أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةعلم المناخ

احترار الكرة الأرضية قنبلة موقوتة

احترار الكرة الأرضية قنبلة موقوتة

يمكن، بل ويجب إبطال مفعولها(*)

إن احترار الكرة الأرضية ظاهرة حقيقية وقد تكون نتائجه كارثية، ومع ذلك ثمة إجراءات

عملية يمكن أن تبطئ هذه الظاهرة، وقد تضع لها حدا في نهاية المطاف، فضلا عن أنها

ستؤدي إلى جو أكثر نظافة واستجابة لمتطلبات الصحة العامة.

<J. هانسن>

 

بجلاء تام، بدت لي إحدى المفارقات في مفهوم «احترار الكرة الأرضية الذي يسببه الإنسان»، بعد ظهيرة أحد أيام صيف عام 1976 على شاطئ جونز، في لونگ آيلاند. فبعد وصولنا إلى ذلك الشاطئ وسط النهار وجدت وزوجتي وابني مكانا قريبا من الماء يجنبنا الرمال الحارقة. وبينما كانت الشمس تتجه نحو المغيب أخذت رياح نشطة تدفع أمواجا عالية مزبدة صوب الشاطئ. لقد أصبت بالقشعريرة(1) أنا وابني فيما كنا نجري على الشاطئ المغطى بالزبد ونحن نراقب تلك الأمواج.

 

في ذلك الصيف أنجزت مع <A. لاسيز> وعدد من الزملاء [من معهد گودارد لدراسات الفضاء التابع لوكالة الفضاء ناسا] تقدير تأثيرات غازات الاحتباس الحراري (الدفيئة) في المناخ. كان من المعروف عندئذ أن هذه الغازات الناجمة عن نشاطات الإنسان، ولا سيما ثنائي أكسيد الكربون وفصائل الكلوروفلوروكربون (CFC)، تتراكم في الجو، وتشكل «مؤثرات قاسرة» للمناخ climate forcing (أي اضطرابات تؤثر في موازنة الطاقة للكرة الأرضية). فهي بمثابة غطاء حاجب يمتص الأشعة تحت الحمراء (الأشعة الحرارية) الصادرة عن كوكبنا ويمنع هذه الأشعة من الهرب إلى الفضاء الخارجي.

 

لقد قدر فريقنا أن هذه الغازات التي هي من صنع الإنسان تُسخِّن سطح الأرض بمعدل 2 واط في المتر المربع (نشير للمقارنة، أن المصابيح الضوئية الصغيرة التي تزين شجر عيد الميلاد تطلق طاقة مقدارها نحو واط واحد، معظمه على شكل حرارة). لذلك فإن أثر تلك الغازات يكافئ إشعال اثنين من هذه المصابيح الصغيرة فوق كل متر مربع من سطح الأرض وتركهما مشتعلين ليلا ونهارا.

 

تبدو المفارقة التي تعرضها هذه النتيجة في التباين الكبير بين القوى الهائلة للطبيعة وقدرة هذين المصباحين الصغيرين؛ فمن المؤكد أن تسخينهما الضعيف جدا لن يُسيِّر الرياح، ولن يسبب الأمواج، ولن يزيل حالة القشعريرة التي أصابتنا (أنا وابني). كما أن تسخينهما الضعيف جدا لسطح المحيطات لا يلبث أن يتبدد بسرعة إلى الأعماق بحيث إن تسخين سطح الكرة الأرضية ربما احتاج إلى سنين أو قرون عديدة ليتحقق.

 

لقد تم إلى حد ما، حل هذه المفارقة الظاهرية، من خلال دراسة تاريخ مناخ الأرض، الذي أظهر أن قوى صغيرة، إذا ما استمرت مدة طويلة إلى حد كاف، يمكن أن تؤدي إلى إحداث تغيير كبير في المناخ. ووفقا لما أثبتته الدلالات التاريخية، فقد بدأت الكرة الأرضية تسخن في العقود الأخيرة بالمعدل ذاته الذي تنبأت به النماذج المناخية التي أخذت بعين الاعتبار تراكم غازات الاحتباس الحراري التي ينتجها الإنسان. وتجلت آثار ملحوظة لهذا الاحترار في تراجع المَجْلَدات (الأنهار الجليدية) glaciers  وفي ترقق الجليد القطبي وقدوم الربيع أبكر بأسبوع مما عهدته عند بلوغي سن الرشد في الخمسينات من القرن العشرين.

 

ومع ذلك فمازال هناك الكثير من القضايا العالقة، مثل مدى تغير المناخ في العقود المقبلة، والنتائج العملية المترتبة على ذلك، وما يمكننا فعله حيالها. والحديث في مثل هذه الموضوعات مشحون جدا بسبب المضاعفات الاقتصادية الملازمة لها.

 

يتطلب التحليل الموضوعي لظاهرة احترار الكرة الأرضية معرفةً كَميةً لثلاث قضايا هي: حساسية المنظومة المناخية لفعل القوى المؤثرة، والقوى المؤثرة التي يسببها النشاط البشري، والزمن الذي يتطلبه المناخ ليستجيب لهذه القوى. ويمكن دراسة جميع هذه القضايا باستعمال نماذج مناخية شاملة (محاكيات حاسوبية لمناخ الكرة الأرضية)، غير أن أدق ما نعرفه عن حساسية المنظومة المناخية، حتى الآن على الأقل، يستند إلى بيانات تجريبية empirical من تاريخ الكرة الأرضية.

 

دروس من التاريخ(**)

تأرجح مناخ الكرة الأرضية خلال بضعة ملايين السنين الأخيرة بين عصور جليدية وفترات دافئة فيما بينها. ويحتفظ الغطاء الجليدي للقارة القطبية الجنوبية ـ الذي تجنب الذوبان، إلا على حافاته، حتى في أدفأ فترات ما بين العصور الجليدية ـ بسجل لدرجة الحرارة لفترة تمتد إلى000 400 سنة. ويشير هذا السجل [انظر الإطار في الصفحة 7] إلى أن فترة ما بين العصور الجليدية الحالية (الهولوسين)، وعمرها الآن نحو000 12 سنة، قد تخطت ذروتها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_003753.jpg

انفصال الجبل الجليدي عن مَجْلدة سان رافائيل في تشيلي.
قد ينتج من تصدع جبال جليدية حول العالم وذوبان جليدها، رفع مستوى سطح البحر بضعة أمتار أو أكثر. والعواقب المرعبة لارتفاع مستوى سطح البحر تضع عتبة منخفضة لمدى احترار الكرة الأرضية من دون أن يؤدي ذلك إلى تدمير المجتمع البشري.

 

تصاحب هذه التأرجحات الألفية الطبيعية للمناخ تغيرات بطيئة لمدار الأرض ناجمة عن ثقالة (جاذبية) الكواكب الأخرى، وبخاصة المشتري وزحل بشكل رئيسي (بسبب كتلتهما الكبيرة)، وكوكب الزهرة (لاقترابه من الأرض أثناء جريانه في مداره). و نادرا ما تؤثر هذه الاضطرابات في متوسطات الطاقة الشمسية الواصلة إلى الأرض، لكنها تُغيِّر التوزع الجغرافي والفصلي لهذه الطاقة بنحو 20%. وتؤدي تغيرات الطاقة الشمسية هذه،الممتدة لفترات طويلة، دورا مهما في بناء الغطاء الجليدي وذوبانه.

 

إن تغيرات الطاقة الشمسية الواردة هذه، وتغيرات المناخ تؤثر أيضا في امتصاص النباتات والتربة والمحيطات غازي ثنائي أكسيد الكربون والميثان وإطلاقهما. ومازال علماء المناخ يطورون فهمًا كميا لآلية إطلاق البحار واليابسة هذين الغازين عند احترار الكرة الأرضية. وتشكل بيانات المناخ القديم كنزا من المعلومات المتوفرة في هذا الشأن، إذ توفر تأرجحات المناخ هذه مقياسا تجريبيا لمدى حساسية المنظومة المناخية للقوى المؤثرة.

 

يُعرف تركيب الجو في العصر الجليدي بدقة من فقاعات الهواء المحبوسة في الغطاء الجليدي للقارة القطبية الجنوبية وفي گرينلاند والجبال الجليدية العديدة التي تكونت من التساقط السنوي للثلوج. وهناك، إضافة إلى ذلك، خرائط تبين التوزع الجغرافي للغطاء الجليدي والغطاء النباتي وخطوط السواحل أثناء العصر الجليدي. وقد أظهرت هذه البيانات أن تغير القوى المؤثرة في المناخ بين العصر الجليدي والفترة الدافئة الحالية هو نحو 6.5 واط في المتر المربع. وتؤدي هذه القوى المؤثرة إلى تغيُّر في درجة الحرارة مقداره 5 درجات مئوية (سيلزية)، ويعني ذلك أن حساسية المناخ لفعل القوى المؤثرة هي 0.75±25. 0 درجة مئوية في الواط في المتر المربع. وتُظهر النماذج الحاسوبية للمناخ حساسية مماثلة، لكن النتيجة التجريبية أكثر دقة ووثوقية، لأنها تشمل جميع الظواهر المؤثرة في العالم الواقعي، بما في ذلك العوامل التي لم نستطع إدخالها بعد في تلك النماذج.

 

كما تُسلِّط البيانات القديمة الضوء على جانب آخر في الموضوع وهو أن تغيرات مدار الأرض تسبب تغيرات مناخية عن طريق تغيير خصائص الجو وسطح الأرض، ومن ثم تؤثر في الموازنة الطاقية لكوكب الأرض. لكن تأثر خصائص الجو وسطح الأرض بالنشاط البشري، خلال العقود الأخيرة، أكبر من تأثرها بتغيرات مدار هذا الكوكب.

 

العوامل المؤثرة في المناخ حاليا(***)

إن أكبر تغير في المؤثرات القاسرة للمناخ في القرون الأخيرة نتج من غازات الاحتباس الحراري التي ينتجها الإنسان. فهذه الغازات الموجودة في الجو تمتص الإشعاع الحراري بدلا من تركه ينطلق إلى الفضاء الخارجي، فتجعل الغطاء الجوي المعهود أكثر ثخنا بحيث يعيد إلى الأرض حرارة أكبر مما يتسرب منها إلى الفضاء، ومن ثم فإن الأرض تطلق طاقة إلى الفضاء أقل مما تتلقاه من الشمس؛ وعدم التوازن المؤقت هذا بين الطاقة المفقودة والطاقة المتلقاة يؤدي إلى الارتفاع التدريجي في درجة حرارة الكرة الأرضية.

 

نظرة إجمالية/ احترار الكرة الأرضية(****)

▪ إن أدق معرفة متوفرة لدينا عن حساسية المنظومة المناخية في الوقت الحاضر مبنية على دلالات مستمدة من دراسة تاريخ الأرض، وهي تظهر أن قوى صغيرة إذا ما استمرت مدة طويلة إلى حد كاف قد تؤدي إلى تغيرات كبيرة في المناخ.

▪ حاليا، تجاوزت القوى القاسرة للمناخ الناجمة عن نشاطات بشرية، لاسيما انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (الدفيئة) والسخام وجزيئات صغيرة أخرى، القوى الطبيعية في تأثيرها في المناخ، وبدأت الأرض تسخن بمعدل تنبأت به نماذج حاسوبية وُضعت لدراسة المناخ وتغيراته.

▪ إن استقرار الغطاء الجليدي في گرينلاند وفي القارة القطبية الجنوبية، والحاجة إلى المحافظة على المناطق الساحلية في العالم يضعان حدا أخفض لاحترار الكرة الأرضية الذي يشكل تجاوزه «تدخلا بشريا خطرا» في المنظومة المناخية.

▪ إيقاف احترار الكرة الأرضية يتطلب تعاونا عالميا ملحا وغير مسبوق، واتخاذ إجراءات ممكنة تعود بالمنفعة على صحة الإنسان وعلى الزراعة والبيئة.

 

وبسبب القدرة الهائلة لمياه المحيطات على امتصاص الحرارة، تستغرق الأرض بمجملها نحو قرن كامل لتصل إلى حالة توازن جديد تتلقى فيه كمية من الطاقة الشمسية تساوي تلك التي تشعها إلى الفضاء الخارجي. ويحصل هذا التوازن عند درجة حرارة للأرض أعلى من تلك التي كانت لها في السابق، وأثناء مرحلة الوصول إلى التوازن الجديد، قد تتدخل عوامل قاسرة إضافية.

 

يعد ثنائي أكسيد الكربون الناتج بشكل أساسي من احتراق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) أكثر غازات الاحتباس الحراري التي ينتجها الإنسان أهمية. غير أن أثر الغازات الأخرى مجتمعة له نفس الأهمية. والغازات الأخرى هذه وبخاصة الأوزون في طبقة التروپوسفير (الغلاف السفلي) من جو الأرض والمواد المولدة له بما فيها الميثان، هي من عناصر الضبخان (الضباب الدخاني) الضار بصحة الإنسان وبالإنتاجية الزراعية.

 

إن الهباءات الجوية (الحلالات الهوائية) aerosals (الجزيئات الدقيقة العالقة في الهواء) هي أيضا عاملٌ قاسرٌ للمناخ من صنع الإنسان، إلا أن أثره أكثر تعقيدًا. فبعض الهباءات الجوية «البيضاء» مثل الكبريتات الناتجة من الكبريت الموجود في الوقود الأحفوري، هي جزيئات عاكسة للإشعاع بشكل كبير، ومن ثم تقلل من فعل التسخين الشمسي للأرض؛ لكن السخام (الكربون الأسود) الناجم عن احتراق غير كامل للوقود الأحفوري أو الوقود الحيوي biofuel أو عن احتراق الكتلة الحيوية في العراء(2) يمتص ضوء الشمس، ومن ثم يسخن الجو. ويبلغ مقدار الارتياب في الأثر القاسر المباشر للهباءات الجوية 500% على الأقل؛ لأن كمياتها غير محددة بدقة من جهة ولأنها ذات بنية معقدة من جهة أخرى.

 

يمكن للهباءات الجوية أيضا أن تشكل مؤثرات قاسرة غير مباشرة في المناخ بتغيير خصائص الغيوم. فالغيوم الناتجة، الأكثر ابيضاضًا والأطول عمرا، تقلل ما تمتصه الأرض من أشعة الشمس؛ أي إن التأثير غير المباشر للهباءات الجوية هو قاسر سلبي للمناخ يؤدي إلى تبريد الكرة الأرضية.

 

ومن بين المؤثرات القاسرة الأخرى التي من صنع الإنسان إزالة الغابات وتحويلها إلى حقول لزراعة المحاصيل؛ فالغابات داكنة اللون حتى مع وجود الثلج على أرضها، وإزالتها تقلل امتصاص الأشعة الشمسية، ومن ثم تقلل التسخين الشمسي للأرض.

 

تتغير المؤثرات القاسرة الطبيعية ـ مثل الاندفاعات البركانية والتقلبات في درجة سطوع الشمس brightness ـ تغيرا طفيفا جدا على مدى 10000 عام. وهناك دليل على حدوث زيادة طفيفة في سطوع الشمس خلال المئة والخمسين سنة الأخيرة شكَّلت مؤثرا قاسرا للمناخ يقدر بنحو بضعة أعشار من الواط في المتر المربع.

 

بلغت الحصيلة الصافية للمؤثرات القاسرة للمناخ التي أضيفت منذ عام 1850 نحو 1.0 ± 1.6 واط في المتر المربع. وهناك أكثر من دليل على صحة هذا التقدير على الرغم من الارتيابات الكثيرة المحيطة به. وأحد هذه الأدلة هو التوافق الكبير بين درجات الحرارة العالمية المرصودة خلال عدد من العقود السابقة وتلك التي أنتجتها النماذج الحاسوبية الخاضعة لنفس المؤثرات القاسرة. والأكثر من ذلك أهمية، تَوَافق كمية الحرارة التي كسبتها مياه المحيطات خلال السنوات الخمسين الماضية مع فعل المؤثرات القاسرة للمناخ.

 

400000 سنة من التغير المناخي(*****)

حَفَظ جليد القارة القطبية الجنوبية سجلا يعود إلى 000 400 سنة لدرجة الحرارة وتركيز ثنائي أكسيد الكربون والميثان في الجو. ويدرس العلماء الغازات المحتجزة في فقاقيع الهواء في الجليد، وذلك بأخذ عينات لُبية من الغطاء الجليدي (الصورة) ودراستها في المختبر. ويوفر لنا هذا السجل التاريخي دلالتين مهمتين؛ فمقارنة فترة ما بين العصرين الجليديين الحالية (الهولوسين) بالعصر الجليدي الأحدث عهدا (000 20 سنة مضت) تعطينا قياسا دقيقا لحساسية المناخ تجاه المؤثرات القاسرة. كما تعطي درجة الحرارة خلال فترة الدفء الماضية (الإميان)، حين كان مستوى سطح البحر أعلى من مستواه الحالي بعدة أمتار، تقديرا جيدا لاحترار الكرة الأرضية الذي تعتبره حضارتنا الحالية «تدخلا بشريا خطرا» في منظومة المناخ.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_003754.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_003755.jpg

 

احترار الكرة الأرضية(******)

ازداد معدل درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 0.75 درجة مئوية خلال فترة القياسات المكثفة التي بدأت مع استعمال أجهزة القياس في نهايات القرن التاسع عشر. وقد حدث معظم هذا الارتفاع، البالغ نحو 0.5 درجة مئوية، بعد عام 1950. وقد أمكن تقصي أسباب هذا الارتفاع بشكل أفضل منذ ذلك العام، لأن معظم المؤثرات القاسرة للمناخ جرى رصدها في تلك الفترة. كما وفرت الأقمار الصنعية منذ السبعينات قياسات للإشعاع الشمسي، وللهباءات الجوية وللأوزون في طبقة الستراتوسفير. يضاف إلى ذلك أن 70% من زيادة غازات الاحتباس الحراري الناتجة من النشاط البشري، حصلت بعد عام 1950 من القرن العشرين.

 

إن عدم التوازن الطاقي لكوكب الأرض [انظر الإطار في الصفحة 11] هو نتيجة للزمن الطويل الذي يستغرقه تسخين مياه المحيطات. ونرى أن عدم التوازن هذا يراوح في الوقت الحاضر بين 0.5 واط وواط واحد في المتر المربع، مما يعني أن الأرض تمتص كمية من الإشعاع الشمسي أكبر بكثير من الحرارة التي تصدرها إلى الفضاء الخارجي. وحتى لو لم يطرأ أي تغيُّر على تركيب الغلاف الجوي مستقبلا، فإن سطح الأرض سوف يسخن في النهاية بمقدار 0.4 إلى 0.7 درجة مئوية.

 

يرجع معظم عدم التوازن في الطاقة الإجمالية للأرض إلى ما امتصته مياه المحيطات من حرارة. وقد حلل العالم <S. ليڤيتوس> [من الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي(NOAA) ] التغيرات التي طرأت على درجة حرارة مياه المحيطات في السنوات الخمسين الماضية ووجد أن المحتوى الحراري لهذه المحيطات قد ازداد بنحو 10 واط في المتر المربع خلال هذه السنين. كما وجد أن معدل خزن المحيطات للحرارة في السنوات الأخيرة ينسجم مع تقديراتنا بأن الأرض في حالة عدم توازن طاقي بمقدار يراوح بين 0.5 واط و واط واحد في المتر المربع. ونلاحظ هنا أن كمية الحرارة اللازمة لإذابة ما يكفي من الجليد لرفع مستوى مياه سطح البحر بمقدار متر واحد، هي 12 واط (كقيمة وسطية للكرة الأرضية بمجملها)، وهي الطاقة التي يمكن أن تتراكم خلال 12 سنة، في حال استمرار عدم التوازن الطاقي المقدر بواط واحد في المتر المربع.

 

قد تؤدي قوى صغيرة مؤثرة في المناخ، إذا ما استمرت مدة

طويلة كافية، إلى إحداث تغيرات كبيرة فيه

إن توافق نتائج النماذج الحاسوبية لتغيُّر درجة حرارة الأرض ولخزن مياه المحيطات للحرارة مع القياسات الفعلية المجراة لا يترك شكا في أن التغير المناخي العام المرصود للكرة الأرضية هو حصيلة العوامل القاسرة الطبيعية وتلك التي سببها الإنسان. ويعد المعدل الحالي لخزن مياه المحيطات للحرارة مؤشرا مهمًا لتغير مناخ الكرة الأرضية؛ فهو لا يحدد فقط مقدار الاحترار الإضافي المستقبلي للأرض، بل يدل أيضا على مقدار تخفيض المؤثرات القاسرة اللازم لاستقرار مناخها الحالي.

 

قنبلة موقوتة(*******)

كان الهدف من اتفاقية الأمم المتحدة حول تغير المناخ التي صدرت في ريو دي جانيرو عام 1989 هو الحفاظ على تركيبة الغطاء الجوي للأرض «لمنع التدخل البشري الخطر في منظومة المناخ»، والوصول إلى هذا الهدف بطرق لا تضر بالاقتصاد العالمي، غير أن تحديد مستوى الاحترار الذي يشكل «تدخلا بشريا خطرا» هو جانب مهم من المشكلة، ولكنه صعب في الوقت نفسه.

 

وقد شكلت الأمم المتحدة الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ(IPCC) لدراسة ظاهرة احترار الكرة الأرضية، ووضع الفريق عدة سيناريوهات (تصورات) للمؤثرات القاسرة للمناخ وكيفية عملها، واستُعملت هذه التصورات لمحاكاة مناخ القرن الحادي والعشرين، وقُدِّر تأثير تغيرات درجة حرارة الأرض والهطول في الزراعة وفي المنظومات البيئية الطبيعية وفي الحياة البرية وسواها. وقد توقع الفريق حدوث تغير كبير في مستوى سطح البحر قد يصل إلى عدة عشرات من السنتيمترات خلال 100 سنة إذا ما ارتفعت حرارة الأرض عدة درجات مئوية. وقد بنى الفريق حساباته لارتفاع مستوى سطح البحر هذا، بشكل رئيسي، على التمدد الحراري لمياه المحيطات، مع تغير طفيف في حجم الغطاء الجليدي.

 

المؤثرات القاسرة للمناخ(********)

المؤثر القاسر للمناخ هو آلية تُغيِّر التوازن الطاقي للكرة الأرضية. قد يكون المؤثر طبيعيا، مثل التأرجحات التي تطرأ على مدار الأرض، أو من صنع الإنسان مثل الهباءات الجوية وغازات الاحتباس الحراري (الدفيئة). تتفوق المؤثرات القاسرة للمناخ التي هي من صنع الإنسان على المؤثرات الطبيعية حاليا. ويعتبر ثنائي أكسيد الكربون أكبرها تأثيرا، يماثله تأثير ملوثات الهواء الأخرى مجتمعة (الكربون الأسود والأوزون والميثان). أما تأثير الهباءات الجوية فغير معروف بشكل دقيق.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_00124.gif

 

إن التأثيرات المناخية المعتدلة هذه، حتى مع الازدياد السريع لكميات غازات الاحتباس الحراري تترك الانطباع بأننا لسنا على شفا «تدخل بشري خطر» في مناخ الكرة الأرضية. لكني أرى أننا أقرب إلى ذلك مما يُعتقد عموما، لذلك يجب أن تنصبَّ محاولاتنا لتلافي الكارثة على الإقلال من هذه التغيرات المناخية بدلا من التكيف معها بعد حدوثها.

 

وأرى أن القضية الأهم في احترار الكرة الأرضية هي تغيّر مستوى سطح البحر وسرعة تفتت الغطاء الجليدي؛ فهناك جزء كبير من سكان العالم يعيش على علو أمتار قليلة من سطح البحر في بنية تحتية كلفتها عدة تريليونات من الدولارات، لذلك فإن الحفاظ على هذه المناطق الساحلية يفرض سقفا منخفضا على مستوى احترار الكرة الأرضية الذي يشكل تدخلا بشريا خطرا على المناخ.

 

إن تاريخ الكرة الأرضية وعدم توازنها الطاقي حاليا الناجم عن الأنشطة البشرية، يرسمان صورة مقلقة لاحتمالات تغير مستوى سطح البحر. فسجلات درجة حرارة القارة القطبية الجنوبية تشير إلى أن ارتفاع حرارة الأرض في الخمسين سنة الماضية قد أعاد درجة حرارتها تقريبا إلى ذروتها التي وصلت إليها خلال فترة الهولوسين الحالية (العصر الحديث). لكن هناك احترارا إضافيا على الدرب سيأخذنا تقريبا إلى نصف مستوى أعلى درجة حرارة وصلت إليها الأرض في الفترة الدافئة السابقة (الإميان) والتي كانت أكثر دفئا من فترتنا الحالية (الهولوسين). ويُقدَّر أن مستوى سطح البحر في تلك الفترة كان أعلى مما هو عليه اليوم بخمسة إلى ستة أمتار. وأن زيادة المؤثرات القاسرة واطا إضافيا واحدا في المتر المربع عما هي عليه حاليا سوف ترفع درجة حرارة الأرض تقريبا إلى المستوى الأعظمي الذي بلغته خلال فترة الإميان السابقة.

 

وتبقى القضية الأساسية هي معرفة سرعة تجاوب الغطاء الجليدي مع احترار الكرة الأرضية. وقد دلت حسابات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ على تغير طفيف فقط في الغطاء الجليدي على مدى 100 عام؛ لكن تلك الحسابات تضمنت فقط التأثيرات التدريجية للتغيرات في تساقط الثلوج والتبخر والذوبان. وفي واقع الأمر، يعزى تفتت هذا الغطاء إلى عمليات وتغذية راجعة غير خطية على نحو كبير. وكانت ذروة معدل ذوبان الجليد الذي تلا العصر الجليدي الأخير، ذوبانا مستديما لفترة طويلة بمعدل يزيد على 000 14 كيلومتر مكعب من الجليد في السنة؛ وهو ما يعادل ارتفاع متر واحد في مستوى سطح البحر كل 20 سنة على مدى عدة قرون. وقد بينت القياسات المتاحة توافق فترة الذوبان الأسرع هذه وفترة الاحترار الأسرع للكرة الأرضية.

 

وبناء على معدل الاحترار الحالي غير المألوف لكوكبنا الدافئ أصلا نتوقع أن مناطق الهطل المطري الكبير والتي يذوب جليدها صيفا سوف تمتد فوق مناطق شاسعة من گرينلاند ومن حافات القارة القطبية الجنوبية. كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر يميل إلى رفع الرفوف الجليدية البحرية التي تدعم جليد اليابسة وإلى فصلها عن نقاط ارتكازها. ومع تكسر هذه الرفوف تتسارع حركة جليد اليابسة نحو المحيطات. وعلى الرغم من بطء تشكل المَجْلدات، فما إن يبدأ الغطاء الجليدي بالتصدع، حتى يجري زواله بسرعة مدهشة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_003756.jpg

تُسخِّن المؤثرات القاسرة للمناخ التي هي من صنع الإنسان، لاسيما غازات الاحتباس الحراري (الدفيئة)، سطح الأرض بنحو 2 واط في المتر المربع؛ وهو ما يكافئ التسخين الذي ينتج من وضع مصباحين صغيرين، استطاعة كل منهما واط واحد، على كل متر مربع من سطح الأرض. تُبطِّئ مياه المحيطات التأثير الإجمالي للتسخين بسبب قدرتها على امتصاص كمية هائلة من الحرارة. فتبدأ مياه السطح بالتسخُّن، لكنها قبل أن ترتفع درجة حرارتها كثيرا تختلط بمياه أقل حرارة تصعد من الطبقات العميقة. ويعتقد العلماء حاليا أن مياه المحيطات تستغرق نحو قرن كامل لتصل إلى درجة حرارتها الجديدة.

 

إن عدم التوازن في طاقة الكرة الأرضية الناتج من نشاطات بشرية يوفر إمدادات كبيرة من الطاقة لإذابة الجليد. يضاف إلى ذلك ازدياد امتصاص أشعة الشمس من قبل الغطاء الجليدي الذي غدا داكنا بفعل هباءات السخام، وبتأثير عملية التغذية الراجعة الإيجابية الناتجة من اسوداد سطح الجليد بالماء المذاب.

 

لكن هذه الاعتبارات لا تعني أن علينا أن نتوقع تغيرا كبيرا في مستوى سطح البحر في السنوات القليلة القادمة. فتحضير الغطاء الجليدي لعملية التصدع المتسارع يتطلب فترة طويلة قد تمتد عدة قرون، (يستطيع الساتل آيس ساتICESat الذي أطلقته وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» مؤخرا أن يكشف مؤشرات مبكرة للتصدع المتسارع لهذا الغطاء.) ومع ذلك فإنني أرى أن ارتفاعا مهما في مستوى سطح البحر قد يبدأ في مرحلة أبكر كثيرا إذا ما استمر عدم التوازن الطاقي بالازدياد، إذ من الواضح أن احترار الكرة الأرضية فوق حد معين سيجعل التغير الكبير في مستوى سطح البحر أمرا لا مفر منه في الحقبة القادمة. وما إن يبدأ تصدع الغطاء الجليدي على نطاق واسع حتى يتعذر إيقافه عمليا. ويمكن للسدود الشاطئية أن تحمي مناطق ساحلية محدودة مثل جزيرة مانهاتن Manhattan وهولندا، لكن المياه سوف تغمر معظم المناطق الساحلية في  العالم.

 

وأنا أرى أن المستوى الخطير للمؤثرات البشرية سوف يتحدد بذلك القدر من عدم التوازن بين درجة حرارة الأرض والإشعاع الصادر عنها، حيث يغدو الانحسار الواسع للمجلدات أمرا لا يمكن عمليا تجنبه. وأستطيع القول، بناء على دلالات مناخية قديمة، إن أكبر ارتفاع إضافي لدرجة حرارة الأرض (عما هي عليه حاليا) يجب أن لا يتجاوز درجة مئوية واحدة لتجنب الكارثة، مما يعني أن المؤثرات الإضافية القاسرة للمناخ يجب ألا تتجاوز واطا واحدا في المتر المربع.

 

سيناريوهات للمؤثرات القاسرة للمناخ(*********)

وضع الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ عدة سيناريوهات للمؤثرات القاسرة للمناخ خلال القرن الحادي والعشرين بناء على معطيات متعددة عن النمو السكاني، وعن التطور الاقتصادي ومصادر الطاقة. وخلصت إلى تقديرات لاحترار الأرض خلال السنوات الخمسين القادمة بما يتراوح بين 1 و 3 واط في المتر المربع بسبب ثنائي أكسيد الكربون وحده، وما بين 2 و 4 واط في المتر المربع بفعل الغازات الأخرى والهباءات الجوية مجتمعة. وتشير القيم الدنيا للمؤثرات الإضافية بحسب تقديرات الفريق إلى أنها سوف تشكل «تدخلا بشريا خطيرا» في منظومة مناخ الكرة الأرضية وفق المعيار الذي اعتمدناه.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_003757.jpg

على منحدر ينزلق نحو الهاوية يهبط جدول من الثلج الذائب إلى قعر بئر حَفََرتْها المياه السطحية في الغطاء الجليدي في گرينلاند، خلال أحد فصول الصيف الأخيرة. والبئر شبه الشاقولية تحمل الماء إلى قاعدة الغطاء، حيث يكون بمثابة سائل تشحيم يُسرِّع حركة هذا الغطاء وتصدعه. إن تنامي الغطاء الجليدي عملية بطيئة وجافة مرهونة أساسا بمعدل تساقط الثلوج؛ أما تصدعه وتكسره فعملية رطبة تحركها تغذية راجعة إيجابية، ما إن تبدأ حتى تتسارع بشدة.

 

إن تصورات الفريق الحكومي IPCC يمكن أن تكون متشائمة دون مبرر. فهي أولا تهمل التغيرات التي طرأت على انبعاث الغازات، والتي بدأ بعضها فعلا، بسبب الاهتمام العالمي المتزايد باحترار الكرة الأرضية. وهي تفترض ثانيا استمرار التلوث الحالي للهواء وتطوره من سيئ إلى أسوأ، بحيث ستصبح انبعاثات الأوزون والميثان والسخام عام 2050 أكبر مما هي عليه عام 2000. وهي ثالثا تعطي أهمية ضئيلة للتقدم التقاني الذي قد يحد من انبعاثات الغازات في السنوات الخمسين القادمة.

 

هناك تصورات بديلة لتلك التي وضعها الفريق الحكومي، تستند إلى تفحص المنحى الذي تأخذه المؤثرات القاسرة للمناخ حاليا، ومعرفة أسباب تغيرها على النحو الذي هو عليه، واستكشاف بعض الإجراءات المعقولة التي يمكن أن تحدث تغييرات إضافية في معدلات ازدياد هذه المؤئرات.

 

بلغ معدل ازدياد المؤثرات القاسرة للمناخ الناجمة عن غازات الاحتباس الحراري ذروته في أوائل الثمانينات من القرن العشرين، إذ بلغ نحو 0.5 واط في المتر المربع كل 10 سنوات، لكنه تراجع في التسعينات إلى 0.3 واط في المتر المربع كل 10 سنوات بسبب تراجع انبعاثات فصائل الكلوروفلوروكربون، التي حُظر إنتاجها لما لها من أثر مدمر في أوزون طبقة الستراتوسفير في الجو.

 

نحن مقبلون عموما على فترة تدخل بشري خطير

في المناخ قد تكون أقرب مما نتصوره بشكل عام.

ومع تراجع إنتاج الكلوروفلوروكربون ظل ثنائي أكسيد الكربون والميثان أهم غازين من غازات الاحتباس الحراري في الجو. وارتفع معدل ازدياد ثنائي أكسيد الكربون بعد الحرب العالمية الثانية، وتوقف الازدياد من منتصف السبعينات إلى منتصف التسعينات، ثم عاد ثانية إلى الارتفاع على نحو معتدل في السنوات الأخيرة حتى وصل إلى معدل الازدياد الحالي وهو نحو جزأين في المليون في السنة، في حين انخفض معدل ازدياد الميثان على نحو لافت في السنوات العشرين الأخيرة بمقدار الثلثين على الأقل.

 

عدم توازن طاقة الأرض(**********)

تتوازن طاقة الأرض عندما تتساوى الحرارة الصادرة عن الأرض مع الطاقة الواردة إليها من الشمس. وليست هذه الطاقة في حالة توازن حاليا (الشكل والجدول)، ذلك أن الهباءات الجوية التي من صنع الإنسان قد زادت ما تعكسه الأرض من أشعة الشمس، لكن الإشعاع الحراري (وتسخين الأرض الناتج منه) بسبب وجود غازات الاحتباس الحراري (الدفيئة) في الجو يعادل ذلك ويزيد عليه. ويعمل فائض الطاقة هذا، وهو واط واحد في المتر المربع، على تسخين مياه المحيطات وإذابة الجليد. وقد أكدت قياسات كميات الحرارة المختزنة في مياه المحيطات عدم التوازن هذا (الرسم البياني) الذي مثلته النماذج الحاسوبية لدراسة مناخ الأرض. ويعد عدم التوازن هذا مؤشرا مهما إلى حالة المناخ؛ إذ إنه يقيس خلاصة المؤثرات القاسرة له وينبئ بما سيحمله المستقبل من احترار شامل.
http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_003758.jpg

 

لمعدلات الزيادة هذه علاقة بمعدلات استعمال الوقود الأحفوري في العالم؛ فقد ازداد انبعاث الغازات الناتجة من هذا الوقود أكثر من 4% في السنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى عام 1975، وبعدها تناقص حتى بلغ 1% فقط في السنة. وحصل التغير في معدل استعمال الوقود الأحفوري بعد الحظر على تصدير النفط وما رافقه من ازدياد أسعاره في السبعينات، وما تلا ذلك من تأكيد على تحسين مردود الطاقة. كما تأثر ازدياد كمية الميثان أيضا بعوامل أخرى مثل التغيرات التي لحقت بزراعة الأرز، وازدياد الجهود المبذولة لالتقاط غاز الميثان في مناطق رمي النفايات وفي المناجم.

 

إذا استمر ازدياد غازات الاحتباس الحراري على معدلاته الحالية فإن ذلك سيضيف إلى المؤثرات القاسرة للمناخ نحو 1.5 واط في المتر المربع في الخمسين سنة القادمة. يضاف إلى ذلك التغيرات الناجمة عن مؤثرات قاسرة أخرى مثل الأوزون والهباءات الجوية، وهي مؤثرات غير مرصودة بشكل جيد بالنسبة إلى مجمل الكرة الأرضية. لكنه من المعروف أنها تزداد في بعض البلدان في حين تنقص في بعضها الآخر، ولذلك فإن محصلة تأثيرها صغيرة نسبيا لكنها يمكن أن تصل إلى 0.5 واط في المتر المربع. وعلى ذلك فإنه إذا لم يطرأ تباطؤ على معدلات انبعاث هذه الغازات، فإن مؤثرات قسر المناخ الناتجة من نشاطات بشرية قد تزداد بمقدار 2 واط في المتر المربع في الخمسين سنة القادمة.

 

يتوافق هذا المنحى لمعدل ازدياد المؤثرات القاسرة للمناخ مع الحد الأدنى لتوقعات الفريق الحكومي IPCC وهو ما بين 2 و 44 واط في المتر المربع. في حين يتطلب تحقق سيناريو (تصور) الحد الأعلى ، وهو 44 واط في المتر المربع، ازديادا أُسيا سنويا مقداره 4% في انبعاث غاز ثنائي أكسيد الكربون لمدة 50 سنة، وتناميا أكبر في تلوث الهواء؛ وذلك أمر غير مرجَّح.

 

ومع ذلك فإن السيناريو القائم على «استمرار المنحى الحالي» يؤدي إلى مستوى أعلى من أفضل تقدير وضعتُه (أنا) لمستوى «المؤثرات البشرية الخطرة» وهو واط واحد في المتر المربع. ونتساءل هنا إن كانت هناك سيناريوهات ممكنة أخرى تكون المؤثرات القاسرة للمناخ فيها دون ذلك.

 

إنقاص انبعاثات الغازات(***********)

تقع كميات ثنائي أكسيد الكربون والميثان المرصودة فعلا في الجو (الرسمان البيانيان العلويان) دون تقديرات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (التي ثبت أنها متشائمة دائما). وعلى الرغم من توافق السيناريو (التصور) الذي طرحه المؤلف على نحو أفضل مع القيم المرصودة فإن المضي فيه يتطلب خفضا تدريجيا في انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون والميثان. كما أن التحسينات في مردود الطاقة (الرسم البياني السفلي) أدت إلى خفض استعمال الطاقة في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة إلى ما دون التوقعات، لكن الحاجة تبقى قائمة إلى تحقيق مزيد من التحسين في مردود الطاقة كي نصل إلى المستوى الذي حدده التصور البديل للكاتب لانبعاثات ثنائي أكسيد الكربون، إلا إذا تزايد استعمال الطاقة النووية والطاقات المتجددة بشكل كبير.
http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_003759.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N8-9_H01_003760.jpg

مستقبل أكثر إشراقًا(************)

لقد طورتُ (شخصيا) تصورا بديلا محددا يبقي المؤثرات الإضافية القاسرة للمناخ خلال الخمسين سنة المقبلة عند نحو واط واحد في المتر المربع. يستند هذا السيناريو إلى مكوِّنين: أولهما إيقاف تزايد ملوثات الهواء (أو خفضها) لا سيما السخام والأوزون والميثان. وثانيهما، الحفاظ على معدل انبعاث ثنائي أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري على مستواه الحالي خلال الخمسين سنة القادمة. ولهذين المكونين في هذا التصور الأهمية ذاتها، وكلاهما في رأيي ممكن، ويعملان في الوقت ذاته على الحفاظ على صحة الإنسان وعلى زيادة الإنتاجية الزراعية.

 

في تعاملنا مع تلوث الهواء، يجب التأكيد على المواد ذات الإسهام الأكبر في احترار الكرة الأرضية، وفي مقدمتها غاز الميثان؛ إذ يؤدي خفض مصادره البشرية إلى تناقص وجوده في الجو، مما يسبب تبرُّدا يعدِّل جزءا من التسخين الناتج من ازدياد ثنائي أكسيد الكربون. كما أن نقص الهباءات الجوية الكربونية يساعد على تحييد التأثير التسخيني الذي يحدثه نقص الهباءات الجوية الكبريتية. كذلك يجب، إضافة إلى خفض مقدار الميثان، خفض مقادير المواد الأخرى المولدة للأوزون في الجو وبخاصة أكاسيد الآزوت والمركَّبات العضوية الطيارة، وذلك بغية إنقاص كمية الأوزون في الطبقات الدنيا من الجو، الذي يشكل المكون الرئيسي للضبخان (الضباب الدخاني).

 

إن للإجراءات المطلوبة لإنقاص مقادير الميثان، مثل التقاطه في مناطق رمي النفايات وفي منشآت إدارتها وخلال استخراج الوقود الأحفوري، منافع اقتصادية تعادل على الأقل جزءا من تكلفتها. وفي بعض الحالات، يساوي ثمنُ الميثان المستخدم كوقود التكلفةَ الكاملة لالتقاطه. وكذلك فإن لإنقاص كميات السخام منافع اقتصادية تتجلى في تقليل الوفيات وفي زيادة سنين العمل للإنسان (لأن جزيئات السخام الدقيقة تحمل مركبات عضوية سامة ومعادن إلى أعماق الرئتين)، وكذلك في زيادة الإنتاجية الزراعية في بعض أجزاء العالم. والمصادر الرئيسية للسخام هي احتراق وقود الديزل والوقود الحيوي  (الخشب وروث البقر مثلا). لذلك يجب التعاطي مع هذه المصادر من منظور صحي، باستخدام تقانات محسَّنة يتم فيها حرق الديزل بصورة أنظف. وقد توجد حلول أفضل مثل استعمال الوقود الهدروجيني الذي لا يولد احتراقه سخاما ولا مواد مولدة للأوزون.

 

ينبغي التأكيد على تعديل أو تلطيف التغيرات

المناخية بدلاً من التكيف معها بعد حدوثها

قد يؤدي تحسين مردود الطاقة والاستخدام المتزايد للطاقات المتجددة إلى الحفاظ على المستوى الحالي لانبعاثات ثنائي أكسيد الكربون على المدى القريب. لكن التحدي الأكبر هو إنقاص انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون على المدى البعيد مع استمرار تزايد استهلاك الطاقة. لذلك يجب إحراز تقدم على جميع الجبهات: تحسينات مستمرة في مردود الطاقة، واستخدام أوسع لطاقات بديلة، واعتماد تقانات جديدة لا تنتج ثنائي أكسيد الكربون أو تنتج قليلا منه أو تلتقطه أو تعزله. وقد تسهم منشآت الجيل القادم الذرية، إذا تقبلها الجمهور، إسهاما كبيرا في حل المشكلة، ولربما ظهرت تقانات جديدة قبل 2050 لم تكن تخطر ببال.

 

ولكن ماذا عن …(*************)

«كان الشتاء الماضي باردا جدا!

لم ألحظ أي ارتفاع عام في درجة الحرارة»

إن احترار الكرة الأرضية ظاهرة شمولية لكنها حتى الآن لا تتعدى درجة فهرنهايتية واحدة فقط، في حين تبلغ تغيرات الطقس بين يوم و آخر نحو 10 درجات فهرنهايتية. وحتى لو أخذنا متوسط هذه التغيرات الطبيعية على مدى فصل كامل فإن تغيراتها من سنة إلى أخرى لن تتجاوز درجتين فهرنهايتيتين. ولذلك فإن احترار الكرة الأرضية لا يجعل درجة حرارة كل فصل من فصول السنة أعلى من مقابله قبل عدة عقود من الزمن، ولكنه يجعل احتمال كون حرارة الفصل أعلى من المعتاد بنحو 60% بدلا من 30% الذي كان سائدا في الفترة من 1950 إلى 1980.

«كان احترار الأرض في القرن الماضي مجرد ردة طبيعية من العصر الجليدي الصغير ؟»

إن أي ردة من العصر الجليدي الأوروبي الصغير، الذي بلغ ذروته في الفترة ما بين 1650 و 1750 كان يجب أن تنتهي بحلول القرن العشرين، وكان على المناخ أن يميل إلى البرودة، على المدى الطويل، لولا النشاطات البشرية التي أدخلت عوامل مؤثرة فيه.

«ألا يحمينا احترار الأرض الذي يسببه الإنسان من العصر الجليدي القادم؟»

نعم، ولكن كمية الغازات التي أضيفت إلى الجو فاقت كثيرا الكمية المطلوبة لذلك.

«إن احترار الأرض هو بشكل رئيسي ظاهرة «الجزيرة الحرارية» المتشكلة بالقرب من محطات الرصد الجوي»

لا، ليس الأمر كذلك؛ فالاحترار الأعظم، كما كان متوقعا، حصل في مناطق نائية في وسط آسيا وفي ألاسكا. وأكبر مساحات تعرضت له تقع فوق المحيطات البعيدة عن المدن[ يمكن العودة إلى الخرائط المعنية على الموقعwww.giss.nasa.gov/data/updata/gistemp].

تدل مسوحات درجة حرارة اليابسة في مئات من الحفر في باطن الأرض حول العالم أن هناك ارتفاعا في درجة حرارة سطح الأرض بنحو 0.5 إلى 1 درجة مئوية (سيلزية) في القرن الماضي.

 

تُظهر المخططات الدالة على انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون والميثان المرصودة في السنوات الأخيرة [انظر الإطار في الصفحة المقابلة] أن كمياتها دون جميع تصورات الفريق الحكومي IPCC. وعلينا أن نتحقق إن كانت معدلات الازدياد الصغيرة المرصودة هذه تمثل حالة عابرة تعود الانبعاثات بعدها إلى المعدلات التي وضعها الفريق الحكومي، أو أن الاختلافات هذه ذات أهمية حقيقية. وفي المقابل تتوافق القيم المرصودة المبينة في المخططات مع توقعات التصور البديل الذي قدمتُه لمعدلات ازدياد الانبعاثات، وذلك لا يدعو إلى الدهشة لأن تصميم هذا التصور أخذ بالاعتبار قيم هذه الانبعاثات. وخلال السنوات الثلاث التي مضت منذ طرح هذا التصور البديل ظلت القيم المرصودة تتفق مع توقعات التصور. لكني لا أدَّعي هنا أن التصور البديل الذي طرحتُه يمكن أن يتحقق دون بذل جهود جدية لتقليل المؤثرات القاسرة للمناخ الناجمة عن نشاطات بشرية.

 

كيف لي أن أكون متفائلا وقد غدا المناخ أقرب إلى مستوى «التدخل البشري الخطر» مما كان متوقعا؟ لو قارنا الوضع الحالي بما كان عليه قبل 10 أو 15 سنة لاحظنا أن العناصر الرئيسية المطلوبة لوقف تغير المناخ قد ظهرت إلى الوجود بسرعة فائقة. ومع إدراكي أن صعوبة الحفاظ على تركيز غازات الاحتباس الحراري عند المستويات الحالية لن يكون سهلا، فأنا متفائل لأني أتوقع أن الدلالات التجريبية على تغيرات المناخ وتأثيراتها سوف تستمر في التراكم، مما سيكون له تأثير كبير في الجمهور وفي مجموعات حماية مصالحه، وفي رجال الصناعة وفي الحكومات على مختلف مستوياتهم. والسؤال الذي يظل قائما هو: هل سنتحرك بسرعة لإبطال مفعول القنبلة الموقوتة؟

 

 المؤلف

James Hansen

مدير معهد گودارد التابع للوكالة ناسا لدراسات الفضاء، وباحث لدى معهد علوم الأرض في جامعة كولومبيا. حصل على الدكتوراه في الفيزياء والفلك من جامعة أيوا، حيث تتلمذ على <J. ڤان ألن> وأشهر ما عُرف عن هانسن شهادته أمام لجنة الكونگرس في الثمانينات التي ساعدت على زيادة الوعي في موضوع احترار الكرة الأرضية

Scientific American, March 2004

 

(*) DEFUSING THE GLOBAL WARMING TIME BOMB

(**) The Issons of History

(***) Climate-Forcing Agents Today

(****) Overview/ Global Warming

(*****) 400 000 Years of Climate Change

(******) Global Warming

(*******)Climate Forcing

(********)The Time Bomb

(*********) Climate-Forcing Scenarios

(**********) Earth’s Energy Imbalance

(***********) Reducing Emissions

(************) A Brighter Future

(*************) But What About…

 

(1) goose bumps: خشونة مؤقتة تعتري جلد الإنسان عندما يتعرض لبرد أو خوف مفاجئ. وتسمى أيضا goose fresh ، goose skin. (التحرير)

(2)outdoor biomass burning

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى