تبدأ خلايانا بخيانتنا مع تقدمنا في السنّ.
ومن خلال كشف ألغاز الشيخوخة، قد يتمكن
العلماء من إطالة أعمارنا ونحن بصحة أفضل.
<Th.كيركوود>
مفاهيم مفتاحية
يستمر متوسط عمر الإنسان بالازدياد، وقد بدأ بعض العلماء بالتفكير في شأن ما إذا كان هذا التوجه سيستمر إلى ما لانهاية.
لا تشيخ جميع الأنواع الحية، وتشير بعض الأبحاث إلى أن باستطاعة الأدوية أو تعديل الغذاء أن يبطئا عملية الاستقلاب (الأيض)(1)metabolism أو يعدّلا الآليات الأساسية للشيخوخة؛ بحيث نستطيع العيش مدة أطول. وعلى أية حال، فإن جميع الاستراتيجيات المقترحة بشأن إطالة العمر، مازالت غير مؤكدة.
محررو ساينتفيك أمريكان
إذا أُعطيت لك الحرية المطلقة لتخطط لنهاية حياتك – آخر الأسابيع والأيام والساعات والدقائق – فماذا تختار؟ هل تود، مثلا، أن تبقى بصحة جيدة، ثم تنتهي بسرعة؟ كثير من الناس يقولون إنهم يفضلون هذا الخيار، ولكن لي هنا ملاحظة مهمة وهي أنه إذا كنت تشعر في إحدى اللحظات بأنك في صحة جيدة ، فإن آخر ما يمكن أن تتمناه، هو أن تسقط ميتا في اللحظة التالية. أما بالنسبة إلى محبيك من أفراد العائلة والأصدقاء، فسيعانون فجأة شدة الحزن والأسى؛ حيث ستمثل وفاتك خسارة قاسية لهم. وعلى الجانب الآخر، فإن التعايش في النهاية مع مرض عضال لا أمل في شفائه، ليس بالشيء المستحسن أيضا. ناهيك عن كابوس فقدان أحد الأحباء في ظلمات تدهور قواه العقلية وإصابته بالخبل.
كلنا نفضل تجنب التفكير في نهاية الحياة. ومع ذلك فمن المفيد – على الأقل في بعض الأحيان- أن نطرح مثل هذه الأسئلة، ليس فقط لأنفسنا، بل أيضا من أجل التحديد السليم لأهداف السياسة الطبية والأبحاث. ومن المهم أيضا أن نستوضح مدى إمكانية خدمة العلم للجهود الرامية إلى الاحتيال على الموت.
نحن نعيش أطول(**)
كثيرا ما يقال إن علاقة أسلافنا بالوفاة كانت سهلة وبسيطة؛ ولعل ذلك يعزى إلى أنهم كانوا يرونها حولهم بكثرة. ففي الغرب، وقبل نحو مئة سنة، كان عمر الإنسان المتوقع يقل بنحو 25 سنة عما هو عليه الآن. وتعزى هذه الحقيقة إلى وفاة كثير من الأطفال والشباب في سن مبكرة لأسباب عدة. وقد توفي ربع عدد الأطفال قبل بلوغهم سن الخامسة بسبب العدوى، وكثيرا ما توفيت الأمهات نتيجة مضاعفات الولادة، وكان واردا أن يتوفى بستاني شاب بعد خدش يده بشوكة أحد النباتات نتيجة حدوث تسمم دموي.
وقد أدى التحسن الكبير في الإجراءات الصحية العامة والرعاية الطبية والذي حدث خلال القرن الماضي، إلى انخفاض جذري في معدلات الوفيات في الأعمار الصغيرة والمتوسطة، التي صار الناس الآن يتخطونها ويعيشون إلى ما بعدها بكثير، وأضحى الجمهور ككل أكبر سنا من أي وقت مضى. ومازال متوسط العمر المتوقع حول العالم بازدياد. وقد بلغ معدل الزيادة في الدول الغنية نحو خمس ساعات في اليوم الواحد، أما في كثير من الدول النامية اللاحقة بالدول المتقدمة، فإن الزيادة ترتفع بمعدل أكبر. وصار السبب السائد للوفاة الآن هو الشيخوخة ذاتها، وما ينتج منها من أمـراض، مثل السـرطان الذي يـدفـع بالخلايـا إلى التكـاثـر خارج نطاق التحكم، أو مرض ألزهايمر – على الطرف الآخر – الذي يتسبب في الموت المبكر لخلايا الدماغ.
وفي الزمن الحديث، وحتى عام 1990، توقع خبراء الدراسات الإحصائية للسكان (الديموگرافيّون) بكل ثقة، قُرْبَ التوقف التاريخي للزيادة المطردة في الأعمار، واعتقد كثير من الباحثين أن الشيخوخة عملية ثابتة، أي إنها مبرمجة ضمن جهازنا الحيوي وتفضي إلى الموت الموقوت.
ولم تخطر على بال أحد الزيادة المطردة في الأعمار، فقد فاجأت رجال السياسة والمخططين. ومازال العلماء يحاولون استيعاب حقيقة أن عملية الشيخوخة ليست ثابتة، وأن متوسط عمر الفرد لم يصل بعد إلى حد معـين. فهي تتغيـر وتستمر بالتغير، وتمتـد لأسباب لا نفهمها بالكامل. غير أن انخفاض معدلات وفيات الطاعنين في السن، يفضي بتوقعات طول الحياة إلى معدلات غير محسوبة. وإذا تهاوت اليقينيات السابقة بشأن شيخوخة الإنسان، فماذا يتبقى؟ وماذا يعرف العلم في الواقع عن عملية الشيخوخة؟
ليس من السهل دائما قبول أفكار جديدة؛ لأن العلماء أنفسهم بشر أيضا، وقد نشأنا جميعا ولدينا مفاهيم مسبقة جامدة بشأن ما يتصل بكيفية شيخوخة الجسم. وقد حدث منذ بضع سنوات، عندما كنت أصطحب عائلتي في رحلة بالسيارة في إفريقيا، أن دهستُ معزة فماتت على الفور. وعندما شرحت ما حدث لابنتي ذات السنوات الست، سألتني: «هل كانت المعزة صغيرة أو عجوزا؟» وانتابني الفضول عن سبب سؤالها، فأجابتني قائلة: «إن الأمر لا يدعو إلى كثير من الأسى إذا كانت عجوزا؛ لأنها لن تعيش طويلا على أية حال». وقد تركت إجابتها أثرا عميقا في نفسي؛ فإذا كانت مواقفنا من الموت تتشكل منذ هذه السن المبكرة، فلا عجب إذن، أن يجد العلماء الآن صعوبة شديدة في التلاؤم مع حقيقة أن معظم ما ظننا أننا نعرفه عن الشيخوخة، هو خطأ في الواقع.
[مقياس طول العمر]
إلى أي قدر يمكن للحياة أن تطول؟(***)
ارتفع المتوسط المتوقع للأعمار على مدى المئة سنة الماضية في الولايات المتحدة، وفي العالم أجمع (الرسم البياني). وعلى أية حال، تشير الدلائل إلى أن قيودا حيوية تمنع معظم الأنواع الحية من تخطي الحدود العمرية الخاصة بذلك النوع (في الأسفل). ويأمل الباحثون بأن التدخلات الهادفة إلى حلحلة هذه القيود، سترفع من الحد الأقصى لطول العمر الحالي، أو ستساعد الناس – على أقل تقدير – على البقاء في صحة جيدة مُددا أطول مما هي عليه الآن.
الأعمار تطول: لقد أدى التقدم في الطب والإجراءات الصحية العامة إلى إطالة الأعمار في الولايات المتحدة وحول العالم.
ولكن الحدود موجودة : يعتمد الحد الأقصى لعمر أحد الأنواع الحية، بما في ذلك الإنسان، على عوامل بيولوجية (يمكن للمتعضيات البسيطة simpler organisms الوصول إلى أعمار أطول كثيرا من الكائنات الأكثر تعقيدا)، وعوامل بيئية ( تحث الظروف المحيطة الخطرة على تكاثر سريع وشيخوخة سريعة ووفاة مبكرة).
(الحدود القصوى المسجلة لطول العمر (بالسنين، في الطبيعة
ولاستكشاف التفكير الحالي حول آليات التحكم في الشيخوخة، دعونا نبدأ بتصور أحد الأجساد في آخر مراحل حياته. إنه يتنفس للمرة الأخيرة، ثم يُطْبِق الموت، وتنتهي الحياة. وفي هذه اللحظة، تكون معظم خلايا الجسم مازالت حية؛ ودون أن تدري بما حدث، فإنها تستمر – بأفضل ما تسمح به قدراتها – بأداء وظائفها الداعمة للحياة، مثل استقطاب الأكسجين والمواد المغذية من البيئة المحيطة بها وتسخيرها لتوليد الطاقة اللازمة لصنع الپروتينات (المكونات العاملة الأساسية في الخلايا) وتنشيطها ولدعم المكونات الأخرى للخلايا.
وبعد برهة قصيرة، وإثر حرمانها من الأكسجين، تموت الخلايا. وبموتها تأتي النهاية الهادئة لشيء ضارب في القدم. وإذا توفرت السجلات، فبإمكان خلية مفردة تموت في الجسم أن تتيح لنا تعقب أسلافها، خلال سلسلة متصلة من انقسام الخلايا، وتتبع ماضيها عبر – ما يفوق التصور – نحو أربعة بلايين سنة – حين انبثق أول أشكال حياة الخلايا على كوكب الأرض.
إن الموت حقيقة مؤكدة، ولكن لدى بعض خلاياك – على الأقل – خاصية مدهشة، أقرب ما تكون إلى الخلود. وعندما تحدث وفاتك، فإن عددا قليلا من هذه الخلايا سيكمل هذا الخط الخلودي ويحمله إلى المستقبل، وهذا فقط إذا كان لك أطفال. وتنجو خلية واحدة من جسدك من مصير الفناء – خلية منوية أو بويضة – لكل طفل حي. ومن ثم، يولد الأطفال وينمون وينضجون ويتكاثرون، وهكذا تستمر الأمور.
للتو يكشف المشهد الذي تصورناه، ليس فقط عن مصير جسمنا الفاني، أو «الجسد» “soma” المتكون من جميع الخلايا غير الوراثية، بل أيضا عن الخلود شبه الإعجازي لسلسلة خط الخلايا the cellular lineage التي ننتمي إليها. ويتمثل اللغز المحوري في علم الشيخوخة، الذي ينبثق منه كل شيء آخر، بتساؤلات مثل: لماذا تمتلك معظم الكائنات أجساما فانية؟ ولماذا لم يؤدِّ التطور بجميع خلايانا إلى التمتع بخاصية الخلود الظاهري لسلسلة خط خلايا التناسل the reproductive lineage، أو الخط الإنتاشي germ line كما يتمثل بالحيوانات المنوية والبويضات؟ وقد جرى تعرف هذا اللغز لأول مـرة من قبل العالِم الطبيعي الألمـاني <A.وايسمان> في القرن التاسع عشر، وخطر على بالي أحد الحلول أثناء استحمامي في إحدى ليالي شتاء عام 1977. وأعتقد أن الإجابة، التي يطلق عليها الآن نظرية الجسد الذي يمكن الاستغناء عنه thedisposable soma theory، تمضي شوطا بعيدا نحو تفسير سبب شيخوخة بعض الأنواع الحية كما نلاحظها اليوم.
لِمَ نشيخ كما هو عليه حالنا(****)
يمكن فهم النظرية على أفضل وجه، بالنظر إلى التحديات التي تواجهها الخلايا والمتعضيات المركبة complex organisms في سبيل محاولتها البقاء على قيد الحياة. فالخلايا تتعرض للتلف باستمرار؛ حيث تحدث تغييرات وطفرات في الدنا DNA، وتتلف الپروتينات، وتقوم الجسيمات الحرة – العالية القدرة على التفاعل – المعروفة باسم الجسيمات الشاردة free radicals بتمزيق جدران الخلايا، والقائمة أطول من ذلك بكثير. وتعتمد الحياة على دوام نسخ البيانات الجينية وترجمتها، ونحن نعلم مدى تميز الآلية الجزيئية التي تتناول هذه الأمور، لكنها بالتأكيد لا تبلغ حد الكمال. ومع أخذ هذه التحديات جميعها في الحسبان، فإن عدم فناء سلسلة الخط الإنتاشي، شيء مدهش حقّا.
[نظرية عن الشيخوخة]
كيف تنشأ الشيخوخة عن المقايضة(*****)
وفق نظرية المؤلف بشأن الجسد المستغنى عنه؛ فإن الشيخوخة تحدث حيث يتعين على جسدنا المفاضلة بين التكاثر والبقاء في حالة جيدة من الإصلاح. ومع وضع محدودية الإمداد بالطاقة في الحسبان، فإن الكمية التي توجه نحو صنع الحيوانات المنوية والبويضات وصيانتها، تحيد بالميزان بعيدا عن الإبقاء على سائر خلايا الجسد، مثل الجلد والعظام والعضلات وغيرها، في حالة جيدة. ونتيجة لذلك، يتراكم التلف مع مرور الزمن، ويتسبب في النهاية باعتلال أحد أجهزة الجسم أو غيره. وعندما يتجاوز القصور حد الإصلاح، تحدث الوفاة.
.كيفية تخصيص الطاقة في الجسم
يؤدي ضعف إصلاح الخلايا وتراكمه إلى الوهن التدريجي
الدماغ:
قد تبدأ الذاكرة، وكذا الوقت اللازم لردود الفعل، بالنقصان في حوالي سن السبعين.
العينان:
تبدأ صعوبة التركيز على الأشياء القريبة في الأربعينات من العمر. وفي السبعينات، تقل قدرة رؤية التفاصيل الدقيقة ، وتزيد الحساسية للوميض، كما تقل القدرة على الرؤية في الضوء الخافت وكذا ملاحظة الأشياء المتحركة.
الرئتان:
تقل القدرة القصوى على التنفس بمقدار 40في المئة ما بين العشرين والثمانين من العمر.
القلب:
يقل معدل ضربات القلب أثناء بذل أقصى جهد عضلي بمقدار 25 في المئة، ما بين العشرين والخامسة والسبعين.
غضاريف الفقرات:
يمكن للضغط على الغضاريف الإسفنجية التي تفصل ما بين الفقرات، على مدى سنوات، أن يفضي إلى انزلاقها أو تمزقها أو بروزها؛ ثم تقوم الغضاريف، أو الفقرات ذاتها، بالضغط المسبب للألم على الأعصاب.
العظام:
يبدأ معدل فقد الأملاح من العظام في الزيادة على معدل إحلالها في سن الخامسة والثلاثين تقريبا، ويتسارع هذا المعدل لدى النساء بحلول سن انقطاع الطمث.
المفاصل:
تسبب الحركات المتكررة على مر السنين في نحول الأغطية الزلقة الواقية في المفاصل؛ مما يؤدي إلى خشونة احتكاك العظام ببعضها بعضا. وقد يتفاقم الألم في حال حدوث التهاب بالمفاصل (الفصال العظمي) osteoarthritis أو غيره من الأمراض.
