إن زيادة كفاءة استخدام الطاقة لا تحمي مناخ الأرض فحسب،
بل أيضا توفر موارد مالية للمنتِج والمستهلِك على السواء.
<B.A.لوکينز>
ثمة عيب أساسي يعتور كامل الحوار الدائر بشأن احترار مناخ الأرض؛ إذ يزعم الخبراء على طرفي الحوار أن حماية مناخ الأرض ستفرض المفاضلة بين خيارين: البيئة أو الاقتصاد. فهم يقولون إن إحراق كميات أقل من الوقود الأحفوري من أجل إبطاء الاحترار أو وقفه سوف يرفع تكلفة تلبية احتياجات المجتمع من الخدمات المعتمدة على الطاقة، والتي تشمل كل شيء من النقل السريع إلى الاستحمام بالماء الساخن. وعلى حين يقول أنصار البيئة إن الزيادة في التكلفة ستكون متواضعة ولكن لها ما يبررها؛ يحذر المعارضون، بمن فيهم مسؤولون على أعلى مستوى في الحكومة الأمريكية، من أن هذه الزيادة ستكون مرتفعة بصورة تحول دون قبولها. ولكن الجانبين كليهما مخطئان؛ فحماية المناخ بالأسلوب الصحيح تؤدي في الواقع إلى تخفيض التكاليف لا رفعها، وزيادة كفاءة استخدام الطاقة تخلق مصدرا اقتصاديا للثراء، ليس فقط لأنها توقف احترار الأرض، بل أيضا لأن تكلفة تحقيق وفورات في الوقود الأحفوري تقل كثيرا عن تكلفة شرائه.
لا يسهم إحراق الوقود الأحفوري في ارتفاع درجة حرارة الأرض فحسب، ولكنه أيضا يبدد الأموال . فتحسين كفاءة استخدام الطاقة في المصانع والمباني والسيارات والمنتجات الاستهلاكية سوف يخفض بسرعة من استهلاك الفحم والنفط، ويحد من الأضرار التي تلحق بمناخ الأرض، مع توفير مبالغ هائلة من الأموال للأعمال التجارية والأُسَر.
ويعرف العالم طرائق كثيرة محققة لاستخدام الطاقة على نحو يزيد من الإنتاجية، وتسارع الشركات الذكية إلى استغلال هذه الطرائق. فخلال العقد الماضي زادت شركة دو بون الكيميائية إنتاجها بنسبة 30 في المئة تقريبا، ولكنها خفضت من استخدامها للطاقة بنسبة 7 في المئة؛ كما خفضت انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 72 في المئة (مقيسة بالكميات المكافئة من ثاني أكسيد الكربون)، فوفرت بذلك أكثر من بليوني دولار حتى الآن. واستطاعت خمس شركات كبيرة أخرى (هي IBM وبريتيش تليكوم وألكان ونورسكه كندا وباير) أن توفر مجتمعة بليوني دولار أخرى منذ أوائل التسعينات بتخفيض انبعاثاتها الكربونية بنسبة تزيد على 60 في المئة. وفي عام 2001، استطاعت شركة النفط العملاقة بريتيش بتروليوم (BP) تحقيق خطتها لتخفيض الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2010 بنسبة 10 في المئة عن المستوى الذي كان سائدا في عام 1990، لتخفض بذلك قيمة ما تدفعه مقابل استهلاك الطاقة بنحو 650 مليون دولار خلال10 سنوات. وفي الشهر 5/2005، تعهدت شركة جنرال إلكتريك برفع كفاءة استخدام الطاقة بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2012، من أجل زيادة قيمة أسهم الشركة. وتعرف هذه الشركات العالية الكفاءة وعشرات مثلها أن رفع كفاءة استخدام الطاقة يحقق نتائج مالية أفضل ويعود عليها بمنافع جانبية ذات قيمة أكبر: تحسين الجودة والموثوقية في المصانع التي تستخدم الطاقة بكفاءة عالية، ورفع إنتاجية العمالة بنسبة تتراوح بين 6 و16 في المئة في أمكنة العمل ذات الكفاءة العالية، وزيادة المبيعات بنسبة 40 في المئة في المحلات التي يراعى في تصميمها الاستفادة من ضوء النهار بجعله المصدر الرئيسي للإضاءة.
وتقل كمية الطاقة التي تستخدمها الولايات المتحدة الآن بنسبة 47 في المئة عما كانت عليه قبل ثلاثين سنة لكل دولار من الناتج الاقتصادي، فتنخفض بذلك التكاليف بما قيمته بليون دولار يوميا. وتؤدي هذه الوفورات إلى تخفيض شامل وكبير في الضرائب، وتؤدي أيضا إلى تخفيض العجز الفدرالي، ذلك أن تخفيض فواتير استهلاك الطاقة لا يعرقل معدلات التنمية العالمية، وإنما يعجل بها. وثمة مكاسب أخرى يمكن تحقيقها في كل مرحلة من مراحل إنتاج الطاقة وتوزيعها واستهلاكها. فكفاءة تحويل الفحم في محطة لتوليد الكهرباء إلى ضوء في المصباح الكهربائي العادي في منزلك لا تزيد على 3 في المئة. ومعظم الحرارة التي تتبدد ولا يستفاد منها في محطات توليد الكهرباء في الولايات المتحدة ـ والتي تزيد بنسبة 20 في المئة على الطاقة الإجمالية التي تستخدمها اليابان لجميع الأغراض ـ يمكن الاستفادة منها بطريقة تحقق ربحا. كما يفقد نحو 5 في المئة من الاستهلاك المنزلي للكهرباء في الولايات المتحدة في إمداد الحواسيب، وأجهزة التلفزيون والأجهزة المنزلية الأخرى بالكهرباء خلال فترات توقفها عن العمل من أجل إبقائها في وضع التأهب للتشغيل السريع. فالطاقة الكهربائية المبددة بسبب رداءة تصميم التوصيلات الكهربائية التي تحافظ على وضع التشغيل السريع تعادل إنتاج أكثر من اثنتي عشرة محطة لتوليد الكهرباء قدرة كل منها 000 10 ميگاواط تعمل بكامل طاقتها. وإجمالا، فإن فقدان الطاقة الذي يمكن تجنبه يكلف الأمريكيين مئات البلايين من الدولارات ويكلف الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار سنويا، فضلا عن أنه يخل باستقرار المناخ ولا يحقق أي شيء ذي قيمة.
مفترق طرق أمام الطاقة(**)
المشكلة:
قطاع الطاقة في الاقتصاد العالمي يفتقر بشدة إلى الكفاءة. فمحطات الطاقة والمباني تبدد كميات هائلة من الحرارة، والسيارات والشاحنات تهدر معظم الطاقة الناتجة من الوقود، والأجهزة الاستهلاكية تضيع كثيرا من قدرتها (بل إنها تستهلك كهرباء حتى وهي متوقفة عن العمل).
إذا لم نفعل شيئا، فإن استخدام النفط والفحم سوف يستمر في التزايد، مستنزفا مئات البلايين من الدولارات كل سنة من الاقتصاد ومؤديا إلى تفاقم مشكلات المناخ والتلوث والأمن النفطي.
الخطة:
تحسين كفاءة الاستخدام النهائي هو أسرع الطرق وأكثرها ربحا لتوفير الطاقة. والكثير من المنتجات التي تستخدم الطاقة بكفاءة عالية لا تزيد تكلفتها عن تكلفة المنتجات المنخفضة الكفاءة. وقد تقل تكلفة بناء البيوت والمصانع الأقل استهلاكا للكهرباء عن تكلفة بناء المنشآت التقليدية. وتخفيض وزن السيارات يمكن أن يضاعف قدرتها على توفير الوقود من دون أن يهدد مأمونيتها أو يرفع سعرها.
تستطيع الولايات المتحدة، بالاستعانة بوسائل تحسين الكفاءة وبمصادر الطاقة المتجددة القادرة على المنافسة، أن تستغني عن استخدام النفط بحلول عام 2050. ويمكن للشركات التي تسعى إلى تحقيق الربح أن تضطلع بالريادة في هذا المجال.
استخدام الألواح الشمسية سقوفا للمباني.
وإذا كان رفع كفاءة استخدام الطاقة ينطوي على جميع هذه الإمكانيات، فلماذا لا يأخذ به الجميع؟ تتمثل إحدى العقبات في أن كثيرا من الناس يخلطون بين زيادة كفاءة الاستخدام (أي إنجاز شغل أكبر بطاقة أقل) والحد من الاستخدام، أو تحمل بعض المضايقة، أو الحرمان (إنجاز شغل أقل أو أسوأ أو الاستغناء عن الشغل). ومن العقبات الأخرى أن مستخدمي الطاقة لا يدركون حجم الفوائد التي تعود عليهم من تحسين الكفاءة، لأن الطاقة المدخرة لا تظهر كمقادير كبيرة ملموسة وإنما كملايين من المقادير البالغة الضآلة التي يستهان بها. فمعظم الناس لا يجدون الوقت أو لا يهتمون بتعلم الأساليب الحديثة لرفع الكفاءة والتي تتطور بسرعة لا يستطيع معها حتى الخبراء مواكبتها. وفضلا عن ذلك، فإن الدعم المالي الذي يتحمله دافعو الضرائب يجعل الطاقة تبدو رخيصة الكلفة. ورغم أن حكومة الولايات المتحدة قد أعلنت أن دعم كفاءة استخدام الطاقة هو إحدى أولوياتها، فإن هذا الالتزام هو في الغالب من قبيل التعبيرات البلاغية. وتوجد عشرات من القوانين والعادات الراسخة التي تعرقل جهود رفع الكفاءة أو التي تكافئ التبديد فعلا. على أنه يمكن عن طريق تغييرات بسيطة نسبيا تحويل جميع هذه العقبات إلى فرص للمشاريع التجارية.
خسائر مركبة(***)
على طول المسار من محطة توليد القدرةpower إلى أنبوب في أحد المصانع، يقلل عدم الكفاءة مدخلات الطاقة energy من الوقود ـ المحددة في هذه الحالة ب100 وحدة اختيارية ـ بنسبة تزيد على 90 في المئة، فلا يتبقى سوى9.5 وحدة من الطاقة تصل في صورة تدفق للسائل خلال الأنبوب. ولكن تحقيق زيادات صغيرة في كفاءة الاستخدام النهائي يمكن أن يعكس اتجاه هذه الخسائر المركبة. وعلى سبيل المثال، فإن توفير وحدة واحدة من الطاقة الناتجة بتقليل الاحتكاك داخل الأنبوب سوف يخفض الوقود اللازم بمقدار عشر وحدات، فيخفض كثيرا من التكلفة والتلوث في محطة توليد الكهرباء ويتيح استخدام مضخات ومحركات أصغر حجما وأرخص ثمنا.
وتحسين الكفاءة هو أهم خطوة نحو إيجاد نظام طاقة يحافظ على سلامة المناخ، ولكن التحول إلى أنواع وقود ينبعث منها كربون أقل سيكون له دور مهم أيضا. وقد بدأ الاقتصاد العالمي فعلا بالتخلص من الكربون؛ فعلى مدى القرنين الماضيين حلت محل أنواع الوقود الغنية بالكربون كالفحم أنواع تحتوي على كربون أقل (كالنفط والغاز الطبيعي) أو لا تحتوي على كربون على الإطلاق (كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح). ويمثل الكربون أقل من ثلث ذرات الوقود الأحفوري الذي يحرق حاليا. أما الجزء الباقي فيتكون من الهيدروجين الذي لا يلحق أي ضرر بالمناخ. ويعزز هذا الاتجاه نحو التقليل من الكربون زيادة الكفاءة في مجالات تحويل وتوزيع واستخدام الطاقة. فعلى سبيل المثال، يمكن بالجمع بين إنتاج الحرارة والكهرباء مضاعفة الشغل النافع الذي يمكن الحصول عليه من كل طن من الكربون المنبعث في الغلاف الجوي. ويمكن أن تؤدي هذه الإنجازات مجتمعة إلى تخفيض شديد في انبعاثات الكربون الإجمالية بحلول عام 2050، حتى مع التوسع الذي يشهده الاقتصاد العالمي. وتركز هذه المقالة على الجائزة الكبرى، ألا وهي الحصول على أكبر قدر ممكن من كل وحدة من وحدات الطاقة التي تصل إلى المنتجين والمستهلكين للحصول على مزيد من الشغل منها. فزيادة كفاءة الاستخدام النهائي يمكن أن تحقق وفورات هائلة في الوقود، وأن تحد من التلوث، ومن التكاليف الرأسمالية، لأن كميات كبيرة من الطاقة تضيع في كل مرحلة من مراحل رحلة الطاقة من مواقع الإنتاج إلى حيث يستفاد بها على النحو المطلوب [انظر الإطار في هذه الصفحة]. وهكذا فإن أي تخفيضات في الطاقة المستخدمة عند الوجهة النهائية، مهما كانت صغيرة، يمكن أن تحقق تخفيضات هائلة في المدخلات اللازمة عند المنبع.
ثورة الكفاءة(****)
ازداد رخص وشيوع الكثير من المنتجات التي تتميز بكفاءة عالية في استخدام الطاقة والتي كانت غالية الثمن ونادرة. فالأجهزة الإلكترونية للتحكم في السرعة، مثلا، أصبحت تنتج بالجملة وبسعر زهيد جعل بعض الموردين يقدمونها هدية مجانية مع كل محرك. ومصباح الفلورسنت الصغير الحجم والذي كان سعره يزيد على 20 دولارا قبل عقدين يتراوح سعره الآن بين دولارين وخمسة دولارات، ويقل استهلاكه للكهرباء بنسبة تتراوح بين 75 و 80 في المئة عن المصباح العادي ويعمّر لفترات أطول بنسبة تتراوح بين 10 أضعاف و13 ضعفا، ورقائق تغطية النوافذ التي تسمح بنفاذ الضوء ولكنها تعكس الحرارة، تكلف حاليا ربع تكلفتها قبل خمس سنوات؛ بل إن هناك أنواعا كثيرة من الأجهزة في الأسواق المتقدمة ـ كالمحركات والمضخات الصناعية وأجهزة التلفزيون والثلاجات ـ لا تزيد تكلفة طرزها ذات الكفاءة العالية على تكلفة طرزها ذات الكفاءة المنخفضة. ولكن الأهم من جميع هذه التقنيات الأفضل والأقل تكلفة هو تلك الثورة الخفية في التصميم التي تجمع بين هذه التقنيات وتستخدمها.
وعلى سبيل المثال، ما مقدار العزل الحراري المطلوب لمنزل موجود في منطقة باردة المناخ؟ يتوقف معظم المهندسين عن إضافة المادة العازلة عندما تزيد تكلفة إضافة المزيد من هذه المادة عن قيمة الوفورات التي تظهر مع مرور الوقت في انخفاض قيمة فاتورة التدفئة. ولكن هذه المقارنة تغفل التكلفة الرأسمالية لنظام التدفئة ـ كالفرن والأنابيب والمضخات والمراوح، وما إلى ذلك ـ وهي تكلفة قد لا تكون ضرورية أبدا إذا كان العزل جيدا بالدرجة المطلوبة. ولنضرب مثلا على ذلك بمنزلي الخاص، الذي بني في عام 1984 بسنوماس في ولاية كولورادو، حيث يمكن أن تنخفض درجة الحرارة في فصل الشتاء إلى -44 oمئوية وأن تصل إلى درجة التجمد في أي يوم من أيام السنة. ولا يوجد في المنزل نظام تدفئة تقليدي؛ بل تم عزل سقفه بطبقة يتراوح سمكها بين 20 و30 سنتيمترا من پوليمير اليوريثان الرغوي، كما توجد في منتصف جدرانه المبنية من أحجار يبلغ سمكها 40 سنتيمترا طبقة أخرى سمكها 10 سنتيمترات من هذه المادة. وقد غطيت الألواح الزجاجية المزدوجة التي تتكون منها النوافذ بطبقتين أو ثلاث طبقات رقيقة، شفافة، عاكسة للحرارة في وجود غاز الكريبتون العازل، بحيث تحول دون نفاذ الحرارة، إضافة إلى عدد يتراوح بين 8 ألواح و14 لوحا من الزجاج. فهذه الخواص، مع الحرارة المستردة من الهواء الذي أنهى دورته بالمنزل، تقلص الحرارة المبددة بالمنزل إلى درجة تزيد نحو 1 في المئة فقط على الحرارة المكتسبة من ضوء الشمس ومن الأجهزة والأشخاص الموجودين داخل المبنى. وأستطيع تعويض هذه الكمية الضئيلة المبددة باللعب مع كلبي (وهو ما يولد نحو 50 واط من الحرارة، يمكن زيادتها إلى 100 واط إذا رميت له كرة) أو بإحراق أوراق دراسات عتيقة عن الطاقة في موقد خشبي صغير في الليالي القارسة البرودة.
يحقق استخدام الطاقة بطريقة أكثر كفاءة ازدهارا اقتصاديا كبيرا ـ ليس بسبب وقف احترار الأرض فحسب، ولكن لأن تحقيق وفورات في الوقود الأحفوري أرخص كثيرا من شرائه.
وترتب على الاستغناء عن الحاجة إلى نظام التدفئة تخفيض تكاليف الإنشاء بما قيمته 1100 دولار (بقيمة الدولار في عام 1983). وأعدت استثمار هذه الأموال، إضافة إلى 4800 دولار أخرى، في جهاز وفر نصف الماء، و99 في المئة من الطاقة اللازمة لتسخين الماء و90 في المئة من كهرباء الاستخدام المنزلي. وهذا المبنى الذي تبلغ مساحته 4000 قدم مربع ـ والذي يضم أيضا المقر الأصلي لمعهد جبال الروكي Rocky Mountain Institute، وهي جماعة لا تستهدف الربح شاركتُ في تأسيسها في عام 1982 ـ لا يكاد يستهلك من الكهرباء أكثر مما يستهلك مصباح واحد قدرته 100 واط (لا تشمل هذه الكميةُ الطاقةَ المستخدمة في الأجهزة المكتبية للمعهد). فالخلايا الشمسية تولد خمسة إلى ستة أضعاف هذه الكهرباء، فأبيعها مرة أخرى إلى المرفق. وقد سددت جميع الاستثمارات التي استخدمت لرفع الكفاءة تكلفتها في 10 أشهر باستخدام تقانات عام 1983، أما تقانات اليوم فهي أفضل وأرخص ثمنا.
وفي التسعينات أجرت شركة باسيفيك للغاز والكهرباء تجربة أطلقت عليهاACT2 استُخدم فيها تصميم ذكي في سبع بنايات جديدة وقديمة لإثبات أن عمليات رفع الكفاءة الكبيرة يمكن أن تكون أقل تكلفة من العمليات الصغيرة. وعلى سبيل المثال، قامت الشركة ببناء منزل في ضاحية جديدة في ديفيز بولاية كاليفورنيا، يمكن أن يبقى باردا في الصيف بدون تكييف للهواء. وقدرت الشركة أن مثل هذا التصميم، إذا ما استخدم على نطاق واسع، ستقل تكلفته طوال فترة بقائه بنحو 1800 دولار وستقل تكلفة صيانته بنحو 1600 دولار عن تكلفة منزل تقليدي بالحجم نفسه. وبالمثل، فقد قام المعماري التايلندي <S.بونياتيكارن> في عام 1996 ببناء منزل بالقرب من بانكوك بجوها الرطب يحتاج إلى جهاز واحد لتكييف الهواء لا تزيد قدرته على سُبع طاقة جهاز تكييف الهواء الذي يزود به عادة بناء بهذا الحجم. وأتاحت الوفورات التي تحققت في الأجهزة دفع تكلفة السقف العازل والجدران والنوافذ التي تحافظ على المنزل باردا [انظر الإطار في الصفحة 38]. وفي جميع هذه الأحوال، كان أسلوب التصميم واحدا: الاستخدام الأمثل للمبنى ككل لتحقيق فوائد متعددة بدلا من استخدام عناصر منفصلة لتحقيق فوائد فردية.
يمكن أيضا استخدام هندسة النظام الكلي هذه في البنايات الإدارية والمصانع. فقد خفض مصممو مصنع سجاد أنشئ في شنغهاي في عام 1997طاقة الضخ المطلوبة لتشغيل دارة توزيع الحرارة بنسبة 0.92 في المئة بإجراء تغييرين بسيطين. كان التغيير الأول هو تركيب أنابيب واسعة بدلا من الأنابيب الضيقة، ما أدى إلى تقليل الاحتكاك بدرجة كبيرة، ومن ثم فإنها أتاحت للنظام استخدام مضخات ومحركات أصغر حجما. وكان التغيير المبتكر الآخر هو مد الأنابيب قبل وضع الأجهزة التي تربط بينها هذه الأنابيب في أمكنتها. ونتيجة لذلك، أصبح السائل ينتقل خلال أنابيب قصيرة مستقيمة بدلا من سلوك مسارات ملتوية، مما قلل من الاحتكاك والتكاليف الرأسمالية بدرجة أكبر.
توفير الطاقة عن طريق التصميم(*****)
كيف يمكنك الاحتفاظ بجو بارد لطيف في تايلند الاستوائية مع تخفيض استخدام الطاقة إلى الحد الأدنى؟ لقد استخدم المعماري<S.بونياتيكارن>[من جامعة شولالونگكورن] المظلات والشرفات ليظلل بيته الذي تبلغ مساحته350 مترا مربعا في باثومثاني، بالقرب من بانكوك. ويمنع العزل، الذي تحققه طبقة كاتمة للهواء ونوافذ تعكس الأشعة تحت الحمراء، نفاذ الحرارة إلى البيت مع السماح بالكثير من ضوء النهار. ويساعد التصميم المنبسط المفتوح وبئر السلم (فُرغة الدرج) المركزي على التهوية. ويتم تبريد الهواء داخل البيت عندما يمر من خلال أنبوب تحت الأرض. ونتيجة لذلك لا يحتاج البيت إلا إلى سُبع قدرة تبريد الهواء التقليدية لمبنى مماثل في الحجم. ولتخفيض قيمة فواتير الطاقة بدرجة أكبر، تستغل مكثفات جهاز تكييف الهواء في تسخين ماء المنزل.
وليس هذا من علوم الصواريخ في شيء، بل هو مجرد إعادة اكتشاف الهندسة الجيدة التي يرجع إلى عصر الملكة فيكتوريا. وهو صالح للتطبيق على نطاق واسع. وحديثا وضع فريق عمل في معهد جبال الروكي تصاميم إنشائية جديدة تحقق وفورات في الطاقة تبلغ 89 في المئة لمركز للبيانات، ونحو75 في المئة لمصنع للمواد الكيميائية، و90-70 في المئة لمحل تجاري كبير و50 في المئة ليخت فاخر. وكانت التكاليف الرأسمالية في جميع هذه الحالات أقل من مثيلاتها في التصاميم التقليدية. كما اقترح الفريق إدخال تعديلات على مصافي تكرير النفط والمناجم ومصانع الشيپات المجهرية microchips الحالية تُخَفِّض استهلاك الطاقة بنسبة 40 إلى 50 في المئة، وتغطي تكلفتها خلال سنوات قليلة فقط.
سيارات مناسبة(******)
تستهلك وسائل النقل 70 في المئة من نفط الولايات المتحدة وتولد ثلث الانبعاثات الكربونية الصادرة عنها. وعموما، تعتبر هذه الانبعاثات أكثر جوانب مشكلة المناخ صعوبة، خاصة بعد أن بدأ ملايين الأشخاص في الصين والهند يشترون سيارات خاصة. ومع ذلك، فإن وسائل النقل تتيح فرصا هائلة في مجال رفع كفاءة استخدام الطاقة. وقد كشف تحليل نشر في عام 2004 ـ بعنوان «الفوز في المباراة النهائية مع النفط» أعده فريق العمل الذي أعمل معه في معهد جبال الروكي وشارك البنتاغون في رعايته ـ عن أن الجمع بطريقة ذكية بين المواد الخفيفة الوزن وأحدث المبتكرات في مجال وسائل الدفع وعلم الديناميك الهوائي يمكن أن يقلل من استهلاك السيارات والشاحنات والطائرات من النفط بنسبة الثلثين مع عدم المساس بالراحة أو السلامة أو الأداء، مع بقاء السعر ميسورا.
وعلى الرغم من مرور 119 عاما من التطوير والتحسين، مازالت السيارة الحديثة متدنية الكفاءة بشكل مثير للدهشة؛ إذ لا يصل من طاقة وقودها إلى العجلات إلا 13 في المئة ـ بينما تتبدد ال87 في المئة الأخرى في صورة حرارة وضوضاء في المحرك وفي منظومة نقل الحركة ودوران المحرك أثناء توقف السيارة وكماليات كأجهزة تكييف الهواء. ويستهلك أكثر من نصف الطاقة التي تصل إلى العجلات في تسخين الإطارات والطبقة السطحية من الطريق والهواء. ولا يستفاد إلا من 6 في المئة فقط من طاقة الوقود في تسريع السيارة (وتوجه جميع هذه الطاقة إلى تسخين الكوابح عندما تتوقف). ولأن 95 في المئة من الكتلة التي يجري تسريعها تتمثل في السيارة ذاتها فإن أقل من 1 في المئة من الوقود هو الذي يستخدم في تحريك السائق.
ومع ذلك، فالحل بديهي من ناحية علم الفيزياء: تخفيض كبير لوزن السيارة، فوزنها يتسبب في ضياع ثلاثة أرباع الطاقة عند العجلات. كما أن كل وحدة من الطاقة المدخرة عند العجلات عن طريق تخفيض الوزن (أو تقليل السحب) سوف توفر سبع وحدات أخرى من الطاقة التي تفقد الآن وهي في طريقها إلى العجلات. وكانت الشواغل المتعلقة بالتكلفة والسلامة سببا في تثبيط المحاولات التي تبذل منذ وقت بعيد لصنع سيارات أخف وزنا، ولكن المواد الحديثة التي تتميز بخفة الوزن ولكنها قوية رغم ذلك ـ والأشابات الفلزية metal alloys الجديدة والپوليميرات المُركّبة المتقدمة ـ يمكن أن تحدث تخفيضا كبيرا في كتلة السيارة من دون التضحية بقدرتها على مقاومة الصدمات. وعلى سبيل المثال، فإن قدرة المواد المُركّبة المحتوية على ألياف الكربون على امتصاص طاقة الاصطدام تفوق قدرة الصلب بأكثر من 6 أضعاف إلى 12 ضعفا لكل كيلوغرام. ومع تزايد استخدام هذه المواد، يمكن أن تصبح السيارات كبيرة ومريحة وأن توفر الحماية من دون أن تكون ثقيلة الوزن أو متدنية الكفاءة أو عدوانية، فتوفر بذلك النفط وتنقذ الأرواح. وكما قال <H.فورد>، فإنك لا تحتاج إلى وزن لكي تزيد القوة؛ ولو كان الأمر كذلك لصنعت الخوذة التي ترتديها وأنت تقود دراجتك من الصلب، وليس من الألياف الكربونية.
إدمان على النفط
28 مليون
برميل من النفط ستستهلك يوميا في الولايات المتحدة في عام 2025 إذا استمرت الاتجاهات الحالية.
13 في المئة
هي نسبة طاقة الوقود التي تصل إلى العجلات في السيارة.
70 بليون دولار
هي حصيلة الوفورات السنوية التي تتحقق بحلول عام 2025 من تحسين كفاءة استخدام النفط وإيجاد بدائل له.
ولقد أتاحت تقنيات التصنيع المتقدمة التي أمكن التوصل إليها في العامين الماضيين، صنع هياكل سيارات من مواد كربونية مُركّبة تنافس الهياكل المصنوعة من الصلب. فالهيكل الخفيف يتيح لصانعي السيارات صنع محركات أصغر حجمًا (وأقل تكلفة). ولأن تجميع السيارات المصنوعة من مواد كربونية مُركّبة لا يحتاج إلى ورش لصنع الهياكل أو للدهان، ستقل مساحة المصانع وستنخفض تكلفة بنائها بنسبة 40 في المئة عن تكلفة بناء مصانع السيارات التقليدية. وستعوض هذه الوفورات الزيادة في التكلفة الناتجة من استخدام المواد الكربونية المُركّبة. وإجمالا، فإن استعمال هياكل السيارات فائقة الخفة يمكن أن يضاعف مرتين تقريبا كفاءة استخدام الوقود في السيارات الحديثة التي تعمل بالكهرباء والوقود ـ والتي وصلت كفاءتها بالفعل إلى ضعفي كفاءة السيارات التقليدية ـ من دون زيادة في أسعارها بالنسبة إلى المستهلك. وإذا ثبت أن هذه المواد المُركّبة غير جاهزة، فإن أنواع الصلب الجديدة الفائقة الخفة تمثل بديلا يمكن الاعتماد عليه. وسوف يحدد التنافس في الأسواق المواد الفائزة. ولكن أيا كان الأمر، فإن السيارات الفائقة الخفة والكفاءة سوف تبدأ بمنافسة السيارات التقليدية خلال السنوات العشر القادمة.
وإضافة إلى ذلك، فإن السيارات الفائقة الخفة يمكن أن تعجل كثيرا من عملية التحول إلى سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية hydrogen fuel-cell التي لا تستخدم النفط إطلاقا [انظر: «نحو سيارات تعمل بالهدروجين»، مجلة العلوم، العدد9 (2005) ، ص 16]. فالسيارة المتعددة الاستخدامات المتوسطة الحجم يؤدي تخفيض وزنها وسحبها إلى النصف إلى تقليل ما تحتاج إليه من الطاقة التي تصل إلى عجلاتها بمقدار الثلثين لتصل كفاءتها في الوقود إلى ما يعادل 178كملكل غالون، ومن ثم فإنها لن تحتاج إلا إلى خلية وقود قدرتها 35 كيلوواط ـ أي ثلث الحجم المعتاد، وسوف يُسهِّل ذلك تصنيعها بكلفة ميسورة [انظر الإطار في الصفحة 40]. ولأن السيارة ستحتاج فقط إلى حمل ثلث ما تحمله من الهيدروجين، فلن تحتاج إلى أي تقانات تخزين جديدة؛ فخزانات ألياف الكربون الصغيرة الحجم والمأمونة، المتوافرة في صورة جاهزة للتشغيل، يمكن أن تتسع لهيدروجين يكفي لتسيير السيارة المتعددة الأغراض لمسافة 530 كيلومترا. وبناء على ذلك، فإن أول شركة لصناعة السيارات تستخدم المواد الفائقة الخفة سوف تفوز في سباق الخلايا الوقودية، وهذا يعطي الصناعة كلها حافزا قويا على ألا تقل جرأة في ابتكارها للمواد وأساليب التصنيع عما يفعله حاليا ذلك العدد القليل من الشركات العاملة في مجال الدفع النفاث.
سيارة صغيرة واقتصادية(*******)
يمكن صنع سيارات فائقة الخفة وسريعة وواسعة ومأمونة وعالية الكفاءة. وهناك حاليا سيارة متوسطة الحجم متعددة الأغراض بها خمسة مقاعد تسمى ريکوليوشن، صممت في عام 2000، لا يزيد وزنها على 857 كيلوغرام ـ أي أقل من نصف وزن سيارة تقليدية مماثلة. ومع ذلك، فإن خلية السلامة المصنوعة من ألياف الكربون توفر الحماية للركاب في حالة اصطدام السيارة بسرعة عالية بسيارة أخرى تفوقها وزنا. والسيارة مزودة بخلية وقود قدرتها 35 كيلوواط تكفي لتسييرها مسافة 350 كيلومترا على3.4 كيلوغرام من الهيدروجين الذي تحتفظ به في خزاناتها. ويمكن لريکوليوشن أن تبدأ من السكون وتزيد سرعتها إلى100 كيلومتر في الساعة خلال8.3 ثانية.
ويبين التحليل الذي أجراه معهد جبال الروكي أن تعميم استخدام السيارات والمباني والصناعات العالية الكفاءة، يمكن أن يقلص استخدام الولايات المتحدة المتوقع للنفط بحلول عام 2025 بمقدار 28 مليون برميل يوميا ـ أي بما يزيد على النصف، فينخفض الاستهلاك إلى المستويات التي كان عليها قبل عام 1970. وفي تصور أكثر واقعية، فإنه يمكن بالفعل تحقيق نحو نصف هذه الوفورات فقط بحلول عام 2025، لأن كثيرا من السيارات والشاحنات القديمة والأقل كفاءة ستبقى على الطرق (فحركة تجديد السيارات والشاحنات بطيئة الإيقاع). ومع ذلك، فإنه يمكن للولايات المتحدة أن تستغني كلية عن استهلاك النفط قبل حلول عام 2050، وذلك بمضاعفة كفاءة استخدام النفط والاستعاضة عنه بإمدادات وقود بديلة [انظر الشكل في الصفحة 51]. ويمكن أن تحقق المشاريع التجارية فوائد كبيرة بهذا التحول، لأن كل برميل من النفط يتم توفيره عن طريق تحسين الكفاءة لا يكلف سوى 12 دولارا، أو أقل من خُمس الثمن الذي يباع به النفط اليوم. وهناك نوعان من إمدادات الوقود البديلة يمكن أن ينافسا النفط بقوة حتى إذا بيع بأقل من نصف سعره الحالي. الأول هو الإيثانول المصنوع من النباتات الخشبية العشبية، مثل نجيل البراري والحور. وتعتبر الذرة حاليا المصدر الرئيسي في الولايات المتحدة للإيثانول، الذي يخلط حاليا بالغازولين، ولكن طن النباتات الخشبية ينتج ضعف ما ينتجه طن الذرة من الإيثانول، وباستثمار رأسمال أقل وكمية طاقة أقل.
توربينات الرياح في ألمانيا
بدائل توليد الكهرباء
تفوقت المصادر اللامركزية لتوليد الكهرباء ـ التوليد المشترك (الإنتاج المشترك للكهرباء والحرارة، من الغاز الطبيعي عادة) والمصادر المتجددة (كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح) ـ على الطاقة النووية في قدرة التوليد على الصعيد العالمي في عام 2002. وسوف يزيد الناتج السنوي لهذه المصادر ذات الكربون المنخفض أو الخالية من الكربون على الناتج السنوي للطاقة النووية هذا العام (2005).
البديل الثاني هو الاستعاضة عن النفط بالغاز الطبيعي الذي يحتوي بطبيعته على كربون أقل. وسيصبح هذا البديل أرخص ثمنا وأكثر وفرة عندما تقلل المكاسب المحققة من رفع الكفاءة من الطلب على الكهرباء في فترات الذروة. ففي هذه الفترات تولد التوربينات التي يتم تشغيلها بالغاز الطاقة بطريقة تسبب تبديدا شديدا، حتى إن تقليل استهلاك الكهرباء بنسبة 1 في المئة يخفض استهلاك الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي بنسبة 2 في المئة ويخفض سعره بنسبة 3 أو 4 في المئة. ويمكن عندئذ أن يحل الغاز الذي يتم توفيره بهذه الطريقة وبالاستخدامات الأخرى محل النفط، إما بشكل مباشر أو بتحويله إلى هيدروجين بطريقة أكثر ربحا وكفاءة.
وفوائد الاستغناء التدريجي عن النفط يمكن أن تزيد كثيرا على المبلغ الذي يقدر أنه يتم توفيره سنويا وهو 70 بليون دولار. ويمكن أن يخفض هذا التحول الانبعاثات الكربونية للولايات المتحدة بنسبة 26 في المئة مع إزالة جميع التكاليف الاجتماعية والسياسية اللازمة للحصول على النفط وإحراقه ـ كالصراع العسكري وتذبذب الأسعار والتشوهات المالية والدبلوماسية، والتلوث وما إلى ذلك. وإذا نجحت الولايات المتحدة في الاستغناء عن النفط، فليس ثمة شيء يستحق الصراع من أجله. كما أن البنتاگون سيحقق مكاسب فورية من زيادة كفاءة استخدام الطاقة، لأنه في حاجة ماسة إلى تخفيض التكاليف والحد من المخاطر المتصلة بتوفير الوقود لقواته. وكما نجحت الجهود البحثية لوزارة الدفاع الأمريكية في تحويل الصناعة المدنية باختراع الإنترنت والنظام العالمي لتحديد المواقع ، فإن عليها حاليا أن تقود عملية تطوير المواد المتقدمة الفائقة الخفة.
بل إن الانتقال إلى اقتصاد متحرر من هيمنة النفط(1) سوف يتم بمعدل أسرع مما تنبأ به معهد جبال الروكي إذا توقف صانعو السياسات عن تشجيع أنماط التنمية السيئة التي تجعل الناس يستخدمون سياراتهم كثيرا. وإذا لم تسمح الحكومات على المستوى الاتحادي ومستوى الولاية والمستوى المحلي بالتوسع العشوائي للضواحي ودعمه ماليا، فسوف يكون بوسع الكثيرين منا أن يعيشوا في مناطق يتوافر فيها كل ما نريده تقريبا على مسافة قريبة لا تزيد على خمس دقائق سيرا على الأقدام. وفضلا عن توفير الوقود، فإن هذا النمط الحضري الجديد ينشئ مجتمعات محلية أكثر تماسكا، ويزيد من دخل شركات الإنشاء، كما أنه أقل ضررا بكثير من الوسائل الأخرى التي ترمي إلى الحد من حركة مرور السيارات (كالضرائب الباهظة التي تفرضها سنغافورة على الوقود والسيارات لتجنب حدوث اختناقات مرورية مماثلة لما يحدث في بانكوك).
طاقة متجددة(********)
تقل تكلفة تحسين الكفاءة التي يمكن أن توفر معظم الكهرباء التي نستهلكها عن التكلفة التي تدفعها المرافق الآن للحصول على الفحم، الذي يولد نصف الطاقة في الولايات المتحدة و38 في المئة من الانبعاثات الكربونية الناتجة من الوقود الأحفوري. إضافة إلى ذلك، ففي السنوات الأخيرة بدأت تتزايد بدائل محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم والتي تشمل مصادر الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية، ومحطات التوليد المشترك اللامركزية التي تنتج الكهرباء والحرارة معا في البنايات والمصانع. وعلى الصعيد العالمي، تفوق قدرة التوليد الجماعية لهذه المصادر قدرة المحطات الكهرنووية كما تفوقها في معدل النمو بأكثر من ستة أضعاف [انظر الشكل في الصفحة 41]. وزاد من أهمية هذا الاتجاه أن المولدات اللامركزية تواجه عقبات كثيرة تحول بينها وبين المنافسة العادلة. وعادة ما تحصل على دعم مالي يقل كثيرا عما تحصل عليه محطات الطاقة المركزية التي تعمل بالفحم أو المحطات النووية.
ربما كانت طاقة الرياح هي أوفر أنواع الطاقة حظا من النجاح. فالإنتاج الكمي والهندسة المحسنة وفّرا توربينات رياح حديثة كبيرة (تولد الواحدة منها ما يراوح بين 2 و 5 ميغاواط)، شديدة الموثوقية، وتراعي البيئة إلى حد كبير. وتحصل الدانمرك فعلا على خُمس احتياجاتها من الكهرباء المولَّدة من الرياح، في حين تحصل ألمانيا على عُشْر احتياجاتها من الكهرباء منها. وتزيد كل من ألمانيا وإسبانيا إنتاجها من طاقة الرياح بمعدل 2000 ميگاواط كل عام، وتهدف أوروبا إلى الحصول على 22 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء و 12 في المئة من طاقتها الإجمالية من المصادر المتجددة بحلول عام 2010. وعلى العكس من ذلك، فإن المتوقع أن تظل قدرة توليد الطاقة النووية العالمية عند مستواها الحالي، ثم تتراجع.
وقد تبين أن الانتقاد الأكثر شيوعا لطاقة الرياح ـ وهو أن إنتاجها للكهرباء يكون غير منتظم بدرجة كبيرة، ليس عيبا مستعصيا. ففي بعض مناطق أوروبا التي تحصل على جميع احتياجاتها من الطاقة من الرياح في بعض الأيام، تغلبت مرافق الطاقة على المشكلة بتنويع مواقع توربينات الرياح، والاستفادة من الأرصاد الجوية الخاصة بالرياح في خططها لتوليد الكهرباء وتحقيق التكامل بين الكهرباء المولدة من الرياح والكهرباء المولدة بالقوة المائية ومصادر الطاقة الأخرى. وبشكل خاص، فإن طاقة الرياح والطاقة الشمسية يمكن أن تعملا معا بصورة جيدة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الظروف الجوية التي لا تلائم الرياح (الجو الهادئ المشمس) تلائم الطاقة الشمسية، والعكس صحيح. والواقع أنه يمكن بالتنسيق السليم بين مرافق طاقة الرياح ومرافق الطاقة الشمسية الاعتماد على هذه المرافق أكثر مما يمكن الاعتماد على محطات الطاقة التقليدية ـ فهي تصمم على هيئة نماذج قياسية صغيرة (توربينات رياح، خلايا شمسية) فيقل احتمال توقفها جميعها عن العمل في وقت واحد، كما أن تكاليفها لا تتذبذب بتذبذب أسعار أنواع الوقود الأحفوري. ويضاف إلى ذلك أن احتمال وقوع هجوم إرهابي على مفاعل نووي أو محطة لتصدير نفط يزيد كثيرا على احتمال وقوع هجوم على مزرعة للرياح أو صفيف من ألواح الطاقة الشمسية.
وأهم من ذلك كله، أن الطاقة المتجددة تتميز برخص الثمن. ففي سنة 2003، كان سعر الكهرباء المولدة من طاقة الرياح في الولايات المتحدة هو 2.9 سنت للكيلوواط/ساعة. وتدعم الحكومة الفيدرالية طاقة الرياح بمنح إعفاء للإنتاج، ولكن الثمن حتى بدون هذا الدعم ـ والذي يصل إلى 4.6 سنت للكيلوواط/ساعة ـ يعتبر أقل من سعر الطاقة المدعومة التي تنتجها المحطات الجديدة التي تعمل بالفحم أو بالطاقة النووية. (الدعم المالي المقدم لطاقة الرياح هو دعم مؤقت وافق الكونغرس عدة مرات على إلغائه، أما الدعم المالي الذي يقدم لصناعات الطاقة النووية والوقود الأحفوري فهو دعم أكبر ودائم). كما أن طاقة الرياح وفيرة؛ فمزارع الرياح التي لا تشغل إلا نسبة ضئيلة من الأراضي المتاحة في ولايتي داكوتا يمكن أن تلبي احتياجات أمريكا كلها من الكهرباء بطريقة تتميز بفعالية التكلفة. ومع أن تكلفة الكيلوواط/ساعة من طاقة الخلايا الشمسية تزيد حاليا على تكلفة الكيلوواط/ساعة من الطاقة الريحية، فإنها يمكن أن تحقق ربحا إذا ما جعلت هذه الخلايا جزءا من المبنى، بحيث توفر تكلفة المواد التي تصنع منها الأسقف. وفوق سطوح المباني التجارية الكبيرة ذات الأسقف المسطحة يمكن للخلايا الشمسية أن تدخل المنافسة بغير دعم إذا اقترنت باستخدام رشيد يسمح لصاحب المبنى بأن يبيع فائض الطاقة عندما تكون في أحسن حالاتها من حيث وفرتها وقيمتها ـ في الأيام المشمسة. كما أن الطاقة الشمسية هي عادةً أرخص طريقة للحصول على الكهرباء لبليوني شخص، معظمهم في الدول النامية، لا تتوافر لهم إمدادات الكهرباء. ولكن حتى في البلدان الغنية يمكن لمنزل بنفس كفاءة منزلي أن يحصل على جميع الكهرباء التي يحتاج إليها من عدة أمتار مربعة فقط من الخلايا الشمسية، التي تقل تكلفة تركيبها عن تكلفة التوصيل بخطوط المرفق القريبة.
علاج أقل تكلفة(*********)
يمكن بعمليات معقولة التكلفة لرفع الكفاءة وبمصادر الطاقة المتجددة القادرة على المنافسة عكس اتجاه التغير المناخي الضار الذي تتضاعف سرعته بطريقة أسية مع تزايد سرعة إحراقنا للوقود الأحفوري. وزيادة الكفاءة، إذا ما أوليت العناية الكافية، يمكن أن تسبق النمو الاقتصادي. فبين سنتي 1977 و 1985، مثلا، زاد الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة 27 في المئة، في حين انخفض استخدام النفط بنسبة 17 في المئة (وخلال الفترة نفسها، انخفضت واردات النفط بنسبة 50 في المئة، وشهدت واردات الخليج العربي هبوطا حادا بلغ 87 في المئة). وكان من المألوف أن تسبق زيادة مصادر الطاقة المتجددة الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الصعيد العالمي، تتضاعف الطاقة الشمسية كل سنتين، في حين تتضاعف طاقة الرياح كل ثلاث سنوات. وإذا زادت الكفاءة والمصادر المتجددة بسرعة أكبر من سرعة النمو الاقتصادي فسوف تنخفض الانبعاثات الكربونية ويتباطأ ارتفاع درجة حرارة الأرض، مما يتيح وقتا أكبر لتطوير تقانات أفضل للاستعاضة عما بقي من استخدام الوقود الأحفوري (المستحاثي) أو لإيجاد طرائق للسيطرة على الكربون الناتج من الاحتراق وتعميمها قبل أن يصل إلى الغلاف الجوي [انظر: «هل يمكننا دفن الاحترار العالمي؟»، مجلة العلوم، العددان 10/11 (2005)، ص 44].
وعلى العكس من ذلك، فإن الطاقة النووية هي حل أبطأ وأعلى تكلفة. فإنتاج كيلوواط/ ساعة من الكهرباء من محطة نووية جديدة يتكلف ثلاثة أضعاف ما يتكلفه توفير كيلوواط واحد بوسائل رفع الكفاءة. ومن ثم، فإن كل دولار ينفق على رفع الكفاءة سوف يتيح الاستعاضة عن ثلاثة أضعاف كمية الفحم المكافئة لما سينفق على إنتاج الطاقة الكهرنووية. كما أنه يمكن الاستفادة من تحسينات الفعالية بسرعة أكبر، لأن بناء المفاعلات يستغرق وقتا طويلا. كما أن تحويل الاستثمارات العامة والخاصة من استثمارات رابحة في السوق إلى استثمارات خاسرة لا يشوه الأسواق ويضع رؤوس الأموال في غير موضعها فحسب، بل إنه يؤدي أيضا إلى تفاقم مشكلة احترار المناخ بقبول حل أقل فاعلية.
أما الأخبار الجيدة المتعلقة باحترار الأرض فهي أن تكلفة معالجة هذا الاحترار تقل عن تكلفة تجاهله. ولأن تحقيق وفورات في الطاقة عملية مربحة، فإن الاستخدام الفعال يلقى رواجا في السوق. ويقدر <S.لايتنر> [الخبير الاقتصادي في الوكالة الأمريكية لحماية البيئة] أنه في الفترة من 1996 إلى منتصف عام 2005 أدت الاختيارات الحكيمة للأعمال التجارية والمستهلكين، مع التحول إلى اقتصاد أكثر اعتمادا على المعلومات والخدمات، إلى تخفيض متوسط استخدام الطاقة في الولايات المتحدة لكل دولار في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 في المئة سنويا – وهو معدل يبلغ نحو ثلاثة أضعاف المعدل الذي تحقق خلال السنوات العشر السابقة. وقد أتاح هذا التحول تلبية 78 في المئة من الزيادة في الطلب على خدمات الطاقة في السنوات العشر الماضية (وتمت تلبية الجزء المتبقي عن طريق زيادة كميات الطاقة المعروضة). وقد حققت الولايات المتحدة هذا التقدم من دون الاستعانة بأي فتوح تقانية كبرى أو سياسات وطنية جديدة. وقد نشأت مشكلة المناخ بسبب مئات القرارات غير الصائبة على مدى عشرات السنين، غير أنه يمكن إعادة الاستقرار إلى المناخ بملايين من الاختيارات الحكيمة ـ كشراء مصباح أو سيارة أكثر كفاءة، أو إضافة طبقة عازلة لسقف منزلك أو سد الشقوق فيه، أو إلغاء صور الدعم المالي التي تفضي إلى التبديد، ومكافأة من يحقق النتائج المرغوبة (مكافأة المعماريين والمهندسين، مثلا، على تحقيق وفورات وليس على زيادة النفقات).
والدور الصحيح الذي يتعين على الحكومات الاضطلاع به هو التوجيه، وليس الانخراط في التنفيذ، غير أن المسؤولين ظلوا لسنوات يوجهون سفينة طاقتنا الوجهة الخاطئة. والسياسة التي تتبعها الولايات المتحدة حاليا تجاه الطاقة تلحق الضرر بالاقتصاد والمناخ برفض مبادئ السوق الحرة واللجوء إلى المحاباة فيما يتعلق بالتقانات. وأفضل أسلوب هو إتاحة فرصة عادلة وشريفة لكل طريقة من طرائق إنتاج الطاقة أو توفيرها، بغض النظر عن نوع الاستثمار الذي تمثله، أو التقانة التي تستخدمها أو حجمها أو شخصية مالكها. وعلى سبيل المثال، فإن عددا قليلا من السلطات هي التي تسمح لمصادر الطاقة اللامركزية كصفيفات الألواح الشمسية التي تركب فوق السطوح أن تعمل بمجرد توصيلها بالشبكة الكهربائية بالصورة المأمونة التي تتيحها المعايير التقنية الحديثة. ومع أن 31 ولاية أمريكية تسمح باستخدام نظام عداد الشبكة ـ فإن المرفق يشتري منك الطاقة بنفس سعر بيعها لك ـ فيقيد هذه المنافسة أو يشوهها تشويها شديدا مفتعلا. ولكن أكبر عقبة منفردة أمام زيادة فعالية الكهرباء والغاز هي أن معظم البلدان وجميع الولايات الأمريكية، باستثناء كاليفورنيا وأوريغون، تكافئ مرافق التوزيع على بيع المزيد من الطاقة وتعاقبها على تخفيض قيمة فواتير الاستهلاك لعملائها. ومن حسن الحظ، أن هذه المشكلة حلها سهل: يتعين على صانعي القرارات في الولايات تنظيم الحوافز بالفصل بين الأرباح ومبيعات الطاقة، ثم السماح للمرافق بالاحتفاظ ببعض الوفورات التي تتحقق من تخفيض قيمة فواتير الطاقة.
لايزال الإقبال على دخول مضمار إنتاج السيارات الفائقة الكفاءة يتسم بالبطء في ديترويت، حيث لم تكن الميزانيات ولا القيادات تساند الابتكارات الجديدة. كما أن الولايات المتحدة تفرض ضرائب ضئيلة على الغازولين ولكنها تقدم دعما ماليا ضخما لإنتاجه، فتجعله أرخص ثمنا من الماء المعبأ في زجاجات. ومع ذلك، فإن زيادة الضرائب على الوقود قد لا تكون أفضل الحلول؛ ففي أوروبا تؤدي الضرائب المرتفعة ـ التي تجعل أسعار الغازولين في بلدان كثيرة تصل إلى 4 أو 5 دولارات للغالون ـ إلى الحد من قيادة السيارات أكثر مما تزيد من كفاءة السيارات الجديدة، لأن تكاليف الوقود تتضاءل أمام النفقات الأخرى لأصحاب السيارات، ثم تتعرض بعد ذلك لانخفاضات حادة (فمعظم الأشخاص الذين يشترون السيارات لا يحسبون قيمة وفورات الوقود إلا في السنوات الأولى). وقد ساعدت المعايير الفدرالية التي طبقت في السبعينات من القرن الماضي على رفع كفاءة استهلاك الوقود في السيارات والشاحنات الخفيفة الجديدة من 16 ميلا للغالون في عام 1978 إلى 22 ميلا للغالون في عام1987، ولكن المتوسط انخفض إلى 21 ميلا للغالون منذ ذلك الوقت. وتتوقع الحكومة أن تقضي صناعة السيارات السنوات العشرين القادمة في زيادة كفاءة السيارات على ما كانت عليه في عام 1987 بنحو 0.5 ميل للغالون فقط. وإضافة إلى ذلك، يمقت صانعو السيارات هذه المعايير باعتبارها تمثل قيدا على الاختيار، وقد أصبحوا بارعين في التلاعب بالنظام عن طريق بيع المزيد من السيارات المصنفة كشاحنات خفيفة، وهي مركبات مسموح بأن تكون أقل كفاءة في استخدام الوقود من السيارات (بل إن أقل الشاحنات الخفيفة كفاءة تحصل على دعم مالي خاص).
وأنجع استجابة في مجال السياسات هو فرض رسوم على السيارات الجديدة المنخفضة الكفاءة، ورد إيرادات هذه الرسوم في صورة مبالغ تدفع لمن يشترون السيارات العالية الكفاءة. وإذا ما تم ذلك بصورة منفصلة لكل فئة من فئات حجوم السيارات، بحيث لا يكون هناك تحيز ضد الطرز الأكبر حجما، فإن هذه الرسوم سوف توسع من نطاق اختيار العملاء بدلا من أن تقيده. كما أن هذه الرسوم سوف تشجع على الابتكار، وتوفر أموالا للعملاء وتزيد من أرباح صانعي السيارات. وهذه السياسة، التي يمكن تنفيذها على مستوى الولايات، يمكن أن تعجل من استخدام السيارات والشاحنات والطائرات التي تستخدم تقانات متقدمة، من دون حاجة إلى تشريعات أو ضرائب أو دعم أو قوانين وطنية جديدة.
وفي بلدان أوروبا واليابان، تعتبر العقبة الرئيسية أمام توفير الطاقة هي وجود اعتقاد خاطئ في هذه البلدان بأن اقتصاداتها قد وصلت بالفعل إلى أعلى مستوى من الكفاءة يمكن الوصول إليه. ويزيد مستوى الكفاءة في هذه البلدان على ضعفي مستواها في الولايات المتحدة، غير أنه مازال أمامها شوط طويل. ومع ذلك، فإن أعظم الفرص توجد في البلدان النامية، التي يصل مستوى الكفاءة فيها إلى ثلث قيمته في الولايات المتحدة. فالمحركات ومعدات الإضاءة والأجهزة الأخرى التي تسبب قدرا هائلا من التبديد تباع وتشترى بحرية على نطاق واسع في هذه البلدان. ويلتهم قطاع الطاقة فيها حاليا رُبع ميزانياتها الإنمائية، ليحول هذه الأموال عن المشروعات الحيوية الأخرى. ويقع على البلدان الصناعية جانب من المسؤولية عن هذه الحالة لأن بلدانا كثيرة منها تصدر مركبات ومعدات منخفضة الكفاءة إلى البلدان النامية. ويعتبر تصدير عدم الكفاءة عملا غير أخلاقي وغير اقتصادي. وبدلا من ذلك، ينبغي للبلدان الغنية أن تساعد البلدان النامية على إقامة بنية أساسية تتميز بكفاءة عالية في استخدام الطاقة فتحرر أموالا لمواجهة الاحتياجات الملحَّة الأخرى. وعلى سبيل المثال، فإن رأس المال اللازم لتصنيع مصابيح ونوافذ عالية الكفاءة يقل ألف مرة عن رأس المال اللازم لبناء محطات توليد الكهرباء والشبكات اللازمة لأداء المهام نفسها، مع استعادة الأموال المستثمرة بسرعة تزيد بنحو عشرة أضعاف.
وقد اكتشفت الصين والهند فعلا أن اقتصاديْهما الآخذين في النمو لن يستطيعا الصمود للمنافسة طويلا، إذا استمر ضياع المال والمواهب والصحة العامة في البلدين بسبب تبديد الطاقة. وقد وضعت الصين أهدافا طموحة ولكنها قابلة للتحول عن الطاقة الناتجة من إحراق الفحم إلى الطاقة المتجددة اللامركزية والغاز الطبيعي. (يملك الصينيون إمدادات ضخمة من الغاز ومن المتوقع أن يشرعوا في استغلال الاحتياطيات الهائلة في سيبيريا الشرقية). إضافة إلى ذلك، أعلنت الصين في عام 2004 عن استراتيجية للطاقة تقوم على «تقانات تتقدم بخطى كبيرة» والإسراع بتحسين كفاءة المباني والمصانع والمنتجات الاستهلاكية الجديدة. كما تتخذ الصين خطوات للسيطرة على النمو المتسارع في استخدامها للنفط؛ فبحلول عام 2008 سيصبح بيع كثير من السيارات الأمريكية المتدنية الكفاءة عملا مخالفا للقانون في الصين. وإذا لم يعجِّل صانعو السيارات الأمريكيون بالابتكار بالسرعة الكافية، فإن هناك احتمالا كبيرا أن تجد نفسك خلال العقد القادم تقود سيارة صينية الصنع فائقة الكفاءة. ويهدد ذلك مصير مليون وظيفة في الولايات المتحدة.
أمريكا متحررة من هيمنة النفط
يمكن تخفيض استهلاك الولايات المتحدة ووارداتها من النفط بطريقة مربحة بمضاعفة كفاءة السيارات والمباني والصناعات (الخطوط الصفراء في الشكل البياني). وتستطيع الولايات المتحدة تحقيق المزيد من التخفيض بإحلال البدائل المنافسة محل النفط، كالوقود الحيوي المتقدم والغاز الطبيعي المدخر (الخطوط الخضراء) والوقود الهيدروجيني (الخطوط الرمادية).
ويحفز الاقتصاد العالمي الذي يصبح أكثر تنافسا بصورة مطردة نمطا جديدا مثيرا من أنماط استثمار الطاقة. وإذا استطاعت الحكومات إزالة العقبات المؤسسية والاستفادة بالطابع الديناميكي لحرية التجارة، فإن الأسواق سوف تشجع بالطبع الاختيارات التي تولد الثروة وتحمي المناخ وتجلب أمانا حقيقيا بالاستعاضة عن الوقود الأحفوري ببدائل أقل تكلفة. ويبشر هذا الالتقاء بين المصالح التجارية والبيئية والأمنية ـ من أجل تحقيق الوفرة ـ بعالم أكثر عدلا وثراء وأمانا.
المؤلف
Amory B. Lovins
هو أحد المشاركين في تأسيس معهد جبال الروكي والمدير التنفيذي للمعهد، الذي يُعَدُّ منظمة رائدة غير ربحية، وهذا المعهد موجود في سنوماس بولاية كولورادو. وهو رئيس شركة فايبر فورج، وهي شركة هندسية في گلينوود سبرينگز بكولورادو. وكونه فيزيائيا، عمل <لوکينز> مستشارا لشركات صناعية وحكومات في كافة أنحاء العالم على مدار أكثر من 30 سنة، بصفة رئيسية في مجال الطاقة وصلتها بالبيئة والتنمية والأمن. وقد نشر 29 كتابا ومئات من الدراسات في هذه المواضيع، وحصل على زمالة ماك أرثر وجوائز أخرى كثيرة تقديرا لعمله.
A. B. Lovins and D. R. Cramer in International Journal of Vehicle Design, Vol. 35, Nos. 1-2, pages 50-85; 2004. Available at www.rmi.org/images/other/Trans/T04-01_ HypercraH2AutoTrans.pdf
Winning the Oil Endgame. A. B. Lovins, E. K. Datta, O.-E. Bustnes, J.G. Koomey and N. J. Glasgow.Rocky Mountain Institute, 2004. Available at www.oilendgame.com
A complete list of references can be found online at