أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئية

هل يُشكِّل الإيثانول أملا على المدى البعيد؟

هل يُشكِّل الإيثانول أملا على المدى البعيد؟(*)

يمكن للإيثانول أن يحل محل الگازولين، لكن هذا لن يكون مجزيا قبل أن نجد طريقة للحصول عليه من سيقان الذرة لا من حبّاتها.

<L.M.والد>

 

 

لن يمكنك تعرف مبنى المطار بمدينة «سيوفولز» في «ساوث داكوتا» حتى تصل إلى صالة استلام الحقائب. فحقول الذرة في كل مكان؛ وقد أقيمت بين منصات carousels حلبةٌ من طراز «إندي» لسباق السيارات، مطلية باللونين الأخضر والأبيض، تغطّيها ملصقات تشير إلى أن سياراتها تعمل بوقود الإيثانول (الكحول الإثيلي) ethanol. وحين تقترب من منصات تأجير السيارات ترى لافتات ملصوقة على سطح النضد counters تحذر الزبائن من ضخ الوقودE85  (وهو توليفة الإيثانول الممتاز الذي يباع محليا) في خزانات وقود السيارات المؤجرة، لأنّها غير مصمّمة لاستخدامه، وهذا يؤدي إلى تلف محركاتها.

 

وتعتبر هذه المنطقة مركز الدفع الوطني لتحويل الكربوهيدرات (السكريات)carbohydrates إلى هيدروكربونات (فحوم هيدروجينية) hydrocarbons.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/1-2/12.gif

 

وتوجهت الولايات المتحدة إلى التسريع في عملية استخدام الإيثانول، متوقعة ازديادًا في استخدام الوقود لم تعرف له البلاد مثيلا منذ أن عرضت المرافق العامة للكهرباء قبل 40  عامًا إقامة المئات من منشآت الطاقة النووية. وفي الشهر 8/2005،  أقر الكونگرس مشروع قانون حول الطاقة يهدف إلى إنتاج7.5 بليون گالون من الإيثانول في السنة مع مطلع عام 2012، أي بما يزيد بحوالي 4 بلايين گالون على ما كان ينتج منه في تلك السنة، ليحل محل الوقود المستورد. ويقول المحلّلون الصناعيون إن هذا الكم الكبير من الإيثانول سيتم حرقه قبل ذلك الحين بكثير، وذلك بفضل السياسة الضريبية التي تنتهجها الحكومة والمعونات التي تقدمها، وبخاصة إذا ما حافظت أسعار النفط على ارتفاعها؛ لأن تكلفة تحويل المادة النباتية إلى إيثانول أقل بكثير من 2.5 دولار للگالون، وهو سعر گالون الگازولين في خريف 2006.

 

وفي الواقع، تجاوز إنتاج الإيثانول المحلي 5 بلايين گالون في عام 2006، وفقا لبيانات «وكالة الطاقة المتجددة» Renewable Fuels Association. وقد يبدو هذا المقدار ضئيلا إذا ما قورن بمقدار وقود الگازولين والديزل المستهلك والبالغ حوالي 140 بليون گالون في السنة، إلاّ أن اللافت فيه هو ازدياده بحوالي 50%خلال سنة واحدة فقط. يقول <A.كارسنر> [وكيل الوزارة لشؤون الطاقة الناجعة والمتجددة في وزارة الطاقة (DOE)] إن متطلبات السوق الناتجة من ارتفاع أسعار النفط، جعلت العاملين في مجال تطوير الطاقة يتدافعون نحو إقامة منشآت ومعامل إنتاج الإيثانول على نحو يشبه إلى حدٍّ ما الاندفاع نحو النفط الذي شهدته ولاية پنسلکانيا في الخمسينات من القرن التاسع عشر.

 

ونتساءل: هل يستحق الأمر مثل هذا الاندفاع؟ ونجيب بالنفي طبعا، إذا ما ظلت طريقة تحضير الإيثانول على ما هي عليه في الوقت الحاضر، حيث يُنتج جميع الوقود الإيثانولي المسوّق تجاريا في الولايات المتحدة من حبات الذرة، مع ما يتطلبه ذلك من استخدام مقادير كبيرة من الطاقة. وتدل بعض الدراسات على أن إنتاج گالون واحد من الإيثانول يتطلب طاقة قد تزيد على ما يعطيه منها عند حرقه؛ في حين تشير دراسات أكثر إيجابية إلى ترافق هذا الإنتاج مع كسب طاقي ضئيل. ومن جهة أخرى فقد أظهرت أبحاث أخرى أن دورة إنتاج الإيثانول من حبات الذرة لا تخفف إلاّ قدرا يسيرا من انبعاث غازات الدفيئة(greenhouse gases(1، مقارنة بما يسببه الگازولين المستخرج من النفط الخام، أو أنها لا تخفف منه أبدا.

 

لذلك لن يكون للإيثانول أي جدوى اقتصادية أو بيئية حتى يطور المعنيون بشأنه طرقا للحصول عليه من السليلوز، وليس من حبات الذرة. والسليلوز هو المادة الخشبية التي تتشكل منها سيقان الذرة، وأجسام الأشجار وغيرها من النباتات مثل الأعشاب، التي لا يتطلب إنتاجها وقطافها مقادير كبيرة من الطاقة. وعلى الرغم من معرفة المختصين وفهمهم للعمليات ذات الأساس البيولوجي التي ترافق تحوّل سكريات السليلوز إلى إيثانول، فإن تطبيقها تجاريا لا يزال بعيدا عن متناول أيدي الشركات التي تسعى إلى إنتاجه من هذه المواد. ويعد قصب السكر المصدر النباتي الأفضل لهذا الإنتاج لأنه أكثر غنى من سيقان الذرة وغيرها من الأعشاب بالسكريات التي تتحول إلى إيثانول؛ لكن الولايات المتحدة لا تتمتع بالظروف المناخية الملائمة لزراعته، ولا بالأيدي العاملة الرخيصة لقطافه كما في البرازيل.

 

إن جعل إنتاج الإيثانول من السليلوز أمرا ممكنا من الناحية العملية يتطلب حصول تقدم في مجال الزراعة وتطور أساسي في طبيعة العمليات الصناعية؛ وبدون ذلك يظل الإيثانول منتجا يعاني المعوقات وقلة المردود، وتظل البلاد تحت رحمة النفط المستورد.

 

هل الإيثانول وقود متجدد؟

في الحقيقة إنه ليس كذلك(**)

 

يباع معظم الإيثانول الذي تنتجه الولايات المتحدة الأمريكية «كوجبة سريعة» تساعد استخدام الگازولين، حيث تصل نسبته في توليفة الوقود الگازوليني إلى حوالي 10%،  وهي أعلى نسبة تتقبلها محركات السيارات من دون أن يلحق بها أي ضرر. ويستطيع السائقون في بعض المناطق المحلية، وبخاصة في الطوق الزراعي التزود بالوقود E85، وهو توليفة تحوي 85% من الإيثانول و15% من الگازولين الخالي من الرصاص. ولكن هذا المزيج لا يصلح إلاّ لمحركات مجهّزة خصوصا لاستخدامه؛ لأن الإيثانول الذي فيه، وهو المكوّن الكحولي ذاته في المشروبات الكحولية، يؤثر في مانعات الإحكام بالمحركات وفي أنظمة الوقود بها. وقد تم تجهيز عدة ملايين من العربات بمثل هذه المحركات الخاصة (مع عدم معرفة العديد من مالكيها بذلك)، لكن عدد المحطات التي تسوّق الوقود E85 لا يتجاوز المئات وهو في ازدياد بطيء.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/1-2/85.gif

 

لكن إنتاج الإيثانول من حبات الذرة يزداد على نحو كبير. فهو من جهة يلقى دعما وتأييدا قويين من أعضاء الكونگرس الذين يمثلون الولايات الزراعية ومن مندوبيهم في واشنطن العاصمة؛ ومن جهة أخرى، يلقى دعم مؤيدين من خارج القطاع الزراعي يرون أن البلاد يجب أن تكون أقل اعتمادا على النفط المستورد. ويستند هؤلاء المؤيدون في دعم حججهم ودوافعهم إلى أن الإيثانول هو وقود متجدد، لأن إنتاج الذرة محصول سنوي يتجدد عاما بعد عام. وقد وضعت «وكالة الوقود المتجدد» كراسة أعدت ببراعة تبين أن استهلاك 7.5 بليون گالون من الإيثانول في السنة يعني الاستغناء عن 179 مليون برميل من النفط المستورد، وهو يمثل ما تستورده البلاد في 15 يوما؛ ويُعد ذلك نقطة بداية، حتى لو لم يشكل حلا أو علاجا جذريا للموضوع.

 

ولكن الإيثانول قد لا يستحق كل هذه الأهمية التي نوليها له، وذلك لأكثر من سبب. فالبرميل منه (ويتسع ل42 گالونا) ينتج طاقة حرارية مقدارها000 80 وحدة حرارية بريطانية (Btu)، في حين تبلغ الطاقة التي ينتجها برميل الگازولين 000119وحدة Btu، وهذا يعني أن 42 گالونا من الإيثانول تعادل في طاقتها 28 گالونا من الگازولين العادي الخالي من الرصاص. وبتعبير آخر، يمكن القول لو أنك ملأت خزان سيارتك بالوقود E85 بدلا من الگازولين، لانخفضت المسافة التي تقطعها بنسبة 33%. لذلك، حتى لو كان گالون الإيثانول أرخص من گالون الگازولين، فإن على سائقي السيارات شراء كميات أكبر منه لقطع المسافة ذاتها.

 

أما المعوِّق الآخر فمرده إلى افتقار الولايات المتحدة لبعض مصادر الطاقة اللازمة لإنتاج الإيثانول؛ إذ على الرغم من أن زراعة الذرة منتشرة في جميع أرجائها انطلاقا من بلدة «سيوفولز» وإنتاجها منه وافر، فإن إنتاج الإيثانول منها يحتاج إلى مقادير كبيرة من الغاز الطبيعي؛ لأن هذا الإنتاج يتم بالطريقة ذاتها التي يُنتج بها إيثانول المشروبات الكحولية؛ فالخميرة تلتهم السكر وتحوله إلى كحول وثنائي أكسيد الكربون، ثم يقطّر الناتج فيتبخّر الكحول وتكثّف أبخرته وتجمع. وتتضح الحاجة إلى الطاقة الحرارية للغاز الطبيعي في جميع مراحل هذه العمليات، بحيث يتطلبُ إنتاج گالون واحد من الإيثانول بما يحمله من طاقة مقدارها000 80 وحدة Btu، استهلاكَ طاقة مقدارها000 36 وحدة Btu يتم تأمينها من حرق الغاز الطبيعي.

 

في تسعينات القرن الماضي، كان سعر الغاز الطبيعي منخفضا؛ إذ بلغ 3دولارات لكل مليون وحدة Btu، عندما قام الكونگرس بدعم اقتصاد الولايات الزراعية من خلال إصدار تشريعات تشجع أصحاب المصافي فيها على زيادة إنتاجهم من الإيثانول. ولكن تزايد الطلب على هذا الغاز دفع بسعره إلى الارتفاع حتى بلغ 14 دولارا لكل مليون وحدة Btu في شتاء عام 2006. وعلى الرغم من ادعاء أنصار الإيثانول بأن وقودهم جزء من مستقبل طاقة مستدامة، فإن استخدام الغاز الطبيعي على مثل هذا المنوال قد لا يجعله مستداما على المدى البعيد أو حتى في الوقت الحاضر. فالإنتاج الأمريكي منه إلى انخفاض، والإنتاج الكندي لم يعد يكفي لتلبية المقادير الكبيرة المستهلكة منه. وقد يكون من دواعي العجب أن تضطر الولايات المتحدة إلى زيادة مستورداتها من الغاز الطبيعي من خارج أمريكا الشمالية لتصنع وقودها «المحلي» من الإيثانول.

 

من دواعي العجب أن تضطر الولايات المتحدة إلى زيادة مستورداتها من الغاز الطبيعي لتنتج إيثانول الذرة «المحلي».  http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/1-2/11.gif

 

ويعمد بعض منتجي الإيثانول إلى حرق الفحم الحجري كخيار بديل، وهو وقود لا يمكن اعتباره بأي معيار نظيفا ومتجددا. فاستخدامه يطلق كميات كبيرة من غاز ثنائي أكسيد الكربون (CO2)، بحيث إن قَطع مسافة ميل واحد بسيارة تستخدم هذا الإيثانول أكثر إساءة لسلامة البيئة ومناخها من قطع هذه المسافة بسيارة تستخدم الگازولين الصرف؛ كما أن بوسع المصافي، نظريا، لتأمين حاجاتها من الطاقة الحرارية، استخدام الطاقة الكهربائية المشتراة من شركات خاصة. لكن ذلك يعني حرق المزيد من الفحم الحجري والمزيد من الغاز الطبيعي لتلبية الطلبات المتزايدة.

 

كما يحتاج إنتاج الإيثانول إلى أشكال أخرى من الوقود لعل أبرزها وقود الديزل للشاحنات التي تنقله من أمكنة تقطيره إلى الأسواق والتي غالبا ما تقطع مسافات كبيرة. فالإيثانول لا ينقل في أنابيب كما ينقل الگازولين ووقود الديزل، إذ قد تتلوث الأنابيب بالماء الذي لا يمتزج بهذين الوقودين، لكنه يمتزج بالإيثانول ويخفض من قيمته الحرارية. كما يستخدم وقود الديزل في الحصَّادات التي تقطف كيزان الذرة، ويستخدم الغاز الطبيعي في صناعة المواد الكيميائية التي تصنع منها الأسمدة اللازمة لزراعة الذرة.

 

 

نظرة إجمالية/ بين الوهم والحقيقة(***)

 

  على الرغم من الدعم والتأييد القويين اللذين يبديهما رجال السياسة لإنتاج الإيثانول من الذرة باعتباره بديلاًَ عن النفط المستورد، فإن قيمته الطاقية تبقى ضئيلة. كما أنه لن يقدم سوى جزء يسير من الوقود اللازم لتسيير العربات في الولايات المتحدة، حتى لو استخدم في إنتاجه جميع محصولها من الذرة.

 

  تظهر الدراسات أن إنتاج الإيثانول من الذرة يطلق تقريبا ما يطلقه حرق الگازولين من غازات الدفيئة (غازات الاحتباس الحراري)؛ كما أن حرق الإيثانول في محركات السيارات لا يؤدي إلى أي خفض في درجة التلوث البيئي، أو إلى خفضٍ لا يكاد يذكر.

 

   يحتاج استخراج الإيثانول من السليلوز المتوافر ـ في سيقان الذرة وقش الحبوب وأعشاب الكلأ ـ إلى كميات من الوقود الأحفوري أقل بكثير مما يحتاج إليه استخراجه من حبوب الذرة. لكن الشركات المنتجة له تواجه صعوبات وعقبات في الوصول إلى الإنزيمات الطبيعية اللازمة لذلك، وفي جعلها تتكاثر وتعمل في بيئة مختلفة عن بيئتها؛ أي في مفاعلات بيولوجية (حيوية) يقتضيها حجم الإنتاج الكبير المراد. وقد تم التوصل إلى متعضيات (كائنات عضوية) حية واعدة. وتتوقف إمكانية دوام الحصول على الإيثانول على المدى الطويل على نجاح هذه الإنزيمات في أداء مهامها. 

 

وتعد هذه الاعتبارات عوامل أساسية في حساب ميزان الطاقة الإجمالي netenergy balance للإيثانول، وقد أثار ذلك جدلا واسعا حول ذلك الحساب. ففي حين يؤكدّ <D.بيمنتل> [أستاذ الزراعة في جامعة كورنل] في سنة 2005 أن إنتاج گالون واحد من الإيثانول يحتاج إلى طاقة تزيد على ما يحرره منها عند احتراقه، يقول ناقدوه إنه لم يعطِ سوى قيمة ضئيلة جدا للمنتجات الثانوية المرافقة له والتي يمكن استخدام بعضها لتغذية المواشي والدواجن (بدلا من الحاجة إلى إنتاج الذرة التي تحتاج إليها هذه التغذية)، وإنه بذلك حمّل فاتورة إنتاج الإيثانول تكلفة إضافية دخيلة، بما في ذلك ثمن طعام العمال في منشآت الإنتاج. لكن جميع المحلّلين يجمعون على ضآلة قيمة ناتج «ميزان الطاقة الإجمالي»، حتى وإن كان إيجابيا. وقد أجرى المعهد الأمريكي للعلوم البيولوجية في السنة ذاتها دراسة شاملة خلصت إلى القول بأن الإيثانول المستخرج من الذرة يعطي طاقة تزيد بنسبة 10% فقط على الطاقة اللازمة لإنتاجه. وتبدو ضآلة هذه الزيادة عند مقارنتها بمثيلتها البالغة 370% عند إنتاج الإيثانول من قصب السكر الذي يُجْنى في البرازيل.

 

وقد بيّنت الحسابات التي أجراها <M.وانگ> [العالم البيئي في مركز مختبرات أرگون الوطنية لأبحاث النقل] أن إنتاج مليون وحدة Btu من الإيثانول يحتاج إلى000 740 وحدة Btu من الوقود الأحفوري، إذا ما أخذنا في الاعتبار جميع مراحل دورة الإنتاج من تسميد الأرض إلى قطف الذرة فتحويل النشا إلى كحول وتقطيره… إلخ. ويُروَّج للإيثانول على أنه منتج زراعي، إلا أنه إلى حد بعيد مُنْتَج وقود أحفوري.

 

 

من البئر إلى العجلة: كيف يصنع الوقود(****)

 

إن تحويل النفط الخام إلى گازولين، وتحويل الذرة إلى إيثانول، وإيصال هذين الوقودين إلى محطات التوزيع، تقتضي المرور بعدة مراحل يحتاج بعضها إلى كمية كبيرة من الطاقة، ولتأمينها نحتاج إلى مقادير كبيرة من الوقود الأحفوري.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/1-2/scan0015.gif

 

كما أن الفائدة التي يجنيها مفعول الاحتباس الحراري (الدفيئة) من استخدام الإيثانول ضئيلة بدورها. فقد بيّن <A.E.فاريل> [وهو أستاذ مساعد للطاقة ومصادرها بجامعة كاليفورنيا في بيركلي] في مقالة نشرتها مجلة «ساينس» Science في الشهر 1/2006، أن تأثير التحول نحو الإيثانول كان غامضا ومبهما. وخلص <فاريل> بعد دراسات عديدة أجراها ومساعدوه إلى أن الإيثانول المنتج باستخدام الغاز الطبيعي أفضل بقليل من الگازولين بالنسبة إلى إنتاج الملوثات المسببة للاحترار العالمي global warming، في حين أن الإيثانول المنتج باستخدام الفحم الحجري كان الأسوأ. فحرق گالون واحد من الگازولين في محرك السيارة يطلق في الجو حوالي 20 باوندًا من غاز ثنائي أكسيد الكربون، بما في ذلك ما يرافق تحضيره في مصفاة النفط. أما ما يطلقه حرق گالون من الإيثانول فغير واضح تماما، وهو إما أفضل قليلا أو أسوأ قليلا، تبعا لطريقة تحضيره. لذلك فإن الترويج للتحول نحو الإيثانول من منطلق محدودية ما يطلقه من غازات مسيئة للبيئة أمر مَُضلِّل.

 

هل هي دورة حياتية أم دورة سياسية؟(*****)

 

لم يكن لاعتبارات «الناتج الطاقي الإجمالي» ولا لاعتبارات التلوث البيئي دور أساسي في إقرار السلطات الفدرالية في سنة 2005 «معيار الوقود المتجدد» لعام 2012، ولا في إعطاء الإيثانول تخفيضا ضريبيا مقداره 51 سنتا للگالون؛ إذ لم يجرِ الكونگرس عندها تحليلا لدورة حياتية، بل أجرى تحليلا لبيانات شركةADM (شركة أرثر دانيال ميدلاند)، كما يقول مسؤول فدرالي ذو خبرة واسعة في شؤون الطاقة والتلوث البيئي. وقد ظلّت هذه الشركة العملاقة في مجال الإنتاج الزراعي القوة المحركة لسياسة الإيثانول سنوات طويلة.

 

ويبدو تحليل الدورة الحياتية للوقود أمرا جديدا أمام واضعي سياسة الطاقة الذين كانوا يعتمدون في جدوى تحويل الوحدات Btu المنخفضة القيمة إلى وحدات مرتفعة القيمة (مثل تحويل طاقة الفحم الحجري إلى طاقة كهربائية أو تحويل النفط الخام إلى گازولين) على عنصر التكلفة فقط؛ أما الآن، فقد بدؤوا لأول مرة يأخذون بالاعتبار أمورا أخرى مثل الطاقة الضائعة والتلوث البيئي اللذين يرافقان عملية التحويل.

 

 

الإيثانول من حبوب الذرة أو سيقانها (عيدانها)(******)

 

تتباين إلى حد كبير المراحل الأولية في عملية تحويل حبّات الذرة أو ألياف السليلوز إلى إيثانول. فالحبات تجرش وتنقع وتهرس وتطبخ قبل إدخالها مفاعل التخمير؛ أما الألياف فتعرّض للبخار، ثم تنقل إلى مفاعلات بيولوجية (حيوية) تتحوّل فيها بفعل الإنزيمات إلى سكريات. وتسعى الشركات للتوصل إلى تفاعلات بيولوجية ذات جدوى صناعية، وهي تُخلِّف الليگنين lignin الذي يُحرق ليسهم في توليد البخار والطاقة الكهربائية. إن تقطير نواتج المراحل الأولية في كلتا الحالتين يعطي منتجا ثانويا ذا قيمة غذائية يمكن تحويله إلى علفٍ للحيوانات.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/1-2/scan0016.gif

 

أما تأثير هذا التقييم في وضع سياسة الطاقة فمسألة أخرى، حيث تم تشكيل ائتلاف طاقي واسع القاعدة يشمل طاقة الوقود البيولوجي (الحيوي) وطاقة الرياح والطاقة الشمسية. وشكّل أنصار هذا الائت لاف مجموعة حماية أطلقت على نفسها اسم «25*25»، دالّين في ذلك على سعيهم لإنتاج 25% من الطاقة التي تحتاج إليها البلاد في عام 2025  من مصادر طاقية متجددة. ويلقى هذا الفريق دعما وتأييدا من العشرات من أعضاء الكونگرس، مع أن المسؤولين فيه لم يستطيعوا أن يحددوا ـ في مؤتمر عقد في واشنطن العاصمة في ربيع2006 للتعريف بهذا الائتلاف ـ المصدرَ الرئيسي الذي يرَونه لإنتاج الطاقة، وهل هو طاقة الرياح أم الطاقة الشمسية أم طاقة الإيثانول أم طاقة الاحتراق المباشر للوقود البيولوجي. ويبدو أنه كانت لديهم بعض الرغبة في التعتيم على الأمر بتعقيدات حسابية.

 

ويرجع بعض الاهتمام المفاجئ الذي يلقاه الإيثانول حاليا، إلى نتائج غير متعمدة لجهود سياسية لم تتكلل بالنجاح لدعم الگازولين؛ إذ بدأت بعض الولايات في ثمانينات القرن الماضي تتطلب تأمين مستويات محدّدة من الأكسجين في الگازولين، في محاولة منها لجعل نواتج احتراقه في محركات السيارات أكثر نظافة. فبدأت معظم المصافي، استجابة لذلك، بإضافة مادة مثيل ثلاثي بوتيل الإيثر (MTBE) إليه، وليس الإيثانول. وسرعان ما تبين للمفتشين في السنوات اللاحقة أن الگازولين يحمل معه هذه المادة إلى التربة عند تسرّبه إليها. وهذه المادة قد تسبب الإصابة بمرض السرطان عندما تتسرب بدورها إلى مصادر مياه الشرب.

 

لذلك ألغى الكونگرس في تشريع بشأن الطاقة أصدره في عام 2005 التشجيع الذي كان يلقاه استخدام المادة MTBE، فعمدت المصافي إلى خفض إنتاجها منها لتتفادى إمكانية تعرّضها لمساءلات قانونية. ونظرا لحاجة هذه المصافي إلى بديل عن المادة MTBE يَرفع رقم الأوكتان في الگازولين ولخشية المسؤولين فيها من التوجه نحو مواد جديدة بديلة أخرى، فقد توجهوا نحو الإيثانول. وسيساعد هذا التوجه على زيادة حجم الگازولين الذي تنتجه المصافي ذات الاستطاعات المحدودة، من خلال إضافة الإيثانول، مستبقين الحاجة إلى إنشاء مصاف جديدة مكلفة.

 

التوجه نحو ساق نبتة الذرة بدلا من كوزها(*******)

 

يعاني التوجه الحالي نحو الإيثانول مشكلة أساسية أخرى تشوش صورته وهي وضع إنتاج الذرة الذي لا يكاد يكفي لتأمين جزء معتبر من حاجة البلاد الماسة إلى الوقود، على الرغم من وجود فائض من إنتاج هذه الذرة.

 

وقد بيّن <بيمنتل> في رسالة وجهها في الشهر 2/2006 إلى <J.ماك كين> [عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا] أن تصنيع 3.4 بليون گالون من الإيثانول يستهلك حوالي 14% من محصول الذرة في الولايات المتحدة. وقياسا على ذلك، فإن مجمل هذا المحصول لن يؤمن سوى 7% من الوقود الذي تحتاج إليه السيارات فيها. وهكذا فإن إنتاج الذرة، ولو ازداد على نحو كبير، لن يكفي أبدا لسد حاجة البلاد من الوقود. ويذهب بعض النقاد إلى القول بأن أي زيادة في إنتاج الذرة في الولايات المتحدة يجب أن تتوجه نحو زيادة صادراتها منه أو لإطعام شعوب العالم التي تعاني المجاعة.

 

وقد يكون هناك حل باستخراج الإيثانول من السِلِّيلوز cellulose، وهو المكوّن الرئيسي لسيقان نبتة الذرة ولقش الحبوب ولأشجار ونباتات أخرى لا تعد عادة من المحاصيل الزراعية، مثل عشب الكلأ، ويزيد محتواها من السليلوز على ما تحتوي عليه حبوب الذرة منه. وقد بينت وزارة الزراعة وسواها أن إنتاج البلاد من السليلوز يمكن أن يؤمن ما يكفي من الإيثانول للتعويض عن ثلث كمية الگازولين الذي تستهلكه.

 

ولإنتاج الإيثانول من سكر السليلوز، بدلا من إنتاجه من حبوب الذرة، دور طاقي مزدوج. فالسليلوز مادة «جاهزة» تقريبا لأن قطاف سيقان الذرة لا يحتاج إلاّ إلى جهد إضافي ضئيل، ولا يحتاج إلى أي تسميد إضافي. ولتنشيط التربة يعمد المزارعون إلى حرث حقول الذرة مع وجود سيقانها وقواليحها فيها من دون أن يعيقهم ذلك عن قطاف معظم مادتها النباتية. كما لا يحتاج عشب الكلأ، وهو العشب المفضل لإنتاج الإيثانول، إلاّ إلى القليل من السماد.

 

 

استهلاك وقود لإنتاج وقود(********)

 

تتباين على نحو كببر كميات الوقود الأحفوري (غاز طبيعي ـ نفط ـ فحم حجري) التي تحرق لإنتاج الگازولين والإيثانول (من حبوب الذرة ومن السليلوز)، إذا ما أخذنا بالاعتبار جميع مراحل هذا الإنتاج بدءا من حفر آبار النفط أو زرع حقول الذرة وصولا إلى المنتج النهائي في محطات التوزيع. وتمثل الأرقام المبينة أدناه القيم المتوسطة المأخوذة من ست دراسات أجراها باحثو المعهد CIT.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/1-2/15.gif

عفن الغابة من أدغال جزيرة گوام وهي فطورtrichoderma reesei تساعد على تحطيم ألياف السليلوز وتكسيرها وتحويلها إلى مواد سكرية يمكن استخلاص الإيثانول منها بسهولة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/1-2/scan0018.gif

كمية الوقود الأحفوري مقدرة بالميگاجول اللازمة لإنتاج ميگاجول من الوقود.

 

ومن ناحية أخرى، فإن الليگنين lignin، وهو ما يتبقى من السليلوز بعد أخذ السكر منه، يعتبر مادة جيدة الاحتراق. وتتوقع شركة يوجين [ومقرها في مدينة أوتاوا بمقاطعة أونتاريو بكندا] الرائدة في جميع أمريكا الشمالية في أبحاث إيثانول السليلوز أن يستفاد من طاقة احتراق الليگنين، عند إقامة وحدات إنتاج على المستوى الصناعي، وذلك في تبخير الماء وتوليد الكهرباء. لذلك، بدلا من الانطلاق من حبوب الذرة (المادة الغذائية) لتصنيع الوقود، فإن إيثانول السليلوز سيتم إنتاجه من بقايا وفضلات زراعية مكونًا منتجين مهمين، هما وقود السيارات والطاقة الكهربائية. كما أن كمية غاز ثنائي أكسيد الكربون التي تنبعث من محرك سيارة تستخدم هذا الوقود وتقطع مسافة ميل تقريبا تكاد تكون معدومة. وقد تكون أقل من ذلك، إذا ما استخدمت الطاقة الكهربائية التي ترافق إنتاجه، بدلا من الفحم الحجري أو الغاز الطبيعي في محطات الطاقة. ومن جهة أخرى، إن غاز ثنائي أكسيد الكربون المنطلق من احتراق الليگنين سوف يمتص من الجو ثانية عند زراعة حقول الذرة ونمو سيقانها. ويتوقع المتفائلون، ومن بينهم باحثون في شركة يوجين، أن يتم تبنّي عملياتهم الصناعية على نحو تدريجي لسليلوز مواد وبقايا أخرى منخفضة القيمة، مثل ورق المجلة التي بين يديك (بعد أن تنتهي من قراءتها).

 

ومع ذلك يبقى الكثير من القضايا بانتظار الحل، ولعل أبرزها تذليل عملية تكسير السليلوز بيولوجيا والسيطرة عليها؛ إذ لا يمكن تحويل السكر الذي تحتجزه أليافه وإنتاج الإيثانول منه إلا بعد تحريره من الليگنين، حيث تقوم الإنزيمات التي تولدها البكتيرات والفطور بهذه العملية الطبيعية. وتعيش هذه البكتيرات في أمكنة غير «لائقة»، مثل جذوع الشجيرات الصغيرة التي تنمو في ظل الأشجار الكبيرة في الأدغال النائية، وفي أحشاء بعض أنواع النمل. ويبدو أن التعامل معها وتهجينها أكثر صعوبة ممّا هي الحال مع الخميرة. فدفعها للتكاثر في حاويات ومستوعبات غير مألوفة لديها مصنوعة من فولاذ لا يصدأ ويتسع واحدها لألفي گالون وكذلك مراقبة نشاطها على العمل بمستويات تدعم وتعزز تحويل السكر إلى إيثانول على المستوى الصناعي  هما أمر يحتاج إلى كثير من الدراية والبراعة.

 

وقد عمدت بعض الشركات إلى وضع وسائل وطرق تحضير خاصة بها لاصطناع الإيثانول، لكن لا يبدو أن أيّا منها قد استطاع بلوغ شط الأمان والتوصل إلى ابتكار وسائل موثوقة على نحو يقنع الممولين بقبولها. وعلى الرغم من تحفظ هذه الشركات عن الإفصاح عن ماهية حلولها التقنية، فقد اشتكت جميعها في لقاء جرى في الشهر 9/2006  من أنها لم تتمكن من إقناع الشركات المصمّمة بتقديم الضمانات اللازمة للمصارف بشأن وثوقية الحلول المقدمة ومقدرتها على تشغيل المصانع.

 

إذا استطاعت الشركات إنتاج إنزيمات بكميات كبيرة، فإن إيثانول السليلوز يمكن أن يحل على نحو كبير محل الگازولين.

 

 

 http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/1-2/11.gif

 

وقد تُحسِّن بعض العُضَيّات (الكائنات العضوية) organisms التي تم اختبارها، من فرص هذه المحاولات وجدواها؛ إذ اعتمدت شركة يوجين في إجراءاتها فطورًا من جزيرة «گوام» يطلق عليها الباحثون اسم عفن الأدغالjungle rot، وعملت على دنا DNA هذه الكائنات الدقيقة على نحو يرفع من كمية الإنزيم الذي تعطيه. واستخدم مستثمرون آخرون إنزيمات يصنعها الفطر الزراعي. أما شركة هوندا فتقول إنها ربما تعرّفت في خريف 2006 حشرة جديدة من فصيلة البق bug تقوم بهذا العمل؛ في حين يعمل <أگريفيدا> [في كمبردج بولاية ماساشوستس] على هندسة حبوب الذرة وراثيا وإدخال الإنزيم إليها، بحيث يتم تحطيمها وأخذ إيثانولها بصورة أسرع.

 

وبيّن <S.بودمان> [وزير الطاقة في الولايات المتحدة] في لقاء مع مراسلين حول مائدة مستديرة، أنه يمكن التوصل خلال خمسة أعوام إلى تقانة قابلة للتطبيق. وعلى الرغم من الإغراءات الكبيرة التي تقدمها الحكومة للشركات، فلا يبدو أن أيّا منها مهيأ حاليًا لإقامة منشأة على مستوى الإنتاج التجاري.

 

وحتى بلوغ هذه المرحلة، لا يمكن اعتماد استخراج الإيثانول من الذرة كاستراتيجية مستدامة. فالإنتاج الزراعي لن يكون قادرا أبدا على تقديم ما يكفي منها؛ وتحويلها إلى إيثانول لن يغير كثيرا من ظاهرة الاحتباس الحراري. كما أنها من منظور إنساني واجتماعي تأخذ الطعام من موائد المحتاجين؛ في حين يدافع أنصار إيثانول الذرة عنه ويرون فيه جسرا تقانيا للوصول إلى إيثانول السليلوز من دون أن يبدو في الوقت الحاضر ما يشير إلى أن هذا الجسر قد يوصل إلى أي مكان.

 

المؤلف

 

Mattew L. Wald

 

 مراسل لصحيفة نيويورك تايمز، عمل على تغطية موضوعات الطاقة منذ سنة 1979، وكتب عن تكرير النفط وتوليد الكهرباء وعن السيارات الهجينة التي تعمل بالكهرباء وعن تلوث الهواء. يقيم حاليا في واشنطن العاصمة، حيث يتابع موضوعات الأمان في عمليات النقل وسواها. تعد هذه المقالة ثالثة مقالاته في مجلة ساينتفيك أمريكان.

 

 مراجع للاستزادة 

 

Ethanol Fuels: Energy Balance, Economics, and Environmental Impacs Are Negative. David Pimentel in Natural Resource

Researchm Vol. 12, No. 2, pages 127-134; June 2003.

Available at www,ethanol-gec.org/netenergy/neypimentel.pdf

 

Updated Energy and Greenhouse Gas Emissions: Results of Fuel Ethanol. Michael Wang in the 15th International

Sympisium on Alcohol fuels, September 26-28, 2005.

Available at Error! Hyperlink reference not valid.

 

Plan B 2.0: Rescuing a planet underStress and a Civilization in Trouble. Expanded and updated edition.

Lester R. Brown. W. W. Norton, 2006.

25×’25 Vision on renewable energywww.25×25.org/

 

(*)  IS ETHANOL FOR THE LONG HAUL?

(**) Renewable? Not Really

(***) Overview/ Myth and Reality

(****) From Well To Wheel : How Fuel Is Made

(*****) Life Cycle or Political Cycle?

(******) Ethanol From Kernels Or Stalks   

(*******) The Stalk, Not the Ear

(********)Takes Fuel To Make Fuel

(1)أو : غازات الاحتباس الحراري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى