أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةعلم المحيطاتعلم المناخ

محيطات أدفأ، أعاصير أشدّ

محيطات أدفأ، أعاصير أشدّ(*)

تعدّدت الأدلة على أنّ الاحترار العالمي يُزيد من شدة
الرياح الإعصارية المدمرة والأمطار المسببة للفيضانات.

<E.K.ترينبرث>

 

 

 مفاهيم أساسية(**) 


يرفع الاحترار العالمي الناجم عن النشاطات البشرية درجة حرارة مياه محيطات العالم مثلما يزيد من تبخرها. وهذان العاملان يزيدان من شدة الهرّيكانات.

ويمكن لزيادة ضئيلة في حرارة مياه المحيطات أن تحوّل اضطرابات مدارية إضافية إلى هرّيكانات أو تزيد من شدة عاصفة قائمة ومن شدة سقوط أمطارها.

ومع ذلك، فإن عدد الهرّيكانات في سنة ما يتأثر بشدة بأنماط المحيطات الفصلية مثل إل نينيو El Niñoو لا نينيا La Niña ـ التي هدّأت  من فعالية السيكلونات (المنخفضات الجوية) الأطلسية في عام 2006.

 

بدا صيف 2004 وكأنّه نداء تحذير حاسم؛ فقد ضربت فلوريدا أربعة هرّيكانات(1) لم يسبق لها مثيل، إضافة إلى عشرة تايفونات بلغت اليابسة في اليابان ـ أو بزيادة أربعة أعاصير عن الرقم القياسي في تلك المنطقة. لقد كانت رهيبة، إلا أن العلماء اختلفوا في تفسير زيادة عدد هذه السيكلونات cyclones المدارية  وانقسموا على أنفسهم حول الدور الذي يؤديه الاحترار العالمي في ارتفاع عددها. فقد أطلقت أمّنا الأرض العنان في صيف 2005 لرقم قياسي منها في  شمال الأطلسي تُوج بهرّيكانات مدمّرة ممثّلة بإعصاري كاترينا وريتا. غير أنّه في عام 2006، وبينما ارتفعت معدلات التأمين ارتفاعا شاهقا في جنوب شرق الولايات المتحدة، انخفض عدد العواصف في شمال الأطلسي إلى ما تحت حدود التنبؤات بكثير. فإذا كان الاحترار العالمي يؤدي دورا في ارتفاع عدد الأعاصير، فلماذا كان فصل الأعاصير في عام 2006 هادئا إلى هذا الحد؟

لقد أعطت التحاليل الدقيقة لأنماط الأحوال الجوية تفسيرا، أجمعت عليه الآراء، لارتفاع عدد الأعاصير المثيرة في عامي 2004 و 2005، ولهدوئها الغريب في عام 2006. وهذا التفسير يُنذر، مع الأسف، بحصول اضطرابات جوية تدوم مدة أطول.

يبدأ الهرّيكان عادة كاضطراب جوي مداري يمكن أن يتطوّر إلى شكل منظم من العواصف الرعدية. فإذا بدأ النظام بالدوران وبرياح تتجاوز سرعتها 39 ميلا  في الساعة، فإن علماء الأرصاد الجوية أعطوه اسما. وعندما تتجاوز السرعة القصوى للرياح 74 ميلا/ساعة، يدعى هذا النظام منخفضا («سيكلون») مداريا.  ويستخدم المرادف «هُرّيكان» لمثل هذه العواصف في المحيط الأطلسي وشمال شرق المحيط الهادئ، و«التايفون» في شمال غرب المحيط الهادئ، و«السيكلون» في المحيط الهندي. وستستخدم هذه التسميات في هذه المقالة بصورة متبادلة.

ولتحديد فيما إذا كان الاحترار العالمي يؤثّر في عدد الهريكانات وحجمها أو شدتها (سرعة الرياح)، احتاج العلماء في بادئ الأمر إلى فهم الطريقة التي تؤدّي إلى حدوث مثل هذه العواصف. فقد ابتكروا على مرّ السنين نماذج أكثر تفصيلا عن كيفية تشكّل الهرّيكانات. إن حدوث الهرّيكان يتطلّب وجود مياه دافئة، حيث تأخذ معظم الأعاصير شكلها في المناطق المدارية التي تسخنها أشعة الشمس شبه العمودية. تمتص مياه المحيطات معظم الطاقة الشمسية الواردة إليها قبل أن تطلق الحرارة الزائدة بصورة رئيسية عبر التبخّر. وعندما تتكاثف الرطوبة الصاعدة متحولة إلى أمطار، تنطلق الطاقة الكامنة وتسخّن الجو. وفي فصل الشتاء، تحمل الرياح هذه الحرارة إلى المناطق ذات خطوط العرض العليا، حيث يمكن أن تنطلق إلى الفضاء. أما في فصل الصيف، فترتفع الطاقة بصورة رئيسية بطريقة الحمل الحراري convection إلى ارتفاعات أعلى  ضمن المناطق المدارية محدثة مظاهر مختلفة تراوح من السحب الركامية إلى العواصف الرعدية. وفي ظروف ملائمة يمكن لمجموعة من العواصف الرعدية أن تنتظم في دوّامة ـ هريكان ـ تضخّ كميات كبيرة من الحرارة من مياه المحيط.

ويحتاج البدء بتشكيل دوامة vortex إلى اضطراب جوي مسبق. ففي المحيط  الأطلسي الشمالي، تتدفق أمثال هذه الاضطرابات بصورة نموذجية من الشواطئ الغربية من إفريقيا الوسطى، حيث تحدث في الغالب نتيجةً لتباين في درجات الحرارة بين المناطق الصحراوية الداخلية والمناطق الجبلية الشاطئية المغطاة بالغابات. وثمة ظروف ملائمة أخرى ضرورية لنشأة الدوامة تتضمّن: ارتفاع درجة حرارة مياه سطح المحيط (SST) أكثر من 26 درجة مئوية (80 درجة فهرنهايتية)، وكثرةَ بخار الماء، وضغطا منخفضا عند سطح المحيط، وضغطا ريحيا قصّيا shear ضعيفا بين المرتفعات العالية والمنخفضة (القص الريحي الشديد يمزق دوامة حديثة التشكّل).

فإذا اعتبرنا أنّ حرارة سطح البحر هي المحرّك الأساسي لتشكيل الهرّيكان، فيتساءل العلماء حول الأنماط الحديثة المطلوبة لمعرفة كيف يمكن أن تكون قد تغيّرت درجات حرارة مياه سطح البحر خلال العقود الماضية، وفيما إذا تغيّر معها عدد وحجم وشدّة الهرّيكانات. وإذا كان ذلك صحيحا، فهل كان الاحترار العالمي، الذي يعرف الآن أنّه تمّ بفعل نشاطات البشر، هو المساهم الرئيسي؟ وما هي الظروف الفريدة التي جعلت من عامي 2004 و2005 عامين قياسيين؟ لقد فهم  العلماء منذ مدة طويلة أنّ زيادة غازات الدفيئة (مثل ثنائي أكسيد الكربون المنبعث من احتراق الوقود الأحفوري) تسخّن الكرة الأرضية، ويمكن أن ترفع درجة حرارة مياه سطح البحر إلى جانب إنتاج بخار الماء، وبذلك يرتفع احتمال حدوث نشاط الحمل الحراري الذي يشكّل الهرّيكانات. والسؤال الذي أثير بعد عام 2005، هل أصبحت في الواقع درجة حرارة سطح البحر مرتفعةً بالفعل وما درجة مسؤولية الاحترار العالمي عن ذلك؟

وضع باعث للحرارة(***)

 

لم يكن علماء المناخ متأكدين من عدد الهرّيكانات التي حدثت في العالم قبل عام 1970، حيث أصبح استخدام السواتل (الأقمار الصنعية) في مراقبتها أمرا روتينيا. غير أنهم اعتبروا سجل المحيط الأطلسي الشمالي المداري سجلا موثوقا تماما منذ عام 1944، عندما بدأت مشاهدة الأعاصير المدارية بالطائرات. ويذكر التاريخ أنّ عدد الهريكانات والعواصف المسماة في المحيط الأطلسي الشمالي قد ازداد منذ عام 1994 ـ وأنّ تلك الزيادة توافقت بصورة خاصة مع زيادة درجة حرارة مياه سطح البحر في مناطق تقع بين خطي عرض 10 و 20 درجة شمالا تقريبا. وهذه المنطقة من المياه المدارية شمال خط الاستواء مباشرة، التي تمتد من إفريقيا إلى أمريكا الوسطى، تمثل المنطقة الأساسية لتشكّل الهرّيكانات.

 

يمكن أن تكون الهريكانات في المستقبل أكثر شدة نتيجة للاحترار العالمي.

 

ويدّعي بعض العلماء أنّ زيادة درجة حرارة مياه سطح البحر في الأطلسي الشمالي منذ عام 1994 تعكس بوضوح ما يسمى التذبذب الأطلسي المتعدد العقود (الآمو) Atlantic multidecadal oscillation (AMO). وهي ظاهرة دورية طبيعية تبقى فيها درجة حرارة مياه سطح البحر في الأطلسي الشمالي منخفضة نسبيا لعدة عقود، ثم ترتفع بعد ذلك لمرحلة أسخن لعقود أخرى قبل أن تنخفض ثانية (يبلغ فرق الحرارة الأقصى نحو 0.5 درجة مئوية). ويعتقد  الخبراء أنّ هذا النمط ينتج من تغيّر في تيارات المحيط ـ مثل التيارات المسبَّبة عن تيار الخليج Gulf Stream الذي يجري عبر الأطلسي ـ وتيارات راجعة أعمق.  وبدءا من سبعينات القرن الماضي حتى التسعينات، كانت درجات حرارة مياه سطح البحر أخفض في الأطلسي الشمالي. ومنذ ذلك الحين عاد التذبذب الأطلسي المتعدّد العقود (الآمو) ثانية إلى ظروف أسخن وتشكَّلت هرّيكانات أكثر ممّا حدث خلال المرحلة الأبرد. ومع ذلك، تشير النماذج الحاسوبية إلى أنّ دورة «الآمو» لا يمكن أن تفسّر وحدها الاتجاه نحو الزيادة منذ عام 1995 أو ما حدث في عامي 2005 و 2006.

ومع أن البشرية تقوم بتجربة عملاقة غير منضبطة من خلال إضافة كميات كبيرة من غازات الدفيئة (الاحتباس الحراري) إلى الغلاف الجوي، فإنه لا يتوافر لدى علماء المناخ أية وسيلة لإجراء تجارب لتغيير واقع الكرة الأرضية. وعوضا عن ذلك فإنّ الحصول على العوامل المختلفة المؤثرة في حرارة سطح مياه البحر وفي الهرّيكانات بحاجة إلى نماذج عن المناخ. وتجهد هذه النماذج في محاكاة جميع العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية التي تؤثّر في المناخ. وبعد سنين طويلة من العمل، ابتكر العلماء الذين يعملون في المركز الوطني للأبحاث الجوية (نكار NCAR) في مدينة «بولدر» في كولورادو وفي أمكنة أخرى، نماذج لمناخات الكرة الأرضية تحاكي بصورة جيدة درجات حرارة الهواء الفعلي وسطح مياه البحر المسجلة على نطاق العالم طوال القرن الماضي. فقد أخذت عمليات المحاكاة المبتكرة بالحسبان التغيّرات التي تطرأ على التركيب الكيميائي للغلاف الجوي، وعلى الطاقة المنتجة من الشمس، وعلى شروط أخرى مثل الاندفاعات البركانية الكبيرة التي يمكن أن تحجب إشعاع الشمس بصورة كافية لتبريد الكرة الأرضية لسنة أو سنتين.

 

 

أين تحدث السيكلونات؟(****)

 

إن مسارات وسرعة الرياح في جميع العواصف المدارية المسجلة خلال الشهر2006/9، تبيّن المناطق المعرّضة لأعلى درجات الخطر.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/11-12/scan0002%20copy.gif

 

 

تصنيف العواصف بحسب سرعة الرياح

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/11-12/0005.gif

 

 

يسمى الإعصار المداري…

 

هرّيكان في المحيط الأطلسي وفي شمال شرق وجنوب المحيط الهادئ.


تايفون في شمال غربالمحيط الهادئ.


سيكلون في المحيط الهندي والمنطقة الأسترالية.

 

وباستخدام هذه النماذج يمكننا عزل التغيّرات التي يسبّبها الإنسان، مثل ما يطرحه من دخان وتلوّث في الغلاف الجوي، وتحديد مقدار تأثيرها. والقيام بهذا العمل يُظْهِر بوضوح أنّ احترار الأطلسي، بعد عزل ما يمكن أن يُعزى إلى التذبذب الأطلسي المتعدّد العقود (الآمو)، قد حدث وهو مرتبط بالتسخين الجوّي الذي تسبّبه نشاطات الإنسان. فقد توصّلت الدراسة الحديثة التي قدّمها عالم المناخ <B.سانتر> وزملاؤه [من مختبر ليکرمور لورانس الوطني] إلى أنّ  الاحترار في المنطقتين المداريتين من المحيطين الأطلسي والهادئ يمكن أن يُعزى إلى زيادة غازات الدفيئة التي يسبّبها الإنسان. وتشير التقديرات الأولية إلى أنّ درجات حرارة مياه سطح البحر قد ارتفعت نحو 0.6 درجة مئوية (درجة فهرنهايتية واحدة) من الاحترار العالمي وبصورة رئيسية منذ نحو عام 1970. وعلى الرغم من أنّ هذا الرقم قد يبدو صغيرا، فلم يحصل تغيّر كاف في درجة حرارة مياه البحر حتى يؤثّر تأثيرا كبيرا في قوة الإعصار. فعندما كان هرّيكان كاترينا يتحرّك عبر خليج المكسيك، فإنّ ارتفاعا أو انخفاضا في درجة حرارة مياه سطح البحر درجةً واحدةً، كان كافيا لتغيير شدة الإعصار من فئة إلى فئة أخرى (مثلا من الفئة 2 إلى الفئة 3).

وبسبب اعتماد نشاط السيكلون المداري كثيرا على درجات حرارة مياه سطح البحر، يمكننا أن نستنتج أنّ الاحترار العالمي قد أدى إلى أعاصير أكثر شدة. فقد نشرتُ (المؤلف) عرضا مفصلا عن هذه العلاقة في عدد الشهر 6 من مجلة سيانس لعام 2005، كما نشر <K.إيمانويل> [من معهد ماساتشوستس للتقانة]  بعد شهرين وبصورة مستقلة دليلا على مشاهدات مباشرة في مجلة نيتشر. فقد بيّن <إيمانويل> أنّ الزيادات الكبيرة في شدة السيكلون ومدته حول العالم منذ عام 1970 كانت مرتبطة بشدة بارتفاع درجات حرارة مياه سطح البحر. لقد  قادت اعتراضات خبراء آخرين إلى مراجعة متواضعة لمدى الارتباط، ولكن دون أن تُغيّر النتيجةَ النهائية. وقد نشر <W.وبستر> [من معهد جورجيا للتقانة] مع  زملائه مقالة في مجلة سيانس أشار فيها، بصورة أوضح، إلى ارتفاع كبير في عدد الهرّيكانات من الفئتين 4 و 5 منذ عام 1970، وفي المعدّل الإجمالي للهرّيكانات الذي يوافق ذلك الوصف. فقد استنتجوا أنّ ارتفاع عدد الأعاصير كان متوقعا مع الأخذ بالحسبان الزيادة المشاهدة في درجات حرارة مياه سطح البحر.

 

 

كيفية تشكل الهريكانات(*****)

 

1-تبادل حراري

يسخّن الإشعاع الشمسي طبقة مياه المحيط السطحية. واستجابة لذلك يُؤدي التبريد الناجم عن التبخّر إلى ارتفاع هواء رطب ودافئ.

2-عاصفة مطرية

يتكثّف البخار الصاعد مسبّبا أمطارا غزيرة ومطلقا حرارة، وهذا ما يجتذب هواءً صاعدا يتنامى إلى تيارات هوائية صاعدة قوية وسحب رعدية.

3-عاصفة رعدية

يساعد اضطراب جوي مندفع عبر المنطقة على إحداث منطقة ضغط منخفض (L) على سطح البحر، الذي يجتذب هواءً رطبا إضافيا. تشكّل الرياح والعواصف الرعدية منظومة تبدأ بالدوران بسبب قوى كوريوليس Coriolis التي يحدثها دوران الأرض حول محورها. وتُؤدّي رياح شديدة متقاربة مصاحبة لجريان هوائي من القمة إلى إحداث مركز منخفض الضغط ـ عين الإعصار.

4-السيكلون

يجف الهواء الصاعد أثناء فقده الرطوبة واكتسابه الطاقة. يهبط بعض هذا الهواء راجعا إلى عين الإعصار وإلى الأحزمة بين العواصف الرعدية المتجاورة؛ أمّا بقية الهواء فيلتف لولبيا ويهبط بعيدا كيلومترات عدة. ويمكن أن تزيد السيكلونات من تبخّر مياه المحيط، ومن ثم تزيد من تبريدها بمقدار كبير مقارنة بالرياح التجارية النظامية، وتخلط الطبقات العليا من المياه، محدثة تبريدا محقّقا لحرارة مياه سطح البحر يبلغ خمس درجات مئوية (عشر درجات فهرنهايتية).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/11-12/50%20copy.gif

 

 

 لم يحصل تغيّر كاف في درجة حرارة مياه البحر حتى يؤثّر تأثيرا كبيرا في قوة العاصفة.

 

 

 

الأثر والمُؤثّر [مبدأ السببية]

الاحترار العالمي يزيد في عدد العواصف(******)

 

بقدر ما ترفع نشاطات البشر درجة حرارة الأرض ، تزداد درجات حرارة مياه سطح البحر ، مفضية إلى عدد أكبر من الهرّيكانات (الأعاصير) في الأطلسي الشمالي .

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/11-12/0007.gif

 

ما سبب الهدوء المؤقّت؟(*******)

كان العدد القياسي للهرّيكان في عامي 2004 و 2005 متفقا أيضا مع هذه الاستنتاجات. وإذا كانت هذه الاستنتاجات صحيحة، فلماذا كان فصل seasonالهرّيكان لعام 2006 هادئا إلى هذا الحد؟ لقد وصلت درجات حرارة مياه سطح البحر خلال صيف عام 2005 في المنطقة المدارية في الأطلسي الشمالي (الشريط المداري ما بين خطي العرض 10 و 20 درجة شمالا) إلى رقم قياسي عالٍ؛ فقد زادت بمقدار 0.92 درجة مئوية على متوسط درجة حرارة الأعوام ما بين 1901 و1970، وكانت أعلى ممّا يمكن أن تعلّلها كل من تقلّبات التذبذب الأطلسي المتعدّد العقود (الآمو) واحترار الكرة الأرضية. فما الخطأ الذي حدث في ذلك الحين؟ كان العامل الرئيسي المضاف هو قوة عملت في فصلي الشتاء والربيع السابقين: وهي إل نينيو El Niño. وظاهرة إل نينيو هذه هي تسخين للمحيط الهادئ المداري تنشأ عندما يحدث اقتران بين تيارات جوية وبحرية (محيطية).

ففي شتاء 2004 ـ 2005 في نصف الكرة الشمالي تشكلت تيارات إل نينيو بقوة  ضعيفة إلى متوسطة، وقد أدّى ذلك إلى سماء صافية ورياح ضعيفة في الأطلسي المداري، مما يعني تبريدا تبخّريا أقل، متيحا لمياه المحيط أن تسخن بمقدار 0.2 درجة مئوية إضافية. غير أنّ تلاشي إل نينيو بحلول الصيف قد خفّض من الضغط الريحي القصّي wind shear إلى حده الأدنى في الأطلسي،  ممّا أدّى إلى ظرف ملائم آخر لتشكيل الهرّيكان. وقد كانت النتيجة النهائية لعام2005 هي أنّ إل نينيو ـ إضافة إلى عوامل التذبذب الأطلسي المتعدّد العقود  (الآمو) والاحترار العالمي ـ أدّى إلى تشكيل عدد قياسي من الهرّيكانات، إضافة إلى ازدياد شدتها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/11-12/22.gif

كريتنا، مدينة جنوب شرق لويزيانا مقابل نيو أورليانز، ضربها هرّيكان كاترينا.

 

وبالمقابل، فإن تيارات لا نينيا LaNiña ـ التي ميّزت فترة تبريد في المحيط الهادئ المداري ـ قد أدت في شتاء 2006-2005 إلى حدوث رياح تجارية في  الأطلسي الشمالي أشدّ ممّا يحصل عادة. وهذه الرياح سحبت الحرارة من مياه المحيط، فانخفضت درجات حرارة مياه سطح البحر أو أصبحت عادية تقريبا في موسم هرّيكانات 2006. إضافة إلى ذلك، بدأ إعصار إل نينيو بالتشكل خلال صيف 2006، مسببا قصا ريحيا أكثر شدة في الأطلسي. فدرجات حرارة مياه سطح البحر المنخفضة، إضافة إلى قص ريحيّ غير ملائم، غيّرا جذريا ظروف الأطلسي المداري عن ظروف موسم هرّيكانات 2005، الذي ضرب الرقم القياسي، إلى موسم هادئ في عام 2006. وعلى الرغم من وجود خلفية جديدة الآن من درجات حرارة أعلى لمياه سطح البحر، فإن التغيرات السنوية تتراكم عليها ويمكن أن تهيمن على أية سنة مفترضة.

 

أكثر فيضانا أيضا(********)

 

كما هو متوقّع، تبقى هذه النتائج في آخر الأمر جديرة بالثقة، مثلها في ذلك مثل الملاحظات والنماذج التي أنتجتها. فقد استخدمنا في محاكاة الهرّيكانات والتنبؤ بها في المركز الوطني للأبحاث الجوية (NCAR) ما يسمّى نموذج البحث والتنبؤ الطقسي Weather Research and Forecasting model الذي يُقسّم بيانات الأحوال الجوية العالمية الحقيقية إلى شبكة تبعد نقاط تقاطعها 4كم ـ وهي شبكة عالية الميز بالنسبة إلى معظم المقاييس المعيارية. يبلغ ميز عمليات المحاكاة العالمية التي تجريها مصلحة الأحوال الجوية الوطنية NationalWeather Service 35كم، في حين يبلغ ميز نماذجها الإقليمية 8- 12كم. إن الحساب بميز 4كم يتطلّب قدرة حاسوبية كبيرة جدا وأزمنة تشغيل طويلة؛ ولذلك يجب أن يقتصر متنبئو الأحوال الجوية على شبكة ميز قدرها 8كم لإجراء تنبؤاتهم بصورة سريعة. وتُقدّر نماذجنا بصورة مباشرة تأثيرات تيارات الحمل الحراري.

لدينا ثقة تامة أيضا في نماذجنا بسبب أنّها تمثّل معالم منسوخة طبق الأصل تماما عن العواصف الحقيقية عندما يتم تغذيتها ببيانات دقيقة، وبصورة خاصة مسارات عواصف الهرّيكانات التي حدثت في عامي 2004 و2005. فعندما أدخلنا إلى حاسوبنا بيانات درجات حرارة مياه سطح البحر في الأيام التي دام فيها هريكان (إعصار) كاترينا فوق خليج مكسيكو، تلاءم الهرّيكان المنمذج الناتج إلى حد بعيد مع مسار الإعصار الحقيقي.

 

 


السيكلونات الأسوأ(*********)

الأكثر تكلفة :
إعصار كاترينا، شاطئ الخليج، في عام 2005؛ تكلّف أكثر من100 بليون دولار.

…………………………………………………….

الأكثر هلاكا :
إعصار بوهيا، دلتا الگانج، في عام 1970؛ قُتل أكثر من30 000 شخص.

…………………………………………………….

الأكثر شدة على اليابسة :
إعصار كميل، شاطئ الخليج، في عام 1969؛ السرعة المؤكدة القصوى للرياح190 ميلا/ساعة.

…………………………………………………….

الأطول ديمومة :
إعصار جون، المحيط الهادئ، في عام 1994؛ المدة31 يوما.

…………………………………………………….

الأوسع انتشارا :
إعصار تيب، المحيط الهادئ، في عام 2200؛1350 ميلا (1979 كم).

 

إنّنا مقتنعون من هذه النتائج، فقد حاولنا أيضا أن نكشف عن تأثير ارتفاع درجات حرارة مياه سطح البحر في كمية سقوط أمطار الهرّيكانات. ففي حالة هريكان (إعصار) كاترينا، فإن زيادة درجة مئوية واحدة في حرارة سطح مياه البحر كانت ترفع حرارة بخار الماء في الغلاف الجوي بنسبة نحو 7%. كما أنّ ارتفاع السرعة القصوى للرياح ينقل رطوبة أكثر إلى العاصفة ويشجّع التبخّر إلى أبعد الحدود. إضافة إلى ذلك، فإنّ زيادة درجة مئوية واحدة في حرارة مياه سطح البحر كانت ترفع نسبة سقوط الأمطار إلى 19% ضمن قطر 400كم من نموذج عين العاصفة.

 

 

تفسير لهدوء عام 2006(**********)


على الرغم من مياه المحيطات الأسخن، فإنّ عمليات الاقتران المؤقتة بين تيارات الجو والبحر يمكن أن تؤثّر في عدد الهرّيكانات التي تتشكّل في سنة من السنين. فإذا حدثت تيارات لا نينيا LaNiña (تبريد المحيط  الهادئ) خلال شتاء وربيع نصف الكرة الأرضية الشمالي، فإن الرياح التجارية في المحيط الهادئ الشرقي، الأشد من المعتاد، تسحب الحرارة من مياه المحيط مخفضة بذلك من شدة العواصف المحتملة هناك. غير أنّ هذه الظاهرة تجزّئ التيار النفاث jetstream في المحيط الهادئ  وتبقي على الجزء الأطلسي منه نحو الشمال متيحة الفرصة للهرّيكانات التي تتشكل في غرب إفريقيا بالتقدّم نحو البحر الكاريبي. ويشكل هذا التوجه جزءا من الذي أدّى إلى الرقم القياسي السنوي هناك في عام 2005. أمّا إذا نشأت تيارات إل نينيوEl Niño (تسخين  المحيط الهادئ) خلال الربيع والصيف فإنّ التيار النفاث ينخفض نحو الجنوب فوق أمريكا الشمالية محدثاقصاshear ريحيا أشد، سيفرّق  بدايات العواصف التي تحاول أن تتشكّل في الأطلسي. لقد أدّت هذه الظروف إلى تشكيل عدد أقل من الهرّيكانات هناك في عام2006.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/11-12/0008%20copy%20copy.gif

 

إذًا، يحق لنا أن نذكر أنّ الاحترار العالمي يزيد في هطل أمطار السيكلونات. فارتفاع 0.6 درجة مئوية في حرارة مياه سطح البحر منذ 1970 بسبب الاحترار  العالمي يشير إلى أنّ تغير المناخ أدّى إلى زيادة بخار الماء في الغلاف الجوي بنسبة 4% على مدى 37 سنة ماضية. وبالترابط مع هذه النتائج كشفت أجهزة  الموجات الميكروية المحمولة على السواتل عن زيادة فعلية في بخار الماء في الجو قدرها 2% منذ عام 1988 فقط. ولنتذكّر أنّه في السيكلون يتكثف بخار الماء  المضاف ويعطي حرارة كامنة تزيد في كمية الهواء المرتفع، ومن ثم في كمية الرياح الواردة بصورة متساوية. فارتفاع نسبة 4% من بخار الماء يمكن أن يؤدّي إلى ارتفاع معدلات هطول الأمطار بنسبة8% .

 

 وإذا سلَّمنا بهذه الحسابات، فإنه يمكننا القول إن الثلاثين سنتيمترا (12 بوصة) من أمطار كاترينا التي سقطت على نيوأورليانز، يمكن إرجاع كمية2.5سم (بوصة واحدة) منها أو 8% من تلك الكمية إلى الاحترار العالمي. ولا يمكن  لأحد أن يعلن أنّ سبب حدوث «سيكلون» معين هو الاحترار العالمي، ولكن تسخين كوكب الأرض يؤثّر بوضوح في شدة السيكلون وهطول الأمطار.


اضطراب قادم(***********)

وهكذا توحي المشاهدات والنظريات بأنّ الهرّيكانات تصبح بالتدريج أكثر شدة عندما تتسخّن الأرض. ويصعب القول في احتمال زيادة العدد المطلق للسيكلونات، ذلك لأن العواصف المدارية أكثر فعالية من متوسّط العواصف الرعدية في إزالة الحرارة من مياه المحيط. كذلك، فإن عاصفة كبيرة قد تكون أكثر فعالية من عاصفتين صغيرتين. وهكذا فمن المحتمل، لا بل من المرجح، أن تتشكّل سيكلونات أقل لكنها أكبر وأشدة قوة. وما إن تنتهي عاصفة شديدة، فإنّها تخلّف وراءها مياه محيط أبرد، مخفضة احتمال حدوث المزيد من العواصف بصورة فورية على الأقل.

وتبقى أسئلة حول بيانات العواصف القديمة؛ إذ يذكر بعض العلماء أنّ البيانات التاريخية متضاربة ولا تتيح الوصول إلى نتائج محدّدة، في حين يذكر آخرون أنّ بيانات الأطلسي الشمالي هي بيانات موثوقة (على الأقل منذ عام 1944) ولكنّها أقل موثوقية في المحيط الهادئ. ومن المفيد إعادة معالجة جميع بيانات السواتل المخزّنة في الأرشيفات باستخدام تقنيات حديثة لإضافة معلومات أكثر موثوقية تتعلّق بشدة وحجم ومدة العواصف السابقة وقياسات النشاطات الأخرى. إضافة إلى ذلك سوف تحسّن الحواسيب السريعة عملية النمذجة، كما تحسّنها المعارف الجديدة من التجارب الحقلية الموسّعة. وسيؤسس هذا التقدّم بشكل أفضل لكيفية قيام نماذجنا بعملها ومقدار الثقة في تنبئها بالمستقبل.

 

 

تثير المياه الحارة العواصف(************)

 

يخلط السيكلون طبقة مياه المحيط السطحية حتى عمق 100م. وبعد اجتياز فلوريدا يوم26 من الشهر 8/2005، كان هرّيكان كاترينا بالكاد من الفئة1. غير أنّه التقى مع خزان عميق من المياه الدافئة يعرف بتيار العروة loopcurrent (اللون الأحمر) الذي تميز بارتفاع سطح البحر ووفر  مخزونات ضخمة من الطاقة أثناء اختلاطه دافعا هرّيكان كاترينا إلى الفئة 5 في أقل من ثلاثة أيام.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/11-12/0009%20copy.gif

 

ومع ذلك، يشير السجل العلمي الذي يتحسن باستمرار إلى أنّ الاحترار العالمي يرفع درجات حرارة مياه سطح البحر. ومن المحتمل أنّ هذا الارتفاع يزيد بدوره في شدة الهرّيكانات التي تتضمّن تلك التي تستهدف الأمريكتين. ففي تقرير مهم لهيئة المستشارين بين الحكومات حول تغيّر المناخ صدر في الشهر5/2007، استنتج «وجود دليل على زيادة فعالية السيكلونات المدارية الشديدة في الأطلسي الشمالي منذ نحو 1970، مرتبطة بزيادات في حرارة مياه سطح البحار المدارية.» وبمتابعتنا تحسين نماذجنا وأرصادنا، سيكون من الحكمة لنا جميعا أن نخطط لتهديدات هرّيكانات أكثر شدة.

المؤلف

 Kevin E. Trenberth
 هو رئيس قسم تحليل المناخ في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي (NCAR) في بولدر-كولورادو، حيث يتركّز عمله على الطاقة ودورات المياه water cycles  في النظام المناخي. وهو من أصل نيوزيلندي، ومؤلف رئيسي ومنسق لتقرير تقييم هيئة المستشارين بين الحكومات لآخر التغيّرات المناخية في عام 2007. تولّى مناصب رئيسية أيضا في برنامج أبحاث المناخ العالمي، وهو منظمة من المجموعات العالمية التي تعمل من جنيف بإشراف هيئة الأمم المتحدة . http://oloommagazine.com/Images/Articles/2007/11-12/48.gif

   مراجع للاستزادة

 

Divine Wind: The History and Science of Hurricanes. Kerry Emanuel.

Oxford University Press, 2005.

 

Increasing Destructiveness of Tropical Cyclones over the Past 30 Years. Kerry Emanuel in Nature, Vol. 436, pages 686-688; August 4, 2005.

 

Changes in Tropical Cyclone Number, Duration and Intensity in a Warming Environment. P. J. Webster, G. J. Holland, J. A. Curry and H.-R.

Chang in Science, Vol. 309, pages 1844-1846;  September 16, 2005.

 

Atlantic Hurricanes and Natural

Variability in 2005. Kevin E. Trenberth and Dennis J. Shea in Geophysical Research Letters, Vol. 33, N0. 12; June 2006.

 

(*)WARMER OCEANS, STRONGER HURRICANES
(**)Key Concepts
(***)Hotter Spawning Ground

(****)WHERE CYCLONES ROAM
(*****)HOW HURRICANES FORM

(******)GLOBAL WARMING EXACERBATES STORMS

(*******)Why the Lull?

(********)More Flooding , Too

(*********)Worst Cyclones

(**********)THE 2006 LULL EXPLAINED

(***********)Trouble to Come

(************)HOT WATER FIRES UP STORMS

(1) hurricane هُرّيكان: عاصفة مدارية سرعة رياحها تتجاوز 74 ميلا/ ساعة تنشأ فوق شمال المحيط الأطلسي وشمال المحيط الهادئ.

http://oloommagazine.com/Images/none.gif

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى