أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الكيمياء الحيويةبيولوجياعلم النبات

استيلاد نبات الكسّاڤا لإطعام الفقراء


استيلاد نبات الكسّاڤا لإطعام الفقراء(*)

يُعَدُّ نبات الكسّاڤا (المنيهوت) ثالث أكبر مصدر للكالوريات (للسعرات الحرارية)
في العالم، ويمكن استيلاده بحيث يصبح محصولا أكثر إنتاجية وأعلى في
قيمته الغذائية، مما يساعد على التقليل من سوء التغذية في كثير من أقطار العالم.

<نجيب نصّار> ـ <R.أورتيز>

 

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/1-2/2011_01_02_04.jpghttp://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/1-2/2011_01_02_05.jpg

 

 

مفاهيم مفتاحية

   مع أن جذور الكسّاڤا هي المصدر الأساسي للكالوريات calories بالنسبة إلى الملايين من  سكان المناطق المدارية، إلا أنها فقيرة في الپروتينات، والڤيتامينات وفي المغذيات الأخرى.

  أنتج الباحثون أصنافا من الكسّاڤا ذات قيمة غذائية محسنة، وإنتاجية أكبر، وأكثر مقاومة للهوام والأمراض.

  من الممكن أن يؤدي الجمع بين الاستيلاد بالطرق التقليدية، وبين الجينوميات genomics والبيولوجيا الجزيئية، إلى تحقيق مزيد من التطورات. 

محررو ساينتفيك أمريكان

 

إن القوت الأساسي لأكثر من800 مليون نسمة حول العالم لا يتركز فقط على  القمح أو الذرة أو الأرز. ففي كثير من البلدان يتمثل القوت الرئيسي بالجذور المحتوية على النشا لنبات يحمل مسميات عديدة، مثل الكسّاڤا، والتپيوكةtapioca، والمنهوطmanioc، أو اليوكاyuca (الذي لا يجب الخلط بينه وبين نبات اليكة yucca العصاري). وفي الحقيقة، يسهم الكسّاڤا في رصيد  الكالوريات (السعرات الحرارية) في العالم بأكثر مما يفعل أي غذاء آخر، باستثناء الأرز والقمح، مما يجعله بالفعل موردا لا بديل له في جهود مكافحة الجوع. وفي جميع البلدان المدارية تسود زراعته كمحصول أُسريّ، حيث تقوم الأسرة بزراعته على رقع صغيرة من الأرض بما يكفي لاستهلاك أفرادها وحدهم، مع أنه في آسيا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية يُزرع هذا النبات تجاريا لاستخدامه علفا للحيوانات وفي المنتجات المعتمدة على النشاء. وعلى أية حال، فإن القيمة الغذائية لجذور الكسّاڤا متدنية: فهي تحتوي على كميات ضئيلة من الپروتين والڤيتامينات والمغذيات الأخرى كالحديد. ولهذا، فإن تحسين أصناف الكسّاڤا يمكن أن يسهم بفعالية في تخفيف سوء التغذية في الكثير من بلدان العالم النامي.

ولهذا الهدف، قام المؤلفان وزملاؤهما [في جامعة برازيليا] وغيرهم من الباحثين، بتكريس جهودهم في تخليق ضروب من الكسّاڤا تتسم بكونها أشد صلابة وأكثر إنتاجية وأعلى في قيمتها الغذائية، ولجعلها متاحة على نطاق واسع للمزارعين في البلدان النامية. وقد انصب معظم تركيز فريقنا على تطبيق تقنيات الاستيلاد breeding التقليدية لتخليق هجائن بين الكسّاڤا وأقاربه  البرية، للاستفادة من السمات التي تطوّرت في النباتات البرية على مدى ملايين السنين. وتتسم هذه المقاربة بكونها أقل تكلفة من الهندسة الجينية، كما أنها لا تثير المخاوف المتعلقة بالأمن البيولوجي التي تجعل بعض الناس يتخوفون من المحاصيل المحوّرة جينيا. وفي الوقت نفسه، فقد اهتم باحثون ومنظمات غير ربحية في البلدان النامية بإنتاج ضروب محوّرة جينيا من الكسّاڤا، وذلك لخدمة الأغراض ذاتها. ومن شأن الفتح العلمي الذي تحقق مؤخرا، والمتمثل بإكمال السَّلسَلَة المبدئية لجينوم genome الكسّاڤا، أن يمهد السبيل أمام مزيد من التحسينات.

محصول مداري مفضل(**)

إن النبات الشجيري المعروف باسم المنيهوت الصالح للأكل Manihotesculenta – وهو الاسم العلمي للكسّاڤا – مثله مثل أقاربه من الأنواع البرية التابعة لجنس المنيهوتManihot ، يعود منشؤه إلى البرازيل. قام المواطنون  البرازيليون الأصليون بتدجين هذا النبات لأول مرة، في حين نقله البحارة البرتغاليون في القرن السادس عشر إلى إفريقيا، وانتشر منها إلى جميع المناطق المدارية في آسيا، حتى وصل إلى إندونيسيا. وحاليا تنتج إفريقيا أكثر من نصف (51 في المئة) الإنتاج السنوي العالمي من هذا النبات، والذي يزيد على مئتي مليون طن متري؛ في حين تنتج منه آسيا وأمريكا اللاتينية 15 في المئة و34 في المئة على التوالي.

وتشبه جذور الكسّاڤا البطاطا الحلوة في شكلها، ومن الممكن أن تؤكل مباشرة، سواء نيئة أو مطبوخة؛ كما يمكن تحويلها إلى حبيبات، أو معجون أو دقيق. وفي إفريقيا وبعض أجزاء آسيا، يستهلك الناس أوراق النبات كخضراوات خضراء، التي تعمل كمصدر للپروتين – الذي تصل نسبته في أوراق الكسّاڤا الجافة إلى 32 في المئة – وللڤيتامينين:A و B.

 

[الإنتاج العالمي للكسّاڤا]

من هم منتجو الكسّاڤا؟(***)

   الكسّاڤا هو النبات المفضل لدى مزارعي الكفاف في جميع المناطق المدارية وخاصة في إفريقيا، حيث يتركز نصف كمية إنتاجه العالمي. ينمو هذا النبات بسهولة من العقل الصغيرة ويقاوم ظروف الجفاف ورداءة التربة، ومن الممكن أن تُقتلع جذوره في أي وقت من السنة للحصول على وجبة سريعة من الكالوريات. وكالعجائن الصينية noodles، أو الخبز أو الأرز، تصاحب الكسّاڤا أطباقا في مثل تنوع المطابخ المحلية؛ كما تُنتج في بعض البلدان بغرض التسويق التجاري.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/1-2/2011_01_02_06.png

 

ولا يحتاج الكسّاڤا إلا إلى قدر ضئيل من الاستثمارات والعمالة. كما أنه يتحمّل بصورة جيدة كلا من الجفاف والتربة الحمضية والقاحلة؛ وسرعان ما يتعافى من التلف الناجم عن الهوام pests والأمراض؛ كما أنه يمتلك قدرة هائلة  على تحويل الطاقة الشمسية إلى كربوهيدرات. وفي الحقيقة، ففي حين أن نسبة المادة الصالحة للأكل في الكساڤا تصل إلى 80 في المئة من إجمالي وزنها الجاف، فهي لا تتعدى 35 في المئة في محاصيل الحبوب الأخرى. إضافة إلى  ذلك، فمن الممكن زراعة الكسّاڤا في أي وقت من السنة، كما يمكن تأجيل حصاده لمدة قد تصل إلى شهور وحتى إلى عام كامل. ولهذا السبب، كثيرا ما يحتفظ المزارعون بجزء من محصولهم في الحقل دون حصاد كضرب من التأمين ضد الفترات غير المتوقعة التي يشح فيها الغذاء. ولهذا، فلا عجب أن أصبح الكسّاڤا المحصول المفضل لمزارعي الكفافsubsistencefarmers في جميع مناطق العالم  التي يسمح فيها المناخ بزراعته، لدرجة أنه أصبح جزءا لا يتجزأ من التقاليد وأنماط الطهي المحلية.

 

ثمة مجال للتحسين(****)

   مع أن الكسّاڤا مصدر متيسر للكالوريات بالنسبة إلى كثير من فقراء العالم، إلاّ أن الإفراط في الاعتماد عليه يمكن أن يؤدي إلى سوء تغذية. وعلى وجه الخصوص إنه يمثل مصدرا ضئيلا للپروتينات، وللڤيتامينين AوE وللحديد والزنك. ولهذا النبات عيوب أخرى، منها أنه:

سريع التلف إذا لم تتم معالجته بسرعة.

عادة ما تتم زراعته من العقل cuttings، مما يؤدي إلى تجانس زراعاته في بنيتها الجينية، بحيث يجعلها عرضة للهوام والإصابة بالأمراض.

إذا لم يُطبخ جيدا، فمن الممكن أن يتسبب تناول بعض أصنافه في التسمم بالسيانيد، مما قد يفضي إلى الشلل والوفاة.

 

وعلى أية حال، فإن لهذا المحصول مساوئه أيضا، فعمره التخزيني قصير، وإذا لم يتم طهوه أو تصنيعه فعادة ما يتعرض للتلف خلال يوم واحد. إضافة إلى هذا، ولأن نباتات الكسّاڤا المزروعة ضمن منطقة بعينها تميل إلى أن تكون متجانسة جينيا، يكون المحصول سريع التأثر: فالأمراض أو الهوام التي تُتلف نباتا واحدا يرجح أن تصيبها جميعا بالمرض. والأهم من هذا كله هو افتقار الكسّاڤا إلى المغذيات باستثناء الكربوهيدرات، مما يجعل من الخطر الاعتماد عليه كلية كغذاء.

تقانة التهجين(*****)

اهتم أحدنا (<نجيب نصّار>) بتحسين نبات الكسّاڤا منذ أن كان خبيرا زراعيا شابا في موطنه الأصلي مصر. ففي مطلع السبعينات – حينما اجتاحت بلدان جنوبي الصحراء الإفريقية مجاعة شاملة – قام بزيارة البرازيل لدراسة نبات الكسّاڤا في بيئته الأصلية. وقرر لاحقا أن ينتقل إلى البرازيل، حيث اكتسب المواطنة البرازيلية لاحقا. وفي عام 1975، أثناء عمله بجامعة برازيليا، تلقى منحة صغيرة من المركز الدولي الكندي للأبحاث التنموية، فبدأ بتجميع الأنواع البرية لنبات المنيهوت، التي يمكن استخدامها كمكتبة للسمات المفيدة التي يمكن إضافتها إلى نبات الكسّاڤا. وقد بدأ ترحاله لجمع العينات عبر القُطْرِ كله، في أحيان كثيرة على دراجة أو سيرا على الأقدام، ومن ثم جلبها إلى برازيليا. وتمكّن في النهاية هو وزملاؤه من استزراع35 نوعا مختلفا منها.

وستثبت الأهمية الحاسمة لمصدر التنوع البيولوجي هذا في تطوير أنواع جديدة من النبات، سواء في الجامعة أو خارجها. وفي عام1982 جاءت أولى  النتائج التي حققها فريق البحث، حيث أمكن تخليق سلالة هجينة عاليـة المحتوى الپـروتيني. نمطيـا، لا تحتوي جذور الكسّاڤا سوى على1.5 في المئة  من الپروتين، مقارنة بحبوب القمح التي تحتوي على نسبة من الپروتين تصل إلى7 في المئة أو أكثر. وعلى وجه الخصوص، تفتقر جذور الكسّاڤا إلى  الأحماض الأمينية الأساسية المحتوية على عنصر الكبريت كالميثيونين والليسين والسيتسئين. وهذا النوع الهجين الجديد يحتوي حتى 5 في المئة من  الپروتين. حاليا، تبحث الحكومة البرازيلية عن طرق لتقليل اعتماد البلاد على القمح المستورد، وذلك بإضافة نسبة من دقيق الكسّاڤا إلى القمح؛ ومن ثم سيساعد استخدام دقيق الكسّاڤا العالي الپروتين على المحافظة على المدخول اليومي من الپروتين لملايين البرازيليين.

 


أحد مزارعي الكسّاڤا يتفحص محصوله في بلدة هويلا في جبال الأندز الكولومبية.

 

 

[استيلاد متعارف عليه]

القديم يلتقي الحديث(******)

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/1-2/2011_01_02_08_a.jpg

   كثيرا ما تحمل الأنواع البرية للكسّاڤا، بما فيها النبات M.glaziovii الشبيه بالأشجار (في  اليمين)، صفات مفيدة للمحصول لكنها تفتقر إلى كثير من الصفات المرغوب فيها والموجودة في النوع المدجّن. وفي تقنية التزاوج التبادلي backcrossing التي أثبتت فاعليتها  على مر الزمن، يحصل المزارعون على التوليفة المناسبة من جميع الصفات المرغوب فيها من خلال إنتاج أجيال عديدة من الهجائن، وهي عملية كثيرا ما يعززها استخدام الطرائق الحديثة مثل الواسمات الجينية geneticmarkers، التي تكشف عن وجود صفة ما في البادرة (النبتة الصغيرة) seedling دون  الحاجة إلى الانتظار حتى تنمو إلى نبات ناضج.

كيف يُجرى الاستيلاد المُسَاعد بالواسمة(1)


http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/1-2/2011_05_06_071_a-.JPG


1-يتم تحديد الواسمات الجينية المتعلقة بالصفات المرغوبة في كل من الكسّاڤا ونوع بري (تعني النقطة الملونة أن الواسمة موجودة).

2- يتم تهجين البادرات واختبارها جينيا للصفات المرغوب فيها. وكل بادرة تحتوي على توليفة عشوائية من تلك الصفات.

3- يتم استزراع نبات من البادرة الهجينة الحاملة للصفات المرغوب فيها، ومن ثم تهجينه رجعيا بالكسّاڤا.

4- يتم اختبار البادرات الناتجة جينيا: قد يحتوي بعضها على جميع الصفات المرغوب فيها .( من الممكن أن تكرّر عملية الاستيلاد لأجيال عدة إلى أن يتم الحصول على الصفات المطلوبة).

 

إن تهجين الكسّاڤا بأقاربه البرية، إضافة إلى الاستيلاد الانتقائي بين ذراريstrains الكسّاڤا المختلفة، قد يساعد أيضا على خلق ضروب من الكسّاڤا تحتوي  على عدد آخر من المغذيات المهمة. وقد أوضحت أبحاث فريق جامعة برازيليا أن أنواعا بعينها من المنيهوت البري تكون غنية بالأحماض الأمينية الأساسية، وكذلك بالحديد والزنك والكاروتينويدات مثل اللوتين، والبيتا- كاروتين والليكوپين. ويمثل البيتا- كاروتين على وجه الخصوص مصدرا مهما للڤيتامينA، الذي يؤدي نقصه إلى تلف تدريجي (مترقٍ)(2) في العين – وهي مشكلة  خطيرة وواسعة الانتشار في المناطق المدارية من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وبالنظر إلى مكانة الكسّاڤا كغذاء أساسي في المناطق المدارية، فمن الممكن أن يسهم توافر أصناف عالية المحتوى من ضروب الكاروتينويدات في حل مشكلة أعواز الڤيتامين A في البلدان النامية. وخلال السنوات الثلاث  الماضية، تمكّن فريقنا البحثي من استيلاد سلالات من الكسّاڤا العالية الإنتاجية، التي تحتوي قدرا من البيتا – كاروتين يزيد بخمسين ضعفا على محتواه في نباتات الكسّاڤا العادية، ويجري حاليا اختبار هذه السلالات بالتعاون مع المزارعين المحليين.

 

وقد ركّز مشروع رئيسي آخر على تحوير الدورة التكاثرية لنبات الكسّاڤا. فالطريقة المعتادة تؤدي إلى تكاثر هذا النبات، عن طريق التأبير pollination، إلى إنتاج شتلات ذات أنواع غير متماثلة مع النبات الأم وكثيرا ما تكون أقل إنتاجية منه. ومن ثم، فعادة ما يلجأ المزارعون إلى إكثار الكسّاڤا بالعُقل الخضرية(3) من نباتات قائمة بدلا من بَذر البذور. وعلى أية حال، يسمح الإكثار  بالعُقل للڤيروسات والبكتيريا بتلويث النبات. وجيلا بعد جيل، تتراكم المتعضيات الميكرويةmicroorganisms حتى يأتي وقت تضعف فيه إنتاجية  النبات. ومثل أي نبات زهري، فإن بعض أنواع المنيهوت البرية، بما فيها أقارب الكسّاڤا الشبيهة بالأشجار من النوعM. glaziovii ، تتكاثر جنسيا ولاجنسيا؛ حيث تنمو البذور الناتجة لاجنسيا متحولة إلى نباتات تمثل نسائل clones للنبات الأم. وطوال أكثر من عقد من الزمن، كرّس فريق جامعة برازيليا جهوده في الاستيلاد بين الأنواع، حيث تم تهجين نبات الكسّاڤا بأحد الأنواع البرية، إلى أن تم مؤخرا إنتاج سلالة من الكسّاڤا يمكنها أن تتكاثر جنسيا ولاجنسيا، عن طريق إنتاج نوعين من البذور، كما تفعل الأقارب البرية لنبات الكسّاڤا. وبعد الانتهاء من الأبحاث الجارية، ستكون هذه السلالة جاهزة للتوزيع على المزارعين.

 

 

[الكسّاڤا المحوّرة جينيا] طريق التقانة البيولوجية(*******)

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/1-2/2011_01_02_09.jpg

بادرات الكسّاڤا المحوّرة جينيا

   بدأت الهندسة الجينية، التي تستخدم اليوم على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية، تؤتي أولى ثمارها في الكسّاڤا أيضا، ولكنه من غير المرجّح أن تتوفر الأنماط المحوّرة جينيا من النبات على نطاق واسع في المدى القريب. وهناك مخاوف من أن تقلص التمويل البحثي للطرق التقليدية الرخيصة والأكثر أمانا لتطوير أصناف جديدة. وقد تحققت تطوّرات كبرى في هذا المجال بواسطة مجموعة الباحثين الدولية Bio-CassavaPlus، فقد أنتجت المجموعة أصنافا غنية بالزنك، والحديد، والپروتين، والبيتا – كاروتين (وهو أحد مصادر الڤيتامين A) والڤيتامينEباستخدام جينات من متعضيات (كائنات حيـة) organisms أخـرى – بما فيها الطحالب والبكتيـريا والنباتات الأخرى.

وفي هذا السياق، يقول <R.ساير>، [وهـو البـاحث الرئيسي للمجموعة Bio-CassavaPlus، والذي يعمل في مركز دونالد دانفورث لعلوم النبات في سانت لويس] : «لقد حققنا هدفنا». بيد أن جميع الأصناف الهجينة الجديدة مازالت في طور التجارب الحقلية في مزارع اختبارية في پورتوريكو، كما تلقى البرنامج الضوء الأخضر لبدء التجارب الحقلية في نيجيريا. ويقول <ساير> إن عمليات التهجين التقليدية يمكنها إدخال البيتا- كاروتين إلى الكسّاڤا، إلا أنه في ما يتعلق بإدخال الحديد والزنك، فلم تُظهِر قدرة على ذلك حتى الآن سوى طرائق الهندسة الجينية. وفي الوقت نفسه، يعمل فريق <ساير> على دمج جميع تلك الصفات الجديدة في صنف واحد من النبات.

تموّل هذا المشروع مؤسسة بيل وميليندا گيتس وشركة مونسانتو. (لقد اشترطت مونسانتو في تمويلها أن تحتفظ بحق تقاضي رسوم على استخدام الأصناف الجديدة إذا زاد الدخل السنوي الإجمالي للمزارع على 10000 دولار).

أما <P.باير> [من جامعة فريبورگ بألمانيا] فيرى أن إنجازات المجموعةBio-CassavaPlus تمثل فتحا علميا كبيرا. إلا أنه يضيف قائلا: «على الرغم من ذلك، فإن المسافة بين ما وصلنا إليه الآن وبين المنتج النهائي لا تزال كبيرة.»

ولابد أن يعلم <باير> أن «الأرز الذهبي»goldenrice الذي أعلن هو وزملاؤه عن إنتاجه لأول مرة في عام 2000، والذي احتل غلاف مجلةTime، لم يحقق حتى الآن إلا الحصول على موافقة عدة دول. ويرى <باير> أن هندسة متعضيات جديدة قد تتم بسرعة، إلا أن إثبات مأمونيتها على البيئة وسلامة استخدامها للاستهلاك واستيلادها من أجل إنتاج أصناف سائغة للأذواق المحلية ليس كذلك: فهذا الأمر يستلزم عادة من10إلى 12 سنة. وفي هذا السياق، يقول <باير>: «يتمثل الأمر ببساطة بأن الهيئات التنظيمية لا تسمح لك بالمضي قدما بالسرعة نفسها التي تعمل بها على صنف تم استيلاده بالطرق التقليدية.»

إضافة إلى أنه ليس من الضروري أن تكون طرائق الهندسة الجينية أسرع من طرق الاستيلاد التقليدية؛ فهي أكثر تكلفة بكثير، وفي بعض الأحيان نجد أن الجين الذي يعمل بصورة جيدة في أحد المتعضيات لا يعمل على الإطلاق إذا نُقل إلى متعض آخر.

وعما تبشر به الهندسة الجينية، يعقّب <D.گوريان-شرمان> [من اتحاد العلماء المهتمين] قائلا: «كثير من الناس لديهم فكرة مبالغ فيها عن الموضوع»، ومن ثَمّ فهم يبحثون عن تمويل مبالغ فيه لأبحاثهم. ويستطرد قائلا: «أعتقد أنه من الخطأ الجسيم أن تضع جميع البيض في سلة واحدة» ، مضيفا أنه من واجب مؤسسات التمويل العامة أن تساعد على المحافظة على التوازن في هذا الصدد.

 

يمتلك النوع M.glaziovii جينات مفيدة أخرى يمكنها أن تسهم في إطعام الملايين من سكان الأراضي القاحلة. فالنبات المهجّن بالنبات من النوع M. glaziovii وبالكسّاڤا يحتوي على نوعين من الجذور التي يتسم بعضها، فيما  يشبه جذور الكسّاڤا، بأنه غنيّ بالنشا ومن ثم فهو صالح للأكل. أما النوع الآخر من الجذور فيمتد إلى مسافات طويلة تحت الأرض، مما يمكنه من الوصول إلى مصادر المياه الجوفية العميقة. تلك السمات تجعل هذه الهجائن من أفضل أنواع الكسّاڤا للمناطق شبه القاحلة، مثل شمال شرقي البرازيل أو بعض مناطق السڤاناsavanna في جنوبي الصحراء الإفريقية. وقد أظهرت  بعض هذه الأنواع مقاومة كبيرة للجفاف عند اختبارها من قبل المزارعين في پتروليناPetrolina ، وهي واحدة من أكثر مناطق البرازيل جفافا. ويقوم فريق  جامعة برازيليا حاليا بتحسين هذه الهجائن بحيث تجمع بين الإنتاجية العالية ومقاومة الجفاف، وذلك عن طريق مزاوجتها تبادليا backcrossing مع  صنف عالي الإنتاجية من الكسّاڤا، ومن ثم انتقاء نسل عالي الإنتاجية يمكن توزيعه على نطاق واسع.

وهناك نوع مختلف من المنابلة(4) – وهي تقنية التطعيم grafting التي ثبتت  فعاليتها على مر الزمن – يزودنا بطريقة أخرى لزيادة إنتاجية الجذور الدرنية لنبات الكسّاڤا، وهو ما اكتشفه فلاحـو إنـدونيسيا لأول مرة في الخمسينات من القرن العشرين. وقد أدى تطعيم نبات الكسّاڤا بسـيقان نباتين مثلM.glaziovii أوM. pseudoglaziovii (أو هجائن من الاثنين) إلى زيادة إنتاجية جذور  الكسّاڤا في المزارع التجريبية حتى سبعة أضعاف. ولسوء الحظ، ففي كثير من البلدان يعوق تطبيق ممارسة التطعيم عدم توافر مثل هذه الهجائن.

الوقاية من الآفات(********)

إلى جانب زيادة المحتوى الغذائي والإنتاجية، فقد أدّى الاستيلاد الانتقائي دورا بالغ الأهمية في مقاومة انتشار الآفات والأمراض. ومن بين أهم الإنجازات التي تحققت في علم الكسّاڤا، نجد تحسين المقاومة لڤيروس الكسّاڤا الفسيفسائي thecassava mosaicvirus . ففي العشرينات من القرن الماضي، أدى  انتشار هذا الڤيروس في إقليم تنجانيكا في شرق إفريقيا (تنزانيا حاليا) إلى حدوث مجاعة كبيرة، غير أن باحثَيْن إنگليزيَّيْن كانا يعملان في تنزانيا تمكنا من تهجين النبات من النوع M.glaziovii بنبات الكسّاڤا المزروع، ومن ثم تمكنا  من إنقاذ المحصول بعد نحو سبعة أعوام من الجهود المضنية. وفي السبعينات من القرن العشرين، عاد الڤيروس إلى الظهور مرة أخرى، مُهددا هذه المرة بعض المناطق في نيجيريا وزائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا). وعندئذ تصدى لمقاومة الڤيروس باحثو المركز الدولي للزراعة المدارية(IITA) في نيجيريا، واستخدموا النوع M.glaziovii وهجائنه المشتقة من مجموعة جامعة  برازيليا، ومن ثم تمكنوا مرة أخرى من إنتاج سلالات من الكسّاڤا المقاومة للڤيروس الفسيفسائي. وقد أدت السلالة التي تم تهجينها حديثا إلى نشوء فصيلة من سلالات الكسّاڤا المقاومة للڤيروسات، والتي تزرع الآن على مساحة تربو على أربعة ملايين هكتار في البلدان الإفريقية جنوبي الصحراء الكبرى؛ وخلال العقود التي تلت ذلك، أصبحت نيجيريا أكبر دولة منتجة للكسّاڤا في العالم. ومع ذلك، تخضع الڤيروسات للعديد من الطفرات الجينية، ومن ثم فمن المرجح في يوم ما أن تتمكن سلالات من الڤيروس الفسيفسائي من كسر حلقة المقاومة التي تتمتع بها أنواع الكسّاڤا المزروعة حاليا. وبناء عليه، سيكون من الضروري دائما القيام بعمليات الاستيلاد الوقائي لكبح جماح المرض.

تُعد حشرة البق الدقيقيPhenacoccusmanihoti التي تهاجم الكسّاڤا واحدة من  أشد الآفات التي تصيب هذا النبات في البلدان الإفريقية جنوبي الصحراء الكبرى. وهذه الحشرة، التي تقتل النبات بامتصاص عصارته، كانت لها تأثيرات مدمرة على وجه الخصوص في السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين؛ فقد دمرت مزارع ومشاتل الكسّاڤا إلى حد أنها هددت المحصول بالانقراض. وبحلول نهاية السبعينات، تمكّن باحثو المركز IITA بالتعاون مع  شركاء بحثيين من بلدان إفريقية أخرى ومن جنوب إفريقيا، من إدخال زنبور مفترس(5) من أمريكا الجنوبية تضع أنثاه بيضها داخل حشرة البق الدقيقي،  بحيث تقوم يرقات الزنبور في النهاية بالتهام حشرات البق الدقيقي من الداخل. وكنتيجة لهذه الجهود، أمكن السيطرة على الحشرة في معظم المساحات المنتجة للكسّاڤا في معظم البلدان الإفريقية خلال عَقْدَيْ الثمانينات والتسعينات؛ غير أنه في مساحات صغيرة من زائير لم يعمل هذا النظام بصورة جيدة بسبب ظهور مفترساتpredators تقضي على الزنبور الطفيلي  نفسه. وفي منتصف العقد الماضي، بحث فريق جامعة برازيليا في الأنواع البرية من المنيهوت عن حل جدير بالثقة لهذه المشكلة، فوجدوا سمات مقاومة لحشرة البق الدقيقي – مرة أخرى في النوعM. glaziovii. وفي الوقت الحالي، تُزرع هذه الأصناف من قبل صغار المزارعين في المنطقة المحيطة بالعاصمة برازيليا، ومن الممكن تصديرها إلى البلدان الأخرى إذا عاد وباء الإصابة بحشرة البق الدقيقي.

وبالنظر إلى المستقبل، نتوقع أن نحصل على صفات جديدة وقيّمة من استيلاد الخيمرات chimeras. والخيمر هو مُتَعض يمتلك نسيجين مختلفين جينيا ينموان جنبا إلى جنب بداخله. وهناك نوعان أساسيان من الخيمرات. ففي النوع الأول (الخيمرات القطاعية)، يمكن رؤية قطاعين مختلفين طوليا من النسيج في أحد الأعضاء النباتية، إلا أن نموهما يتسم بعدم الثبات لأن أحد النسيجين ينمو بوتيرة أسرع من الآخر، ومن ثَمّ فسرعان ما قد يحتل كامل مساحة النبتة بمفرده. وفي النوع الثاني من الخيمرات ويطلق عليه اسم الخيمر المحيطيpericlinal، يحيط الجزء الخارجي من النبتة بالجزء الداخلي، ومن ثم فقد يكون أكثر ثباتا من الخيمر القطاعي. وتجرى حاليا في جامعة برازيليا تجارب لتطوير طريقة للتطعيم يمكن بها إنتاج خيمرات محيطية ثابتـة باستخدام أنسـجـة من النوعM. glaziovii. ومن الممكن أن تؤدي هذه المقاربة إلى حدوث زيادة مستمرة في حجم الجذور كلما تمت زراعة ساق خيمرية.وقد أظهرت النباتات الخيمرية حتى الآن إنتاجية واعدة، كما يبدو أنها تتكيف بصورة خاصة مع جو المناطق شبه القاحلة.

مما سبق، نخلص إلى أن الكسّاڤا يجب أن تحتل أولوية كبرى بالنسبة إلى العلوم الزراعية، إلا أن هذا لم يحدث في معظم الأحوال؛ فلم تتم دراسة هذا النبات سوى في عدد محدود من المختبرات البحثية، ربما لأنه يزرع أساسا في المناطق المدارية، بعيدا عن اهتمامات معظم الباحثين في الدول المتقدمة. وقد أدى هذا الوضع من ندرة الاستثمارات البحثية إلى تدني متوسط الإنتاجية السنوية للكسّاڤا في أمريكا الجنوبية والوسطى وفي إفريقيا بحيث لا تتعدى إنتاجية الهكتار 14 طنا، مع أن التجارب الحقلية أظهرت أنه باستخدام بعض  التحسينات يمكن أن تصل إنتاجيته إلى أربعة أضعاف المعدل السابق، ومن ثم لأسهم هذا في تغذية عدد أكثر بكثير من البشر – سواء في المناطق التي يُزرع فيها ذلك النبات أو في غيرها من الأماكن.

وعلى أية حال، فقد بدأ اهتمام الدول المتقدمة بالكسّاڤا يزداد؛ فباحثو مركز دونالد دامورث لعلوم النبات في سانت لويس يقودون الآن مشروعا لإدخال جينات- مستمدة من نباتات أخرى أو من البكتيريا- إلى الكسّاڤا لتزيد من قيمتها الغذائية إضافة إلى إطالة عمرها التخزيني [انظر الإطار في الأعلي].

ومن المرجح أن تؤدي سَلْسَلة جينوم الكسّاڤا، الذي نُشرت مسودته الأولى مؤخرا، إلى تعزيز تطوير الكسّاڤا المحوّرة جينيا، كما ستساعد برامج الاستيلاد التقليدية من خلال تقنية الاستيلاد المساعَد بالواسمةmarker-assistedbreeding، التي تستند إلى المعلومات المستمدة من التحليل الجيني لتوجيه عملية استيلاد الصفات المرغوب فيها. هذا وإن إنشاء شـبكة عالمية لتنسـيق جهود جميع المؤسسات التي تُجري أبحاثا على الكسّاڤا سيضمن ألا تُهدر إمكانات هذا المحصول.

المؤلفان

     Rodomiro Ortiz  – Nagib Nassar     
<نجيب نصّار> ولد في القاهرة، وحصل على الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة الإسكندرية بمصر. بدأ أبحاثه على الكسّاڤا في جامعة برازيليا منذ عام 1975 ، حيث أنتج أصنافا من النبات لاقت نجاحا لدى المزارعين البرازيليين، كما تم تصدير بعضها إلى منتجي الكسّاڤا في إفريقيا.

 

<أورتيز> ولد في ليما عاصمة بيرو، وحصل على الدكتوراه في الاستيلاد النباتي وعلم الوراثة من جامعة وسكنسن في ماديسون، وهو مدير سابق لتعبئة الموارد بالمركز الدولي لتحسين الذرة والقمح في تكسكوكو بالمكسيك.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/1-2/2011_01_02_10_a.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/1-2/2011_01_02_10_b.jpg

  مراجع للاستزادة

 

Back to the Future of Cereals. Stephen A. Goff and John M. Salmer- on in Scientific American, Vol. 291, No. 2, pages 26-33; August 2004.

 

Future Farming: A Return to Roots? Jerry D. Glover, Cindy M. Cox and John P. Reganold in Scientific American, Vol. 297, No. 2, pages 66-73; August 2007.

Failure to Yield: Evaluating the Performance of Genetically Engineered Crops. Doug Gurian-Sher- man. Union of Concerned Scientists. 2009. Available atwww.ucsusa. org/food_and_agriculture

(*) Breeding Cassava to Feed the poor

(**) Tropical Favorite

(***) Who Grows Cassave?  

(****) Room For Improvement

(*****) Hybrid Technology

(******) Ancient Meets Modern.

(*******) The Biotech Way 

(********) Pest Insurance

 

(1) How Marker-Assisted Breeding Works

(2) progressive damage

(3) plant cuttings

(4) manipulation
(5) predator wasp

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button