أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بيولوجياعلم الأعصاب

نحو سيطرة أفضل على الألم

نحو سيطرة أفضل على الألم(*)

إن التقدم في فهمنا للخلايا والجزيئات التي تنقل إشارات الألم في أجسادنا

يسهم في تحقيق أهداف لأدوية جديدة يمكنها تسكين أنواع مختلفة من الألم،

بما فيها تلك التي لا يمكن السيطرة عليها بالمعالجات المتوافرة حاليا.

<I.A.باسباوم> – <D.جوليُس>

 

يظهر الألم بطيف واسع من الأحاسيس البغيضة. فهناك الألم النابض والألم الداعي للحك والوجع الخفيف المستمر والألم الواخز والقارص والطارق والثاقب. إلاّ أن جميع أنواع الألم هذه تشترك بشيء واحد، وهو أن من يعانيه يتمنى بشغف زواله!

 

ومعظم مسكنات الألم التي تستخدم اليوم هي بالأساس علاجات شعبية بقيت تُستهلك خلال عدة قرون؛ فالمورفين morphine والأفيونات الأخرى تستخرج من نبات الخشخاش opium poppy، والأسپرين وبقية مضادات الالتهابات اللاستيرويدية(NSAIDs) مثل إيبوپروفينibuprofen لا تجدي في بعض الآلام  المعندة. وحتى الأفيونات التي تعتبر أقوى المسكنات، لا تفيد كل إنسان؛ كما أن لها مضاعفات جانبية مهمة، ومن شأنها رفع عتبة المرضى على احتمال الألم، وهذا يجعلهم يحتاجون إلى جرعات متزايدة للحصول على الراحة من أوجاعهم.

 

خلال العشرين سنة الماضية، تعلم إخصائيو العلوم الحيوية العصبية الكثير من الدراسات الخلوية والجزيئات المختصة التي تنقل إشارات الألم في جسم الإنسان. واليوم تستخدم هذه المعرفة لتكوين استراتيجيات جديدة لتدبير الألم بشكل أفضل وبآثار جانبية أقل. ويمكن القول إن الاتجاهات العلاجية التي تُستقصى الآن للسيطرة على الألم هي من الكثرة بحيث لا يمكننا الإحاطة بجميعها في هذه المقالة.

شرارات من نار(**)

 

في القرن السابع عشر أتى الفيلسوف الفرنسي <R.ديكارت> بنظرية لتفسير كيفية شعور الناس بالألم، فأي عقصة أو ضربة أو وخزة في رأيه تشد على حبل عصبي وظيفته أن يقرع جرس الإنذار بالألم في الدماغ. فإذا تصورنا أن قدما تعرضت للحرق مثلا، «انتقلت شرارات من نار بسرعة عبر الألياف العصبية لتصل إلى الدماغ.»

 

ولم يكن <ديكارت> بعيدا بُعدا كبيرا عن الصحة، فالألم عادة يبدأ في المحيط، من الجلد أو في أي عضو خارج الجهاز (الجملة) العصبي المركزي (CNS) [المؤلف  من الدماغ والنخاع الشوكي]. فإذا تعرضت إصبع قدمك للرض مثلا أو إذا لمست بالخطأ مدفأةً ساخنة، تأثرت خلايا عصبية خاصة تدعى مستقبلات الألمnociceptors وظيفتها التفاعل مع المحرضات المؤلمة كالحرارة المرتفعة أو  الضغط الميكانيكي أو المركبات الكيميائية الناتجة من أذية أو التهاب.

 

ولكل خلية من مستقبلات الألم هذه «ذراعان»: الذراع (أو الفرع) الأولى وظيفتها كشف الإحساس، وتمتد إلى محيط الجسم حيث تعصّب بقعا صغيرة من النسج، والذراع الأخرى تمتد إلى النخاع (الحبل) الشوكي spinal cord(انظر الإطار في الصفحة32)؛ أما جسم الخلية العصبيةneuron فيقبع في «عقدة  عصبية» خارج العمود الفقري بين الفرعين (الذراعين). فإذا واجهتْ جزيئات كيميائية كاشفة على الفرع المحيطي عاملا مؤذيا في الجلد أو في أي عضو آخر، أحدثت موجة عصبية تسلك الفرع إلى الخلية العصبية في الوسط. ثم يعبر الفرع الآخر إلى منطقة في النخاع الشوكي تدعى القرن الظهريdorsalhorn. وهناك تحرر الخلايا مستقبلات الألم جزيئات كيميائية أخرى مؤشرة تدعى النواقل العصبيةneurotransmitters، وظيفتها تفعيل الخلايا العصبية في القرن الظهري، حيث تحثها على نقل رسالة التحذير هذه صعودا إلى الدماغ. ومع أن مستقبلات الألم كثيرا ما تُصَوَّر على أنها الخلايا العصبية المستشعرة للألم(1)، فوظيفتها لا تتعدى الإعلام بوجود منبهات أو مخرشات مؤذية، أما العضو الذي يترجم الإشارة على أنها ألم حقيقي ويجعلنا نصرخ «آخ» فهو في الواقع الدماغ.

 

ولا يمكن القول إن جميع أنواع الألم تدعو إلى القلق، فالألم الحاد الذي يرافق أذية نسيجية بسيطة مثل الوثي sprain أو السجح abrasion يعتبر وقائيا، لأنه  يدعو المصاب إلى تفادي أذية أكبر. هذا النوع من الألم عادة ما يكون مؤقتا ويزول بعد فترة.

 

أما الألم الذي يسبب القلق والإزعاج للمرضى والأطباء فهو الألم الذي يبقى مستمرا ويعصى على المعالجة. وغالبا ما يكون سبب المشكلة استمرار الأذية أو الالتهاب الذي أحدث انزعاج المريض في الأساس؛ فأوجاع التهاب المفاصل مثلا سببها استمرار عملية الالتهاب، وآلام السرطان المتقدم المعندة تحصل من تواصل تخرب النسج المصابة والتهابها.

 

وفي حالات أخرى ينتج الألم المستمر من تأذي الخلايا العصبية نفسها، مثلما يحصل عندما تتخرب خلايا الجهاز العصبي المركزي [الدماغ والنخاع الشوكي] بسبب التصلب المتعدد multiplesclerosis أو بسبب ضربة دماغية أو بسبب رض  في النخاع الشوكي. كذلك يمكن حصول الألم المستمر من أذية الخلايا العصبية المحيطية، مثلما هي الحال في الذين يتعرضون لبتر في الساق ويعانون ما يسمى ألم الطَّرف الشَّبَحي phantomlimb pain، أو الذين يشكون من آلام جلدية حارقة تبقى مستمرة عدة سنوات بعد انتهاء إصابتهم بنوبة من عدوى (خمج) الحلأ herpesinfection. جميع هؤلاء يعانون آلاما ذات منشأ عصبي، وهنا لا يكون الألم المستمر كناية عن تواصل أذية أو مرض في أحد الأعضاء، إنما يكون علّة في الجهاز العصبي نفسه تستوجب عناية طبيب مختص بعلاج الألم.

 

آلام لا تنتهي(***)

 

ولعل المَخرج المشترك الأعظم لكثير من الآلام المعندة على المعالجة هو حساسية المريض غير الطبيعية للمنبهات. وهذه الحساسية قد تأخذ شكل ردود فعل مفرطة تجاه مصادر ألم عادية(2)، أو شكل تألم من عوامل غير ضارة عادة(3)، وفي الشكل الأخير يمكن حتى لاحتكاك الثياب العادي مع الجلد، أو ثني أحد المفاصل، أن يتسبب في آلام غير محتملة للمريض.

 

 

على المرضى أن يدركوا أنهم غير ملزمين بتحملالآلام المعندة وأن تلك الآلام يلزمها معالجة جذرية.

 

 

وقد أدرك علماء الأحياء اليوم أن هذه الحساسية المفرطة تنجم عن تغيرات عضوية في الخلايا العصبية على مستوى الجزيئات، ففي محيط الجسم مثلا قد تؤهب بعض الجزيئات المحرضة على الالتهاب في مستقبلات الألم الكاشفة للأذيات، قد تؤهبها لأن تبالغ في التفاعل مع تلك المنبهات. بل قد تجعلها ترسل إشارات للدماغ من دون وجود أي مؤثر بيئي.

 

 

 

نظرة إجمالية/ تخفيف الألم(****)

 

هناك خلايا عصبية مخصصة (تدعى مستقبلات الألم) تستجيب للمنبهات المؤذية. وهذه الخلايا تنقل رسالة الألم إلى خلايا عصبية أخرى في النخاع الشوكي، ترسل بدورها الإشارة إلى الدماغ.

تمتلك مستقبلات الألم وخلايا عصبية أخرى في دارات الألم جزيئات خاصة للكشف عن المنبهات المسببة للألم، وهذه الجزيئات يمكن أن تستخدم أهدافا لعقاقير قيد التطوير مهمتها تخفيف الألم بآثار جانبية أقل من تلك التي تحصل من العقاقير المتوافرة حاليا.

 

 

كذلك قد تنجم حساسية للمنبهات من تبدلات تحصل في الجهاز العصبي المركزي تولد فعالية مفرطة في الطرق العصبية الناقلة للألم. هذه التبدلات التي يمكن أن تستمر فترات طويلة، قد تشمل عرض أعداد متزايدة من المستقبلات التي تستجيب للنواقل العصبية التي تحررها مستقبلات الألم، وقد تشمل حتى إعادة صياغة الاتصالات العصبية، أو فقدان فعالية الخلايا العصبية التي عادة ما تكبح إشارات الألم. وعندما تحصل التبدلات المؤدية إلى فرط الحساسية في الجهاز العصبي المركزي ندعو الحالة «حساسية مركزية».

 

ومهما تكن الآلية المسؤولة، فقد أصبح معلوما أن الألم المستمر يمكن أن يؤدي إلى زيادة التحسس، ومن ثم إلى تفاقم الشعور بالألم وطول بقائه؛ لذلك صار موضوع تلطيف ردود الفعل المفرطة تجاه المنبهات من أهم ما يفكر فيه الإخصائيون وهم يبحثون عن علاجات مضادة للألم جديدة. وعلى المرضى في هذه الأثناء أن يدركوا أنهم غير ملزمين بتحمل الآلام المعندة، وأن يسعوا إلى معالجتها حثِّيثا لدى الإخصائيين كي يتفادوا مشكلة فرط الحساسية.

 

لنبدأ من الأول(*****)

 

لقد توجه الإخصائيون في محاولاتهم اكتشاف أدوية جديدة مضادة للألم إلى المكان الذي تصدر عنه معظم الإشارات الألمية: محيط الجسم. فبعض الجزيئات المختصة التي تستخدمها مستقبلات الألم للكشف عن المنبهات المؤذية يندر أن توجد في غير هذه المناطق؛ لذلك إن تمكنا من إعاقة عمل هذه الجزيئات، أغلقنا الطريق على إشارات الألم من دون تعطيل عمل وظائف الجسم الفيزيولوجية الأخرى، أي من دون تسبيب مضاعفات جانبية غير حميدة.

 

ومعظم علاجات الألم الشائعة اليوم _ كالأسپرين ومضادات الالتهاب اللاستيرويدية(NSAID) الأخرى _ تؤدي وظيفتها السحرية في المحيط، فإذا أوذيت ناحية من محيط الجسم، ضخَّت خلايا النسج المتأذية مركبات كيميائية تدعى پروستاگلانديناتprostaglandins، تعمل على خفض عتبة ردود الفعل عند فروع مستقبلات الألم التي تستشعر حس الانزعاج. وما يفعله الأسپرين والمركباتNSAID هو كبت لفعّالية مجموعة من الإنزيمات تدعى سايكلو أكسجينازاتcyclooxygenases تستخدمها الخلايا لتوليد الپروستاگلاندينات. وهذه العقاقير التي تباع من دون وصفةover-the-counter تسكِّن أوجاع وآلام  الكثيرين كل يوم، لكنها تثبط توليد الپروستاگلاندينات في نواح أخرى من الجسم، وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى آثار جانبية غير حميدة، مثل آلام المعدة والإسهالات والقرحة الهضمية. وهي مضاعفات كثيرا ما تمنع استخدام هذه العقاقير لفترات طويلة، كما تحد من حجم الجرعات التي تعطى منها.

 

 

الشعور بالألم(******)

 

إن دارة الألم (المصورة هنا بشكل مبسط) تمتد من محيط الجسم (الجلد والنسج الأخرى خارج الجهاز العصبي المركزي) إلى النخاع الشوكي والدماغ. فالمنبهات المؤلمة تنشّط خلايا عصبية خاصة تستشعر الألم (مستقبلات الألم _ اللون الزهري)، وهذه بدورها تولد نَبضات تحمل رسالة الخطر إلى الخلايا العصبية في القرن الظهري للنخاع الشوكي (اللون الأزرق). أخيرا تبعث هذه الخلايا بالرسالة إلى الدماغ الذي يفسرها حسا بالألم.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2006/10/scan0021.gif

 

ومن أجل تخفيف هذه المضاعفات الهضمية اختَرعت شركات الأدوية مجموعة من العقاقير التي تستهدف الإنزيم سايكلو أكسجيناز COX-2)2),ولما كان هذا الإنزيم لا يعمل عادة في المعدة أو في المعى(4)، فإن تثبيطه من شأنه ألا يسبب الخلل الوظيفي الذي تسببه العقاقيرNSAID الشائعة التداول، ولو أنه غير مثبت  حتى الآن كونها ألطف من هذه الأخيرة على غشاء المعدة. إلا أن العقاقير الجديدة ثبت أن ثمة مشكلات خاصة بها، فالعقار روفيكوكسيبRofecoxib المعروف تجاريا باسم کيوكسVioxx _ وهو من مثبطات الإنزيمCOX-2 التي شاع وصفها لآلام  التهاب المفاصل _ سُحب من الأسواق عندما تبين أن استخدامه يترافق مع ازدياد احتمال حدوث السكتات القلبية والدماغية. وتدرس حاليا احتمالات الضرر في استعمال مثبطات أخرى للإنزيمCOX-2.

 

عليك بالأطعمة الحرّيفة(*******)

 

لقد أدى اكتشاف أهداف علاجية توجد على مستقبلات الألم لوحدها، إلى تصنيع أدوية تعمل على إزالة الألم بشكل انتقائي. ولعل مستقبلة الكاپسايسينcapsaicin هي الأكثر إثارة من بين هذه الأهداف؛ إذ إن هذه القناة  الأيونية الموجودة في غشاء كثيرٍ من خلايا مستقبلات الألم لا تتجاوب فقط مع المادة كاپسايسين، وهي المادة الفعالة في الفليفلة الحارّة (الحادّة)، وإنما للحرارة الشديدة وللپروتوناتprotons، وهي أيونات (شوارد) الهدروجين التي تجعل المأكولات حامضة. ومن المعروف أن الپروتونات توجد في النسج الالتهابية بكثرة. فبحضور هذه المركبات الكيميائية أو بوجود حرارة مرتفعة فوق43 درجة  مئوية، تسمح هذه القناة بمرور أيونات الصوديوم والكالسيوم بكثرة عبر غشاء الخلية إلى مستقبلات الألم، وهذا يحفزها على توليد إشارة تترجم إلى حِس بالحرق تسببه الحرارة أو الالتهاب أو الأطعمة الحرّيفة (الحادة المذاق).

 

لذلك من المتوقع أن المواد التي تكبح مستقبلات كاپسايسين من شأنها أن تُخمد ألم الالتهاب. وبالفعل ثبت في مختبر الحيوانات أن تلك المواد المضادّة يمكنها أن تُسكن الآلام الشديدة الناتجة من البيئة الحامضة التي تحيط بالأورام المتقدمة التي انتقلت إلى العظام وخربتها. ولا عجب إذًا أن شركات أدوية كثيرة تتنافس اليوم على اختراع مضادات لمستقبلات كاپسايسين.

 

ولا تقتصر معالجة المستقبلات على هذا الأمر، فقد تبين _ مما يثير الدهشة _ أن إثارة مستقبلات كاپسايسين عمدا بدلا من كبحها يمكن في بعض الحالات أن يخفف الألم، ولذلك أخذ الأطباء يصفون مراهم تحوي المادة كاپسايسين للراحة من آلام الحكاك، أو إحساسات اللسع التي ترافق التئام الجروح، أو تلف الأعصاب الناتج من داء السكري، أو الحلأ (الهربس) أو عدوى الإيدزHIVinfection. ومع أن سبب الاستفادة من هذه المراهم غير واضح حتى الآن، فالتعرض الطويل لجرعات خفيفة من الكاپسايسين يمكن أن يثبط حساسية المستقبلات، ويجعلها أقل استجابة للمنبهات العادية، أو أنه يستنفد النواقل العصبية التي تٌحررها الخلايا مستقبلات الألم.

 

 

أهداف علاجية في محيط الجسم(********)

 

إن الفروع الصغيرة لخلايا مستقبلات الألم التي تعصب الجلد والأعضاء الداخلية تمتلك جزيئات مختصة (مستقبلات) يمكنها كشف المنبهات المؤذية. هذه المنبهات تشمل مادة الكاپسايسين الكيميائية في الفليفلة الحادة، والحرارة المرتفعة، والمواد التي تحررها خلايا الالتهاب التي تستجيب للأذية.

فإذا تعرّفت الكواشف هذه المنبهات، دفعت أيونات الصوديوم والكالسيوم إلى داخل الخلايا، وهذا يُفعّل مستقبلات أخرى تحرض بدورها الخلايا مستقبلات الألم على إرسال إشارات الألم وتجعلها تستجيب بشكل مفرط لمنبهات عادية وغير مؤذية. كذلك يحتاج استمرار تحرك الإشارة إلى تفعيل القنوات الأيونية؛ لذلك يعتبر تثبيط فعالية الجزيئات الكاشفة أو القنوات الأيونية إجراء علاجيا كما هو مبين في المربعات. وقد بيّنا فقط بعض الأهداف العلاجية التي تجرب حاليا لإبقاء الرسم واضحا.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2006/10/scan0020%20copy.gif

 

لنعترض القنوات الأخرى(*********)

 

وهناك نوع آخر من الجزيئات الموجودة على النهايات المحيطية للخلايا مستقبلات الألم أخذت تثير اهتمام الإخصائيين كهدف علاجي. فجميع الخلايا العصبية تحوي قنوات يعبر منها أيون الصوديوم، تفتح استجابة لتغيرات في الکلطية (القوة المحركة الكهربائية) voltage عبر غشاء الخلية، وهذا يولد نبضات  تنقل رسائل بين خلية عصبية وأخرى مجاورة لها. وباستطاعة المخدرات الموضعية التي تُهمد الحركة عبر قنوات الصوديوم هذه مؤقتا أن تعالج أنواعا مختلفةً من الألم، وبخاصة تلك التي تحدث بعد مراجعة طبيب الأسنان. إلا أن هذه المخدرات يجب أن تطبق موضعيا في مكان الانزعاج (فتثبيط قنوات الصوديوم في سائر الجهاز العصبي قد يؤدي إلى الوفاة).

 

لكن الخلايا العصبية المختصة باستشعار الألم تحوي نوعا فرعيا من قنوات الصوديوم، يعرف بالنمط المقاوم(TTX(5، لا يوجد في الجهاز العصبي المركزي. ويأمل الباحثون لذلك أن يستطيعوا استخدام أدوية تعترض هذه القنوات الفرعية جهازيا (عن طريق الجسم كله) ومن دون مضاعفات تُذكر؛ ثم إنه وُجد من بعض الدراسات أن مثل هذه الأدوية بإمكانها إخماد الفعالية المفرطة وغير المستحبة للأعصاب المحيطية التي تعرضت للأذى، وبذلك يمكنها تلطيف الآلام ذات المنشأ العصبي. وللأسف، لم تستطع الصناعة الدوائية حتى الآن تطوير مثبطات انتقائية لمثل هذه القنوات الفرعية، ويردُّ ذلك جزئيا إلى أنها تشبه إلى حد كبير قنوات الصوديوم المستجيبةلِTTX والموجودة بكثرة في الجهاز العصبي كله.

 

إلا أنه يمكن إزالة هذه القنوات الفرعية انتقائيا بطريقة جديدة تدعى التداخل بالرناRNA interference. وتعتمد هذه الطريقة على إدخال جزيئات دقيقة في كائن حي تدعى جزيئات الرنا المتداخلة الصغيرة(smallinterfering RNAs(siRNAs. وهذه الجزيئات تمنع إنتاج أحد الپروتينات غير المرغوب فيه، بحثّ انحلال الجزيئات (الرناوات المرسالة)(6) التي تدير عملية تركيب الپروتين. هذه الطريقة قيد الدراسة  حاليا في الإنسان لعلاج بعض الحالات المرضية في شبكة العين، لكن الاستفادة من طريقة التداخل بالرنا في تصنيع أدوية تمنع الألم ستشكل تحديا صعبا للباحثين في الأغلب. فكما هي الحال بالمعالجة بالجينات، ستحتاج طريقة نقل جزيئات الرنا المتداخلة الصغيرة إلى استخدام کيروس (حمة راشحة)، وهذا مدعاة للقلق من ناحية السلامة. ولابد من الانتظار لمعرفة فيما إذا ستكون هذه الطريقة عملية في علاجها للألم، لكن إمكانية ذلك تبقى مثيرة للباحثين.

 

 

 قد يستطيع الباحثون أن يطوروا علاجات نفسية أفضل لتغيير الإحساس بالألم.

 

 

لنفترض أن شركات الأدوية استطاعت أن تطور علاجا سحريا للألم؛ أي مركبا يزيل فعالية أحد الجزيئات الناقلة للألم على الخلايا مستقبلات الألم على نحو فعال وانتقائي، فهل سيضمن هذا التداخل الراحة التامة من الآلام المعندة يا ترى؟ الجواب: ربما لا يفعل ذلك، لأن إغلاق مدخل واحد لطريق انتقال الشعور بالألم قد لا يكفي.

 

تصور _ مثلا _ أن هناك مركبا كيميائيا قادرا على تخريب مستقبلة البراديكاينينbradykinin، وهو پروتين صغير (پپتيد) يُنتج عند التهاب أحد نسج المحيط، فمن المعروف أن البراديكاينين ينبه مستقبلات الألم بشدة، وإذا وجدت ضادّةantagonist تعيق عمل مستقبلاته، فلابد لها أن تحجب تلك المستقبلات من  تفعيل الخلايا مستقبلات الألم.. إلا أن هذه الضادّة لن تمنع الخلايا العصبية من تعرّف جزيئات أخرى محرّضة للألم تولدها الأذية أو الالتهاب، ومن الاستجابة لها _ جزيئات مثل الپروتونات والپروستاگلاندينات، وپروتين آخر يدعى عامل نمو الأعصاب. كذلك قد لا نستطيع تلطيف الآلام التي تنقلها جميع الپروتونات من إعاقة مستقبلات الكاپسايسين لوحدها، لأنه في بعض الحالات الخاصة تُنشِّط الپروتونات مجموعة مستقلة من الكواشفdetectors الموجودة على الخلايا مستقبلات الألم، تدعى القنوات الأيونية المتحسِّسة بالحامضacid-sensing ionchannels (ASICs).

 

لنركز على النخاع الشوكي(**********)

 

قد يكون أحد حلول هذه المشكلة التي تبدو من دون نهاية، أن يُعطى مزيج من الجزيئات المثبّطة التي تستهدف عدة آليات لاستشعار الألم فورا. إلا أن طريقا آخر هو أن نستهدف جزيئات تعمل مركزيا، لحجب إمكانية جميع الخلايا مستقبلات الألم على نقل إشارات الألم إلى خلايا النخاع الشوكي العصبية _ مهما كانت أنواع المنبهات التي أثارت هذه الخلايا في الأصل.

 

هذه الطريقة هي التي تعمل عند استخدام المورفين والأفيونات الأخرى، التي تترابط بالمستقبلات الأفيونية على نهايات الخلايا مستقبلات الألم المتصلة بالنخاع الشوكي؛ فبتفعيل المستقبلات الأفيونية هذه تمنع الأفيونات تَحَرُّر النواقل العصبية، مما يعترض نقل إشارات الألم لخلايا النخاع الشوكي العصبية. كذلك تجعل الأفيونات خلايا القرن الظهري (في النخاع الشوكي) أقل استجابة لإشارات الألم. ولأن هذه العقاقير تعمل على النخاع الشوكي يُتوقع نظريا أن تعالج جميع أنواع الألم، لكنها بالفعل تعطي أفضل النتائج في الآلام الناتجة من عمليات الالتهاب.

 

إلا أن هذه المستقبلات الأفيونية توجد_ مع الأسف _ على الخلايا العصبية في كل أنحاء الجسم، بما في ذلك الدماغ والجهاز الهضمي. وهذا الوجود المعمم هو سبب حصول أنواع عديدة من المضاعفات الجانبية عند استخدام الأفيونات، مثل الإمساك وإعاقة التنفس، وهذا يحدد خيارات تلك العقاقير لدى الطبيب إذا أراد سلامة المريض. كما أن كثيرا من الأطباء لا يرغبون في وصف الأفيونات خوفا من الإدمان، علما أن الوقوع في الإدمان غير شائع عند من يتعاطون الأفيونات بهدف التخلص من الألم فقط. وللتخلص من بعض الآثار الجانبية كثيرا ما يلجأ الأطباء إلى حقن الأفيونات مباشرة في السائل المحيط بالنخاع الشوكي (داخل القراب). كما أن هذه العقاقير يمكن أن تحقن في العضل (للتخلص من الأوجاع التالية للعمليات الجراحية)، أو تدفع تدريجيا عن طريق مضخة وريدية (للتخلص من الآلام المزمنة).

 

ثم إن هناك بدائل للأفيونات. فالأدوية التي تعترض عمل قنوات الكالسيوم يمكن أن تمنع تحرر النواقل العصبية من نهايات الخلايا مستقبلات الألم في النخاع الشوكي. مثالان على ذلك هما دواء گاباپنتينGabapentin(نيوروتينNeurotin) المضاد للاختلاج، الذي يُعتقد أنه يريح من أشكال من الألم بتفاعله مع وحدات فرعية لبعض قنوات الكالسيوم؛ ودواء جديد نوعا ما يدعى زيكونوتايدZiconotide (پريالتPrialt) مستخرج من سم حلزون يعيش في المحيط الهادئ، يثبِّط نوعا مختلفا من قنوات الكالسيوم يدعى النوعN-type N.

 

 

أهداف علاجية في النخاع الشوكي(***********)

 

لكي تصل إشارات الألم من الخلايا مستقبلات الألم إلى الدماغ عن طريق الخلايا العصبية في النخاع الشوكي، لابد لمستقبلات الألم أن تحرر إشارات كيميائية مثل الگلوتاماتglutamate والمادةP داخل القرن  الظهري في النخاع الشوكي، ولابد لهذه المواد الكيميائية من بعدها أن تُكشف بواسطة مستقبلات خاصة على الخلايا العصبية في القرن الظهري. كذلك لابد لقنوات الكالسيوم أن تُفتح كي تُحرر الخلايا مستقبلات الألم جزيئاتها المستخدمة للإشارة. ويحصل تأثير المورفين والأفيونات الأخرى المشابهة (وهي من أقوى مضادات الألم حاليا) _ على الأقل جزئيا _ من تفعيل المستقبلات الأفيونية التي تحجب قنوات الكالسيوم. لكن الأفيونات لديها آثار جانبية غير مقبولة، لذلك يسعى الباحثون إلى إيجاد مركبات كيميائية جديدة تؤثر في أهداف أخرى في النخاع الشوكي.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2006/10/scan0019.gif

 

وكما هي الحال في مستقبلات الأفيونات، توجد قنوات الكالسيوم من النوعN في جميع أنحاء الجهاز العصبي. فإذا أعطي زيكونوتايد جهازيا أدى ذلك إلى هبوط الضغط الشرياني هبوطا سريعا؛ لذلك يعطى هذا الدواء داخل القراب (في السائل المحيط بالنخاع الشوكي). ولكن مع أن هذا السم الحيواني يحجب الألم، فمفعوله داخل الجهاز العصبي المركزي يحدث آثارا جانبية غير مستحبة، كالدوخة والغثيان وآلام الرأس والتشوش الذهني، لذلك يعطى الزيكونوتايد خاصة للمصابين بمراحل متقدمة من السرطان الذين لا يستفيدون من أية وسيلة علاجية أخرى [انظر: «ذيفان مسكن للألم»، العلوم، العددان3/4 (2006) ].

 

وتُطبّق تجارب سريرية مؤخرا على عقاقير تعمل على مستقبلات المواد الشبيهة بالحشيش والتي تنقل آثار المرهوانة(7)marijuana _ والظاهر أن هذه  المواد تخفف الألم بعدة طرق، منها اعتراض نقل الإشارات بين خلايا مستقبلات الألم والخلايا المستهدفة في النخاع الشوكي، ومنها إضعاف فعالية الخلايا الالتهابية.

 

لنغلق الفجوات(************)

 

يركز بعض الباحثين على منع خلايا النخاع الشوكي العصبية من الاستجابة للنواقل العصبية التي تحررها الخلايا مستقبلات الألم _ وبخاصة الحمض الأميني گلوتامات glutamateamino acid الذي يعد الوسيلة الأساسية لنقل إشارة  الألم. وينشط الگلوتامات مستقبلات مختلفة في القرن الظهري للنخاع الشوكي، وتشترك الزمرةNMDA (الزمرة النمداوية) من هذه المستقبلات في تحسس الألم  المركزي، وهذا يجعلها هدفا معقولا للعقاقير الجديدة المضادة للألم.

 

ولما كانت كل خلية عصبية في الجسم تحوي نوعا أو آخر من المستقبلاتNMDA، فإن تثبيط جميع هذه الأنواع مرة واحدة لابد أن يؤدي إلى آثار جانبية كارثية، مثل فقدان الذاكرة والاختلاجات المعممة والشلل. ولتلافي مثل ردود الفعل هذه، يحاول الباحثون اليوم تقييد هذه المستقبلات بالتأثير في أنواعها الموجودة في القرن الظهري للنخاع الشوكي لا غير. وفي هذا المجال، استطاع الباحثون أن يتوصلوا إلى نتائج مشجعة من تجارب أجروها على الحيوان مستخدمين مركبات كيميائية تتحد مع شكل من أشكال هذه المستقبلات يحتوي على ما يسمى الجزيءNR2B .NR2Bsubunit فتبين _ على سبيل المثال _ أن الفئران التي حقن سائلها الشوكي مباشرة بالمثبطNR2B صارت أقل تحسسا  للألم من تلك التي لم تحقن. كما أن هذا العقار استطاع أن يخفي التحسس من المؤثرات غير المؤلمة عادة في الفئران التي عُرضت لأذية عصبية.

 

 

تطوير محاربين يتصدون للآلام(*************)

 

ندرج في هذا الجدول بعض المركبات المضادة للألم التي تعمل بآليات جديدة والتي تجرب حاليا على الإنسان، وقد حذفنا منها لذلك الأصناف الجديدة من الزمر الصيدلانية المعروفة والمجربة كالأفيونات وحاصرات الإنزيماتCOX. ومن المعروف أن التجارب البشرية تطبق على مراحل متدرجة في التطور، ففي المرحلة I (الأولى) يكون التركيز على سلامة العلاج، وتشمل المرحلةII أولى التجارب التي تهدف إلى إثبات فعالية العلاج؛ أما المرحلةIII فتختص بتجارب أوسع وأشمل.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2006/10/scan01009.gif

 

كذلك يحرر عدد من الخلايا مستقبلات الألم النواقلَ العصبية الپپتيدية، مثل المادةP، والپپتيد المتعلق بجينة الكالسيتونين(CGPR). هذه الپپتيدات تفعّل  الخلايا العصبية الناقلة للألم في النخاع الشوكي عن طريق تأثيرها في مستقبلات خاصة، لذا يتوقع للأدوية التي تحجب التفاعل مع هذه المستقبلات أن تكون فعّالة في تخفيف الألم. ومع الأسف لم يفلح حصار المستقبلة التي تستخدمها المادةP _ مستقبلة النيوروكاينين1 أو NK-1_ في التجارب السريرية للسيطرة على الألم، وقد يرجع السبب إلى أن حصار ذلك المستقِبل غير كاف بحد ذاته. ولا يعرف فيما إذا كان تثبيط فعالية الپپتيدCGPR في النخاع الشوكي  سيفيد في التخلص من الألم. علما بأن الصناعة الدوائية تطور حاليا عوامل مضادة لتخفيف ويلات الشقيقةmigraine بواسطة اعتراض تحرير الپپتيدCGRP في الأوعية الدموية الموجودة على سطح الدماغ.

 

لنقضِ على حامل الرسالة؟(**************)

 

إذا فشلت جميع المساعي لتعديل إبلاغ إشارة الألم، فيمكن لنا أن نفكر في التخلص من المرسال! إلا أن قطع أعصاب الخلايا مستقِبلات الألم كثيرا ما يعود على المريض بالوبال، لأنه _ كما رأينا _ قد تولِّد الأذية العصبية آلاما أكثر عنادا وديمومة من الألم الأصلي. ولقد كان قطع الطرق (الحبال) العصبية في النخاع الشوكي التي توصل إشارات الألم إلى الدماغ شائعا في وقت من الأوقات بالماضي، إلا أن هذا الإجراء اليوم غدا محصورا في مرضى السرطان الذين يشكون من مراحل المرض الأخيرة عندما تنعدم الاستجابة لجميع أنواع المعالجات الألمية، والمشكلة في الإجراء الأخير هي أن الجراح لا يستطيع إيقاف الشعور بالألم بشكل انتقائي.

 

وقد يكون أحد الحلول الممكنة لهذه المشكلة _ وهو حل يحظى اليوم باهتمام الباحثين نظرا إلى نجاحه في تجارب الحيوان _ علاجا بالطب النووي (الذري) يطيح بزمرة من خلايا النخاع الشوكي العصبية التي تستقبل الإشارات من خلايا مستقبلات الألم. هذا العلاج القاتل للخلايا يجمع أحد السموم (ساپورينsaporin) إلى المادةP. وفي المركب الناتج تتحد المادةP مع المستقبلاتNK-1، وهذا يدخل المركب إلى بنية الجسم، ويسمح للساپورين بعدها أن يقتل الخلية العصبية. ولما كان المركب لا يدخل إلا الخلايا التي تحوي المستقبلاتNK-1، فإن الباحثين يأملون أن تكون مضاعفاته الجانبية محدودة.

 

إلا أن التخلص من خلايا عصبية في النخاع الشوكي يجب أن يكون سهما أخيرا، فخلايا الجهاز العصبي المركزي لا تتكون من جديد بعد موتها، لذلك فالتبدلات التي تحدث بعد مثل هذه العلاجات – سواء كانت حميدة أو ضارة _ هي تبدلات دائمة. ولا ينطبق نفس المبدأ على الجهاز العصبي المحيطي، لأن الألياف العصبية المبتورة يمكنها أن تولد نفسها من جديد؛ لذلك يمكن للعلاجات التي تتلف الأجزاء الكاشفة للإشارات من فروع الخلايا مستقبلات الألم (كالجرعات العالية من كاپسايسين)، يمكنها مثاليا إيقاف الألم، مع السماح لهذه الفروع العصبية بالنمو من جديد في النهاية بحيث تعود لكتلة النسيج خصائصها الطبيعية في كشف الألم.

 

وقد لا يكون استهداف الخلايا العصبية الطريقة الوحيدة للتغلب على الألم، فقد أظهرت الدراسات أن الخلايا الداعمة في النخاع الشوكي (الدبقيةglia) تنشط عندما تحدث أذية للأعصاب المحيطية، فتهاجر إلى ناحية القرن الظهري المرتبط بالأعصاب المصابة، وهناك تفرز هذه الخلايا مجموعة من المركبات الكيميائية التي تحث نهايات الخلايا مستقبلات الألم على تحرير النواقل العصبية في النخاع الشوكي، وهذا يبقي إشارة الألم قائمة. كذلك تجعل بعض هذه المركبات (مثل عوامل النمو، وجزيئات تدعى سايتوكايناتcytokines) خلايا القرن الظهري بحالة تهيج مستمر، ويعتقد أن العقاقير التي تحجب هذه الفعالية الزائدة لا بد أن تحد من حساسية الألم المفرطة. ويعمل عدد من المجموعات الطبية حاليا للكشف عن الجزيئات المسؤولة عن تنشيط الخلايا العصبية الداعمة هذه إبان تأذي الأعصاب وإيجاد طرق لكبحها.

 

ومن المثير أن المواد التي تحررها الخلايا العصبية الداعمة وتسمى الپروستاگلاندينات، تعزز الشعور بالألم باعتراض مستقبلات الحمض الأميني گلايسينglycine الموجود على خلايا القرن الظهري العصبية، وهو واحد من النواقل العصبية الناهية التي عادة ما تُهدئ هذه الخلايا. لذلك فالأدويةNSAIDs قد تفيد ليس فقط بمعاكسة إنتاج الپروستاگلاندينات في محيط الجسم (وهي الطريقة المعروفة)، ولكن أيضا باعتراض الإنزيماتCOX في الخلايا العصبية الداعمة. وهذا يعني أن إيصال مثبطات الإنزيماتCOX إلى السائل الشوكي  مباشرة قد يخفف كثيرا من الآثار الجانبية التي يسببها إعطاء هذه الأدوية جهازيا، ولكن عقارا يعزز فعالية مستقبلات الگلايسين يمكن أيضا أن يهمد من نقل رسالات الألم إلى الدماغ.

 

المسألة هي مسألة إدراك(***************)

 

لقد ناقشنا في هذه المقالة مجموعة من التوجهات التجريبية لمعالجة الألم التي أثبتت جدواها في الدراسات على الحيوان. ويمكن القول إن أكثر هذه التوجهات إثارة هي التي لا تلحق تغيرا في الإحساسات الطبيعية، في حين تخفف من التحسس المفرط الذي يرافق الآلام العصبية والالتهابية الصعبة المعالجة، والتي لا يرافقها آثار جانبية مهمة. لكن إذا تساءلنا هل ستفيد هذه العلاجات مرضى الألم المعند فعلا وهل يمكن تطبيقها على جميع أنواع الألم، اضطررنا للاعتراف أن الجواب غير موجود حاليا.

 

ولعل واحدا من التوجهات التي لم تلق نصيبها الكافي من التجريب هو استخدام العلاجات السلوكية غير الدوائية في الآلام المزمنة _ وبخاصة تلك التي ترافق حالات مرضية مثل الأوجاع الليفية العضليةfibromyalgia ومتلازمة المعى الهيوجةirritable bowelsyndrome، والتي لم يثبت أن لها أسبابا عضوية حتى الآن، وقد بيّن الباحثون في جامعة ماگيل قبل نحو عشر سنوات مثلا أن التنويم المغنطيسيhypnosis باستطاعته تغيير فعالية الدماغ بحسب إدراك الشخص  لحالة الألم. فبعد تنويم بعض المتطوعين، وغمس أيديهم بالماء الساخن، تمكن العلماء من الإيحاء لهم أن الماء الحار هو أكثر أو أقل إزعاجا مما كان عليه فعلا.

 

ووجد الباحثون باستخدام الومضان الطبقي الپوزيتروني (PET) الذي يرقب فعالية الدماغ، أن قشرة الدماغ الحسية الحركية التي تتجاوب مع شدة التنبيه الفيزيائي، كانت فعالة بنفس الدرجة في كلتا الحالتين، في حين كانت منطقة أخرى من الدماغ (القشرة الحزامية) أكثر فعالية عندما اعتقد المتطوعون أن المنبه (الماء الحار) كان أكثر إزعاجا _ وهذا يدل أن التنويم المغنطيسي غيّر طريقة إدراك المتطوعين لأحاسيس الألم؛ لذا يعتقد الباحثون أنهم إذا ازدادوا معرفة بالطريقة التي يعدل الدماغ بها تجربة الألم، فقد يستطيعون تطوير علاجات سلوكية جديدة لتخفيف إدراك الألم.

 

وما علينا إلا أن نأمل أن يوصلنا البحث الحثيث في آليات الشعور بالألم إلى طرق معالجة آمنة وناجعة.

 

المؤلفان

Allan I. Basbaum – David Julius

 

 كثيرا ما تعاونا في دراسة الآليات الجزيئية والخلوية المولِّدة للآلام. حصل<باسباوم> على الدكتوراه في علم الأعصاب من جامعة پنسلکانيا، وهو حاليا رئيس قسم التشريح في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو. أما <جوليس> فقد حصل على الدكتوراه في الكيمياء الحيوية من الجامعة U.C. في بيركلي، وهو حاليا أستاذ الفارماكولوجيا الجزيئية والخلوية في الجامعة.U.C.S.F . وهما مستشاران لشركات تبحث عن علاجات للآلام.

 

  مراجع للاستزادة

 

The Perception of pain, A.I. Basbaum and T. Jessel in principles of Neural Science, Edited by Eric R. Kandel et al, McGraw-Hill, 2000.

 

Molecular Mechanisms of Nociception . David Julius and Allan I . Basbaum in Nature,Vol.413,pages 203–210 ; September 13 ,2001.

 

Immune and Glial Cell Factors as pain Mediators and Modulators. S. B. McMahon, W. B. Cafferty and F. Marchand in experimental Neurology, Vol. 192, No. 2, pages 444 – 462; 2005.

 

Pain Collection in Nature Reviews Neuroscience, July 2005. Available online atwww.nature.com/nrn/focus/pian

 

Emerging Strategies for the Treatment of Neuropathic Pain. Edited by James N. Compbell et al. IASP Press, 2006.

 

(*) TOWARD BETTER PAIN CONTROL

(**)  Particles of Fire

(***)  Pain without End

(****) Overview/ Easing Pain

(*****) Start at the Beginning

(******) Feeling The Pain

(*******) Send in the Salsa

(********) Drug Targets in The Periphery

(*********) Block Other Channels

(**********) Focus on the Cord

(***********) Drug Targets In The Spinal Cord

(************) Batten Down the Hatches

(*************) Pain Fighters in Development

(**************) Kill the Messenger?

(***************)  A Question of Perception

(1) pain-sensing neurons

(2)  hyperalagesia

(3) allodynia 

(4)  ج: أمعاء.

(5) TTX-resistant type

(6) أو الساعية messengers RNA.

(7) أو المرجوانة.

http://oloommagazine.com/Images/none.gif

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى