مدمر. ومع انبجاس نسبة مئوية ضئيلة من الكتلة الكلية عموديا على اتجاه الحركة النجمية، فإن الكمية الباقية منها يختلط بعضها ببعض. وفي خلال ساعة، يكون النجمان قد اندمجا في نجم واحد.

 

والأمر الأكثر احتمالا هو أن يتصادم نجمان ليس بمقدمتيهما بالضبط؛ وأن يكون لهما كتلتان مختلفتان قليلا وليستا متطابقتين. وهذه الحالة العامة درسها بالتفصيل <W.بنز> [من جامعة بيرن بسويسرا] و<A .F. راسيو> [من جامعة نورث وسترن] و<C.J.لومباردي>[من كلية ڤاسار] ومعاونوهم. إنها رقصة تزاوجية جميلة تنتهي بالاتحاد الدائم للنجمين.

 

إن الجسم الناتج يختلف جوهريا عن نجم منعزل مثل شمسنا. فالنجم المنعزل لا يجد طريقة ليعيد تزويد نفسه بحصته الأولية من الوقود، إذ إن مدة بقائه محددة سلفا. وكلما ازدادت ضخامة النجم، ارتفعت حرارته أكثر، وازدادت سرعته في إحراق نفسه. ويدل لون نجم على درجة حرارته، وبالتالي فإن النماذج الحاسوبية لإنتاج الطاقة يمكن أن تتنبأ بطول عمره بدقة عالية. لكن نجما مندمجا لا يتبع نفس القواعد. فتمازج طبقات الغاز أثناء التصادم يمكن أن يضيف وقودا من الهدروجين الطازج إلى القلب، ويؤدي ذلك إلى إعادة الشباب للنجم، ويشبه إلقاء غصينات في موقد نار بمخيم آخذة في الخمود. أضف إلى ذلك أن الجسم، نظرا لكونه أضخم من أسلافه، سيكون أشد سخونة وزرقة وسطوعا. وسوف يخطئ الراصدون، الذين يوجهون أنظارهم إلى النجم، إذا استندوا إلى لونه وتألقه لاستنتاج عمره.

 

وعلى سبيل المثال، فإن العمر الكلي للشمس يمتد إلى 10 بلايين سنة، في حين أن نجمًا كتلته ضعف كتلة الشمس وأسطع منها بعشر مرات، لا يُعِّمر سوى 800 مليون سنة. لذا إذا اندمج نجمان شبيهان بالشمس في منتصفي عمريهما، فإنهما سيكوّنان نجما حارا وحيدا عمره خمسة بلايين سنة في لحظة تكونه، لكنه يبدو كما لو كان عمره أقل من 800 مليون سنة. إن ما يتبقى من عمر هذا النجم المندمج الضخم يتوقف على كمية وقود الهدروجين الذي قذف إلى مركزه نتيجة التصادم. ويكون هذا العمر عادة أقصر بكثير من عمر كل من والديه. وحتى عند موت هذا النجم، فإنه يفعل ذلك بأسلوب فريد. فعندما يموت (وذلك بأن ينتفخ ليغدو عملاقا أحمر، ثم سديما كوكبيا، وأخيرا قزما أبيض)، يصبح أعلى حرارة بكثير من الأقزام البيضاء الأخرى الأكبر سنا منه، والتي لها كتل مماثلة.

 

اكتشاف النجوم الزرقاء(*******)

في حشد كروي، تتميز النجوم الضخمة المندمجة عن غيرها بجلاء. إن جميع عناصر حشد نجمي تُولَد في وقت واحد تقريبا؛ كما أن درجة حرارتها وسطوعها يتطوران معا [انظر: «عمر أقدم النجوم»، مجلة العلوم، العددان 7/8 (2002)، ص64]. لكن النجوم المندمجة تشذ عن هذه القاعدة: إنها تبدو فتية على نحو غير عادي، وتبقى على قيد الحياة حين تكون النجوم الأخرى التي لها نفس السطوع واللون قد ماتت. ووجود مثل هذه النجوم في قلوب الحشود النجمية الكثيفة هو أحد أكثر التنبؤات إثارة للاهتمام بنظرية التصادمات النجمية.

 

وقد حدث مصادفة أن <R.A.سانديج> [من معهد كارنيگي بواشنطن] اكتشف في أوائل الخمسينات من القرن الماضي أن الحشود الكروية تحوي نجوما ساطعة وساخنة على نحو غير عادي، تسمى النجوم الزرقاء المنتشرة في غير نظام blue stragglers. وعلى مر السنين قدم الباحثون عشرًا، أو نحو ذلك من النظريات لتفسير أصل هذه النجوم. بيد أنه تعين الانتظار إلى العقد الماضي ليزودنا مقراب هبل الفضائي بأدلة قوية على علاقتها بالتصادمات النجمية.

 

في عام 1991 وجدت مع زميليّ <F.باريسي> و<G.ميلان> [وكنا جميعا حينذاك نعمل في معهد علوم المقراب الفضائي] أن مركز الحشد الكروي 47Tucanae  متخم بالنجوم الزرقاء المنتشرة في غير نظام، وهو بالضبط المكان الذي تنبأت نظرية التصادمات بوجوب وجود هذه النجوم بأكبر عدد ممكن فيه. وبعد ست سنوات من ذلك أجريت مع الزميلين<D. زوريك> [من معهد علوم المقراب الفضائي] و<A.R.سافر> [من جامعة ڤيلانوڤا] أول قياس مباشر لكتلة واحد من النجوم الزرقاء المنتشرة في غير نظام في حشد كروي. ووجدنا أن كتلته تعادل نحو ضعف كتلة أضخم النجوم العادية في نفس الحشد ـ وهذا هو المتوقع إذا كان الاندماج النجمي هو السبب. وقد اكتشف <سافر> وزملاؤه أن كتلة نجم من تلك النجوم الزرقاء المنتشرة في غير نظام، تعادل نحو ثلاثة أمثال كتلة أي نجم عادي في حشده. ويعرف الفلكيون أنه لا يوجد سبب آخر، غير الاندماج التصادمي، لتكوين مثل هذا الجرم الثقيل في هذه البيئة.

 

ونقوم الآن بقياس كتل وسپينات spins عشرات من النجوم الزرقاء المنتشرة من دون نظام. وفي الوقت نفسه، يقوم الراصدون أيضا بالبحث عن آثار أخرى للتصادمات جرى التنبؤ بها. وعلى سبيل المثال، أشار<G.S. جورگوڤسكي> [من معهد كاليفورنيا للتقانة (CIT)] وزملاؤه إلى وجود نقص أكيد في العمالقة الحمر، بالقرب من قلوب الحشود الكروية. وللعمالقة الحمر مقاطع عرضية أكبر آلاف المرات من المقطع العرضي للشمس، ومن ثم فهي أهداف كبيرة كبرا غير عادي. ومن الطبيعي أن تُفسَّر ندرتها بالتصادمات، التي سوف تنزع عنها طبقاتها الخارجية، وتُحوَّلُ تلك النجوم إلى صنف مختلف.

 

ومن دون ريب، فإن جميع هذه الأدلة ظرفية، والبرهان القاطع على هذا صعب المنال. إن متوسط الزمن الفاصل بين تصادمين في الحشود الكروية التي عددها في درب التبانة 150 يساوي نحو 000 10 سنة؛ وفي سائر مجرتنا يساوي هذا الزمن بلايين السنين. وإذا حالفنا الحظ على نحو استثنائي، وحدث تصادم مباشر قريب منا بقدر كاف ـ مثلا، على مسافة منا لا تتجاوز بضعة ملايين من السنين الضوئية ـ فإنه سيسمح لفلكيي هذه الأيام بمشاهدته باستعمالهم التقانة المتوافرة حاليا. وقد يُكشف أولُ تصادم نجمي في الزمن الحقيقي في مراصد الموجات التثاقلية التي بدأت حاليا برصد هذه التصادمات. ولا بد أن تؤدي المواجهات عن كثب بين الأجسام ذات الكتل النجمية إلى تشوهات في المتصل الزمكاني spacetime continuum. وهذه إشارة قوية إلى تصادم ثقوب سوداء أو نجوم نيوترونية(3). وترتبط مثل هذه الأحداث بتحرير الطاقة الهائلة المتصلة بدفقات أشعة گاما.

 

لقد ثبت أن دور التصادمات حاسم في فهم الحشود الكروية والأجرام السماوية الأخرى. وتوحي محاكيات حاسوبية أن تطور هذه الحشود تتحكم فيه بشدة أنظمة ثنائية عنصرا كل منها يرتبط أحدهما بالآخر ارتباطا محكما، وهذه الأنظمة تتبادل الطاقة والاندفاع (الزخم الزاوي) مع الحشد بمجمله. ويمكن للحشود أن تتلاشى تماما نتيجة أحداث شبيهة جدا بالتصادمات، تقذف بنجومها خارجا الواحد تلو الآخر. هذا، وقد حاجّ<P. هَتْ> [من معهد الدراسات المتقدمة في پرنستون بولاية نيوجرسي] و<A. سيلز> [من جامعة ماك ماستر بأونتاريو] في أن الديناميك النجمي والتطور النجمي، يضبط كل منهما الآخر بحلقات تغذية راجعة دقيقة.

 

إن مصائر الكواكب، التي تتعرض نجومها التي ولدتها إلى مواجهات عن كثب مع نجوم أخرى، تمثل إضافة حديثة إلى موضوع التصادمات النجمية. وتبين المحاكيات العددية التي أنجزها <R.J. هيرلي> [من المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك] أن الكواكب غالبا ما تسوء أحوالها: فإما أن يلتهمها النجم الذي ولدها أو واحد من إخوتها الكوكبيين، وإما أن تسير على غير هدى داخل الحشد النجمي، وإما أن تُقذف خارج الحشد وتتسكع عبر الفضاء بين النجمي. وتوحي أرصاد حديثة أجراها<R.گيليلاند> [من معهد علوم المقراب الفضائي] وزملاؤه باستعمال مقراب هبل أن النجوم الموجودة في حشد كروي قريب، تفتقر في الحقيقة إلى كواكب بحجم المشتري، مع أن سبب هذا الافتقار غير معروف يقينا حتى الآن.

 

وعلى الرغم من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها بعد، فإن التقدم في هذا المجال مثير للدهشة. لقد كان مجرد التفكير في التصادمات النجمية أمرا سخيفا في وقت من الأوقات؛ أما اليوم، فإن هذا الموضوع يشغل موقعا مركزيا في كثير من مجالات الفيزياء الفلكية. إن السكون الظاهري للسماء الليلية يخفي عن العيان كونًا يتصف بطاقة وقوة تدمير لا يمكن تصورهما. في هذا الكون، يتصادم كل ساعة نحو ألف زوج من النجوم في مكان ما. ومن المؤكد أن معلوماتنا عن هذا الموضوع ستتحسن في المستقبل. هذا وإن التقانات الجديدة قد تسمح قريبا بالكشف المباشر والروتيني عن هذه الأحداث. سنشاهد كيف تموت بعض النجوم موتا عنيفا، في حين تعاد ولادة نجوم أخرى، مثل طائر الفينيق(4)، أثناء تصادمات نجمية.ا

 

 المؤلف

Michael Shara

أراد أن يكون فلكيا منذ أن كان في السابعة من عمره. برز أبكر اهتماماته الفلكية عندما رصد نجوما ثنائية مستخدما منظارا ثنائي العينيتين من بقايا الحرب العالمية الثانية. شارا الآن هو رئيس قسم الفيزياء الفلكية التابع للمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك، وهو قيّم أيضا على هذا المتحف. وقبل التحاقه بالمتحف، عمل 17 سنة في معهد علوم المقراب الفضائي، كان يشرف خلالها على عمل اللجان التابعة لمقراب هبل الفضائي. تشمل اهتمامات شارا البحثية التصادمات النجمية والمستعرات والمستعرات الأعظمية والجمهرات النجمية التي تقطن الحشود النجمية والمجرات. ويقوم شارا حاليا بعمليات رصد مستخدما مقراب هبل الفضائي وأجهزة رصد أرضية.

مراجع للاستزادة 

The First Direct Measurement of the Mass of a Blue Straggler in the Core of a Globular Cluster: BSS 19 in 47 Tucanae. Michael M. Shara, Rex A. Saffer and Mario Livio in Astrophysical Journal Letters, Vol. 489, No. l, Part 2, pages L59-L62; November 1, 1997.

Star Cluster Ecology III: Runaway Collisions in Young Compact Star Clusters. Simon Portegies Zwart, Junichira Makino, Stephen L. W. McMillan and Piet Hut in Astronomy and Astrophysics, Vol. 348, No. 1, pages 117-126;1999.

arXiv.org/abs/astro-ph/9812006

Evolution of Stellar Collision Products in Globular Clusters -II: Off-Axis Collision. Alison Sills, Joshua A. Faber, James C. Lombardi, Jr., Frederic A. Rasio and Aaron Warren in Astrophysical Journal, Vol. 548, No. 1, Part 1, pages 323-334; February 10, 2001. astro-ph/0008254

The Promiscuous Nature of Stars in Clusters. Jarrod R. Hurley and Michael M. Shara in Astrophysical Journal, Vol. 570, No. 1, Part 1, pages 184-189; May 1, 2002. astro-ph/0201217

Scientific American, November 2002

 

 (*)WHEN STARS COLLIDE

(**)A Star-Eat-Star World 

(***) Overview/Stellar Collisions

 (****)Processes That Make Collisions More Likely

(*****)Having an impact

 (******)Crash Scene

(*******)Got the Blues

 

(1) الحد الأدنى للسرعة التي تحتاج إليها الأجرام السماوية للإفلات من جاذبية الشمس.

(2) نوع من الرقص على موسيقى الروك، يتعمد فيه الراقصون الاصطدام بعضهم ببعض.

(3) [انظر: Ripples in Spacetime”,” by W.W. Gibbs;

Scientific American, April 2002].

(4) الفينيق Phoenix طائر خرافي زعم قدماء المصريين أنه يعمر خمسة قرون أو ستة، وبعد أن يحرق نفسه ينبعث من رماده وهو أتم ما يكون شبابا، ويسمى أيضا العنقاء.

(التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى