نُظم رقابة الجينوم
نُظم رقابة الجينوم(*)
أثار دهشة البيولوجيين اكتشافُ أن معظم خلايا الحيوان والنبات تحوي
جهازا داخليا لإيقاف عمل الجينات عن طريق تمزيق ما تنتجه من الرناRNA.
وقد بدأت بالفعل شركات التقانة الحيوية باستغلال هذا الاكتشاف.
<C .N. لاو> ـ <P .D. بارتل>
تبدو الخلية الحية ساكنة عند مشاهدتها على شريحة مجهرية؛ غير أن مظهرها الهادئ يضج بلغط بيوكيميائي. فالجينوم (المجين) الدناوي DNA genome داخل كل خلية حيوانية أو نباتية يحوي آلاف الجينات. وفي حال تركت الخلية على هواها، تقوم الآلة الناسخة فيها فورا بالتعبير عن كل جينة في الجينوم، فتفصل شريطتي (طاقَي) اللولب المزدوج لجزيء الدنا، ثم تَنسخ كل جينة إلى رنا مرسال mRNA وحيد الشريطة، وأخيرا تترجم رسائل الرنا إلى أشكالها الپروتينية.
لا يمكن لأي خلية القيام بوظائفها وسط ذلك الضجيج والتنافر، ولذلك تقوم الخلايا بكبت (إيقاف عمل) معظم الجينات، في حين تسمح لمجموعة فرعية ملائمة بالعمل والتعبير. وفي معظم الحالات، لا يتم تَنسُّخ كود دنا الجينة إلى رنا مرسال إلا في حالة رسو (توضع) مجموعة پروتينية معينة في منطقة مُنَظِّمة معينة في الجينة.
لكن بعض هذه الجينات هدامة إلى درجة يجب معها عدم إعطائها حرية التعبير عن ذاتها أبدا. فإذا نجحت الجينات التابعة للعناصر الجينية المتحركةmobile genetic elements في نشر رسائلها الرناوية RNA messages، فإنها تستطيع عند ذلك أن تقفز من موضع إلى آخر على طول الدنا مسببة السرطان أو أمراضا أخرى. وبطريقة مماثلة، تقوم الڤيروسات ـ في حالة تركها تعبر عن رسائلها من دون قيد ـ بالاستيلاء على مرافق إنتاج الپروتين في الخلية لتُنتج پروتينات ڤيروسية.
للخلايا وسائل دفاع خاصة بها. فعلى سبيل المثال، تعرّف البيولوجيون منذ زمن بعيد نظام الاستجابة عن طريق الإنترفيرون interferon، الذي تنشره الخلايا البشرية لدى دخول الجينات الڤيروسية إليها. وتستطيع هذه الاستجابة وقف جميع التعابير الجينية تقريبا بشكل يماثل إيقاف وسائل الإعلام عن بث رسائلها. وخلال الأعوام القليلة المنصرمة، اكتشف العلماء جهاز أمن ـ لأغراض الأبحاث والعلاج ـ أكثر دقة وقوة داخل جميع الخلايا النباتية والحيوانية تقريبا. ويدعى هذا الجهاز نظام التدخل الرناوي RNA interference (أو RNAi)، وهو يعمل كرقيب censor. فعندما يتم التعبير عن جينة غريبة مهاجمة، فإن جهاز التدخل الرناوي يقوم بإيقافه عن طريق اعتراض الرنا المرسال الخاص بالجينة الغريبة (المهاجمة) فقط وتدميره من دون التأثير في رسائل الجينات الأخرى.
نظرة إجمالية/ التدخّل الرناوي(**)
• منذ زمن بعيد، كان للعلماء القدرة على إيلاج جينات معدلة إلى الكائنات التجريبية؛ إلا أنهم اكتشفوا خلال الأعوام القليلة الماضية طريقة ملائمة وفعالة لإخماد (إيقاف عمل) جينات معينة داخل الخلية.
• وقد تبيّن أن جميع خلايا النبات والحيوان تقريبا تمتلك آلية داخلية يمكنها استخدام أشكال غير عادية من الرنا (جزيء المرسال الجيني) لإسكات جينات معينة بشكل طبيعي. • لقد نشأت هذه الآلية بهدف حماية الخلية من الجينات المعادية ولتنظيم فعالية الجينات السوية أثناء النمو والتنامي. ومن الممكن أيضا تطوير أدوية لاستغلال آلية التدخّل الرناوي لمنع الأمراض أو معالجتها. |
وكلما سَبر البيولوجيون طريقة عمل هذا الرقيب الخلوي والمحرضات التي تدفعه للعمل، تزايد افتتانهم وإثارتهم. ومن حيث المبدأ، قد يتمكن العلماء من اكتشاف طرق لتوجيه التدخّل الرناوي لإعاقة جينات مسببة للسرطان أو العداوى (الأخماج) الڤيروسية أو أمراض أخرى. وإذا تم ذلك، فإن هذه التقانة ستشكل الأساس لطائفة جديدة من الأدوية.
وفي الوقت نفسه، تمكن الباحثون العاملون في مجال النباتات والديدان والذباب والكائنات (المتعضيات) التجريبية الأخرى من اكتشاف كيفية تسخير التدخّل الرناوي لكبت أي جينة يرغبون بدراستها، مما يمكنهم من البدء بالاستدلال على أثر تلك الجينة. ويعتبر التدخّل الرناوي، بوصفه أداة بحثية، إنجازا ناجحا ومباشرا سمح للمئات من المختبرات بتناول قضايا كانت لبضع سنوات خلت أبعد ما يمكن عن الفهم.
وفي حين أن معظم المجموعات البحثية تستخدم التدخّل الرناوي وسيلة لغاية، يقوم البعض بتقصي آلية عمل هذه الظاهرة. كما أن مختبرات أخرى (بما فيها مختبرنا) تتقصى أدوار جهاز التدخّل الرناوي في النمو والتنامي(1) السويّين في النباتات والفطور والحيوانات والبشر.
صمت غريب(***)
ظهرت البوادر الأولى لظاهرة التدخل الرناوي قبل 13 عاما. فقد درس على انفراد كل من <R. جورگنسن> [الذي يعمل حاليا في جامعة أريزونا] و<J. مول> [في جامعة أمستردام] نباتات الپيتونيا ذات الأزهار الأرجوانية، حيث أدخلا نسخا إضافية من الجينة الأصلية (الطبيعية) المسؤولة عن الصباغ. كانا يتوقعان أن تعطي هذه النباتات المهندسة جينيا أزهارا أشد أرجوانية من النباتات الأصلية، غير أن النتيجة كانت أزهارا ذات بقع بيضاء.
استنتج <جورگنسن> و<مول> أن هذه النسخ الإضافية كانت بطريقة ما تثير جهاز رقابة على جينات الصباغ الأرجواني، بما فيها تلك الموجودة طبيعيا في الپيتونيا، مما أدى إلى إنتاج أزهار مرقشة variegated وأيضا أزهار شبه بيضاء (ألبينو). وتسمى هذه الرقابة المزدوجة لجينة مغروزة ونظيرها الأصلي الكبح المشترك co-suppression. وقد شوهدت هذه الظاهرة فيما بعد في الفطور وذباب الفاكهة وكائنات أخرى.
وبعد ذلك ببضع سنوات، جاء حل لغز كيفية إسكات الجينات من مختبر <G .W. داورتي> [ في جامعة ولاية أوريگون]. فقد بدأ <داورتي> وزملاؤه بالعمل على نباتات تبغ تمت هندستها جينيا (وراثيا)، بحيث يحتوي دناها على عدة نسخ من الجينة الخاصة بپروتين الغلاف coat protein (CP) اشتقت من ڤيروس التبغ tobacco etch virus. وعند تعريض هذه النباتات إلى الإصابة بالڤيروس أظهر بعضها مناعة ضد هذه الإصابة. واقترح <داورتي> أن هذه المناعة نجمت عن الكبح المشترك؛ أي إن هذه النباتات المهندسة جينيا (والتي تعرضت للإصابة) أوقفت التعبير الأولي لجينات پروتين غلاف الڤيروس التي تم غرزها، وتلا ذلك إيقاف تعبير جينة پروتين غلاف الڤيروس الغازي (يحتاج الڤيروس إلى پروتين الغلاف لكي يحدث الإصابة). ومضى العاملون في مختبر <داورتي> وأوضحوا أن المناعة لا تتطلب تكوين synthesis پروتين الغلاف بوساطة النباتات، حيث إن مقاومة هذه النباتات للإصابة قد تعزى إلى شيء ما له علاقة بالرنا المنتسخ من جينة پروتين الغلاف (الجينة CP).
ولم تبين المجموعة فقط أن النباتات تستطيع إسكات (إيقاف عمل) جينات محددة في الڤيروسات، بل بينت أيضا أن الڤيروسات تستطيع إسكات جينات مختارة. غير أن بعض النباتات التي عمل عليها <داورتي> لم تَكبح جيناتها الخاصة بپروتين الغلاف، وأصبحت مصابة بالڤيروس الذي تضاعف بنجاح في خلايا تلك النباتات. وحين قام الباحثون لاحقا بقياس الرنا الذي أنتجته الجينات CP الخاصة بالنباتات المصابة، وجدوا أن هذه الرسائل اختفت تقريبا، أي إن الإصابة أدت إلى تعطيل الجينات CP.
في غضون ذلك، احتار علماء الأحياء الذين كانوا يقومون بتجارب على الدودة الخيطية سينورابديتس إليگانز Caenorhabditis elegans (وهي دودة صغيرة شفافة)، حيال مساعيهم لاستخدام الرنا «المضاد الدلالة (المعنى)»antisense RNA لتعطيل الجينات التي كانوا يدرسونها. إن الرنا المضاد الدلالة مصمم للاقتران بتسلسل محدد من الرنا المرسال بالطريقة ذاتها التي تقترن بها شريطتان متتامتان من الدنا لتكوين الحلزون المزدوج. فكل شريطة من الدنا أو الرنا هي سلسلة من النوكليوتيدات، التي هي لبنات البناء الجيني، يرمز لها بالأحرف A وC وG وإما U (في الرنا) أو T (في الدنا). وتقوم النوكليوتيدات Cبالارتباط بالنوكليوتيدات G، فيما تقترن النوكليوتيدات A بالنوكليوتيدات U أوT؛ وترتبط شريطة الرنا المضاد الدلالة بشريطة الرنا المرسال المتمم لتكوِّن شريطا مزدوجا لا يمكن ترجمته إلى پروتين مفيد.
على مر السنين لم تلق تجارب الرنا المضاد الدلالة في العديد من الكائنات المختلفة سوى بعض النجاح. ففي الديدان، بدا أن حقن الرنا المضاد الدلالة لاقى نجاحا. غير أن مما حير الجميع أن الرنا «ذي الدلالة» sense RNA ثبط تعبير الجينات أيضا. ويتكون الرنا ذو الدلالة من التسلسل نفسه الذي يتكون منه الرنا المرسال المستهدف، ولذلك ليست لديه القدرة على حبس الرنا المرسال داخل حلزون مزدوج.
وأصبح المسرح جاهزا لتجربة الاكتشاف السعيد(2) التي تم إجراؤها قبل خمس سنوات في مختبرات <A. فاير> [بمؤسسة كارنيگي في واشنطن] و<C. ميلّو> [في كلية طب جامعة ماساتشوستس]. فقد خمن كل من <فاير> و<ميلو> أن التحضيرات السابقة للرنا المضاد الدلالة وللرنا ذي الدلالة التي جرى حقنها في الديدان لم تكن نقية بصورة تامة. فمن المحتمل أن المزيجين احتويا على مقادير ضئيلة من الرنا المزدوج الشريطة. ولذلك خطرت لهما فكرة أن الرنا المزدوج الشريطة كان يعدل أجهزة المراقبة censors.
ولاختبار فكرتهما قام <فاير> و<ميلو> ورفاقهما بحقن الديدان الخيطية إما بالرنا الأحادي الشريطة أو بالرنا المزدوج الشريطة الموافق للجينة unc-22 المهمة لوظيفة العضلات. كان لكميات كبيرة نسبيا من الرنا الموافق للجينة unc-22 الأحادي الشريطة تأثير ضعيف في تلك الديدان، سواء كان هذا الرنا ذا الدلالة أو الرنا المضاد الدلالة. لكن المفاجأة كانت في أن جزيئات قليلة من رنا unc-22 المزدوج الشريطة جعلت الديدان (وحتى سلالتها) تختلج twitch بدون انضباط. وهذا مؤشر أكيد إلى أن شيئا ما بدأ بالتدخل في تعبير الجينة unc-22. وقد لاحظ <فاير> و<ميلو> التأثير المُسْكِت (المُثْبِط) والقوي والمدهش نفسه في كل جينة (تقريبا) استهدفوها من جينات العضلات، وحتى جينات الخصوبة والعيوشة viability. لقد أطلقا على هذه الظاهرة اسم «التدخّل الرناوي» RNAi، وذلك لإيضاح الدور الأساسي للرنا المزدوج الشريطة في بدء عملية الرقابة على الجينة المتوافقة (المتطابقة) corresponding.
قدمت أزهار البيتونيا الأرجوانية الدليل الأول على وجود أجهزة رقابة جينية في النبات. فلدى إدخال جينات إضافية مسؤولة عن الصباغ إلى النباتات الطبيعية (اليسار)، كانت الأزهار الناتجة تضم مناطق خالية من اللون (اليمين والوسط). |
كان الباحثون الذين يدرسون النباتات والفطور يقتربون أيضا من مفهوم الرنا المزدوج الشريطة كمنبه للإسكات. وقد أوضحوا أن أشرطة الرنا التي تستطيع أن تنثني على نفسها لتشكل امتدادات طويلة من الرنا المزدوج الشريطة كانت محفزات قوية للإسكات. كما أظهرت تحاليل أخرى أن جينة تُمَكِّن الخلايا من تحويل الرنا الأحادي الشريطة إلى رنا مزدوج الشريطة كانت لازمة من أجل الكبح المشترك. لقد أشارت هذه البيانات إلى أن أزهار الپيتونيا التي درسها <جورگنسن> و<مول> تعرفت جينات الصباغ الإضافية على أنها غير عادية (من خلال آلية مازالت غامضة) وقامت بتحويل مَراسيلها الرناوية (mRNAs) إلى رنا مزدوج الشريطة، وأن هذا حفز إسكات كل من الجينات الأصلية والإضافية. إن مفهوم تحفيز الرنا المزدوج الشريطة يفسر أيضا لماذا قامت العدوى الڤيروسية بكبت الجينات CP في نباتات <داورتي>. كان ڤيروس التبغ قد كون رنا مزدوج الشريطة من كامل جينومه الڤيروسي أثناء تنسخه، كما يحدث في الكثير من الڤيروسات. وقد استجابت الخلايا النباتية بإيقاف رسائل الرنا لجميع الجينات المصاحبة للڤيروس، بما فيها الجينات CP المندمجة في دنا النبات.
ذهل البيولوجيون لغياب مثل هذا الجهاز القوي والشامل والخاص بتنظيم التعبير الجيني عن ملاحظتهم كل تلك المدة الطويلة. الآن وقد تم كشف الغطاء عن تلك الظاهرة صار العلماء تواقين لتحليل آلية عملها ووضعها قيد التطبيق المثمر.
تقطيع الرسائل الجينية إلى شرائح ومكعبات(****)
ما لبثت ظاهرة التدخل الرناوي أن شوهدت في كل من الطحالب والديدان المفلطحة وذباب الفاكهة، وهي فروع متنوعة من شجرة التطور. إلا أن إثبات هذه الظاهرة ضمن الخلايا النموذجية للإنسان والثدييات الأخرى كان أكثر صعوبة.
عندما تصاب الخلية البشرية بالڤيروسات التي تصنع أشرطة مزدوجة طويلة من الرنا، يمكنها عندئذ أن تتحول إلى حالة إقفال تام، حيث يقوم إنزيم يدعى PKR بإيقاف جميع الرنا المرسال (الطبيعي والڤيروسي)، ويقوم الإنزيمRNAse L ـ بدون تمييز ـ بتحطيم جميع الرنا المرسال. وتعتبر هذه الاستجابات للرنا المزدوج الشريطة بمثابة مكونات لما يدعى استجابة الإنترفيرون، ذلك أنها تتحرض بشكل أكبر بعد تعريض الخلايا للإنترفيرونات، وهي جزيئات تفرزها الخلايا المصابة بالعدوى لتنبيه الخلايا المجاورة إلى وجود الخطر.
إلا أنه، لسوء الحظ، عندما وضع العلماء رنا اصطناعيا artificial مزدوج الشريطة (كالذي استخدم لتحفيز التدخّل الرناوي في الديدان والذباب) في خلايا الثدييات الناضجة قامت استجابة الإنترفيرون ـ بدون تمييز ـ بإغلاق (إيقاف عمل) جميع الجينات في الخلية. كان يلزم توفر فهم أعمق لكيفية عمل التدخل الرناوي قبل استخدامه بشكل روتيني، بحيث لا يطلق أجهزةَ إنذارات الإنترفيرون. وفضلا عن الباحثين الرواد الذين سبق ذكرهم، فقد أضاف كل من <T. توشل> [من جامعة روكفلر] و<D .P. زامور> [من كلية الطب في جامعة ماساتشوستس] و<G. هانون> [من مختبر كولد سبرنگ هاربر في ولاية نيويورك] وغيرهم، الكثيرَ إلى فهمنا الحالي لآلية التدخّل الرناوي.
يبدو أن التدخل الرناوي يعمل بالشكل التالي: في داخل الخلية يقوم إنزيم يدعى دايسر(3) Dicer بالتصدي للرنا المزدوج الشريطة. وباستخدام عملية الحلمهة hydrolysis الكيميائية يقوم الإنزيم دايسر بتقطيع الرنا الطويل إلى شدف تعرف باسم الرناوات القصيرة المتداخلة short (or small) interfering RNAs(أو siRNAs). ويبلغ طول كل رنا siRNA نحو 222 نوكليوتيدا.
هذا ويقوم الإنزيم دايسر بقطع شريطتي الرنا الطويل المزدوج الشريطة في مواضع مائلة(4) قليلا بحيث يصبح لكل رنا siRNA ناتج نوكليوتيدان متدليان في إحدى نهايتي كل شريطة (انظر الإطار في الصفحة 266). يتم بعد ذلك فك الالتفاف المزدوج للرنا siRNA، ثم تُحمّل إحدى شريطتي الالتفاف المزدوج في حشد من الپروتينات لتكوين المعقد المُسْكِت المحفَّز بالرنا RNA-induced silencingcomplex (RISC).
يتوضع جزيء الرنا siRNA ضمن المعقد RISC، بحيث يمكن لجزيئات الرنا المرسال أن تقابلها. يصادف المعقد RISC الآلاف من جزيئات الرنا المرسال المختلفة التي توجد في خلية نموذجية في أية لحظة. إلا أن الرنا siRNA ضمن ذاك المعقد سيلتصق فقط وبشكل جيد بالرنا المرسال الذي يتمم بشكل وثيق تسلسل نوكليوتيداته. لذا، بخلاف استجابة الإنترفيرون، يكون المعقد RISC ذا انتقائية (انتخابية) عالية في اختيار جزيئات الرنا المرسال المستهدفة.
وفي النهاية، عندما يرسو الرنا المرسال الملائم على الرنا siRNA يقوم إنزيم يدعى سلايسر( Slicer(5 بشطر شريطة الرنا المرسال إلى جزأين. يقوم بعد ذلك المعقد RISC بتحرير قطعتي الرنا المرسال (الذي أصبح الآن غير قادر على توجيه تكوين الپروتين)، ومن ثم يتابع عمله. يبقى المعقد RISC بحد ذاته سليما وحرا ليجد رنا مرسالا آخر ويشطره. بهذه الطريقة يستخدم جهاز الرقابة الرناويRNAi censor أجزاء صغيرة من الرنا المزدوج الشريطة كقائمة سوداء لتعرّف جزيئات الرنا المرسال المطابقة وإسكاتها.
أثبتت الديدان الخيطية المتوهجة أن التدخل الرناوي يعمل في الحيوانات كما في النباتات. وعندما عوملت الديدان التي تعبر خلاياها عن جينة لپروتين مفلور fluorescent (اليسار) برنا مزدوج الشريطة متطابق مع الجينة، اختفى التوهج (اليمين). |
كان <C .D. باولكومب> ومساعدوه [في مختبر سانزبوري بنورويش في إنكلترا] أول من اكتشف الرناوات siRNAs في النبات. وقد عزلتها مجموعة <توشل> فيما بعد من أجنة ذباب الفاكهة وأوضحوا دورها في الإسكات الجيني بتكوين (تخليق) رناوات siRNAs اصطناعية واستخدامها لتوجيه تخريب مستهدفات الرنا المرسال. وعندما نجحوا في ذلك تساءَل <توشل>: هل يمكن لهذه النتف القصيرة من الرنا أن تفلت من رادار (مراقبة) خلايا الثدييات بدون تنبيه استجابة الإنترفيرون التي عادة ما تهمل قطع الرنا المزدوج الشريطة التي يكون طولها أقل من 30 زوجا من النوكليوتيدات. وقد غرز مع مساعديه جزيئات رنا siRNA اصطناعية في خلايا ثديية مزروعة. وقد تمت التجربة تماما بحسب توقعاتهم؛ فقد تم إخماد الجينات المستهدفة بدون أن تحدث استجابة الإنترفيرون على الإطلاق.
لقد هزت نتائج <توشل> المجتمع الطبي الحيوي. كان علماء الوراثة قد استطاعوا منذ زمن طويل غرز جينة جديدة في خلايا ثدييات باستخدام الڤيروسات، على سبيل المثال، لحمل الجينة إلى داخل الخلايا. إلا أن المختبرات كانت تستغرق أشهرا من العمل الدؤوب لحذف (وقف عمل) جينة معينة بغية التحقق من وظيفتها. لقد أصبح الآن من الممكن تحقيق الحلم بإسكات جينة واحدة محددة في خلايا الثدييات. فباستخدام الرناوات siRNAs صار من الممكن إخماد أي جينة مستهدفة في مستنبتات خلايا الثدييات ـ بما فيها خطوط الخلايا البشرية ـ خلال ساعات. ويستمر ذلك التأثير أياما، وهي فترة كافية لإتمام تجربة.
من المدهش أن جزيئات قليلة من الرنا المزدوج الشريطة جعلت الديدان
ـ وحتى نسائلها أيضا ـ تختلج بشكل لاإرادي.
بقدر ما أصبحت ظاهرة التدخل الرناوي مفيدة لعلماء بيولوجية الثدييات، فإنها أكثر فائدة لهؤلاء الذين يدرسون الكائنات الأدنى. وتوجد ميزة خاصة إضافية لهؤلاء الذين يدرسون الديدان والنباتات، وهي تضخيم تأثير عملية الرقابة censorship ونشره بعيدا عن موضع إدخال الرنا المزدوج الشريطة. لقد مكنت هذه الظاهرة الجهازية البيولوجيين من استغلال التدخل الرناوي في الديدان بطريقة بسيطة مباشرة، وذلك بإطعامها بكتيرات مهندسة لصنع رنا مزدوج الشريطة موافق للجينة المراد إسكاتها.
نظرا لسهولة إحداث ظاهرة التدخل الرناوي وقوة تأثيرها، فقد راودت العلماء أحلام كبار. فالآن، بعد أن تمت سَلْسَلَة الجينومات الكاملة ـ جميع الجينات في الدنا ـ العائدة لتشكيلة متنوعة من الكائنات، فقد أصبح بإمكان العلماء استخدام التدخل الرناوي بطريقة منهجية لتقصي دور كل جينة على حدة وذلك بإسكاتها. وقد قامت بذلك مؤخرا أربع مجموعات في آلاف من التجارب المتزامنة، يستهدف كل منها تعطيل جينة مختلفة في الدودة Caenorhabditiselegans. وهناك دراسة مماثلة تُجرى حاليا على نطاق الجينوم في النبات، كما أن هناك مجموعات بحثية عديدة تخطط لدراسات واسعة حول التدخل الرناوي في خلايا الثدييات.
وتستخدم الشركات الصيدلانية أيضا التدخل الرناوي؛ إذ يقوم بعض مصممي الأدوية باستغلال هذا التأثير كطريقة مختصرة لسبر جميع الجينات من نوع معين بحثا عن أهداف واعدة لأدوية جديدة. فعلى سبيل المثال يمكن للإسكات المنهجي للجينات ـ باستخدام التدخل الرناوي ـ أن يسمح للعلماء بإيجاد جينة تكون أساسية لنمو خلايا سرطانية معينة في حين لا تكون بذات الأهمية لنمو الخلايا السوية. ويمكنهم عندئذ تطوير دواء يتداخل مع المنتَج الپروتيني لهذه الجينة، ومن ثم اختبار المركب كدواء مضاد للسرطان. وقد تأسست شركات التقانة الحيويةbiotech على أمل أن الإسكات الجيني بوساطة التدخل الرناوي يمكنه بحد ذاته أن يصبح علاجا فعالا للسرطان والعداوى الڤيروسية وبعض الاضطرابات الجينية السائدة وبعض الأمراض الأخرى، التي يمكن التحكم فيها بمنع جينات معينة من إنتاج الپروتينات المسببة للمرض.
ألمح الكثير من التقارير إلى الاستخدام الواعد للرناوات siRNAs في العلاج. وهناك ستة مختبرات على الأقل أَوقفت بشكل مؤقت إكثار ڤيروسات في مستنبتات الخلايا البشرية، من بينها ڤيروسات عوز المناعة البشري، والسنجابية polio، والالتهاب الكبدي من النمط C. وفي كل حالة قام العلماء بتعريض الخلايا للرناوات siRNAs، مما أدى إلى تحريض الخلايا على إيقاف إنتاج الپروتينات الحاسمة واللازمة لتكاثر العامل المُمْرِض. وحديثا أعلنت مجموعات بحثية تقودها <J. ليبرمان> [من كلية الطب في هارڤارد] و<A .M. كاي> [من كلية الطب في جامعة ستانفورد] بأن حقن الرنا siRNA تحت ضغط عال جدا في الفئران أدى إلى تباطؤ التهاب الكبد وأنقذ الكثير من الحيوانات من المرض الكبدي الذي كان سيفتك بها.
الرقابة الجينية: كيفية عملها(*****)
التعبير الجيني السوي قادحات إسكات الرنا رنا مزدوج الشريطة من العناصر الجينية(6) المتحركة لجينات شاذة كيف يكبح التدخل الرناوي التعبير الجيني تكشف الخلايا المتوهجة عن ترجمة ناجحة لجينة [مكودة للپروتين لامينlamin] إلى شكل پروتيني. يمكن للخلية أن تراقب التعبير عن جينة معينة بداخلها وذلك بالتدخل في الرنا المرسال mRNA المُنتسخ عن الجينة المهاجمة، مما يحول دون فك كود الرنا بوساطة الريبوسومات إلى پروتين فعال، كما يحدث عادة (الشكل الأيمن). ينبه آلةَ الرقابة جزيئاتٌ صغيرة مزدوجة الشريطة من الرنا ذات نهايات مسننة. يقوم إنزيم يدعى دايسر (القاطع)Dicer بقص مثل تلك الرناوات القصيرة المتداخلة (siRNAs) كيميائيا من الرنا الطويل المزدوج الشريطة والناتج من النسخ الذاتي للتسلسلات الجينية (a) أو الڤيروسات (b). كما يمكن شطر تسلسلات الرنا التنظيمية المعروفة باسم طلائع الرنا الميكروية (c) بوساطة الإنزيم دايسر لتنتج هذا الشكل القصير. ويمكن للعلماء استخدام جزيئات ليپيدية لإدخال رناوات siRNAsاصطناعية إلى داخل الخلايا (d). تنفصل شُدَف الرنا إلى أشرطة مفردة (اللوحة السفلية)، تندمج بپروتينات لتشكل المعقد المُسْكِت المحفز بالرنا (RISC). يقوم هذا المعقد عندئذ بالتقاط الرنا المرسال الذي يتمم تسلسل الرنا القصير. وفي حال كان التطابق كاملا، يتم تقطيع الرسالة الملتقطة إلى شدف عديمة الفائدة (الصف العلوي)؛ أما التطابق الأقل كمالا فيحدث استجابة مختلفة. يمكنه على سبيل المثال أن يؤدي إلى إعاقة حركة الريبوسومات بوساطة المعقد RISC، مؤديا بالتالي إلى وقف ترجمة الرسائل إلى شكل پروتيني (الصف السفلي). تلاشى التوهج في الخلايا التي أخذت الرناوات siRNAs الاصطناعية المقابلة لجينة اللامينlamin |
على الرغم من هذه النجاحات المختبرية فسوف تمر سنوات قبل أن نتمكن من استخدام العلاجات التي تعتمد على التدخل الرناوي في المستشفيات. وغالبا ما سيكمن التحدي الأصعب في طريقة إيصال العلاج للمريض. فعلى الرغم من أن تأثير التدخل الرناوي يمكنه أن ينتشر في جميع أنحاء النبات أو الدودة، فلا يبدو أن مثل هذا الانتشار يحدث في الإنسان والثدييات الأخرى. كما أن جزيئات الرناوات siRNAs كبيرة جدا مقارنة بجزيئات الأدوية النموذجية، ولا يمكن تناولها على شكل حبوب، حيث إن القناة الهضمية ستتلفها بدلا من امتصاصها. ويقوم الباحثون باختبار طرق عديدة لنشر الرنا siRNA في أعضاء كثيرة وتوجيهه عبر الأغشية الخارجية للخلايا. إلا أنه من غير الواضح حتى الآن مدى نجاح أي من الاستراتيجيات الحالية.
وثمة مقاربة أخرى لحل مشكلة الإيصال وهي العلاج الجيني. فقد يمكن تحميل جينة جديدة قادرة على إنتاج رنا siRNA معين في ڤيروس حميد يقوم بدوره بإدخال الجينة إلى الخلايا التي يُعديها (يخمجها). على سبيل المثال، استخدمت مجموعة <B. داڤيدسون> [في جامعة أيوا] ڤيروسا غدّيا adenovirusمعدّلا لإيصال الجينات التي تنتج الرنا siRNA إلى الدماغ والكبد في الفئران. إلا أن تطبيقات العلاج الجيني في البشر مازالت تواجه صعوبات تقنية وقانونية.
وبغض النظر عن القلق حول الإيصال فإن مقاربات التدخل الرناوي ولَّدت إثارة لا نشاهدها حاليا في تقنيات الرنا المضاد الدلالة والرنا المحفِّز catalytic، التي هي طرق أخرى يمكنها بشكل أساسي معالجة المرض بإعاقة جزيئات الرنا المرسال الضارة. وتنبع هذه الإثارة جزئيا من إدراك أن التدخل الرناوي يُسخِّر آلية الرقابة الجينية الطبيعية التي أتقنها التطور عبر الزمن.
سبب امتلاك الخلايا أجهزة رقابة(******)
في الحقيقة، يُعتقد أن آلية الرقابة الجينية ظهرت قبل نحو بليون سنة لتحمي السلف المشترك للنباتات والحيوانات والفطور من الڤيروسات والعناصر الجينية المتحركة(7). وتدعيما لهذه الفكرة أوضحت كل من مجموعة <A .H .R. پلاستيرك> [من المعهد الهولندي للسرطان] و<H. ڤوشيريه> [من المعهد القومي الفرنسي للأبحاث الزراعية] بأن الديدان الحديثة تعتمد على التدخل الرناوي للوقاية من العناصر الجينية المتحركة وبأن النبات يحتاج إليها كوسيلة دفاع ضد الڤيروسات.
تومض الفئران لدى حقنها بالدنا الذي يضم جينة اللوسيفيراز luciferase (اليسار). ولكن العلماء استطاعوا نزع الوميض من الفئران بحقنها أيضا برناوات siRNAs مطابقة للجينة (اليمين)، موفرين بالتالي إحدى الطرق لاستخدام التدخل الرناوي في الثدييات. |
مع ذلك يبدو أن التدخل الرناوي يؤدي أدوارا حيوية أخرى. فالديدان والأعشاب الطافرة التي يكون الإنزيم دايسر فيها عاطلا أو تكون كميته قليلة جدا، تعاني العديد من العيوب النمائية ولا تستطيع أن تتكاثر. فلماذا أدى عوز الإنزيم دايسر إلى تشوه النباتات والحيوانات؟
تستند إحدى الفرضيات إلى أنه بعد أن قامت الطبيعة بتطوير مثل هذه الآلية الفعالة لإسكات الجينات الهدامة في الڤيروسات وتسلسلات الدنا المتحركة فإنها بدأت باستعارة أدوات tools من صندوق أدوات التدخل الرناوي واستعمالها لأهداف مختلفة. تمتلك كل خلية نفس الطاقم من الجينات، أما ما يجعلها تختلف عن بعضها فهو: ما هي الجينات التي يتم التعبير عنها وتلك التي لا يعبَّر عنها في كل خلية. تبدأ معظم النباتات والحيوانات كخلية جنينية مفردة تنقسم لتعطي في النهاية عددا وافرا من الخلايا ذات الأنماط المتنوعة. وكي يتم ذلك تحتاج الكثير من الجينات المعبَّر عنها في الخلايا الجنينية إلى أن تقف عن العمل فيما يتنامى العضو. وتحتاج جينات أخرى، لا تعمل، إلى تشغيلها. وعندما لا تكون آلة التدخل الرناوي منشغلة بالدفاع ضد هجوم ما، فإنها تسهم في المساعدة على إسكات جينات خلوية سوية خلال المراحل النمائية اللازمة لتشكيل الأنماط الخلوية المتباينة (كالخلايا العصبية والخلايا العضلية) أو الأعضاء المختلفة (كالدماغ والقلب).
لقد أوقف نظام التدخل الرناوي بشكل مؤقت تكاثر بعض الڤيروسات
في الخلايا البشرية، ومن بين هذه الڤيروسات: ڤيروسات عوز المناعة
البشري والسنجابية(8) والالتهاب الكبدي من النمط C.
إذا ما الذي يحث آلة التدخل الرناوي على إسكات (إخماد) جينات سوية بعينها داخل الخلية؟ في بعض الحالات يمكن للخلية أن تنتج بشكل طبيعي رنا طويلا مزدوج الشريطة خصيصا لهذا الغرض. لكن غالبا ما تكون المحفزات رناوات ميكروية microRNAs، وهي قطع صغيرة من الرنا تشبه الرناوات siRNAsولكن تختلف عنها في المنشأ. ففي حين أن الرناوات siRNAs تأتي من نفس الأنماط الجينية أو مناطق الجينوم التي سيُجرى إسكاتها في النهاية، فإن الرناوات الميكروية تأتي من جينات مهمتها الوحيدة هي إنتاج هذه الأجزاء التنظيمية الصغيرة من الرنا.
ينثني جزيء الرنا، المنتسخ مبدئيا من جينة الرنا الميكروي ـ طليعة الرنا الميكروي ـ على نفسه مشكلا بنية تشبه دبوس الشعر العتيق الطراز، ويتم قطع الجزء الأوسط من دبوس الشعر واستبعاده بالاستعانة بالإنزيم دايسر، وتسلك القطعة الناتجة سلوكا يشبه كثيرا سلوك الرنا siRNA، مع استثناء مهم وهو أنها لا تمارس رقابة على جينة تحمل أي تشابه مع تلك التي أنتجتها، بل تمارس ـ عوضا عن ذلك ـ رقابتها على جينة مختلفة تماما.
وكما هي الحال في ظاهرة التدخل الرناوي بشكل عام، فقد استغرق البيولوجيون زمنا طويلا لتقدير أهمية الرنا الميكروي في تنظيم التعبير الجيني. فإلى عهد قريب، لم يتعرف العلماء إلا اثنين فقط من الرنا الميكروي يُسميان الرنا lin-4 والرنا let-7، اكتشفتهما مجموعة كل من <V. أمبروس> [من كلية الطب في دارتموث] و<G. روڤكُن> [من كلية الطب في هارڤارد]. وخلال العامين 2001 و2002، اكتشفنا مع <توشل> و<أمبروس> وآخرين المئات من جينات الرنا الميكروي الإضافية في الديدان والذباب والنبات والبشر.
لقد قدرنا مع <C. بورگ> [من معهد ماساتشوستس للتقانة] بأن لدى البشر ما يراوح بين 200 و255 من جينات الرنا الميكروي؛ أي تقريبا 1 في المئة من العدد الكلي لجينات الإنسان. وكانت جينات الرنا الميكروي قد تعذر كشفها في السابق، لأن البرامج الحاسوبية المصممة لتقصي الأعداد الكبيرة جدا من بيانات تسلسلات الجينوم لم تكن مدربة على الكشف عن هذا النمط غير العادي من الجينات التي يكون منتجها النهائي هو رنا وليس پروتينا.
يقود بعض الرنا الميكروي، وبخاصة ذلك الذي في النبات، عملية تقطيع رناها المرسال المستهدف إلى شرائح، كما بين كل من جJ. كارينگتون> [من جامعة ولاية أوريگون] و<زامور>. وقد لاحظنا و<B. بارتل> [من جامعة رايس] أن الرنا الميكروي للنبات يستهدف بشكل رئيسي الجينات المهمة للتنامي، حيث يستطيع التدخل الرناوي ـ من خلال منعه خلايا معينة من أداء رسالتها المنوطة بها أثناء التنامي ـ أن يساعد الخلايا تلك على النضج إلى النمط الصحيح وعلى تشكيل البنى الملائمة.
ومن المثير للاهتمام أن الرنا 1in-4 والرنا 1et-7 اللذين اكتشفا أول مرة في الديدان بسبب دورهما الأساسي في تحديد مراحل التنامي، يمكنهما كذلك أن يستخدما تكتيكا آخر. إن جزيئات الرنا المرسال المستهدفة من قبل هذين الرناوين الميكرويين متممة لهما بشكل تقريبي فقط، ولا يتم شطر هذه الرسائل. وتقوم آليات أخرى بإيقاف ترجمة جزيئات الرنا المرسال إلى پروتينات منتجة.
الجهود المبذولة لتطبيق التدخل الرناوي في الطب(*******)
منذ عامين فقط تم اكتشاف أن آلية التدخّل الرناوي تعمل في الثدييات. مع ذلك هناك نحو 10 شركات، منها تلك المذكورة أدناه، بدأت فعلا باختبار طرق لاستغلال الرقابة الجينية لمعالجة الأمراض البشرية أو منعها.
|
لمواجهة مثل هذه الآليات المختلفة في الإسكات، يحتفظ البيولوجيون بعقل منفتح فيما يتعلق بأدوار الرناوات siRNAs وآلة التدخل الرناوي. وتشير البراهين المتزايدة إلى أن الرنا siRNA لا يلتقط جزيئات الرنا المرسال بغية تخريبها وحسب، بل يمكنه أيضا توجيه إسكات الدنا. ويتم ذلك ـ في الحالات القصوى ـ عن طريق حذف الجينات بالفعل خارج الجينوم. إلا أنه في معظم الحالات لا يتم تخريب الدنا الذي جرى إسكاته، ولكنه بدلا من ذلك يُرْزَم packed بشكل أكثر إحكاما بحيث لا يمكن انتساخه.
لقد نما فهمنا للتدخل الرناوي نموا كبيرا منذ بداياته المتواضعة في الأزهار البيضاء والديدان المشوهة. ولقد تأثرتْ تقريبا جميع أوجه علوم الحياة والطب الحيوي والهندسة الحيوية بالتدخل الرناوي، وذلك مع امتداد تقنية الإسكات الجيني إلى مختبرات وكائنات تجريبية أخرى.
ومع ذلك، فمازال التدخل الرناوي يكتنفه الكثير من الأسئلة المثيرة: ما مدى العمليات البيولوجية التي يؤثر فيها كل من التدخل الرناوي (RNAi) والرناواتsiRNAs والرناوات الميكروية؟ كيف تعمل الآلية الجزيئية للتدخل الرناوي على مستوى الذرات والروابط الكيميائية؟ هل يؤدي أي خلل في عمل التدخل الرناوي والرناوات الميكروية إلى الإصابة بأمراض معينة؟ وفيما يجيب العلم عن هذه التساؤلات، سيرسخ فهمنا لهذه الظاهرة تدريجيا، ولربما يشكل أساسا لدعامة جديدة تماما للطب الجيني.
المؤلفان
Nelson C. Lau – David P. Bartel
كانا يدرسان الرناوات الميكروية microRNAs وجزيئات الرنا الصغيرة الأخرى التي تنظم التعبير الجيني. يقوم لاو بإتمام أطروحته للدكتوراه في معهد وايتهد ومعهد ماساتشوستس للتقانة. أما بارتل فهو أستاذ مساعد في معهد ماساتشوستس للتقانة، وقد كون مجموعته البحثية في معهد وايتهد في العام 1994 بعد أن حصل على الدكتوراه من جامعة هارڤارد. وهو مؤسس مشارك للشركة Alnylam Pharmaceuticals التي تطور علاجات تقوم على التدخل الرناوي (RNAi). إن بارتل ولاو من بين الذين تلقوا جائزة نيوكم كليڤلاند لعام 2002، التي يقدمها الاتحاد الأمريكي لتقدم العلوم (AAAS).
مراجع للاستزادة
RNAi: Nature Abhors a Double-Strand. Gyorgy Hutvagner and Phillip D. Zamore in Current Opinion in Genetics & Development, Vol. 12, No. 2, pages 225-232; April 2002.
Gene Silencing in Mammals by Small Interfering RNAs. Michael T. McManus and Phillip A. Sharp in Nature Reviews Genetics, Vol. 3, pages 737-747; October 2002.
MicroRNAs: At the Root of Plant Development? Bonnie Bartel and David P. Bartel in Plant Physiology, Vol. 132, No. 2; pages 709-717; June 2003.
Available at www.plantphysiol.org/cgi/content/full/132/2/709
Scientific American, August 2003
(*) CENSORS OF THE GENOME
(**) Overview/ RNA Interference
(***) A Strange Silence
(****) Slicing and Dicing Genetic Messages
(*****) Genetic Censorship: How it Works
(******) Why Cells Have Censors
(*******) Efforts to Apply RNA Interference to Medicine
(1) growth and development
(2) eureka experiment
(3) قاطع الشيء إلى مكعبات (قطع صغيرة). (التحرير)
(4) staggered
(5) قاطع الشيء إلى شرائح. (التحرير)
(6) mobile genetic element: شدفة من الحمض النووي يمكنها الانتقال من التتاليات الأخرى للحمض النووي وإليها. (التحرير)
(7) mobile genetic elements
(8) polio