أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغالطب وصحة

دماغ الأم

دماغ الأم(*)

إن الحمل والأمومة يغيران بنية دماغ أنثى الثدييات، مما يجعل
الأمهات أكثر اهتماما بصغارهن وأحسن رعاية لهم.

<H.C.كنسلي> ـ< G.K.لامبرت>

 

إن الأمهات يُصنعن ولا يولدن أمهات. وفي واقع الأمر، فإن إناث الثدييات كافة، بدءا من الجرذان والنسانيس إلى البشر، يعانين تغيرات وظيفية سلوكية في أثناء الحمل والأمومة. فالأنثى التي كانت ذات يوم كائنا موجَّها إلى ذاته بقدر كبير ومكرِّسا نفسه لاحتياجاته وبُقْياه survival، تصبح كائنا محور اهتمامه رعاية أولاده ورفاههم. ومع أن العلماء لاحظوا هذا التحول منذ زمن طويل ودهشوا له، فإنهم لم يبدؤوا إلا قريبا بفهم مسبباته. فقد أظهرت الأبحاث الجديدة أن التموّجات الهرمونية المثيرة التي تحدث أثناء الحمل والولادة والإرضاع يمكن أن تعيد نمذجة دماغ الأنثى، بحيث تزيد حجم العصبونات في بعض مناطقه وتحدث تغيرات بنيوية في مناطق أخرى منه.

إن بعض هذه المناطق يضطلع بتنظيم سلوكيات أمومية maternal، من مثل بناء الأوكار والعناية بالصغار وحمايتهم من الضواري؛ في حين تضطلع مناطق أخرى بضبط الذاكرة والتعلم والاستجابات تجاه الخوف والكرب. وقد أظهرت تجارب حديثة أن الجرذات الأمهات يَفُقْن الجرذات العذارى في اجتياز المتاهات واصطياد الفرائس. كما يمكن أن تفضي التغيرات الدماغية التي تسببها الهرمونات، إضافة إلى حثِّها الإناث على رعاية نسلها، إلى تحسين قدرة الجرذة الأم على جمع العلف والغذاء، الأمر الذي يمنح جِراءهاher pups فرصة أفضل  للبقاء أحياء. وأكثر من هذا، يبدو أن الفوائد المعرفية المكتسبة تصير أكثر ديمومة عند الجرذة الأم، إذ تبقى هذه الفوائد حتى تصل الجرذة الأم مرحلة متقدمة من العمر.

 

 

نظرة إجمالية/ فطنة الأم(**)


أظهرت الدراسات على القوارض أن هرمونات الحمل تستهل تغيرات لا تقتصر على مناطق دماغية تحكم السلوك الأمومي، بل تتناول أيضا الباحات التي تنظم الذاكرة والتعلم.

يمكن أن تفسر هذه التغيرات الدماغية سبب كون الجرذات الأمهات أحسن من العذارى في اختيار المتاهات والقبض على الفريسة.

يدرس الباحثون حاليا ما إذا كانت إناث البشر تكتسب هي أيضا ما تقدمه الأمومة من مزايا عقلية.

 

ومع أن دراسات هذه الظاهرة قد ركزت حتى الآن على القوارض، فمن المحتمل أن إناث البشر يجنين كذلك فوائد عقلية طويلة الأمد من الأمومة. فمعظم الثدييات يتشارك سلوكياتٍ أمومية متشابهة، ربما تتحكم فيها مناطق دماغية متماثلة لدى البشر والجرذان سواء بسواء. وفي الحقيقة، اقترح بعض الباحثين أن يكون تنامي السلوك الأمومي قد شكل واحدا من المحركات والدوافع الرئيسية لتطور دماغ الثدييات. ففي زمن نشوء الثدييات من أسلافها الزواحف تحولت استراتيجية تناسلها من ظاهرة «اقذف البيوض واهرب»(1) إلى ظاهرة «دافع عن الوكر»(2). ويمكن أن تكون الفوائد الانتقائية لهذه المقاربة الأخيرة قد رجّحت ظهور تغيرات دماغية هرمونية وما نجم عنها من سلوكيات مفيدة. وفي الواقع باتت اليد التي تهز مهد الصغير هي التي تحكم العالم.


فيض من الهرمونات(***)

 

قبل قرن من الزمن، وجد العلماء التلميحات الأولى إلى أن هرمونات الحمل هي التي تستنهض حرص أنثى الثدييات على نسلها. وفي أربعينات القرن الماضي، بيَّن<A.F.بيش> [من جامعة ييل] أن الإستروجين والپروجستيرون  (وهما الهرمونان التناسليان الأنثويان) ينظمان استجابات مثل العدوانية والنواحي الجنسية عند الجرذان والهامسترات والقطط والكلاب؛ وكذلك أوضح بحث رائد أجراه <S.D.ليرمان> و<S.J.روزِنبلات> [اللذان كانا حينها في معهد  السلوك الحيواني بجامعة روتگرز في الولايات المتحدة] أن هذين الهرمونين نفسيهما ضروريان لإظهار السلوك الأمومي عند الجرذات. وفي عام1984ذكر<S.R.بريجيس> [الموجود حاليا في كلية تافتس كومنكس للطب البيطري]  أن إنتاج الإستروجين والپروجستيرون يزداد في مراحل معينة أثناء الحمل، وأن ظهور السلوك الأمومي يعتمد على تفاعل هذين الهرمونين وتناقصهما اللاحق. وكذلك توصل<بريجس> وزملاؤه إلى إظهار أن الپرولاكتين (وهو الهرمون  المحرِّض على إدرار الحليب) ينبه السلوك الأمومي عند إناث الجرذان التي سبق أن أشبعت بالپروجستيرون والإستروجين.

وإلى جانب الهرمونات، يبدو أن الكيماويات الأخرى التي تؤثر في الجهاز العصبي تؤدي دورا في إطلاق الدوافع الأمومية. ففي عام 1980، ذكر<R.A.گنتسلر> [من مركز داونستيت الطبي التابع لجامعة ولاية نيويورك]  وجود زيادات في الإندورفينات (وهي پروتينات مانعة للألم تولِّدها الغدة النخامية ومنطقة في الدماغ تدعى الوطاءhypothalamus) طوال مدة الحمل، ولا سيما قبيل الولادة. فإضافة إلى كونها تُعِد الأم لتحمل مشقة الولادة، فإن الإندورفينات يمكن أن تُحضّر لاستهلال السلوك الأمومي. وإذا ما أخذ جميع ذلك بالحسبان، فإن البيانات توضح أن تنظيم هذا السلوك يتطلب تنسيق عدة منظومات هرمونية وكيميائية عصبية، وأن دماغ الأنثى يكون رائع الاستجابة للتغيرات التي تصاحب الحمل.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/3-4/003.gif

ثمة تغيرات سلوكية ترافق الأمومة عند جميع إناث الثدييات. وتوحي أبحاث جديدة بأن التغيرات التي تحدثها الهرمونات في دماغ الأنثى يمكن أن تجعل الأمهات أكثر يقظة وأحسن إيلاء للرعاية وأفضل تآلفا تجاه صغارهن؛ وكذلك تحسن هذه التغيرات ذاكرتهن المكانية ومقدرتهن على التعلم.

 

هذا وقد حدد العلماء كذلك المناطق الدماغية التي تحكم السلوك الأمومي. فقد بين<ميشيل نيومان> و<مارلين نيومان> [من بوسطن كوليج] أن جزءا من الوطاء في دماغ الأنثى، يدعى الباحة قبل البصرية الوسطى (الأنسية) (medial preoptic area(mPOA، يكون مسؤولا إلى حد كبير عن هذا النشاط؛ إذ إن إحداث أذية في هذه الباحة، أو حقن المورفين فيها، يفسد السلوك المميز للجرذات الأمهات. ولكن ثمة باحات دماغية أخرى غير هذه الباحة تنخرط في ذلك أيضا (انظر الإطار في الصفحة 21)، ويكون كل موضع من هذه المواضِع حافلا بمستقبلات الهرمونات والكيماويات العصبية الأخرى. وقد اقترح عالم الأعصاب الشهير <P.مكلين>[من المعهد الوطني للصحة العقلية] أن المسارات العصبيةneural pathways من الوطاء (وهو محطة الترحيل في الدماغ) إلى القشرة الحزاميةcingulate cortex (التي تنظم الانفعالات)، تمثل جزءا مهما من  منظومة السلوك الأمومي؛ إذ إن إتلاف القشرة الحزامية هذه في جرذات أمهات يزيل السلوك الأمومي عندها. وفي كتابه لعام 1990 بعنوان: The Triune Brain in Evolution افترض<مكلين> أن تَشَكُّل هذه المسارات وتناميها قد ساعد على صياغة دماغ الثدييات أثناء تطوره انطلاقا من دماغ الزواحف البسيط.

ومن اللافت للنظر، أنه ما إن تستهل الهرمونات التناسلية استجابة الأمومة، حتى يظهر أن اعتماد الدماغ على تلك الهرمونات يتضاءل وأن النسلoffspring وحده يتمكن من تنبيه السلوك الأمومي. ولما كان الحيوان الثديي المولود حديثا يعد مخلوقا صغيرا ذا متطلبات غير مريحة في مستويات عديدة (مثل الرائحة الكريهة وقلة الحيلة والنوم المتقطع)، فإن تكريس الأم نفسها له يعد الأكثر إلحاحا بين جميع السلوكيات الحيوانية، حتى إنه يفوق السلوك الجنسي وسلوك الإطعام. وقد اقترحت<J.موريل> [من جامعة روتگرز] أن النسل نفسه قد يكون الإثابة reward التي تعزز السلوك الأمومي. ويشار إلى أن الجرذات  الأمهات، حينما منحت فرصة الخيار ما بين الكوكائين والجراء المولودة حديثا، مالت إلى انتقاء جرائها.

وحديثا درس <C.فيريس> [من كلية طب جامعة ماساتشوستس] أدمغة  الجرذات الأمهات المرضعات باستخدام التصوير الرنيني المغنطيسي الوظيفي(fMRI) الذي يعد تقنية غير باضعة noninvasive ترصد التغيرات في النشاط الدماغي، فوجد أن النشاط في النواة المُتَّكئة nucleusaccumbens عند الأم، وهي  موضع متمم للتعزيز والإثابة، يزداد بشكل ملحوظ حين ترضع جراءها؛ وأما<R.گاندلمان> [من جامعة روتگرز] فقد أوضح أن الفأرة الأم حين تتاح لها فرصة استقبال جراء رضيعة fosterpups (وذلك بأن تضغط هذه الفأرة على قضيب في  قفصها، بحيث يفسح المجال لانزلاق الجراء على منحدر)، فإنها تبقى ضاغطة على القضيب إلى أن يمتلئ قفصها بتلك الأجسام الوردية اللون المتدحرجة.

 

 إذا خيرت الجرذات الأمهات بين الكوكائين وجراء حديثة الولادة فإنها تختار الجراء.

 

لقد افترض بضعة باحثين أن الجراء، وهي ترضع من الأم، تلتصق بحلمات أثدائها، ومن الممكن أن تطلق كميات ضئيلة من الإندورفينات في جسم الأم. وقد تعمل هذه الإندورفينات المانعة للألم مثل عقار أفيوني يستجر الأم مجددا للاتصال بجرائها والالتصاق بها. زد على ذلك أن الإرضاع واتصال الجراء بالأم والتماسّ بها تؤدي إلى إطلاق هرمون الأكسيتوسين الذي يكون له المفعول نفسه لدى الأم. ونشير إلى أن الأنواع الثديية الدنيا، مثل الفئران والجرذان التي تفتقر على الأرجح إلى المبادئ والدوافع النبيلة التي يمتلكها البشر، تعتني بجرائها ربما انطلاقا من سبب بسيط وهو أنها تستشعر الارتياح حين تفعل ذلك.

ولكن، ماذا عن الدوافع motivations عند الأم البشرية؟ لقد استخدم<J.لوربِرباوم> [من جامعة ساوث كارولينا الطبية] التصوير الرنيني  (المِرْنان) المغنطيسي الوظيفي في فحص أدمغة أمهات بشرية أثناء إصغائهن إلى بكاء أطفالهن؛ فوجد أن نماذج نشاط هذه الأدمغة كانت شبيهة بتلك المشاهدة في أمهات القوارض فيما يخص منطقة الباحةmPOA والقشرتين المخيتين قبل الجبهية والحجاجية الجبهية orbitofrontal. إضافة إلى ذلك، وجد<سمير زكي> و<A.باتلز> [من جامعة لندن] أن الباحات الدماغية التي تنظم  الإثابة والمكافأة تتنشط وتتفعّل حينما تحدق الأمهات البشرية في أطفالهن. وتوحي هذه المشابهات بين استجابات البشر واستجابات القوارض بوجود دارة عامة للأمومة في دماغ الثدييات.


تغيرات دماغية(****)

 

لكي نفهم أعمال هذه الدارة، درس الباحثون تغيرات دماغ الأنثى في مراحل تناسلية (إنجابية) مختلفة. ففي سبعينات القرن الماضي، قدمت <C.M.دياموند> [من جامعة كاليفورنيا ببركلي] بعضا من أبكر الأدلة حينما كانت تتحرى القشرات المخية عند جرذات حوامل، مع العلم بأن الطبقة البرّانية outermost من  الدماغ تؤلف القشرة التي تستقبل المعلومات الحسية وتعالجها؛ وكذلك تتحكم في الحركات الإرادية. فالجرذات التي نشأت وكبرت في بيئات غنية حسيا، أي تحيط بها العجلات والدمى والأنفاق، غالبا ما تمتلك قشرات مخية ذات طيات وتلافيف معقدة تفوق نظيراتها عند الجرذات القابعة في أقفاص خالية من مثل هذه المؤثرات الحسية. ولكن <دياموند> وجدت أن القشرات المخية عند الجرذات  الحوامل الموجودة في بيئات فقيرة تماثل في تعقيدها القشرات المخية لدى الجرذات الموجودة في بيئات غنية. وهنا استنتجت <دياموند> أن ثمة توليفة تضم هرمونات وعوامل تخص الجنين المكتمل fetus هي التي تقوم على الأرجح بتنبيه أدمغة الجرذات الحوامل.

وبعد عقدين من الزمن تليا الدراسات التي أوضحت أهمية الباحة mPOA فيما  يخص السلوك الأمومي، بدأ الباحثون بتقصي ما يصيب تلك المنطقة الدماغية من تغيرات. ففي أواسط التسعينات من القرن الماضي، أوضح <L.كيزر> [وهو  باحث في أحد مختبراتنا بجامعة ريشموند] أن الأجسام الخلوية للعصبونات في الباحة قبل البصرية الوسطى عند جرذات حوامل تزداد حجما. والأهم من ذلك أن أطوال التغصنات dendrites (وهي تمثل التفرعات التي تستقبل الإشارات والتي تمتد من جسم الخلية) وأعدادها في عصبونات الباحة mPOA تزداد مع  تقدم الحمل. وقد لوحظت التغيرات ذاتها عند الجرذات الإناث التي عولجت برجيم regime محاكٍ لرجيم الحمل يتكون من الپروجستيرون والإستراديول،  والأخير يعتبر أقوى الإستروجينات الطبيعية. وعادة ما يصاحب هذه التغيرات العصبونية زيادة في تكوين الپروتين وفي الفعالية العصبية. ومن حيث الجوهر، تحرض هرمونات الحمل عصبونات الباحة mPOA استباقا للولادة  ولمتطلبات الأمومة. وفي هذا تشبه الخلايا العصبية الجياد الأصيلة المتأهبة عند بوابة السباق استعدادا للانطلاق. أما بعد الولادة، فإن عصبونات الباحةmPOA توجه انتباه الأم ودوافعها تجاه نسلها، على نحو يمكِّنها من رعايته  وحمايته وتغذيته، ومن أداء السلوكيات الجليلة المعروفة في مجموعها بالأمومة.

ولكن السلوك الأمومي يضم نواحي تتعدى الرعاية المباشرة بالنسل، مما حدا بنا إلى الاعتقاد بإمكانية حدوث تغيرات أيضا في مناطق دماغية أخرى. فعلى سبيل المثال، يكون على الجرذة الأم أن تغامر برعاية وكرها وصغارها حين تضطر إلى المجازفة بغية البحث عن الغذاء، مما يجعلها ونسلها العاجز أكثر عرضة للضواري؛ لأنها لو بقيت في الوكر تعرّضت هي وصغارها للموت جوعا ببطء. وإننا نستطيع أن نتنبأ بتغيريْن معرفييْن cognitive يُحسنان نسبة الفائدة  إلى التكلفة عند الجرذة الأم. يتمثل أولهما في ارتقاء مهارات البحث عن الطعام (مثل مقدرتها المكانية على تعرف بيئتها)، مما يخفض إلى الحدود الدنيا مقدار الزمن الذي تغيب فيه الأم بعيدا عن وكرها؛ وأما التغير الآخر فيتمثل في تقليل خوف الجرذة الأم وقلقها، الأمر الذي يسهِّل عليها مغادرة الوكر ويتيح لها جمع الغذاء سريعا ويهيئها لمواجهات مع محيطها العدواني.

 

 

 

التفكير في اثنين(*****)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/3-4/127%20copy.gif

 

يولّد المبيضان والمشيمة في أثناء الحمل كميات كبيرة من الإستروجين والپروجستيرون، وهما الهرمونان الأنثويان التناسليان. أما الوطاء والغدة النخامية فإنهما يفرزان الأكسيتوسين (الذي يقدح تقلصات الولادة) والپرولاكتين (الذي ينبه الغدد الثديية) والإندورفينات (التي يمكن أن تخفف آلام الولادة). وتبين الدراسات على الحيوانات أن هذه المواد تستطيع التأثير في دماغ الأنثى بطرق مختلفة. فعلى سبيل المثال، يبدو أن الإستروجين والپروجستيرون يوسعان الأجسام الخلوية للعصبونات في الباحة قبل البصرية الوسطى للوطاء (mPOA) التي تنظم الاستجابات الأمومية الرئيسية، كما تزيد المساحة السطحية للفروع العصبونية في الحُصَين الذي يحكم الذاكرة والتعلم؛ وأما الأكسيتوسين فينشط الحصين كذلك. وثمة مناطق دماغية أخرى يبدو أنها تشارك في السلوك الأمومي، بما في ذلك القشرة المخية الحزامية والقشرتين المخيتين قبل الجبهية والحجاجية الجبهية والنواة المتكئة واللوزتين المخيتين والعنان الجانبي lateralhabinual والمادة السنجابية المحيطة بالمسال (السنجابية المحيطة بالقناة المائية) periaquenductalgray.

 

وفي عام 1999، عثرنا على دعم للنبوءة الأولى من خلال تبيان أن الخبرة التناسلية قد حسنت التعلم المكاني والذاكرة المكانية عند الجرذات. فالأمهات الصغيرات اللواتي مرّت بخبرة أو خبرتين تناسليتين صارت أفضل من الجرذات العذارى المضاهيات لها عمرا في تذكر موقع غذاء الإثابة (الطعام المكافأة) داخل نوعين مختلفين من المتاهات (إحداهما متاهة شعاعية ثمانية الأذرع، والأخرى نسخة أرضية لمتاهة موريس المائية، وهي حوض دائري كبير ذو تسعة جُبَّاتwells للطعام مغرية). وقد لوحظت مقدرات جمع الغذاء المحسنة عند كل من  الإناث الرضيعة والأمهات اللواتي فَطَمت صغارها عن الرضاع قبل أسبوعين على الأقل. وإضافة إلى ذلك، قامت العذارى المزودة بصغار رضيعة بنفس أداء الإناث المرضعة. وتوحي هذه النتيجة بأن وجود النسل وحده يستطيع توفير دعم للذاكرة المكانية، ربما عن طريق تنشيط فعاليات دماغية تغير بُنى عصبونية أو عن طريق استحثاث إفراز هرمون الأكسيتوسين.

ونتساءل، هل تتحسن كذلك ملامح أخرى من مهارات الاقتناص hunting لدى  الأم؟ هناك بحث جديد أجراه طلبة الجامعة في مختبر كنسلي وأظهر أن الجرذات الأمهات أسرع من العذارى في اقتناص الفرائس. فقد وضعت جرذات أمهات وجرذات عذارى بعد حرمانها حرمانا معتدلا من الطعام كل على حدة في خمسة أحواض (مساحة كل منها خمس أقدام مربعة ومفروشة بنشارة خشب) مخبأ تحتها جُدْجُد cricket. وهنا استغرقت العذارى ما متوسطه 270 ثانية تقريبا للعثور على الجدجد والتهامه، وذلك مقارنة بنحو 50 ثانية فقط بالنسبة  إلى الإناث المرضعات. وحتى حين جرى تجويع الإناث العذارى أو حين جرى حجب أصوات الجداجد، فإن الجرذات الأمهات بقيت قادرة على الوصول إلى الفرائس على نحو أسرع من الجرذات العذارى.

 

أما فيما يخص النبوءة الأخرى، فقد وثقت <I.نيومان> [من جامعة  ريگنزبورگ في ألمانيا] بشكل متكرر أن الجرذات الحوامل والمرضعة أقل خوفا وقلقا (استنادا إلى قياس مستويات هرمونات الكرب في دمائها) من الجرذات العذارى في مواجهة تحديات مثل القسر على السباحة. كما أكدت <J.وارتيلا> [حين عملت في مختبر كينسلي] هذه النتائج ووسعتها، بفحصها سلوك الجرذات في أحواض الخمس أقدام مربعة. فقد وجدت أن الجرذات الأمهات كانت الأكثر ميلا إلى تقصي المكان والأقل ميلا إلى التوقف خوفا، وهما أمران يدلان على الجرأة. إضافة إلى ذلك، وجدنا تناقصا في النشاط العصبوني في المنطقةCA3 من الحصين واللوزة القاعدية الجانبية (الوحشية) basolateral amygdala، وهما باحتان دماغيتان تنظمان الكرب والانفعال. ويؤكد التسكين الحاصل لاستجابات الخوف والكرب، بالاقتران مع تحسينات المقدرة المكانية، أن الجرذة الأم قادرة على التخلي عن أمان وكرها للقيام بالتفتيش الفعال عن الطعام، والعودة إلى مأواها بسرعة من أجل رعاية نسلها المعرض للخطر.

 

 يبدو أن التقلبات الهرمونية تثير نشاطا عصبيا في أثناء الحمل.

 

يظهر أن تغيرات الحصين (الذي ينظم الذاكرة والتعلم وكذلك الانفعالات) تؤدي دورا رئيسيا في حصول هذه التبدلات السلوكية. وقد أظهرت أبحاث<C.وولّي> و <B.مكوين> الرائعة [من جامعة روكفلّر] وجود اختلافات بين مد وجزر في المنطقة CA1 من الحصين أثناء دورة شبق (دورة استروس) أنثى الجرذ  (وهي التي تعادل الدورة الطمثية عند البشر)، إذ ازدادت كثافة الأشواك التغصنية dendritic spines (وهي نتوءات شوكية الشكل تمنح مساحة سطحية  أكبر لصالح استقبال الإشارات العصبية) في هذه المنطقة أثناء ارتفاع مستويات الإستروجين لدى الأنثى. فإذا كانت التأرجحات الهرمونية الوجيزة نسبيا في الدورة الشبقية (النزوية) هي التي تولد مثل هذه التغيرات البنيوية اللافتة للنظر، فإننا نتساءل عما يحدث للحصين أثناء الحمل حين تبقى مستويات الإستروجين والپروجسترون مرتفعة لفترة أطول؟ لقد فحصت<G.ستافيسو-ساندوز> و<R.ترينر> و<P.كوادروس> [وهن عاملات في مختبر  كنسلي] أدمغة جرذات في المراحل الأخيرة من الحمل، وكذلك أدمغة إناث عولجت بهرمونات الحمل، فوجدن أن تراكيز أشواك المنطقة CAI هي أكثر من المعتاد. ولما كانت هذه الأشواك توجه الدّخْل input نحو العصبونات المصاحبة لها، فإن  الارتفاع الكبير في الكثافة أثناء الحمل قد يسهم في المقدرة المحسنة عند الأمهات على تجوالها في المتاهات وعلى اقتناصها الفرائس.

ويظهر أيضا أن الأكسيتوسين، وهو الهرمون الذي يسبب تقلصات الولادة وإدرار الحليب، له تأثيراته في الحصين وتحسين الذاكرة والتعلم. وقد ذكر<K.توميزاوا> وزملاؤه [في جامعة أوكاياما باليابان] أن الأكسيتوسين يعزز  تأسيس ارتباطات طويلة الأمد بين العصبونات في الحصين؛ إذ إن حقن الأكسيتوسين داخل أدمغة إناث الفئران العذارى قد حسن ذاكراتها الطويلة الأمد، ربما عن طريق زيادة النشاط الإنزيمي الذي يقوي الارتباطات (الوصلات) العصبونية. وعلى العكس من ذلك، فإن حقن مثبطات الأكسيتوسين oxytocin inhibiors في أدمغة الجرذات الأمهات قد أضر بأدائها في المهام المرتبطة بالذاكرة.

ثمة باحثون آخرون ركزوا على تأثيرات الأمومة في الخلايا الدبقية glial cellsالتي هي النسيج الضام في الجهاز العصبي المركزي. فقد قام <W.G.جيفورد>ومساعدوه من الطلبة [في مختبر كنسلي] بفحص خلايا نجمية astrocytes، وهي خلايا ذات شكل نجمي تزود العصبونات بالمغذيات والدعم البنيوي. ووجد هؤلاء أن الخلايا النجمية في الباحة mPOA والحصين، عند جرذات في  المرحلة النهائية من الحمل وأخرى مرضعة وجرذات معالَجة بالهرمونات، تكون أكثر تعقيدا وعددا منها عند الجرذات العذارى. ويبدو مجددا أن التأرجحات (التموجات) الهرمونية تستحث النشاط العصبي أثناء الحمل، بحيث تحوِّر العصبونات والخلايا الدبقية في مناطق دماغية محددة بقصد تحسين التعلم والذاكرة المكانية.

ولكن هل يمتد أي من هذه الفوائد المعرفية إلى ما بعد فترة الإرضاع؟ لقد ذكرت <D.J.كيتوود> التي عملت مع طلبة آخرين في مختبر كنسلي، أن الجرذات  الأمهات حتى السنتين عمرا (وهذا يعادل نسوة من البشر تجاوزن الستين سنة عمرا) تتعلم المهام المكانية بشكل أسرع كثيرا من نظيراتها الجرذات العذارى ذوات العمر نفسه، كما تبدي تناقصات ذاكرية أقل انحدارا. وفي جميع الفئات العمرية التي جرى اختبارها (6، 12، 18، 24 شهرا)، أبدت الأمهات درجة أفضل من العذارى في تذكر أمكنة الإثابات الغذائية food rewrds داخل المتاهات. وحينما جرى فحص أدمغة الجرذات الأمهات عند نهاية الاختبار، وجدنا توضعات قليلة من الپروتينات النشوانية amyloid الطليعية (مع العلم بأن لهذه الپروتينات دورا  في تنكس الجهاز العصبي بفعل التقدم في السن) في قسمين من الحصين وفي المنطقة CA1 والتلفيف المسنَّن dentate gyrus للمخ.

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/3-4/040.gif

تكون أجسام خلايا عصبونات المنطقة قبل البصرية الوسطى (mPOA) لأنثى الجرذ العذراء (في اليسار) أصغر حجما بكثير من نظيراتها في المنطقة ذاتها للجرذة الحامل (في اليمين). ويبدو أن هرمونات الحمل تستحث عصبونات هذه المنطقة (mPOA) معززة اصطناع پروتينها ونشاطها لتلبية مطالب الأمومة المتوقَّعة.

 

وثمة بحث حديث أجراه <G.لوف> و<I.مكنمارا> و<M.مورگان> [في  مختبرنا الآخر (مختبر لامبرت)] باستخدام سلالات جرذان وفي شروط اختبار مختلفة، أكد أن التعلم المكاني الطويل الأمد يتحسن عند الجرذات الأمهات الأكبر عمرا. وما هو أكثر من ذلك، أن الباحثين قاسوا جرأة الجرذات باستخدام متاهة على شكل إشارة الزائد (+) وذات ذراعين مفتوحتين تتجنبهما الجرذات بسبب ارتفاعهما وانكشافهما، مما لا يوافر مكان اختباء لها. وهنا قضت الجرذات الأمهات التي اختُبِرت (من معظم الأعمار حتى 22 شهرا) وقتا في الذراعين  المفتوحتين المثيرتين للخوف في المتاهة يفوق في مقداره الوقت الذي قضته الجرذات العذارى فيهما. وعند فحص أدمغة الجرذات الأمهات، وجد هؤلاء الباحثون عددا قليلا من الخلايا المتنكسة في القشرتين المخيتين الحزاميةcingulate والجدارية، وهما المنطقتان اللتان تستقبلان دخلاً حسيا كبيرا. وتوحي هذه النتائج أن الإغراق inundation المتكرر لدماغ الأنثى بهرمونات الحمل، مع  تأثير البيئة الحسية الغنية للوكر، قد يلطفان بعض تأثيرات تقدم السن في الإدراك.

 

الوشيجة البشرية(******)

 

هل تجني الإناث البشرية أية مكاسب معرفية مشابهة من الحمل والأمومة؟ تشير دراسات حديثة إلى أن الدماغ البشري يمكن أن يعاني تغيرات في أجهزة التنظيم الحسي توازي التغيرات المشاهدة عند الحيوانات الأخرى. وقد بينت<A.فليمنگ> [من جامعة تورنتو في ميسّيساوگا] أن الأمهات البشرية قادرة  على تعرف العديد من روائح ولدانهن وأصواتهم، ربما بسبب اكتسابهن مقدرات حسية محسنة؛ إذ وجدت <أليسون> وزملاؤها أن الأمهات اللواتي يمتلكن مستويات عالية بعد الولادة من هرمون الكورتيزول يكنّ أكثر انجذابا وتحفزا بروائح أطفالهن وأحسن قدرة على تعرّف بكاء ولدانهن. وتشير هذه النتائج إلى أن الكورتيزول الذي يزداد نمطيا عند الكرب (ويمكن أن يكون ذا وقع سلبي على الصحة)، يمكن أن يتصف بتأثير إيجابي في الأمهات الحديثة. وبازدياد مستويات الكورتيزول، فإن كرب الوالدية parenting يمكن أن يزيد الانتباه والحذر والحساسية على نحو يقوي الرابطة ما بين الأم ووليدها.

وأشارت دراسات أخرى إلى إمكانية نشوء مفعول طويل الأمد للأمومة. فقد وجد<Th.بيرلس> وزملاؤه [في جامعة بوسطن، كجزء من دراسة نيوإنگلند  المئوية] أن النسوة اللواتي كن حوامل في سن الأربعين عمرا أو ما بعدها، يحتمل أن تمتد أعمارهن حتى سن المئة بنسبة مئوية تساوي أربعة أمثال احتمال بقاء النسوة اللواتي أصبحن حوامل في وقت أبكر من أعمارهن. ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن وتيرة الشيخوخة تكون أبطأ خطى في النساء اللواتي أصبحن حوامل بشكل طبيعي في الأربعينات من أعمارهن. أما نحن فإننا نضيف إلى ذلك أن الحمل وخبرة الأمومة اللاحقة قد تكون حسَّنت أدمغة النسوة في فترة حاسمة من شروع التراجع في الهرمونات التناسلية بتحريض من الإياس (سن اليأس) menopause. وقد تساعد المكاسب المعرفية للأمومة على تلافي نضوب الهرمونات الحافظة للذاكرة، مما يؤدي إلى صحة عصبية أفضل وإلى تعمير longevity أطول.

 

 

تعرف الأم ما هو أفضل(*******)


تشير التجارب الحديثة إلى أن الخبرة التناسلية تحسن التعلم المكاني (الحيزي)spatial والذاكرة عند  الجرذان في الوقت الذي تقلل من الخوف والكرب. ويمكن أن تحسِّن تغيرات السلوك هذه مقدرات الجرذة الأم على جني الطعام، الأمر الذي يمنح جراءها فرصة أفضل للبُقْيا (للبقاء على قيد الحياة).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/3-4/122.gif

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/3-4/123.gif


متاهة شعاعية ذات ثماني أذرع


في البداية، قام الباحثون بمؤالفة الجرذان مع المتاهة الشعاعية التي وضعت طعوم الغذاء بادئ ذي بدء في جميع أذرعها الثماني، ثم في أربع أذرع، ثم في ذراعين، وأخيرا في ذراع واحدة. وبعدئذ قاس هؤلاء الباحثون درجة تذكر تلك الجرذان الذراع التي استبقي الطعم فيها، فوجدوا أن الجرذات الأمهات التي سبق لها أن حملت مرة أو مرتين كانت الأنجح في استكشاف المتاهة (بمعنى الأسرع في العثور على الطُّعم خلال ثلاث دقائق) منذ اليوم الأول للاختبار؛ في حين لم تحقق الجرذات العذارى تلك الدرجة المضاهية من النجاح إلا في اليوم السابع.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/3-4/124.gif


متاهة مرتفعة على شكل إشارة الزائد (+)


في هذه المتاهة التي أعطيت شكل إشارة الزائد وارتفعت فوق الأرض أربع أقدام، قاس الباحثون كم من الوقت قضت الجرذان في الذراعين المفتوحتين اللتين تميل القوارض إلى تفاديهما بسبب كونهما مرتفعتين ومكشوفتين (خلافا للحال في الذراعين المسدودتين للمتاهة). هنا وجد الباحثون أن الجرذات الأمهات من جميع الأعمار كانت أجرأ من العذارى، إذ تصرف وقتا أطول في الذراعين المكشوفتين المثيرتين للخوف.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/3-4/125.gif
 

 

 

هل يمكن أن تُضعف الأمومة منافسةَ النسوة للآخرين ابتغاء الموارد المحدودة؟ لسوء الحظ لم يُجْرِ العلماء إلا أبحاثا قليلة تخص مقارنة التعلم أو الذاكرة المكانية بين الأمهات واللاّأمهات nonmothers البشرية. وقد أظهرت دراسة قام بها<J.كالين بوكوالتر> [من جامعة سوذرن كاليفورنيا] في عام1999 أن  النسوة الحوامل كانت نتائجهن في بضعة اختبارات للذاكرة اللفظية دون المستوى الطبيعي، ولكن سرعان ما ارتدّت درجاتهن إلى المستوى الطبيعي بعد المخاض. ولكن هذه الدراسة كانت ضيقة النطاق (اقتصرت على 19 فردا) ولم تجد تغيرات ذات مغزى في الذكاء العام. أما الصحافية<K.إليسون> فقد وثّقت عدة حالات قد تساعد فيها المهارات المكتسبة من خلال الوالديةparenting النسوة في  أمكنة عملهن. هذا، وتتطلب القيادة الناجحة حساسية تجاه احتياجات المستخدمين وحذرا مدعما تجاه التحديات والتهديدات المحتملة، ولكن هل يمكن لهذه المهارات أن تنتقل من دار الحضانة إلى مكاتب الإدارة؟

 

 تكاد الجرذات الأمهات تتفوق على الدوام على الجرذات العذارى في المنافسات التي تتضمن مهامّ متعددة.

 

لقد بدأ الباحثون يركزون على مهارةٍ ترافق الأمومة تقليديا، ألا وهي مقدرة القيام بمهام متعددة multitask. فهل تتيح التغيرات في دماغ الأم للأمهات الموازنة بين طلبات متنافسة (تتمثل في رعاية الطفل وأداء العمل وتلبية الالتزامات الاجتماعية وغيرها) على نحو أفضل من اللاأمهات؟ صحيح إن الإجابة عن ذلك لا يعرفها العلماء حتى الآن، ولكن الدراسات تشير إلى أن الدماغ البشري يتصف بالمرونة إلى حد كبير؛ إذ إن بنيته ونشاطه يمكن أن يتغيرا حين يواجه الشخص تحديا ما. فلقد وجد<A.ماي> وزملاؤه [في جامعة ريگنزبورگ]  تغيرات في أدمغة الشابات والشباب الذين تعلموا كيفية تداول قذف ثلاث كرات في الهواء، إذ توسعت المناطق المخصصة لإدراك الحركة والتنبؤ بها بعد أن تعلم المفحوصون كيفية تداول الكرات وقذفها، ثم انكمشت هذه المناطق بعد التوقف عن ممارستها. وبالمثل، فإن التغيرات الحاصلة في دماغ الأم ربما تتيح لها أن تتداول طلبات الوالدية parenthood بنجاح.

وتبين الدراسات على الحيوان أن الجرذات الأمهات تجيد بشكل خاص مقدرة المهام المتعددة. فقد أوضحت تجارب أجريت في مختبر لامبرت أن الجرذات الأمهات تتفوق على الدوام تقريبا على الجرذات العذارى في المنافسات التي تتضمن رصد ومراقبة مشاهد تلفزيونية وأصوات وروائح وحيوانات أخرى في آن معا. وفي سباق للعثور على طعام مفضل، كانت الجرذات التي سبق لها الحمل مرتين أو أكثر هي السبَّاقة إلى تناوله طوال60 في المئة من الزمن، مقابل33 في المئة للجرذات التي عاشت حملا واحدا فقط، وذلك مقارنة ب7 في المئة للجرذات العذارى.

وأخيرا، ماذا عن دماغ الأب؟ هل يكتسب الآباء الذين يعتنون بالنسل أي مزايا عقلية؟ للإجابة عن ذلك قد تزودنا دراسات على نسناس القشة mormoset الصغير  (الذي يشيع في البرازيل) ببعض الاستبصارات. فهذه النسانيس أحادية الزواجmonogamous (الذكر متزوج بزوجة واحدة)، ويشترك كلا الوالدين في الاعتناء بالنسل. وبالتعاون مع<S.إيفانس> و<G.V.كابري> من أجمة (غابة) النسانيس في ميامي بفلوريدا قامت<A.كاريت> [من مختبر لامبرت] باختبار أم  وأب من هذه النسانيس على شجرة تحمل أواني للطعام. وكان على النسناسين أن يتعلما أيا من هذه الأوعية يحمل طعاما أكثر. وهنا لوحظ أن الوالدين (الأم والأب) يتفوقان على النسانيس غير الوالدية في هذا الاختبار. وقد دعمت هذه النتيجة دراسات سابقة كانت قد فحصت نوعا من الفئران يحمل اسمPeromyscus clifornicus، ويسهم فيه الذكر بالرعاية الوالدية بشكل كبير. هذا وقد وجدت<E.كلاسبر> وطلبة آخرون [في مختبر لامبرت] أن الفئران الآباء شأنهم شأن الفئران الأمهات ينجحون في المتاهة الأرضية الجافة. كما أظهر <A.إيفيرين>و<K.تو> أن الآباء كانوا أسرع في استقصاء المنبهات الحديثة (مثل أحجار الليگو) من نظرائهم العزاب.

وفي الختام، يبدو أن الخبرة التناسلية تثير تغيرات في دماغ الثدييات من شأنها تغيير المهارات والسلوكيات وبخاصة لدى الإناث. وبالنسبة إلى الأنثى، يتمثل التحدي الأكبر (بالمنظور التطوري) في تأمين تنمية استثمارها الجيني. لقد تطورت سلوكيات الأمومة بحيث تزيد من فرص نجاح الأنثى. وهذا لا يعني أن الأمهات أفضل من نظيراتهن العذارى في جميع المهام. ولكن في جميع الاحتمالات، لا تتحسن إلا السلوكيات التي تؤثر في الإبقاء على حياة نسل الأمهات. ويبقى أن هناك عدة مكاسب يبدو أنها تشتق من الأمومة كلما ارتقى دماغ الأم إلى مستوى التحدي التناسلي الذي يواجهها. وبكلمات أخرى، حينما يغدو المسير شاقا، يَشقّ الدماغ مسيرته.

 

المؤلفان


Craig Howard Kinsley – Kelly G. Lambert


قضيا أكثر من عقد من الزمن يتحريان تأثيرات الحمل والأمومة في دماغ الإناث. ويشغل كنسلي أستاذية >مكلدين تراويك< للعلوم العصبية في قسم علم النفس ومركز العلوم العصبية بجامعة ريشموند. أما لامبرت فهو أستاذ العلوم العصبية السلوكية وعلم النفس ورئيس قسم علم النفس والمدير المعاون لمكتب الأبحاث الجامعية في راندولف ـ ماكون كوليج.

  مراجع للاستزادة

 

Mother Natur: Maternal Insticts and How They Shape the Human Species. Sarah B. Hrdy. Ballantine BOOKS, 2000

 

The Maternal Brain: Neurobiological and Neuroendocrine Adaptation and Disorders in Pregnancy and Post Partum. Edited by J. A. Russell, A. J. Douglas, R. J. Windle and C. D. Ingram. Elsevier, 2001

 

A Tribute to Paul Maclean: The Neurobiological Relevance of Social Behavior. Edited by K. G. Lambert and R. T. Gerlai. Special issue of Physiology and Behavior, Vol. 79, No. 3; August 2003

 

The Neurobiology of Parental Behavior. Michael Numan and The Thomas R. Insel. Springer-Verlag, 2003.

 

(*)THE MATERNAL BRAIN
(**)Overview / Mothger Wit
(***) Awash in Hormones

(****) Brain Changes
(*****) Thinking For Two

(******) The Human Conection

(*******) Mother Knows Best

(1)drop-the-eggs-and-flee
(2) defend the nest

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى