أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغ

كشف بعض خفايا الفُصام

كشف بعض خفايا الفُصام(*)

إن فهما عميقا لسيرورة التأشير(1) في دماغ

المصابين بالفصام يبعث أملا جديدا بمعالجته.

<C .D. جاڤيت> ـ  <T .J .كويل>

 

إن كلمة الفصام schizophrenia اليوم تسترجع إلى الأذهان أسماء مثل <J.ناش> و<A.ياتس> ـ فالأول (ناش)، وهو موضوع الفيلم الفائز بجائزة أوسكار تحت عنوان عقل جميل A Beautiful Mind، اشتهر بوصفه معجزة في الرياضيات وفاز في نهاية المطاف بجائزة نوبل عن أعماله المبكرة، ولكنه صار مختلا إلى حد كبير نتيجة اضطراب دماغي في يُفْعِهِ أدى إلى فقده مهنته الأكاديمية والتخبط سنوات قبل شفائه. أما <ياتس >فكانت أما لخمسة أولاد تعاني الاكتئاب والفصام معا، واشتهرت بإغراقها أولادها الصغار في حوض الاستحمام «إنقاذا لهم من الشيطان»، وهي تقبع الآن في السجن.

 

تعد معاناة <ناش> و <ياتس> نمطية typical في بعض جوانبها ولكنها لانمطية atypical في جوانب أخرى. فنحو 1% من المصابين بالفصام في العالم غالبا ما يبقون عجزة disabled  طوال كهولتهم. وبدلا من أن يكونوا عباقرة على غرار <ناش> ،يبدي العديد من هؤلاء المصابين ذكاء يقل عن معدله العام، حتى قبل أن تظهر لديهم الأعراض التشخيصية، وبالتالي يعانون المزيد من التراجع في معامل الذكاء (IQ) حين تترسخ العلة، وتحديدا في كهولتهم المبكرة. ولسوء الحظ، لا يشكل إلا قلة منهم عمالة رابحة. وعلى النقيض من <ياتس>، فإن أقل من نصف عدد المصابين بالفصام يتزوج ويكوِّن أسرًا. ونذكر كذلك أن ما يقرب من 15 في المئة منهم يقيمون فترات طويلة في المصحات العقلية التابعة للولاية أو المحافظة التابعين لها، وأن 15 في المئة آخرين ينتهون إلى السجن لارتكابهم جرائم بسيطة أو للتسكع. هذا ويعيش 60 في المئة من المصابين في فقر، كما ينتهي واحد من كل عشرين منهم إلى التشرد. وبسبب قلة المساعدة الاجتماعية، يصبح مزيد من المصابين بالفصام ضحايا أكثر من كونهم مقترفين لجرائم عنيفة.

 

تتوافر الأدوية ولكنها تبقى محط إشكالية. وتُمكّن الخيارات الرئيسية المتوافرة حاليا، والتي تدعى مضادات الذّهان antipsychotics، من إيقاف جميع الأعراض لدى ما يقرب من 20 في المئة فقط من المصابين. (فهؤلاء المحظوظون الذين يستجيبون على هذا النحو يكونون بحالة جيدة طالما استمرت معالجتهم، بيد أن الكثيرين منهم يقلعون مع الزمن عن تناول العقاقير، وغالبا ما يكون ذلك بسبب تأثيرات جانبية لهذه العقاقير، أو لرغبتهم في أن يكونوا «عاديين»(2)، أو بسبب فقدانهم التمتع بالرعاية الصحة العقلية). وتحقق مضادات الذهان لثلثي عدد المصابين انفراجا في الألم، ومع ذلك تبقى الأعراض التشخيصية ملازمة لهم طوال حياتهم؛ أما بقية المصابين فلا يبدون أية استجابة ذات شأن.

 

نظرة إجمالية/ الفصام(**)

▪ لطالما نظر العلماء إلى الفصام على أنه ناشئ عن اضطراب في منظومة دماغية معينة، منظومة تتواصل فيها الخلايا الدماغية عن طريق استخدام مادة كيميائية تأشيرية signaling (أو ناقل عصبي) تسمى  دوپامين.

▪ ومع ذلك ينقل البحث الجديد وجهة التركيز من الدوپامين إلى ناقل عصبي آخر هو الگلوتامات؛ إذ يبدو أن التأشير الگلوتاماتي المختل هو مسهم رئيسي بهذا الاعتلال.

▪ ثمة عقاقير قيد الإعداد الآن لمعالجة هذا الداء مبنية على هذا الفهم المنقح للأسباب المؤدية للفصام.

 

إن عدم كفاية ترسانة الأدوية لا يعدّ إلا واحدة من عقبات معالجة هذا الاضطراب المأساوي بشكل ناجع، إذ يمثل عدم كفاية النظريات التي توجّه العلاج الدوائي عقبة أخرى. فالخلايا الدماغية (العصبونات) تتواصل فيما بينها عن طريق تحرير كيماويات (تدعى نواقل عصبية neurotransmitters) بحيث إنها إما أن تستثير excite أو أن تثبط inhibit عصبونات أخرى غيرها. وعلى مدى عدة قرون تركّزت نظريات الفصام على ناقل عصبي وحيد هو الدوپامينdopamine. ولكن في السنوات القليلة الماضية اتضح أن اختلال سويات الدوپامين ما هو إلا جانب من القصة وأن الشذوذات، في رأي العديدين، إنما تكمن في مكان آخر. ووقع الارتياب بشكل خاص على أعواز deficiencies في الناقل العصبي المسمى گلوتامات glutamate. والآن يدرك العلماء أن الفصام يؤثر إجمالا في جميع أجزاء الدماغ، وأن الگلوتامات، خلافا للدوپامين الذي يؤدي دورا مهما في مناطق منعزلة فقط، يعد حاسما في جميع أجزاء الدماغ تقريبا. ونتيجة لذلك  يفتش الباحثون الآن عن علاجات تستطيع أن تعكس هذا العوز في الگلوتامات.

 

أعراض متعددة(***)

ولإيجاد علاجات أفضل يحتاج الباحثون إلى فهم كيفية نشوء الفصام، الأمر الذي يعني أنهم بحاجة إلى تعليل جميع أعراضه العديدة. ومعظم هذه الأعراض تندرج تحت أصناف اصطُلح على وصفها ب«الإيجابية» positiveو«السلبية» negative و«الذهنية» (المعرفية) cognitive. أما الأعراض الإيجابية فتنطوي عموما على أحداث تفوق ما يعتبر معاناة اعتيادية؛ وأما الأعراض السلبية فتعني ضمنا بشكل عام معاناة مخففة؛ في حين تشير الأعراض الذهنية أو المشوشة إلى صعوبة الحفاظ على التدفق المنطقي والمتماسك للمحادثة، وصعوبة المحافظة على الانتباه والتفكير المجرد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N4-5_H05_00656.jpg

 

يألف الناس عامة الأعراض الإيجابية، ولاسيما الهياج agitation والأوهام الزورانية paranoid (التي يشعر فيها المصاب بالتآمر ضده) والهلوساتhallucinations، عموما بشكل أصوات محكية. أما الهلوسات المتحكمة(3)، التي توحي للمرضى بإيذاء أنفسهم أو بإيذاء الآخرين، فهي علامة منذرة بالشرّ بشكل خاص، إذ تصعب مقاومتها ويمكن أن تستحث أفعالا عنيفة.

 

إن الأعراض السلبية والذهنية أقل مأساوية لكنها أكثر خبثا(4). فهي قد تشمل تجميعة تدعى الأعراض الرباعية (4Aصs): الذاتوية autism (بمعنى انعدام الاكتراث بالناس الآخرين أو الجوار المحيط)، والجمع بين النقيضين في الشعور ambivalence والتأثر الجامد blunted affect (الذي يتمثل في التعبير الوجهي الجامد وغير المتبدل)، ومشكلة تخلخل الترابط الذهني(55). أما الأعراض الشائعة الأخرى فتتضمن نقص التلقائية (نقص العفوية) lack ofspontaneity والتكلم كلاما أجوف impoverished speech وصعوبة إنشاء وفاق وتباطؤ الحركة. وقد يسبب فتور الشعور واللامبالاة مصادمات بين المرضى وأسرهم، التي يمكن أن تنظر إلى هذه الخصال كعلامات كسل أكثر من كونها أعراضا للمرض.

 

حينما يُقيَّم المصابون بالفصام، عبر اختبارات «بالورقة والقلم» مصممة لكشف التلف الدماغي عندهم، فإنهم يبدون نموذجا يوحي بخلل وظيفي واسع الانتشار. وفي واقع الأمر، تتأثر إلى حد ما جميع نواحي عمل الدماغ بدءا من أكثر العمليات الحسية جوهرية حتى أعقد النواحي الفكرية. وقد تتأذى بشكل خاص وظائف معينة مثل القدرة على تكوين ذكريات جديدة، سواء كانت مؤقتة أو مستديمة، أو القدرة على حل المشكلات المعقدة. وكذلك يُبدي المرضى صعوبة في حل أنماط من المشكلات الحياتية اليومية، مثل وصف حيثيات الصداقة، أو ما يمكن فعله إذا ما انطفأت جميع أضواء البيت دفعة واحدة. ويُعلل العجزُ في مواجهة هذه المشكلات المعتادة، أكثر من أية ناحية أخرى، الصعوبةَ التي تواجه مثل هؤلاء المرضى للعيش مستقلين. وإجمالا يتآمر الفصام لسلب مرضاه الصفات التي يحتاجون إليها فعلا للنجاح مجتمعيا: الشخصيةpersonality والمهارات الاجتماعية والفطنة.

 

ما بعد الدوپامين(****)

في الخمسينات من القرن الماضي، برز التشديد على الشذوذات المرتبطة بالدوپامين كسبب للفصام، وذلك نتيجة للاكتشاف العرضي بأن صنفا من الأدوية يدعى الفينوتيازينات phenothiazines  يقوى على التحكم في الأعراض الإيجابية للفصام. وأظهرت الدراسات اللاحقة أن هذه المواد تؤدي فعلها عبر إعاقة وظيفة زمرة معينة نوعية من جزيئات محسسة كيميائيا(6) (تدعى مستقبلات الدوپامينdopamine receptors D2 ) تجثم على سطح خلايا عصبية معينة وتنقل إيعازات الدوپامين إلى داخل الخلايا. وفي الوقت نفسه كشفت أبحاث أجراها أحد الفائزين حديثا بجائزة نوبل <A.كارلسون>، أن الأمفيتامينamphetamine، الذي عُرِف أنه يثير هلوسات وأوهاما لدى المدمنين على تناوله، ينشِّط إطلاق الدوپامين في الدماغ. وقد أدى هذان الاكتشافان معا إلى «النظرية الدوپامينية» dopamine theory التي تقترح أن معظم أعراض الفصام تنجم عن فرط إطلاق الدوپامين في مناطق دماغية مهمة مثل الجهاز الحوفي limbic system(الذي يعتقد أنه ينظّم العاطفة) والفصين الأماميين (الجبهيين) (اللذين يعتقد أنهما ينظمان الاستدلال المنطقي).

 

وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية توضحت مواقع قوة هذه النظرية وقيودها. فبالنسبة إلى بعض المرضى، وبخاصة ذوي الأعراض الإيجابية البارزة، أثبتت هذه النظرية قوتها في التوفيق بين الأعراض والعلاج. فما يتعلق بالقلة الذين يبدون أعراضا إيجابية فقط، يسير الأمر جيدا، من حيث مزاولتهم أعمالا وتشكيلهم أسرا وعدم معاناتهم إلا القليل نسبيا من التراجع الذهني مع مرور الزمن، إذا ما التزموا بتعاطي أدويتهم.

 

ولكن هذه الفرضية بالنسبة إلى العديد من المرضى محدودة التوفيق. وهؤلاء المرضى هم الذين تتشكل لديهم الأعراض بالتدريج، وليس بشكل دراماتيكي، والذين ترجح لديهم الأعراض السلبية على الأعراض الإيجابية. فهؤلاء المصابون يزدادون انعزالا وغالبا ما يتقوقعون على أنفسهم سنوات عديدة، وتكون وظائفهم الذهنية ضعيفة الأداء؛ وحينما يعالجون ولو بأفضل الأدوية المتاحة في الأسواق، لا يتحسنون إلا ببطء، وقد لا يتحسنون إطلاقا.

 

لقد حثت مثل هذه المشاهدات بعض الباحثين على تحوير الفرضية الدوپامينية. وعلى سبيل المثال، يوحي أحد هذه التعديلات بأن الأعراض السلبية والذهنية قد تنجم عن سويات منخفضة للدوپامين في أجزاء معينة من الدماغ مثل الفصين الأماميين (الجبهيين) وزيادة للدوپامين في أجزاء أخرى منه مثل الجهاز الحوفي. ونظرا لكون مستقبلات الدوپامين في الفص الأمامي هي من الصنف D1 (أكثر من كونها من الصنف D2) بشكل رئيسي، فقد شرع الباحثون في البحث عن عقاقير تنشط مستقبلات الصنف D1 وتثبط في الوقت نفسه مستقبلات الصنف D2 بيد أنهم لم يحققوا نجاحا في ذلك حتى الآن.

 

وفي أواخر الثمانينات من القرن الماضي، بدأ الباحثون يدركون أن بعض المركبات الصيدلانية، مثل الكلوزاپين clozapine (ويحمل الاسم التجاري كلوزاريلClozaril)، ربما كانت أقل تسبيبا للتيبس stiffness ولتأثيرات جانبية أخرى عصبية، من العلاجات القديمة مثل الكلوروپرومازين (الثورازين Thorazine) أو الهالوبيريدول (الهالدول Haldol)، وأكثر نجاعة في معالجة الأعراض الإيجابية والسلبية المستديمة. فالكلوزاپين، الذي يعتبر مضادًا لانمطيا للذهان، يثبط مستقبلات الدوپامين بشكل أقل من الأدوية القديمة، ويؤثِّر في فعالية النواقل العصبية الأخرى على نحو أقوى. ومثل هذه المكتشفات أدت إلى إيجاد وشيوع بضعة مضادات ذهان لانمطية جديدة مبنية على مفعولات الكلوزاپين (التي يتبين الآن أن بعضها قادر لسوء الحظ على تسبيب داء السكري وتأثيرات جانبية أخرى غير متوقعة). وكذلك أدت هذه المكتشفات إلى اقتراح أن الدوپامين لم يكن الناقل العصبي الوحيد الذي يختل في الفصام بل تختل كذلك نواقل عصبية أخرى.

 

إن النظريات التي تركِّز بشكل كبير على الدوپامين تُعتبر إشكالية لأسباب أخرى. فالميزان الدوپاميني غير المناسب لا يستطيع تعليل سبب استجابة أحد المصابين بالفصام للعلاج على نحو تام تقريبا، في حين لا يبدي مصاب آخر استجابة ظاهرة. وكذلك لا يستطيع الميزان الدوپاميني غير المناسب تفسير سبب استجابة الأعراض الإيجابية بشكل أفضل بكثير من استجابة الأعراض السلبية والذهنية. وأخيرا، وعلى الرغم من عقود السنين في البحث، فمازال على الأبحاث الدوپامينية السعي إلى اكتشاف المسؤول الحقيقي عن الإصابة بالفصام. فلا الإنزيمات التي تولِّد هذا الناقل العصبي ولا المستقبلات التي يرتبط بها، تتغير بشكل كاف لتعليل الأعراض المشاهدة كاملة.

 

علاقة غبار الملائكة(*****)

إذا كان الدوپامين لا يستطيع تعليل الفصام، فما هي الحلقة المفقودة؟ لقد جاءت دالَّة حاسمة من تأثيرات مخدّر آخر هو الفنسيكليدين phencyclidine  PCP  ، الذي يعرف كذلك باسم غبار الملائكة angel dust. فعلى النقيض من الأمفيتامين الذي يحاكي فقط الأعراض الإيجابية لهذا المرض، يحرّض الفنسيكليدين أعراضا تشبه مختلف أعراض الفصام السلبية والذهنية وأحيانا الإيجابية. ولا تظهر هذه التأثيرات لدى مدمني غبار الملائكة وحسب، بل أيضا لدى أفراد جرى إعطاؤهم جرعات مُخفّضة منه أو من الكيتامين ketamine (الذي هو مخدِّر ذو تأثيرات مشابهة) أثناء تجارب تحدّ دوائي drug-challenge  متحكم فيها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N4-5_H05_00657.jpg

يصعب على الأشخاص المصابين بالفصام إدراك أن الشدف fragments هي أجزاء من كل يضمها. فحينما ينظر الأفراد الأسوياء إلى صور مكسرة إلى قطع صغيرة كالمعروضة أعلاه بالتتالي، فإنهم يحددون هوية الشيء بسرعة. أما مرضى الفصام فغالبا لا يستطيعون تحقيق تلك القفزة بسرعة.

 

في الستينات من القرن الماضي، حددت مثل هذه الدراسات أوجه تشابه بين تأثيرات غبار الملائكة وأعراض الفصام، إذ بينت، على سبيل المثال، أن الأفراد الذين تناولوا غبار الملائكة أظهروا النمط نفسه من الاختلالات في تفسير الأمثال (الأقوال المأثورة) كالمصابين بالفصام. وقد بيّنت الدراسات التي أجريت على الكيتامين أوجه تشابه أشدُّ قسرية. وعلى الخصوص، فأثناء تحدٍّ للكيتامين تبين أنه تنشأ لدى الأفراد الأسوياء صعوبة في التفكير المجرّد وفي استيعاب معلومات جديدة وفي تغيير الاستراتيجيات أو وضع المعلومة في الذاكرة المؤقتة. إنهم يُبدون تباطؤا حركيا عاما وانخفاضا في قدرتهم على التكلم، تماما مثلما يشاهد لدى المصابين بالفصام. وكذلك وفي بعض الأحيان يصير الأفراد الذين أُعطوا غبار الملائكة أو الكيتامين انطوائيين وبُكْما. فإذا تحدثوا فإنهم يتكلمون بشكل انفصالي tangentially وبصورة حسيّة(7) concretely. ولئن كان غبار الملائكة والكيتامين نادرا ما يثيران لدى المتطوعين الأسوياء هلوسات تشبه الهلوسات الفصامية فإنهما يفاقمان هذه الاختلالات لدى المصابين بالفصام.

 

إن مقدرة غبار الملائكة والكيتامين على تسبيب طيف عريض من الأعراض المشابهة للفصام توحي بأن هذين المخدرين يكرران replicate اختلالا جزيئيا رئيسيا في أدمغة مرضى الفصام. فعلى المستوى الجزيئي يعطل هذان المخدران عمل نظم التأشير الدماغية المعتمدة على الگلوتامات التي تعتبر الناقل العصبي الاستثاري الرئيسي في الدماغ. وبدقة أكبر، فهما يوقفان عمل شكل من مستقبلات الگلوتامين يُدعى المستقبل النمدائي NMDA receptor، الذي يؤدي دورا حاسما في تنامي الدماغ والتعلم والذاكرة والسيرورة العصبية بشكل عام. وكذلك يشارك هذا المستقبِل في تنظيم إطلاق الدوپامين. ويولِّد حصار blockadeالمستقبلات النمدائية هذه نفس اختلالات وظيفة الدوپامين التي تشاهد في الفصام. وهكذا، فإن عسر وظيفة المستقبل النمدائي بحد ذاته يمكن أن يفسر أعراض الفصام السلبية والذهنية، كما يمكن أن يفسر الشذوذات الدوپامينية الكامنة وراء الأعراض الإيجابية.

 

يتعلق أحد أمثلة الأبحاث التي تُشرك المستقبلات النمدائية في موضوع الفصام، بالطريقة التي يعالج بها الدماغ المعلومات في الأحوال العادية. فإضافة إلى تقوية الوصلات بين العصبونات تعمل المستقبلات على تضخيم الإشارات العصبية على غرار الطريقة التي يقوم فيها مذياع قديم بتضخيم إشارات الراديو الضعيفة لتصبح أصواتا قوية. ولدى تضخيم إشارات عصبية رئيسية بشكل انتقائي تساعد هذه المستقبلات الدماغ على الاستجابة لبعض الرسائل وتجاهل بعضها الآخر، وبذلك تُسهل التركيز العقلي والانتباه. ففي الحالة العادية يستجيب الناس بشكل أقوى للأصوات التي يتلقونها عَرَضا من استجابتهم للأصوات التي يتلقونها بشكل متكرر، وكذلك يستجيبون بشكل أقوى للأصوات التي يسمعونها أثناء الإصغاء من استجابتهم للأصوات التي يصدرونها بأنفسهم أثناء الكلام. أما المصابون بالفصام فإنهم لا يستجيبون بهذا الأسلوب، مما يعني ضمنا أن دارات أدمغتهم المعتمدة على المستقبلات النمدائية لا تكون في حالة صالحة للعمل.

 

الدماغ في الفصام(******)

إن عدة مناطق ونظم دماغية تعمل بشكل شاذ في الفصام، بما في ذلك المناطق الموضحة أدناه. وقد كان يعتقد سابقا أن السبب الرئيسي للفصام يكمن في اختلالات توازن الناقل العصبي المسمى دوپامين. ولكن الاكتشافات الجديدة توحي بأن حدوث تأشير signaling مُنهك من قِبل أحد الأهداف targets  الگلوتاماتية الرئيسية على العصبونات (وهو المستقبل النمدائي the NMDA receptor) إنما يفسر تشكيلة الأعراض الواسعة لهذا الداء على نحو أفضل.

الجهاز السمعي Auditory System

يمكّن البشر من سماع الكلام وفهمه. وفي داء الفصام يمكن أن يسبب فرط نشاط باحة الكلام الدماغية (التي تحمل اسم باحة ويرنيكهWernikes area) هلوسات سمعية، حيث يتوهم المصاب بالفصام بأن الأفكار التي تتولد داخليا هي أصوات حقيقية تأتي من الخارج.

الفص القفوي (القذالي) Occipital Lobe

إنه يعالج processes المعلومات الخاصة بالعالم الإبصاري. ونادرا ما يعاني المصابون بالفصام هلوسات إبصارية تامة، بيد أن الاضطرابات في هذه المنطقة (أي الفص القفوي الدماغي) تسهم في حدوث صعوبات مثل تأويل الصور المعقدة وتعرُّف الحركة وقراءة الانفعالات على وجوه الآخرين.

الحُصين Hippocampus

إنه يتوسط عملية التعلم وتكوين الذاكرة وتأسيس العادات، وتفسد هذه الوظائف في داء الفصام.

العُقَد القاعدية Basal Ganglia

تسهم في الحركات والانفعالات وفي مكاملة المعلومات الحسية. ويعتقد أن ما يظهر من أداء وظيفي شاذ في الفصام يسهم في الزَّوَر (جنون العظمة) paranoia وفي الهلوسات. [ونشير إلى أن إحصارblockade مستقبلات الدوپامين في العقد القاعدية بوساطة الأدوية المعهودة المضادة للذُّهان يفضي إلى تأثيرات جانبية حركية].

الفص الجبهي

rontal Lobe

يعد هذا الفص حاسما بالنسبة إلى خاصية حل المشكلات وخاصية التبصر وخاصيات التفكير المنطقي الأخرى الرفيعة المستوى. وتؤدي اختلالات الفصام إلى صعوبات في أفعال التخطيط وأفكار التنظيم.

الجهاز الحَوْفي Limbic System

يضطلع بالانفعال emotion. ويعتقد أن اضطراباته تسهم في التهيج الذي غالبا ما يُرى في الفصام.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N4-5_H05_00658.jpg

نواقل عصبية مختلفة، ونفس النتائج

اقترح بعض العلماء أن كثرة الدوپامين تنجم عنها أعراض تنبعث من العقد القاعدية، وأن قلة الدوپامين تنجم عنها أعراض ترتبط بالقشرة المخية الجبهية. وقد تنجم عن التأشير الگلوتاماتي غير الكافي تلك الأعراض ذاتها.

في حالة راحة القشرة المخية the rest of cortex،

تسود الگلوتامات ولكن يغيب الدوپامين إلى حد كبير.

في العقد القاعدية Basal Ganglia، حيث يثبط الدوپامين اضطرام الخلايا (عن طريق فعله في المستقبلات D2 الكائنة على الخلايا العصبية)، فإن إشارات التنبيه الگلوتاماتية تعارض إشارات التنبيه الدوپامينيّة، ومن ثمّ قد يزيد نقص الگلوتامات سيرورة التثبط، مثلما تفعل زيادة الدوپامين تماما.

ففي القشرة المخية الجبهية، حيث يعزز الدوپامين اضطرام firingالخلايا (عن طريق فعله في المستقبلات D1) تضخم إشارات التنبيه الگلوتاماتية مستقبلات الدوپامين، وبالتالي يؤدي نقص الگلوتامات إلى إنقاص النشاط العصبي، مثلما يفعل نقص الدوپامين تماما.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N4-5_H05_00659.jpg

 

إذا كانت فعالية المستقبل النمدائي المخفَّضة تثير أعراض الفصام، فما الذي يسبب ذلك التخفيض إذًا؟ يبقى الجواب عن ذلك غير واضح. فبعض التقارير تبين أن المصابين بالفصام تكون مستقبلاتهم النمدائية أقل عددا مما لدى الأسوياء على الرغم من أن الجينات (المُوَرِّثات) التي تصنع هذه المستقبلات تبدو سليمة. وإذا كانت المستقبلات النمدائية سوية ومتوافرة بكميات مناسبة، فربما تكمن المشكلة في نقصٍ بإطلاق الگلوتامات أو في إنشاء مركَّبات تعطل الفعالية النمدائية.

 

وهناك أدلة تدعم كلا من هاتين الفكرتين. فعلى سبيل المثال، لا تبين دراسات تشريح جثث مصابين بالفصام مستويات منخفضة من الگلوتامات فحسب، بل كذلك مستويات مرتفعة من مركبين (هما (NAAG) وحمض كينورينيك) يعطّلان فعالية المستقبلات النمدائية. إضافة إلى ذلك، ترتفع مستويات الحمض الأميني (هوموسيستيئين) في الدم، مع العلم بأن الهوموسيستيئين شأنه شأن حمض كينورينيك يُبْطل المستقبلات النمدائية في الدماغ. وإجمالا، يوحي نمط هجمة الفصام وأعراضه بأن الكيماويات التي تعطل المستقبلات النمدائية تتراكم في أدمغة المصابين بالفصام على الرغم من عدم وجود حُكم بحثي على ذلك. وقد ينتهي المطاف بنا إلى آليات مغايرة تماما تشرح سبب الوهن الذي يؤول إليه المستقبل النمدائي.

 

إمكانات علاجية جيدة(*******)

بغض النظر عما يسببه انحراف التأشير في الفصام، فإن الفهم الجديد والدراسات التمهيدية على المرضى، يبعثان الأمل في أن تستطيع المعالجة الدوائية تصحيح المشكلة. ويأتي دعم هذه الفكرة من دراسات تبين أن الكلوزاپين الذي يعد واحدا من أنجح أدوية الفصام المعروفة حتى الآن يستطيع أن يقلب التأثيرات السلوكية للمخدّر غبار الملائكة (PCP) في الحيوانات، وهذا أمر لا تستطيع فعله مضادات الذهان antipsychotics القديمة. وأبعد من ذلك، فقد أدت اختبارات قصيرة الأمد على مواد معروفة بتنشيط المستقبلات النمدائية، إلى نتائج مشجعة في هذا الصدد. فإضافة إلى دعمها فرضية الگلوتامات، سمحت هذه النتائج بالشروع في اختبارات طويلة الأمد. وإذا ما أثبتت المواد التي تنشِّط المستقبلات النمدائية فعاليتها في الاختبارات ذات المقياس الواسع فإنها ستصبح أول صنف جديد تماما من الأدوية يطور خصيصا لاستهداف الأعراض السلبية والذهنية (المعرفية) للفصام.

 

أصناف العقاقير التي هي قيد التطوير(********)

ما لم تتم الإشارة إلى غير ذلك، فإن المركبات المذكورة أدناه هي في المراحل الأولى من الاختبار على البشر. وندرج بين قوسين مبتكري هذه المركبات ومنتجيها:

تهدف منشطات المستقبلات الگلوتاماتية ذات النمط النمدائي NMDA-type  إلى التغلب على عيوب (نقائص) التأشير signaling التي تسهم  في عدة أعراض فصامية.

أمثلة: الگليسين (Media foods) والسيرين D (Glytech)، باعتبارهما مواد طبيعية. كلاهما مطروح للبيع، ولكنهما مازالا قيد التقييم وبخاصة فيما يتعلق بأهميتهما في علاج الفصام.

قد تحسن منشطات المستقبلات الگلوتامية ذات النمط الأمپائي AMPA-type، والتي تعرف باسم الأمباكينات، بعض جوانب الذاكرة وبعض الجوانب المعرفية cognition لدى الأشخاص المصابين بالفصام.

مثال: (Cortex Pharmaceuticals) CX516.

قد تنظم مُعدِّلات modulators تخص صنفا آخر  من المستقبلات الگلوتاماتية إطلاق الگلوتامات وتعيد بشكل محتمل التوازن بين نشاط المستقبلات النمدائية ونشاط المستقبلات الأمبائية.

مثال: (Eli Lilly) LY354740

تقلل مثبطات نقل الگليسين إزالة هذا الأخير من المشابك synapses، الأمر الذي ينبغي أن يزيد التأشير بوساطة المستقبلات النمدائية.

مثال: NPS Pharmaceuticals) GLY T-1 و (JansenPharmaceutica

تنبه منشطات المستقبلات النيكوتينية ألفا7- (وهي المستقبلات ذاتها التي تتنشط بالنيكوتين الموجود في السجائر) المستقبلات النمدائية الدماغية بشكل مباشر. وغالبا ما يدخن المصابون بالفصام بشكل كثيف، وربما لأن النيكوتين (الذي يعمل على مستقبلات ألفا7-)، يفيدهم في التركيز.

مثال: DMXB-A (مركز العلوم الصحية في  جامعة كولورادو).

لقد تم إنتاج منشطات للمستقبلات الدوپامينية D1 خصيصا من أجل داء  پاركنسون، واجتازت هذه المنشطات تجارب السلامة الأولية. ويمكنها كذلك أن تصحح الأعواز الدوپامينية في الفصام، ولكن لم تجر حتى الآن التجارب السريرية المتعلقة بهذا الغرض.

مثال:  Abbott Laboratoies  ABT-431

 

لقد قام كلانا بإجراء بعض تلك الدراسات. فحينما أعطينا وزملاؤنا الحمضين الأمينيين (گليسين وسيرين اليميني) كدواء للمرضى إلى جانب أدويتهم المعيارية، أبدى هؤلاء المفحوصون انخفاضا يراوح بين 30 و40 في المئة في الأعراض الذهنية والسلبية وبعض التحسن في الأعراض الإيجابية. ونشير هنا إلى أن إعطاء الدواء سيكلوسيرين اليميني D-cycloserine، الذي يستعمل بشكل رئيسي لمعالجة السل ولكنه يتفاعل تبادليا cross-react مع المستقبل النمدائي، حقق نتائج مشابهة. وتأسيسا على مثل هذه الاكتشافات نظم المعهد الوطني للصحة العقلية اختبارات سريرية متعددة المراكز في أربعة مستشفيات بغية البت في فعالية الكليسين والسيكلوسيرين اليميني كدواءين للفصام، وستكون النتائج متاحة هذا العام. أما اختبارات السيرين اليميني التي لم يُرخَّص لها بعد في الولايات المتحدة، فإنها تسير قُدُمًا في مكان آخر وتحقق كذلك نتائج أولية مشجعة. ونشير هنا أيضا إلى أن هذه الوسائط أفادت كذلك لدى تناولها مع أحدث جيل لمضادات الذهان اللانمطية atypical، الأمر الذي يؤمِّل بإمكانية إيجاد علاج يتحكم في جميع صنوف الأعراض الثلاثة دفعة واحدة.

 

لا يمتلك أي من الوسائط التي تم اختبارها حتى اليوم المواصفات المطلوبة لعرضها في الأسواق، فالجرعات المطلوبة قد تكون عالية جدا. ولذلك فإننا وآخرين نستكشف طرقا بديلة. فالجزيئات التي تعيق إزالة الگليسين من المشابك الدماغية brain synapses، والمعروفة باسم مثبطات نقل الگليسين، قد تمكن الگليسين من البقاء مدة أطول من المعتاد، وبذلك تزيد من تنبيه المستقبلات النمدائية. وكذلك تخضع للدراسة الوسائط التي تفعِّل مستقبلات الگلوتامات «من النمط AMPA» التي تعمل بالاشتراك مع المستقبلات النمدائية. كما اقتُرحت وسائط تمنع تفكك الگليسين أو السيرين اليميني في الدماغ.

 

طرق عديدة للانقضاض(*********)

وكذلك يبحث العلماء المهتمون بتسكين الفصام عن عوامل أخرى أبعد من نظم التأشير في الدماغ قد تسهم في هذا الاعتلال أو تقي منه. فمثلا، استعمل الباحثون ما يدعى شيپات جينية gene chips لدراسة أنسجة دماغية مأخوذة من أناس متوفِّين، وقارنوا في الوقت نفسه فعالية عشرات آلاف الجينات لمصابين بالفصام مع نظيراتها لدى غير المصابين بهذا المرض. وقد أقروا حتى الآن أن العديد من الجينات المهمة لنقل الإشارات signal transmission عبر المشابك يكون أقل فاعلية لدى المصابين بالفصام من نظيراتها لدى الأفراد غير المصابين به. ولكن ليس واضحا ما تقوله هذه المعلومة عن كيفية تطور المرض أو كيفية معالجته.

 

ومع ذلك أعطت الدراسات الجينية على الفصام نتائج مثيرة للاهتمام. ولطالما كان إسهام الوراثة في الفصام خلافيا. فإذا كان الإرث الجيني وحده يملي المرض، فإن التوأمين الحقيقيين لشخص مصاب بالفصام سيكونان كذلك فصاميين دائما لأن التوأمين يمتلكان الذخيرة الجينية نفسها. ولكن في الحقيقة، حينما يكون أحد التوأمين فصاميا تكون فرصة إصابة توأمه الحقيقي الآخر بالفصام نحو 50 في المئة تقريبا، مع العلم بأن نحو 10 في المئة فقط من أفراد الدرجة الأولى في العائلة (الوالدين والأولاد والأحفاد) يتقاسمون المرض على الرغم من حيازتهم 50 في المئة في المتوسط من الجينات المشترِكة مع الفرد المصاب. ويوحي هذا التفاوت بأن الإرث الجيني يمكن أن يؤهب الناس بقوة للفصام، غير أن العوامل البيئية يمكن أن تدفع الأفراد الحساسين باتجاه المرض أو ربما تحرسهم منه. وتُعد العداوى (الأخماج) infections قبل الولادية وسوء التغذية وصعوبات الولادة والأذيات الدماغية من بين التأثيرات المشتبه في أنها تعزز هذا الاعتلال عند الأفراد المؤهبين له.

 

تكاليف اجتماعية باهظة(**********)

يوقِع الفصام، الذي يصيب نحو مليوني أمريكي، خسائر فادحة في المجتمع. فنظرا لأنه ينحو إلى الظهور والديمومة في بداية سن البلوغ، فإنه يمثل حسابا ضخما في فواتير الرعاية الصحية وفي الأجور الضائعة، بحيث يعد واحدا من أكثر الاعتلالات تكلفة في الولايات المتحدة.

ويمكّن العلاج والدعم الاجتماعي القوي بعض المصابين بالفصام من العيش حياة منتجة ومريحة، ولكن غالبية الأفراد ليست على هذا القدر من الحظ. فأقل من ثلث عدد الأفراد يستطيع إيجاد عمل، ونصف هذا العدد لا يمارس العمل إلا لأنهم يحظون بمساعدات كبيرة. ونشير إلى أن الرجال (وهم يصابون بأعراض الفصام أبكر من النساء) عادة ما لا يتزوجون، وأن النساء (اللواتي يعقدن العزم على الزواج) غالبا ما لا يدوم زواجهن. وبسبب كون المصابين بالفصام غالبا ما يَعزِلون أنفسهم ويبقون بدون عمل، فإنهم يشكلون على الدوام شريحة كبيرة من السكان المشردين.

هذا وينزع المصابون بهذا الاعتلال إلى احتمال عال بأن يصبحوا مدمنين. فنحو 60 في المئة من ذوي الأعراض الفصامية يدخنون السجائر، ونصف عددهم يتعاطى الكحول أو الماريجوانا أو الكوكائين. ويمكن أن تؤدي هذه الفعاليات إلى ضَعف في سلاسة المعالجة، وإلى تفاقم الأعراض الذهانية psychotic وتزايد النزوع إلى العنف. (أما الممتنعون عن التدخين وتعاطي الكحول والمخدرات، فإنهم لن يكونوا أعنف من الناس العاديين). وينتهي التشرد وإدمان تعاطي مواد مخدرة بالعديد من المصابين بالفصام إلى السجون والمعتقلات حيث يخفقون في تلقي المعالجة التي يحتاجون إليها.

ولا تنتهي الأرقام المقيتة عند هذا الحد: إذ يلجأ نحو 10 في المئة من المصابين بالفصام إلى الانتحار (وعادة ما يكون ذلك في المراحل المبكرة من هذا الداء)، وهذه نسبة تفوق النسبة التي ينتحر بها المصابون باكتئاب شديد. ولكن ثمة ملاحظة بينة: لقد ثبت الآن أن الكلوزاپين Clozapine، الذي ظهر في عام 1989 كعقار لانمطي مضاد للذهان atypicalantipsychotic، يقلل من خطر الانتحار وإدمان تعاطي مواد مخدرة. ولكننا ننتظر تحديد ما إذا كانت هناك مواد agents لانمطية أكثر حداثة وتمارس مفعولا مماثلا.

 

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية تم تحديد بضع جينات يظهر أنها تزيد من الحساسية تجاه الفصام. ومن الممتع أن إحدى هذه الجينات تكوِّد encodeإنزيما (هو كاتيكول أمين – 0 – ترانسفيراز) يُعنى باستقلاب الدوپامين ولا سيما في القشرة المخية أمام الجبهية. أما الجينتان اللتان تكوِّدان الپروتينين ديسبندين ونوركيولين فيبدو أنهما تؤثران في عدد المستقبلات النمدائية في الدماغ. ويمكن أن توجد الجينة المسؤولة عن إنزيم أُكسيداز الحمض الأميني اليميني، الذي يُعنى بتفكيك حمض سيرين اليميني، في عدة أشكال؛ يُولِّد الشكل الأنشط منها زيادة تقارب الخمسة أضعاف في خطر الفصام. وهناك جينات أخرى يمكن أن تسبب السمات المرافقة للفصام ولكن ليس داء الفصام بالذات. وبما أن كل جينة معنية بالفصام لا تسبب إلا زيادة صغيرة من خطره، فإن الدراسات الجينية يجب أن تتضمن أعدادا كبيرة من الأفراد المفحوصين لاكتشاف مفعول ما؛ وكثيرا ما أعطت نتائج متعارضة. ومن ناحية أخرى، فإن وجود جينات متعددة تؤهِّب للفصام قد يساعد على تفسير تنوع أعراضه عبر الأفراد بحيث يبدي بعضهم التأثير الأعظم في المسارات الدوپامينية في حين يظهر آخرون تورطا كبيرا من جانب مسارات أخرى للنواقل العصبية.

 

وأخيرا، يبحث العلماء الآن عن دالاّت clues على ما تقدم عن طريق تصوير أدمغة حية وعن طريق المقارنة بين أدمغة أناس متوفَّين. وعلى العموم، تكون أدمغة المصابين بالفصام أصغر حجما من أدمغة نظرائهم غير المصابين ذوي العمر والجنس ذاتهما. وفي حين كان يعتقد ذات مرة بأن العيوب تقتصر على مناطق (باحات) دماغية مثل الفص الدماغي الجبهي (الأمامي) frontal، فإن الدراسات الحديثة كشفت عن وجود شذوذات مماثلة في عدة مناطق دماغية؛ بمعنى أن أولئك المصابين بالفصام تكون لديهم سويات شاذة من الاستجابة الدماغية حينما يؤدون فروضا لا تنشِّط الفصين الجبهيين فحسب، بل كذلك مناطق أخرى من الدماغ، مثل تلك التي تتحكم في التظهير processing السمعي والتظهير الإبصاري. وربما كانت النتيجة المهمة المتحصلة من الأبحاث الحالية تتمثل في أنه ما من منطقة دماغية واحدة تكون هي المسؤولة عن الفصام، بل كما هي الحال في السلوك behavior السوي الذي يتطلب الفعل المشترك للدماغ بأكمله، فإن تعطل الوظيفة في الفصام يجب أن ينظر إليه على أنه تعطُّل في التآثرات الدقيقة داخل مناطق دماغية مختلفة وفيما بينها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N4-5_H05_00660.jpg

غالبا ما تحمل الأشياء معاني خفية لدى المصابين بالفصام الذين يمكن أن يختزنوا مقتطفات إخبارية

 أو صورا أو أشياء أخرى قد تبدو عديمة النفع للآخرين.

 

ونظرا للتباين الكبير في أعراض الفصام، يعتقد العديد من الباحثين باحتمال اشتراك عوامل متعددة في التسبب بمتلازمة الفصام. فما يشخِّصه الأطباء اليوم على أنه فصام يمكن البرهنة على أنه مجموعة اعتلالات مختلفة ذات أعراض متشابهة ومتداخلة. ومع ذلك، وفيما يستبين الباحثون الأسس العصبية لهذه المتلازمة بمزيد من الدقة، فإن مهارتهم لا بد من أن تتزايد في إيجاد علاجات تعدل عملية التأشير signaling  الدماغي في الطرق النوعية التي  تتطلبها حالة كل فرد

 

المؤلفان

Daniel C. Javitt – Joseph T. Coyle

درسا الفصام عدة سنوات. يعمل جاڤيت مديرا لبرنامج العلوم العصبية المعرفية والفصام بمعهد ناتان كلاين للأبحاث الطبية النفسية في أورانجبورك/ بنيويورك، وأستاذا للطب النفسي في كلية طب جامعة نيويورك. وقد كانت نشرته العلمية (التي تَبين أن العقار (غبار الملائكة) PCP الحاصر للگلوتامات يمكن أن يسبب أعراضا مطابقة لبعض أعراض الفصام) هي ثانية أفضل النشرات حول الفصام وأكثرها شهرة في التسعينات من القرن الماضي. أما كويل فهو أستاذ كرسي <إيبن س. دراپر> للطب النفسي والعلوم العصبية في كلية طب هارڤارد، وهو كذلك رئيس تحرير مجلة «أرشيف الطب النفسي العام». هذا وقد فاز كلا المؤلفين بجوائز كثيرة عن أبحاثهما. ويحمل <جاڤيت> و <كويل> براءات اختراع مستقلة عن استخدامهما «المُعدِّلات النمدائية» NMDA modulators في معالجة الفصام ول <جافيت> استثمارات مالية كبيرة في شركتي ميدفود وكليتيك اللتين تحاولان تطوير الگليسين والسيرين D كعلاجين للفصام.

 

مراجع للاستزادة 

Recent Advances in the Phencyclidine Model of Schizophrenia. D. C. Javitt and S. R. Zukin in American Journal of Psychiatry, Vol. 148, No. 10, pages 1301-1308; October 1991.

Efficacy of High-Dose Glycine in the Treatment of Enduring Negative Symptoms of Schizophrenia. U. Heresco-Levy, D. C. Javitt, M. Ermilov, C. Mordel, G. Silipo and M. Lichtenstein in Archives of General Psychiatry, Vol. 56, No. 1, pages 29-36; January 1999.

A Beautiful Mind: The Life of Mathematical Genius and Nobel Laureate John Nash. Sylvia Nasar. Touchstone Books, 2001.

The Emerging Role of Glutamate in the Pathaphysiology and Treatment of Schizophrenia. D. C. Goff and J. T. Coyle in American Journal of Psychiatry, Vol. 158, No. 9, pages 1367-1377; September 2001 Revolution #9. Directed by Tim McCann. Wellspring Media, 2001. VHS and DVD release, 2003.

Scientific American, January 2004

 

(*) DECODING SCHIZOPHRENIA

(**) Overview/ Schizophrenia

(***) Multiple Symptoms

(****)Beyond Dopamine

(*****) The Angel Dust Connection

(******)The Brain in Schizophrenia

(*******)New Treatment Possibilities

(********)Drug Classes in Development

(*********)Steep Social Costs

(**********)Many Avenues of Attack

 

(1) signaling

(2)normal

(3) command hallucinations

(4) pernicious

(5) the cognitive problem of loose association

(6) chemical-sensing molecules

(7)تنظر إلى عين الشيء لا إلى المعاني المجرّدة. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى