أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بشرعلم الجينات والوراثة

هل توجد فعلا أعراق بشرية؟

هل توجد فعلا أعراق بشرية؟

<J.M.بامشاد> – <.T.S أولسون>

هل يمكننا تعريف الأعراق كمجموعات منفصلة جينيا (وراثيا)؟

بالتأكيد لا. بيد أن الباحثين يستعملون بعض المعلومات الجينية

كي يضموا الأفراد في جماعات ذات صلات طبية وثيقة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N1_H02_00115.gif

 

إذا ما نظرت حولك وأنت في شارع من شوارع إحدى المدن الكبيرة، فستحظى بعينة من التنوع الظاهري للبشر: درجة تلون الجلد الذي يتراوح بين الأبيض الحليبي والأسود الداكن، منسوج الشعر ويشكل سلسلة كاملة من الناعم والسابل اللامع إلى الغليظ الوتري. وغالبا ما يستعمل الناس الخصائص الجسدية ـ كتلك التي ذُكرت ـ مقرونة بالأصل الجغرافي والثقافات المشتركة، كي يصنفوا أنفسهم وغيرهم في «أعراق». ولكن ما مدى صحة مفهوم العرق من وجهة النظر البيولوجية؟ وهل تنطوي الملامح الجسدية على أي معلومات مفيدة يمكن الاعتماد عليها، عن البنية الجينية (الوراثية) لشخص ما، أكثر من دلالتها على أن لهذا الفرد جينات تمنحه مثلا زرقة العين أو تجعد الشعر ؟

 

إن الإجابة عن هذا التساؤل أمر صعب. وينجم ذلك، ولو جزئيا، عن أن التعريف التام لما يجعل شخصا ما فردا في عرق معين، يختلف من منطقة جغرافية إلى أخرى. فمن يُصنف ” أسود ” في الولايات المتحدة مثلا، قد يعتبر ” أبيض” في البرازيل، وملونا (صنف يختلف عن كل من “الأسود” و”الأبيض” ) في جنوبي إفريقيا.

 

ومع هذا، فإنه يمكن أحيانًا للتعاريف العامة للعرق أن تفي بغرض تقسيم المجموعات البشرية وفقًا لنزوعها الجيني باتجاه مرض معين. فمرض الخلايا المنجلية sickel cells، يُصادف عادة لدى أفراد تحدروا من أسلاف إفريقية أو متوسطية، في حين أن التليف الكيسي cystic fibrosis شائع لدى ذوي الأصول الأوروبية. أضف إلى ذلك، أن بضع دراسات، لا تزال نتائجها موضع جدل، أشارت إلى أن استجابة الأمريكيين الأفارقة غالبًا ما تكون رديئة تجاه بعض عقاقير أمراض القلب، مقارنة بأفراد المجموعات الأخرى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N1_H02_003226.jpg

 

 ولقد جمع العلماء، عبر السنوات القليلة الماضية، بيانات تتعلق بالتكوين الجيني للجماعات البشرية من أصقاع العالم كافة في محاولة منهم لإيجاد علاقة بين سلسلة النسب والطرز المرضية. وهذه البيانات تقدم حاليا إجابات عن أسئلة زاخرة بالانفعال ومثيرة للنزاع: هل يمكن استعمال المعلومات الجينية لتمييز مجموعات بشرية لكل منها إرث مشترك، وتخصيص الفرد الواحد بمجموعة بعينها من هذه المجموعات؟ وهل تتوافق المجموعة الواحدة توافقا جيدا مع الوصف الذي سبق تعريفه، والشائع استعماله في مناوعة العرق؟ وعلى نحو عملي أكثر، هل ينبئ تقسيم الناس على أساس التعاريف العرقية المألوفة، أو وفقا للتشابهات الجينية، عن أي شيء ذي صلة بالكيفية التي يعاني بها أفراد المجموعة الواحدة مرضا معينا، أو كيف يستجيبون للمعالجة بالعقاقير؟

 

وعمومًا، قد نجيب عن السؤال الأول بـ «نعم»، والثاني بـ «لا»، ونبرر إجابتنا بـ «نعم» في ما يتعلق بالسؤال الثالث. وتستند إجاباتنا إلى تعميمات عديدة ذات صلة بالأعراق والجينيّات genetics. فبعض المجموعات تختلف بالتأكيد في ما يتعلق بجيناتها عن مجموعات أخرى. أما كيف تُقسم المجموعات، فيعتمد على الجينات التي تتم دراستها. ويمكن القول، تبسيطا للأمر، إن أحدنا يطابق مجموعة معينة استنادا إلى جينات لون الجلد، ولكن يطابق مجموعة أخرى بناء على خصائص أخرى غير لون الجلد. وأوضحت دراسات عديدة أن 90 في المئة تقريبا من الاختلافات الجينية للبشر، تصادف ضمن جماعة سكانية تقطن قارة من القارات، في حين أن 10 في المئة من الاختلافات تميز الجماعات القارية بعضها عن بعض. وبمعنى آخر، يزيد في المتوسط تباين أفراد الجماعات المختلفة بعضهم عن بعض زيادة طفيفة عن تباين أفراد الجماعة السكانية الواحدة ذاتها. وعلى الرغم من التشابه الشديد بين الجماعات البشرية، فإنه غالبا ما يمكن تمييز جماعة سكانية من أخرى.

 

تصنيف البشر(**)

وكخطوة أولى في تعيين الصلات بين التعريف الاجتماعي للعرق وبين تعريفه من حيث التركة الجينية، يحتاج العلماء إلى طريقة يمكن اعتمادها في تقسيم المجموعات وفقا لسلسلة نسبهم. فخلال المئة ألف سنة الماضية، هاجر البشر من ذوي الخصائص التشريحية الحديثة من إفريقيا إلى الأمكنة الأخرى من العالم، كما أن نوعنا البشري قد تزايد تزايدا دراميا. وهذا الانتشار ترك توقيعا مميزا على الدناDNA البشري.

 

ولتحديد درجة القرابة بين المجموعات المختلفة، يعول اختصاصيو الوراثة على اختلافات دقيقة، أو على تعدد الأشكالpolymorphisms في الدنا، وبخاصة في تسلسل أزواج الأسس، وهي ُلبنات بناء الدنا. ومعظم أنواع تعدد الأشكال لا يحدث ضمن الجينات، مدّات الدنا(1) التي تكوّد(2) المعلومات الخاصة بصنع الپروتين (الجزيئات التي تشكل معظم أجسامنا وتنجز التفاعلات الكيميائية الخاصة بالحياة). ووفقا لذلك، فإن هذه الاختلافات الشائعة طبيعية، لأنها لا تؤثر تأثيرا مباشرا في أي خلة من الخلال. بيد أن بعض تعددات الأشكال، يحدث أحيانا في الجينات، فتسهم عندئذ في الاختلافات الفردية للخِلال وفي الأمراض الجينية.

 

نظرة إجمالية/جينيّات الأعراق(***)

▪  إن السمات الخارجية، التي تقوم عليها غالبية تعاريف العرق – كلون الجلد ومنسوج الشعر- تتحكم فيها حفنة من الجينات. بيد أنه يمكن للجينات الأخرى لفردين من الأفراد، ينتميان إلى “عرق” واحد، أن تختلف اختلافًا كبيرًا. وبالمقابل، فإنه يمكن لشخصين من “عرقين” مختلفين، أن يتشاركا في تماثل جيني أكثر من فردين ينتميان إلى عرق واحد.

▪  مع ذلك، فبوسع العلماء أن يستعلموا الجينيّات لفرز معظم الجماعات السكانية الكبيرة وفقًا للأصول الجغرافية لأسلافهم. بيد أن هذه المقاربة تجدي أقل في ما يتعلق بجماعات نجمت عن التمازج المتأخر مع مجموعات أخرى.

▪  لا تزال التضمينات الطبية للاختلافات الجينية بين الأعراق موضع مناقشة.

 

وفي أثناء سَلْسَلَتِهم للجينوم البشري (المجموعة الفردانية النووية الكاملة للدنا) عيّن العلماء ملايين الأنواع من تعدد الأشكال. ويعكس توزع تعددات الأشكال عبر الجماعات البشرية تاريخ هذه الجماعات، كما يعكس تأثير الانتقاء (الانتخاب) الطبيعي. ولتمييز مجموعة من المجموعات، يتوجب كون أحد أنواع تعدد الأشكال الجيني موجودا في أفراد المجموعة الواحدة كلها، وغير موجود في أفراد المجموعات الأخرى كافة. بيد أن المجموعات البشرية الرئيسية، انفصل بعضها عن بعض منذ عهد قريب جدا، وفاق تمازجها نشوء هذه الفروق وترسخها.

 

ولكن يمكن استعمال تعددات الأشكال، التي تحدث في العالم بتواترات مختلفة، لفرز الناس في مجموعات تقريبية. ويتألف أحد صفوف تعددات الأشكال من الآليوهات(3) Alus، وهي قطع قصيرة من الدنا، متشابهة فيما بينها في التسلسل. وأحيانا تتنسخ الآليوهات والنسخة الناتجة تجدل(4) نفسها عشوائيا في موقع جديد على الصبغي (الكروموسوم) الأصلي أو على صبغي آخر؛ عادة في موقع لا يكون له تأثير في وظائف الجينات المجاورة. إن كل غرز يتم، يمثل حادثا متفردا. فما إن يغرز أحد الآليوهات نفسه، حتى يبقى في مكانه دهورا، يتحدر من سلف لآخر. لذلك، إذا ما امتلك شخصان الآليو نفسه في النقطة ذاتها من جينوم كل منهما، فيجب أن يكونا قد تحدرا من سلف مشترك واحد، أورثهما تلك القطعة النوعية من الدنا.

 

لقد تفحص أحدنا (بامشاد) مع آخرين من جامعتي يوتا ولويزيانا مئة من تعددات الأشكال آليو المختلفة، في 565 شخصا من جنوبي الصحراء الإفريقية وآسيا وأوروبا. وقمنا أولا بتحديد وجود أو عدم وجود المئة آليو في كل شخص من هؤلاء الأشخاص. وعمدنا بعدئذ إلى إزالة جميع المياسم labels التي تعرّف الشخص (كالبلد الأم والمجموعة العرقية ـ الإثنية) من لائحة البيانات، وفرزنا الأشخاص في مجموعات بالاعتماد فقط على المعلومات الجينية الخاصة بهم.

 

لقد أنتج تحليلنا أربع مجموعات مختلفة. ولكن عندما أدخلنا المياسم في الاعتبار لمعرفة ما إذا كانت الخصائص العائدة لكل مجموعة من هذه المجموعات الأربع قد ترابطت بميسمين عامين سبق تحديدهما للعرق أو الإثنية، وجدنا أن مجموعتين من هذه المجموعات الأربع، اشتملتا حصرا على أفراد من جنوبي الصحراء الإفريقية، وأن إحدى هاتين المجموعتين تكونت كليا تقريبا من الپگميين المبوتيين .Mbuti Pygmies  وتألفت المجموعتان الأخريان حصرا من أفراد من أوروبا وشرق آسيا على التوالي. ووجدنا أيضا أننا كنا بحاجة إلى 600 من تعددات الأشكال آليو، كي نعين للأفراد القارات الأم التي انحدروا منها بدقة تبلغ 90 في المئة. بيد أنه من أجل الوصول إلى دقة تبلغ 100 في المئة، كان لابد من استعمال قرابة 100 من تعددات الأشكال آليو.

 

وتمخضت دراسات أخرى عن نتائج مشابهة. فلقد قام <A.N. روزنبرگ> و<K.J.پيتشارد> [اختصاصيان في الوراثة، عملا سابقًا في مختبر <W.M.فيلدمان> في جامعة ستانفورد] بتفحص ما يقرب من 375 من أحد تعددات الأشكال، تدعى المكررات الترادفية القصيرة short tandem repeats، في أكثر من 1000 شخص ينتمون إلى 52 مجموعة إثنية من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا. وبدراستهما للتوترات المتنوعة لتعددات الأشكال هذه، تمكّنا من تمييز خمس مجموعات مختلفة لأناس عزلت بطبيعة الحال بالمحيطات أو الصحاري أو الجبال: كأفارقة جنوبي الصحراء الإفريقية والأوروبيين والآسيويين من غربي الهملايا، والآسيويين الشرقيين، وسكان گويانا الجديدة وميلانيزيا، والأمريكيين الأصليين، كما كان بمقدورهما تعرف مجموعات جزئية في كل منطقة توافقت عادة مع الإثنية التي أعلن الفرد انتسابه إليها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N1_H02_003227.jpg

في المتوسط يزيد التباين بين أفراد الجماعات السكانية المختلفة بعضهم عن بعض زيادة طفيفة عن التباين بين أفراد الجماعة الواحدة ذاتها

 

وتشير نتائج هذه الدراسات إلى أن التحليل الجيني يستطيع أن يميز مجموعات الناس وفقا لأصولهم الجغرافية؛ ولكن الحذر مبرر هنا. وأسهل المجموعات تمييزا هي أبعدها عن بعضها جغرافيا. وعينات كهذه تزيد إلى الحد الأقصى من الاختلافات الجينية، التي توجد بينها. وعندما استعمل <بامشاد> ومساعدوه تعددات الأشكال الآليو المئة، في محاولة منهم لتصنيف عينة من الأفراد من جنوبي الهند في مجموعة مستقلة تبين، عوضا عن ذلك، أن لهؤلاء الهنود صلات مشتركة أقوى إما مع الأوروبيين، أو مع الآسيويين. وبعبارة أخرى، بما أن الهند كانت قد خضعت لتأثيرات جينية كثيرة من أوروبا وآسيا، فإن الناس في شبه القارة الهندية لم يتجمعوا في جماعات منفردة. وكان استنتاج الباحثين أن مئات عديدة ـ وربما آلافا من تعددات الأشكال ـ لابد من أن ُتخضع للتحليل الجيني كي يتم التمييز بين المجموعات التي تزاوج أسلافها عبر التاريخ مع جماعات سكانية متعددة.

 

الجنس البشري(****)

إذا كان من البدهي فرز الناس فرزا عاما في مجموعات تبعا لبياناتهم الجينية، فهل المفاهيم العامة للعرق تقابل الفروق الجينية الأساسية بين الجماعات السكانية؟ إنها أحيانا كذلك، ولكن ليس في معظم الأحيان. فمثلا، ُيستعمل روتينيا لون الجلد وملامح الوجه ـ خِلال يؤثر فيها الانتقاء الطبيعي ـ لتوزيع الناس في عروق. بيد أنه يمكن للجماعات ذات الخصائص الجسدية المتشابهة نتيجة الانتقاء، أن تختلف إلى حد بعيد من الناحية الجينية. فقد يكون لأفراد من جنوبي الصحراء الإفريقية ولآخرين من سكان أستراليا الأصليين تصبّغ جلدي متماثل (بسبب التكيف مع أشعة الشمس الشديدة)، إلا أنهم يتغايرون جينيا إلى حد بعيد.

 

وبالمقابل، قد تتعرض مجموعتان تشبه إحداهما الأخرى جينيا إلى قوى مختلفة من الانتقاء الطبيعي. ويمكن للانتقاء الطبيعي، في مثل هذه الحالة، أن يبالغ في بعض الفروق بين المجموعتين، فتبدوان أقل تشابها في الظاهر مما هما عليه حقيقة. وعلى اعتبار أن بعض الخلال، كلون الجلد مثلا، قد تأثر كثيرا بالانتقاء الطبيعي، فإن هذه الخلال لا تعكس بالضرورة سيرورات الجماعات السكانية المختلفة التي شكّلت توزع تعددات الأشكال المحايدة كمثل الآليوهات والمكررات الترادفية القصيرة. لذا، فإن الخلال وتعددات الأشكال، التي تأثرت بالانتقاء الطبيعي قد تكون متنبئات ضعيفة في ما يتعلق بعضوية المجموعة، وقد توحي بقرابة جينية، في حين لا يوجد من ذلك فعلا إلا القليل. ونورد مثالا آخر على صعوبة تصنيف الناس، يشمل هذه المرة الجماعات السكانية في الولايات المتحدة. إن معظم الناس الذين يصنفون أنفسهم بأنهم أمريكيون أفارقة، لهم أسلاف حديثون نسبيا من غربي إفريقيا؛ وعموما يمتلك مواطنو غربي إفريقيا تواترات من تعدد الأشكال، يمكن تمييزها بسهولة من مثيلاتها لدى الأوروبيين والآسيويين والأمريكيين الأصليين (الواطنين) . بيد أن الاختلافات في الجزء الجيني، الذي يتشارك فيه الأمريكيون الأفارقة مع سكان غربي إفريقيا، بعيدة جدا عن كونها منتظمة، ذلك أن الأمريكيين الأفارقة امتزجوا عبر القرون امتزاجا واسعا مع مجموعات تعود أصولها إلى مناطق إفريقية أخرى، وأحيانا إلى مناطق أبعد من إفريقيا نفسها.

 

التنوع الجيني البشري(*****)

غالبًا ما يستعمل الباحثون قطعًا صغيرة من الدنا DNA، تدعى تعددات الأشكال آليو Alu  ، لتحديد ما إذا كانت الجماعات البشرية المختلفة يرتبط بعضها ببعض. ومع أنه لا تُعرَف لتعددات الأشكال آليو وظيفة ما، فإنها تنسخ وتغرز نفسها عشوائيًا في كل مكان من جينوم صاحبها. وبما أن الآليوهات Alus، التي سبق أن غُرزت في مكان ما، لا تقطع نفسها، فإنه يمكن استعمال أنماط توزع  الآليوهات كمعيار لتقدير مدى القرابة الجينية بين شخصين – وفي المتوسط- بين جماعتين سكانيتين. فمثلا، يوجد أحد تعدد الأشكال آليو على الصبغي 1 في 95 في المئة من عينة مكونة من سكان جنوبي الصحراء الإفريقية، وفي 15 في المئة من الأوروبيين والأفارقة الشماليين، وفي 60 في المئة من الآسيويين. في حين أن تعدد أشكال آليو آخر على الصبغي 7، يصادف في نحو 5 في المئة من سكان جنوبي الصحراء الإفريقية، و 50 في المئة من الأوروبيين والأفارقة الشماليين وفي 50 في المئة من الآسيويين. ويحمل بعض الأفراد نوعي تعددات الأشكال كليهما. ولا يمكن لتعدد أشكال واحد أن يميز بمفرده جميع أفراد جماعة سكانية كبيرة من جميع أفراد جماعة أخرى. ولكن بتحليل مئات من تعددات الأشكال، يصبح بوسع العلماء أن يجمعوا الأفراد الذين تم اعتيانهم من مواضع جغرافية مختلفة في مجموعات محددة على أساس سجلهم الجيني.
http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N1_H02_003228.jpg

 

وخلال السنوات القليلة الماضية، عرّف<D.M.شريڤر> [من جامعة پنسلڤانيا] و<A.R.كيتلز> [من جامعة هاورد] مجموعة من تعدد الأشكال، استعملاها ليقدرا من جينات كل شخص الجزء الذي يعود أصله إلى كل منطقة. فوجدا أن إسهام غربيي إفريقيا في جينات أفراد أمريكيين أفارقة يبلغ في المتوسط 80 في المئة، مع أن هذا الإسهام يراوح بين 20 و100 في المئة. ويتضح تمازج المجموعات أيضا لدى العديد من الأفراد، الذين يعتقدون أن أسلافهم أوروبيون حصرا. ووفقا لتحليل <شريڤر>، فإن 30 في المئة تقريبا من الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم “بيضا”، تقل نسبة سلفيتهم الأوروبية عن 90 في المئة. لذا، فإن السلفية التي ُيصرح بها المرء، ليست بالضرورة المتنبئ الحقيقي بالتركيب الجيني لعدد كبير من الأمريكيين، ووفقا لذلك، فإن المفاهيم العامة للعرق لا تعكس دائما خلفية الشخص الجينية.

 

للعضوية امتيازاتها(******)

ينطوي فهم العلاقة بين العرق والاختلاف الجيني على مضامين عملية مهمة. فللعديد من تعددات الأشكال، التي يختلف تواترها من مجموعة لأخرى، تأثيرات نوعية في الصحة. فمثلا، تنتج الطفرات المسؤولة عن داء الخلايا المنجلية وبعض حالات التليف الكيسي من تغيرات جينية، حدثت في ما يبدو على نحو متواتر، لأنها تحمي الفرد من هذين المرضين السائدين في إفريقيا وأوروبا على التوالي. فالأشخاص الذين يرثون نسخة واحدة من تعدد الأشكال الخاص بالخلايا المنجلية، يظهرون بعض المقاومة للملاريا (البُرداء). وأولئك الذين لديهم نسخة واحدة من خلة التليف الكيسي، يتعرضون بدرجة أقل للتجفاف الناجم عن الكوليرا. وتظهر أعراض هذين المرضين فقط لدى أولئك الأشخاص القليلي الحظ، الذين يرثون نسختين من الطفرات.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N1_H02_003229.jpg

يمكن للتحليلات الجينية أن تميز مجموعات الناس وفقًا لأصولهم الجغرافية؛ ولكن الحذر مبرر

 

ويؤدي الاختلاف الجيني أيضا دورا في استعداد الفرد لأسوأ كارثة في عصرنا، ألا وهي الإيدز؛ إذ يوجد لدى بعض الأفراد خبن deletion في كلتا نسختيهم لجينة تكوّد مستقبلا(5)  خاصا يتوضع على سطح الخلية، يعرف بالكيموكين 5 (CCR5) (منcell-surface chemokin receptor 55 ). ونتيجة لذلك، فإن هؤلاء الأفراد يخفقون في إنتاج المستقبلات CCR5 على سطوح خلاياهم. ومعظم ذراري(6) 1-HIV (ڤيروس عوز المناعة البشري 1 human immunodeficiency virus، المسبب للإيدز) تلتحم بالمستقبل CCR5 لتتمكن من دخول الخلايا. لذا، فإن الأشخاص الذين لا يمتلكون هذه المستقبلات، يكونون بطبيعة الحال مقاومين للعدوى (للخمج) بالڤيروس .HIV – 11 وعلى وجه الحصر تقريبا، يصادف هذا التعدد من أشكال جينة المستقبل CCR5 في مجموعات من شمال شرق أوروبا.

 

إن أنواعا من تعدد أشكالCCR5 ، لا تحول دون حدوث العدوى (الخمج ) بالڤيروس، إنما، تؤثر، بدلا من ذلك، في المعدل الذي تؤدي فيه العدوى بالڤيروس HIV-1 إلى الإصابة بالإيدز، ثم الموت. وإن لبعض تعددات الأشكال هذه تأثيرات متشابهة، إنما في جماعات سكانية مختلفة. ويغير بعضها الآخر فقط سرعة تقدم المرض في مجموعات محددة. فمثلا، يترافق واحد من تعددات الأشكال هذه بتأخير تقدم المرض لدى الأمريكيين من أصل أوروبي، وبتسريع تقدم المرض لدى الأمريكيين من أصل إفريقي. وإذا ما استطاع الباحثون فرز الناس في مجموعات، فسيصبح عندئذ بإمكانهم دراسة هذه التأثيرات النوعية للجماعات السكانية، واستخدام معرفتهم في توجيه المعالجة.

 

إن لتعدد الأشكال في هذه الأمثلة، وأخرى مشابهة لها، تأثيرا كبيرا نسبيا في مرض محدد. ولو كان المسح الجيني غير مكلف وفعالا، يمكن عندئذ مسح الأفراد كافة في ما يتعلق بجميع الأمراض ذات الصلة بالتفاوتات الجينية. بيد أن الاختبارات الجينية لا تزال مكلفة. ولعل ما هو مهم أكثر أن المسح الجيني يستثير القلق في ما يتعلق بالسرية وبالموافقة الشخصية. فبعض الأفراد قد لا يرغبون في معرفة العوامل الجينية التي قد تزيد من احتمال خطر إصابتهم بمرض معين. وحتى يتم إيجاد حلول أكثر وضوحا لهذه القضايا، فإن الإعلان الذاتي عن سلسلة النسب، سيستمر في كونه مفيدا كأداة تشخيص يستعملها الأطباء.

 

وقد تكون سلسلة النسب وثيقة الصلة ببعض الأمراض التي تنتشر انتشارا واسعا في جماعات سكانية معينة. فأكثر الأمراض شيوعا، كفرط ضغط الدم وأنواع الداء السكري، هي نتائج تراكمية لتعددات الأشكال في جينات عديدة، ليس لكل منها بمفرده سوى تأثير ضئيل. وتشير أبحاث أجريت حديثا إلى أنه إذا كان لنوع معين من تعددات الأشكال تأثير ما في مجموعة محددة، فقد يكون له تأثير مختلف في مجموعة ثانية. وهذا النمط من التعقيد، سيجعل استعمال تعددات الأشكال التي تم تعرفها كدليل للعلاج أمرا في غاية الصعوبة. وإلى أن تتمكن دراسات إضافية من تحديد الأدوار الجينية والبيئية في تشكل الأمراض المعقدة، فقد يكون على الأطباء أن يعولوا على المعلومات الخاصة بسلسلة نسب الفرد، كي يتلمسوا المعالجة الأفضل لبعض الأمراض.

 

العرق والدواء(*******)

بيد أن أهمية عضوية المجموعة في ما يتعلق بالرعاية الصحية، كانت في السنوات الأخيرة بصورة خاصة موضع جدل. ففي الشهر1/2003، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية دليلا، تؤيد فيه مجموعة من البيانات ذات الصلة بالعرق والإثنية وذلك في ما يتعلق بجميع التجارب السريرية. ويجادل بعض الباحثين بأن الفروق بين المجموعات ضئيلة جدًا، وأن سوء الاستخدام المرتبط تاريخيًا بتصنيف الأفراد وفقًا للعرق ، كان على قدر كبير من التطرف، بحيث توجَّب أن لا تؤدي عضوية المجموعة في الدراسات الجينية والطبية أي دور على الإطلاق، أو تؤدي عند الاقتضاء دورًا ضئيلا جدًا. ويؤكد هؤلاء الباحثون أن على هذه الإدارة أن تتخلى عن توصياتها، وتطلب ـ بدلا من ذلك ـ إلى الباحثين الذين يجرون تجارب سريرية، أن يجمعوا بيانات جينومية في ما يتعلق بكل فرد من الأفراد. ويقترح آخرون أنه فقط باستعمال عضوية المجموعة ـ بما في ذلك تحديدات عامة للعرق، أساسها لون الجلد ـ يمكن أن نفهم الكيفية التي تسهم بوساطتها الفروق الجينية والبيئية بين المجموعات في حدوث الأمراض. وسيُحسم هذا النقاش فقط من خلال أبحاث إضافية، تتناول صحة اعتبار العرق متحولا علميًا.

 

لقد ناقشت مجموعة من المقالات، نشرت في عدد 20/3/2003 من مجلة “نيو إنگلند جورنال أوف مديسين”، جانبي التضمينات الطبية للعرق. ففي واحدة من هذه المقالات، جادل المؤلفون، وهم: <S.R.كوپر> [من كلية طب لويولا ستريتش] و<S.J.كوفمان> [من جامعة نورث كارولينا في شاپل هيل] و <R.ورد> [من جامعة أكسفورد ]بأن العرق لا يشكل معيارًا ملائمًا لكي يستخدمه الأطباء لدى اختيارهم العقار لمريض من المرضى. وقد نبهوا إلى اكتشافين يتصلان بالفروق العرقية، هما حاليًا موضع تساؤل: يبيّن الأول أن تركيبة من العقاقير الموسِّعة للأوعية الدموية هي ذات فاعلية أشد في معالجة القصور القلبي لدى الأفراد من ذوي الأصول الإفريقية، ويبين الثاني أن مثبطات إنزيمية نوعية إنزيم محوّل الأنجيوتنسين angiotensin converting enzyme (أو مثبطات ACE) هي ذات فاعلية ضئيلة لدى هؤلاء الأفراد. وفي المقالة الثانية عارض فريق، يقوده <N.ريش> [من جامعة ستانفورد] الرأي بأنه يمكن للمجموعات العرقية أو الإثنية أن تختلف جينيًا من مجموعة لأخرى وأنه يمكن أن يكون للفروق أهمية طبية. وأورد هذا الفريق دراسة تبين أن معدل الاختلاطات الناجمة عن الداء السكري من النمط الثاني، تتفاوت وفقًا للعرق حتى بعد أخذ بعض العوامل في الاعتبار، كالتباين في مستوى التعليم والدخل.

 

الصور الإيضاحية(********)

لقد استعملت الفنانة النيويوركية  <.Nبورسن> اختراعها – ويعرف بماكينة العرق البشري – لتولد سلسلة من الصور المركبة التي تظهر في الصفحة 13 (هنالك صورتان أخريان في الصفحتين 15 و 17). إن الماكينة تأخذ صورة شخص ما – امرأة بيضاء في هذه الحالة – ثم تضيف وتسقط ملامح خارجية مختلفة من الهوية العرقية، لتُري كيف يمكن أن يبدو الشخص في ما لو كان فردًا من عرق آخر. وتقول <بورسن> إنها تسعى في عملها إلى تأكيد عامية البشر. وبالفعل، فإن  الملامح الخارجية لا تفصح غالبًا إلا عن القليل من معظم التركيب الجيني للشخص. إن “ماكينة العرق البشري” واحدة من أكثر المعروضات الشعبية من حيث افتتان الناس بها في قبة الألفية Millenium Dome  بلندن، حيث انتزعت إعجاب مئات الآلاف من الناس. ويمكن الاطلاع على معلومات أوسع عن الفنانة وعن أعمالها في الموقع الخاص بها على الإنترنت:www.nancyburson.com  . 
http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N1_H02_003230.jpg

 

إن حرارة هذه المناقشات تعكس كلا العوامل العلمية والاجتماعية. والكثير من الدراسات الطبية الحيوية لم تعرِّف تعريفًا صارمًا عضوية المجموعة، معتمدة بدلا من ذلك على العلاقات الاستنتاجية المبنية على الأصناف العرقية. كما أن الجدل المحتدم حول أهمية عضوية المجموعة، يوضح أيضًا كيف أن الإدراك الحسي للعرق قد تمت صياغته صياغة صارمة بوجهات نظر متباينة اجتماعيًا وسياسيًا.

 

وفي الحالات التي تم فيها ربط العضوية في مجموعة محددة جغرافيًا أو حضاريًا بخِلال جينية متصلة بالصحة، فإن معرفة شيء ما عن عضوية فرد في مجموعة، قد تكون مهمة في ما يتعلق بالطبيب. وبالقدر الذي تعيش فيه المجموعات البشرية في بيئات مختلفة، أو أن يكون لها تجارب مختلفة تؤثر في صحة أفرادها، فإن عضوية المجموعة ستعكس أيضًَا عوامل لاجينية ذات أهمية طبية.

 

تتبع أصول الإنسان(*********)

إن معرفة عدد وحدات الدنا، التي تُعرف بالمكررات الترادفية القصيرة والتي توجد على الصبغيات (الكروسومات)، تتيح للعلماء وضع الأفراد في مجموعات وفقًا لنسب احتمالي. ويحدث واحد من هذه المكررات، وهو التسلسل AAAG  (أدينين – أدينين – أدينين – گوانين)، ما بين مرتين وسبع مرات لدى الأمريكيين من ذوي الإرث الإفريقي، ولكن ما بين خمس وثماني مرات لدى أولئك الذين أتى أسلافهم من أوروبا أو من الشرق الأوسط. ومن المعروف أن الفرد الواحد يرث مجموعة من هذه المكررات عن أمه وأخرى عن أبيه. بناء على ذلك، فإن الشخص الذي يحمل اثنين وثلاثة مكررات، يُرجح أن يحمل إرثًا إفريقيًا؛ في حين أن شخصًا آخر، يحمل ستة وثمانية مكررات، يرجح أن تكون أسلافه من أوروبا أو من الشرق الأوسط. بيد أن من يحمل ما بين خمسة وسبعة مكررات، يُصادف في كلتا الجماعتين السكانيتين؛ وإذا ما اقتصرنا في تصنيفنا لهؤلاء الأفراد على هذا المكرر حصرًا، فإن الأمر يصبح أكثر صعوبة.
http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N1_H02_003231.jpg

 

وبغض النظر عن المضامين الطبية لجينيّاتgenetics الأعراق، فإن ما تمخضت عنه الأبحاث مثير بحد ذاته. فخلال مئات السنين، تساءل الناس عن أصول المجموعات البشرية المختلفة وعن العلاقات التي تربط بعضها ببعض. وتفكروا لماذا تكون للجماعات البشرية مظاهر جسدية متباينة، كما تفكروا حول ما إذا كانت الفروق البيولوجية بين الجماعات، تتعدى لون الجلد. وحاليًا، تسمح لنا على نحو حاسم، البيانات الجينية وطرائق التحليل الحديثة بمقاربة هذه الأسئلة. وستشكل النتيجة فهمًا أكثر عمقًا لطبيعتنا البيولوجية وللروابط البشرية بيننا.

 

 المؤلفان

Michael J. Bamshad – Steve E. Olson

لقد دخل كل من< بامشاد> و <أولسون> إلى موضوع الاختلافات الجينية البشرية من مدخلين مختلفين. بامشاد اختصاصي في الوراثة بكلية طب جامعة يوتا، يدرس جينيّات الجماعات السكانية بغية التوصل إلى فهم أفضل للتاريخ البشري وأصول الأمراض. أمَّا أولسون فهو كاتب علمي ومؤلف كتاب: “خرائط التاريخ البشري: الجينات والعرق وأصولنا المشتركة” Mapping Human History: Genes, Race and Common Origins، الذي رشح لجائزة الكتاب الوطنية للعام 2002 لغير الكتب الروائية الخيالية. وقد تقابل المؤلفان في أثناء كتابة “خرائط التاريخ البشري”، ويعملان منذئذ معًا على استكشاف وتفسير طرز الاختلافات الجينية البشرية على مستوى العالم كله.

مراجع للاستزادة 

Mapping Human History: Genes, Race, and Our Common Origins. Steve Olson. Mariner Books, 2003.

Human Population Genetic Structure and Inference of Group Membership. Michael J. Bamshad et al. in American Journal of Human Genetics, Vol. 72, No. 3, pages 578-589; March 2003.

The Importance of Race and Ethnic Background in Biomedical Research and Clinical Practice. Esteban Gonzalez Burchard et al. in New England Journal of Medicine, Vol. 348, No. 12, pages 1170-1175; March 20, 2003.

Race and Genomics. Richard S. Cooper, Jay S. Kaufman and Ryk Ward in New England Journal of Medicine, Vol. 348, No. 12, pages 1166-1170; March 20, 2003.

Scientific American, December 2003.

 

(*) DOES RACE EXIST?

(**) Classifiying Humans

(***) Overview/Genetics of Race

(****) The Human Race

(*****) Human Genetic Diversity

(******) Membership has its Privileges

(*******) Race and Medicine

(********) About the photoillustrations

(*********) Tracing Human Origins

 

(1) stretches of DNA

(2) encode

(3) ج: آليو Alu

(4) splices

(5)receptor

(6)stains

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى