تعزيز قوة اللقاح
تعزيز قوة اللقاح(*)
أعادت تبصرات جديدة في النظام المناعي إحياء الاهتمام بإضافة
مكونات تستطيع شحن اللقاحات القديمة بقوى فائقة،
وتجعل اصطناع لقاحات جديدة تماما أمرا ممكنا.
<N.گارسون> ــ <M.گولدمان>
مفاهيم مفتاحية
تتمتع اللقاحات بفعّالية بالغة في الوقاية من الأمراض، ولكن ثمة إمكانية لأن تعمل على نحوٍ أفضل، ولدى المزيد من الناس، وضد طيف أوسع من الأمراض. أظهرت التطورات التي تم إحرازها في علم المناعة كيف يمكن لأصنافٍ جديدة من «المساعِدات» adjuvants، وهي مكوّنات تنبِّه الاستجابات المناعية للقاحات، أن تتيح لمصممي اللقاحات استهداف فئات سكانية مخصوصة، ومُمْرِضات pathogens محددة. يمكن للمساعِدات الجديدة أن تجعل اللقاحات المتوافرة حاليا أكثر فعالية وأن تجعل اللقاحات التي كان يستحيل تطويرها في السابق حقيقة واقعية. محررو ساينتفيك أمريكان |
يصارعون إصابتهم بالشاهوق (السعال الديكي)، هذا التفكير يثير الذعر بين الناس الذين كانوا الشاهد الأول على التدمير الذي أحدثته هذه الأمراض وغيرها من الأمراض التي يمكن توقّيها بالتلقيح. ولحسن الحظ، فإن هذه الهجمات لا تعرفها، من وجهة نظر افتراضية، الأجيال المعاصرة التي أتيحت لها اللقاحات طيلة فترات حياتهم.
لقد أثبتت اللقاحات ولمدة تزيد على مئتي عام أنها من أكثر الطرق نجاحا وإنقاذا للحياة، إضافة إلى جدواها الاقتصادية في الوقاية من الأمراض المعدية؛ ولا يسبقها في ذلك إلا تعقيم المياه. لقد أنقذت اللقاحات حياة الملايين من البشر من الموت المبكر أو من الأمراض المسببة للعجز، وجعلت التخلص من الجدري عام 1979 أمرا ممكنا. والخبراء بالصحة في الوقت الحاضر ملتزمون بالتخلص من شلل الأطفال والحصبة، وربما من الملاريا في يوم ما؛ وذلك على الرغم من أن اللقاح المضاد للملاريا يتطلب، وفق ما سوف نرى، مقاربات جديدة تؤدي إلى نجاح التمنيع.
وإذا تحدثنا على وجه الإجمال، فإن الأساس المنطقي للتلقيح هو أن التعرض لعينة صغيرة من متعض(1) ميكروي microorganism مسبب للمرض يعلِّم النظام المناعي البشري تعرّفه والاستعداد لمواجهته عندما يصادفه مرة ثانية. إلا أن اللقاحات الكلاسيكية لا تنجح دائما لدى جميع الناس، ولا تستطيع أن تحمي من جميع الأمراض. فبعض الفئات السكانية مثل كبار السن قد يكون النظام المناعي لديهم أضعف من أن يقوموا بالاستجابة الكافية للقاحات التقليدية. كما أن بعض المُتعضيات المسببة للأمراض كان بوسعها أن تتجاوز الدفاعات المناعية التي حرضتها اللقاحات. والملاريا والسل والإيدز من الأمثلة على الأمراض التي لم تستطع اللقاحات حتى الآن أن تثبت جدواها. ويمكن توسيع نطاق مبادئ التلقيح أيضا لتشمل أمراضا أخرى مثل السرطان والتحسس وألزهايمر، إلا أن هذه التطبيقات قد تتطلب تحفيز النظام المناعي للاستجابة لشيء قد لا يتعرّفه في الحالة السوية أبدا، أو قد يتعرّفه بشكل ضعيف.
وفي جميع هذه الأحوال، فإن منبهات النظام المناعي والتي تعزز قدرة الجسم على تعرف أحد اللقاحات والاستجابة له، يمكن أن تنجح. ويطلق على مثل هذه المواد المنبهة للمناعة المُساعِدات، واسمها مشتق من الكلمة اللاتينية،adjuvare (وتعني تقديم المساعدة). وبعض هذه المواد معروف منذ أكثر من قرن من الزمن، ويستخدم لتعزيز اللقاحات والمعالجات المضادة للسرطان. وبشكل مشابه للآليات التي تكمن خلف اللقاحات ذاتها، فإن التفاصيل الدقيقة حول كيفية حدوث التفاعل المتبادل بين المساعِدات وبين الخلايا المناعية لم تفهم فهما جيدا حتى وقت قريب من الآن. فقد قدمت التطورات الهائلة في علوم المناعة ولا سيما في العقد الماضي، تبصرات جديدة حول الكيفية التي تنتج من خلالها المساعدات آثارها، وتفتح الطريق لتصميم لقاحات تأخذ في حسبانها احتياجات الناس الذين ينبغي حمايتهم من المُمْرِضات pathogens التي ينبغي حماية الناس منها. وقد أصبحت اللقاحات، التي كان يتعذر تركيبها من قبل وبوجود هذه الوسائل الجديدة، في طور الإنتاج، أما اللقاحات المتوافرة فعلياً فقد أصبحت أكثر فعالية ونجاعة (كفاءة).
محاكاة العدوى بقصد تفاديها(**)
تتمتع الكثير من حالات العدوى الطبيعية بفائدة واحدة على الأقل، تتمثل بأنها تؤدي إلى مناعة تدوم طيلة الحياة تجاه المُمْرِض المسبب. ويعمل اللقاح المثالي أيضا على تقديم مثل هذه الحماية الطويلة الأمد، وبجرعة واحدة بالحالة المثلى، وقد يقي أيضاً من التهديدات ذات الصلة، مثل جميع الأفراد المنتمين إلى أسرة لقاح إنفلونزا البشر. ولتحقيق هذه الأهداف ينبغي على اللقاح أن يدرج العديد من العوامل الفعالة في الخلية ضمن النظام المناعي، وهي نفسها العوامل الفعالة التي يتم تنبيهها خلال العدوى الحقيقية.
عندما يدخل مُمْرِضٌ هائج wild إلى الجسم للمرة الأولى، فإنه يقابل فورا خلايا النظام المناعي الأصلي الجائلة باستمرار بحثاً عن الغزاة. ومن هؤلاء الحراس البلاعم والخلايا المتغصنة dendritic cells التي تبتلع المُمْرِضات مع الخلايا الجسدية المصابة بالعدوى وتدمرها، ثم تفكك هذه الخلايا الحارسة ومن ثم المواد التي هضمتها، وتعرض نماذج من مكونـات المواد الداخلية – والتي تدعى المستضدات antigens – بحيث تصبح الخلايا الأعضاء في النظام المناعي التكيفي، وهي الخلايا B والخلايا T، متآلفة مع مظهر المُمْرِض. وفي الوقت نفسه، فإن الخلايا التي تعرض المستضدات تطلق مواد كيميائية إشارية تدعى السيتوكينات cytokines التي تحرض حدوث الالتهاب، وتنبه الخلايا Bوالخلايا T لمواجهة هذه الحالة الطارئة.
وما أن تنضج تجمعات الخلايا B والخلايا T التي تكيفت مع مستضدٍ نوعي ، حتى تطلق الخلايا B جزيئات الأضداد antibodies، وحتى تبحث الخلايا T القاتلة عن الخلايا التي استعمرتها الكائنات الغازية فتدمرها. وتستغرق التفاعلات المتبادلة مع الخلايا التي تعرض المستضدات بضعة أيام حتى يتم تخليق الخلايا B والخلايا T ذات التصميم الخاص، إلاّ أن مجموعة جزئية منها يمكن أن تبقى في الجسم لتكون خلايا «ذاكرة»(2)، ويستمر ذلك في بعض الأحيان لعقود، وتكون جاهزة لإخماد أي محاولة يقوم بها المُتعضي نفسه لعودة العدوى. وتقوم اللقاحات بمحاكاة هذه العملية عن طريق إدخال مُمْرِض بكامله أو أجزاء منه يعرف بأنه كائن غزوي أجنبي. ولا تنجح جميع اللقاحات في توليد استجابة مناعية كاملة، إلا أن بعض المُمْرِضات قد توقف بواسطة الأضداد فقط، مما يغني عن الحاجة إلى الخلايا T القاتلة للحماية.
[أساسيات] تحاكي اللقاحات العدوى بقصد تفاديها(***) تقدم اللقاحات مُمْرِضات مقتولة أو مضعفة، أو قطعا منها، لإطلاق استجابة مناعية تؤدي إلى توليد خلايا «ذاكرة» تقوم بتعرّف المتعضي الميكروي نفسه بسرعة في المستقبل. ويمكن لهذه الخلايا في المستقبل أن تحصر العداوى الحقيقية أو على الأقل أن تقلل من المرض. إعطاء اللقاح إعطاء جرعة ضئيلة من ڤيروس حي ولكنه مضعف من أحد الأشكال الشائعة للقاحات. إن الڤيروس الذي يحقن في الجلد سيصيب بالعدوى بعض الخلايا ويتكاثر ببطء ضمنها. والخلايا المناعية «الأصلية» مثل البلاعم والخلايا المتغصنة تقوم بهضم المواد الأجنبية والخلايا المصابة بالعدوى في الجسم . كما تصدر الخلايا المتغصنة مواد كيميائية بإشارات تدعى السيتوكينات التي تعمل بمنزلة إنذار. هجرة الخلايا المتغصنة وتفاعلاتها تنضج الخلايا المتغصنة بما تحمله من مواد أجنبية (مستضدات) وتهاجر إلى العقد اللمفية لتتفاعل مع الخلايا T والخلايا B، وهي من مكونات النظام المناعي «التكيفي». وتحرض الخلايا المتغصنة الخلاياT من خلال عرض المستضد وإصدار السيتوكينات لتصبح ناضجة إلى أنماط من خلايا مساعدة وخلايا قاتلة، وتطلق الخلايا T المساعدة إشارات لتحريض الخلايا T القاتلة على مهاجمة الخلايا المصابة بالعدوى وتحريض الخلايا B لإنتاج الأضداد المصممة خصيصاً للمُمْرِض. الذاكرة المناعية تصبح بعض الخلايا T والخلايا B خلايا ذاكرة طويلة العمر، تحمي من العدوى المستقبلية. |
ويأخذ مصممو اللقاحات في حسبانهم طبيعة المُمْرِض وكيف يسبب المرض من بين جملة اعتبارات أخرى عندما يختارون نمط المستضد الذي ينبغي عليهم استعماله. وقد تكون المواد التي تعطى في اللقاح المعياري بكتيريا أو ڤيروسات حيّة ولكنها مُضْعَفَة «موَهَّنة»، أو تكون نسخا مقتولة أو مُعَطَّلة من مجمل المتعضي، أو پروتينات مُنَقَّاة مُشْتَقَّة من المُمْرِض الأصلي. ولكل اختيار فوائده ومساوئه.
يعاد إنتاج اللقاحات الحية والمُوَهَّنَة في البدن ببطء شديد، إلا أنها وبنتيجة هذا الإنتاج ومواصلة عرض المستضد على النظام المناعي، يمكن لهذه اللقاحات إطلاق استجابة مناعيــــة طويلة الأمـــــد. وبسبب طبيعتهــــــا المتأصـــلة للعدوى لا يمكن استخدام اللقاحات المُوَهَّنَة لدى الأفراد الذين يعانون ضعف النظام المناعي الذي قد يصبح مثقلا بالأعباء الثقيلة. إن خطورة حدوث الطفرة في بعض الڤيروسات الحية المضعفة والتي تحولها إلى شكل ذي فوعة تجعل اللقاحات المُوَهَّنَة ذات خطورة عالية في حال استخدام المُمْرِضات المميتة مثل ڤيروس العوز المناعي البشري HIV.
أما اللقاحات الأكثر شيوعا، فتتألف من جزيئات من الڤيروس الكامل المقتول باستخدام بعض الطرق، مثل التسخين الحراري. وهذه الجزيئات لا يمكنها التكاثر، إلا أن هذه الپروتينات الڤيروسية تبقى سالمة نسبيا بحيث يمكن لخلايا النظام المناعي تعرّفها بسهولة، إلا أن ذلك يتطلب جرعات تعزيزية دورية لتقوية الاستجابة المناعية.
وشكل ثالث هو اللقاح الجزئي الوحدة subunit vaccine، والذي يعرض المستضد للنظام المناعي من دون تدخل متعضيات ميكروية، كاملة أو غير ذلك. ويمكن عزل المستضد من المُمْرِض ذاته، أو أن يصنع من خلال الهندسة الجينية التأشيبية(3). ولما كانت اللقاحات الجزئية الوحدات لا تتضمن سوى جزء من المُمْرِض، فإنها لا تطلق دائماً العلامات المنذرة بالخطر المطلوبة لتنبيه الاستجابة المناعية المثلى.
وفي السنوات الأخيرة، توصل العلماء إلى تعرف الدور الحاسم الذي تؤديه الخلايا العارضة للمستضدات ولا سيما الخلايا المتغصنة، في تقييم مستوى التهديد الذي يفرضه المُمْرِض وتحديد الاستجابة الضرورية. فعندما تصبح الخلية المتغصنة مثقلة بالمستضدات في موقع العدوى أو في موقع حقن اللقاح، فإنها تنضج وتهاجر إلى العقد اللمفية المجاورة، حيث تبدأ بإطلاق إشارات وتنغمس في تفاعلات متبادلة تؤدي إلى استجابة واقية في الخلايا Bوالخلايا T. ومن دون مؤشرات الخطر الفريدة لكل متعضٍ من المتعضيات الميكروية، فإن الخلايا المتغصنة تفشل في النضج وفي الهجرة على النحو الملائم، وتتطلب لقاحات جزئية الوحدات في غالب الأحيان عاملا مساعدا ليقوم بدوره بإطلاق العلم الأحمر الذي يحفز الخلايا المتغصنة إلى البدء بالعمل.
وتحتوي معظم اللقاحات التي تستخدم في الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحاضر على واحد أو أكثر من أقدم المساعِدات، وهو «الألوم» alum، وهو مصطلح مختصر يدل على أعضاء عائلة كيميائية من أملاح الألمونيوم. ومع أن «الألوم» قد استخدم في اللقاحات البشرية منذ الثلاثينات، وأنه أثبت فائدته في العديد من اللقاحات الحالية، إلاّ أنه قاصر من حيث كونه مساعدًا في اللقاحات المضادة للأمراض التي تتطلب أكثر من مجرد حماية الأضداد حتى تصبح فعَّالة.
يمكن للعديد من المُمْرِضات المعدية المهددة للحياة مثل الڤيروس HIVوڤيروس التهاب الكبد C والمتَفَطِّرات السلية وطفيليات المتصورات (التي تسبب الملاريا) أن تتجنب الأضداد، ولابد للقاح الفعّال المضاد لهذه المُمْرِضات أن ينبه استجابات قوية للخلايا T. وفي الواقع، لقد أدت الجهود المبذولة لمكافحة هذه المتعضيات والتي تفرض تحدياً هائلاً إلى تحفيز عودة الاهتمام بمساعدات اللقاحات في الوقت الذي تتحقق فيه إنجازات مذهلة في فهم النظام المناعي، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى الحصول على مساعدات أفضل.
الأنماط الشائعة للقاحات(****)
|
عودة النهوض بالمساعِدات(*****)
حتى عنــدمـــا كــان الكيميائي الفرنسي <L.پاستور> يواجه كلبا مسعورا لاستخلاص اللعاب منه للحصول على أول لقاح مضاد لداء الكلب في الثمانينات من القرن التاسع عشر، كان أحد جراحي العظام في نيويورك يبتكر، دون أن يدري، أسلوباً لتدعيم مجمل الاستجابة المناعية، وهو أسلوب يمكن اعتباره أول استخدام للمســاعدات، فقـد استأثر باهتمام <W.كولي> [من مستشفى السرطان في نيويورك] تقرير عن الأورام التي يتقلص حجمها أو تختفي برمتها لدى مرضى السرطان الذين يصابون بالعدوى بإحدى الذراري الخاصة من البكتيريا العقدية streptococcus، وهي العقدية المُقَيِّحة S. pyogenes. وانطلاقاً من الحدس بأن التفاعلات المناعية لدى المرضى تجاه البكتيريا قد زادت من قدرتهم على التغلب على الأورام، فقد بدأ بسلسلة من التجارب في عام 1881، فأعطى البكتيريا الحية، ثم في مرحلة لاحقة، عمد إلى تسريب البكتيريا المقتولة إلى مرضى السرطان. وقد حققت هذه المعالجات التي أُطلق عليها اسم «ذيفانات كولي» بعض حالات الهدأة التي أثارت الإعجاب، مع أن كيفية عملها بقيت سرًا لمدة طويلة.
المساعِدات الجديدة والقديمة(******) المساعِدات في اللقاحات المسجلة أملاح الألومنيوم «الألوم» مستحلبات الزيت في الماء والماء في الزيت. نواقل الجسيمات الشحمية (جزيئات ليپيدية) جزيئات ڤيروسية (ليپيدات + پروتينات ڤيروسية). ڤيتامين E ليپيد A وحيد الفسفوريل MPL، وهو مشتق مُنَقَّى من الشحوم المتعددة السكاريدات البكتيرية. مساعِدات في طور التطوير والابتكار CpG ، الدنا البكتيري الذي تنقصه زمر الميثيل الوصفية للدنا في البشر. الصابونين (مستخلص نباتي): QS21 Quil A معقدات محفزة للمناعة (الصابونين + أقفاص ليپيدية) ڤيروسات بمنزلة نواقل للمستضدات: جدري الطيور جدري البقر جدري الكناري جزيئات شبيهة بالڤيروسات، وهي دروع ڤيروسية تتجمع ذاتيا ولا تتضمن مادة جينية. إنترليوكينات وجزيئات أخرى مطلقة للإشارات الخلوية. |
[معززات اللقاح] المساعِدات تضيف تأكيدا(*******) تعزز المساعدات الاستجابات المناعية تجاه المستضدات في اللقاح من خلال العديد من الآليات، إلا أن تأثيرها الأعظم قوة قد يكون من خلال تفعيل مستقبلات التعرف الميكروبية على الخلايا المتغصنة. واعتماداً على نمط التهديد الذي تشعر به، فإن الخلايا المتغصنة سوف توجه الخلايا المناعية الأخرى للاستجابة بطرق مختلفة. ويمكن لمصممي اللقاحات استخدام هذه المعارف لاختيار المساعدات التي لا يقتصر تأثيرها في تعزيز الاستجابة المناعية فحسب، بل يتجاوزه إلى تأكيد الاستجابات المرغوب فيها. تعرف المُمْرِضات تتضمن الخلايا المتغصنة المستقبلات TLRs التي تتعرف كل مستقبلة منها محفزات من جزيئات نموذجية للعديد من المُمْرِضات مثل الپروتينات البكتيرية أو محفزات ڤيروسية مميزة (القائمة في اليسار). والمساعدات هي التي تطلق واحداً أو توليفة من المستقبلات TLRs تستطيع محاكاة التهديدات الطبيعية المختلفة.
اتجاهات الخلايا المتغصنة يحدد إطلاق الخلايا المتغصنة للإشارات الكيفية التي ستنضج وتتكاثر بها الخلايا B والخلايا T، فعلى سبيل المثال، فإن السيتوكين إنترليوكين – 12 يحبذ تطور الخلايا T القاتلة والخلايا الفرعية النمط T المساعدة واللازمة للدفاع ضد العوامل المسببة للمرض داخل الخلايا، فيما يحبذ الإنترليوكين IL-6 نمط الخلايا T المساعدة التي تحرض الخلايا B على إنتاج الأضداد ويحرض كل من الإنترليوكين IL-6 وIL-23نمطا فرعيا آخر أكثر رفعة من الخلايا T التي تعزز الالتهاب. وتتواصل دراسة الإنترليوكنات ذاتها في الوقت الحاضر باعتبارها مساعدات. |
وفي مطلع القرن العشرين ما لبث الباحثون أن نشروا الفكرة التي تدور حول أن البكتيريا والمواد الأخرى قد تحسن من الاستجابة المناعية الطبيعية لدى البشر. وقد أجرى كل من الطبيب البيطري الفرنسي <G. رومان> وعالم المناعة الإنكليزي <G.A.گلني> تجارب مع مواد متنوعة منها التاپيوكا وهيدروكسيد الألمنيوم لتعزيز فعّالية لقاحي الخناق (الديفتريا) والكزاز (التيتانوس) التي تعطى للحيوانات. وخلال عام 1930 وجد علماء آخرون أن المستضدات المستعلقة في مستحلبات الزيت في الماء قد تعزز من قوة اللقاحات. وواصلوا استقصاءاتهم على مواد مستخلصة من البكتيريا مثلالشحوم المتعددة السكاريدات (LPS)(4)، وهي أحد مكونات جدار بعض الخلايا البكتيرية. وقد كان للكثير من هذه المواد المضافة تأثيرات مرغوب فيها، ولكن في حالات كثيرة تظهر تأثيرات ضائرة مثل الالتهاب الشديد، مما يجعل من المتعذر التنبؤ بنتيجة هذا الأسلوب.
وهكذا تضاءل الاهتمام بأبحاث المساعِدات نتيجة لذلك، حتى عام 1980، عندما ظهر تحدٍ جديد لڤيروس استدعى استخدام جميع التكتيكات التي يمكن أن تخطر بالبال. وأثبت الڤيروس HIV أنه بعيد جدا عن متناول طرق التلقيح المعهودة. إذ يهاجم هذا الڤيروس الخلايا T انتقائيا، ويعيق عمل النظام المناعي التكيفي إعاقة جسيمة، كما أن شكله دائم التغير، بحيث يتعذر على الأضداد أن تتابعه. وكان على الباحثين الذين يعملون على الپروتينات المأشوبة للڤيروس HIV أن يجدوا طرقاً لتعزيز آلية تعرف النظام المناعي على المستضدات، ويحثهم على محاولة ضم مساعِدات جديدة إليها، وذلك إلى جانب العمل على تحسين هذه المساعدات للحصول على نماذج جديدة منها.
|
ولعل أضخم الإنجازات التي تحققت في الأبحاث التي تناولت ما حدث عام 1997، وذلك باكتشاف وجود مستقبلات متخصصة بتعرّف الأنماط موجودة في داخل الخلايا المتغصنة وعلى سطحها، وهي مكرسة لتعرّف الأقسام الأساسية في المتعضيات الميكروية، مثل پروتين الفلاگيلين الذي يوجد في أهداب الكثير من البكتيريا. وتطلق هذه المستقبلات التي تكشف المُمْرِضات علامات إنذار تحذِّر الخلايا المتغصنة للبدء بالعمل، كما تقدم لها المعلومات حول نمط التهديد الموجود. ومن بين الأسرار الخلوية والمكتشفات الحديثة مجموعة تعرف بالمستقبلات الشبيهة بالحاجز(TLRs)(5) والتي تبدو ذات أهمية بالغــــة لتوجيه سلوك الخلايا المتغصنة [انظر: «نظام التحذير المبكر»، مجلة العلوم ، العددان (2005)2/1، ص 80].
وحتى يومنا هذا تَمَّ تعرّف عشر من المستقبِلات TLRs، ويتعرف كل منها إحدى السمات الأساسية والمختلفة من الڤيروسات أو البكتيريا. فالمستقبلةTLR-4 تتعرف، على سبيل المثال، الشحوم LPS، وأما المستقبلة TLR-7 فتسَجّلالرنا(RNA) الوحيد الطاق النموذجي في بعض الڤيروسات. وبعد هذه الاكتشافات، صار من الواضح أن المستخلصات المستمدة من البكتيريا تؤدي دور مساعدات منبهة للمناعة؛ لأنها تطلق إشارات إنذار تنبه الخلايا المتغصنة عبر المستقبلات TLRs. وكان اكتشاف هذه الآليات يعني أن على مصممي اللقاحات أن يستخدموا واحداً من المساعدات أو توليفة منها لاستهداف مستقبلات معينة من المستقبلات TLRs.
الجيل الثاني من اللقاحات(********)
لقد هدفت الأبحاث التي شُرع بها في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين إلى تعرّف المساعدات الطبيعية وتقييمها، إضافة إلى المساعدات الصنعية والمحوّرة، التي يمكن أن تستخدم لتحوير الاستجابة المناعية تجاه المُمْرِضات النوعية أو ضمن بعض التجمعات السكانية. تتضمن هذه المقومات المساعدات التقليدية، مثل «الألوم»، والمســـــــتحــلبـــات زيـــــت فــي مـــــاء، مثل MF59 وAS03، وكلاهما أثبت نجاحه في أوروبا عند استخدامه في بعض لقاحات الإنفلونزا. وللحديث بشكل عام، يمكن للمساعدات أيضا أن تكون أي مادة مركبة كيميائية تُحَسِّن من كمية وجودة الاستجابات المناعية بالعمل على الخلايا المتغصنة أو على غيرها من أنماط الخلايا المناعية.
إن إجراء التجارب والتطورات التي أُحْرِزَت في علم المناعة قد سمحت بالتخلص من العناصر التي تسبب سُمّيِّة غير مرغوب فيها في المساعدات التي ظهرت في وقتٍ مبكر، كما سمحت لهم بمزج وتطبيق مواد المساعِدات بحيث يكون التأثير المجتمع لها بشكله الأمثل للحصول على الاستجابة المناعية المرغوب فيها. فعلى سبيل المثال، فإن إحدى المساعدات الجديدة، وهي الليپيد A الوحيد الفسفوريل (MPL) (6)، قــــد أُنـتـجــت عن طريق نزع سمية وتنقية أحد الليپيدات من جزيء الشحوم LPS، مما أدى إلى ظهور إحدى المساعِدات وهي ذات خصائص منبهة للمساعدة TLR-4، ولكن من دون السمّيّة غير المرغوب فيها. وقد أُدرجت ضمن العديد من اللقاحات التي هي متوافرة بالفعل في الأسواق أو التي هي في المرحلة الأخيرة من الاختبارات السريرية وبنتائج مشجعة.
ومن بين هذه اللقاحات لقاح تجريبي مضاد للملاريا، ساعد على تطويره أحدنا (<گارسون>) بالعمل كرئيس لمركز گلاسكو سميث كلين للمواد البيولوجية ولمساعدات اللقاح. ومرض الملاريا ينجم عن طفيليات من الأوالي من جنس المتصورات، وهو مرض خطير يقتل أكثر من مليون شخص كل عام ومعظمهم من الأطفال دون الخامسة من العمر. وتستطيع هذه الطفيليات الاختباء ضمن الخلايا، متفادية بذلك الآليات المناعية. كما أن هذه الطفيليات تتبدل وتتغير مرات عديدة خلال دورات حياتها(7)، مما يجعل من العسير كشف مستضد يمكن أن يصلح كهدف فعال للقاح في جميع مراحل العدوى. ومن الأمور المهمة في هذا المجال تنبيه كل من المناعة المتواسطة بالخلايا T وبالأضداد للحماية من هذه الطفيليات، وذلك بالوقاية من دخول الخلايا وبتدمير الخلايا التي أصيبت بالعدوى. وتتطلب هذه المرامي بدورها مساعدات تتجاوز «الألوم».
تتطلب الإنفلونزا الجائحة تلقيح عدد كبير من السكان. ويمكن للمساعدات أن تجعل اللقاحات فعَّالة مع كمية أقل من المستضد في كل جرعة، وربما تجعلها واقية ضد ذراري الإنفلونزا التي تختلف اختلافاً طفيفا عن الذرية الأصلية. |
|
وقد أخذنا جميع العوامل في الحسبان، فطور فريقنا لقاحا مستندا إلى مستضد دعوناه RTS,S، وهو يتضمن اجتماع جزيء مؤشَّب معروض على سطح الطفيلي قبل دخوله إلى خلايا الدم في الإنسان المضيف في المرحلة الأولى من العدوى، وارتباطه بالمستضد السطحي لالتهاب الكبد بقصد تنبيه التعرف المناعي. وبعد ذلك يعطى هذا الجزيء المركب مع مزيج المساعدة التي تتألف من مستحلب «زيت في ماء» و «MPL» و «QS21»، وهو مشتق نباتي يستخدم في الطب البيطري منذ ثلاثينات القرن العشرين. وبعد الوصول بالمستحضر إلى أفضل وضع ممكن، حاولنا مع من نتعاون معهم في معهد «والتر ريد للأبحاث العسكرية» تجريب اللقاح ضمن اختبارات صغيرة على البشر ومنهم متطوعون, وافقوا على إدخال أذرعهم في صناديق تحوي بعوضا ناقلا للملاريا والتعرض للدغاتها عددا لا يقل عن خمس مرات. وقد تحققت حماية ستة من أصل سبعة من هؤلاء المتلقين من العدوى، فيما لم تتحقق الحماية لمن خضع للتجربة نفسها مستخدمين اللقاح مع «الألوم».
وقد كان الاختبار النهائي ضمن ظروف الحياة الحقيقية مع تعرض مستمر للطفيلي، إلى جانب تجارب أكبر أجريت في نامبيا بين البالغين، وقد أثبتت أن71 في المئة من المتلقين قد تمت حمايتهم من العدوى خلال تسعة أسابيع من المتابعة. كما أوضحت تجارب أجريت في مرحلة متأخرة على الأطفال في المناطق الموبوءة بالملاريا في موزمبيق أن ثلاث جرعات قد أدت إلى حماية 30% من الأطفال من العدوى، وأن معدل وقوع المرض الوخيم في المجموعة على مدى ستة أشهر قد انخفض بمقدار يقرب من 60% وتقترب نسخة محسنة من هذا اللقاح الذي يتضمن نواقل الجسيمات الشحمية (الليپوزومات) liposomes من نهاية المرحلة الأخيرة (الطور الثالث) من التجارب السريرية التي تجرى على الرضع. وباعتبار أنه اللقاح الأول من نوعه الذي يثبت معدلات مهمة من الحماية من العدوى من الملاريا ومن المرض الوخيم، فقد حمل آمالا كبيرة في الإسهام في مكافحة المرض وضبطه.
[العمل جارٍ فيه] الجيل التالي من اللقاحات(*********) تتضمن اللقاحات المذكورة أدناه مساعدات جديدة، وقد تمت الموافقة عليها في بعض البلدان أو إنها في المرحلة الأخيرة (الطور الثالث) من الاختبارات على البشر.
|
وقد أثبت نجاح اللقاح إمكانية تصميم لقاح معقول يضم كلاً من المستضد والمساعِدات لتحقيق الاستجابة المناعية المرغوبة، وذلك من خلال اصطناع لقاحات جديدة وتحسين اللقاحات القديمة. فالكثير من اللقاحات الموجودة حالياً والناجعة بشكل عام، ربما لا تكون آمنة أو فعالة في مجموعات سكانية معينة، ومنهم الأفراد الذين هم بحاجة ماسة إليها. وتعد الإنفلونزا الموسمية مثالاً على ذلك، فكبار السن والرضع هم الأكثر تعرضاً للعدوى المميتة بالإنفلونزا، نظرا لأن النظام المناعي لدى الرضع غير متطور تطورا مكتملا، كما أن الاستجابة المناعية تتراجع مع تقدم العمر. إن نصف عدد الذين يتلقون اللقاح المعياري المضاد للإنفلونزا ممن تزيد أعمارهم على 65 عاما فقط ستتكون لديهم كمية من الأضداد تكفي لاتقاء العدوى.
وفي مقابل ما ذكرنا آنفا، فإن اللقاح التجريبي للإنفلونزا الموسمية والذي يضمن المستحلب زيت في ماء AS03 أدى إلى الحصول على مستويات واقية من الأضداد لدى 90.5 في المئة من المتلقين بأعمار 65 عاما أو أكثر. ولما كانت المساعدات تعزز من تعرف الخلايا المناعية المستضدات، فإن بإمكانها أن تستخدم في صناعة لقاحات فعّالة باستعمال كمية أقل من المستضدات. وقد أصبحت هذه الاعتبارات أكثر أهمية بشكل خاص في حالة الجائحة التي تتطلب تلقيح أعداد هائلة من السكان تلقيحا فعالا وبسرعة. وهناك لقاح تجريبي آخر AS03، مضاد لذراري إنفلونزا الطيور H5N1، وهو يحرض استجابات الأضداد الواقية تلك باستخدام ما لا يزيد على ثلث كمية المستضد في لقاح الإنفلونزا الموسمية النموذجية.
وتوضح هذه الأمثلة أن أنواع اللقاحات الجديدة القريبة من الاستخدام الواسع النطاق لدى البشر، هي بسبب عودة إحياء وتطوير المساعِدات في الثمانينات وفي التسعينات من القرن العشرين التي أصبحت تعطي ثمارها الآن. إن ملاحظة العلماء في ذلك الوقت أن القدرة التي تتمتع بها الخلايا المتغصنة في تعرف الأنماط تعد رابطة حاسمة بين النُّظُم المناعية الأصلية والنُّظُم المناعية التكيفية، مما سمح بتصميم أنماط جديدة من المساعدات. وما زال هذا العمل في مراحله المبكرة، ولكنه ذو إمكانية لخلق مخزون كبير من المكونات للمساعدات يمكن لمصممي اللقاحات الانتقاء والاختيار لبناء اللقاحات بدقة لم يسبق لها مثيل.
جيل جديد من المساعِدات(**********)
إلى جانب التطورات المحرزة في علم المناعة والبيولوجيا الجزيئية، فقد قدَّم علم المواد الكثير من الطرق الجديدة للحصول على التأثيرات المختلفة للمساعِدات. فنواقل الجسيمات الشحمية تستخدم في الوقت الحاضر لتمحفظ الأدوية وكذلك غيرها من المواد على شكل كبسولات، بحيث تطلق مضمونها في الأنسجة المستهدفة في الجسم في حين تقوم بحمايتها من التدرك. وعند استخدام تلك النواقل لحمل مستضدات اللقاحات؛ فإنها تقدم القدر نفسه من الحماية، وتخلق مخزونا من المستضدات يسمح بتعريض مديد للمستضد إلى الخلايا المناعية. وتشاهد تنوعات تنطلق من هذا المبدأ مثل أقفاص المستضدات البُلمرية التي تصنع من كل من السكاريدات الطبيعية المتعددة، مثل تلك التي توجد في جدران الخلية البكتيرية، ومن الپوليستيرات الصنعية. ولهذه المواد فوائد إضافية بإدماج مواد طبيعية أو كيميائية منبهة للمناعة يمكنها إطلاق إشارات مرغوب فيها للخلايا المناعية.
ومع فك شفرة لغة الخلايا المناعية، أدرك العلماء أن الإطلاق الباكر للإشارات من الخلايا المتغصنة لإرسال إنذار، يوجه أيضا طبيعة الاستجابة اعتمادا على طبيعة التهديد الموجود. ومن هنا، فإن بإمكان مُصَمِّم للقاحات أن يصمم من الناحية النظرية توليفات من المساعدات تستدعي حصول استجابة مناعية تؤكد على إنتاج الأضداد أو تثير بعض المجموعات الفرعية من الخلايا T بشكل تفصيلي. وفي الحقيقة، فإن جزيئات إطلاق الإشارات ذاتها هي من بين المواد التي تُجرى عليها التجارب كمساعِدات. وقد استخدم صنف من السيتوكينات لفترة طويلة لتنبيه المناعة في معالجات السرطان والإيدز، وهي المعروفة بالإنترليوكينات(IL) (8)، إلا أن الإنترليوكينات تنتج بصورة طبيعية الخلايا المتغصنة، ومن هنا فإن مزيج الإشارات المنطلقة من الخلايا هو الذي يحـدد ماهية الاستجابـة في الخلايـا المناعية، فعلى سبيل المثال، فإن الإنترليوكيناتIL-4 وIL-5 وIL-6 تحرض إنتاج الخلايا التائية القاتلة أو الفــــتاكة، فيما تجـند الإنترليوكينات IL-2 وIL-12 الاستجابة بالأضداد.
ويمكن تحقيق تأثير مشابه من خلال المواد المفعَّلة للمستقبلات TLRs. وتتعرف المستقبلات TLRs المنتجات الميكروبية، بل إن إحدى هذه المواد وهيTLR-4 تتعرف جزيئات يتم تحررها من الجسم لدى التعرض للشدة النفسية (الكَرب)، وهو ما يعرف بپروتين الصدمة الحرارية Heat-shock protein. وبعض توليفات المواد المفعِّلة للمستقبلات TLRs دون أن تكون من المساعدات التي تنتمي إليها، مثل المستحلبات الزيتية، أظهرت تآزرا قويا على نحوٍ خاص في تفعيل الخلايا المتغصنة، وقد أثبتت فائدتها في بعض التطبيقات للقاحات التي تشكل تحديات قصوى.
ومن بين هذه التطبيقات ذات التحديات القصوى السرطان، باعتباره هدفا غير معتاد للقاحات، نظرا لأن السرطان ليس عاملا غزويا أجنبيا، بل إن خلاياه تنشأ من جسد الضحية نفسه المصابة به. ونتيجة لذلك، فإن النظام المناعي وإن كان يبدي بعض الاستجابة للخلايا الورمية، ولكنه نادرا ما يواجه السرطان مواجهة قاضية. وقد لاقت محاولات تكوين لقاحات علاجية تنبه تفاعلات مناعية تجاه الخلايا الورمية نتائج مخيبة للآمال؛ إلا أن التوليفة الصحيحة من المساعدات قد تنجح في إحداث الفرق. لقد تَمّ إنتاج مجموعة من اللقاحات التجريبية المضادة للسرطان والتي تستخدم توليفات مختلفة للمساعدات وقد أعطت نتائج مشجعة.
ومن هذه اللقاحات، لقاح متوافر حاليا في المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية، ويضم أحد المستضدات يدعى (Mage-A3) الفائق النوعية لبعض الخلايا الورمية التي فيها المستقبلات AS15، ومزيج من المساعدات تتألف من نواقل جسيمات شحمية ثابتة وMPL وQS-21 إلى جانب مكون بكتيري المنشأيدعى CpG. وفي التجارب على مرضى مصابين بسرطان الرئة ذي الخلايا غير الصغيرة، اتضح أنه تشكل لدى 96 في المئة ممن يتلقى منهم اللقاح استجابة قوية للمستضد Mage-A3، إلى جانب مؤشرات إلى إطلاق إشارات للإنترليوكين المرغوب فيه. وقد تمتع ما يقرب من ثلث عدد المرضى باستقرار أو بتراجع الأورام المصابين بها. ويتم في الوقت الحاضر إجراء دراسة لاستخدام المكوّن CpG، إلى جانب المعالجة الكيميائية والمعالجة الشعاعية لمعالجة أنماط متعددة من السرطان. ويعد المكوّن CpG من المحفزات البكتيريــة المتميزة التي يمكن للمستقبلـة TLR-9 تعرفها، وأن تفعِّل الخلية المتغصنة للحصول على تنشيط لاستجابة قوية للخلايا T. ومن هنا، فإن استخدامه على أنه مساعدة يحاكي المعالجات البكتيرية التي استخدمها <كولي> لمرضى السرطان منذ فترة بعيدة. وتماشيا مع ذلك، فإن الشركة التي أسست لتطوير المكوّن CpG باعتباره مُساعِدة، قد سميت شركة كولي الصيدلانية.
إن مختلف نظم المساعِدات التي وصفناها تدفع بحدود الوقاية من المرض من خلال التلقيح وجلب الآمال الكبيرة إلى مجالات لم يتم فيها تلبية الاحتياجات الطبية. فقد أظهرت التجارب السريرية الباكرة على المكوّن CpG الذي أضيف إلى مستضد الرگيد ragweed أن هناك أملاً بالحصول على لقاح مضاد لحمى القش(9). وقدرة المساعِدات على تحريض الدفعات المناعية التي تتعرف الذراري ذات الصلة من الإنفلونزا، تقدم إمكانية تكوين لقاحات ذات طيف أوسع توفر الحماية من الإنفلونزا. ولأول مرة، صار بمقدور الناس المصابين بالعوز المناعي بسبب مرض أو معالجة كيميائية، الوصول إلى اللقاحات التي يمكنها تحريض الحماية المناعية. وربما لا تقدم المساعِدات جميع الأجوبة لجميع أوجه القصور في خزائن اللقاحات المعاصرة، إلا أنها ستقدم وبكل تأكيد جزءا من الحل.
إن التعامل مع النظام المناعي عمل حساس، وبالطبع فإن التقييم الحاسم المستمر لأمان اللقاحات والشفافية في نشر المعلومات الدقيقة حول اللقاحات من الجيل الثاني والمساعدات من الجيل الثاني أمر ضروري. وسيوجه الفهم التفصيلي لنمط عمل المساعدات المدمجة ضمن اللقاحات الجديدة عملية تطويرها ويوجه استخدامها ومراقبتها. ومما يشجع على ذلك أن أكثر اللقاحات الوقائية المتطورة ذات المساعدات لم تبد أي علامات لمشكلات تبعث القلق، إلا أن على القائمين على تطويرها أن يبقوا يقظين.
ومع تواصل التقدم المحرز في هذا المجال، ستقوم هذه اللقاحات بخدمة مجموعات سكانية فرعية محددة وبعض الأمراض المستهدفة بطريقة عقلانية قد تؤدي إلى الحصول على الحماية المناعية المثلى، وذلك بمراعاة التوازن ما بين الأمان والفعّالية. هذا هو تطور اللقاحات في المستقبل، وهذا المستقبل بات قريبا جدا.
المؤلفان
<گارسون> رئيسة مركز المساعدات العالمي للقاحات في شركة «گلاكسو سميث كلين» للمستحضرات البيولوجية، وهي شركة مصنعة للقاحات. وكان لها الريادة في تطوير العديد من المساعدات خلال العقدين الماضيين. وهي خبيرة بالمستحضرات الصيدلانية متخصصة بالمناعة، وفي عام 1990 انضمت إلى الشركة لتقود برنامجها الخاص بالمساعِدات.
<گولدمان> أستاذ علم المناعة في الجامعة الحرة ببروكسيل في بلجيكا. له أبحاث حول مراكز المناعة في البشر التي تتحكم في الخلايا المتغصنة وإطلاق الإشارات للمستقبلات TLRs، وهي ضرورية لفعالية اللقاحات ولمساعدات اللقاحات. وحتى الشهر 2009/9، شغل منصب مدير معهد علم المناعة الطبي الذي يتلقى تمويله جزئياً من شركة «گلاسكو سميث كلين». وهو المدير التنفيذي لمبادرة الأدوية المبتكرة، وهي لجنة شراكة أوروبية مع الاتحاد الأوروبي للصناعات الأوروبية.
|
Nathalie Garcon
Michel Goldman |
مراجع للاستزادة
Deciphering Immunology’s Dirty Secret: Can Innate Immune Adjuvants Save Vaccinology?
Kate Travis in The Scientist Vol. 21, Issue 1, pages 46-51; January 2007.
GlaxoSmithKline Adjuvant Systems in Vaccines: Concepts, Achievements and Perspectives.
Nathalie Garcon et al. in Expert Reviews of Vaccines, Vol. 6, No. 5, pages 723-739; October 2007.
Vaccine Adjuvants: Current Challenges and Future Approaches. Jennifer H. Wilson-Welder et al. ir Journal of Pharmaceutical Sciences, Vol.98. No. 4. pages 1278-1316; April 2009.
(**) Mimicking Infection to Avert It
(***)Vaccines Mimic Infection to Avert It
(****) Adjuvant Revival
(*****) COMMON VACCINE TYPES
(******) Adjuvants OLD AND NEW
(*******) Adjuvants Add Emphasis
(********) Next-Generation Vaccines
(*********) Next-Generation Vaccines
(**********) New Generation of Adjuvants
(1) كائن حي.
(2) “memory” cell
(3) recombinant genetic engineering
(4) lipopolysaccharide
(5) the Toll-Like receptors
(6) monophosphory1 lipid A
(7) life cycles
(8) interleukins
(9) hay fever