جينومات للجميع(*)
يمكن للجيل التالي من التقانات، الذي سيجعل قراءة الدنا DNA سريعة ورخيصة وسهلة المنال، أن ينقلنا، في أقل من عشر سنوات، إلى عصر الطب الملائم لكل شخص. <M.G.تشرش>
عندما انطلقت في عام 1993 الوِب (الشبكة العالمية الانتشار)web، راجت وانتشرت بين ليلة وضحاها، خلافا لمعظم التقانات الجديدة التي تحتاج نمطيا إلى عشر سنوات على الأقل كي تنتقل من إثبات الفكرة إلى القبول الواسع. ولكن الشبكة لم تظهر حقيقة في غضون عام واحد؛ فقد اعتمدت على البنية التحتية بما في ذلك بناء الإنترنت ما بين عامي 1965 و 1993، كما اعتمدت على الإدراك المفاجئ بأن وسائل معينة، كالحواسيب الشخصية، قد تجاوزت العتبة الحرجة.
كما أن قوى التبصر والسوق تحث على تنامي التقانات الجديدة وانتشارها. فمثلا، بدأ برنامج الفضاء برؤية حكومية، وبعد انقضاء زمن طويل نسبيا، دفعت الاستعمالات العسكرية والمدنية للسواتل(1)إلى قابلية التسويق التجاري. وإذا ما تطلع أحدنا إلى الثورة التقانية التالية، التي يمكن أن تتمثل بالتقانة الحيوية، فسيمكنه تصور كيف ستشكل الأسواق والرؤى والاكتشافات والاختراعات مخرجاتها، وكذلك تصور العتبات الحرجة في البنية التحتية والوسائل التي ستجعل ذلك ممكنا.
لقد كنت في عامي 1984 و1985 واحدا بين دزينة تقريبا من باحثين، اقترحوا مشروع الجينوم (المجين) البشري(HumanGenome Project (HGP ، كي نتمكن، لأول مرة، من قراءة كامل كتاب التعليمات من أجل تكوين إنسان والإبقاء عليه والمتضمنة داخل دنانا our DNA. وكان هدف المشروع إنتاج تسلسل كامل لجينوم بشري بتكلفة ثلاثة بلايين دولار أمريكي وذلك ما بين عامي 1990 و 2005.
لقد نجحنا في إنهاء القسم الأكثر سهولة، البالغ 93 في المئة، قبل الموعد المحدد ببضع سنوات، وفي توريث كم كبير من تقانات ومن طرائق مفيدة. وخفض التحسين المتنامي لهذه التقانات ولهذه الطرائق سعر السوق لسلسلة جينوم بشري، سلسلة دقيقة بما يكفي كي تكون مفيدة، إلى تكلفتها الحالية البالغة 20 مليون دولار. ومع ذلك، فإن هذا المعدل يعني أن السلسلة الجينية الواسعة النطاق لاتزال بصورة رئيسية مقتصرة على المراكز المخصصة للسَّلسَلة وحكرا على مشاريع الأبحاث المكلفة.
لقد غدا «جينوم الألف دولار» تجسيدا لوعد مثلته المقدرة على سَلسلة الدنا؛ سلسلة أصبحت تكلفتها قابلة للتحمل لدرجة أن بوسع الأفراد أن ينظروا إلى فكرة الإنفاق مرة واحدة في العمر للحصول على كامل تسلسل الجينوم الشخصي لكل منهم بحيث يقرأ الطبيب هذا التسلسل على قرص يقارنه بتسلسل مرجعي، على أنها فكرة تستحق هذا الإنفاق. كما أن تِقانة السَّلسلة الرخيصة ستجعل المعلومات الجينية ذات معنى أعمق، وذلك بمضاعفة عدد الباحثين القادرين على دراسة الجينومات، وعدد الجينومات التي يستطيعون مقارنة بعضها ببعض كي يستنتجوا الاختلافات بين الأفراد في كل من المرض والصحة.
وتتخطى جينوميات genomics الإنسان البشر إلى بيئة مليئة بالمُمْرِضات والمستأرجاتallergens والميكروبات (الأحياء الدقيقة) النافعة والموجودة في طعامنا وفي أجسامنا. ويُعنى كثير من الناس بخرائط مناخية، ولعلنا سنفيد في وقت ما من خرائط يومية للممرِضات والمستأرجات. كما أن المجالات المتسارعة في نموها للتقانة النانوية، والتقانة الحيوية الصناعية، قد تسرِّع هي الأخرى البحث عن مقاييس بيولوجية لمواد «ذكية» جديدة، وعن ميكروبات، يمكن أن تستعمل في التصنيع أو في المعالجة البيولوجية للتلوث.
وتبقى التكلفة وحدها العقبة الرئيسية أمام هذه التطبيقات وكثير غيرها، بما في ذلك ما علينا أن نتصوره للمستقبل. ويتحدى مشروعان لتقانات ثورية في سلسلة الجينوماتRevolutionary GenomeSequencing Technologies تمولهما المعاهد الوطنية للصحة، العلماء كي يتوصلوا في عام2009 إلى سَلسَلة جينومية للإنسان تكلفتها مئة ألف دولار، وفي عام2014بتكلفة ألف دولار فقط. كما أن هنالك إمكانا لإنشاء أسلوب؛ يمكن تحديده لاحقا، لمنح جائزة نقدية لأول فريق يحقق مثل هذه الاختراقات. إن هذه الأهداف قريبة فعلا. ويوضح مسح للمقاربات الجديدة في تطور طرائق قراءة الجينوم إمكان تحقق خروقات تقانية؛ يمكن أن تنتج جينوما بشريا بتكلفة قدرها عشرون ألف دولار، في خلال أربع سنوات من الآن. كما أن هذه الخروقات ستُلقي الضوء على بعض الاعتبارات التي ستنشأ حال نجاحها.
إعادة اكتشاف قراءة الجينات(****)
في أي طريقة من طرائق السَّلسَلة، يمكن لحجم الدنا نفسه وتركيبه ووظيفته أن تشكل عائقا أو يمكن منابلتها كي تصبح ميزات. ويتألف الجينوم البشري من ثلاثة بلايين زوج (شفع) من جزيئات النكليوتيدات. ويحوي كل نكليوتيد منها واحدا من أربعة أنماط من القواعد (الأسس)، تُختصر بالأحرفA وCوG و T؛ تمثل ألفباء الجينوم؛ مكوِّدة المعلومات المختزنة في الدنا. وترتبط القواعد نمطيا وفقا لمبادئ صارمة لتشكل الدرجات في بنية الدنا المماثلة للسلم. وبسبب قواعد الارتباط هذه، فإن قراءة تسلسل القواعد على طول أحد نصفي السلم، تكشف أيضا عن التسلسل المتمم على النصف الآخر.
إن جينومنا، ذا الثلاثة بلايين قاعدة مقسم إلى ثلاثة وعشرين صبغيا (كروموزوما) منفصلة. ولدى الناس عادة مجموعتان كاملتان من هذه الصبغيات: واحدة من الأب والأخرى من الأم، تختلف إحداهما عن الأخرى بنسبة واحد في المئة. وهكذا، يمكن القول حقيقة إن الجينوم الشخصي لفرد ما، يحتوي على ستة بلايين زوج من القواعد. إن تعرُّف كل قاعدة من القواعد الأربع في مَدٍّ (طول)stretch من الجينوم، يتطلب محسا (جهازا حساسا) sensor يستطيع كشف الفروق بين أنماط القواعد الأربع، بمقياس ما دون النانومترsubnanometer-scale. ويُعتبر المجهر النفقي الماسحscanning tunnelingmicroscopy إحدى الأدوات لطريقة فيزيائية يمكن بوساطتها أن نرى هذه البنى الفائقة الصغر، ونميز بعضها من بعض. ولكن قراءة ملايين أو بلايين القواعد، تعني قطعا أن على معظم تِقانات السَّلسَلة أن تعتمد في مرحلة ما على الكيمياء.
وصارت الطريقة، التي طورها <F.سانگر> في السبعينات، هي المتبعة على نطاق واسع في مشروع الجينوم البشري (HGP)، ولا تزال العنصر الأساسي لمعظم أعمال السَّلسَلة التي تُنجز حاليا. وتوصف التقنية أحيانا بأنها السلسلة بالفصل، وتتطلب دورات عديدة من التضاعف لإنتاج أعداد كبيرة من نُسخ من المدّ الجينومي موضع الاهتمام. وتنتج الدورة الأخيرة نسخة من شُدف متغايرة الأطوال تنتهي كل شدفة منها بقاعدة موسومة فلوريا (تألقيا) flourescentlytaggedbase. وعند فصل تلك الشدف وفقا لأحجامها بسيرورة تُعرف بالرحلان الكهربائي، ثم قراءة الإشارة الفلورية لكل عُلاّمة طرفيةterminal tag عند مرورها بوساطة منظار خاص، فإننا نحصل على تسلسل القواعد في شريط strand الدنا الأصلي.
وتشكل الوثوقية والدقة ميزتين أساسيتين لسَلسَلة <سانگر>. ومع أن تحسينات كثيرة أدخلت على التقنية عبر السنوات، فإنها تبقى مبددة للوقت ومكلفة. لذا، فإن معظم مقاربات السلسلة البديلة عن طريقة <سانگر>، تسعى إلى زيادة السرعة وتخفيض التكلفة، بحذف خطوات الفصل البطيئة ونمنمة المكونات لإنقاص حجوم الكيماويات، وإجراء التفاعلات بطريقة التوازي المفرطة التعدد؛ بحيث تُقرأ ملايين شدف التسلسل في وقت واحد.
وتقاربت مجموعات بحثية كثيرة على طرائق، كثيرا ما جمعت مع بعضها تحت عنوان السَّلسَلة بالتركيبsynthesis، ذلك أنها تفيد من السيرورات العالية الدقة، التي تستعملها المنظومات الحية في نسخ جينوماتها وتصليحها. فمثلا، عندما تستعد خلية للانقسام، تنفصل قائمتا سلم جزيء الدنا إلى شريطيْن. وعندئذ يتحرك(5)إنزيم، يُعرف بالپوليميراز (إنزيم الپلمرة) على طول الشريطين (الطاقين). وباستعماله الشريط الأصلي (القديم) كقالب(6)template، وباتباعه مبادئ تزاوج (تشافع) القواعد، فإن الپوليميراز يحفز إضافة نكليوتيدات، ليشكل تسلسلات متممة. ويقوم إنزيم آخر، يعرف بالليگاز (إنزيم الربط) بوصل هذه القطع * لتتشكل أشرطة جديدة تكون متممة بالكامل للقوالب الأصلية.
وتحاكي طرائق السَّلسَلة بالتركيب أجزاء من هذه السيرورة، على شريط دنا مفرد موضع الاهتمام. فما إن تبدأ سيرورة إضافة القواعد عن طريق الپوليميراز عند نقطة البدء الخاصة بالشريط المتمم الجديد_ ويعرف بالبادئة (المرئِّسة)primer _ أو ما إن يتم تعرف نقطة البدء هذه من قبل إنزيم الليگاز كشريط تزاوجي_ تتامي _ حتى يتم الكشف عن تسلسل القالب.
وغني عن البيان أن طرائق الكشف هذه تتفاوت بين المجموعات البحثية، ولكنها جميعها تستعمل بالتأكيد نمطا من نمطيْن إشاريين. فإذا ما تم ربط جزيء فلوريfluorescent بالقواعد المضافة، فإنه يمكن رؤية الإشارة اللونية بمجهر ضوئي. ويتم استعمال كشف الفلورةfluorescence في كل من سيرورتي إطالة القواعدbase-extension وسَلْسَلة الربطligation sequencing، من قبل مجموعات بحثية كثيرة، بما في ذلك <M.مزكر> وزملاؤه [في جامعة بيلور] و <R.ميترا> [في جامعة واشنطن بسانت لويس] ومن قبل المختبر الخاص بي في كلية طب هارفرد، ومن قبل أجنكورت بيوساينس كورپوريشنAgencourtBioscienceCorporation.
وتستعمل طريقة بديلة پروتينات ضيائية أحيائية bioluminescentproteins، كإنزيم اللوسيفراز لليراعة(7) firefly، وذلك لكشف مركب پيروفسفات الذي يتحرر عند ارتباط قاعدة بشريط البادئة. ويستعمل هذا النظام، الذي طوره <M.روناگي> [ويعمل في جامعة ستانفورد] كل من شركتي پيروسيكونسينك/بيوتاگو454 لايف ساينسز.
ويتطلب عادة كلا شكلي الكشف شواهد متعددة لتفاعل المزاوجة لكي يحدث في اللحظة ذاتها، كي يصدر إشارة على درجة من القوة بحيث يمكن رؤيتها، وبذلك يمكن اختبار كثير من نسخ التسلسل المعني على نحو متزامن. ولكن بعض الباحثين يعمل حاليا على طريقة، تُكشف بوساطتها إشارات فلورية، تصدر عن جزيء واحد فقط للشريط القالب. ويتبنى مقاربة الجزيء المفرد هذه كل من <S.كووك> [من معهد كاليفورنيا للتقانة] وعلماء في شركتي هيليكوس بيوساينسز ونانوفلوديكس، بهدف اقتصاد الوقت والتكلفة، وذلك باستبعاد الحاجة إلى صنع نسخ من القالب الذي ستتم سلسلته.
وينطوي كشف جزيئات فلورية مفردة على كثير من التحدي، لأن ما يقرب من خمسة في المئة يفقد خلال الكشف، ولابد عندئذ من أخذ «قراءات» أكثر لتلافي أخطاء الفجوات الناجمة عن هذا الإخفاق في الكشف. ولهذا السبب فإن معظم مجموعات البحث، يعمد أولا إلى نسخ، أو تضخيم، قالب الدنا المفرد المعني، بسيرورة تعرف بتفاعل سلسلة الپوليميرازpolymerase chainreaction (PCR). وبرز في هذه الخطوة أيضا تنوع من المقاربات، جعل أمر استعمال البكتيرات(8) لتوليد نسخ من الدنا غير ضروري.
ووفقا لطريقة تضخيم لاخلوية طورها <E.كاواشيما> [من معهد سيرونو لأبحاث الصيدلانيات في جنيف] و <A.شيتفيرين> [من الأكاديمية الروسية للعلوم] و <ميترا>[عندما كان في هارفرد] يتم إنشاء مستعمرات منفردة من الپوليميرازIndividual coloniesof polymerase (پولونيات(9)polonies) تُنشر طليقة كصَفيفات على سطح شريحة مجهرية، أو على سطح طبقة من الهلامةgel. ويُخضع جزيء قالب الدنا المفرد داخل كل پولونية للتفاعلPCR، وهذا يؤدي إلى إنتاج ملايين النسخ، التي تنمو في الواقع مثل مستعمرة بكتيرية، من القالب الأصلي المركزي. ولأن كل تجمع پولوني ناتج يكون عرضه ميكرونا واحدا وحجمه فمتولترا(10)واحدا، فإن شريحة مجهرية مفردة، تستوعب على سطحها بلايين الپولونيات.
وإجراء تغير في هذا النظام ينتج لأول مرة پولونية على خرزات غاية في الصغر، تتوضع داخل قطيرات ضمن مستحلب. ويمكن، بعد حدوث التفاعل، وضع ملايين من هذه الخرزات، التي تحمل كل منها نسخا من قالب مختلف، في نُقَر wells مستقلة في الشريحة، أو تثبيتها بوساطة هلامة، حيث تنجز السلسلة في الخرزات جميعها على نحو متزامن.
وليست هذه الطرائق لتضخيم القالب وللسلسلة بإطالة القواعدbase extensionأو بالربطligation سوى أمثلة قليلة للمقاربات التي تتبناها دزينة من المجموعات والشركات البحثية الأكاديمية المختلفة للسلسلة بالتركيبsquencing bysynthesis.
كما أن تقنية أخرى، وهي السّلسَلة بالتهجين، تستعمل الفَلْورة لتوليد إشارة مرئية، وتستثمر، كما هي الحال في تقنية السّلسَلة بالربط، خاصةَ نزوع أشرطة الدنا إلى أن تترابط (تتشافع) أو إلى أن تتهجن مع التسلسلات المتممة لها وليس مع التسلسلات غير المترابطة. إن هذا النظام، الذي تستعمله الشركات أفِّيمتريكس وپيرلجن ساينسزPerlegen Sciences وإلُّوميناIllumina، والذي يبحث في المقام الأول عن التباينات في تسلسلات جينوم معروف، هو فعلا قيد الاستعمال التجاري الواسع الانتشار. ويتطلب هذا النظام تركيب أشرطة مفردة قصيرة من الدنا في كل تضامنية ممكنة لتسلسلات القواعد ثم تنظيمها (تصفيفها) على شريحة كبيرة. وعندما يمرر محلول يحوي نسخا من الشريط القالب ذي التسلسل المجهول عبر هذه الصَّفيفة array، فإن هذه النسخ ستترابط بالتسلسلات المتممة لها. ويُصدر أفضل تزاوج (ترابط) match الإشارة الفلورية الأكثر سطوعا. وتضيف الشركة إلومينا أيضا خطوة إطالة القواعد baseextensionلهذا الاختيار لنوعية التهجينhybridization specificity.
وتتناول تقنية أخيرة ذات واعدية مرموقة على المدى البعيد مقاربة مختلفة كليا لتعرّف أفراد القواعد في جزيء الدنا. وتركز هذه الطرائق، التي جُمعت كلها تحت عنوان السَّلسَلة النانوية المسام nanopore، على الفروق الفيزيائية بين أنماط القواعد الأربعة، كي تنتج إشارة مقروءة. فعندما يمر شريط مفرد من الدنا عبر مسام قطره1.5 نانومتر، فإنه يحدث تموجات في الإيصالية الكهربائيةconductance للمسام. وينتج كل نمط من القواعد تغيرا طفيفا مختلفا في الإيصالية، يمكن استعماله لتعرّفه [انظر الإطار في الصفحة26]. إن هذه الطريقة، التي ابتكرتُها و <D.برانتون> [من هارفرد] و<D.ديمر> [من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز] لا تزال قيد التطوير من قبل الشركة أجيلانت تكنولوجيزAgilentTechnologies وآخرين، حيث يتم إدخال تعديلات مهمة، مثل كشف إشارة التفلور.
تخفيض التكلفة(********)
إن تقويم أنظمة الجيل التالي للسلسلة هذه بمقارنة بعضها ببعض وبطريقة <سانگر>، يوضح بعض العوامل التي ستؤثر في مدى نفع كل منها. فمثلا، نشرت مؤخرا مجموعتان بحثيتان، الأولى مجموعتي في هارفرد والثانية من الشركة 454 لايف ساينسز، توصيفات مُحكَّمة لمشاريع مقياس سلسلة الجينوم، تسمح بالمقارنات المباشرة.
فلقد وصفتُ مع زملائي سلسلة بنظام الربط، تستعمل تضخيم خرزات پولونيةpolony لدنا القالب، ومجهرا رقميا عاديا لقراءة إشارات التفلور. واستعملت مجموعة454 تقنية مماثلة من التفاعلPCR في مستحلب الزيت للتضخيم، متبوعة بسَلسَلة إطالة القواعد بكشف الپيروفسفات في صَفيفة من النُّقر. وقرأت كل مجموعة من المجموعتين الكمية نفسها من التسلسل؛ أي30مليون زوج من القواعد، في كل دورةrun سَلسَلة. وفي حين أن نظامنا قرأ نحو400زوج من القواعد في الثانية الواحدة، فإن نظام مجموعة454 قرأ 1700 في الثانية. وتنطوي السلسلة عادة على أداء دورات متعددة لإنتاج تسلسل توافقيconsensusأكثر دقة. وبتغطية قدرها43 مرة (x43)؛ أي 43 دورة لكل قاعدة للجينوم المستهدف، فإن المجموعة 454 أنجزت دقة قدرها خطأ واحد في كل2500 زوج من القواعد. أما مجموعة هارفرد فتوصلت إلى أقل من خطأ واحد في كل ثلاثة ملايين زوج من القواعد، وبتغطية قدرها x 7 (سبع مرات). ولمنابلة القوالب استعمل كلا الفريقين خرزات آسرةcapture، انعكس حجمها على كمية الكواشف الغالية المستهلكة. وكان قطر الخرزة التي استعملتها مجموعتنا ميكرونا واحدا، في حين أن المجموعة454 استعملت خرزات قطر الواحدة منها28 ميكرونا؛ في نُقَرٍ سعة كل منها75 پيكولتر ( 10-12 x75لتر).
إن وسطي تكلفة أفضل طرائق السلسلة المتاحة والقائمة على الرحلان الكهربائي هو دولار واحد لكل150 زوجا من القواعد في كل تسلسل منجز. ولم تنشر المجموعة454 التكلفة على أساس المشروع، لكن فريق هارفرد أنجز تسلسلا بتكلفة دولار واحد لكل1400 زوج من القواعد، وهذا يمثل تخفيضا في التكلفة قدره تسعة أمثال.
ويُتوقع قريبا جدا أن تخفِّض هذه التقنيات الجديدة وغيرها تكلفة سَلسَلة البلايين الستة لأزواج القواعد لجينوم أي منا إلى مئة ألف دولار. وستتوقف محاولة تخفيض التكلفة إلى قيمة أقل في أي جيل تال من طرق السَّلسَلة على بضعة عوامل أساسية. وبالنظر إلى أن الأتمتة أضحت حاليا أمرا مألوفا في الأنظمة كافة، فإن الإنفاق الأكبر سيكون على الكواشف الكيميائية والتجهيزات. ولقد خفَّضت النمنمة miniaturization فعلا استعمال الكواشف بالقياس إلى تفاعلات<سانگر> التقليدية بمقدار بليون ضعف؛ أي من ميكرولتر (10-6 لتر) إلى فمتولتر (10-15 لتر).
ويمكن لأجهزة تصوير تحليلية عديدة أن تجمع بيانات أولية بمعدلات تصل إلى بليون بايت (جيگابايتgigabyte) في الدقيقة الواحدة، ويمكن لحواسيب أن تعالج المعلومات بسرعة قدرها بلايين عديدة من العمليات في الثانية. لذا، فإن أي جهاز تصوير مقيد بسيرورات فيزيائية أو كيميائية بطيئة، كالرحلان الكهربائي أو التفاعل الإنزيمي، أو أي نظام غير مرزوم رزما محكما في الحيّز أو الزمن، ويحصي كل خرزة pixel من الخرزات، سيكون بالتوازي ذا تكلفة تشغيل عالية، لكل وحدة قاعدة دنا يتم تحديدها.
ويتمثل اعتبار آخر في الحكم على تِقانات السلسلة الناشئة بكيفية استعمالها. وتنزع الطرائق الجديدة إلى تبني قراءة تسلسلات قصيرة؛ يراوح طولها ما بين5 و 400 زوج من القواعد مقارنة بطول 800 زوج من القواعد في القراءة النمطية في تقنية <سانگر>، ولذلك تكون سلسلة قطع الدنا، ووضعها متتاليةً بعضها في إثر بعض لجينوم غير معروف مسبقا بدءا من لا شيء، أكثر صعوبة في التقانات الجديدة. ولكن إذا كان الطب هو المحرك الرئيسي لسَلسلة واسعة النطاق، فعلينا عندئذ أن نعيد سلسلة الجينوم البشري للبحث عن اختلافات ضئيلة جدا في دنا الأفراد. ولن تمثل، والحالة هذه، قراءة أطوال التسلسلات القصيرة مشكلة تقنية.
وستكون أيضا متطلبات الدقة من وظائف التطبيقات. فقد تتطلب الاستعمالات التشخيصية تخفيضا لمعدلات الخطأ إلى ما دون المعيار الحالي الذي يستعمله مشروع الجينوم البشريHGP وهو 0.01 في المئة؛ لأن هذا المعيار مازال يتيح الفرصةل600000 خطأ في كل جينوم بشري. ومن جهة أخرى فقد ثبت أن معدلا عاليا من الخطأ (4 في المئة) في اعتيانsampling عشوائي للجينوم يكون مفيدا في اكتشاف الأنماط المختلفة للرناRNAوللنُّسُج، وفي تصنيفها. كما أن استراتيجية مماثلة «قسرية» shotgun تطبق في الاعتيان البيئي، حيث إن عددا ضئيلا مثل 20 زوجا من القواعد، يكفي لتعرف كائن حي في نظام بيئي.
إعلاء القيمة(*********)
ولدينا، وراء تطوير هذه التِّقانات الجديدة للسَّلسَلة، كثير من العمل لننجزه، في خلال فترة قصيرة من الوقت كي ترقى جاهزيتنا لحلول عصر قراءة الجينوم المنخفض التكلفة. وستكون هنالك حاجة إلى برمجيات لمعالجة معلومات التسلسل كي تصبح، على سبيل المثال، طيعة للأطباء. وسيحتاجون إلى طريقة، تُشتق بوساطتها قائمة بالأولوية ذات الطابع الفردي لكل مريض فيما يتعلق بالاختلافات الجينية العشرة الأولى، أو نحو ذلك، التي يرجح أن تكون مهمة. وسيكون جوهريا على حد سواء تقييم تأثيرات الإتاحة الواسعة النطاق لهذه التقانة لدى الناس.
لقد أقام المشروع HGP منذ استهلاله برنامجا بتكلفة عشرة ملايين دولار سنويا لدراسة القضايا الأخلاقية والقانونية والاجتماعية، التي ستطرحها سَلسَلة الجينوم البشري، والتصدي لإشكالاتها. واتفق المشاركون في هذا المسعى على جعل بياناتنا جميعها متاحة علانية بسرعة غير مسبوقة_في خلال أسبوع من الاكتشاف، ووقفنا في وجه المحاولات التي تسعى إلى الاتجار بالطبيعة البشرية. ووُجِّه اهتمام خاص إلى حماية الغُفلية(11)anonymity لجينومات الناس (إن «الجينوم البشري» الذي قمنا بسَلسَلته كان فسيفساء لصبغيات عدة أفراد من الناس). ولكن كثيرا من الأسئلة الرئيسية حقا لا يزال قائما، مثل الكيفية التي نضمن بها الخصوصية والعدالة في استعمال المعلومات الجينية الشخصية من قبل العلماء وشركات التأمين وأرباب العمل والمحاكم والمدارس ووكالات التبني والحكومة والأفراد الذين عليهم أن يتخذوا قرارات سريرية وإنجابية (توالدية).
وتحتاج هذه الأسئلة الصعبة والمهمة إلى أن تُبحث بصرامة مثل أوجه الاكتشافات التقانية والبيولوجية للجينومياتgenomics البشرية. وبهذا القصد، استهللْتُ مع زملائي برنامجا جينوميا شخصيا PersonalGenome Project ، للبدء باستكشاف الأخطار الكامنة، ومزايا العيش في عصر الجينوميات الشخصية.
وعندما نستثمر في أسهم أو ملكيات ثابتة أو علاقات، فإننا ندرك سلفا أنه ما من شيء موثوق. ونفكر احتماليا في الأخطار مقابل القيمة، مدركين مسبقا أن الأسواق معقدة كالحياة. وتماما مثل ما أحدثته في التقانات الرقمية الشخصية من ثورات اقتصادية واجتماعية وعلمية، لم يكن لأحد أن يتصورها عندما استعملنا الحواسيب القليلة الأولى، علينا أن نتوقع ونهيئ أنفسنا لتغيرات مماثلة، وذلك في الوقت الذي نرتحل فيه إلى الأمام، منطلقين من جينوماتنا القليلة الأولى.
المؤلف
George M. Church
أستاذ الوراثيات في كلية طب هارفرد، ومدير مركز هارفردذليپر للوراثيات الحسابية التابع لمختبر التِّقانة الجينومية في وزارة الطاقة الأمريكية، ومراكز التميز لعلم الجينومات التابعة للمعاهد الوطنية للصحة. وتجسِّر أبحاثه وتُكامِل تقانات تحليل وتخليق الجزيئات الأحيائية والخلايا. يملك عشر براءات اختراع أمريكية، وقد عمل مرشدا علميا لأكثر من عشرين شركة.
مراجع للاستزادة
Advanced Sequencing Technologies: Methods and Goals. Jay Shendure, Robi D. Mitra, Chris Varma and George M, Church in Nature Reviews Genetics, Vol.5, pages 335-344; May 2004.
How Sequencing is Done. DOE Joint Genome Institute, U.S.Dept. of Energy, Office of Science, updated September 9, 2004. Available at www.jgi.doe.gov/education/how.index.html
NHGRL Seels Next Generation of Sequenome Technologies. October 2004 news release acailable at www.enome.gov/12513210
Accurate Multipiex Polony Sequencing of an Evolved Bacterial Genome, Jay Shendure et al. in science, Vol. 309, pages 1728-1732; September 9, 2005.
Genome Sequencing in Microfabricated Hight-Density picolitre Reactors. Marcel Margulies et al. in Nature, Vol. 437, pages 376-380; September 15, 2005.
(*) GENOMES FOR ALL (**) Overview/ DNA Revolutions (***) Reading DNA (****) Reinventing Gene Reading (*****) Sequencing By Synthesis (******) Nanopore Sequencing (*******) The Personal Genome Project (********) Lowering Cost (*********) Raising Value
(1) الاقمار الصناعية (2) أو طاق أو خيط. (3) هي شدفة الدنا التي لا بد من ارتباط نكليوتيداتها القليلة (8 نكليوتيدات تقريبا) بالقالب، كي يلتصق بها پوليميراز (إنزيم پلمرة) الدنا DNA polymerase، ويبدأ بتركيب الشريط أو الشُّدفة المتممة للقالب؛ إنها تبدأ تنسّخ الدنا، أو تركيبه. (التحرير) (4) أو ميسم أو سمة. (5) ما يحدث فعلا أن الشريط ـ نظرا إلى ضآلة حجمه نسبة إلى الإنزيم ـ هو الذي يعبر نفقا في جزيء الإنزيم، ويتم التركيب. (6) هو شريط (أو شُدفة) الدنا، الذي يتم تركيب شريط (أو شُدفة) متمم له بالتقابل بوساطة إنزيم پوليميراز الدنا في الطور S من الدورة الخلوية، أو في المختبر. فهو يدل الإنزيم على التسلسل الذي يُعتزم بناؤه، ويرشده إلى وضع النكليوتيدات المتممة بالتقابل. (التحرير) (7) اليراعة: ليست ذبابا على الإطلاق، وإنما هي من الحشرات الغمدية الأجنحة التي تضم الخنافس والسوس [انظر: «كيف تضيء اليراعات ولماذا؟»، العلوم 6/7 ، العددان (2006)، ص 82]. (8) ومفردها بكتيرة. (9) ومفردها پولونية. (التحرير) (10) الفمتولتر femtoliter: 10-15 لتر. (11) غفلا من الاسم (غير منسوب لفرد بعينه). |
||||||||||||||||||||||||||