صعود نجم البكتيريا النانوية وأفوله(*)
لقد كان يُعتقد أن البكتيريا النانوية هي أصغر الكائنات المُمْرِضَة المعروفة، وقد برهنت اليوم على أنها أشياء غريبة بالقدر نفسه تقريبا؛ ولها بالفعل دور مرتبط بالصحة، ولكنه ليس ذات الدور الذي اقتُرح لها في البداية.
<D.J.يونگ> – <J.مارتل>
مفاهيم مفتاحية
إن الاكتشافات التي يفهم منها أن هناك بكتيريا ذات حجم نانوي، قد تسببت في إحداث صدمة وإثارة؛ ذلك أنها صغيرة جدا لأن تكون حية. فاقت الادعاءات بوجود هذه الكائنات الممرضة المتناهية الصغر ما تم القيام به من إنجاز علمي لإثبات وجودها، إلى أن أوضح المؤلفان وغيرهما من العلماء أنه على الرغم من أن هذه الجسيمات قد بدت وكأنها حية، إلا أنها في الواقع ليست سوى بلورات شاذة مكونة من اتحاد المعادن مع جزيئات عضوية. ومع ذلك، فإن تفاعلات الپروتين مع المعادن، والتي تؤدي إلى إنتاج تلك الجسيمات النانوية، تظهر لنا تفاصيل لعمليات يمكن لها أن تقي صحة الإنسان أو تضعفها. محررو ساينتفيك أمريكان |
إن ظهور دليل على وجود حياة على المريخ، حتى ولو كانت تلك الحياة قد حدثت فقط في الماضي البعيد، سوف يؤدي في النهاية إلى الإجابة عن السؤال الأزلي حول ما إذا كانت الكائنات الحية على الأرض هي فقط الموجودة في هذا الكون. وتجلت أهمية مثل هذا الاكتشاف في إعلان الرئيس الأسبق <بيل كلينتون> في مؤتمر عقد في عام 1996 أنه قد تم التوصل أخيرا إلى هذا الدليل، حيث اتضح أن حجرا نيزكيا نتج من حدوث تكسر في سطح الكوكب الأحمر(1)قبل نحو 15 مليون عام قد احتوى على بقايا أحفورية لكائنات حية متناهية في الصغر مما دل على أن الحياة قد وُجدت في وقت ما على المريخ.
وتوضح الدراسات الجيولوجية أن هناك كائنات مشابهة , ولكنها أصغر من أي كائنات سبق لنا معرفتها أو حتى يمكن لنا أن نتخيلها , قد أدت دورا في تشكيل الأرض في العصور المبكرة، وتقترح هذه الدراسات أن تلك العينات الأحفورية ربما كانت بقايا من العصور المبكرة جدا في تاريخ الحياة. ولكن النبأ الذي يمكن أن يأتي في المقدمة هو: ظهور دليل على أن هذه الكائنات القديمة، والتي صارت تعرف بالبكتيريا النانوية(2)، مازالت موجودة بيننا بل إنها حقيقة تعيش في أجسادنا ومن الممكن أن تكون سببا لعدد من الأمراض.
عندما ظهرت هذه الاكتشافات مجتمعة لأول مرة، شكك الكثير من العلماء في صحتها كما ألمح بعضهم إلى إمكانية أن تكون مجرد حماسة واستثارة ممن قاموا بهذه الاكتشافات والتي تفوقت على ما قاموا به للتحقق من صحة ما حصلوا عليه من بيانات على أسس علمية. وقد بقيت بعض الأسئلة حول ما تتميز به البكتيريا النانوية في الواقع وما لا تتميز به. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، فإن فهمنا لهذه الجسيمات المتناهية الصغر ولسلوكها غير المعتاد والمشابه لسلوك الكائنات الحية قد تقدم بشكل كبير. وقد اتضح أن البكتيريا النانوية ليست كائنات مُمْرِضة pathogens جديدة وغير معتادة – وفي الحقيقــــة، إنها ليست كــائنـــات حيـــــة على الإطلاق. ولكنهــا، ومع ذلـــك، لا تقل أهمية عن الكائنات الممرضة فيما يتعلق بصحة الإنسان، ومن الممكن أن تكون قد أدت دورا في تطور الحياة ولكنه ليس الدور نفسه الذي افتُرض لها.
إن تطور ملحمة البكتيريا النانوية يقدم لنا درسا حول الكيفية التي يعمل بها البحث العلمي وكيف أنه قد يسير في اتجاه غير متوقع. وكأي قصة جيدة، فإننا نجد أن النهاية الحقيقية لقصة البكتيريا النانوية كانت أكثر تشويقا من نهايتها التخيلية. ويستطيع الباحثون الآن أن يمضوا قُدُما إلى الأمام مستخدمين ما نعرفه عن هذه الكائنات النانوية في إحداث تقدم في الأبحاث المتعلقة بصحة الإنسان والمواد النانوية.
صغيرة جدا لكي تكون حية؟(**)
في عام 1993 وعند قيام <R.L.ڤولك>[وكان يعمل آنذاك جيولوجيا في جامعة تكساس] بفحص عينات من الصخور تم جمعها من الينابيع الإيطالية الحارة بمنطقة ڤيتربو، فإنه سجل ما أطلق عليه ولأول مرة «البكتيريا النانوية». ولقد لاحظ <ڤولك> أثناء فحصه للعينات باستخدام المجهر الإلكتروني(3) وجود كريات صغيرة شبيهة بالبقايا الأحفورية للبكتيريا. وقد بدت هذه الفقاعات الصغيرة مثل البكتيريا في امتلاكها جدرانا خلوية وزوائد خيطية على سطحها. وقد كانت كريات <ڤولك> صغيرة تماما، ولكنها أصغر بفارق مهم من أي نوع معروف من البكتيريا.
وعادةً ما يتم قياس البكتيريا نفسها بالميكرونات microns – والميكرون يساوي جزءا واحدا في المليون من المتر، وهو ما يعادل 1/100 تقريبا من عرض شعرة رأس نموذجية. وقد كانت البقايا الأحفورية التي اكتشفها <ڤولك> أصغر نحو5 إلى 100 مرة من البكتيريا المعهودة، حيث إن حجمها تراوح ما بين 10 إلى 200نانومتر (النانومتر الواحد يساوي 1/100 من الميكرون). وقد حصل <ڤولك> على هذه الكائنات النانوية من بقايا الطبقات الجيولوجية القديمة، بما في ذلك الطبقات الخاصة بفترات الپاليوزويك Paleozoic والميزوزويك Mesozoic، والتي يعتقد أنها سبقت الحقبة التي ظهرت فيها الحياة على الأرض. ومن ثم فقد اقترح <ڤولك> أن قيام هذه الكائنات باستخدام وتدوير المواد العضوية وغير العضوية ربما يكون قد أدی إلى تكوين الطبقات الجيولوجية التي وُجدت بها هذه الكائنات.
مرت اكتشافات <ڤولك> من دون أن تلقى اهتماما كافيا حتى حلول عام1996، حين قام <D.S.ماكاي> [من مركز ليندون B جونسون لأبحاث الفضاء والتابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بهوستن] بنشر ما يثبت أن حجرا نيزكيا من كوكب المريخ Martain meteorite تم اكتشافه في القارة القطبية المتجمدة الجنوبية أنتاركتيكا Antarctica، ويعرف اختصارا باسم ALH84001، قد احتوى على أحفوريات نانوية مشابهة. وحيث إنه من المعتقد أن هذا الحجر قد نتج من مادة منصهرة منذ 4.5 بليون سنة، فإنه يُعد من أقدم الأجزاء في النظام الشمسي solar system. وإلى جانب اكتشاف كريات كربونية مشابهة للبكتيريا النانوية التي اكتشفها <ڤولك> في عينة الحجر النيزكي، فإن <ماكاي> وزملاءه تمكنوا أيضا من إيجاد جسيمات تحتوي على كبريتيد وأكسيد الحديد، وبها هدروكربونات عطرية عديدة الحلقات polycyclic aromatichydrocarbons وجميعها مواد خام أساسية تدخل في العمليات البيولوجية. وقد تم الترويج والإشادة بهذه الاكتشافات على أنها تمثل دليلا جديدا ومختلفا تماما على إمكانية وجود حياة في عصور سابقة على المريخ وفي أماكن أخرى في النظام الشمسي.
إن الجسيمات النانوية الناتجة من ارتباط الپروتينات بالأيونات المعدنية المتبلورة، تشبهالخلايا البكتيرية المتبرعمة وذلك تحت المجهر (الميكروسكوب) الإلكتروني. |
وقد قُوبل تقرير <ماكاي>، ومن ثم ما قام به <ڤولك> من دراسات سابقة، باحتفاء إعلامي كبير وبكثير من الشك والجدل في الدوائر العلمية. حيث أوضح المنتقدون أنه قد تم بناء جميع الفرضيات حول هذه الكائنات المتناهية الصغرعلى أساس شكلها، ولم يكن هناك مطلقا ثمة دليل على أنها حية. والأكثر من ذلك، فإن هذه الكائنات النانوية قد أثارت جدلا حول أصغر حجم يجب أن يكون عليه الكائن الحي ليكون حيا. فبمعرفة أن قطر جزيء الدنا DNA المزدوج السلسلة يبلغ أكثر من 2 نانومتر، وأن الريبوسومات ribosomes المُصنعة للپروتين في الخلية يبلغ قطرها نحو 20 نانومترا، فإن المنتقدين شككوا في إمكانية أن تحتوي الخلايا ذات الحجم النانوني على ما يلزمها من عضيات وجزيئات لتكون حية.
[الادعاء] أصغر صور الحياة(***)
معني الحجم: اعتُبرت إمكانية وجود كائنات ذات حجم نانوني كقضية جوهرية وذلك عند طرحها بواسطة العديد من المجموعات البحثية في التسعينات، حيث إن وجود كائنات فائقة الصغر بدا غير محتمل، وإن لم يكن مستحيلا. وقد تراوح حجم «البكتيريا النانوية» الأحفورية والبكتيريا النانوية «الحية» ما بين 10 إلى 500 نانومتر. ولكن أغلب هذه العينات بدت صغيرة جدا لكي تحتوي وتقوم بتشغيل آليات كافية وضرورية لحياة الخلية، مثل الريبوسومات ribosomes التي تقوم بإنتاج الپروتين، والتي يصل قطرها إلى 20 نانومترا، كما أن هذه العينات هي أدق من أصغر صور الحياة المعروفة – وهي بكتيريا الميكوپلازماMycoplasma. |
لاحظ المنتقدون أن جميع الادعاءات حول هذه الكائنات المتناهية الصغر قد تم تأسيسها على شكلها فقط. |
وفي قمة هذا الخلاف جاء عالمان من جامعة كيوپيو بفنلندا، وهما <E.O.كاجاندر> و<N.سفتسيوجلو> ليشعلا نيران جدل أوسع. حيث قام هذا الفريق الفنلندي بتقديم أول ما اعتبر دليلا على أن البكتيريا النانوية هي كائنات حية وذلك في عام 1998. حيث لاحظ الباحثان وجود ملوثات صغيرة الحجم في المزارع الخلوية التي كانوا يقومون بتنميتها مع مقاومة هذه الملوثات لجميع الطرق التي استُخدمت للتخلص منها. ولم يقتصر دور هذه الجسيمات الملوثة على إحداث المرض للخلايا، بل إنهـــا قـــاومت طرق التعقيم المعتادة والتي تُستخدم فيها الحرارة أو المطهرات أو المضادات الحيوية. وبملاحظة هذه الجسيمات المســــتديرة المتنـــاهـية الصغر تحــت الميكروسكوب (المجهـــر) الإلكتــروني، وجد <كـاجـانـدر> و <سفتسيوجلو> أن حجمها تراوح مابين 50 و 500 نانومتر وأنها كانت شبيهة بشكل مدهش بالبكتيريا النانوية التي اكتشفها <ڤولك>، مما يشير إلى أنهما شيء واحد أو متشابهان.
[التضمينات] الإثارة المبكرة(****)
تم تسجيل وجود تركيبات كربونية من المعتقد أن تكون بقايا أحفورية للبكتيريا النانوية لأول مرة في عام 1993. فقد اكتشف <R.L.ڤولك> [الباحث في علوم الأرض] أجساما مستديرة في عينات من الصخور بإيطاليا (الصورة في اليسار) بلغ عرضها من 10 إلى 200 نانومتر. ولكن هذه الاكتشافات قُوبلت بالقليل من الاهتمام وذلك حتى عام 1996، حين أعلن العلماء في الوكالة ناسا عن اكتشافهم أحفوريات شبيهة في حجر نيزكي مصدره من المريخ (الصورة في اليمين). وقد حظيت إمكانية أن يحمل صخر عمره أكثر من 4 بلايين سنة دليلا على وجود حياة خارج كوكب الأرض باهتمام عالمي. كما أن الأهمية المحتملة لهذا الاكتشاف جعلت الرئيس الأسبق <بيل كلينتون> يعلق على ذلك بقوله: «اليوم يتحدث لنا الحجر 84001 عبر جميع تلك البلايين من السنوات والملايين من الأميال. إنه يتحدث عن إمكانية وجود حياة. ولو تم تأكيد هذا الاكتشاف، فإن هذا سوف يكون بالتأكيد واحدا من أهم الرؤى المدهشة التي استطاع العلم أن يكشف عنها في كوننا.»
|
أصغر الكائنات المُمْرِضة(*****)
وبالفحص الدقيق لتلك الجسيمات الصغيرة، وجد العالمان الفنلنديان أنها تحتوي على الأحماض النووية والپروتين، وهي مؤشرات إلى وجود حياة. وتأسيسا على وجود تتابعات معينة في جزيئات الدنا في العينات المختبرة، فإن العالمين قاما بتصنيف ما اكتشفوه، وأطلقوا عليه نانوبكتيريم سانگوينيومNanobacterium sanguineum، ليكون تابعا لمجموعة فرعية من البكتيريا تشمل ميكروبي البروسيلا Brucella والبارتونيلا Bartonella، وكل منهما معروف بقدرته على الإصابة بالأمراض. وقد لاحظ أفراد المجموعة الفنلندية أيضا وجود صفات غير معتادة للبكتيريا النانوية، ومنها قدرتها على تغيير أشكالها في المزارع المنماة بها، وهي صفة أطلقوا عليها «تعدد الشكل» pleomorphism، وهي نادرة الحدوث في الكائنات الحية. حيث لوحظ أن البكتيريا النانوية تقوم بتغيير شكلها من جسيمات مستديرة صغيرة إلى طبقات مستوية films أو تجمعات من مادة معدنية. وتبين أن هذه المادة المعدنية هي هدروكسي الأپاتيتhydroxyapatite أو أپاتيت apatite، وهي تركيب بلوري من الكالسيوم والفوسفات يوجد في كل مكان في الطبيعة، بما في ذلك عظام الثدييات وأصداف اللافقاريات. ولم تكن البكتيريا النانوية الصغيرة والمستديرة مغطاة فقط بجدران من الأپاتيت ولكنها غالبا ما وُجدت مستترة فيما بين أجسام أكبر تشبه «أكواخ الأسكيمو» أو «الأماكن المأهولة بالسكان»، وذلك على حد تعبير الباحثين.
وفي محاولتهم تعرُّف مصدر البكتيريا النانوية، فوجئ الفريق الفنلندي عندما وجد أن هذه الكائنات موجودة في معظم السوائل في أجسام الحيوانات والإنسان التي قاموا بفحصها, ومنها الدم واللعاب والبول وغيرها, واستنتج أن هذه الميكروبات المتناهية الصغر تمثل خطرا للإصابة بالأمراض المرتبطة بحدوث تجمعات معدنية غير طبيعية في الجسم، مثل حصى الكلى kidneystones. وفي نهاية الأمر، فإن الأمراض التي قام الباحثون بالربط بينها وبين البكتيريا النانوية قد امتدت لتشمل أنواعا عديدة من السرطان، وتصلب الشرايين atherosclerosis، والأمراض التنكسية مثل التهاب المفاصل arthritis، وتيبس الجلد scleroderma، والتصلب المتعدد، والتهاب الأعصاب الطرفيةperipheral neuropathy، وألزهايمر، وحتى الإصابات الڤيروسية مثل الإيدز (HIV). وقد أظهرت الدراسات المبدئية التي قام بها الفريق الفنلندي أن 14% من الأشخاص البالغين الاسكندينافيين قد احتوت دمائهم على أضداد (أجسام مضادة) antibodies للبكتيريا النانوية. كما جاء فيما بعد علماء آخرون مثل <A.P.سومر> [من جامعة أولم بألمانيا] ليُروجوا فكرة أن البكتيريا النانوية تسلك سلوك الكائنات الممرضة المعدية، مشيرين بأصابع الاتهام إلى تلك البكتيريا على أنها تمثل خطرا صحيا عالميا.
وعلى الرغم من تلك المضامين المفزعة، فإن البكتيريا النانوية جاءت لتفي, في عديد من الاتجاهات, بما تتطلبه أكثر أحلام العلماء جرأةً. فمن الممكن أن تساعد طبيعتها البدائية جدا وصفاتها غير المعتادة وانتشارها في كافة أرجاء الطبيعة على تقديم تفسير لأصل الحياة , ليس فقط على الأرض ولكن في جميع أرجاء الكون. والأكثر من ذلك، أنها يمكن أن تمثل أساسا جديدا وموحدا للإصابة بمختلف الأمراض بسبب ارتباطها عمليا بجميع العمليات المرضية التي يمكن تخيلها، وهذا ما يمثل حدثا غير مسبوق. ولكن نتيجة لجميع الصفات غير المعتادة للبكتيريا النانوية، فإن العديد من المنتقدين ظــلـــوا غـيــــر مقتنعــين بها. ومن بين هؤلاء <J.مانيلوف> [من مركز روشستر الطبي] الذي مازال يعتبر البكتيريا النانوية صغيرة جدا لكي تمثل كائنات حقيقية ويطلق عليها «الاندماج البارد في البيولوجيا الميكروية.»
لقد أمدتنا الدراسات البحثية التي قادها <J.O.سيسار> [من المعاهد القومية للصحة] بأول رؤية بديلة للبكتيريا النانوية وذلك بحلول عام 2000. حيث وجد <سيسار> أن الفوسفولپيدات, وهي مركب شائع الوجود في الأغشية الخلوية, يمكنها أن ترتبط بكل من الكالسيوم والفوسفات، بما يدعم تكوين بلورات فوسفات الكالسيوم (الأپاتيت). وقد وُجد أن هناك تشابها عجيبا ما بين الكتل البلورية المتكونة بهذه الطريقة والبكتيريا النانوية كما وصفتها المجموعة البحثية الفنلندية. والشيء المدهش هو رؤية هذه الكريات البلورية وهي تنمو وتتضاعف في أنبوب الاختبار كما لو كانت حية. وفيما يتعلق بوجود تتابعات فريدة من الأحماض النووية في البكتيريا النانوية والتي عُرفت بأنها أحد المعالم الأساسية المميزة لها، فقد أوضحت دراسة <سيسار> أن مثل هذه التتابعات يمكن أن تُوجد أيضا في التركيب الجيني للبكتيريا الشائعة والتي عادةً ما تلوث المواد والأدوات الزجاجية المستخدمة في مختبرات البحث.
تبدو حية(******) في عام 1998، أوضح العالمان الفنلنديان <O.كاجاندر> و<N.سفتسيوجلو> أنهما اكتشفا بكتيريا نانوية تمتلك أغلفة من فوسفات الكالسيوم ويمكنها إنتاج تركيبات معدنية تعكس التغيرات في شكل وأنشطة هذه الكائنات أثناء نموها. تَبيَّنَ من تجارب المجموعة البحثية الفنلندية أن الجسيمات المعدنية قد تضاعفت في العدد بمعدل بطيء، وترافق ذلك مع نمو في الحجم ليصل إلى قطر يتراوح بين 20 إلى 500 نانومتر وذلك في الأطباق المحتوية على مزارع الخلايا. بدت تركيبات الهدروكسي أپاتيت الفارغة والتي تم ملاحظتها في المزارع كأنها «مساكن» صنعتها البكتيريا النانوية باستخدام المعادن المتراكمة. |
وعلى ذلك، فقد بدأت الحماسة والاعتقاد القوي بوجود البكتيريا النانوية بالخمود. ولكـــن في عـــــــام 2004 وبشكل مفــــاجئ، أعلن فريــــق بحثي يعمل بقيادة <V.ميللر> و<J.C.ليسك> في مستشفى مايو عن تمكنه من إيجاد جسيمات نانوية في عينات من أوعية دموية متكلسة، وأن هذه الجسيمات لم تحتو فقط على الدنا والپروتينات وإنما أظهرت قدرة على تكوين جزيئات الرناRNA (الحمض الريبي النووي)، وهي الجزيئات الوسطية(4) التي تستخدمها جميع الكائنات الحية لتحويل المعلومات الوراثية من الدنا إلى پروتينات خلوية. وبين يوم وليلة، عاد الجدل حول البكتيريا النانوية ليشتعل مرة أخرى، ومعه جميع المتناقضات المعتادة والإثارة من وسائل الإعلام.
ومع الترويج لفكرة أن البكتيريا النانوية تمثل نموذجا لميكانيكية جديدة للمرض، ربما تكون شبيهة بالپريونات وهي جزيئات پروتينية مسؤولة عن الإصابة بأمراض مثل جنون البقر mad cow disease، فإن البكتيريا النانوية اعتُبرت خطرا على الصحة العامة، مما مهد السبيل لظهور اهتمامات تجارية بتسويق طرق للكشف والعلاج من هذه الكائنات الممرضة المتناهية الصغر. وظهرت “Nanobac OY”، وهي شركة قام بتأسيسها الباحثون الفنلنديون الذين كان لهم سبق اكتشاف البكتيريا النانوية الحية، وأصبحت المورد الأساسي للمواد التشخيصية، ومن ضمنها الأضداد، والتي تم تصميمها للكشف عن البكتيريا النانوية في أنسجة الإنسان. وبعد ذلك أصبحت شركة نانوباك للمستحضرات الصيدلانية Nanobac Pharmaceuticals، وهي شركة أنشئت في ولاية فلوريدا وقامت واستحوذت على الشركة نانو باك OY في عام 2003، موردًا لعقاقير علاج الإصابات المرضية الناتجة من البكتيريا النانوية.
[نظرة من قرب] وصفة لتحضير البكتيريا النانوية(*******)
أظهرت التجارب التي قام بها المؤلفان أن التفاعلات التي تحدث بين المعادن، والپروتينات والجزيئات الخاملة الأخرى، والتي توجد بانتظام في بيئات المزارع الخلوية, يمكنها أن تنتج جسيمات (الصور الميكروية في الأسفل) تبدو وتسلك نفس سلوك البكتيريا النانوية المُعتقد وجودها. حيث تتداخل الپروتينات مع عملية البلورة التي تحدث بشكل طبيعي للأيونات المعدنية، بحيث تنتج فقاقيع معدنية غير بلورية يمكن أن تنمو وتغير شكلها كما تفعل الكائنات الحية.
|
تقوم الجسيمات النانوية ببساطة باختطاف أي پروتينات تكون متاحة في الوسط (البيئة) المحيط بها. |
بناء البكتيريا النانوية(********)
أثارت التصورات غير المعتادة وما قابلها من تصورات مضادة حول البكتيريا النانوية اهتمام مجموعتنا البحثية، وجعلتنا نعكف في عام 2007على إجراء مجموعة من التجارب لتعرّف الطبيعة الكيميائية والبيولوجية لتلك الجسيمات، حيث اعتقدنا أنه قبل مناقشة الأدوار المحتملة لتلك الجسيمات النانوية، فإنه يجب على العلماء أن يقوموا أولا بتحديد ماهية هذه الجسيمات، وتحديد ما إذا كانت حية فعلا. ومن هذا المنطلق، فقد بدأنا بدراسة ما إذا كان للبكتيريا النانوية القدرة على التضاعف بوجود المواد غير الحيوية.
لقد قمنا بإجراء أبحاث استخدمنا فيها مركبات تحتوي على الكالسيوم مثل كربونات الكالسيوم (الحجر الجيري) وفوسفات الكالسيوم، وذلك لما نعرفه من أن لهذه المركبات ميلا طبيعيا إلى التجمع في نسق جزيئي دقيق لتكون بلورات، والبلورات هي تركيبات على درجة عالية من التنظيم وذاتية التنوي(5)وهي شبيهة بمنشورات هندسية(6)، أسطحها مستوية وحوافها حادة. ولكن إذا حدث تلف في تركيب البلورات، فإن هذا يكسبها صفات مختلفة تماما. وقد افترضنا أن معالجة المعادن بالپروتينات وغيرها من المركبات غير المعدنية سوف يؤدي إلى اختلال النظام الدقيق للطبقات المتقاطعة lattices اللازم لتكوين البلّورات، مما يؤدي إلى جعل التجمعات المعدنية غير متبلورة amorphous، أي إنها تنتظم بطريقة عشوائية أو غير منظمة على المستوى الجزيئي.
[الآلية] إدارة المعادن(*********)
تشبه الجسيمات التي تظهر مثل البكتيريا النانويةِ، الرواسبَ الكلسيةَ في أنسجة الإنسان لأن كلا منهما ينتج من تفاعلات تحدث بصفة طبيعية بين المعادن والپروتين وتكون مسؤولة عن إمداد الأسنان والعظام بالمعادن. كما أنها تعمل على تثبيط حدوث عملية التكلس غير المرغوب فيها. وتعتبر التكلسات غير الطبيعية في الأنسجة عرضا مرضيا وليست سببا في حدوث المرض، ولكن مع مراحل حدوثها المتقدمة فإنها قد تؤدي إلى حدوث أمراض مثل حصى الكلى.
|
وقد اعتقدنا أيضا أن هذا الاختلال سوف يؤدي ببساطة إلى إجهاض عملية نمو التجمعات المعدنية لتكون بلورات. وما أدهشنا أن هذه التجمعات المعدنية استمرت في النمو والزيادة كجسيمات، أو بتعبير أكثر دقة، كجسيمات نانوية. ولم نكن نتوقع بالتأكيد أن مثل هذه المركبات البسيطة يمكنها أن تأخذ أشكالا وتكوينات هندسية تجعلها تبدو عمليا مطابقة للبكتيريا النانوية، مكتسبةً شكلا يشبه جدران الخلايا، وتظهر وهي تنقسم مثل البكتيريا الحية تماما. وباستخدام هذه التركيبات البسيطة من الجسيمات النانوية كنقطة للانطلاق، فقد قمنا بمواصلة محاولاتنا لإعادة بناء بيولوجية البكتيريا النانوية بالكامل. وكان ذلك بمحاولتنا تحديد ما إذا كانت جميع الصفات الغريبة وغير المعتادة للبكتيريا النانوية والتي قام علماء آخرون بوصفها بالفعل يمكن أن يتم الحصول عليها مجددا من خلال التفاعل بين الجزيئات العضوية البسيطة والمعادن.
يمكن للبلورات النقية من كربونات الكالسيوم أن تأخذ أشكالا متباينة. وفهم الآلية التي تتكون بها الجسيمات النانوية في الطبيعة وكيف يمكنها أن تؤثر في صحة الإنسان، سوف يساعد العلماء على التحكم في صفات الجسيمات النانوية التي يقوم الإنسان بصنعها. |
وقد صار واضحا بعد فترة بسيطة أن الجسيمات النانوية الناتجة من خلائط كربونات وفوسفات الكالسيوم ذات قدرة على الالتصاق. فهي ترتبط بنهم بأي جزيئات مشحونة، سواء كانت أيونات، أو مركبات عضوية صغيرة (مثل الكربوهيدرات)، أو دهونًا، أو حتى دنا، أو غيرها من الأحماض النووية. ويؤدي الارتباط بالمجموعات الكيميائية المشحونة إلى تثبيت الجسيمات النامية، مضيفةً إليها تماسكا تركيبيا مع دفع الجسيمات المحتوية على الكالسيوم لكي تستمر بالنمو وأخذ أشكال معقدة. ولكن وفي النهاية، فإن أحد نمطين من الأحداث سوف يتسيد الموقف. فإذا توافرت كمية زائدة من المعادن، فإن الجسيمات سوف تتبلور في النهاية إلى الأپاتيت. ولكن إذا تجاوز المتاح من المركبات العضوية كمية المعادن الموجودة، فمن الممكن أن تتوقف عملية التبلور تماما أو تستمر بمعدل بطيء، مع استمرار الجسيمات بالتطور لتكون أشكالا أكثر تعقيدا.
ومن بين المجموعات الكيميائية المشحونة التي قمنا بدراستها، فإن الپروتينات أنتجت أكثر التأثيرات تعقيدا وإثارةً للاهتمام وذلك عند استخدامها كعوامل للارتباط. فالپروتينات تتجول بحرية داخل الجسم. وبعض الپروتينات مثل الألبيومين albumin والفيتيوين-(A(7 موجودة بكميات كبيرة في الدم، وهي أيضا قادرة على الارتباط بشراهة بالكالسيوم. ويعد الألبيومين مسؤولا بمفرده عن نصف قدرة مصل الدم blood serum على الارتبـــاط بالكالســيوم. كما أن الفيتيوين-A لا يرتبط فقط بالكالسيوم ولكنه يستطيع أيضا الارتباط وبقوة بفوسفات الكالسيوم بصورة أپاتيت غير ناضج.
ومن المعروف جيدا أن قدرة هذه الپروتينات على الارتباط ببلورات الأپاتيت غير الناضجة تؤدي إلى إجهاض عملية التبلور؛ مما يحمي من حدوث المعدنةmineralization غير المرغوب فيها بأنسجة الجسم. وبالوضع في الاعتبار حقيقة أن جميع سوائل الجسم، بما فيها الدم، تحتوي على تراكيز عالية التشبعsupersaturated من الكالسيوم والفوسفات، ومع ذلك فإنه لا يحدث بها تكلس، فإن هذا يوضح أن الحماية التي تمنحها تلك الپروتينات ذات أهمية كبيرة. فمن دونها، تصبح الأوعية الدموية صلبة، كما أن التركيبات العظمية يمكن أن تظهر فجأة في كل مكان.
وأثناء مواصلتنا لهذا الاتجاه في البحث، فإن دراسة منفصلة قادها <D.راؤل> [من الكلية الطبية بمرسليا في فرنسا] برهنت على أن الپروتين الرئيسي الذي تم إثبات وجوده في البكتيريا النانوية هو الفيتيوين-A. وأظهرت تجاربنا فيما بعد أن الفيتيوين-A هو مجرد واحد من عديد من الپروتينات التي تم الكشف عنها ضمن جسيمات الكالسيوم النانوية. وتتضمن الپروتينات الأخرى الألبيومين والپروتينات المرتبطة بالدهون apolipoproteinsوالپـــــروتــيــنات المكملة وعديدًا من الپروتينات المعتادة والتي عادة ما توجد بوفرة في الدم وجميعها معروفة بقدرتها الجيدة على الارتباط بنهم بالكالسيوم والأپاتيت. وبشكل أساسي، فإن تجاربنا دلت على أن البلورات تقوم أثناء نموها باختطاف أي پروتينات تكون متاحة في البيئة المحيطة بها ويكون لديها القدرة على الارتباط بالكالسيوم والأپاتيت.
لقد تمكنا أيضا من إيضاح أن الأضداد (الأجسام المضادة) antibodies والتي يتم بيعها على أنها مواد للكشف عن وجود البكتيريا النانوية بواسطة مجموعة الشركات التابعة لنانوباك هي في واقع الأمر مواد للكشف عن الفيتيوين-A والألبيومين. ولذلك، فإن الدراسات المبكرة التي تم فيها استخدام الأضداد المنتجة بواسطة شركة نانوباك للكشف عن وجود البكتيريا النانوية في مزارع أنسجة الإنسان كانت تقوم في حقيقة الأمر بالكشف عن پروتينات الدم المعهودة. والأمر الأكثر مدعاةً للقلق، هو اكتشاف أن الأضداد الأخرى والمفترض فيها أنها تقوم بالكشف عن الپروتينات غير المعهودة للبكتيريا النانوية في دم الإنسان كانت في الحقيقة متخصصة بالكشف عن پروتينات دم الأبقار. وبقدر غرابة هذا الاكتشاف، بقدر ما يمكن تفسيره بسهولة، وذلك بحقيقة أن مختبرات الأبحاث تقوم بصفة عامة بإدخال مصل دم أجنة الأبقار، وهو مصدر ممتاز للمواد المغذية، في بيئات المزارع الخلوية. ولكن في حالة المزارع التي يتم فيها دراسة البكتيريا النانوية، فإن هذا المصل يعد أيضا مصدرا أساسيا للپروتينات التي تقوم بالاندماج في تلك الجسيمات، تاركةً في النهاية أثرا «بقريا» على الجسيمات النانوية. وبإعادة النظر إلى ما مضى، فإن الدراسات العديدة والتي أدعت الكشف عن پروتينات البكتيريا النانوية باستخدام مثل هذه الأضداد يمكن أن ينظر إليها الآن على أنها خاطئة أساسا.
ما الذي يحدث حقا(**********)
مع أنه قد اتضح الآن وبشكل حاسم إيضاح أن البكتيريا النانوية ما هي إلا جسيمات نانوية غير حية تنتج من بلورة المعادن المعهودة مع غيرها من المواد في الأوساط المحيطة بها، فإن هذه الكائنات قد تظل تؤدي دورا مهما فيما يتعلق بصحة الإنسان. حيث نعتقد أن الجسيمات الشبيهة بالبكتيريا النانوية تتكون من خلال عملية طبيعية تعمل في المعتاد على حماية الجسم من حدوث التبلور غير المرغوب فيه، ولكن هذه العملية تشجع أيضا على تكوين جسيمات نانوية تحت ظروف معينة.
وتستطيع العديد من المعادن أن تكون تجمعات بشكل تلقائي في الطبيعة، ويمكن لتلك المعادن أيضا أن تظهر ميلا إلى تكوين بلورات. فالكالسيوم، على سبيل المثال، يرتبط بنهم بالكربونات والفوسفات مكونا بلورات الكالسيتcalcite والأپاتيت. ومن ثم، فإن أي جزيء يكون لديه قابلية عالية للارتباط بالكالسيوم أو بلورات الأپاتيت غير الناضجة، سواء كان هذا الجزيء پروتينا، أو دهنا أو أي جزيء آخر مشحون، فمن الممكن أن نعتبره مثبطا لعملية التكلس بمعنى أنه يستطيع أن يتداخل مع عملية التبلور عن طريق الارتباط بالمعادن. وفي داخل الجسم، فإن ارتباط الپروتين بالكالسيوم والبلورات غير الناضجة سوف يكون الهدف منه هو إما تخزين تلك المركبات المعقدة أو إزالتها.
تؤدي الإزالة المنتظمة للمعادن إلى منع الترسيب غير الطبيعي للكالسيوم والذي يسبب المرض. ولكن، هناك حاجة مستمرة إلى الكثير من الپروتينات لكي تقوم بالارتباط بالمعادن، وإذا حدث أن فاقت كمية المعادن ما هو متاح من پروتينات مُثبطة، فإن ذلك يؤدي في النهاية إلى التغلب على ميكانيكية التثبيط. وعندما تتشبع مواقع الارتباط بالپروتينات بالمعادن، فإن الپروتينات المرتبطة بالمعادن تعمل كبذور لتكوين البلورات، مما يؤدي إلى عملية لا ينتج منها فقط حدوث ظاهرة البكتيريا النانوية وإنما تسبب حدوث عمليات تكلس غير طبيعية، مثل تكون الحصى وتكلس الشرايين. وكمسببات محتملة للأمراض، فإنه يجب في المقام الأول النظر إلى هذه الجسيمات النانوية على أنها أجزاء من دورة أكبر للتنظيم الطبيعي للكالسيوم. فالسبل التي يتم من خلالها تكوين معقدات المعادن مع الپروتين والتي تم وصفها هنا، لها بالطبع دور في تكوين العظام أيضا. ومن ثم، فإنه بدلا من أن تكون الترسبات الكلسية سببا لحدوث أمراض تتضمن التكلس غير الطبيعي، فإنها قد تمثل النتيجة النهائية لعيوب استقلابية تؤثر في عملية تثبيط المعادن وإزالتها.
ومن السابق لأوانه الآن أن نعرف كيفية ترجمة مثل هذه الرؤى إلى أساليب علاجية. ولكن، من المحتمل أن يتم تفسير كافة الاكتشافات السابقة حول البكتيريا النانوية اعتمادا على مفهوم التثبيط/التبذر inhibition/seeding concept. فعن طريق زيادة الحجم من خلال الاندماج، على سبيل المثال، فإن هذه الكريات المعدنية-الپروتينية يمكنها أن تتطور وتلتحم مع بعضها لتكون مغازل spindles، ثم طبقات رقيقة في النهاية. ومن الممكن الآن توثيق وتفسير هذه التغيرات الشكلية على أنها نتيجة التفاعل البسيط بين الپروتينات والمعادن، مع نجاح المعدنة في الحدوث في النهاية. ووفقا لفرضيتنا، فإن الجسيمات الشبيهة بالبكتيريا النانوية تظهر في أطباق الزرع culture dishes نتيجة لغياب طرق فعالة لإزالتها داخل الجسم. ومن الممكن النظر الآن إلى البكتيريا النانوية التي تم وصف وجودها في المزارع الخلوية على أنها نواتج ثانوية بسيطة لعمليات طبيعية لاستقلاب الكالسيوم تحت ظروف ثابتة.
وقد أظهرت جميع جسيمات البكتيريا النانوية التي استطعنا تجميعها من الدم ومن سوائل الجسم الأخرى تركيبا كيميائيا بسيطا من الممكن توقعه، وهو تركيب يعكس طبيعة وحدات البناء building blocks المتوفرة في الوسط المحيط بها. فعن طريق تغيير تركيب هذا الوسط، نستطيع أن نغير وبسهولة تكوين الجسيمات النانوية، ويمكننا اليوم أن نقوم بهندسة جسيمات شبيهة بالبكتيريا النانوية ليكون لها أي تركيب يتم تحديده. وعن طريق الاستفادة من هذه العملية، أمكن لنا إنتاج عائلة كاملة من المركبات الأيونية المرتبطة بيولوجيا والمتشابهة تركيبا وأطلقنا عليها بيونات bions. وتظهر البيونات في مختلف الأحجام والأشكال وهي تحاكي أشكالا بيولوجية تبدو غير حية يمكن استخدامها لتفسير الطبيعة غير الحية للجسيمات النانوية، ومن المأمول منها أن توضح كيفية تصنيع واندماج مواد البناء المكونة من وحدات متناهية الصغر في الطبيعة.
إن فهم كيفية تكوين مثل هذه الجسيمات الصغيرة والمكونة من معقدات من المعادن مع جزيئات عضوية في الطبيعة يمكن أن يساعد على فهم آلية ظهور الحياة على الأرض منذ بلايين السنين. فمن الممكن أن نتصور أن المعادن المكونة لمعقدات مع الجزيئات العضوية الصغيرة قد أمكنها من خلال عملية تضاعف ذاتي self-replication تشبه عملية نمو الجزيئات النانوية، أن تكون وحدات البناء الأولى في الحياة وأن تتمكن من الوجود بشكل مستديم. فمثل هذه المعقدات المعدنية – العضوية يمكن أن تكون قد قامت بحماية العمليات المرتبطة بالحياة وساعدت على تقسيمها إلى مجموعات وربما تكون قد عملت بنفسها كمراكز لتحفيز هذه العمليات الحيوية. ويظل ذلك إمكانية محتملة، نعكف حاليا على دراستها.
إن التوصل أخيرا إلى أن مجالا واسعا من عمليات التكلس التي يتم ملاحظتها في الطبيعة وفي العديد من الأمراض المزمنة يمكن فهمه في سياق التفاعلات الجزيئية بين الپروتينات والدهون والمعادن وغيرها من المواد الأخرى هو أمر مثير جدا للاهتمام. وخلافا لفرضيات البكتيريا النانوية والتي جرى الدفاع عنها في الماضي، فإن الفهم الحالي للجسيمات المعدنية – العضوية(8) الموجودة في الطبيعة سوف يسمح للعلماء بأن يتقدموا إلى الأمام في الكشف عن الكيفية التي يمكن من خلالها أن تفيد هذه الكائنات المتناهية الصغر الحياة، حتى وإن لم تكن هي بالذات حية.
المؤلفان
<يونگ> أستاذ كرسي بجامعة تشانگ جيونگ وجامعة مينجتشاي للتقانة بتايوان ويرأس معمل المواد النانوية Nanomaterials بجامعة تشانگ جيونگ. يتركز اهتمامه البحثي بشكل أساسي على فهم التفاعلات بين المواد العضوية وغير العضوية وأثرها في صحة الإنسان. وقد شغل <يونگ> منصب رئيس مختبر المناعة والبيولوجيا الخلوية الجزيئية في جامعة روكفيلر، التي يعمل بها كأستاذ مشارك.
<مارتل> طالب دكتوراه بمعهد الدراسات العليا في العلوم الطبية الحيوية بجامعة تشانگ يونگ. وقد جاء من مدينة شيربروك، بإقليم كيوبك بكندا، لينضم إلى مجموعة <يونگ> بتايوان لدراسة الميكروبات الممرضة بالدم والأسس العلمية المحتملة لأساليب العلاج البديلة. |
John D. Young | Jan Martel |
مراجع للاستزادة
Nanobacteria: An Alternative Mechanism for Pathogenic Intra- and Extracellular Calcification and Stone Formation. E. Olavi Kajander and Neva Ciftcioglu in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 95, No. 14. pages 8274- 8279; July 7,1998.
Purported Nanobacteria in Human Blood as Calcium Carbonate Nanoparticles. Jan Martel and John Ding-E Young in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 105, No. 14. pages 5549-5554; April 8,2008.
Putative Nanobacteria Represent Physiological Remnants and Culture By-products of Normal Calcium Homeostasis. John D. Young et al. in PLoS ONE, Vol. 4. No. 2. page e4417; February 9. 2009.
Characterization of Granulations of Calcium and Apatite in Serum as Pleomorphic Mineralo-Protein Complexes and as Precursors of Putative Nanobacteria. John D. Young et al. in PLoS ONE. Vol. 4, No. 5. page e5421; May 1,2009.
(*) The Rise and Fall of Nanobacteria
(**) Too Tiny for Life?
(***) The Smallest LIFE-FORM
(****) Early Excitement
(*****) The Smallest Pathogens
(******) Looking Alive
(*******) Recipe for Nanobacteria
(********) Building Nanobacteria
(*********) MINERAL MANAGEMENT
(**********) What´s Really Going On
(1) The Red Planet = Mars: المريخ.
(2) nanobacteria
(4) the intermediate molecules
(5) self-nucleating
(6) geometric prisms
(7) fetuin-A
(mineral-organic particles(8