الحد الأقصى لحبس النَّفَس
الحد الأقصى لحبس النَّفَس(*)تحدد حاجة الدماغ إلى الأكسجين المدة القصوى التي يمكن للإنسان أن يحبس فيها نَفَسَه. وهذا منطقيّ ولكنه ليس كل الواقع.
خذ نَفَساً عميقاً ثم احبسه. إنك بذلك تشارك في نشاط غامض مدهش، ففي المتوسط يتنفس البشر بصورة تلقائية نحو اثنتي عشرة مرة في الدقيقة، فهذه الدورة التنفسية مصحوبة بنبضات القلب، وهي واحدة من النظمين البيولوجيين لدينا، فالدماغ يضبط إيقاع التنفس تبعا لحاجة الجسم دون أي جهد واع. غير أننا جميعا لدينا القدرة على حبس نَفَسنا لمدة قصيرة. وتفيد هذه القدرة في منع الماء والأتربة من دخول رئتينا وفي تثبيت صدورنا قبل بدء مجهود عضلي، وكذلك في إطالة المدة الزمنية للتكلم من دون توقف. إننا نحبس أنفاسنا بطريقة طبيعية وعفوية بحيث إن الأمر يبــدو مفاجئــا عندمــا نعــلم أن الفهــم الأساسي لهــذه القــدرة ما زال يستعصي على العلم. فكّر فيما يبدو أنه سؤال مباشر: ما الذي يحدد طول المدة التي يمكن أن تحبس نَفَسَك فيها؟ إن استقصاء هذه المشكلة يبدو معقدا إلى حد بعيد، فمع أن جميع الحيوانات الثديية يمكنها فعل ذلك، فإن أحدا لم يجد طريقة لحث حيوانات المختبر على حبس أنفاسها لمدة تزيد على بضع ثوان. ومن ثم، فإن حبس النّفَس الإرادي يمكن دراسته في الإنسان فقط. فإذا ما نفد الأكسجين من الدماغ أثناء تجربة مطولة، فإن فَقْدَ الوعي وتلف الدماغ والموت قد تتعاقب سريعا وهي أخطار قد تجعل العديد من التجارب، التي يحتمل أن توصلنا إلى معلومات مفيدة، غير أخلاقية. وبالفعل، فإن بعض الدراسات الـمَعْلَمية(1) من العقود السابقة لا يمكن إعادتها اليوم لأنها تخالف تعليمات الأمان للإنسان. ومع ذلك، فقد وجد الباحثون طرقا لبدء الإجابة عن أسئلة خاصة بحبس النّفَس. ففضلا عن تنوير علم فيزيولوجيا الإنسان، فإن اكتشافاتهم قد تسهم في إنقاذ الحياة في مجالي الطب وتطبيق القانون. تعيين نقطة الانهيار(**) في عام 1959 استخدم <.H ران> الفيزيولوجي [من كلية الطب بجامعة بافالو] خليطا من طرق غير مألوفة مثل إبطاء الاستقلاب وفرط التهوية وملء الرئتين بالأكسجين النقي وغيرها لكي يحبس نَفَسه لمدة تقرب من أربع عشرة دقيقة. وبالمثل فإن <.E شنايدر> [وهو أحد رواد أبحاث حبس النّفَس بالمعهد التقني لطب الطيران التابع للجيش في ميتشل فيلد بولاية نيويورك وبعد ذلك في جامعة ويزليان] وصف شخصا مكث خمس عشرة دقيقة وثلاث عشرة ثانية في ظروف مماثلة في الثلاثينات من القرن العشرين. ومع ذلك، فإن الدراسات والخبرة اليومية توحي أن أغلبنا بعد ملء رئتينا إلى حدها الأقصى بهواء الغرفة، لا يمكنه حبس نفَسَه لأكثر من دقيقة واحدة. ولماذا لا يمكننا ذلك مدة أطول؟ إن الرئتين وحدهما تحويان كمية أكسجين كافية لإعاشتنا مدة أربع دقائق، غير أن القليل منا يمكنهم حبس أنفاسهم لمدة قريبة من هذا الحد دون تدريب. وفي هذا الصدد، فإن ثنائي أكسيد الكربون (وهو الغاز الذي يطرح مع الزفير والذي تنتجه الخلايا عند استهلاكها للغذاء والأكسجين) لا يتراكم إلى مستويات سامة في الدم بسرعة كبيرة كافية لتفسر حدّ الدقيقة الواحدة. وعند الغطس في الماء يمكن للبشر حبس أنفاسهم لمدة أطول، وهذا التحديد ربما ينشأ جزئيا عن زيادة التحفيز لتجنب غمر الرئتين بالماء (ليس من الواضح إذا كان لدى البشر ارتكاس الغطس(2) المعهود لدى الحيوانات المائية الثديية والطيور والذي يؤدي إلى خفض معدل الاستقلاب أثناء حبس النّفَس عندما تكون هذه الحيوانات مغمورة بالماء)، غير أن المبدأ يظل قائما: فالغطاسون الذين يحبسون أنفاسهم يشعرون بأنهم مكرهون على أن يجذبوا نفسا قبل أن ينفد لديهم الأكسجين فعلا. وكما لاحظ <شنايدر> فإنه «من المستحيل عمليا للإنسان في مستوى سطح البحر أن يحبس نفَسَه إراديا حتى يفقد الوعي». وقد يحدث فقد الوعي نادرا في ظروف استثنائية مثل منافسات الغطس المتطرفة، وتشير بعض الروايات إلى حالات نادرة تمكن الأطفال أثناءها من حبس أنفاسهم لمدة طويلة حتى فقدوا وعيهم، غير أن الدراسات المختبرية أكدت أننا, نحن الراشدون من البشر, لا يمكننا فعل ذلك. فقبل أن يبلغ مستوى الأكسجين حدا ضئيلا جدا أو يصل مستوى ثنائي أكسيد الكربون إلى حد مرتفع جدا يَحدثُ شيء على ما يبدو يوصلنا إلى نقطة الانهيار (كما يسميها الباحثون) والتي لا يمكننا بعدها مقاومة أن نلهث طلبا للهواء.
وأحد التفسيرات المنطقية الافتراضية لنقطة الانهيار هي أن محساسات sensors متخصصة في الجسم تراقب التغيرات الفيزيولوجية المصاحبة لحبس النّفَس والتي تحفز جذب نفس قبل أن يتوقف عمل الدماغ. والمرشحون الواضحون لهذه المحساسات هي الأجهزة التي تراقب التوسع المديد للرئتين والصدر أو تلك التي تكشف انخفاض مستوى الأكسجين أو ارتفاع مستوى ثنائي أكسيد الكربون في الدم أو في الدماغ. ومع ذلك لم تصمد أي واحدة من تــلــك الأفكــار، فقــد جرى اســتبعاد تــورط أجهــزة اسـتشعار حجم الرئتين من خلال التجارب التي أجريت بين عامي 1960 و 1990 من قبل <.R .H هارتي> و <.H .J إيزيلي> اللذين عملا مستقلين في مختبر Abe Guz بمستشفى تشارينگ كروس في لندن، إضافة إلى التجارب التي أجراها <.A .P فلوم> الذي كان يعمل وقتها بجامعة كارولينا الشمالية في تشاپل هيل. وقد أظهرت تجاربهم أنه ليس بمقدور مرضى اغتراس الرئة(3)، الذين قطعت لديهم الاتصالات العصبية بين الرئتين والدماغ، ولا المرضى الذين خُدِّروا تخديرا نخاعيا تاما، وأحصرت(4) لديهم بذلك المستقبلات الحسية لعضلات الصدر، أن يحبسوا أنفاسهم لمدة طويلة غير طبيعية. (من المهم الإشارة إلى أن التخدير النخاعي التام لم يؤثر في عضلة الحجاب الحاجز لأسباب ستكون واضحة فيما يلي). ويبدو أن الأبحاث قد استبعدت تورط جميع وسائل الاستشعار الكيميائية المعروفة (المستقبلات الكيميائية) للأكسجين وثنائي أكسيد الكربون. فلدى البشر تكون وسائل الاستشعار الوحيدة المعروفة لنقص الأكسجين موجودة في الشرايين السباتية(5) تحت زاوية الفك السفلي تماما وهي التي تزود الدماغ بالدم، أما المستقبلات الكيميائية التي تكشف ارتفاع مستوى ثنائي أكسيد الكربون فهي موجودة في الشرايين السباتية وفي جذع الدماغ الذي يتحكم في التنفس المنتظم والوظائف المستقلة (اللاإرادية) الأخرى. فإذا كانت المستقبلات الكيميائية للأكسجين هي التي تسبب الإحساس العاجل بنقطة الانهيار، فإنه من دون الإشارات الارتجاعية الصادرة عنها يكون بمقدور البشر أن يحبسوا نَفَسهم حتى يفقدوا الوعي. إلا أن التجارب [التي أجريت في مختبر واسرمان بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس] بيّنت أن المرضى لا يمكنهم فعل ذلك حتى عندما تقطع الوصلات العصبية ما بين المستقبلات الكيميائية في شرايينهم السباتية وجذوع أدمغتهم. فضلا عن ذلك، إذا كان نقص مستوى الأكسجين أو ارتفاع مستوى ثنائي أكسيد الكربون وحدهما قد فرضا نقطة الانهيار، فإنه عندما تتخطى هذه المستويات حدودا معينة يصبح حبس النّفَس أمرا مستحيلا. بيد أن العديد من الدراسات بينت أن ذلك ليس هو الواقع. وينبغي أيضا أن يكون صحيحا أنه بعد أن تحث مستويات الغازين نقطة الانهيار يبقى حبس النّفَس أمرا مستحيلا حتى تعود مستويات الأكسجين وثنائي أكسيد الكربون إلى مستواها الطبيعي، ولكن لم تثبت صحة هذه الفرضية أيضا، وقد لاحظ الباحثون ذلك منذ أوائل القرن العشرين. وفي عام 1954 وجد <.S .W فلاور> [من مايو كلينك] أنه بعد حبس النفس لأقصى مدة يكون بمقدور الأشخاص إعادة فعل الأمر نفسه فورا إذا ما استنشقوا غازا خانقا، وربما كرروا ذلك مرة ثالثة على الرغم من أن مستوى الغازات في دمائهم يزداد سوءا بصورة متدرجة. وقد أثبت المزيد من البحث أن تلك القدرة الفذة على حبس النفــس المتكــرر هي أمر مستقل عن عدد مرات الاستنشاق أو الكمية التي تُستَنْشق من الغازات الخانقة. وفي عام 1974 أوضح <.R .J ريگ> و<.M كامبل> [من جامعة ماك ماستر بكندا] أن هذه القدرة تستمر حتى ولو حاول الأشخاص مجرد الشهيق أو الزفير بينما تكون مسالكهم الهوائية مغلقة. وعندما نضع كل ذلك معا، يتضح أن جميع التجارب التي تتعلق بتكرار مناورات حبس النفس توحي أن الحاجة إلى سحب النفس تتعلق بشكل ما بالفعل العضلي نفسه وليس بوظائف تبادل الغازات المرتبطة به. وعندما يكون الصدر منتفخا بشدة فإن ميله الطبيعي يكون نحو التراجع ما لم تحتفظ به عضلاتُ التنفس الشهيقية في حالة الانتفاخ. لذلك بدأ الباحثون في نقطة الانهيار بالبحث عن الإجابات في أجهزة التحكم العصبي والآلي بعضلات التنفس الشهيقية. وكجزء من عملهم فإنهم يرغبون أيضا معرفةَ ما إذا كان حبس النفس يتضمن توقفا إراديا لنظم التنفس التلقائي الذي يقود تلك العضلات، أو منعا لعضلات التنفس من أن تُعبِّر عن هذا النظم الآلي. تجارب غير قابلة للتكرار(***) يمكن القول إن الإيقاع(6) الطبيعي يبدأ عندما يرسل جذع الدماغ دفعات (نبضات) impulses إلى عضلة الحجاب الحاجز(7) التي تشبه الزبدية عبر العصبين الحجابيين(8) ليخبرها بأن تتقلص وتنفخ الرئتين، وعندما تتوقف الدفعات فإن الحجاب الحاجز يرتخي ويتضاءل حجم الرئتين. وبعبارة أخرى، فإن نمطا من الفاعلية العصبية – النظم التنفسي المركزي – يعكس دورة أنفاسنا. وعند البشر ليس بمقدورنا من الناحية التقنية والأخلاقية أن نقيس هذا الإيقاع (النظم المركزي) مباشرة من الأعصاب الحجابية أو من جذع الدماغ، ومع ذلك فقد ابتكر الباحثون طرقا لتسجيل النظم التنفسي المركزي بصورة غير مباشرة: وذلك بمراقبة النشاط الكهربائي في عضلة الحجاب الحاجز ومراقبة الضغط في المسالك الهوائية أو أي تغييرات في الجملة العصبية المستقلة مثل نظم ضربات القلب (الذي يعرف باسم اضطراب النظم الجيبي التنفسي(9)). واعتمــــــادا عـلى تلــــك القيــــاســات غيــــر المبــــاشـــــرة أظـهـــــر <.E إگوستوني> [من جامعة ميلانو في إيطاليا] عام 1963 أنه تمكن من كشف نظم تنفسي مركزي لدى البشر الذين كانوا يحبسون أنفاسهم وذلك قبل فترة من وصولهم إلى نقطة الانهيار، وفي تجارب ذات علاقة بالموضوع في جامعة بيرمنگهام أُجــريـــت عــامي 2003 و 2004، اســـتخدمـــتُ مع الطــالبــــة <.E .H كوبر> واختصاصي التخدير <.H .Th كلاتون-بروك> اضطراب النظم الجيبي التنفسي لنبيّن أن اضطراب النظم التنفسي المركزي لا يتوقف أبدا: وأنه يستمر طوال فترة حبس النفس. لذلك، فإن حبس النفس لابد أن يتضمن كبح الحجاب الحاجز عن التعبير عن النظم التنفسي المركزي. ومن المحتمل أن يكون ذلك من خلال انقباض إرادي مستمر لتلك العضلة. (يبدو أن العديد من التجارب استبعدت مشاركة العضلات والبنى الأخرى في التنفس الطبيعي.) إن نقطة الانهيار قد تعتمد بالمثل على الارتجاع الحسي المرتد إلى الدماغ من الحجاب الحاجز الذي يعكس مثلا مدى تمدده أو إرهاقه بالعمل. وإذا كان الأمر كذلك فإن إحداث شلل في الحجاب الحاجز لاستبعاد الارتجاع الحسي إلى الدماغ من شأنه أن يتيح للأشخاص أن يطيلوا فترة حبس أنفاسهم جدا إن لم يكن ذلك إلى أجل غير محدد. وكان ذلك هو المتوقع في واحدة من أكثر تجارب حبس النفس ترهيبا على الإطلاق، والتي أجراها <كامبل> في مستشفى هامر سميث بلندن في أواخر الستينات من القرن العشرين. فقد وافق متطوعان واعيان وسَلِيمان على أن نُشلَّ مؤقتا جميع عضلاتهم الهيكلية باستخدام مادة الكورار curare في الوريد – باستثناء عضلات أحد الساعدين الذي يُستخدم في الإشارة إلى ما يريدان. وأمكن الإبقاء على هذين الشخصين حيّين باستخدام جهاز تنفس آلي، وتمّت محاكاة حبس النفس بإطفاء الآلة، وعيّن الشخصان نقطة الانهيار بالإشارة إلى رغبتهما في إعادة تشغيل جهاز التنفس. كانت نتائج التجربة مذهلة، فقد كان المتطوعان سعيدين بترك الجهاز مطفأً لمدة لا تقل عن أربع دقائق. وعند تلك النقطة تدخّل المشرفُ على التخدير نظرا لارتفاع مستوى ثنائي أكسيد الكربون في دمهما مما يعرضهما للخطر، وعندما زال أثر الكورار أفاد الشخصان بأنهما لم يشعرا بأي انزعاج أو أعراض مؤلمة ناشئة عن الاختناق.
ولأسباب واضحة فإن تكرار مثل هذه التجربة الجريئة أمر نادر. وقد حاول بعض الباحثين استنساخ نتائج <كامبل> ولكنهم فشلوا، غير أن متطوعيهم الشجعان وصلوا إلى نقطة الانهيار بعد برهة قصيرة دون أن يرتفع لديهم مستوى ثنائي أكسيد الكربون عن المستوى الطبيعي إلا بقدر طفيف. وتوحي هذه الملاحظات أن هؤلاء الأشخاص ربما اختاروا أن ينهوا اختباراتهم مبكرا بسبب الضيق الناشئ عن أنابيب الهواء التي تُبقِي المزمار مفتوحا (وهي تدابير أمان حديثة لم تكن موجودة في تجربة <كامبل>)، وبسبب زيادة وعيهم بخطورة الأمر على حياتهم. ومع ذلك، فإن تجارب مماثلة أجراها <.M .I .M نوبل> في مختبر Abe Guz بمستشفى تشارينگ كروس في السبعينات من القرن العشرين يبدو أنها تؤكد أن شلل الحجاب الحاجز يطيل أمد حبس النفس. وقد استخدم <نوبل> وزملاؤه المناورة الأقل تهديدا للحياة وهي إحداث شلل في الحجاب الحاجز فقط بدلا من شلّ كامل الجسم، وذلك بتخدير العصبين الحجابيين، وقد ضاعف هذا الفعل متوسط فترة حبس النفس للشخص الواحد وقلّل من الأحاسيس غير المريحة التي تصاحب حبس النفس.
التفسير الأفضل حاليا(******) وهكذا، فإن الموازنة بين الأدلة ترجح التخمين بأن تقلصا إراديا مطولا للحجاب الحاجز يسبب حبس النفس بإبقاء الصدر منتفخا، وربما تعتمد نقطة الانهيار كثيرا على المنبهات التي تصل إلى الدماغ من الحجاب الحاجز في حالة التقلص غير الطبيعية تلك. وأثناء هذا التقلص المطول يستقبل الدماغ، ربما دون وعي تام، الإشارات من الحجاب الحاجز معتبرا إياها في البدء غير مريحة بشكل مبهم ولكنها تصبح غير محتملة بعد ذلك فتسبب نقطة الانهيار، ويستعيد النظم الآلي السيطرة بعد ذلك. وهذه الفرضية لم تتبلور تماما بعد، ولكنها تتواءم مع ملاحظات <فاولر> (وهي أن إنهاء حبس النّفَس يتم بالضرورة بإرخاء الحجاب الحاجز، ويمكِّن من حبس النفس مرة أخرى)، فضلا عن تأثيرات نفخ الرئتين ومنابلة(11)غازات الدم خلال حبس النفس، فإن ارتخاء الحجاب الحاجز ولو بقدر بسيط وإخراج القليل من الهواء قد يؤخر نقطة الانهيار بتخفيف الإشارات الصادرة عن محساسات التمدد في الحجاب الحاجز. كما أن رفع مستوى الأكسجين وخفض مستوى ثنائي أكسيد الكربون في الدم ربما يطيلان أيضا القدرة على حبس النفس بتقليل المؤشرات الكيميائية على إجهاد الحجاب الحاجز، وأن أي شيء من شأنه منع الدماغ من مراقبة مثل هذه المعلومات (مثل إحصار(12) blocking الأعصاب الموصلة بين الحجاب الحاجز والدماغ) سيطيل هذا الأمد. إن قدرة الدماغ على تحمل مثل تلك الإشارات غير المريحة تعتمد أيضا على مزاجك وتحمسك وقدرتك على أن تنشغل بالحساب الذهني. وهذه الفرضية هي التفسير الأكثر بساطة الذي يوحّد بين نتائج التجارب. فبعض تلك التجارب استخدم عددا قليلا من الأفراد، لذلك لا يمكن اتخاذها أساسا لتعميم يعوّل عليه، كما أن الموافقة الأخلاقية على إعادة مثل تلك التجارب ربما لا يمكن الحصول عليها. والقطع الجوهرية لأحجية الصور المقطعة ربما لا تزال مفقودة. وفضلا عن ذلك، فإن قطعة الأحجية التي ما زالت غير موائمة تماما تأتي من تجارب <نوبل> ومختبر Abe Guz الدراماتيكية لحبس النفس (والتي لا يمكن إعادتها الآن لأسباب أخلاقية). فقد ضاعف هذان الباحثان مدة حبس النّفَس ثلاث مرات عند ثلاثة أشخاص أصحاء بتخدير طاقمين من الأعصاب القحفية (الأعصاب المبهمة التي تذهب من الدماغ إلى الأعضاء الصدرية والبطنية، والأعصاب اللسانية البلعومية التي تذهب إلى المزمار والحنجرة وأجزاء أخرى من الحلق). ويبدو أن هذه النتيجة قد تحققت من دون التأثير في الحجاب الحاجز، فيما عدا احتمال أن يكون العصب المبهم ينقل بعض الإشارات من الحجاب الحاجز. وهناك احتمال ضعيف في أن تضم الحنجرة عضلة متورطة في حبس النفس: ففي عام 1993، عندما قام <.M مندلسون> [الجراح في سيدني بأستراليا] بمشاهدة المزمار (باستخدام كاميرا مثبتة في أحد المنخرين) لاحظ أن المزمار بقي مفتوحا طوال فترة حبس النفس. وتدعم هذه الملاحظة على ما يبدو الحدس بأن الحجاب الحاجز هو المفتاح. إنقاذ الأرواح(*******) إن الفهم الأفضل لمدى قدرة الناس على حبس أنفاسهم له استخداماته في مجال الطب. فقد يتضمن علاج سرطان الثدي مثلا إعطاء المرضى معالجة إشعاعية الهدف منها إيصال جرعة مميتة لكامل الورم دون إبداء النسج السليمة المحيطة به، ويتطلب ذلك دقائق من التعرض للإشعاع يتعين على المريضة خلالها أن تحاول إبقاء صدرها بلا حراك، ولأن حبس النفس هذه المدة الطويلة غير عملي، فإن الممارسة الحالية تستخدم دفعات صغيرة من الإشعاع مؤقتةً لتصل ما بين نَفَس المريضة عندما تكون حركة صدرها في أدنى درجاتها، ومع ذلك يتحرك الصدر مع كل نَفَس ولا يرجع بالضرورة تماما إلى موضعه السابق. وقد بدأتُ الآن مع الفيزيائي الطبي <.S كرين> واختصاصي الأورام <.A ستيڤنز> واختصاصي التخدير <كلاتون-بروك> بإجراء تجارب (ممولة من مستشفى بيرمنگهام تشارتيز الجامعي) لاختبار ما إذا كان من الممكن أن نطيل حبس النفس مدة كافية لمساعدة المداواة بالمعالجة الإشعاعية. إن فهما عمليا لحبس النفس ربما تكون له قيمته للأشخاص الذين يُنفّذون القانون عندما يعتقلون المشتبه بهم بالقوة. ففي كل عام، وفي جميع أنحاء العالم قد يموت بعض الأشخاص المعتقلين بشكل غير مقصود. فرفع معدلات الاستقلاب وخفض مستوى الأكسجين في الدم ورفع مستوى ثنائي أكسيد الكربون في الدم كلها تُنقِص مدة حبس النفس لدى الشخص، وهكذا فإن الشخص الثائر أو الذي يتعارك مع الآخر أو الذي نريد أن نجبره على البقاء منبطحا على الأرض يحتاج إلى أن يجذب نفسا في وقت أبكر من الشخص المسترخي. في عام 2000، درس <.R .A كيومن> وفريقه من مستشفى تشارينگ كروس ما حدث بعدما أطلق ثمانية أشخاص زفرات إلى الحد الأقصى ثم حبسوا أنفاسهم بعد ركوب دراجات بسرعة متوسطة لمدة دقيقة واحدة: فقد انخفضت مدة حبس أنفاسهم إلى خمس عشرة ثانية وانخفض المستوى المتوسط للأكسجين في دمائهم بدرجة كبيرة، وظهر لدى اثنين منهم عدم انتظام في ضربات القلب. وقد استنتج الباحثون من ذلك أن وقت التنفس لمدة قصيرة أثناء الاعتقال بالقوة ربما يفسر حالات الوفاة تحت هذه الظروف، وقد وضعت سلطات تنفيذ القانون بعناية مبادئ توجيهية لاستخدامها عند الاعتقال بالقوة، وينبغي اتباع هذه المبادئ بدقة. وتفتح مثل هذه الاستقصاءات الخاصة بحبس النفس البابَ على مجالات حيوية من الفيزيولوجيا البشرية، ومن الواضح أن المزيد من الاكتشافات الرائدة، وبخاصة ما يتعلق بالحجاب الحاجز نفسه، ستبقى في المقدمة، الأمر الذي سيترك بعضنا مبهورا بهذه الاكتشافات. المؤلف
مراجع للاستزادة
Diaphragm Activity during Breath Holding: Factors Related to Its Onset. E. Agostoni in Journal of Applied Physiology, Vol. 18, No. 1, pages 30–36; 1963. (*) THE LIMITS OF BREATH HOLDING (***) UNREPEATABLE EXPERIMENTS (****) What Triggers Break Point? (*****) Secrets of Champions (*******) SAVING LIVES
(1) landmark studies (2) Diving reflex (6) rhythm أو: النظم. (10) مفردها: صِمامة. |