الطب النانوي يستهدف السرطان(*)إذا نظرنا إلى جسم كل إنسان على أنه نظام يتألف من شبكات جزيئية تتفاعل مع بعضها، واستهدفنا مواطن الخلل في هذا النظام باستخدام تقانات ذات قياسات نانوية، فإن ذلك يدفعنا إلى إعادة النظر في كيفية فهمنا للمرض وفي كيفية مهاجمته، وربما في إمكانية الوقاية منه.
<R.J.هيث> ـ <E.M.ديڤيز> ـ <L.هود>
مفاهيم مفتاحية
إن أسلوب «النُّظُم» systems في الطب ينظر إلى الجسم باعتباره شبكة معقدة من تفاعلات جزيئية، يمكن قياسها، وعمل نماذج لها، لكشف أسباب الأمراض، مثل السرطان.
وتستطيع الأدوات البالغة الصغر قياس الجزيئات والتعامل معها بتكلفة زهيدة لصالح طب النظم.
وتوصِّل العلاجاتُ النانويةُ الأبعاد الأدويةَ التي تستهدف الأورام بدقة، في حين تتجنب النسج السليمة.
محررو ساينتفيك أمريكان
قبل الذهاب إلى قاعة التمارين الرياضية، أو بعد الإفراط في تناول الكعك في احتفال يقام في المكتب، فإن السكّريِّيِّن يمكنهم استخدام جهاز محمول لقياس الگلوكوز في دمهم بسرعة، فيعدلون طعامهم، أو يأخذون جرعة من الأنسولين، لتفادي حدوث ارتفاعات أو انخفاضات حادة في مستوى سكر الدم. إن الأجهزة الرخيصة الثمن لاختبار سكر الدم بوخز الإصبع والتي تتيح للسكريين فحص مستوى الگلوكوز طوال اليوم، قد تبدو كأنها وسيلة صغيرة الحجم لتأمين الراحة، فإذا لم تكن سكّريّا، وإذا كنت تستطيع أن تعود بذاكرتك إلى عقد أو أكثر، فستتذكر أن الإصابة بالسكري كانت تترافق بالكثير من الخوف والتوجُّس، وبقدر أقل بكثير من التحكم في صحتك.
إن نوعية الحياة المتاحة للسكريين بواسطة التقانات التي يمكنها أن تستخلص المعلومات من الدم بسهولة وبتكلفة قليلة، تعطي انطباعا موجزا عما ينبغي أن يكون عليه الطب: أكثر قدرة على التنبؤ وعلى الوقاية، وأكثر تلبية للاحتياجات الشخصية لكل فرد على حدة، وإتاحة فرص أكثر لكل فرد لإسهام أكثر في الحفاظ على صحته. وفي الواقع، فإننا نعتقد أن الطب قد توجَّه بالفعل وبصورة عامة إلى هذا المنحى، بسبب التقانات الجديدة التي جعلت الحصول على معلومات بيولوجية وتحليلها بسرعة وبثمن زهيد أمرا ممكنا.
وأحد المفاتيح لهذا التطور في الطب هو الوصول إلى تصغير فائق في أبعاد الأدوات التقانية التي تستخدم كمية ضئيلة جدا من الدم للقياسات التشخيصية، أو تستخدم خلايا مفردة تؤخذ من نسج مريضة. ويمكن لهذه الأدوات الجديدة، والتي تقاس أبعادها بالميكرون والنانومتر، (وهو جزء من البليون من المتر)، أن تتعامل مع أعداد ضخمة من الجزيئات البيولوجية، وأن تقيسها بسرعة وبدقة، ومن ثم بتكلفة زهيدة لكل قياس، لاتتجاوز سنتات معدودة. وقد فتحت هذه التوافقات بين رخص التكلفة ورفعة الأداء طرقا جديدة لدراسة ومعالجة الأمراض، إذ سمحت بالنظر إلى جسم الإنسان كنظام ديناميكي يتألف من تفاعلات جزيئية. وعندما تُدمَج هذه القياسات التي أجريت على مستوى النُّظُم في نماذج حاسوبية، تتمكن تلك النماذج الحاسوبية، بدورها، من كشف أي مؤشرات مبكرة لمشكلة ما. وعند تجميع هذه التبصُّرات مع العلاجات المرتكزة على التقانة النانوية، فسيكون من الممكن أن يستهدف العلاج المشكلة، دون غيرها، ومن ثم يتفادى أي آثار جانبية خطيرة.
ومع أننا نتوقع أن الطب بمجمله سوف يعمل وفق هذه الأسس، إلا أن الأبحاث حول السرطان تَعْرِضُ، في الوقت الحالي، أمثلة عن الكيفية التي تقدم بها التقانة ذات الأبعاد المتناهية الصغر المعلومات اللازمة لرسم صورة كبيرة للمرض كما تراه النُّظُم.
الجُسَيْمات النانوية والتي بنيت لنقل الحمولة العلاجية، مُرَصَّعَة بپروتينات تؤدي عمل المفاتيح، فتمكِّنها من الدخول إلى خلايا الورم.
طب النُّظُم(**)
إن وضع نموذج لأحد النُّظُم يتطلب كمًّا هائلا من البيانات، والكائنات الحية تزخر بالمعلومات التي يمكن أن توصف بأنها رَقَميَّة، أي يمكن قياسها وتعيين كميتها وبَرْمجَتها لتكون نموذجا. ومثل هذه المعلومات البيولوجية تبدأ بأحد الكودات الجينية لكائن(1). إذ تحمل كل خلية في جسم الإنسان نسخة تامة من جينومه genome، وهو يتألف من ثلاثة بلايين زوج من قواعد الدناDNA، وهي أحرف الأبجدية الجينيــة. وتكود هذه الأحرف قرابة25000 جين، تمثِّل تعليمات لتشغيل الخلايا والنسج. وتُنْتَسَخ الجينات داخل كل خلية إلى شكل يسهل نقله، وهي قطع منفصلة من الرنا RNA المرسال، تحمل تلك التعليمات إلى جهاز خلوي، يقرأ الرنا، وتستخلص منه سلاسل من الأحماض الأمينية، وفقا للتعليمات المكودةencoded. وما تلبث سلاسل الأحماض الأمينية تلك، بدورها، أن تطوي نفسها لتشكِّل الپروتينات، وهي الآلات الجزيئية الثلاثية الأبعاد التي تنفذ معظم وظائف الحياة.
وفي داخل أي نظام بيولوجي، مثل شخص ما، تُنقَل جميع هذه المعلومات، وتُعالَج وتُدْمَج وتُنفذ في النهاية، من خلال شبكات من الپروتينات التي تتفاعل مع بعضها بعضا ومع جزيئات أخرى وثيقة الصلة بها داخل الخلايا. وعندما ننظر إلى النظام بأكمله على أنه شبكة من الأحداث التي تربط فيما بينها علاقات متبادلة، يكون بإمكاننا النظر إلى المرض باعتباره من العواقب التي تمخضت عن اضطراب في الأنماط الطبيعية المُبَرْمَجة للمعلومات ضمن الشبكة. وقد يكون السبب الأَوليّ خللا داخل النظام، مثل تغير عشوائي في الدنا يغيِّر إحدى التعليمات المكودة، أو أحد التأثيرات البيئية التي تمس النظام من الخارج، مثل الإشعاع فوق البنفسجي في ضوء الشمس، والذي يمكن أن يسبب تلفا في الدنا، والذي يؤدي إلى الورم الملاني (الملانوما) في النهاية. وبينما يتسبب الاضطراب المبدئي في موجات صغيرة من التأثيرات والارتجاعات؛ فإن أنماط المعلومات تستمر بالتغيُّر، وتفسر تلك الأنماط المعدلة تعديلا ديناميكيا ما يتسم به المرض من طبيعة ميكانيكية [انظر الشكل القادم].
تحتوي خلايا الپروستاته على مجموعات من الپروتينات (الدوائر المصمتة)، والتي تتفاعل مع بعضها (الخطوط)، في شبكات صغيرة، وتصاحب التغيرات في المستويات الخلوية لبعض الپروتينات تغيرات من الصحة إلى المرض. وتبدي خلايا سرطان الپروستاته في المرحلة المبكرة زيادة في مستويات الپروتين MAPK8 (وهو پروتين معروف بتنظيمه حركة الخلية). كما تكون مستويات الپروتين SDC1 في خلايا السرطان في المرحلة الأخيرة أعلى بمقدار 16 مرة عما هي عليه في خلايا المرحلة المبكرة. و قد تعطي الكمية النسبية من هذين الپروتينَيْن أدلة تشخيصية على وجود المرض وتفاقمه.
ومن الطبيعي، أن يكون بناء نموذج حاسوبي دقيق لشبكة بيولوجية من هذا النمط مجهودا مرهقا، فهذه المهمة قد تتطلب الإدماج الحاسوبي لملايين أو أكثر من القياسات للرنا المرسال ولمستويات الپروتينات، لكي نتمكن من فهم أعمق لديناميكيات تحوُّل النظام من الصحة إلى المرض. ومع ذلك، فإن نموذجا دقيقا (نموذجا يتمكن من التنبؤ بدقة بآثار الاضطرابات) قد يكون الأساس لتغيُّرات مثيرة في الطريقة التي نفهم بها المرض والصحة، وفي الكيفية التي نتناولهما بها من الوجهة الطبية.
ومن الأمثلة على ذلك أن السرطان قد حظي على امتداد العديد من العقود السابقة بدراسات مكثفة أكثر مما حظيت به جميع الأمراض الأخرى، ومع ذلك، كانت الأورام تُميَّز نمطيا بصفات غير دقيقة إلى حد بعيد، تتضمن حجمها، وتوضُّعها في عضو أو في نسيج معين، وما إذا كانت الخلايا الخبيثة قد انتشرت من الورم الأولي. وكلما تقدم السرطان طبقا لهذه «المراحل» التشخيصية كان التكهن بتقدم المرض قاتما بالنسبة إلى المريض. ومع ذلك, فإن تلك الحكمة التقليدية كانت تقدم العديد من التناقضات، فالمرضى الذين شُخصوا بسرطانات متماثلة وأُعطوا علاجات متشابهة من ذخيرة الإشعاع والمعالجات الكيميائية عادة ما كانوا يستجيبون بصورة متفاوتة، فمجموعة من المرضى قد تتمتع بالشفاء التام، في حين تموت المجموعة الأخرى سريعا.
كشفت القياسات الواسعة النطاق للرنا المرسال ولتركيزات الپروتين داخل خزعات الأورام عدم كفاءة هذه الأساليب المعهودة في إظهار كيف أن سرطانين متماثلين ظاهريا في مريضين يتضمنان شبكات مضطربة بطرق مختلفة اختلافا مثيرا. واعتمادا على مثل هذا التحليل الجزيئي، فإن العديد من السرطانات التي كانت في وقت ما تُعتَبَر مرضا واحدا جرى تعرفها الآن كأمراض منفصلة.
إن ما يقرب من 80% من أورام الپروستاته في البشر تنمو ببطء، حتى إنها لا تسبب ضررا للمصاب بها أبدا. أما بقية المصابين بها، فإنها سوف تنمو بسرعة أكبر وتغزو النسج المجاورة، وتنتشر إلى الأعضاء البعيدة أيضا، وفي النهاية تقتل المريض. ومجموعتنا البحثية تحاول حاليا أن تتعرف الشبكات التي يسبب المرض اضطرابها في خلايا الپروستاته، وهي الشبكات التي تميز النمطين الرئيسين من السرطان، بحيث يتعرف الطبيب منذ البداية الموجود منها لدى المريض. فهذه المعلومة قد تعفي 80% من المرضى من جراحة غير ضرورية، أو من التعرض للإشعاع أو للمعالجة الكيميائية، فضلا عن الألم وسلس البول والعنانة التي تصاحب تلك المعالجات.
ونحن نحلل كذلك الشبكات داخل الپروستاته التي تميز الأنماط الفرعية الأكثر غزوا من بين 20% من الحالات، وهي الأنماط التي قد تتطلب نُظُما علاجية متميزة. وعلى سبيل المثال، ولدى تحليل الشبكات المميزة للمرحلة المبكرة وسرطان الپروستاته النقيلي، تَمَكَّنّا من تعرف پروتين يُفرز في الدم، وهو الپروتين الذي يبدو وكأنه واسم marker ممتاز لتعرف السرطان النقيلي. والأدوات من هذا النوع التي يمكنها أن تُدْرِجَ مرضا معيَّنا مثل سرطان الپروستاته ضمن نمط فرعي دقيق، قد تتيح للطبيب أن يقوم باختيار منطقي للعلاج الملائم لكل فرد على حدة.
اكتشاف المرض(***)
ومع أن مثل هذا التحليل للرنا المرسال والپروتينات المستمدة من النسج الورمية قد يكون غنيا بالمعلومات عن طبيعة نوع معروف من السرطان، فإن أسلوب النُّظُم قد يكون مفيدا أيضا في التمييز بين الصحة والمرض. فالدم يغمر كل عضو من أعضاء الجسم، ويحمل معه پروتينات وجزيئات أخرى، ومن ثم فإنه يوفر نافذة ممتازة تُطِلّ على نظام الجسم بأكمله. والقدرة على اكتشاف اختلال التوازن في پروتينات معينة أو في الرنا المرسال قد يفيد في إعطاء إشارات عن وجود مرض ما، وتحديد مكانه بدقة، فضلا عن طبيعته.
[المستحضرات التشخيصية للأمراض]
سنتات معدودة مقابل كل پروتين(****)
إن المعلومات هي أغلى سلعة في أسلوب النُّظُم في الطب، لذا كان على الاختبارات التشخيصية أن تقيس، بسهولة وبدقة، أعدادا كبيرة من جزيئات بيولوجية لقاء سنتات قليلة، أو لقاء ما هو أقل من ذلك، مقابل كل قياس. لقد سمح التصغير البالغ للمؤلفين ولزملائهم بأن ينتجوا نموذجا أوليا لشيپة بمقدورها أن تقيس مجموعة من الپروتينات المرتبطة بالسرطان في قُطَيْرَة من الدم خلال 10 دقائق بتكلفة قدرها من 5 إلى 10 سنتات مقابل كل پروتين.
وتصدت مجموعتنا البحثية لتحدي استخدام الدم في تقييم حالة نظام الجسم بالكامل، وذلك بمقارنة مجموعات الرنا المرسال التي تُنتَج في50 عضوا أو أكثر من أعضاء الجسم المنفردة، ووجدنا أن كل عضو من أعضاء جسم الإنسان له50 نوعا من الرنا المرسال أو أكثر، والتي تُنتَج بشكل رئيسي في هذا العضو فقط. وبعض أنماط هذا الرنا تكود پروتينات نوعية للعضو، تُفرَز في مجرى الدم، ويوضِّح مستوى كل منها العملية التي تتمّ في الشبكات التي تتحكم في إنتاجها داخل العضو. وعندما تضطرب هذه الشبكات بالمرض، تتغيَّر مستويات الپروتينات المقابلة؛ ومن المؤكد أن هذه التغيرات تجعل تعرّف المرض ممكنا؛ لأن كل مرض يصيب أحد الأعضاء يسبب اضطرابا في الشبكات البيولوجية المتميزة من غيرها بطرق فريدة.
وإذا كان من الممكن تعيين مستويات مايقرب من25 پروتينا في كل بصمة من هذه البصمات الخاصة بالعضو، فلابد أن تحليلا حاسوبيا يجعل اكتشاف جميع الأمراض ممكنا بتحديد أي الشبكات قد لحقها الاضطراب، وذلك انطلاقا من قياسات تُجْرى على الدم فقط. ويمكن لهذا الأسلوب أن يحقق ما هو أكثر من الكشف المبكر، مع أن الكشف المبكر شديد الأهمية في السرطان، فهو قد يتيح إمكانية تقسيم مرض ما لدى أحد المرضى إلى أنماط فرعية مختلفة، وإمكانية متابعة تقدم المرض، ومتابعة استجابة المريض للمعالجة. وقد قدمنا برهانا أوليا على هذا المبدأ بتتبع تطور المرض الپريونيPrion في الفئران.
إن اختلال التوازن في بعض الپروتينات أو الرنا المرسال قد يفيد في إعطاء إشارة عن وجود مرض ما، كما يحدد بدقة مكانه وطبيعته.
فقد قمنا بحقن الفئران بپروتينات الپريونات المسببة للعدوى، والتي تؤدي إلى مرض تنكُّسي في الدماغ قريب الصلة «بمرض جنون البقر»، ثم قمنا بتحليل جميع مجموعات الرنا المرسال في أدمغة الحيوانات المصابة بالعدوى، والحيوانات الشاهدة، في 10 نقاط زمنية مختلفة، من بداية ظهور المرض. ومن هذه المعلومات تعرفنا 300 رنا مرسال متغير، وهي التي تكود الاستجابة المرضية الأساسية للپريون، وينتمي نحو 200 رنا مرسال منها إلى4 شبكات بيولوجية، وهي الشبكات التي تفسر نظريا كل مظهر من مظاهر المرض، إلى جانب نحو 100 رنا آخر تصف جوانب أخرى للمرض الپريوني لم نكن نعرفها من قبل. ودراسة تلك الشبكات التي اضطربت بسبب المرض سمحت لنا بتعرف4 پروتينات في الدم تمكننا من التنبؤ بوجود المرض الپريوني قبل ظهور أية أعراض ظاهرة له، ومن ثم يمكن أن تفيد كواسمات تشخيصية قبل ظهور الأعراض، وفي ذلك مزايا واضحة للطب الوقائي.
وقد تطلبت هذه الدراسات إجراء30 مليون قياس، وتطوير سلاسل من البرمجيات لتحليل ودمج، وأخيرا بناء نماذج لهذه المقادير الهائلة من المعلومات. ويتطلب بناء نماذج لشبكة التنبؤ بأحد الأمراض، وتحويل هذه النماذج إلى أدوات مفيدة طبيا، توافُر طرق سريعة وحساسة ورخيصة التكاليف، وهو الأمر الأكثر أهمية، لسَلْسَلَة الدنا، وقياس تركيزات الرنا المرسال والپروتينات.
[الأساسيات]
التقانة النانوية في الطب(*****)
بمقياس يبلغ نانومتر (واحد إلى بليون من المتر) يمكن للمواد وللأدوات أن تتفاعل مع الخلايا والجزيئات البيولوجية بطرق فريدة. والتقانات ذات المقياس النانوي التي استُخْدِمتْ – بالفعل – في الأبحاث وفي العلاجات تتراوح عمومـــا ما بين 10 نانومتر (حجم پروتين الضد)و100 نانومتر (حجم ڤيروس). وهذه الأدوات والجُسَيْمات تستخدم حاليا كمسابير لكشف وجود الجزيئات مثل الپروتينات أو الدنا، وكمعزِّزات للتصوير، وكوسائل لاستهداف نسج نوعية، ولتوصيل العوامل العلاجية.
التقانة النانوية
الاستخدام
كيف تعمل
الإحساس
سلك موصِّل، سماكته ما بين 10 إلى20 نانومترا، يُرْبَط عبر القناة التي ستمر خلالها العينة. للكشف عن الپروتينات أو عن الدنا، تُصنع المسابير من أضداد تكميلية أو من الدنا، وتربط بكل سلك. وعندما يقابل أحدُ الپروتينات الضدَّ الموافقَ له، فإنه يرتبط بالمسبار، ويغير الخواص التوصيلية للسلك، مما يسمح باكتشاف الحَدَث كهربائيا.
الإحساس
مسابير جزيئية مثل الدنا الوحيد الطاق(2)، يمكن أن ترتبط بحزم لا تتجاوز سماكتها بضعة نانومترات قليلة. وعندما تتعرض الطيقان المتكاملة لعينة دنا، ترتبط الطيقان المندمجة في المسبار الموجود على الدعامة، فتسبب انحناء الحزمة انحناء قليلا. ويمكن كشف هذه الاستجابة بصريا أو بالتغيُّر في التوصيل الكهربائي للحزمة.
التصوير
بلورات نانوية مصنوعة من عناصر غير عضوية مثل الكادميوم والزئبق ومكسوة باللاتكس أو بمعدن ما، تستجيب للضوء بإصدار تألق بأطوال موجية مختلفة وفقا لتكوينها. والأضداد المرتبطة بالبلورات يمكنها أن تسبب ارتباط النقاط بنسيج منتقى (مثل ورم ما), وعندها يمكن رؤية الورم بسهولة أكثر بأدوات التصوير التقليدية.
استهداف النسج والتصوير
كريات نانوية صلبة من السيليكا، تُغَلَّف أحيانا بطبقة رقيقة من الذهب، تسافر عبر مجرى الدم، دون أن تدخل معظم النسج السليمة، ولكنها تميل إلى التراكم في النسج الورمية. ويمكن ربط الجزيئات العلاجية بالكرات، أو بمجرد تجمع عدد كبير من القشرات النانوية في ورم ما، إذ إنها ستمتص الحرارة التي تسلط على الورم فتقتل النسيج. ويمكن أيضا للقشرات النانوية أن تمتص أو أن تشتت الضوء، وفقا لتركيبها، ومن ثم تعزز تصوير الورم الذي يتم باستخدام أنواع معينة من التنظير الطيفي.
استهداف النسج وتوصيل المواد
يمكن بناء الجُسَيْمات المركبة من مواد متنوعة لتحوي في نواتها جزيئات علاجية، ولتحررها في الزمن والمكان المرغوب فيهما. وتتضمن وسائط التوصيل هذه قشرات دهنية بسيطة يمكنها أن تتسرب تسربا لافاعلا خلال جدران أوعية الورم الدموية، لتحرر عقار معالجة كيميائية تقليدية داخل النسيج ببطء. والجُسَيْمات النانوية الأحدث أكثر تعقيدا في تصميمها، إذ تتضمن عناصر خارجية، مثل الأضداد، لاستهداف پروتينات خاصة بالورم، ومواد تقلل من تفاعل الجُسَيْمات مع النسج السليمة إلى أقل قدر ممكن.
قياس الجزيئات(******)
لاحظ العديد من العلماء أن التقدم التقاني المُحْرَز في سَلْسَلَة الدنا كان تجسيدا لقانون مور Moore’slaw للمُعالِجات الميكروية microprocessors، الذي ينصُّ على أن عدد العناصر الوظيفية التي يمكن تحميلها على إحدى الشيپات (الرقاقات) chips منسوبا إلى وحدة التكلفة يتضاعف مرة كل18 شهرا، وذلك على امتداد العقود العديدة الماضية. وفي الواقع، فإن الجيل القادم من الآلات التي تُسْتَخْدم لسَلْسَلَة الدنا تزيد من سرعة قراءة الدنا بمعدل أسرع مما ينصُّ عليه قانون مور. وعلى سبيل المثال، فإن أول جينوم بشري استغرق ما بين 3 و 4سنوات لتكتمل سَلْسَلَته، وبلغت تكلفته 300 مليون دولار. ونحن نعتقد أنه خلال5 إلى10سنوات لن تزيد تكاليف سَلْسَلَة الجينوم البشري على 1000 دولار (بتكلفة أقل مماسبق بمقدار 300000 مرة)، ولن تستغرق أكثر من يوم واحد. ومع توغلنا في العقد القادم، فإن تطورات مماثلة تُحْرَز في التقانات الطبية البيولوجية ذات الصلة بذلك ستسمح بنهوض الطب التنبئي والطب الذي يعدَّل ليلبِّي الاحتياجات الشخصية لكل فرد على حدة.
وفي الوقت الحالي، يكلِّف إجراء اختبار لقياس پروتين سرطاني واحد مثل المستضد النوعي للپروستاته، في دم مريض في المستشفى نحو 50 دولارا. ونظرا لأن الطب المعتمد على النظم سوف يتطلب قياسات لأعداد كبيرة من مثل هذه الپروتينات، فإن التكلفة لابد أن تنخفض انخفاضا ملحوظا. ويعتبر الزمن الذي يتطلبه القياس أيضا تكلفة، لأن اختبارا للدم قد يستغرق في الوقت الحاضر من بضع ساعات إلى بضعة أيام، ويعود ذلك جزئيا إلى كثرة الخطوات التي نحتاج إليها لفصل مكونات الدم، (الخلايا والپلازما والپروتينات والجزيئات الأخرى) قبل أن نجرب القياس لكل مُكَوِّن باستخدام اختبارات تختلف في دقتها.
والتصغير البالغ قد يؤدي إلى تعزيز الدقة، وإلى الحصول على القياسات بزمن أسرع بصورة ملحوظة مقارنة بما يمكن إنجازه باستخدام التقانات الحالية. إذ أثبت العديد من التقانات التي تعمل على مستويات قياس الميكرو أو النانو قيمتَها الفعلية كأدوات بحثية لجمع المعلومات اللازمة لتكوين رؤية لنظم المعلومات البيولوجية. ومع ذلك، فإن استخدام هذا الأسلوب في رعاية المرضى سوف يتطلب ألا تتجاوز تكاليف كل قياس لأحد الپروتينات أكثر من بضعة سنتات – الأمر الذي يستبعد أن تستوفيه العديد من التقانات النانوية الناهضة.
ويمكن للتقانة النانوية أن تخفض كمية كل عقار نحتاج إليه لعلاج سرطان ما تخفيضا جذريا.
في الهدف
معالجة نانوية تجريبية باستخدام الجسيم IT-101، يتم فيها تغليف عقار المعالجة الكيميائية، كامپتوثيسينcamptothecin, داخل جُسَيْم نانوي مصمم ليجول لفترة ممتدة في مجرى الدم، وليتراكم في الأورام. في تجارب السلامة التي أجريت على البشر، شوهدت بَيِّنات على فعالية العلاج في بعض المرضى المصابين بالسرطانات المتقدمة. ويوضح المسح المقطعي المُحَوْسَب أسفل هذه الفقرة صورا لمقاطع متوسطة للمريض، يظهر فيها ورم كبير في الرئة (الكتلة الرمادية اللون والمحاطة بدائرة في الأعلى) قبل العلاج بالجسيمIT-101، وبعد 6 أشهر من العلاج به (في الأسفل)، عندما انكمش الورم بقدر ملحوظ.
وقد طور اثنان منا (<هيث> و <هود>) شيپة عرضها 4 سنتيمترات تقيس مستويات الپروتينات في قُطَيْرة من الدم، باستخدام شكلٍ آخر مُصَغَّر تصغيرا بالغا من استراتيجيات كشف الپروتين المعهودة [انظر ما هو مؤطر في السابق]. وهذه الشيپة مصنوعة من الزجاج والبلاستيك والكواشف فقط، ومن ثم فهي رخيصة الثمن في إنتاجها، وجهازنا يستقبل نحو 2 ميكرولتر من الدم، ويفصل الخلايا عن الپلازما، ثم يقيس مجموعة مؤلفة من بضعة عشر پروتينا في الپلازما، ويتم ذلك كلّه خلال دقائق قليلة من جمع الدم. والتكلفة المتوقعة لاستخدام النسخة الأولية قد تبلغ من5 إلى 10 سنتات لكل پروتين يتم اختباره، ولكن عند اكتمال تطويرها، فإن هذه التقانة يجب أن تكون قادرة على تلبية متطلبات التكلفة لطب النظم.
وسيتطلب توسيع قدرات الشيپة لقياس مئات الآلاف من الپروتينات بعض الوقت، إلا أن التقدم في تصميم السوائل الميكروية، وفي علوم الكيمياء السطحية، وفي القياسات يسد الفجوة سريعا بين ما هو ممكن اليوم، وما هو مطلوب منا لبلوغ الطب التنبئي والطب المعني بتلبية الاحتياجات الشخصية لكل فرد على حدة. فقد طور زميلانا من الجامعة «كالتك» وهما <R.S.كويك> و<A.شيرر> نظاما للسوائل الميكروية يدمج الصمامات والمضخات في الشيپة، وتسمح أعمالهما في حقل السباكة المُصَغَّرة تصغيرا بالغا miniaturizedplumbing بتوجيه الكواشف الكيميائية والجزيئات البيولوجية والعينات البيولوجية توجيها دقيقا نحو حُجْرَة واحدة من بين عدد كبير من الحُجُرات المستقلة على الشيپة، علما بأن كل حُجْرة من تلك الحُجُرات تمثل قياسا منفصلا ومستقلا. وبذلك، فإن وجهات نظرهما قد حولت المختبر الموجود على شيپة واحدة إلى العديد من المختبرات على شيپة واحدة، مع توفير طُرُق إضافية، للوصول إلى المزيد من خفض تكاليف القياسات البيولوجية.
وللتقانات البالغة الصغر آثار مهمة، تماثل في أهميتها ما للوقاية وما للمكافحة. فالتبصُّرات داخل الشبكات المريضة قد تقدم في النهاية أهدافا لعلاجات جديدة ومبتكرة، تستطيع إعادة ديناميكيات الشبكة إلى حالتها الطبيعية. وفي عبارة أقصر، فإن الرؤية التي تقدمها النظم قد تساعد على توجيه العقاقير المتاحة إلى أهدافها بكفاءة أعلى كثيرا، بتحقيق التوافق الأمثل من توليفات الأدوية لكل مريض. وفضلا عن ذلك، فإن التقانة النانوية قد تُخفّض تخفيضا جذريا الكمية المطلوبة من كل دواء لعلاج السرطان.
[دراسة حالة]
صممت للتوصيل(*******)
يوضح الجُسَيْم النانوي العلاجي التجريبي الذي يسمى CALAA-01 بعض المميزات التي يمكن أن توفرها هذه العوامل. فإضافة إلى أن لدى الجُسَيْمات النانوية ميلا طبيعيا إلى التراكم في الورم، فإن من الممكن أن تُصَمَّم لأن تأوي إلى مستقبلة واحدة أو أكثر من المستقبلات التي يشيع وجودها على الخلايا السرطانية. ونمط دخول الجُسَيْمات إلى الخلايا لهذه الجُسَيْمات يسمح بتفادي المضخات الخلوية التي تطرد بعض العقاقير.
بنية تعدَّل حسب الطلب
يتم بناء الجُسَيْمات من مواد متناسقة بيولوجيا، وهي پوليمر يحوي أحد الدكسترينات الحلقية (CDP)(3) مع سيقان من گليكول متعدد الإثيلين (PEG) (4) ترتبط بها پروتينات الترانسفيرّين (Tf) (5). وفي الداخل يتم تخزين عدد يصل إلى 2000 جزيء من جزيئات طيقان الرنا المُسكتة للجينات (siRNA)(6) (الأدوية الفعالة).
الاستهداف السلبي للورم
عندما تجول الجُسَيْمات في مجرى دم المريض، فإنها تجول بحرية، ولكنها لا تستطيع اختراق أغلب جدران الأوعية الدموية. أما الأوعية الدموية للورم, فتعاني التسرب بصورة غير طبيعية، ولها ثقوب واسعة تسمح للجُسَيْمات النانوية بالمرور خلالها، وبالتراكم في نسيج الورم.
الاستهداف الفاعل للورم
ترتبط مستقبلات الترانسفيرّين على سطح خلية سرطانية بالپروتين الترانسفيرّين الموجود على الجُسَيْم النانوي، مما يؤدي إلى إدخال الجزيء النانوي إلى داخل الخلية بالالتقام الخلوي.
تحرير منضبط
بمجرد أن يدخل المِجَسّ الكيميائي الموجود ضمن الجُسَيْم النانوي إلى داخل الخلية، فإنه يستجيب لدرجة الحموضة (pH) المنخفضة داخل حويصلة الالتقام الخلوي، وفي وقت واحد يقوم بتفكيك الجُسَيْم النانوي، وبتحرير جزيئات الطيقان siRNA التي تُثَبِّط تعليمات أحد الجينات، فتحول دون أن يُترجم إلى پروتين تحتاج إليه الخلية السرطانية لتبقى حية.
ضئيلة المقدار ومُوَجَّهة إلى أهدافها(********)
وتعتبر المستحضرات الدوائية للجُسَيْمات النانوية صغيرة الحجم إذا قورنت بمعظم الأشياء، ولكنها تعتبر كبيرة الحجم إذا قورنت بالجُزيئات، وسيؤدي العمل وفق هذا المقياس إلى بلوغ مستوى غير مسبوق من السيطرة على سلوك الجسيمات العلاجية داخل الجسم، وتتراوح أحجام الجزيئات النانوية ما بين 1 و 100 نانومتر، ويمكن تجميعها من العوامل العلاجية المتنوعة الموجودة، مثل أدوية المعالجات الكيميائية، أو طيقان الرنا المُسكتة للجينات(siRNA)(6).
وقد تُغَلَّف هذه الشحنات ضمن مواد مُخَلَّقة، مثل الپوليمرات أو الجزيئات الشبيهة بالدهون lipidlikemolecules، ويمكن إضافة عوامل مُوَجَّهة إلى أهدافها، مثل الأضداد وغيرها من الجزيئات المُصمَّمة للارتباط بپروتينات خلوية نوعية على سطح الجُسَيْمات. وتطبيق هذا النموذج يجعل مستحضرات العلاجات النانوية بصورة خاصة أكثر قدرة على الحركة، كما يجعلها قادرة على أداء الوظائف المعقدة، في المكان الصحيح وفي الوقت الصحيح، داخل جسم المريض.
ويتمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه تطوير واستخدام أدوية السرطان بتوصيلها إلى النُّسج المريضة من دون تسميم سائر جسم المريض. إن الحجم وحده يضفي إلى جُسَيْمات المستحضرات العلاجية النانوية البسيطة صفات خاصة تحدد حركتها داخل الورم وفي كل مكان فيه. فالجُسَيْمات النانوية الأصغر من 10 نانومتر، والتي يطلق عليها الأدوية الصغيرة الجزيئات(7)، يتم إزالتها بسرعة عبر الكُلية، والجُسَيْمات الأكبر من 100 نانومتر تواجه صعوبات في حركتها ضمن الورم، أما الجُسَيْمات التي تتراوح أحجامها بين 10 و100 نانومتر، فإنها تسافر في جميع الأماكن عبر مجرى الدم بحثا عن الأورام، مع أنها لاتستطيع التسلل إلى معظم النسج الصحيحة من خلال جدران الأوعية الدموية. ولأن الأورام لها، في المقابل، أوعية دموية ذات جدران غير طبيعية، إذ تكثر فيها الثقوب الكبيرة حتى تبدو مثل الغربال، فإن الجُسَيْمات النانوية تستطيع أن تتسرب إلى النسيج الورمي المحيط بها. ونتيجة لذلك، فإن الجُسَيْمات النانوية تميل إلى التراكم في الأورام، في حين يتضاءل تأثيرها في الأجزاء الأخرى من الجسم، فتسلم هذه الأجزاء من الأعراض الجانبية التقليدية السيئة لأدوية السرطان.
وحتى عندما يتمكن دواء معياري من الوصول إلى الخلايا الورمية، فإن پروتينات مضخة الخلية قد تلفظه من الخلية، قبل أن تتاح له فرصة العمل، وهذه إحدى الآليات الشائعة لمقاومة الأدوية. أما الجزيئات النانوية؛ فتدخل خلية عن طريق الالتقام الخلوي(8) وهي عملية طبيعية تصنع جيبا من غشاء الخلية حول الشيء لتسحبه داخل الخلية، فتحمي ما يحمله الجُسيم من المضخات الخلوية [انظر ما هو مؤطر في السابق].
وبعض علاجات السرطان التي تُصنف في الوقت الحاضر على أنها جُسَيْمات نانوية، موجودة منذ بعض الوقت، وهي توضح بعض المزايا الأساسية للجُسَيْمات النانوية في الوصول إلى خلايا الورم، مع التقليل من تأثيرها في النسج الصحيحة إلى أقل قدر ممكن. فجُسَيْمات الدوكسوروبيسين الشحمية liposomal doxorubicin، على سبيل المثال، هي مركب علاجي كيميائي تقليدي يتم تغليفه بقشرة شحمية، ويُستخدم في علاج سرطانات المبيض وورم النقي المتعدد. والنسخة المغلَّفة بالشحم من هذا العقار لها آثار سمية في القلب أقل بكثير مما للدوكسوروبيسين الذي يعطى منفردا، في حين لوحظ أن لها تأثيرا جانبيا جديدا، هو سميتها للجلد.
علاجات ذات قياسات نانوية(*********)
تتضمن الجُسَيْمات ذات القياسات النانوية والمُصَمَّمَة لعلاج السرطان عقاقير تُستخدم بالفعل، مثل النسخة المُغَلَّفة بالجُسَيْم الشحمي liposome-encased من الدواء الكيميائي الدوكسوروبيسين، إضافة إلى ضروب من التوليفات التجريبية من جزيئات الپوليمر مع العقار، والتي تمزَج فيها جزيئات الپوليمر بالعقار، أو تربط ربطا مشتركا كيميائيا داخل الجُسَيْمات النانوية (مركبات ومقترنات ومُذَيْلات وغُصَيْنات). وتحمل الجُسَيْمات المُوَجَّهة إلى أهدافها والأكثر حداثة ملامح تزيد من انجذابها إلى الخلايا السرطانية وتسهل دخولها فيها.
أنابيب كربونية نانوية و جُسَيْمات سيليكا وجُسَيْمات ذهب (CYT-6091)
غصينات
قبل سريرية
Polyamidoamine (PAMAM)
والجُسـَيْمات النانوية الأحدث [ومنهـا على سبيل المثال جسيم يعرف باسمIT-101، وقد اجتاز مرحلة السلامة، في المرحلة التجريبية الأولى على البشر] لها تصاميم أكثر تعقيدا، وتوفر وظائف متعددة، فحجم الجُسَيْم النانوي IT-101يبلغ 30 نانومترا، وهو مركب من پوليمرات ترتبط بالجزيء الصغير الحجم من دواء الكامپتوثيسين camptothecin، وهو دواء قريب الصلة بعقارَيْن يستخدمان في المعالجة الكيميائية، حصلا على الترخيص من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA وهما: الإيرينوتيكان irinotecan والتوپوتيكان topotecan. وجزيئات الجسيم IT-101 مصممة لتجول في دم المريض، ولتبقى فيه لمدة أكثرمن40 ساعة، في حين لايجول الكامپتوثيسين نفسه في الدم أكثر من دقائق قليلة فقط. ومدة الدوران الطويلة هذه تتيح الوقت اللازم لكي يتسرب الجسيم IT-101داخل الورم ويتراكم هناك، وبعد ذلك تدخل الجُسَيْمات إلى خلايا الورم، وتحرر الكامپتوثيسين ببطء لتعزيز فعاليته. وفي الوقت الذي ينطلق فيه العقار، تتفكك بقية الجُسَيْمات النانوية، وتخرج جزيئات الپوليمر المنفردة عن طريق الكليتين من الجسم من دون إلحاق الضرر به.
وفي التجارب السريرية، أمكن الوصول إلى جرعات من العقار توفر جودة عالية من الحياة من دون الآثار الجانبية، مثل القيء والإسهال وفقدان الشعر، والتي تعتبر نمطية في المعالجات الكيميائية، ومن دون أعراض جانبية جديدة. وتعتبر الجودة العالية للحياة العامة أثناء تلقِّي العلاج أمرا مثيرا، ومع أن تجارب المرحلة الأولى تركِّز على ترسيخ السلامة، فإن الاختبارات قد قدمت البيِّنات على أن العقار كان فعّالا لدى المرضى [انظر ما هو مؤطر فيالسابق]. وهذا أمر مشجِّع، لأن مرضى السرطان في المرحلة الأولى التجريبية كانوا قد تلقوا العديد من الدورات العلاجية المعيارية، والتي فشلت قبل دخولهم التجربة، وبعد استكمال التجربة التي استغرقت 6 أشهر، استمر العديد من هؤلاء المرضى بتناول العقار، على أساس من التعاطف. وكان من بين الذين نجوا لمدة طويلة تصل إلى العام مرضى لديهم سرطانات متقدمة في الرئة والكلية والپنكرياس.
ونظرا لأن ملف الآثار الجانبية لهذا العقار ضئيل جدا، فإنه سيتم اختباره في المرحلة التجريبية الثانية، وهي مرحلة الفاعلية أو النجاعة، في نساء تم تشخيص أورام المبيض لديهن، وقد سبق لهنّ أن خضعنَ لمعالجة كيميائية. وبدلا من مجرد «انتظار ومراقبة» السرطان وهو يتفاقم، فإن الجسيمIT-101 سيُعطى لهنّ كعلاج مداومة، أملا في منع تقدم المرض. وهذه الملاحظات المستمدة من اختبار الجسيمIT-101، إلى جانب الأخبار المشجعة عن تجارب أجريت على علاجات أخرى مرتكزة على الجُسَيْمات النانوية، بدأت بتقديم صورة لما قد يكون ممكنا مع العلاجات النانوية الجيدة التصميم، وبالفعل فإن الجيل التالي من الجُسَيْمات النانوية المُخَلَّقة، والتي هي أكثر تعقيدا من غيرها بكثير، تقدم لمحة عن الإمكانات الحقيقية لهذه التقانة، وعن أهمية ما تقدمه تلك الأدوية للرؤية المرتكزة على النُّظُم للأمراض وللمعالجات.
وفي عام 2008، بدأت شركة كالاندوCalando للمستحضرات الصيدلانية، في پاسادينا بولاية كاليفورنيا بإجراء تجارب حول نظام لتوصيل الطيقانsiRNA، وهو نظام ابتكره واحد منا (وهو <ديڤيز>)، ويعطي مثالا عن الأسلوب الأحدث. فالپروتينات الموجودة على سطح الجُسَيْمات تستهدف مستقبلات نوعية توجد بتركيزات عالية على سطح الخلايا السرطانية، وما أن تدخل الجُسَيْمات إلى الخلية حتى تحرر جزيئات الطيقان siRNA والتي صُمِّمَت لتلائم جينا نوعيا يستأثر بالاهتمام، فتُثَبِّط تصنيع الپروتين الذي يكوّده هذا الجين.
ومع ذلك، فإن المعالجة النانوية المتعددة الوظائف ما هي إلا بداية القصة، فبمجرد توطيد مبادئ وظيفة الجُسَيْمات النانوية في البشر توطيدا تاما، فإن هذا المفهوم يمكن تطبيقه لإيجاد نظام علاجي يستطيع حمل توليفات من العقاقير، ولكل منها معدلات إطلاق معدَّلة لتلائم الاحتياجات. فمثلا، إذا أراد أحد أن يثبِّط پروتينا يؤدي إلى إزالة الفعالية من عقار ما، فإن أحد الاختيارات سيكون إيجاد جُسَيْم نانوي يُطْلِق أولا الطيقانَ siRNA والتي تثبِّط الجين المكوّد لهذا الپروتين، قبل إطلاق جزيئات العقار. ومع ازدياد اكتسابنا لفهم التحوُّلات الجزيئية من الصحة إلى المرض، ومن المرض إلى الصحة، يصبح من المحتمل أن يؤدي أسلوب الجزيئات النانوية دورا متناميا في معالجة الأمراض على المستوى الجزيئي.
الصورة الكبيرة(**********)
يعتمد الأسلوب المرتكز على النُّظُم في التصدي للأمراض على الفكرة القائلة إن تحليل ديناميكية الشبكات التي اضطربت بفعل المرض، ومـا يؤدي إليه من فهم تفصيلي لآليات المرض، قد يبدِّل جميع جوانب كيفية ممارستنا للطب؛ من وسائل تشخيصية أفضل، وأساليب جديدة وفعالة للعلاج، وحتى للمكافحة. ويقود الأسلوبُ البيولوجي المرتكِز على النُّظُم في التصدي للأمراض، مسيرة التطوير لكثير من التقانات الجديدة، بما في ذلك علم السوائل الميكروية، والتقانات النانوية، والقياسات الجديدة، واستخدام آلات تصوير جديدة، وتطورات حاسوبية تستطيع تحليل ودمج وعمل نماذج لكميات كبيرة من المعلومات البيولوجية.
وفي السنوات العشر أو العشرين القادمة، ستحدث في الطب التنبئي والطب المعدَّل ليلائم الاحتياجات الشخصية لكل فرد على حدة، ثورةٌ باتباع أسلوبين جديدين على الأقل، هما سَلْسَلَة الجينوم لكل فرد على حدة، وهو أمر سوف يتيح لنا تعرف، وبدقة متزايدة، الحالة الصحية المحتملة لفرد ما؛ وقياسات زهيدة التكلفة لپروتينات الدم، مما سيسمح لنا بأن نقيّم، بانتظام وبشمولية، كيف تتطور صحة هذا الفرد.
ويبدأ الطب الوقائي بتعرّف الپروتينات ضمن شبكة مريضة، إذا كانت مضطربة، وهو بذلك سيعيد سلوك الشبكة إلى الحالة الطبيعية، وفي نهاية المطاف سيقودنا إلى أدوية وقائية تقي من المرض. فمثلا، إذا كانت امرأة معرضة لخطر الإصابة بسرطان المبيض قد بدأت في سن الثلاثين بتناول أحد الأدوية النانوية المصممة خصيصا لاستبعاد المصدر الجزيئي للخطـر، فإنهــا قد تخفِّض احتمـــال تطور سرطان المبيض لديها في أي فترة من حياتها من 40في المئة إلى2 في المئة.
وبوجود هذه النوعية من المعلومات عن أسباب الصحة والمرض، سيكون بإمكان الناس أن يشاركوا بكفاءة أكبر في قراراتهم الصحية الخاصة، بصورة تشبه كثيرا ما يمتلكه السكريون اليوم من أدوات ومعلومات تساعدهم على التحكم في صحتهم الجيدة بأنفسهم.
إن تحقيق صورة للطب تتميز بالقدرة على التنبؤ، وبإمكانية التعديل ليلائم الاحتياجات الشخصية لكل فرد على حدة، وبالقدرة على الوقاية، وبالمشاركة، سيكون له آثار واسعة المدى في المجتمع. إذ سيتعين على صناعة الرعاية الصحية أن تغيِّر خطط العمل لديها تغييرا جوهريا، وهي خطط العمل التي تفشل حاليا في توفير الأدوية الميسورة التكلفة، والعالية الكفاءة. كما ستؤدي التقانات المستجدة إلى رَقْمَنَة الطب digitizationof medicine، وما يعنيه ذلك من إمكانية استخلاص المعلومات المتعلقة بالمرض من جزيئات منفردة، أو من خلايا منفردة، أو من أشخاص منفردين، وهو أمر يشبه تماما كيف تمت رَقْمَنَة تقانات المعلومات والاتصالات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. ونتيجة لكمية المعلومات الهائلة الجديدة المتدفقة، والتقانات الرخيصة الثمن، فإن تكلفة الرعاية الصحية ينبغي أن تنخفض بصورة حادة، بحيث يتيسر الحصول عليها حتى في العالم النامي.
وبالنسبة إلى السرطان، فإن أكثر الوعود إثارة، هي الوعود التي ينبغي أن تتحقق خلال السنوات العشر القادمة وهي: أولا، إن التشخيص عن طريق اختبارات تُجرى على الدم قبل ظهور أية أعراض ستمكن من اكتشاف السرطانات في بداية نشأتها، وقبل استفحالها، مما يجعل من الممكن الشفاء منها بالعلاج المعهود. وثانيا، إن سرطانات بعض النسج، مثل الثدي أو الپنكرياس، ستُقسَم ضمن أنماط متميزة، ثم يُجْرى توافق بينها وبين العقاقير التي تحقق معدلات عالية من الشفاء. وثالثا، سيسمح تعرف الشبكات التي اضطربت بفعل المرض بتطوير أسرع وتيرة للعقاقير التي ستكون أرخص ثمنا وأكثر فعالية. ومن ثَمَّ، فإن هذا الأسلوب الجديد في الطب ينطوي على إمكان تحويل الرعاية الصحية بحيث يحظى بها تقريبا كل إنسان يعيش اليوم.
المؤلفون
James R. Heath – Mark E. Davis – Leroy Hood
<هيث> هو مدير مركز بيولوجيا النظم النانوية للسرطان، وأستاذ الكيمياء في معهد كاليفورنيا للتقانة، حيث يعمل على مواد ذات بنية نانوية، وعلى الدارات الكهربائية النانوية، فضلا عن تقانات لتشخيص ومعالجة السرطان.
<ديڤيز> هو أستاذ الهندسة الكيميائية في «كالتك»، وقد طور مواد متخصصة للمستحضرات العلاجية التجريبية، وأسس شركتين هما إنسيرت Insert للأدوية وكالاندو للمستحضرات الصيدلانية، التي طورت المعالجات بالجُسَيْمات النانوية.
<هود> هو رئيس معهد بيولوجيا النظم في سياتل، وهو المعهد الذي أسسه بعد ريادته في التقانات لسلسلة وتخليق الدنا والپروتين، وبدأ بتأسيس العديد من الشركات، منها آمگن Amgen للنظم البيولوجية التطبيقية وسيستيميكس Systemix وداروين Darwin وروزيتا(9) Rosettaa.
وقد أسس <هود> و<هيث> أيضا شركة المستحضرات التشخيصية المتكاملة، وهي شركة تعنى بطب النُّظُم، وتبحث عن واسمات بيولوجية للأمراض، وعن تطوير منصات للسوائل الميكروية، وللتقانات النانوية، لتحويل تلك الواسمات البيولوجية إلى أدوات تشخيصية.
مراجع للاستزادة
NanoSystems Biology. James R. Heath et al. in Molecular Imaging and Biology, Vol. 5, No. 5, pages 312-325; September/October 2003.
Nanotechnology and Cancer. James R. Heath and Mark E. Davis in Annual Review of Medicine, Vol. 59. Pages 251-265; February 2008. (First published online: October 15,2007.)
Nanoparticle Therapeutics: An Emerging Treatment Modality for Cancer. Mark E. Davis et al. in Nature Reviews Drug Discovery, Vol. 7, No. 9, pages 771-782; September 2008.
Integrated Barcode Chips for Rapid, Multiplexed Analysis of Proteins in Microliter Quantities of Blood. Rong Fan et al. in Nature Biotechnology. Advance online publication: November 16,2008.