تخفيف وطأة الذَأَب
تخفيف وطأة الذَأَب(*)
إن حصر أسباب هذا الاضطراب المناعي الذاتي يمثل تحديًا مثبطًا للهمة؛
لكن ثماره تستحق العناء عند التوصل إلى علاجات أكثر خصوصية.
<منصف زوالي>
خضعت امرأة تبلغ من العمر أربعة وعشرين عاما لتقييم طبي بسبب فشل كلوي واختلاجات شبه صرعية لا تستجيب للأدوية المضادة للصرع. إن العلامة الأكثر ظهورا في مرضها هي طفح أحمر ممتد على جسر أنفها وخديها على هيئة الفراشة.
وأصرت امرأة في الثالثة والستين من عمرها على إدخالها المستشفى لمعرفة سبب تعبها وألم أربطتها، ولماذا يسبب لها التنفس أحيانا ألما حادا. منذ سني مراهقتها، تجنبت الشمس التي تحدث لجلدها نفطا مؤلما إن لم يكن محميا.
كما فوجئت امرأة في العشرين من عمرها عند إجراء فحص طبي روتيني (دوري) بوجود مستوى مرتفع من الپروتين بشكل غير طبيعي في بولها – وهو علامة على اضطراب وظيفة الكلى. ثم تظهر خزعة كلوية وجود التهاب.
على الرغم من اختلاف الأعراض، فإن المرض الأساسي لدى المريضات الثلاث هو نفسه: الذأب الحمامي المجموعي systemic lupus erythematosus، الذي يصيب نحو 1.4 أمريكي من بينهم واحدة من كل 250 امرأة أمريكية من أصل إفريقي تراوح أعمارهن بين 18 و65 عاما. يمكن أن يصيب المرض أي جزء من الجسم: الجلد، الأربطة، الكلى، القلب، الرئتين، الأوعية الدموية، الدماغ. ومع الوقت يصبح مهدَّدا للحياة.
لطالما عرف العلماء أن الذأب يتأتى أساسا من سوء عمل مناعي يستلزم تدخل جزيئات الأضداد antibodies. ينتج الجسم الصحيح الأضداد استجابة لغزاة كالجراثيم. ترتبط هذه الأضداد بقوة بجزيئات وصفية تم التحسس لها كأجسام غريبة (مستضدات antigens) موجودة على الجسم الغازي، ثم تخرب المتطفِّل مباشرة أو توسمه لتخربه عناصر أخرى من الجهاز المناعي. عند المصابين بالذأب، ينتج الجسم أضدادا تلحظ جزيئاته نفسها على أنها أجسام غريبة، ثم تشن هجوما يستهدف هذه «المستضدات الذاتية» self-antigens في أنسجة الجسم نفسه.
يُظن أن مهاجمة الذات، المعروفة بالمناعة الذاتية، تسبب عدة أمراض، من بينها: الداء السكري من النمط الأول، التهاب المفصل الروماتويدي (الرثياني)، التصلب المتعدد، ويمكن حتى الصدفية (الصداف). إلا أن الذأب يشكل حالة قصوى؛ إذ يرد الجهاز المناعي عند المريض بقوة على جزيئات مدهشة بتنوعها، وتراوح هذه الجزيئات من أهداف معروضة على سطح الخلية إلى بعض الأهداف داخل الخلايا وصولا حتى إلى حُجَر أكثر عزلة كنواة الخلية. في الحقيقة، إن السمعة الرديئة للذأب تشير إلى وجود أضداد تستهدف دنا DNAالمريض. في أنبوب الاختبار، يمكن لأضداد الدنا «الأضداد الذاتية» أن تهضم المادة الوراثية مباشرة.
حتى زمن قريب، كان للباحثين القليل من المفاهيم حول أسباب هذا الهجوم المتعدد المحاور multipronged. لكن بعض حلول اللغز بدأت، من خلال خطوط بحثية مختلفة، توضح الأحداث الجزيئية الأساسية. يسبر العمل أيضا الأوجه الأكثر أساسية في عمل الجهاز المناعي والتي لاتزال مبهمة، وهي: تمييز الذات من غير الذات، الحفاظ على تحمل الذات (عدم الاعتداء على الأنسجة الذاتية للجسم)، ضبط شدة أي استجابة مناعية. وتقترح الاكتشافات طرقا جديدة للعلاج أو حتى الوقاية، ليس فقط من الذأب ولكن أيضا من أمراض مناعية ذاتية أخرى.
نظرة إجمالية/ الذأب(**)
▪ يظهر الذأب عندما ينتج الجهاز المناعي عن طريق الخطأ أضدادا تهاجم أنسجة الجسم نفسه، بما فيها الكلى والجلد والدماغ.
▪ أسباب هذا الهجوم معقدة، لكن يبدو أن المكون المركزي هو إطلاق إشارات شاذة ضمن وبين نوعين على الأقل من الخلايا المناعية هي: الخلايا اللمفاوية البائية (المنتجة للأضداد) والخلايا اللمفاوية التائية التي تساعد على تفعيل الخلايا البائية. ▪ أدوية مختلفة قيد الدراسة تهدف إلى حماية الأنسجة عبر جعل مثل هذه الإشارات طبيعية ومنع الإنتاج الشاذ للأضداد. |
بعض المعطيات(***)
أمر واحد واضح منذ زمن بعيد حول الذأب وهو مساهمة الأضداد الذاتية، التي هي سمة المرض المميزة، في تخريب الأنسجة بأكثر من طريقة. إن الضد الذاتي الذي يتعرف مستضدا ذاتيا معينا، يمكن أن يرتبط في الدم مشكِّلا ما يعرف بالمعقد المناعي immune complex الذي يمكن أن يتوضع لاحقا في أي من الأنسجة المختلفة. يمكن أيضا للأضداد الذاتية أن تتعرف مستضدات الذات الموجودة أصلا في الأنسجة وأن تولد معقدات مناعية في الموقع. وبغض النظر عن كيفية تراكم المعقدات، فإن هذه الأخيرة تعني المتاعب.
فهذه المعقدات تعمل على تجنيد مكونات الجهاز المعروفة بجزيئات المتممة(1)التي يمكن أن تؤذي النسيج مباشرة. تُحدِث هذه المعقدات، إما بنفسها أو بمساعدة جزيئات المتممة، استجابة التهابية. تتضمن هذه الاستجابة هجوما تشنه خلايا الدم البيضاء التي تحاول أن تصد أو تخرب أية عوامل ممرضة (مسببة للمرض). إن الالتهاب آلية وقائية، لكن إذا ظهر دون وجود خطر حقيقي أو استمر لفترة طويلة، فإنه يمكن للخلايا الالتهابية ومفرزاتها أن تؤذي الأنسجة وهي المفترض بها أن تحميها. كما يمكن للالتهاب أن يشرك التكاثر غير الطبيعي للخلايا الذاتية من النسيج المصاب، وهذا الفيض من الخلايا يمكن أن يخل بالوظيفة الطبيعية للنسيج. في الكلية مثلا، يمكن للمعقدات المناعية أن تتراكم في الكبيبات التي هي أعضاء ترشيح الدم بالعرى(2) الشعرية. ويؤدي التراكم الشديد إلى حدوث التهاب كبيبات الكلى، وهو تفاعل التهابي موضعي يمكن أن يؤدي إلى تخرب الكلى.
وإضافة إلى الالتهاب الذي تثيره، فإن بعض الأضداد الذاتية الخاصة بالذأب تسبب الأذى بصورة مباشرة. فقد بينت التجارب المختبرية ارتباط هذه الأضداد بالخلايا، ثم دخولها حيث تصبح مثبطات قوية للوظيفة الخلوية.
والغموض الحقيقي في الذأب هو ما يسبق هذه الأحداث؛ فيبدو أن الاستعداد الوراثي جزء من الإجابة، على الأقل لدى بعض الأشخاص. نحو 10 في المئة من المرضى لهم أقرباء من الدرجة الأولى مصابون بالمرض، وهو ما يدل عادة على وجود عامل وراثي. وإضافة إلى ذلك، وجد الدارسون توافقا أكبر عند مجموعات من توائم البيضة (توائم لا يمكن تمييزها وراثيا) عنه في مجموعات من توائم الأخوة (توائم لا تتشابه جيناتها أكثر من تشابهها مع الإخوة) في المشاركة بحدوث الذأب أو عدم حدوثه.
إشارات وراثية خفية(****)
مُحَفزين بمثل هذه الاكتشافات، يتصيد علماء الوراثة الجينات الخاطئة بما فيها تلك التي تعطي تأهبا لمعظم المرضى الذين لا توجد لديهم قصة عائلية واضحة للمرض. إن معرفة الجينات والپروتينات التي تكودها والدور الطبيعي لهذه الپروتينات يجب أن تساعد مستقبلا على توضيح كيفية تطور الذأب ويمكن أن تشير إلى طرق السيطرة عليها.
عند الفئران المعرضة للذأب، سمحت الأبحاث بتعرّف أكثر من 30 ناحية صبغية (كروموسومية) واسعة نسبيا مرتبطة بحدوث الذأب أو بمقاومته. بعضها وثيق الصلة بعناصر نوعية للمرض. على سبيل المثال، تحوي إحدى النواحي على ما يبدو جينات تشارك في إنتاج الأضداد الذاتية التي تتعرف مكونات من نواة الخلية (مع أن المنطقة نفسها لا تكود أضدادا)؛ وهناك ناحية أخرى تؤثر في وخامة التهاب الكلى المحرض بالمعقدات المناعية المرتبطة بالذأب.
السبل المؤدية إلى المرض(*****)
إن العمليات المؤدية للذأب معروفة عموما [مخطط انسيابي]. لكن العديد من التفاصيل تبقى ضبابية، مثل كيف تسرع الهرمونات والعوامل البيئية المنبهة الهجمات المناعية على أنسجة الجسم.
|
في الذأب البشري، يمكن أن تكون القصة الوراثية أكثر تشويشا للذهن. لقد تم بمقاربة معلوماتية إجراء مسح الدنا المأخوذ من عائلات فيها عدة مرضى بالذأب لتحديد مظاهر وراثية مشتركة بينهم، لكنها غير موجودة لدى بقية أفراد العائلة. بيّن هذا البحث وجود صلة بين الذأب و48 ناحية صبغية (كروموسومية). يظهر أن ستًا من هذه النواحي (على خمسة صبغيّات مختلفة) تؤثر في الاستعداد للمرض. على الباحثين الآن أن يحددوا على هذه المواقع الجينات ذات الصلة بالذأب.
من الآن يبدو ممكنا استنتاج أن جينات بشرية متعددة تهيئ للإصابة بالذأب، على الرغم من وجود صعوبة في كشف دور كل جينة على حدة. يمكن لتوليفات مختلفة للجينات أن تمهد الأساس للإصابة بالذأب لدى أشخاص مختلفين. لكن من الواضح أنه نادرا ما تكون الجينات المفردة محركا أوليا. ولو كانت كذلك لأصيب بالمرض عدد أكبر بكثير من المولودين من آباء مصابين بالذأب؛ إذ يظهر الذأب فقط في نحو 5 في المئة من هؤلاء الأطفال ونادرا ما يصيب أجيالا متعددة من نفس العائلة.
محرضات متعددة(******)
مع أن الجينات وحدها نادرا ما تكون مسؤولة عن المرض، فلابد أن هناك مشاركات بيئية تؤدي دورا في إحداثه. ومن أشهر هذه المشاركات السيئة السمعة الضوء فوق البنفسجي. إن 40 إلى 60 في المئة من المرضى حساسون للضوء photosensitive، فالتعرض لأشعة الشمس، لنقل لمدة 10 دقائق في منتصف النهار خلال فصل الصيف، يمكن أن يسبب الطفح فجأة، كما أن تعرضا أطول يمكن أن يؤدي إلى وهيج flares (اتساع كبير في الطفح) أو أعراض متزايدة. ومازال غير واضح بدقة سبب حدوث هذا. أحد التفسيرات هو أن الإشعاع فوق البنفسجي يحرض تغيرات في دنا الخلايا الجلدية، جاعلا جزيئات الدنا غريبة (من وجهة نظر دفاعات الجسم المناعية)، ومن ثم تعتبر مستضدات محتملة. وفي نفس الوقت، يجعل الإشعاع الخلايا عرضة للانكسار، فتحرر الخلايا المستضدات التي يمكن أن تستثير استجابة مناعية ذاتية.
تتضمن منبهات الذأب أيضا بعض الأدوية، من بينها الهيدرالازين (المستخدم لعلاج فرط ضغط الدم) والبروكايناميد (المستخدم في علاج اضطراب نظم ضربات القلب). لكن هذه الأعراض تزول عادة عند إيقاف الأدوية. وفي حالات أخرى، يمكن لعدوى متوسطة أو وخيمة أن تكون منبهة أو مفاقمة للذأب. أحد المشتبه فيهم هوڤيروس إبشتاين-بار Epstein-Barr virus المعروف بتسببه في كثرة الوحيدات العدوانية أو «مرض التقبيل». حتى بعض اللقاحات يمكن أن تؤدي إلى إثارة ڤيروس. وعلى الرغم من عقود من البحث، فليس هناك دليل قاطع حتى الآن على إثبات دور بكتيرة أو ڤيروس أو طفيلي في نقل الذأب. وهناك عوامل محرضة أخرى ممكنة تتضمن: الأقوات (النظم الغذائية) العالية المحتوى من الدهون المشبعة، الملوثات، تدخين السگائر، وربما الإجهاد الفيزيائي أو النفسي الشديدين.
مخاطر انتحار الخلية(*******)
هناك خط آخر من البحث بين شذوذات خلوية وجزيئية يمكنها أن تظهر فعل المناعة الذاتية أو تعززه. يبقى غير معروف أسباب هذه الشذوذات، أهي في الغالب وراثية أم بيئية؟ يمكن للناس أن يتأثروا بمختلف التوليفات أو المؤثرات.
إذا كانت الجينات وحدها نادرا ما تكون مسؤولة
عن المرض، فإن مشاركات بيئية لابد أن تؤدي دورا.
ويكتنف أحد الشذوذات المثيرة عملية معروفة بالاستموات(3)؛ فلكي يعمل الجسم بشكل صحيح، عليه أن يزيل باستمرار الخلايا التي وصلت إلى نهاية حياتها المفيدة أو تلك التي أصبحت خطيرة. يحدث هذا التشذيب بتحريض الخلايا لصنع پروتينات تخرب الخلية أساسا من الداخل كأن تقطع إربا پروتينات الخلية والصبغيات في النواة. لكن معدل الاستموات في بعض الخلايا، وبخاصة الخلايا اللمفاوية البائية والتائية في الجهاز المناعي، يكون مفرطا عند المصابين بالذأب.
عندما تستموت الخلايا، يتخلص الجسم عادة من البقايا بكفاءة. لكن عند الإصابة بالذأب يصبح نظام التخلص معيبا. هذا الحظ العاثر المزدوج من زيادة في الاستموات وتناقص في كفاءة التخلص من البقايا يمكن أن يعزز حدوث المناعة الذاتية بطريقة مباشرة؛ فإذا كانت المادة داخل الخلايا المستموتة غير طبيعية، فإن طرحها من الخلايا بكميات كبيرة يمكن أن يؤدي إلى إنتاج أضداد تعتبر خطأ المادة غير المألوفة إشارة غزو من عامل مُمرض. إن إنتاج الأضداد هذا محتمل وبخاصة إذا تراكمت المادة المطروحة بقدر كاف للفت الانتباه إليها عوضا عن أن تزال.
ولسوء الحظ، فإن المادة التي تسيل من الخلايا المستموتة للمصابين بالذأب، وبخاصة قطع الصبغيات، تكون غالبا شاذة. وفي الخلايا السليمة، بعض المتواليات القصيرة للدنا تحمل زمرا ميثيلية تؤدي دور واسمات للتحكم في نشاط الجينة. يكون الدنا في المعقدات المناعية المنتشرة عند مرضى الذأب ناقص المثيلة undermethylated. ولدى العلماء عدة أسباب تدفعهم إلى الشك في أن هذا النمط من المثيلة يمكن أن يسهم في المناعة الذاتية. في أنبوب الاختبار، يمكن للدنا المتمثيل بشكل شاذ أن ينشط عددا من الأنواع الخلوية المكتنفة في المناعة، بما فيها الخلايا اللمفاوية البائية التي متى نضجت تصبح مصانع لإنتاج كميات كبيرة من الأضداد. (يمكن أن يسيء الجسم تفسير هذه القطع الممثيلة بشكل شاذ على أنها إشارة إلى وجود عامل مُمرض يجب إزالته). كما أن بعض الأدوية المعروفة بتسببها لأعراض الذأب تؤدي إلى نقص مثيلة دنا الخلايا التائية، الذي يؤدي إلى تفاعلية ذاتية للخلايا التائية عند الفئران.
تقترح البيانات أن الخلايا المستموتة عبارة عن مستودع كامن للمستضدات الذاتية القادرة على إحداث استجابة ضدية ذاتية. وكدعم إضافي لهذه الفكرة، فإن إعطاء الفئران الطبيعية كميات كبيرة من الخلايا المستموتة المشععة عبر الوريد يمكن أن يحرض اصطناع أضداد ذاتية.
إن جزءا من العملية الأساسية التي تؤدي إلى تكوين معقدات مناعية مخربة يمكن أن يشرك إنتاج مستضدات لما يبدو للجسم أنه غريب، مما يجعل الجسم يتصرف وكأن الأنسجة المولدة لهذه المستضدات غريبة ومهددة. لكن أبحاثًا أخرى تشير إلى أنه إضافة إلى كون الخلايا اللمفاوية البائية لمرضى الذأب مشوشة بصورة متأصلة، فإنها مؤهبة لتوليد أضداد ذاتية حتى عندما تكون جزيئات الذات التي تصادفها طبيعية تماما. بعبارة أخرى، تخفق الآليات التي يفترض أن تؤمن تحمل الذات.
أضداد موجهة ضد موصل البشرة والأدمة المتوهج بالأصفر في هذه الصورة الميكروية لجلد الخنزير الغيني (القبيعة) المعرض لمصل دم مريض بالذأب. يمكن لمثل هذه الأضداد أن تحرض تفاعلا تخريبيا التهابيا. |
خلايا مشوشة(********)
يبدو في الأغلب أن المشكلة تنجم عن إشارات غير متوازنة في الخلايا البائية. في الجسم الصحيح، تنضج الخلية البائية لتصبح آلة لإفراز الأضداد تعرف باسم الخلية الپلازمية – فقط بعد أن ترتبط نتوءات شبيهة بالضد على سطح الخلايا البائية (مستقبلات الخلايا البائية) بالجسم الغريب. وعوضا عن ذلك، إذا ارتبطت الخلية البائية بمكون ذاتي، يؤدي هذا الارتباط عادة إلى أن تقتل الخلية نفسها للعودة إلى حالة من عدم الاستجابة أو العطالة anergy«لتعديل» مستقبلاتها، بحيث لا تعود قادرة على تعرف المستضد الذاتي.
إن الاستجابة المناسبة للخلية تتعلق بشكل كبير بالفعالية السوية لسبل نقل الإشارة الداخلية التي تتفاعل مع مآخذ خارجية. بينت الدراسات التي أجريت على الفئران أن إشارات غير متوازنة، حتى لو كانت بسيطة، يمكن أن تؤهب الحيوان لإنتاج أضداد ضد الذات. تشير أدلة من مناحٍ مختلفة إلى وجود كميات غير طبيعية من بعض جزيئات الإشارة (المسماة SHP-1، CD45، Lyn) على الخلايا البائية لمرضى الذأب وداخلها.
تقترح دراسة أخرى أنه ليس فقط الخلايا البائية التي تشوش؛ فلكي تصبح الخلية البائية صانعة للأضداد، يجب أن تقوم بأكثر من الارتباط بالمستضد. يجب أيضا أن تتلقى بعض الإشارات المنشطة من خلايا الجهاز المناعي المعروفة بالخلايا اللمفاوية التائية المساعدة. إن الخلايا المساعدة عند مرضى الذأب مبتلاة بإشارة شاذة تذكر بتلك التي في الخلايا البائية. إن شذوذ الخلية التائية يمكن أن يؤدي إلى إنتاج غير مباشر للأضداد الذاتية بتحريض الخلايا التائية للخلايا البائية الذاتية التنشيط بطريقة غير مناسبة.
على كافة النظريات حول أسباب الذأب ألا تأخذ فقط بالتنويعة الهائلة للأضداد الذاتية التي تنتجها أجسام المرضى، لكن أيضا بمظهر آخر لافت للنظر هو شيوع هذا الاضطراب لدى النساء أكثر بعشر مرات عنه لدى الرجال. كما أن له ميلا ليتطور بشكل مبكر لدى النساء (خلال سنوات الإنجاب). يمكن أن تعزى هذه الحساسية النسوية جزئيا ـ وهو نموذج مشاهد أيضا في عدد آخر من أمراض المناعة الذاتية ـ إلى نشاط مناعي أكبر لدى النساء، حيث يملن إلى إنتاج الأضداد والخلايا اللمفاوية بشكل أكبر مما ينتج الذكور، وربما نتيجة لذلك يكنَّ أكثر مقاومة للعداوى. وإضافة إلى ذلك، ففي الفئران تلفظ الإناث الطعوم الغريبة بسرعة أكبر مما يفعل الذكور. وقد لا يكون في ذلك مفاجأة، إذ يبدو أن للهرمومات الجنسية دورا في هذه الفعالية الزائدة، التي يمكن أن تفسر لماذا تفاقم الإستروجينات الذأب وتحسنه الأندروجينات عند حيوانات المختبر.
يمكن للإستروجينات أن تقوي الفعالية المناعية بعدة طرق، حيث تزيد إفراز البرولاكتين وهرمون النمو، وهما مادتان تسهمان في تكاثر الخلايا اللمفاوية التي تحمل جزيئات مستقبلة حساسة للإستروجينات. ومن خلال هذه المستقبلات، يمكن للإستروجينات أن تعدل الاستجابات المناعية للجسم، ويمكنها حتى أن تنظم تطور الخلايا اللمفاوية، ربما بطرق تضعف تحمل الذات.
الخلايا البائية تخطئ(*********)
في الحالة الطبيعية ترد الخلايا اللمفاوية البائية على المكونات الغريبة فقط (أو المستضدات)، مثل الجراثيم. لكن عند المصابين بالذأب، تتفاعل الخلايا مع جزيئات الجسم نفسه مولدة أضدادا ترتبط بهذه المستضدات الذاتية التي تتراكم في الأنسجة. هناك تؤدي معقدات الأضداد-المستضدات إلى تخرب الأنسجة. هناك علاجات مختلفة للذأب قيد الاختبار تهدف إلى حذف الخلايا البائية أو حصر جزيء آخر من جزيئات التآثرات التي تؤدي إلى إنتاج الأضداد وإصابة النسيج. تشير الأسهم الحمراء في الشكل إلى الجزيئات المستهدفة بالأدوية المذكورة في الجدول الوارد أدناه.
تبدأ مرحلة إنتاج الضد عندما تقوم الخلايا المقدمة للمستضد بتفكيك المستضدات الكامنة [a]، ثم تقدم القطع المنتقاة إلى جزيئات MHC وتظهر على سطح الخلية المعقدات الناتجة لتتلقاها الخلايا التائية المساعدة [b]. إذا ارتبطت خلية تائية بهذا المعقد وارتبطت أيضا بالجزيء B7 على الخلية المقدمة للمستضد، فإن الإشارات الناجمة عن هذا الارتباط ستنشط الخلية التائية مؤدية إلى تكاثرها [c]، وإحداث تغيرات تتيح لها تنشيط الخلايا البائية [d]. بشكل خاص، تبدأ الخلايا التائية بإفراز سيتوكينات منشطة أو جزيئات مرسلة للإشارة، وإظهار جزيء يسمى CD154 قادر على التثبت على الجزيء CD40 على الخلايا البائية. يتوقف أيضا تنشيط الخلية البائية على أحداث أخرى مختلفة لإرسال الإشارة [e]، تتضمن ارتباط مستقبلة الخلية التائية بنفس معقد المستضد-الجزيء MHC الذي تراه على الخلية المقدمة للمستضد، وتنشيط الخلية البائية بجزيء يسمى السيتوكين BAFF وارتباط المستضد بمستقبلات الخلية البائية. ويمكن لمستقبلة معروفة بالجزيءCD20 أن تسهم أيضا في تنشيط الخلية البائية على الرغم من عدم معرفتنا بوظيفتها الدقيقة حتى الآن. بتلقيها التنشيط اللازم، تنضج الخلية البائية وتتحول إلى خلية پلازمية مفرزة للأضداد [f]، وتتقدم الأضداد لتهاجم أو توسم تحضيرًا لتخريب أي خلايا او أنسجة تملك مستضدات تتعرفها الأضداد [g]. مثلا، تجذب الأضداد جزيئات المتممة والخلايا الالتهابية، ويمكن أن تكون كلتاهما مخربة [الصورة]. |
بعض استراتيجيات العلاج قيد الدراسة(**********)
نمط العامل المدروس
مُحصر لتآثر جزيئات B7 مع CD28، لإعاقة تنشيط الخلايا التائية المساعدة. محصر لتآثر جزيئات BAFF مع مستقبلتها، لمنع السيتوكين BAFF [يسمى أيضا BLyS] من تنشيط أو تعزيز زيادة بُقيا الخلية البائية وإنتاج الأضداد. محصر لمستقبلات الخلية البائية والأضداد التي تتعرف دنا الجسم نفسه، لتثبيط إنتاج وفعالية الأضداد التي تستهدف هذا الدنا. ضد للجزيء CD20 لنفاد الخلايا البائية. مثبط المتممة، لتجنب تخرب الأنسجة بوساطة المتممة. المرحلة تجري مؤسسة بحثية اسمها شبكة التحمل المناعي Immune Tolerance Network والمعاهد الوطنية للصحة NIH تجربة بشرية محدودة على محصر اسمه RG2077. تقيم مؤسسة علوم الجينوم البشري HumanGenome Sciences في روكفيل – ميريلاند عقارا اسمه لمفوستات Lymphostat B في عدة مراكز للتجارب. كما تجري الشركتان زيموجينيتيكس ZymoGenetics في سياتل وسيرونو Serono S.A. بجنيف – سويسرا تجارب بشرية أولية على عامل اسمه TACI-Ig. تجري الشركة لاخولا للأدوية La JollaPharmaceuticals في سان دييغو اختبارا في عدة مراكز لمادة أبرتيموس الصوديومabertimus sodium [Riquent] ضد مرض الكلى المرتبط بالذأب. تجري الشركتان جينينتيك Genentech في جنوب سان فرنسيسكو – كاليفورنيا وبيوجين أيدك Biogen Idec في كمبردج ـ ماساتشوتس اختبارا في عدة مراكز للذأب لعقار ريتوكسيماب [Rituxan] rituximabالمستخدم أصلا لعلاج سرطان الخلية البائية. قدمت شركة أليكسيون للأدوية AlexionPharmaceuticals في شيشير – كونيتيكت برهانا على تحسن حالة فئران مصابة عندما أعطيت مثبط المتممة C5. |
نحو علاجات جديدة(***********)
مازال الذين درسوا منا أسباب الذأب يتفكرون كيف أن الوراثة والمظاهر البيئية والمناعية التي لم تغط حتى الآن تسهم في التسبب بالمرض؛ أي الأحداث يأتي أولا؟ أيها الأكثر أهمية؟ وبأي قدر تختلف العمليات من شخص لآخر؟ إلا أن حلول اللغز المتاحة تقترح على الأقل مشهدا جزئيا حول كيفية تطور المرض نمطيا.
الفكرة الأساسية هي أن الاستعداد الوراثي والمؤثرات البيئية تتشارك مسؤولية إفساد وظيفة الجهاز المناعي؛ وبشكل أكثر وصفية إفساد الإشارات المتناقلة بين الخلايا اللمفاوية، ويمكن حتى بين خلايا أخرى من الجهاز المناعي كتلك المسؤولة عن إزالة الخلايا الميتة وبقاياها. تؤدي الإشارات الخطأ إلى إفساد تحمل الذات، وتسريع موت الخلايا اللمفاوية، وعجز التخلص من الخلايا المستموتة والمستضدات الذاتية التي تحررها. إن المستضدات الموجودة بشكل فائض في جسم غير متوازن الرقابة المناعية تؤدي إلى سوء توجيه الجهاز المناعي دافعة إياه ليهاجم الذات.
هناك أدوية لمعالجة الذأب، لكنها حتى الآن تركز على تخميد الجهاز المناعي ككل. بكلمات أخرى هي غير نوعية. فعوضا عن أن تستهدف الأحداث المناعية المسببة للذأب بشكل خاص، فإنها تبلّد دفاعات الجسم العريضة تجاه الأمراض المعدية. على سبيل المثال، تنقص الكورتيكوستيرويدات الالتهاب على حساب رفع الحساسية للعداوى.
إن التحدي هو تصميم أدوية جديدة تجنب الجسم مهاجمة الذات بالمناعة الذاتية دون أن تقيد بشكل جدي قابليته للدفاع عن نفسه ضد العدوى. ولفهم منطق المقاربات الجاري محاولتها، من المفيد معرفة المزيد حول كيفية تحريض الخلايا التائية لتحول الخلايا البائية وجعلها صانعات فعالة لإنتاج الأضداد [انظر الإطار في الصفحتين 20 و21].
في البداية، يجب أن تنشط، الخلايا المساعدة نفسها، الأمر الذي يحدث عبر تآثرات مع ما يسمى الخلايا المحترفة المقدمة للمستضد (مثل البلاعمmacrophages والخلايا التغصنية dendritic cells). تقوم معقدات المستضد هذه بهضم الجراثيم والخلايا الميتة والبقايا الخلوية، كما تقطعها وتوصل قطعها بجزيئات أكبر (تسمى جزيئات MHC class II: معقد التوافق النسيجي من الصف الثاني) وتظهر معقدات مكونة من المستضد مع المعقد MHC على سطح الخلية. إذا تعرفت مستقبلة من الخلية التائية المساعدة معقدا وارتبطت به، فإنه يتم إرسال إشارة نوعية بالمستضد إلى الخلايا التائية. إذا ارتبط بنفس الوقت جزء بارز من الخلية التائية قريب من المستقبلة بشريك خاص (معروف بالجزيءB7) على الخلية المقدمة للمستضد،
فإن هذا الارتباط سيرسل إشارة غير معتمدة على المستضد أو إشارة تنبيهية مشاركة إلى الخلية التائية. وبتلقي الخلية التائية لكلتا الرسالتين، تصبح بوضعية العمل(4) فتنتج أو تعرض الجزيئات اللازمة لتنشيط الخلايا البائية ثم تتلمس هذه الخلايا.
ومثلها مثل الخلايا المحترفة المقدمة للمستضد، فإن الخلايا البائية تظهر قطعا من المادة الملتهمة ـ وبخاصة قطعا من المستضد الذي وقع في الشرك – على جزيئات MHCII. إذا ارتبطت خلية تائية مساعدة منشطة عبر مستقبلتها بمثل هذا المعقد على الخلية البائية، وإضافة إلى ذلك، إذا أومأت الخلايا التائية والبائية بعضها لبعض عبر جزيئات سطحية تنبيهية مشاركة، فإن الخلية البائية ستظهر مستقبلات لپروتينات صغيرة تسمى السيتوكينات. تحرض السيتوكينات التي تفرزها خلايا تائية مساعدة منشطة، خلية بائية على التكاثر والنضج لتتحول إلى خلية پلازمية ترسل أضدادا تستهدف بشكل نوعي نفس المستضد الذي تتعرّفه الخلايا البائية والتائية المقترنة ببعضها.
وبطبيعة الحال، فإن أي استجابة مناعية متولدة بشكل سليم تسكت نفسها مع زوال الخطر. ولهذا السبب، بعد أن تنشط خلية مقدمة للمستضد الخلية التائية المساعدة، تبدأ الخلية التائية أيضا بإظهار «مفتاح إيقاف» switch offمعروف باسم CTLA-4. يرتبط هذا الجزيء بجزيئات B7 على الخلايا المقدمة للمستضد بدرجة من الشراهة، بحيث يربط جميع هذه الجزيئات أو معظمها، فيكبح أي خلية تائية مساعدة موجودة، ومن ثم يكبح استجابات الخلية البائية.
تحدٍّ للتشخيص(************)
يبقى الأطباء ـ الذين يشتبهون بمريض، سواء كان امرأة أو رجلا، مصاب بالذأب ـ مشوشين بسبب عدم وجود اختبار حاسم. بما أن مهاجمة الذات مناعيا يمكن أن تؤدي إلى عدة أعراض، فإنه حتى العلامة التقليدية للذأب – وهي وجود أضداد ذاتية ضد النواة – لا تسمح بتشخيص هذا الاضطراب بشكل غير قابل للخطأ.
في غياب اختبار أكيد، يمكن للأطباء جمع المعلومات من مصادر مختلفة لا تتضمن فقط الفحوص المختبرية لكن أيضا وصف المريض للأعراض الحالية والقصة المرضية. أصدرت الكلية الأمريكية لعلم الروماتيزم AmericanCollege of Rheumatolgoy قائمة من 111 معيارا يمكن أن تشير إلى وجود الذأب: سبعة منها تخص الأعراض، كالتهاب المفاصل، الحساسية لضوء الشمس، الطفح الوجهي على شكل الفراشة [شكل الفراشة مازال غير مفسر]. الأربعة الأخرى تصف البيانات المختبرية التي تتضمن وجود أضداد ذاتية ضد النواة أو تراكيز منخفضة من اللمفاويات. يعتبر الباحثون شخصا مصابا بالذأب إذا اجتمعت لديه أربعة من هذه المعايير، لكن يمكن للأطباء أن يبنوا التشخيص على أساس تلميحات أقل، وبخاصة إذا كان لدى المريض مؤشرات قوية إلى هذا الاضطراب، مثل البراهين السريرية (الإكلينيكية) على وجود شذوذات في عدة أجهزة مختلفة، وهذه الشذوذات مترافقة مع وجود أضداد ذاتية ضد النواة. لمعرفة المزيد من مظاهر الذأب الشائعة يمكن زيارة موقع مؤسسة الذأب الأمريكية:www.lupus.org أو موقع الذأب البريطاني:www.uklupus.com.uk. معايير حالية طفح وجني [طفح على الخدين بهيئة الفراشة غالبا]. طفح قرصاوي (شبيه بالقرص) [نمط من الطفح يحدث رقعا حمراء بارزة]. حساسية للضوء [تفاعل بتأثير أشعة الشمس يظهر من خلاله الطفح الجلدي أو يزداد شدة]. تقرحات الأنف والفم، نمطيا غير مؤلمة. التهاب المفصل غير المؤتكل [الذي لا يحدث ضررا للعظام حول الأربطة] في اثنين أو أكثر من الأربطة. التهاب بطانة الرئة أو القلب [معروف أيضا بالتهاب الجنبة pleuritis أو التهاب التامورpericarditis]. اضطراب كلى يتسم بمستويات عالية في البول من پروتين أو مركبات غير شاذة ناشئة عن خلايا الدم الحمراء أو البيضاء أو خلايا نبيبية كلوية. اضطراب عصبي يتسم بنوبات أو دهانpsychosis لا يعزى للأدوية أو لاضطرابات استقلابية [مثل عدم توازن الكهارل electrolyteimbalance]. اضطراب دموي يتصف بنقص شاذ في تراكيز خلايا الدم الحمراء أو البيضاء أو الصفيحات [وصفيا: فقر الدم الانحلالي، قلة البيض، قلة اللمفاويات، قلة الصفيحات] غير ناجم عن الأدوية. اختبار إيجابي للأضداد ضد النواة [ANA] لا يعزى لأدوية معروفة بتحريضها لهذه الأضداد. اختبار إيجابي للأضداد الموجهة ضد دنا ثنائي الطاق أو بعض الفُسفوليپيدات أو تفاعل إيجابي خاطئ لاختبار الزهري syphilis. |
إحدى المقاربات التجريبية في علاج الذأب تحاكي بشكل أساسي مرحلة «الإيقاف» هذه بإرسال الجزيء CTLA4 ليغطي الجزيئات B7. وفي الفئران العرضة للذأب، منعت هذه الطريقة ترقّي مرض الكلى وأطالت الحياة. بدأ اختبار هذه المادة عند مرضى بالذأب، كما أظهرت تجارب سريرية (إكلينيكية) أولية في مصابين بالصدفية أن العلاج مأمون.
وهناك مقاربة ثانية تعترض بصورة مباشرة سبيل الإشارة بين الخلايا التائية المساعدة والخلايا البائية. إن جزيء الخلية التائية الذي يجب أن «يتصافح» مع جزيء الخلية البائية لإرسال الإشارة التنبيهية المشاركة اللازمة إلى الخلايا البائية، يسمى الجزيء CD154. تُظهر الخلايا المساعدة عند مرضى الذأب زيادة في إنتاج الجزيء CD154، وفي الفئران العرضة للمرض، فإن الأضداد المهندسة للارتباط بالجزيء CD154 تكون قادرة على إيقاف تنشيط الخلية البائية والحفاظ على وظيفة الكلية وإطالة الحياة. حتى الآن، قدمت الفحوص البشرية الأولى لنسخ مختلفة من الأضداد الموجهة ضد الجزيءCD154 مزيجا من الأنباء الجيدة والسيئة. فقد أنقصت دفعة (نسخة) أولى الأضداد الذاتية في الدم بشكل ملحوظ وكذلك الپروتين في البول وبعض الأعراض، لكنها أدت في نفس الوقت إلى تشكل جلطة دموية بدرجة غير مقبولة. لم تزد دفعة أخرى الخثار thrombosis لكنها عملت بصورة ضعيفة. لهذا، لا أحد يعرف بعد إن كانت سترجح كفة هذه المقاربة العلاجية.
وهناك استراتيجية ثالثة تتدخل في فعالية الخلية البائية بطريقة مختلفة؛ إذ تعزز بعض العوامل المفرزة من خلايا الجهاز المناعي، مثل السيتوكين BAFF، بُقيا الخلية بعد أن ترتبط هذه العوامل بالخلايا البائية. وقد تدخلت هذه الجزيئات في أمراض مناعة ذاتية مختلفة، منها الذأب وهبّاته(5) : تبدي الفئران المهندسة وراثيا، والتي تفرط في إنتاج السيتوكين BAFF أو إحدى مستقبِلاته الثلاث على الخلايا البائية، علامات مرض مناعة ذاتية، ويظهر السيتوكينBAFF بإفراط عند كل من الفئران المعرضة للإصابة بالذأب وعند البشر المرضى. إذًا من الناحية النظرية، إعاقة السيتوكين BAFF من الارتباط بمستقبلاته يجب أن تخفف إنتاج الأضداد إلى حده الأدنى. وتدعم دراسات أجريت على الحيوانات والبشر هذا المفهوم. في الفئران، تؤدي مستقبلة مُغرِّرة(6) جائلة مصممة للتخلص من السيتوكين BAFF قبل أن يجد مستقبلاته الحقيقية، إلى تخفيف الذأب وإطالة البُقيا. إن نتائج مستقبلة مُغرِّرة ثانية هي أيضا مشجعة، وتجرى حاليًا تجارب على البشر.
يكون التحدي بتصميم أدوية جديدة تجنب الجسم مهاجمة الذات
بالمناعة الذاتية من دون أن تقيد بشكل جدي قابليته للدفاع عن نفسه.
إن استهداف سيتوكينات أخرى يمكن أيضا أن يساعد. فمستويات مرتفعة من الإنترلوكين 10 ومقادير منخفضة من عامل النمو المحول بيتا هي من بين الشذوذات السيتوكينية الشهيرة في الذأب، ويبدو أن الفئران المعرضة للذأب تستفيد من علاجات تحصر وتعيق الأول (الإنترلوكين 10) أو تزيد الثاني (عامل النمو المحول بيتا). وباتباع طريقة عمل مختلفة، يقوم باحثون ممن يدرسون شروطا مختلفة للمناعة الذاتية، بالعمل على علاجات تهدف بشكل نوعي إلى إنقاص أعداد الخلايا البائية. تظهر مادة اسمها ريتوكسيماب rituximab، تزيل الخلايا البائية من الدوران (الدورة الدموية) قبل أن تصبح قادرة على إفراز الأضداد، واعدة في الاختبارات الأولى لدى مرضى بالذأب المجموعي.
وتتضمن علاجات أخرى قيد الاختبار جزيئات مصممة لحصر إنتاج أضداد ذاتية ضد الدنا أو لدفع هذه الأضداد للارتباط بمركبات طعم توقع بها وتؤدي إلى تفكيكها. كمثال على هذا الطعم، معقد مكون من أربعة طيقان strands قصيرة من الدنا مثبتة على هيكل خامل. وبرغم كون الفكرة الأخيرة مثيرة، فإنني يجب أن أعترف بأن آثار إدخال مثل هذه الطعوم يمكن أن تكون معقدة.
يمكن لبعض السيتوكينات أن تكون مفيدة علاجيا، لكن هذه الأدوية وغيرها من الأدوية الپروتينية يمكن أن تعاق باستعداد الجسم لتفكيك الپروتينات الجائلة. ولتجاوز هذه المشكلات، يفكر الباحثون في العلاجات الجينية التي يمكن أن تغطي الخلايا نفسها إمكانية إنتاج پروتينات مفيدة. أبدى الدنا الذي يكوّد لعامل النمو المحول بيتا إمكانية علاج الذأب عند الفئران، لكن اختبارات قليلة جدا أجريت حتى الآن على البشر للتنبؤ بمدى فائدة هذه التقانة. ومازال العلماء يسعون إلى تحسين تقانات العلاج الجيني عموما.
وفيما يتابع بعض الدارسين العمل بحثا عن علاج لمساعدة المرضى، يستمر بعضهم الآخر بسبر ألغاز الذأب المحورية. ما الذي يسبب إصدار الإشارة الزائغة في الخلايا المناعية؟ وكيف تؤدي بالتحديد هذه الإشارة المشوشة إلى حدوث المناعة الذاتية؟ قد تكون الإجابات حاسمة لتمكيننا في النهاية من تجنيب سلاح الجسم مما قد يقوم به من هجمات خاطئة على ذاته.
المؤلف
منصف زوالي
مختص بالمناعة والبيولوجيا الجزيئية، مدير بحوث في المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية INSERM في فرنسا. يركز على التوجه من البحوث الأساسية إلى الأسباب الجزيئية لأمراض المناعة الذاتية الجهازية وعلى ترجمة الأفكار العلمية إلى مقاربات مفيدة للتحكم في المرض. نشر <زوالي> عدة كتب عن المناعة الذاتية ونال عدة جوائز على بحوثه.
مراجع للاستزادة
Dubois’ Lupus Erythematosus. Sixth edition. Daniel J. Wallace and Bevra H. Hahn. Lippincott Williams & Wilkins, 2001.
Immunobiology: The Immune System in Health and Disease. Sixth edition. Charles A. Janeway, Paul Travers, Mark Walport and Mark J. Shlomchik. Garland Science, 2004.
B Lymphocyte Signaling Pathways in Systemic Autoimmunity: Implications for Pathogenesis and Treatment. Moncef Zouali and Gabriella Sarmay inArthritis & Rheumatism, Vol. 50, No. 9, pages 2730-2741; September 2004.
Molecular Autoimmunity. Edited by Moncef Zouali. Springer Science and Business Media (in press).
Scientific American, March 2005
(*) العنوان الأصلي: TAMING LUPUSذأب، أو الذأب الحمامي، أو «الذئب الأحمر
» lupus erythematosus. سمي كذلك بسبب طفح وجهي خاص بهذا الاضطراب يجعل هيئة المصابين مشابهة لهيئة الذئب.
(**) Overview/ Lupus
(***) Some Givens
(****) Genetic Hints
(*****) Pathways to Disease
(******) Many Triggers
(*******) Perils of Cell Suicide
(********) Deranged Cells
(*********) B. Cells Gone Wrong
(**********) Some Treatment Strategies Under Study
(***********) Toward New Therapies
(************) The Diagnostic Challenge
(1) complement
(2) loops
(3) apoptosis (أو انتحار الخلية أو الموت المبرمج للخلية): تكون الخلية المعنية خلية مستموتة apoptotic cell. (التحرير)
(4) على طريقة مفتاح التشغيل switch on.
(5) Flares أو احتداماته.
(6) decoy