الأوردة:
تنتفخ الأوردة في الأرجل وتلتوي (دوالٍ) عندما تقل كفاءة الصمامات الوريدية الصغيرة التي تنغلق مؤقتا تلو كل ضربة من ضربات القلب (للإبقاء على تدفق الدم إلى الأعلى نحو القلب)، ويؤدي ذلك إلى تجمع الدم. ويمكن لحالات الدوالي المتقدمة أن تُفضي إلى التورم والألم، وفي بعض الحالات النادرة، إلى حدوث جلطات تهدد الحياة.
إن الخلايا الحية تعمل باستمرار تحت تهديد التلف، وسلسلة الخط الإنتاشي ليست معصومة بحال من الأحوال. وترجع أسباب عدم فناء سلسلة الخط الإنتاشي كنتيجة كارثية لعدد من الأخطاء، إلى قدراتها الذاتية المعقدة على صيانة أنظمتها الخلوية، وكذا قدرتها على التخلص من أخطائها الجسيمة من خلال دورات مستمرة من المنافسة. ومع أن إنتاج الحيوانات المنوية يتم عادة بأعداد فائقة، إلا أنه لا يستطيع تلقيح البويضة إلا واحد فقط ممن يتمتعون بصحة جيدة. كذلك، فإن الخلايا الصانعة للبويضات يجري إنتاجها بأعداد كبيرة تفوق طاقة الإباضة؛ حيث تخضع مراحل خروج البويضة لإجراءات صارمة من أجل التحكم في الجودة، مستبعدة البويضات القليلة الجودة. وأخيرا، إذا أفلتت أخطاء من جميع هذه المراحل الرقابية، فإن الانتقاء الطبيعي(2)natural selection يفرض الحكم النهائي؛ حيث يُبقي الأصلح ليمد سلسلة الخط الإنتاشي، إلى الأجيال المستقبلية.
وكما أشار عالم التطور الأمريكي <G.ويليامز>، ونظرا إلى ما يتبدى عملا بطوليا خارقا، أي نمو جسد كامل معقد من خلية واحدة – البويضة الملقحة – تبدو المسألة بسيطة ومباشرة، لأن يستمر الجسد بالحياة إلى ما لانهاية. وفي واقع الأمر، إن غياب الشيخوخة، يبدو هو القاعدة في بعض المتعضيات المتعددة الخلايا. فهناك – على سبيل المثال – كائن الهيدرا hydra الذي يعيش في المياه العذبة ويتمتع بقدرة غير طبيعية على البقاء، ولا يقف الأمر فقط على ما يتبدى من أن الهيدرا لا تشيخ، بمعنى أن معدلات وفاتها لا تزيد مع تقدمها في العمر ولا تقل قدرتها على التكاثر، بل إنها قادرة كذلك على إنماء جسد كامل جديد حتى من الشظايا الصغيرة منها إذا تقطعت بالصدفة إلى قطع صغيرة. وبكل بساطة، يكمن سر الشباب الدائم للهيدرا في تخلل الخلايا الإنتاشيةgerm cells جميع أنحاء جسدها. وبذلك ينتشر الخط الإنتاشي في كل مكان، وليس مستغربا أن تستمر كل هيدرا واحدة بالحياة من دون توقع نهاية لها، ما لم تقع ضحية إصابة أو افتراس.
إلا أنه في معظم الحيوانات المتعددة الخلايا يوجد الخط الإنتاشي فقط في الأنسجة التناسلية، حيث تتكون كل من الحيوانات المنوية والبويضات. ويتيح هذا النمط من الترتيب مزايا كبيرة، بعد أن منح الفرصة – عبر تاريخ التطور الطويل – للخلايا الأخرى لتتخصص بوصفها خلايا عصبية أو عضلية أو خلايا كبدية، وغير ذلك مما هو مطلوب لنمو المتعضي المركب(3) سواء كان من الدينوصورات الثلاثية القرون، أو الإنسان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن لتقسيم العمل، توابع بعيدة المدى بشأن ما يتعلق بشيخوخة المتعضيات وطول عمرها المتوقع. وفور تخلي الخلايا المتخصصة عن دورها في استكمال مسيرة النوع، فإنها تهجر أيضا كل حاجة إلى الخلود، ويمكنها الموت بعد أن يمرر جسدها أسطورته الجينية من خلال الخط الإنتاشي إلى الجيل التالي.
تبادل المنفعة في نهاية المطاف(******)
إذن، ما المدة التي يمكن أن تحياها هذه الخلايا المتخصصة؟ وبقول آخر: ما المدة التي يمكن لنا وللمتعضيات المركبة الأخرى أن نحياها؟ تتعلق الإجابة – بالنسبة إلى أي نوع معين – إلى حد كبير بالتهديدات البيئية التي واجهها السلف أثناء تطوره وكذا بتكلفة الطاقة اللازمة للإبقاء على الأداء الجيد للجسد.
وإلى حد بعيد، تموت أكثرية المتعضيات الطبيعية natural organisms في أعمار صغيرة نسبيّا بسبب الحوادث والافتراس أوالعدوى أوالجوع. وعلى سبيل المثال، يقع الفأر البري تحت رحمة ظروف بيئية خطيرة للغاية. ويقتل بسرعة نسبية، حيث يندر أن يكمل سنته الأولى. ومن ناحية أخرى، فإن الخفافيش تتمتع بأمان أكثر لقدرتها على التحليق.
[إشارة إلى أدوية جديدة]
هل يمكننا إبطاء الشيخوخة؟(*******)
لا يوجد من يعرف كيفية إبطاء الشيخوخة لدى الإنسان. ولكن قد تتمخض الأبحاث الأكاديمية الأساسية عن أدوية تطيل العمر. فقد تؤثر بعض المواد في الاستقلاب (استهلاك الطاقة) بحيث تشابه الفوائد الملاحظة في الحيوانات (الشكل في الأسفل، إلى اليمين)، في حين يمكن أن تؤثر مواد أخرى في سلوك الخلايا المعطوبة (في الصفحة المقابلة).
النحافة وطول العمر: قد تقوم بعض الأدوية بإعادة توجيه الاستقلاب للخلية بحيث تميل كفة الميزان نحو صيانة الوظائف وإصلاحها ، وتبتعد عن التكاثر؛ وبذلك تحافظ على صحة أعضاء الجسم لمدة أطول. وقد أوضحت الأبحاث على الذباب والديدان والفئران أن تقليص استهلاك الكالوريات (السعرات الحرارية) calories يطيل متوسط أعمارها مقارنة بالحيوانات التي تتناول أغذية طبيعية (الرسم البياني). ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان تحديد السعرات سيحدث أثرا مماثلا في الإنسان.
.تحديد الكالوريات يطيل عمر الحيوانات
.تحديد تناول الكالوريات يؤثر في أسلوب تخصيص الطاقة
شفاء الخلية العليلة: ستتوفر أساليب جديدة لإبطاء الشيخوخة، من خلال تعلم كيفية التعامل مع الخلايا المعطوبة. وكثيرا ما تُقدم هذه الخلايا على الانتحار في عملية تسمى الموت الخلوي المبرمج (الاستماتة) أپوپتوسيس Apoptosis. فإذا فشلت في ذلك، فإنها قد تبدأ بالتكاثر غير المنضبط وتتحول إلى خلايا سرطانية، أو تدخل في حالة من الانغلاق؛ حيث تستمر بالعمل ولكن لا تتكاثر (المسارات السوداء). ومن الناحية النظرية، فإن إنقاذ الخلايا العليلة من الانتحار أو الانغلاق وحثها على عودتها إلى صباها (المسارات البرتقالية)، يمكن أن يحمي الأعضاء من الآثار غير المرغوب فيها للخلايا المعتلة. ومازال الباحثون في مراحل مبكرة من اختبار هذه الاحتمالات، التي يأملون بأنها ستقود إلى أدوية علاجية جديدة.
إن الإبقاء على الجسد مسألة مكلفة، والموارد محدودة في العادة. وفيما يتعلق بإجمالي كمية الطاقة المستهلكة يوميّا، فجزء منها قد يستهلكه النمو، وجزء ثان يذهب إلى النشاط العضوي والحركة، وجزء ثالث إلى التكاثر. وبعيدا عن كل ذلك، قد يجري تخزين جزء من الطاقة على شكل دهون، تحسبا لأوقات نقص الموارد الغذائية. وهناك جزء كبير يستغل لمجرد إصلاح التلفيات التي لا تحصى وتقع في كل ثانية من حياة المتعضي. هذا، ويذهب جزء من هذه الموارد إلى قراءة كود code الجينات المتعلقة بالبناء المستمر للپروتينات وغيرها من الجزيئات الأساسية. كما يخصص جزء آخر للتخلص من جزيئات النفايات، وهي آليات متعطشة دائما إلى الطاقة.
وهنا تأتي نظرية الجسد الذي يمكن الاستغناء عنه(4)، وتمضي النظرية على الوجه التالي: كأي إنسان صانع لأحد المنتجات اليومية – سيارة أو معطف على سبيل المثال – فإن على الأنواع الحية المتطورة أن تجري عملية مقايضة، وليس عليها أن تدفع شيئا لتستثمر من أجل البقاء حية إلى الأبد، إذا كانت البيئة تحمل لها احتمالات الموت في إطار زمن تقريبي متوقع. أما من أجل استمرار حياة النوع، فيحتاج الجينوم genome في الأساس، إلى إبقاء المتعضي في صحة جيدة، مع تمكينه من التكاثر الناجح في غضون فترة حياته.
وفي جميع مراحل الحياة، حتى قرب نهايتها، يبذل الجسم أقصى ما يستطيع للبقاء حيّا. وفي قول آخر، إن الجسم ليس مبرمجا للموت، وإنما للحياة. ولكن تحت الضغوط الطاحنة لعملية الانتقاء الطبيعي، تنتهي الأنواع الحية إلى وضع أولويات استثماراتها في النمو والتكاثر، أي لدوام النوع، بدلا من بناء جسد يبقى للأبد. وعلى ذلك، تقود الشيخوخةَ عمليةُ تراكم متدرج بطول الحياة لمختلف أشكال الجزيئات المعطوبة وتلفيات الخلايا.
وبناء على ذلك، لا يوجد برنامج بيولوجي يملي موعد الوفاة بدقة. ولكن الأدلة المتزايدة تشير إلى قدرة جينات معينة على التأثير في طول الفترة التي نعيشها. وفي الثمانينات، اكتشف كل من <T.جونسون> و <M.كلاس> أثناء تجاربهما على الديدان الحلقية nematode worms الرفيعة، أحد الجينات ذات القدرة على إطالة العمر. وقد أطلق الباحثان على إحدى طفرات الجين اسم «العمر-1» age-1 بجدارة. حيث أطال متوسط العمر بمقدار 40 في المئة. ومنذ ذلك الحين، وجد الباحثون في العديد من المختبرات عددًا كبيرًا من الجينات ذات القدرة على زيادة عمر الديدان. كما تم تعرف طفرات مشابهة في حيوانات أخرى، تراوحت من ذبابة الفاكهة إلى الفئران.
ومعظم الجينات المطيلة للعمر، تغير من معدل الاستقلاب للجسم، أي أسلوب استخدامه للطاقة في أداء وظائفه الجسدية. وكثيرا ما وجد الباحثون أن هذه الجينات تؤدي دورا في الإشارات المختلفة لمسارات الإنسولين(5)، وهي محورية في تنظيم الاستقلاب. وجدير بالذكر أن باستطاعة سلسلة التفاعلات الجزيئية التي تشكل هذا المسار، التحويل الفعلي لنشاط المئات من الجينات الأخرى المسؤولة عن التحكم في جميع الخطوات المعقدة، المتعلقة بالحفاظ على الخلايا وإصلاحها. وفي واقع الأمر، يبدو أن إطالة العمر تتطلب بالتحديد، تغييرا في العمليات نفسها التي تحمي الجسم من تراكم التلف.
كذلك، فإن كمية الغذاء المتوفر تحرك معدل الاستقلاب بالزيادة أو بالنقصان. ومن المثير للدهشة البالغة، اكتشاف الباحثين منذ فترة بعيدة تعود إلى ثلاثينات (القرن المنصرم)، أن تغذية حيوانات التجارب (القوارض) بأقل من المعتاد، تطيل من أعمارها. ومرة أخرى، يبدو أن لتعديل الاستقلاب أثرا في معدل تراكم التلف؛ ذلك أن الفئران المعرضة لتقليل الغذاء، يزداد لديها عدد كبير من نشاط أنظمة الصيانة والإصلاح. وقد يبدو غريبا للوهلة الأولى، أن الحيوان المعرض لقلة الغذاء، يبذل طاقة أكبر – وليست أقل – على صيانة جسده. وعلى أية حال، لاشك في أن أوقات المجاعات هي أوقات سيئة للتكاثر، وهناك بعض الأدلة التي تشير إلى لجوء بعض الحيوانات أثناء المجاعات إلى إيقاف تكاثرها؛ وبذلك يتحول جزء كبير من رصيد طاقاتها المتبقية نحو الحفاظ على الخلايا.
عن الفئران والإنسان(********)
لقد جذبت ملاحظة العلاقة بين خفض استهلاك الكالوريات (السعرات الحرارية) calories وإطالة العمر، انتباه الناس الراغبين في إطالة أعمارهم. ولكن على هؤلاء، ملاحظة أن فعالية هذه الآلية ضعيفة جدّا بالنسبة إلينا؛ حيث إن معدل استقلابنا البطيء يختلف تماما عنه في المتعضيات التي جربت فيها هذه الاستراتيجية.
وفي واقع الأمر، فإن إطالة العمر أمكن إنجازها فعلا في بعض أنواع الديدان والذباب والفئران. فهذه الحيوانات، بما تتميز به من أنظمة حيوية قصيرة المدى وسريعة الإيقاع، لديها احتياج مُلح للتحكم في استقلابها بأسلوب يسمح بسرعة التأقلم تبعا لتغير الظروف المحيطة. ففي الديدان الحلقية – على سبيل المثال – تحدث معظم الآثار المدهشة بشأن طول العمر نتيجة طفرات نشأت لتتيح للديدان تعديل نموها إلى شكل مقاوم للضغوط كلما وجدت نفسها في بيئة غير مواتية، تتطلب منها – بصفة مبدئية – القيام برحلات طويلة للعثور على ظروف معيشية أفضل. وعلى أية حال، فنحن البشر لا نتمتع بالمرونة نفسها في التحكم في استقلابنا. ومن الطبيعي أن تحدث بعض الآثار الفورية في بعض من يقومون بحرمان أنفسهم من الطعام اختياريّا، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت – سنوات عديدة من الجوع – حتى يتضح إن كان لذلك أثر في مسيرة الشيخوخة، وبشكل خاص، طول العمر. وعلى أية حال، فإن هدف أبحاث الشيخوخة في الإنسان، هو تحسين صحته في أواخر عمره، وليس إطالة عمره مثل عُمر متشولح(6).
وهناك أمر آخر، في منتهى الوضوح، فجميع الديدان والذباب والفئران المطولة أعمارها، مرت بمراحل الشيخوخة. غير أن هذه الشيخوخة تحدث بسبب تراكم التلف حتى يأتي الوقت الذي تنهار فيه وظائف الجسد الصحية. ومن ثم، إذا أردنا في الواقع لنهايتنا أن تكون أفضل، فعلينا البحث في مناطق أخرى. ويتعين علينا – على وجه الخصوص – التركيز على إيجاد وسيلة آمنة للحد من التلف وتراكمه أو عكس مساره؛ ذلك التلف الذي يؤدي في النهاية إلى الهشاشة والعجز والمرض. ويمثل هذا الهدف أحد التحديات الكبرى اليوم، ويدعو إلى تضافر جهود الأبحاث المشتركة من مختلف التخصصات.
لا توجد إجابات سهلة(*********)
إن عملية الشيخوخة معقدة. وهي تصيب الجسد على جميع المستويات، من الجزيئات إلى الخلايا والأنسجة؛ كذلك فهي تتضمن الإضرار بعدد كبير من الجزيئات والأنسجة. وبصفة عامة، وعلى الرغم من حقيقة تراكم الضرر مع تقدم العمر، وأنه يحدث بمعدل أبطأ في بعض الخلايا عن غيرها (اعتمادا على مدى كفاءة أنظمة الإصلاح)، فإن إصابة أي خلية معينة، تحدث عشوائيّا، ويمكن أن تتفاوت شدة الضرر حتى بين خليتيْن متشابهتيْن لدى الشخص نفسه. وبناء على ذلك، فالجميع تصيبهم الشيخوخة ويموتون، ولكن الآليات تختلف كثيرا، وهو ما يضفي مزيدا من التأكيد إلى أن الشيخوخة لا تنشأ نتيجة برنامج جيني يحدد سرعة وصولنا إلى الوهن والوفاة. أما من أجل فهم تفاصيل كافية عن الشيخوخة؛ بحيث يمكن التدخل بأسلوب مناسب، يستهدف إبطال أو إبطاء نوع محدد من الخلايا، فيتعين علينا معرفة الطبيعة الجزيئية للأعطاب التي تحدث على مستوى الخلية وتدلف بها إلى الشيخوخة. فكم عدد العيوب التي يجب تراكمها قبل أن تعجز الخلية عن الاستمرار بوظائفها؟ وكم من الخلايا العليلة يجب أن يتراكم قبل أن تتبدى على أحد الأعضاء مظاهر المرض؟ وإذا اتفقنا على أهمية استهداف بعض الأعضاء أكثر من غيرها، فكيف نوفر الدقة اللازمة عند القيام بالتدخل؟
قد يكون ممكنا محاربة الشيخوخة بتعديل بعض الآليات التي تستخدمها الخلايا من أجل إبطال تراكم التلف. وجدير بالذكر أن إحدى الوسائل التي تستجيب بها الخلايا لكثرة تعرضها للإنهاك والبلى، هو أن تقتل نفسها؛ وقد رأى العلماء يوما أن هذا الإجراء الخلوي والمعروف علميّا باسم أپوپتوسيسapoptosis يمثل دليلا على ارتباط الشيخوخة ببرنامج جيني معين. هذا، ويزيد معدل انتحار الخلايا في الأنسجة المسنة، وهو ما يسهم – في حقيقة الأمر – في حدوث الشيخوخة. ولكننا نعلم الآن أن انتحار الخلايا يعمل في الأساس كإحدى آليات حماية الجسد «الأكبر» من الخلايا المصابة التي يمكنها – بصفة مبدئية – إحداث مشكلات جسيمة، وخصوصا تلك الخلايا التي تحولت إلى خلايا سرطانية.
ويحدث انتحار الخلايا بشكل أوسع في الأعضاء المسنة؛ حيث تكون خلاياها قد تعرضت للكثير من الأذى. وحَرِيٌّ بنا أن نذكر أن الحيوانات في الطبيعة نادرا ما تعيش طويلا حتى تصل إلى الشيخوخة. وقد تشكلت ظاهرة انتحار الخلايا للتعامل مع الخلايا التالفة في الأعضاء الشابة؛ حيث يتعين التخلص من عدد كبير من هذه الأقليات. فإذا ماتت خلايا كثيرة، فشل العضو في أدائه، أو أصبح منهكا. ولهذا فإن انتحار الخلايا يحمل في طياته الجانبيْن معا، الجيد والسيئ. فهو جيد عندما يتخلص من الخلايا ذات الخطورة الكامنة، وسيئ عندما يتخلص من عدد كبير من الخلايا. هذا، وتهتم الطبيعة بالإبقاء على شباب الخلايا أكثر من اهتمامها بمعالجة الضعف في السن المتقدمة؛ لذلك لا تعد جميع حالات انتحار الخلايا ضرورية في سنواتنا المتأخرة. ويأمل الباحثون بأن يتوصلوا في بعض الأمراض – مثل السكتة الدماغية – إلى وسيلة تضع حدّا لانتحار الخلايا الأقل تلفا؛ وبذلك يقل فقدان الخلايا الناجم عن السكتة ويتدعم الشفاء.
وبدلا من الموت، قد تقوم الخلايا القادرة بطبيعتها على التكاثر – في حالة إصابتها بأذى – باتخاذ مسار أقل حدة؛ حيث توقف ببساطة عملية الانقسام، وهو الأمر المعروف باسم: شيخوخة التكاثر replicative senescence. وقبل خمسين عاما، اكتشف <L.هايفليك> [الذي يعمل الآن بجامعة كاليفورنيا في سان فرنسسكو] أن الخلايا تميل إلى الانقسام في حدود عدد معين من المرات؛ – وهو المعروف الآن باسم «حدود هايفليك»(7) – ثم تتوقف بعده عن الانقسام. وقد أظهرت الأبحاث بعد ذلك أن الخلايا تتوقف عن الانقسام عندما تبلى الأغطية، أو القسيمات الطرفية(8) telomeres التي تقي الكروموسومات من التآكل، ولكن سائر تفاصيل شيخوخة الخلايا مازالت غير واضحة حتى الآن.
لقد قمت حديثا مع زملائي بتحقيق اكتشاف مثير. فقد وجدنا أن لكل خلية دوائر جزيئية معقدة لمراقبة مستوى التلف في كل من الدنا، وكذا في وحداتها المسؤولة عن توليد الطاقة والمعروفة باسم المتقدرات mitochondria. وعندما تتعدى كمية التلف حدّا معينا، تحبس الخلية نفسها في حالة تسمح لها بأداء بعض الوظائف النافعة للجسم، ولكنها لا تنقسم إطلاقا بعد ذلك. وكما في حالة الانتحار الخلوي، لعل ميل الطبيعة نحو دعم حياة الشباب، يعني عدم الضرورة الصارمة لجميع هذه القيود والأقفال. ولكن إذ كان لنا أن نَفُضَّ الأقفال، معيدين بذلك بعض قدرة الخلايا المسنة على الانقسام، دون إطلاق مخاطر السرطان، فعلينا أن نفهم – بكل دقة – تفاصيل عملية شيخوخة الخلايا.
وقد تطلب العمل العلمي المضني اللازم لهذا الاكتشاف، تكوين فريق متعدد التخصصات، يضم اختصاصيين في البيولوجيا الجزيئية والكيمياء الحيوية والرياضيات وعلم الحاسوب، كما تطلب استخدام آخر ما توصلت إليه المعدات المختبرية لتصوير التلف في الخلايا الحية. أما إلى أين يمكن أن تقودنا مثل هذه الاكتشافات، فلا علم لنا بذلك حتى الآن. ولكننا نأمل في مثل هذا النوع من الدراسات، تحديد أدوية جديدة يمكنها التصدي لأمراض مرتبطة بالشيخوخة، بأساليب جديدة تماما؛ مما يقلل زمن الاعتلال الصحي في نهاية العمر. ولكن صعوبة إجراء هذا النوع من الأبحاث الأساسية، تعني احتمال مرور سنوات أو عقود عدة، قبل ظهور هذه الأدوية في الأسواق.
ويمثل استخدام علم الشيخوخة لتحسين نهاية الحياة، تحديا كبيرا، بل لعله التحدي الأكبر الذي واجه العلوم الطبية حتى الآن. ولن تأتي الحلول بسهولة، على الرغم من مزاعم تجار الخلود الذين يؤكدون إمكانية إطالة أعمارنا من خلال تحديد الكالوريات، أو استخدام بعض المكملات الغذائية مثل المادة «ريسڤيراترول» resveratrol. وسيحتاج الأمر إلى أعلى درجات الإبداع البشري لمواجهة هذا التحدي. وأعتقد أننا سنتمكن من التوصل إلى علاجات موجهة نحو تخفيف سنواتنا الأخيرة. ولكن عندما تأتي النهاية، فعلى كل منا – على حدة – قبول حقيقة أن الموت مقدر عليه. إذن علينا بالمزيد من المنطق أن نركز على حياتنا، وأن نحيا كأفضل ما يمكن؛ فلا يوجد شراب سحري لإنقاذنا.
المؤلف
Thomas Kirkwood
أستاذ الأمراض الباطنية ومدير معهد الشيخوخة والصحة بجامعة نيوكاسل في إنگلترا. ومن الكتب التي ألّفها، كتابه بعنوان «Time of Our Lives: The Science of Human Aging» والذي كتبه من أجل القارئ العام، وكذا كتاب «Chance, Development and Aging» (بمشاركة <C.فينش>) الذي يرصد فيه كيفية التفاعل بين الصدفة الداخلية والجينات والبيئة لتشكيل أسلوب نمو جسدنا وتطوره وشيخوخته.
مراجع للاستزادة
How and Why We Age. Leonard Hayflick. Ballantine Books, 1994.
Understanding Ageing. Robin Holliday. Cambridge University Press, 1995.
Why We Age: What Science Is Discovering about the Body’s Journey through Life. Steven N. Austad. John Wiley and Sons, 1999.
Understanding Ageing from an Evolutionary Perspective. T. B. Kirkwood in Journal of Internal Medicine, Vol. 263. No. 2, pages 117-127; February 2008.