التخطيط للأمان
التخطيط للأمان
من الحوادث النادرة للطاقة النووية(*)
سلَّط الحادث المروّع في فوكوشيما الضوء على جيل جديد
من المفاعلات النووية الأمريكية. فهل هذا الجيل مأمون كفاية؟
<A. پيور>
باختصار
قدّمت شركات مرافق الكهرباء اقتراحات لإنشاء 22 مفاعلا أمريكيا جديدا. وتخضع التصاميم للتدقيق مجددا للتأكد ما إن كانت ستصمد أمام الأخطار القصوى. مواصفاتُ الأمان في التصاميم الجديدة تسهم بدورها خلال الحوادث، حتى عندما ينقطع التيار الكهربائي، ومن دون الحاجة إلى تدخل بشري. الأسئلة المثارة حول المفاعل المرشح الرئيس، وستنگهاوس AP1000، يمكن أن تُعَقِّدَ المصادقة النهائية عليه من قبل هيئةِ التنظيم النووي الأمريكية. وحتى لو قاومت التصاميم المتطورة الهزات الأرضية الهائلة والتسونامي، أو صدمة بطائرة، فما زال يتعين على شركات مرافق الكهرباء الموازنة بين تكلفةِ التصميم مقابل مكاسب الأمان. |
على مسافة تقدر بنصف المسافة حول الأرض، بعيدا عن محطة الطاقة النووية اليابانية في فوكوشيما دايتشي Fukushima Daiichi التي ضربها الزلزال، يُعِدُّ مئاتُ العمال الأرضَ في عمق غابة جورجيا الصنوبرية لنهضة نووية أمريكية يعتقدون أنها قادمة. فالبلدوزرات تدمدم في غورِ هضبة من تراب الردم الطازج المرصوص الذي يغطي أميالا من أنابيب ومصارف سيول الأمطار التي جرى طمرها مؤخرا. وإذا بقيت الخطط على مسارها، فإنه في وقت ما من عام 2012 سيُشْرع في إقامة مفاعلين نووييْن جديدين على الأرض هما أول مفاعلين وافقت الولايات المتحدة على إنشائهما خلال أكثر من 25 عاما.
وسيكون ذلك بمنزلة طلقةِ البدء لاستئنافِ التوسع في الطاقة النووية بالولايات المتحدة، الذي توقف فعليا بعد الانصهار الجزئي في محطة <ثري مايل آيلاند> عام 1979. ومنذ ذلك الحين، حَوَّلَ شبحُ تغيرِ المناخ الطاقة النووية من تهديد للبيئة إلى مصدر محتمل للطاقة خال من الكربون. وقد أحاط كل من الرئيسين <جورج بوش> و<باراك أوباما> هذه التقانة بالرعاية على أمل إيجادِ تصميم جديد. وتقوم الآن هيئة التنظيم النووي الأمريكية(1) (NRC) بمراجعةِ اقتراحات لبناء 20 مفاعلا آخر إضافة إلى مفاعليْ جورجيا المذكوريْن والمئة والأربعة مفاعلات المبنية منذ عقود خلت.
إن أكثر من نصف عدد هذه المفاعلات الجديدة بما فيها وحدتيْ ڤوگتل Vogtleفي وينسِبْورو بولاية جورجيا ستكون من طراز AP1000، وهي الأولى من جيل جديد يعتمد على ميزاتِ الأمان السلبي passive safety الرامية إلى تجنب وقوع كوارث تماثل تلك التي حدثت في اليابان. فإذا ما وقع حادث يعمد المفاعل إلى قوى طبيعية، مثل قوى الثقالة والتكثف، للمساعدة على حماية وقوده النووي من خطرِ فرطِ السخونة وهي ميزات كانت تفتقر إليها مفاعلات محطة فوكوشيما.
وقبل بضعة أشهر مضت بدا أن مفاعلي جورجيا AP1000 سيربحان رهانا جيدا حول المرحلة الأخيرة من مصادقة الهيئة NRC على إنشائهما في أواخر هذا العام. إلا أن محنة فوكوشيما في الشهر 3/2011 التي حدثت فيها هزّةٌ أرضية مروعة بلغت قوتها 9.0 درجات على مقياس ريختر وموجةُ تسونامي هائلة قد تركتا قلوب المفاعلات الساخنة الأربعة من دون سائل تبريد coolant, ولفتتا في المقام الأول أنظار الجمهور إلى التفكيرِ مرة أخرى في احتمالِ وقوع كارثة نووية. وقد بينت استطلاعات الرأي خلال أسابيع أن نسبة الأمريكيين الذين يؤيدون المفاعلات الجديدة قد انخفضت عما كانت عليه قبل الحادثة من 49 إلى 41 في المئة، وهذا يعكس عدم الثقة في هذه التقانة على الرغم من التأكيدات التي تقول إن المخاطر لامتناهية في الصغر infinitesimal، وإن دفاعات المفاعل متينة. وقد أعطى مشهد فوكوشيما المروع درسا مباشرا في حدود تقييم المخاطر.
وعلى الرغم من التخطيط، تبقى الطاقة النووية دائما عرضة لأحداث من نوع البجعة السوداء black swan events. وهي أحداث نادرة، ولها عواقب وخيمة – وبخاصة تلك التي لم تقع سابقا قطُّ – يصعب التنبؤ بها، والتخطيط لها باهظ التكاليف ومن السهل إهمالها إحصائيا. وإن كان من المفترض ألا يحدث أمر ما إلا مرة كل 000 10 عام فهذا لا يعني أنه لا يمكن أن يحدث غدا. وخلال العمر الاعتيادي لمحطة نووية – المقدر بنحو 40 عاما – يمكن أن تتغير الافتراضات أيضا، كما حدث بتاريخ 11/9/2011، أو في الشهر 8/2005 عندما ضرب إعصار كاترينا، أو في الشهر 3/2011 بعد كارثة فوكوشيما.
إن قائمة التهديدات المحتملة من نوع البجعة السوداء متنوعة الأشكال. فالمفاعلات النووية وبركُ وقودها المستهلك تُعدُّ أهدافا للإرهابيين من خاطفي الطائرات. وربما تُبنى المفاعلات وراء مصبات السدود والتي إن انفجرت يوما ما يمكن أن تطلق العنان لطوفانات عارمة. وبعض المفاعلات مقامة بالقرب من فوالق زلزالية، أو على شواطئ معرضة لموجاتِ تسونامي، أو لطفرة أمواج الأعاصير. ويمكن أن ينتج من أي من هذه التهديدات سيناريو متناهي الخطورة، مثل تلك التي حدثت في ثري مايل آيلاند وفوكوشيما: الفشل الكارثي لسائل التبريد، والارتفاع المفرط للحرارة، وانصهار قضبان الوقود المشعة، والانبعاث المميت للمواد المشعة. (بينما أدت الانفجارات إلى اشتعال قلب مفاعل تشرنوبيل).
إن الاستعداد لمثل هذه السيناريوهات صعبٌ جدا بحد ذاته حتى من دون الالتزام بميزانية مالية محدّدة. وقد حاولت شركات مرافق الكهرباء UtilityCompanies تخفيضَ التكاليفِ الضخمة المطلوبة في المراحل الأولى من بناء المفاعلات. وحتى لو بُسِّطت إجراءات الترخيص والتشييد، فما زالت المحطة النووية تكلف – في الوقت الحاضر – نحو ضعفيْ تكلفة البناء على أساس الميگاواط الواحد مقارنة بمحطة تعمل بالفحم coal plant، ونحو خمسة أمثال التكلفة لمحطة تعمل بالغاز الطبيعي. وهذا الفارق يمكن أن يُعَوَّضَ بتخفيض تكاليفِ التشغيل. فالفحم أغلى أربع مرات من الوقود النووي، في حين أن الغاز يكلف أكثر بعشر مرات. إلا أن هذه الوفورات تتحقق فقط عندما تعمل المحطات النووية بقدرة عالية high capacity ولسنوات عدة. ففي السبعينات والثمانينات من القرن الفائت تبددت مكاسب التشغيل عند توقف المحطات للصيانة ولقضايا الأمان أحيانا. ولكي تكون المحطات النووية منافسة لغيرها قام مسوقوها بمحاولةِ تقليص تكاليف بنائها وتقليل فترات توقفها، بجعل الأنظمة أكثر بساطة ووثوقا، مع عدم تجاوز هوامش الأمان.
[حقائق على الأرض] مفاعلات هَرِمة قيد المراجعة(**) تولد الطاقة النووية 20% من إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة. وغالبية المفاعلات العاملة في الوقت الحاضر – والتي يبلغ عددها 104 مفاعلات – هي قيد الاستعمال منذ 30 سنة أو أكثر. ويقول النقاد إنها قد لا تتحمل هزة أرضية نادرة ولكنها مدمرة. وفي الشهر 6/2011 رفعت هيئة التنظيم النووي الأمريكية NRC دراسة تراجع الأمان النووي إلى البيت الأبيض. وتثير المفاعلاتُ التي تقع بالقرب من فوالق الهزات الأرضية الاهتمامَ (انظر الخريطة). وتصميم هذه المفاعلات إما من نوع الماء المغلي (اللون الأخضر) أو الماء المضغوط (اللون البرتقالي)، ويحوي 23 مفاعلا منها أبنية احتواء مماثلة للنموذج General ElectricMark I المستخدم في مفاعلات فوكوشيما دايتشي Fukushima Daiichiاليابانية المشلولة. وقد اقترحت شركات مرافق الكهرباء 222 مفاعلا جديدا بتصاميم أكثر أمانا. وسيكون أكثر من نصف عددها من النوع AP1000 (اللون الأزرق). مفاعل وستنگهاوس AP1000 مفاعل الماء المضغوط مفاعل الماء المغلي بالنسبة إلى المفاعلات النووية فإن 60 هي 40 الجديدة |
وبالطبع، فمن المستحيل بناء مفاعل محصن لا يطاله أي تهديد كائنا ما كان، حتى ولو غلّفه المهندسون بجدران ضخمة لاحتوائه، ودفنوه في قبو لا يتسرب إليه الماء، وسخروا له جيشا من العرّافين للتنبؤ بالمستقبل. لقد حاول المهندسون – دون أدنى شك – أثناء تصميم المفاعل AP1000 اختيار أحسن السبل عبر القيود المتعددة التي تفرضها الفيزياء والتكلفة المادية والتخطيط للكوارث المحتملة. وما توصلوا إليه، بالضرورة، هو حلول توفيقية. في صحوة فوكوشيما كان السؤال الأول في أذهان الناس: «هل المفاعلات النووية مأمونة بما يكفي؟»
دفاع سلبي لمواجهة كوارث(***)
إن المفاعلات AP1000 وغيرها من النوع «+Gen III»، التي تخضع لمعاينة الهيئة NRC، قد صُمِّمَتْ بناء على تصورِ كوارث مختلفة عن تلك التي حدثت في اليابان. فالانصهار الجزئي عام 1979 لقلـب مـفـاعل ثري مايـل آيلاند، قرب هـاريسبرگ, بـولاية پنسلڤانيا، لم يكن ناشئا عن كارثة طبيعية، بل عن خطأ بشري بالدرجة الأولى. وخلال أشهر كان المهندسون يناقشون كيفية تحسين المفاعل وتبسيط ميزات الأمان وإضافة بدائل احتياطية لمياه التبريد، بحيث تعمل تلقائيا من دون تدخل بشري. ونتج من ذلك المفاعلات +Gen III ومنها المفاعلات AP1000.
يدور ماء التبريد في داخل المفاعلات AP1000 عبر نظام مغلق من الأنابيب. فعندما يمر الماء فوق قلب المفاعل يمتص الحرارة من دون أن يتبخر، لأنه واقع تحت ضغط عال. والأنابيب بدورها تُبرَّدُ بالماء من خزان ثانوي. وإذا انقطع التيار الكهربائي عن المضخات، فهناك بطاريات احتياطية. وإذا فشلت هذه تولت القوى الطبيعية المسؤولية: حيث ينساب الماء إلى المفاعل من ثلاثة خزانات احتياطية محفوظة داخل قبة المفاعل المحاطة في وعاء فولاذي فوق قلب المفاعل [انظر المخطط في الصفحة المقابلة].
إن انقطاع التيار الكهربائي يُؤدي إلى فتح الصمامات؛ فيؤدي اختلافُ الحرارة والضغط بين قلب المفاعل والخزانات إلى تحريك ماء خزانِ التبريد إلى داخل وعاء المفاعل النووي لتبريد قضبان الوقود. وإذا لزم الأمر، فإن الماء الموجود في خزان ماء ضخم رابع في سقف الدرع الإسمنتية الخارجية للمفاعل يمكن أن يَصُبَّ مباشـرة على سـطح القبة الخارجي، مبددا الحرارة بغليانه وتـحوله إلى بـخار. وفي داخـل الـقـبـة، يصطدم البخار الصاعد من قلب المفاعل بالسقف المبرَّد فيتكثف ويتساقط عائدا إلى قلب المفاعل. ويحوي هذا الخزان الرابع ما مقداره 000 795 گالون من الماء، وهو ما يكفي للعمل من دون توقف لمدة ثلاثة أيام. ويمكن إعادة ملء الخزان بخرطوم ماء، على حد قول <H. بروشي> [المدير الرئيسي السابق في شركة وستنگهاوس Westinghouse]. وتسهم فتحات التهوية في مبنى المفاعل أيضا في إدخال الهواء الخارجي، مما يساعد على تبريد وعاء الاحتواء الفولاذي.
إن ميزات هذه البدائل الاحتياطية التي تجعل المفاعلات AP1000 أفضل من المفاعلات القديمة تعود إلى أنها لا تتطلب التيار الكهربائي أو التدخل البشري. ويحاجج أنصار الطاقة النووية في أن انقطاع التيار عن المحطة station blackoutالذي ضرب فوكوشيما – أي انقطاع تيار الكهرباء عن الشبكة العامة، وأيضا عن المولدات الاحتياطية في الموقع، وهو ما أوقف كل مضخات التبريد – كان يمكن أن يكون أقلَّ خطرا لو كانتْ تلك التجهيزات موجودة في المحطة. وحتى لو عَمِلت هذه الاحتياطات لبضعة أيام فقط لأتاح ذلك لمشغلي المحطة الوقت الكافي لإعادة التيار الكهربائي إليها.
دليل دامغ: أثارت الانفجارات والإشعاعات المتحررة من محطة فوكوشيما دايتشي اليابانية تساؤلات عن أمان المفاعلات من الطراز القديم العاملة في الولايات المتحدة. |
إن قدرة هذه الأنظمة على حماية قلب المفاعل من الانصهار وتسرب الإشعاعات إلى الجو من عدمه ما تزال مسألة جدلية. فأنصار التصاميم ++Gen III يَدَّعون أنها آمنة على الأقل عشر مرات من المفاعلات على مستوى الوطن والبالغ عددها 104 مفاعلات عاملة. في حين أن هناك مهندسين آخرين أكثر تحفظا. إنّ <حسين خليل> [مدير دائرة الهندسة النووية في مختبر أرگون الوطني(2)] لن يذهب بالقول إلى أبعد من أنه: «من العدل القول إن المحطات+Gen III قد بلغت – من خلال الوسائل الطبيعية – درجة عالية من الأمان توازي التحسينات التي أضيفت إلى المحطات القائمة.»
ولا يرغب الناقد الصناعي <E. لايمان> حتى مجرد الاعتراف بذلك، وهو عالم مرموق في اتحاد العلماء المهتمين(3) (UCS). فقد تحدى <لايمان> خيارات معينة من تصميم موفر للتكلفة لكل من مفاعل وستنگهاوس AP1000 ومفاعل جنرال إلكتريك ESBWR (تصميم جديد آخر). وعلى رأسِ اهتماماتِ <لايمان> قوةُ وعاءِ الاحتواء الفولاذي وبناءُ الدرع الإسمنتية حول المفاعل AP1000. فعندما حقن المهندسون الماء في حاوية مفاعل فوكوشيما لتبريد القضبان المكشوفة، ظلوا يراقبون بقلق الضغط الناجم عن البخار واحتمال انفجار الهدروجين.
ويقول <لايمان> إنه ليس لوعاء احتواء المفاعل AP1000 هوامش أمان كافية. وأحد المقاييس التي يستعملها <لايمان> لقياسِ سعةِ حاوية مفاعل ومن ثم تحديدِ قابليتهِ للثبات أمام ارتفاع الضغط هو نسبةُ طاقةِ المفاعلِ الحرارية إلى حجم حاويته. وفي حالة مفاعل وستنگهاوس AP600 – وهو مفاعلٌ سابقٌ جرى إيقافه لأنه يولّد طاقة صغيرة غير جذابة لشركات مرافق الكهرباء – كانت هذه النسبة نحو 885 قدما مكعبا لكل ميگاواط واحد. وهذه النسبة تساوي بالتقريب النسبةَ المعمول بها في معظم المفاعلاتِ العاملة بالماء المضغوط. ولكن عندما زادت وستنگهاوس حجم المفاعل إلى 1100 ميگاواط في المفاعل AP1000، لم تُزد سعةُ الحاوية بالتناسب؛ بل انخفضت النسبة إلى 605 أقدام مكعبة لكل ميگاواط، على حد قول <لايمان>. ويشير إلى أن أوعية الاحتواء والمباني الخرسانية «باهظة التكاليف».
ويجادل <بروشي> [من وستنگهاوس] في أن المفاعل AP1000 ما زال ضمن المجال المطلوب وفق تعليمات الهيئة NRC. ويضيف قائلا – ويوافقه على ذلك العديد من المهندسين النوويين المستقلين – إن التبريد الإضافي الذي توفره النظم السلبية سيؤدي في الغالب الأعم إلى انخفاض الضغط الذي سيواجه الحاوية أثناء حادث فادح. ومع ذلك، فإن <لايمان> قلقٌ من ارتفاع الضغط إلى أعلى مما يتوقعه كثير من المهندسين النوويين.
ويبدي <لايمان> قدرا أكبر من الرضا عن تصميم مفاعل أريڤا Areva EPR، وهو نموذجٌ طُوِّر بالتشاور مع شركات مرافق كهرباء ألمانية وفرنسية وهيئات رقابة أوروبية، ويخضع الآن لمراجعة الهيئة NRC. وبدلا من نظم الاحتياط السلبية، يمتاز تصميم أريڤا بأربعة مولدات ديزل رئيسة ومولدين ثانويين، كل منها محفوظ على انفراد في أبنية لا تنفذ إليها المياه، وتقع في جهات متقابلة من المحطة. وهكذا يستحيل تماما فشل المولدات كلها في آن واحد، وفق قول <M. بيريس> [نائب المدير العام للتقنية في مجموعة مفاعل أريڤا وأعمال الخدمات(4)]. وحتى لو فشلت المولدات بالفعل فللمفاعل EPR مبنى ذو حائط مزدوج وأكثر سماكة، إضافة إلى مصيدة لقلب المفاعل core catcher، وهي بنية تحتفظ بالوقود المنصهر وتحميه وتغلفه بماء ينساب بفعل الثقالة. وستمنع المصيدة قلب المفاعل المنصهر والمشع من التسرب إلى أرضية المفاعل.
أمان مقابل تكلفة(****)
لا يتوفر للمصممين النوويين ترف منع أي نمط من أنماط الكوارث. فهم بحاجة إلى أخذ الكثير من السيناريوهات بعين الاعتبار. والصعوبة تكمن في أن التهديدات المختلفة تتطلب إجراءات مختلفة. وأحيانا يؤدي الاستعداد لإجراء ما إلى تقليص جهود الاستعداد لإجراء آخر. وقد تكون أشد الانتقادات للمفاعلات الجديدة من النوع AP1000 – ذات الأمان السلبي – هو انتقاد <J. ما> [مهندس إنشائي أول في الهيئة NRC]. ففي عام 2009 أدخلت الهيئة تغييرا في شروط أمان المحطات عقب أحداث الحادي عشر من سپتمبر، يقضي بأن تُصمَّمَ جميع المحطات النووية لتصمد أمام ضربة مباشرة من طائرة. وبغية تنفيذ هذا الشرط الجديد قامت شركة وستنگهاوس بتغليف جدران البناء الإسمنتية بصفائح فولاذية.
في عام 2010 قدّم <ما> [وهو عضو في الهيئة NRC منذ تأسيسها في عام 1974] أول اعتراض أجراه خلال وظيفته، وذلك بعد موافقة الهيئة على قبول تصميم المفاعل AP1000. وحجته كانت في أن بعض أجزاء الكساء الفولاذي هشةbrittle لدرجة أن طاقة الارتطام الناجمة عن ضربة الطائرة – أو من قذيفة طائشة بفعل الرياح – يمكن أن تحطم هذا الجدار. وقد خالفه الرأي في ذلك فريق من خبراء الهندسة الموظفين من قِبَلِ وستنگهاوس – والعديد من المهندسين الذين يقدمون النصح للّجنة الاستشارية بشأن ضمانات المفاعلات في الهيئة NRC – إذ نصحوا اللجنة بالموافقة على التصميم.
ولكن قد توفر تصاميم أخرى جذرية أكثر هوامش أمان أكبر. فهناك مثلا ما يسمى بمفاعلات الفرشة الحصوية pebble bed reactors، وهو تصميم من التقنية+Gen III لا يزال في مرحلة التطويرر, ويَعتمدُ استعمال الغاز بدلا من الماء لنقل الحرارة عن الوقود النووي، وقوامه آلاف الحبات الصغيرة من المادة المشعة المطمورة بين كرات من الگرافيت بحجم كرات التنس. فالگرافيت يبطئ سرعة الانشطار جاعلا قلب المفاعل أقل عرضة لارتفاع الحرارة المفرط، بينما غاز التبريد هو أقل قابلية إلى إحداث الانفجار من الماء الذي يتحول إلى بخار. كذلك فإن العديد من المفاعلات التي تسمى المفاعلات النموذجية الصغيرة smallmodular reactors، والتي تولد طاقة أقل ولكن تكلفتها أقل كثيرا من تكلفة المنشآت الكبيرة، تستحق الأخذ بعين الاعتبار لأنها تولد حرارة أقل، الأمر الذي يجعل تبريدها أسهل.
ويبدو أن أكثر الخبراء النوويين راضون عن الموازنة التي توصلت إليها وستنگهاوس بين الأمان والتكلفة، ويعتقدون أن بنية حاوية المفاعل توفر وقاية كافية ضد أكثر الكوارث. وفي النهاية، يتعين على المهندسين أن يختاروا السبيل الأفضل للموازنة بين الأمان والتكلفة.
قصور في الخيال(*****)
ولكن كارثة فوكوشيما تطرح أسئلة تذهب إلى أبعد من خيارات التصميم. فأحد أسباب الكارثة كان قصورا في الخيال، وهي حالة يتعرض لها كل منظم أو مصمم. فقد شُيِّدَت محطة فوكوشيما لتصمد أمام هزة أرضية بقوة 8.2 (على مقياس ريختر)، والهزة 9.0 كانت ضمن هامش الأمان. وبينما بُنيت المحطة لتتحمل أمواج تسونامي بارتفاع 18.7 قدم، إلا أن ارتفاع الأمواج التي ضربت فوكوشيما كان 46 قدما. وأمواج من هذا الارتفاع ليست خارج المعتاد: هزة أرضية وتسونامي من مقدارين مقاربين ضربتا المنطقة في عام 869 بعد الميلاد، كما يقول <Th. بروشر> [مدير مركز علم الزلازل في إدارة المسح الجيولوجي الأمريكي بحديقة منلو Menlo Park بولاية كاليفورنيا]. وعندما يرتكب المهندسون مثل هذه الأخطاء في أسس التصميم design-basis – سواء لمفاعل أو لناطحةِ سحاب أو لجسر – تتهاوى جميع الرهانات.
ويبدو أن حدوث مثل هذا الخطأ المميت أقل احتمالا في الولايات المتحدة. إذ تتطلب هيئة التنظيم النووي الأمريكية NRC من المشغّلين إثبات أنه يمكن لمحطاتهم الصمود أمام أكبر طوفان أو تسونامي أو هزة أرضية ممكنة، استنادا إلى كل المعلومات المعروفة، «إضافة إلى هامش أمان إضافي»، وفق الناطق باسم الهيئة <B. أندرسون>. فالمعيار يقوم على نموذج يُقدِّرُ أكبر هزة أرضية حدثت في المنطقة في العشرة آلاف سنة الماضية. وعموما يكون هامش الخطأ الإضافي ما بين 2.0-1.5 مرة لذلك المقدار، كما يقول <B. ستوجادينوڤيك> [وهو خبير هندسة الزلازل بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، ومستشار للهيئة].
مع ذلك، يستطيع المهندسون الاستعداد فقط للحوادث التي يمكنهم التنبؤ بها. والمختصون في علوم الزلازل ما زالوا يكتشفون مخاطر زلازل جديدة. فمنذ عقود قليلة مضت كانت إمكانية أن تضرب هزة أرضية أو تسونامي شمال غرب المحيط الهادي أمرا بعيد الاحتمال. وفيما بعد، حدَّدَ العلماءُ انقراض شجر الأرز الأحمر هناك بعام 1700، مقترحين حدوث زلازل في تلك السنة. ومن ثم اكتشفوا سجلات لتسونامي في اليابان تؤكد ذلك. وعندما عادوا بالزمن إلى الوراء، حدد الجيولوجيون أن هزة أرضية قوتها 9.0 (بمقياس ريختر) قد ضربت منطقة تمتد تقريبا من شمال جزيرة ڤانكوڤر (بكندا) إلى شمال كاليفورنيا. وغيّر هذا الفهم – وإلى الأبد – أُسُسَ تصميم المباني المقامة في المنطقة. وقد سبق ذلك بناء محطتين نوويتين في المنطقة في كل من ولاية أُريگون وفي شمال كاليفورنيا. ومن حسن الحظ أن كلا من المحطتين قد تم تفكيكهما لاحقا بعد إيقافهما عن العمل.
إن الزلازل قليلة الحدوث على الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة، لدرجة أن أبحاث الزلازل هناك بدت غير ملحة إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك، فإن مفاعل السن الهندي Indian Point الواقع شمال مدينة نيويورك، يبعد مسافة 500 ميلا عن منطقة يعيش فيها نحو 6% من سكان الولايات المتحدة، بكثافة سكانية أكبر من أي منطقة مفاعل أخرى في البلاد. ولا يتفق علماء الزلازل على تحديد أي من الفوالق في المنطقة يحتمل أن يُحدث هزة أرضية، ولا على كيفية التعامل معها، وفق ما يقوله عالم الزلازل <E .J. إيبل> [من كلية بوسطن]. فقد دلّت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2008 على أن عددا من الفوالق المحلية الصغيرة – التي يعتقد أنها ظلت خامدة – يمكن في الواقع أن تسهم في هزة كبيرة.
لقد بَيّنتْ فوكوشيما الحاجة إلى نموذج جديد new paradigm، هذا ما قاله <N. مشكاتي> [أستاذ الهندسة في جامعة جنوب كاليفورنيا والخبير في تأثيرات الزلازل في المحطات النووية]. ويضيف قائلا: « إن الأساس في تصميمنا يقوم على احتمالات مستحيلة، ولكن لا يجيد المهندسون وضع تصميم يلائم حادثة نادرة لم تقع حتى الآن». ويستحيل مع مثل هذه الشكوك معرفة إن كان التصميم على أساس مضاعفة هامشِ الخطأ كافيا.
ومن ناحية أخرى، يقول <M. كوراديني> [العضو في لجنة ضمانات المفاعلات الاستشارية في الهيئة] إنه لا يوجد مبنى صنعه الإنسان يقي من الزلازل بنسبة 100 في المئة. ويضيف: «إن السؤال هو ما التصميم الذي ترغبه ولأي غرض، وهل المجتمع يفهم ذلك ويقبل بعامل الأمان المستخدم؟»
تُرى، ما هي درجة الأمان كي يكون التصميم آمنا بما يكفي؟ وعندما يكون السؤال بشأن الطاقة النووية يجب أن يكون الجواب حصيفا ويأخذ بالحسبان البدائل ونوعية المخاطر التي يمكن التعايش معها. فالفحم الحجري يُنتج نصف حاجة الولايات المتحدة من الكهرباء، وتسهم محطاته في نحو 80% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلاد، بحسبِ ما تقوله وزارة الطاقة في الولايات المتحدة. في المقابل تُنتج الطاقة النووية نحو 20% من كهرباء البلاد، بينما لا تسهم شيئا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ووفق دراسة موّلها فريق الاهتمام بالهواء النظيف Clean Air Task Force عام 2000 فإن التلوث من محطتين فقط تحرقان الفحم في الشمال الشرقي من البلاد قد ارتبط بحدوث عشرات الآلاف من نوبات الربو ومئات الآلاف من الإصابات العارضة بأمراض الجزء العلوي من جهاز التنفس وسبعين حادثة وفاة سنويا. أما الغاز الطبيعي فيحترق بنظافة أعلى، إلا أن الشواهد تتعاظم على أن بعض طرق استخراجه تُسبِّبُ – بحد ذاتها – مخاطر على صحة الإنسان والبيئة.
ما زال من الممكن أن تغير الشكوك التي خلّفها حادثُ اليابان مسار الخطط المرسومةِ لبعضِ المفاعلات الجديدة. إلا أن الالتزامَ بمواجهة ارتفاع الحرارة العالمي وحاجتنا إلى الطاقة يشيران إلى تواصل جهود إحياء الطاقة النووية. وفي الشهر 2/2010 صادق وزير الطاقة الأمريكي <S. شو> على المفاعلAP1000، بعد أن أعلن الرئيس <أوباما> عن رصد 8.3 مليار دولار على شكلِ قروض مشروطة بضمانات. وقال <شو>: «سيساعد مشروع ڤوگتل Vogtle (في ولاية جورجيا) أمريكا على استعادة الريادة في التقانة النووية». وسيدعم سجل الأداء الجيد لاستعمال الطاقة النووية على حُجج المدافعين عنها. فعلى الرغم من القلق الذي يسبّبَهُ حادث ثري مايل آيلاند إلا أنه لم يتسبب في حادثة وفاة واحدة. وإن سجلات الأداء – بطبيعة الحال – لا تعكس أحداثا لم تقع قطُّ حتى الآن، ولكن ذلك لا يلغي إمكانية حدوثها مستقبلا.
المؤلف
Adam Piore | |
كاتب غير متفرغ في مدينة نيويورك، ومراسل صحفي سابق لمجلة نيوزويك Newsweek. وهو يكتب أيضا عمود متابعة أخبار الاختراعات في مجلة ساينتفيك أمريكان. |
مراجع للاستزادة
Bringing Safe and Effective Cell Therapies to the Bedside. Robert A. Preti in Nature Biotechnology, Vol. 23, No. 7, pages 801-804; July 2005.
The future of Nuclear Power: An Interdisciplinary MIT Study. Massachusetts Institute of Technology, 2009. Available at http://web.mit.edu/nuclearpower
Nuclear Energy Institute: www.nei.org
U.S. Nuclear Regulatory Commission: www.nrc.gov
World Nuclear Association: www.world-nuclear.org
(*)PLANNING FOR THE BLACK SWAN، العنوان الأصلي: تخطيط للبجعة السوداء، والبجعة السوداء “Black Swan” مجازاً تشير إلى الحالات النادرة أو التي يعتقد باستحالتها، لكنها قد تحدث فجأة. (التحرير)
(**)Aging Fleet under Review
(***)PASSIVE DEFENSE AGAINST CATASTROPHE
(****)SAFETY VS. COST
(*****)A FAILURE OF IMAGINATION
(1) U.S. Nuclear Regulatory Commission
(2) Argonne National Laboratory
(3) Union of Concerned Scientists
(4) Areva’s Reactor and Services Business Group