أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فيزياء

قِطَعُ الاندماج النووي المفقودة

قِطَعُ الاندماج النووي المفقودة(*)

على طريق إنتاج طاقة غير محدودة، تواجه تجربة
اختبار الاندماج النووي الدولية بعض العقبات العميقة.

<G. برومفيل>

 

 باختصار

  يَعِدُ مفاعل الاندماج ITER بأن يكون نقطة  تحول على طريق الطاقة النظيفة غير المحدودة. وعندما تعمل هذه الآلة ستنتج عشرة أمثال الطاقة التي ستستهلكها لكي تعمل.

مع جميع الآمال الواعدة، يعاني المشروعITER صعوبات. فقد جرت مضاعفة الميزانية  ببلايين الدولارات، وإضافة سنوات من التأخير على البرنامج المقرر، ولن يبدأ المفاعل بتجارب إنتاج الطاقة حتى عام 2026 على أقرب تقدير.

تشمل الأسباب المعقدة خلف المصاعب الأساسية صعوبات هندسية غير متوقعة ونزاعات بيروقراطية معقدة ناجمة عن المشاركة العالمية بين الدول الرئيسية السبع.

يجــادل المنتقــدون في أن المشروع ITERأصبــح عبــارة عــن أضغاث أحلام، غرضه الوحيد امتصاص الأموال من مشاريع الأبحــاث المنتجــــة للطــــاقــــة النظيفـــة مثـــل طــاقــــة الــريـــاح والطــاقـــة الــشمســيــة.

 

 

كان الطقس في جنيف باردا ورماديا بسبب الغيوم عندما هبطت طائرة سلاح الجو الرئاسية في الشهر 11/1985. لقد حضر الرئيس <رونالد ريگان> لمقابلة <ميخائيل گورباتشوف>، الذي كان قد عُيّن حديثا قائدا للاتحاد السوفييتي. وقد كان <ريگان> مقتنعا بأن خطرَ كارثة حرب نووية كبيرٌ، وأراد خفض ترسانتيْ الأسلحة المتضخمتين في الدولتين العظميين. واعترف <گورباتشوف> كذلك بأن سباق التسلح يخنق الاقتصاد السوفييتي.

وما لبث الاجتماع الخاص – وجها لوجه – أن تدهور عندما ذكّر <ريگان> نظيره <گورباتشوف> بتاريخ العدوان السوفييتي. وبدوره هاجم <گورباتشوف> مبادرة <ريگان> للدفاع الاستراتيجي والتي تمثل خطة طموحة لتعطيل السلاح النووي المهاجم وهو في الجو. إلا أنه في الخامسة صباحا، وافق الطرفان على بيان مشترك من دون أي تعهدات ثابتة. وفي أسفل البيان – وكأنها حاشية – أضاف كل من <ريگان> و<گورباتشوف> تعهدا رقيقا بتطوير مصدر جديد للطاقة «لصالح البشرية جمعاء».

حركت تلك الحاشية مشروعا انطلق الجدل حوله كأكبر مشروع علمي طموح في القرن الحادي والعشرين، وهو يجمع التقانات التجريبية المعقدة التي ستدعم الحل النهائي لأزمة الطاقة التي تعانيها البشرية، وذلك إذا ما سارت الأمور على ما يرام.

سيحاول المشروع (1)(ITER) (وهو اختصار للأحرف الأولى لمشروعInternational Thermonuclear Experimental Reactor) إنتاج طاقة الشمس على أرض كوكبنا. وسيولد المشروع نحو 500 ميگاواط من الطاقة، التي هي عشرة أمثال الطاقة اللازمة لتشغيله باستعمال الهدروجين، العنصر الأكثر وفرة في الكون. وسيقدم هذا المشروع برهانا على مبدأ تقانة يمكن أن تقود إلى التزود بالطاقة بلا حدود لسد حاجة العالم الجائع إليها. وقد جنّد السياسيون من البلدان السبعة الأعضاء في المشروع – بما فيها الولايات المتحدة وروسيا – أممهم بحماسة للمشاركة في إنجاح هذا المشروع.

ولا يزال المشروع (2)ITER، على نفس حال القمة التي ولدته، إذ لم يرق إلى مستوى التوقعات. فتقديرات التكاليف تضاعفت، ومن ثم تضاعفت مرة أخرى، لأن المشكلات الهندسية تم حلها عن طريق حلول بيروقراطية مناسبة. فمثلا، بدلا من تجميع المواد في مكان واحد، يقوم كل من المشاركين السبعة بإنتاج الأجزاء فُراداً، ومن ثم يقومون بتركيبها في مبنى المشروع في جنوب فرنسا. وهذه العملية تشبه تماما شراء الصواميل والبراغي والحمالات عبر كاتالوج تجميع طائرة بوينگ 747 في الفناء الخلفي لمنزلك. فالتقدم بالمشروع شديد البطء. ومنذ أقل من سنة، كان المشروع عبارة عن حفرة عمقها 56 قدما في الأرض. ولم تملأ إلا مؤخرا بما يقارب أربعة ملايين قدم مكعب من الخرسانةconcrete. وفجأة تأجل موعد تشغيل المشروع من عام 2016 إلى عام 2018، ثم إلى أواخر عام 2020. ولن تجرى أولى تجارب إنتاج طاقة حقيقة قبل عام 2026 – أي بعد نحو عقدين من بدء تشييد المشروع.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/11-12/2012_11_12_13.jpg

 

وليس المشروع ITER إلا مجرد بداية لهذا المصدر الجديد المفترض للطاقة. وحتى في حال نجاحه، هناك جيل آخر من مفاعلات الاختبار ستتبعه. ولن تبدأ البلديات المحلية ببناء محطات الاندماج لتزويد الشبكات العامة بالطاقة إلا بعد أن تأخذ مفاعلات الاختبار مجراها حتى النهاية. ويُعدُّ المشروع الخطوة الأولى في مشروع سيمتد عقودا إن لم تكن قرونا.

ويجادل الداعمون للمشروع ITER بأنه الأمل الوحيد لتلبية حاجة العالم التي لا ترتوي إلى الطاقة. ولكن مع أنهم أجبروا على إعادة معايرة توقعاتهم الطوباوية(3)، فإن المشروع اليوم يبدو أنه مدفوع بقوة العطالة(4) المؤسساتيةinstitutional inertia. فمن الأسهل لكل حكومة مشاركة أن تحافظ على المنهج نفسه من أن تكون المنبوذ الوحيد المنسحب باكرا. وبذلك يمتلك النقاد ذخيرة أكبر ليصبوا جام نقدهم عند كل تأخير وعند كل طلب لتكاليف إضافية. فهم يقولون إن المشروع ITER هدر هائل للمال اللازم بإلحاح في مجالات أخرى من أبحاث الطاقة. ولكن كلا الجانبين متفق على أنه من الأفضل أن يكلل المشروع بالنجاح التام عند الانتهاء منه كليا.

حصر الشمس في زجاجة(**)

من الناحية النظرية، يُعدّ الاندماج مصدرا مثاليا للطاقة. فهو يعتمد على شيء واحد في الفيزياء يعرفه الجميع، وهو أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء (E = mc2). وبما أن سرعة الضوء كبيرة جدا، فإن (E = mc2) تقتضي أن مقدارا صغيرا جدا من الكتلة يمكن أن يولد كمية هائلة من الطاقة.

وتستغلّ جميع التفاعلات النووية هذا القانون الكوني الأساسي. ففي حالة محطات الطاقة النووية العادية، تنشطر نوى اليورانيوم الثقيلة إلى جزأين لتولد عناصر أخف. وأثناء هذا الانشطار، يتحوّل جزء صغير من كتلة اليورانيوم مباشرة إلى طاقة. وهذا ما يحدث في الاندماج، ولكن في الاتجاه المعاكس. إذ عندما تندمج نواتان خفيفتان مثل الهدروجين يتولد أيون الهيليوم(5)  الذي يزن أقل بقليل من مجموع وزن أبويه. فلكل وحدة كتلة، يستطيع وقود الاندماج إطلاق ما يقارب ثلاثة أضعاف الطاقة التي يولدها انشطار اليورانيوم. والأهم من ذلك، فإن الهدروجين أكثر وفرة بكثير من اليورانيوم، ونفايات الاندماج – التي هي الهيليوم – ليست مشعة.

يقول <S-G. لي> [وهو عالم من كوريا الجنوبية كان قد كرّس سنوات من عمره في مناقشات المشروع ITER]: «إن الاندماج شيء مغرٍ»، ويضيف قائلا: «إن العمل في مشروع الطاقة هذا أشبه بأناس في العصور الوسطى يبحثون عن طرق لتصنيع الذهب، فالاندماج هو الكأس المقدس لأبحاث الطاقة.»

و<لي> مؤمن عتيد بالطاقة الاندماجية. ففي عام 1980 وصل إلى جامعة شيكاغو كطالب دراسات عليا لدراسة نظرية الحقل الكمومي(6)، إحدى أصعب أركان الفيزياء، إلا أن أمريكا غيّرت تفكيره. يقول <لي>: «في الولايات المتحدة المال هو كل شيء. ونظرية الحقل الكمومي لا تقدم سوى ثروة فكرية.» وقد أخذ يبحث عن شيء أكثر تطبيقا ليقوم بدراسته. واستقر رأيه على دراسة مسألة الاندماج. وفي هذا الصدد يقول: «إنها مسألة صعبة جدا علميا وهندسيا أيضا،» ولكنه إذا نجح حلُّ هذه المسألة، فسيكون الربح هائلا، حيث ستتوفر الطاقة على نطاق واسع وبسعر زهيد، وسيفقد الوقود الأحفوري أهميته، وسيشهد العالم تحولات شاملة.

افتتن عدد كبير من العلماء – مثل <لي> – بالاندماج لأكثر من نصف قرن. بل وكثير منهم وعد بقرب تحققه. ومع أن بعض هؤلاء الباحثين كانوا دجالين، إلا أن غالبيتهم كانت على خطأ. فتحقيق الاندماج مسألة صعبة، والطبيعة لا تفي بوعودها.

وهنا يكمن لب التحدي: لأن أيونات الهدروجين تتنافر فيما بينها، فعلى العلماء ضرب بعضها ببعض بعنف كي تندمج. فاستراتيجية المشروع ITER هي القيام بتسخين الهدروجين داخل قفص مغنطيسي. ونموذج القفص المغنطيسي الذي يستعمل في المشروع يسمى توكاماك tokamak، وهو عبارة عن دائرة معدنية مجوفة ومطوقة بوشائع تولد حقولا مغنطيسية. وتحشر الأصفاد المغنطيسية magnetic cuffs  البلازما المشحونة، المؤلفة من أيونات الهدروجين، وتسخنها إلى مئات الملايين من درجات الحرارة التي لا تصمد أمامها أية مادة صلبة.

في السبعينات من القرن الماضي، بدت التوكاماكات واعدة لدرجة أن بعض الباحثين توقع أنه بالإمكان بناء محطات نووية اندماجية لتوليد الطاقة الكهربائية مع حلول منتصف التسعينات من القرن المذكور. وكان التحدي الوحيد هو زيادة حجم مفاعلات أبحاث الاندماج إلى القدر المناسب؛ إذ على العموم: كلما كبر التوكاماك ارتفعت درجة حرارة البلازما التي تزيد بدورها كفاءة الاندماج.

وهنا ظهرت المصاعب. فالبلازما مُوصلة conduct للكهرباء، ويمكن أن تعاني بسبب التيارات المتولدة فيها ذاتيا، الشيء الذي يجعلها تقاوم وتتلوى. وهذه الاضطرابات المثارة يمكن أن تنتزع البلازما وتخرجها من قفصها المغنطيسي مطلقة إياها باتجاه جدار الآلة. ولرفع درجة حرارة البلازما يترتب توسعة التوكاماك لفسح المجال لاستيعابها، وهذا يتطلب حقولا مغنطيسية أقوى لتمسكها. وهذا يعني أنه كلما كبر مجال الاستيعاب وازدادت قوة الحقول المغنطيسية، تطلّب ذلك تيارات كهربائية أعلى في الوشائع النحاسية الكعكية الشكل. والتيارات الكهربائية الأعلى تتطلب طاقة أكبر. وبعبارة بسيطة: كلما كبرتْ الآلة وزادت قدرتها زاد استهلاكها للطاقة اللازمة للإمساك بكافة المكونات.

فهذه العملية تعني أن التوكاماكات التقليدية لن تنتج أبدا طاقة أكثر مما تستهلك. وقد استهدى <لي> وآخرون إلى حل واحد فقط: ألا وهو الموصلات(7)الفائقة superconductors التي هي مواد خاصة تستطيع تمرير تيارات كهربائية بالغة العلو من دون مقاومة عند درجات حرارة منخفضة جدا. فإذا كانت المغانط الكهربائية للتوكاماك من موصلات فائقة، فيمكن عندئذ ضخ التوكاماكات بالتيار الكهربائي لتعمل بلا حدود. وبذلك تحلّ مشكلة الطاقة، وإن لم يكن هذا الحل رخيصا. فالموصلات الفائقة هي من مواد نادرة وغالية الثمن، ولكي تعمل يجب إبقاؤها بشكل دائم مبردة بالهيليوم السائل عند أربع درجات كلڤن فوق الصفر المطلق.

 

[تحديات البناء]

سوق خيرية (بازار) عالمية للاندماج النووي(***)

  اشتركت ست دول مع الاتحاد الأوروبي لبناء المفاعل ITER، وهو أكبر مفاعل اندماج تجريبي عالمي. وتعهدت كل من الدول الأعضاء المشاركة في المشروع بتأمين أجزاء مهمة منه عن طريق التعاقد مع مصانعها الوطنية لتصنيع التجهيزات المطلوبة. وهذا يعني أن وشائع موصلة فائقة superconducting coil قد تورّد من اليابان أو الصين أو روسيا. ويجب على العلماء الذين يشيّدون المفاعل ITER التأكد من أن هذه القطع جميعها تعمل معا بدقة فائقة في بيئة عمل مفرطة القساوة إلى حد بعيد.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/11-12/2012_11_12_15.jpg
المساهمات النسبية في تكاليف البناء والمقدرة بنحو 20 بليون دولار أمريكي

 

 

لقد كان واضحا منذ عام 1985 أنه ليس في مقدور روسيا ولا أمريكا بناء توكاماك بالحجم الكافي لإنتاج طاقة صافية. فمنذ بدأ المشروع ITER رسميا، كان مشروعا مشتركا ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي واليابان وأوروبا. وكان التصميم الهندسي ضخما جدا ويستخدم أحدث التقانات المعروفة في حينه. فإضافة إلى الموصلات الفائقة، أُدْخِلتْ في المشروع مسرعاتٌ متطورةٌ لإطلاق حزم ذرات معتدلة إلى القلب the core لتسخينه، إضافة إلى التسخين بالهوائيات المتطورة التي تقوم بعمل الموجات الميكرويةmicrowaves للبلازمات. لقد فُضِّلَ في المشروع ITER استعمال الديتيريوم والتريتيوم – نظيريْ الهدروجين اللذين يندمجان في درجات حرارة وضغط أخفض من درجة اندماج ذرتي الهدروجين العادي. فالديتيريوم شائع نسبيا – نقطة من ماء المحيط تحتوي على عدة تريليونات من ذرات الديتيريوم – إلا أن التريتيوم نادر وناشط إشعاعيا وغالي الثمن. أما تكاليف تشييد البناء فقُدِّرت بداية بخمسة بلايين دولار أمريكي، ولكن بحلول منتصف التسعينات من القرن الماضي تضاعفت التكلفة نتيجة دراسة مستفيضة ودقيقة لحسابات تكلفة تعقيدات الآلة. وفي عام 1998 تخلت الولايات المتحدة عن المشروع لارتفاع التكلفة كسبب رئيسي.

أساس صلب: سيوضع المفاعل على 493 عمودا تنتهي رؤوسها بالفولاذ والمطاط لتحمل هيكل المفاعل الذي يزن 000 400 طن تقريبا، ولتعزله عن الاهتزازات الزلزالية.

 

وبعد ذلك بزمن قصير سارَعَ فريق صغير متفان للمحافظة على استمرار المشروع إلى إعادة تصميمه بنصف الحجم ونصف التكلفة. ويعترف <G. جانشيتز> [أحد كبار العلماء في المشروع والعضو في فريق إعادة التصميم الأساسي] قائلا: «ولكن بسبب سرعة إنجاز التصميم في مدة محدودة، نُسيتْ لسوء الحظ، بعض الأشياء». فقد تنازعت الدول الأعضاء جميعا على الأجزاء الكبيرة لصنع الآلة ولم يجرِ قطُّ تحديد الجهة التي ستقوم بصناعة الأشياء الصغيرة، كالوصلات وروابط الدوائر المطبوعة. ويقول <جانشيتز>: «لقد كانت هناك فجوات بين جزأين رئيسيين ولم يجرِ توصيفهما حقا في أي مرحلة من مراحل شراء الأجزاء.»

لقد كانت تلك النواقص البلاء الذي أصاب المشروع ITER، لأن الآلة لم تكن في الحقيقة من تصنيع مؤسسة المشروع ITER ذاتها. فالدول المؤسسة، مثل روسيا واليابان، أرادت أن تذهب استثماراتها في المشروع ITER إلى العلماء العاملين في المختبرات الحكومية في دولهم، في حين أن المشاركين الجدد مثل الهند والصين أرادوا منح صناعاتهم الحديثة التطور فرصة لتعلم تقانات متقدمة جديدة. وبذلك أسهمت الدول الأعضاء ببناء وحدات متكاملة للمشروع (إلى جانب مساهمة مالية صغيرة للمؤسسة المركزية). أما الكبلات الفائقة الموصلية لمغانط المشروع فستصل من شركة هيتاشي Hitachi اليابانية، كما سترد أيضا من شركة تقانات الموصلات الفائقة الغربية Western SuperconductingTechnologies Company في الصين ومن معهد إفريموڤ العلمي لأبحاث التجهيزات الفيزيائية الكهربائية Efremov Scientific Research Institute ofElectrophysical Apparatus في روسيا. وسيُبنى وعاء الخلاء العملاق للآلة في أوروبا والهند وكوريا الجنوبية وروسيا. أما نظم التسخين، فستأتي عن طريق أوروبا واليابان والهند والولايات المتحدة التي أعادت مشاركتها في المشروع في عام 2003. ويترتب على الإدارة المركزية لمؤسسة المشروع ITER تسلم تلك الأجزاء وبيان النواقص فيها ثم ضم الأجزاء مع بعضها في أكثر التجارب تعقيدا في التاريخ.

ويصبح التحدي جليا داخل قصر من قصور العصور الوسطى مطل على نهر دورانس Durance على الجانب الآخر من الطريق السريع الثنائي الممر من المركز الرئيسي المؤقت لإدارة المشروع ITER. فهناك يجتمع أعضاء المشروع داخل غرفة اجتماعات معدة خصيصا و مكتظة بالشاشات المسطحة والمايكروفونات. ولايحبذ المجتمعون دخول المراسلين أثناء المناقشات، إلا أنه خلال استراحة قصيرة لتناول القهوة أخبرني <لي> بأن أزمة صغيرة تكشفت خلف الأبواب المغلقة، «فقد اعتقد الهنود بأن أنبوبا يجب أن ينتهي هنا وآخرون اعتقدوا أنه يجب أن ينتهي هناك»، مشيرا إلى طرفي الغرفة المتقابلين باستخدام قطعة كيك الشوكولا التي تناولها من طاولة المعجنات أمامه. والحل الواضح، وربما المرضي للطرفين، هو التلاقي في منتصف الطريق، إلا أن هذا غير ممكن تقنيا؛ لذلك رفعنا الموضوع إلى المدير العام».

سارع فريق صغير متفان للمحافظة على استمرار المشروع إلى إعادة تصميمه بنصف الحجم ونصف التكلفة. ولكن لسوء الحظ – وبسبب “المدة المحدودة لإنهاء التصميم – نُسِيَتْ بعض الأشياء.”

 

وحتى عام 2010، كان المدير العام دبلوماسيا يابانيا ناعسا soporific اسمه <K. إيكيد>. فعندما تصاعد هذا النوع من المصاعب تقدم <إيكيد> باستقالته من منصبه بضغط من مجلس المشروع ITER واستبدل بـه <O. موتوجيم>، وهو خبير وباحث في الاندماج وتوحي طبيعته الهادئة بفكرة خاطئة عن حقيقة شخصيته الحادة والمستبدة، بحسب تسريبات من الداخل. لقد اجتمع <موتوجيم> ونوابه – وهم خبراء في البرامج الأمريكية والأوروبية – مع الهنود لحل المشكلة وعَقَدَ اتفاقا في غرفة كانت تُستخدَم إسطبلا في السابق بجانب غرفـــة الاجتمــاعـــات. وبينمــا كــان الفـــريــق يساوم، جـلس <H. توِندَر> [وكان حينها كبير المستشاريين القانونيين في المشروع، وبعدها ترك المؤسسة لينضم إلى المجموعة الأوروبــيـــــة European Commission] في الحديقة وأشعل لفافة تبغ. سألته فيما لو كان من المنطقي أكثر أن يجبر <موتوجيم> بسلطته كل دولة على المساهمة بما يحتاجه من القطع، أجابني <توِندَر> وهو يميل في كرسيه إلى الخلف: «سيكون ذلك مهينا تماما لجميع العلاقات التي تحاول أن تعززها». وفي نهاية الأمر، ستكتمل كافة أجزاء المشروع بإرادة الأعضاء في المشاركة، وليس بسلطات المدير العام للمشروع.

الطريق إلى الطاقة(****)

وخلال امتداد المفاوضات، تضاعفت تكاليف المشروع ITER مرة أخرى إلى نحو 20 بليون دولار أمريكي، مع أنه لا يمكن معرفة التكلفة الفعلية مطلقا بسبب الطريقة المجتزأة التي يجري على أساسها بناء المشروع، وكذلك بسبب تأخير تاريخ انتهاء البناء لسنتين أخريين.

وارتفاع الأسعار إلى أرقام قياسية والتأخيرات المتزايدة قد سعّرتْ المعارضة ضد التوكاماك العملاق، وبخاصة في أوروبا التي تزود المشروع بقرابة 45% من تكاليف بنائه. ويقول <M. راكيت> [مستشار الطاقة لحزب الخضر في البرلمان الأوروبي]: «إذا كنا نحن نريد بحق إنفاق المال للحفاظ على المناخ والحصول على الاستقلالية في الطاقة، فمن الواضح بأن هذه التجربة ضرب من الحماقة». ويعمل الاتحاد الأوروبي حاليا على تأمين موازنة قدرها 2,7 بليون يورو المطلوبة لإتمام بناء المشروع ITER بحلول عام 20200. ويخشى حزب الخضر – وهو الخصم الرئيسي للمشروع في أوروبا – أن تكون تلك الموازنة على حساب مخصصات الطاقات المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

أمـــا في الولايـــات المتحــدة التي ستسهم بنسبة 9% فقط مـــن التكــلفــــة، فــــإن المعـــارضـــة أكثـــر صمتــا. يقـــول <T. كوشران> [أحد أعضاء الحملة ضد الطاقة النووية في مجلس الدفاع عن المصادر الطبيعية Natural ResourcesDefense Council]: «إن المشروع ITER غير مهدد، بل هو مجرد هدر للمال». ويؤكد  أنه يفضل تكريس طاقاته في محاربة برامج الأبحاث النووية الأخرى التي تولد نفايات طويلة الأمد أو التي تنشر تقانة الأسلحة النووية. وعلى نحو مماثل، يبدو أن الكونگرس الأمريكي غير مبال بشأن هذا البرنامج. فيقول <S. دين> [رئيس اتحاد زملاء القدرة الاندماجية Fusion Power Associates – المدافع عن تطوير الطاقة الاندماجية]: «كل ما أستطيع قوله إنه لا يوجد الآن أي تحرك لوقف هذا المشروع». ولكن هذا يمكن أن يتغير. فالموازنة التي قدمها الرئيس <باراك أوبام> هذا العام (2012) اعتمدت زيادة كبيرة في نفقات المشروع ITERعلى حساب خفض كبير في نفقات أبحاث الاندماج الوطنية. ومع ذلك فإن مبلغ 150 مليون دولار أمريكي التي سيتسلمها المشروع هو أقل بمقدار 25% من المساهمة المقررة للولايات المتحدة.

وتواجه الدول الأخرى مصاعب تجاه تعهداتها للمشروع. فقد كافحت الهند لمنح العقود لمؤسساتها. وقد حطم الزلزال الهائل في الشهر 3/2011 قبالة الشاطئ الياباني منشآت أساسية هناك. ويقول <V. ڤلاسنكوڤ> [العضو في البعثة الروسية]: «لكل بلد أسبابه الخاصة في التأخير». إلا أنه أسرع قائلا إن روسيا سائرة في التزاماتها حسب ما هو مقرر.

سيبرهن المشروع ITER على ما إذا كان الاندماج ممكن التحقيق، ولكنه لن يبرهن على ما إذا كان قابلا للتطبيقات التجارية. فهناك أسباب كافية للتفكير في أنه لن يكون كذلك. وكبداية، إن الإشعاع الناتج من الاندماج سيكون شديدا جدا، وسيخرب المواد العادية مثل الفولاذ. وستضطر محطة الطاقة النووية الاندماجية إلى إدخال بعض المواد التي لم يجر بعد تطويرها والتي يمكنها أن تصمد لسنوات أمام الرشق البلازمي – وإلا سيلزم إيقاف المفاعل باستمرار للصيانة. فهناك مشكلة وقود التريتيوم الذي يجب أن يحضّر في الموقع، ربما باستعمال إشعاعات المفاعل نفسه.

ويمكن القول إن أكبر عقبة أمام بناء مفاعل وفق المشروع ITER هي التعقيدات الهائلة لهذه الآلة. فكل نظم التسخين الخاصة والأجزاء المصنعة خصيصا لا غبار عليها لأغراض التجربة، إلا أن محطة الطاقة ستحتاج إلى أن تكون أكثر بساطة. يقول <S. كاولي> [المدير التنفيذي في سلطة الطاقة الذرية البريطانية]: «لايمكنك تخيل إنتاج طاقة بآلة وهي دون توقف تقرع الأجراس وتطلق صفارات الإنذار». يجب بناء جيل آخر من المفاعلات التجريبية الباهظة الثمن قبل أن تدخل طاقة الاندماج في الشبكة العامة للكهرباء. وبالنظر إلى التطور البطيء للمشروع ITER، لن يكون أي مما ذكر جاهزا للاستخدام قبل منتصف هذا القرن.

وعلى الرغم من هذه النكسات وأن مستقبل طاقة الاندماج غامض ككل، فإنه يصعب أن تجد شخصا على معرفة بالمشروع ITER ويعتقد بأنه لن يتم بناء  هذه الآلة. وأحد أسباب ذلك، هو الضغط الممارس من الأقران المشاركين في المشروع. يقول <كوشران>: «الفرنسيون مشاركون في المشروع ولن يتراجعوا لأن الولايات المتحدة مشاركة في المشروع ولن تتراجع». ويلاحظ <تونِدَر> أن هناك رؤية سياسية بالنسبة إلى الدول المشاركة – وثمة غرامات كبيرة على الانسحاب منه مبكرا – وهذا أمر يخدم استمرارية المشروع.

وعلى الرغم من تلك الأسباب المشروعة، ولو أنها متشائمة، لعدم الاستمرار بهذا المشروع، إلا أن الكثير من العلماء يؤمنون حقيقة بأن الاندماج هو الأمل الأوحد لتلبية متطلبات العالم من الطاقة. ويقول <R. أورباخ> [كبير العلماء في وزارة الطاقة عندما انضمت الولايات المتحدة ثانية إلى المشروع]: «لقد كنت أخشى على طاقة العالم المستقبلية، ولا علم لي من أين ستأتي.» ويضيف قائلا: «إن طاقة الاندماج خالية من غاز ثنائي أكسيد الكربون وغير محدودة في الأساس، وليس لها تأثير في البيئة. فهل لك بالإتيان ببديل مماثل؟» إن معظم علماء الاندماج يعتقدون أن أزمة بيئية لابد من وقوعها على أي حال. وإلى أن يحدث ذلك، ستكون البشرية قد تعلمت درسا يكون عبرة لها، وهو أنه «من الأفضل لنا أن نمتلك مجموعة تقانات لتكون جاهزة للاستخدام»، على حدّ قول <كاولي> محذرا. ويستمر الاعتقاد أن المشروع سينجح، لأنه يجب أن ينجح.

المؤلف

 Geoff Brumfiel
هو من طاقم مراسلي مجلة نيتشر Nature في لندن، حيث يقوم بتغطية المشروع ITER منذ أكثر من عقد. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/11-12/2012_11_12_14.jpg

  مراجع للاستزادة

 

The International Thermonuclear Experimental Reactor. Robert W. Conn et al. in Scientific American, Vol. 266, No. 4; pages 102–110; April 1992.
Fusion Energy: Just around the Corner. Geoff Brumfiel in Nature, Vol. 436, pages 318–320; July 21, 2005.
Sun in a Bottle: The Strange History of Fusion and the Science of Wishful Thinking. Charles Seife. Viking, 2008.
Fusion as an Energy Source: Challenges and Opportunities. W. J. Nuttall. Report of the Institute of Physics, September 2008.
Fusion’s False Dawn. Michael Moyer in Scientific American, Vol. 302, No. 3, pages 50–57; March 2010

(*)FUSION,S MISSING PIECES

(**)BOTTLED SUN

(***)Fusion,s Global Bazaar

(****)ROAD TO POWER

 

(1) الأحروف الأولى للمشروع: المفاعل الحراري النووي التجريبي الدولي International Thermonuclear Experimental Reactor
(2) يُلفظ بالإنكليزية: eater.
(3) utopian

(4) أو القصور الذاتي.

(5) helium ions

(6) quantum field theory

(7) أو النواقل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى