أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

سيارة فائقة السرعة تعمل بالبطارية

سيارة فائقة السرعة تعمل بالبطارية(*)

قلَّما تمكنت سيارة تعتمد على البنـزين من تخطي السرعة 400 ميل

في الساعة. واليوم يزمع فريق من طلبة جامعة أوهايو كسر

هذا الرقم بابتكار سيارة كهربائية بمواصفات خاصة.

<G. مون>

 

 

باختصار  

 

ينبري فريق بوكاي بوليت(1) في جامعة  ولاية أوهايو لتصميم ما يأمل بأن يكون أول مركبة كهربائية تتجاوز السرعة 400 ميل في الساعة، وهو إنجاز لم تحققه حتى الآن سوى تسع سيارات تعمل بالبنـزين.

وقد حددت النماذج الأولى أرقاما قياسية لسرعة المركبة الكهربائية، لكن تجاوز السرعة 400 ميل في الساعة يتطلب من فريق العمل إيجاد حلول لعدد كبير من المشكلات الهندسية.

ومن بين التحديات: توليد قدرة كافية مستمدة من المحركات الكهربائية الأربعة، وتعديل المنظومة الدينامية الهوائية (الأيرودينامية) aerodynamics بحيث تبقى السيارة مسرعة مع الحفاظ على توازنها، والاستيقان من أن الإطارات لن تنفجر.

وإذا سارت الأمور كما هو مرسوم لها، فسيتاح لفريق العمل إجراء تجاربه في تجاوز السرعة 400 ميل في الساعة خلال جولات الاختبار المقررة في الشهر 2013/9 على مسطحات بونيڤيل المالحة بولاية يوتو الأمريكية.

 

 

بينما كان <.J .R كرومر> في طريقه يوما لحضور حصة دراسية في الرياضيات، وذلك عندما كان طالبا في السنة الأولى بجامعة ولاية أوهايو، رأى إعلانا عن فريق طلابي يقوم بتصميم سيارة تعمل بخلية وقود(2). وإذ لم يسبق له أن أنشأ في حياته شيئا أعقد من تجميع قطع إنسالية(3) تعتمد على لعبة لوگو(4)، فقد بعث إيميلا(5) (رسالة إلكترونية) إلى تلك المجموعة يطلب الانضمام  إليها على أي حال. ومما أدهشه استجابة أعضاء الفريق لطلبه على الفور. ويقول <كرومر> مستذكرا: «ظننت أن ثمة شروطا كثيرة سيطلب إليّ استيفاؤها أولا، لكنهم لم يضيفوا شيئا على دعوتي إلى الحضور.»

 

توجه <كرومر> إلى مكان عمل الفريق في مركز أبحاث السيارات (6)(CAR) التابع للجامعة، ليجد مجموعة فريدة من مهندسين ذوي وجوه فتية في معظمها، يعكفون على فحص مَرْكَبات بوكاي بوليت، وهي مجموعة سيارات تعمل بالوقود البديل، حطمت أرقاما قياسية عالمية. وسرعان ما أدرك <كرومر> أن أعضاء هذه المجموعة يُعِدُّون لاختبار مدى صدق التزامه أولا. وقد بدأ بالعمل في المكافئ الهندسي لغرفة البريد. وعلى مدى الشهور الأولى تركز جل عمله على تكنيس ورشة العمل، أو ترتيب وتنظيم مختلف الأدوات وقطع الغيار. ومع ذلك، وخلال أداء <كرومر> مهام الحراسة والإشراف، أخذ كبار أعضاء الفريق تلقينه مبادئ التشبيك السلكي(7) ونظم التحكم وغيرها. وما لبث أن صار يتعلم في ورشة العمل أكثر مما كان يتعلمه في الجامعة. وفي العام التالي تخرج اثنان من الطلبة المتقدمين، وصار <كرومر> مسؤولا عن شؤون الهندسة الكهربائية. وهو يقول معقبا: «تبين لي أن المرء إذا كان مستعدا طواعية للجد والسهر، أمكنه الإحاطة بالأمور بسرعة كبيرة.»

 

وفريـق بوكـاي بوليــت غني بوقـائـع مماثلــة؛ فرئيـس الفريــق <.D كوك> انضم إليه صدفة عندما كان طالبا في السنة الأولى من الجامعة، والمهندس المتقدم <.E مالي> انضم إلى هذا الفريق وهو طالب مدرسة ثانوية ساذج مغرم بالسيارات السريعة. ويقول <كوك> إن الفريق لا ينظر – لدى تقويمه لمتقدمين جدد للعمـل مع هـذا الفريـق – إلى مــا يحرزونـه من حاصل ذكاء(8) عال بقدر اهتمامه بمدى رغبتهم التلقائية في العمل. وواقع الأمر أن أرق <كرومر> الطوعي هو سمة مميزة للمجموعة كلها؛ فما أكثر ما راقب مهندسو فريق بوليت بزوغ خيوط الفجر الأولى من تحت أبواب المرأب العالية(9) (البالغ ارتفاعها ثلاثين  قدما) عند الطرف الأقصى لورشة عملهم. إنهم لا يجدون غضاضة في النوم على أرض قاعة الاجتماعات، بل في أقسام الاختبار أحيانا. وهم يأنفون من سلوكيات الطالب الذي يبدد عطلة نهاية الأسبوع منغمسا في شرب ولهو، ويؤثرون أن يقضوا وقتهم بعمل ما هو مفيد، كقصّ المعادن واختبار البطاريات وتصميم منظومات تعليق(10) خاصة.

 

ومنظومات التعليق هذه ليست مما يستعمل في سيارات السباق الصغيرة. وقد أنتج فريق بوليت عددا من أسرع المركبات في التاريخ التي تعمل بالوقود البديل؛ فقد بلغ معدل السرعة القصوى للسيارة التي تعمل بخلايا وقود هدروجينية والتي أثارت اهتمام <كرومر> 268 ميلا في الساعة عام 2008. وبعد عامين، أعاد فريق بوليت نمذجة خلايا الوقود تلك في سيارة سباق تعمل بالبطارية تجاوزت سرعتها الـ300 ميل في الساعة. ويزمع الفريق أن يطلق، في الشهر 2013/9 سيارته بتصميمها الجديد، وذلك للمشاركة في سباقات بونيڤيل بولاية يوتا، لتكون أول سيارة سباق كهربائية تتجاوز سرعتها الـ400 ميل في الساعة.

 

ويُذكر أن تسع سيارات فقط تعمل بالبنـزين، وبدفع العجلات wheel – driven تمكنت من بلوغ تلك السرعة. ويقر <كوك> بأن «التحول من السرعة 300 إلى 400 ميل في الساعة يمثل قفزة كبيرة جدا»؛ فعندما تقارب سرعة السيارة 400 ميل في الساعة تزداد مقاومتها الدينامية الهوائية ازديادا هندسيا(11)، بحيث تتطلب المحركات عندئذ تيار شحنة أكبر، وهذا يعني مزيدا من البطاريات ووزنا إضافيا لعربة يلزمها في المقام الأول أن تكون أخف ما يمكن وزنا. وأخيرا، فإن دوران العجلات بسرعة عظيمة كهذه ينذر بتمزيقها بفعل قوى الطرد المركزي(12). فالتحديات إذاً عسيرة حقا إلى درجة تكفي لتثبيط همة فريق من المهندسين المتمرسين، فكيف الأمر بمجموعة فتية من الطلبة.

 

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2013/09-10/sa0213Mone021_opt.jpeg

ومضة كهربائية(13): سجلت السيارة بوكاي بوليت 2.5(14) سرعة بلغت 307 أميال في الساعة، على مسطحات بونيڤيل المالحة بولاية يوتا الأمريكية Utah’s Bonneville Salt Flats عام 2010.

 

 

 

تصميم سريع(**)

 

وفي عام 1993، قام <.G ريزوني> [مدير المركز CAR حاليا] بتأليف أول فريق طلابي للمشاركة في سلسلة سباقات جامعية قصيرة الأمد لسيارات تعمل بالبطارية. وحينها فازت سيارة الفريق، المسماة سموكن بوكاي Smokin’ Buckeye، في معظم السباقات. ولكن سلسلة السباقات هذه ألغيت في غضون بضع سنين، وظن <ريزوني> أن ذلك إيذان بنهاية البرنامج. غير أن اثنين من طلبته أبلغاه أنهما أبرما صفقة رعاية sponsorship deal مع إحدى الشركات المحلية، فقد كانا يعتزمان بناء أسرع سيارة كهربائية في التاريخ. ويقول <ريزوني> فيما بعد مستذكرا: «نظرت إلى الطالبين وقلت لهما: ‘لا شك في أنكما أحمقان’.»

 

وعلى مدى السنوات العشر التالية، تمكن فريق بوليت من استحداث ثلاث مَرْكَبات حطمت الأرقام القياسية العالمية. واليوم أصبح <ريزوني> أبعد ما يكون عن التشكيك بقدرة أعضاء فريق العمل وسُمُوِّ مقاصدهم، وبكفاءاتهم في مضمار الهندسة وإبرام الصفقات. إن <كوك> وفريقه، لما عقدوا العزم على كسر رقم السرعة 400 ميل في الساعة، كانوا يدركون تماما أن عليهم أن يبتعــدوا عن السـبل المتعارف عليها في التمويل، فلجؤوا إلى <.P .G پاستور> [صاحب الشركة Venturi Automobiles لصناعة السيارات الكهربائية، ومقرها موناكو] الذي كان يبلغ من العمر حينذاك 45 سنة. وكان <پاستور> هذا، وهو نفسه من هواة سباق السيارات سابقا ومدير إمبراطورية للعقارات في موناكو وصاحب مطعم فيها، يرصد تحركات فريق بوليت على مدى عدة سنوات. وفي عام 2010 عقد صفقة رعاية لدعم مشروع يسعي إلى بلوغ السرعة 400 ميل في الساعة.

 

نماذج محاكاة حاسوبية(15)

شكل السرعة(***)

 

عندما تدخل سيارات السباق ضمن أنفاق هوائية، يضع المصممون حزاماً دوارا(16) تحت  المركبات لنمذجة التآثر بين السيارة والأرض بدقة. ولكن معظم الأحزمة تعمل فقط حتى سرعة 150 ميلا في الساعة، لذلك يُجري فريق بوكاي بوليت نمذجة دينامية هوائية باستعمال ديناميات الموائع المحوسبة(17) (في  الأعلى والوسط). وقد أمكن الوصول إلى التصميم الدقيق للسيارة الجديدة باستخدام وحدات بطاريات مسطحة «جرابية» (في الأسفل)

 

a0213Mone13.psd

a0213Mone12.psd

a0213Mone11.psd

 

 

وبعد سنتين، وفي يوم أربعاء رطب من الشهر 2012/8، عقد <كوك> البالغ من العمر 26 سنة اجتماعا في المقر الرئيسي للمركز CAR، وهو مبنى مؤلف من طبقتين، ذو واجهة قرميدية من الأمام، وعدة مرائب(18) كهفية الشكل في الخلف،  بَيَّنَ فيه أن التصميم الإجمالي للسيارة أوشك أن يتحدد نهائيا. إن المركبة السريعة المزمع تصميمها والمسماة ڤنتوري بوكاي بوليت 3(19) (أو VBB33، اختصارا) هي سيارة رباعية الدفع، طولها 388 قدما. ولما كانت القدرة اللازمة لزيادة سرعتها إلى 400 ميل في الساعة أكبر بكثير مما يحتمله محرك واحد، يعتزم الفريق توزيع الحِمل على أربعة محركات، بحيث يولد كل محرك 400 حصان، أي ما مجموعه 1600 حصان.

 

ويتعاون <كوك> وعدد من زملائه حاليا مع مهندسي الشركة Venturi لتصميم محرك بمواصفات خاصة. وقد حدد مهندسو فريق بوليت الأبعاد المثالية ومواصفات الأداء وسائر التفاصيل الأخرى. وما برحوا يعيدون التصاميم ويقاربونها طوال عام كامل. وقد بدأ <پاستور> بإجراء اختبارات طرق على نسخة مصغرة لمحرك بوليت في النموذج المسمى America model (من الشركة Venturi)، وهي سيارة رياضية كهربائية تبلغ سرعتها العظمى 124 ميلا في الساعة. ويُنتظر أن تكون محركات بوليت الأربعة أطول بقليل وأعلى قدرة، ولكنها لن تكون جاهزة قبل بضعة أسابيع.

 

ومع ذلك، لا تمثل المحركاتُ الهاجسَ الأكبر في الوقت الحاضر؛ ففي المركز CAR يجتمع الطلبة المتخرجون وغير المتخرجين من الفريق VBB3، ومنهم <كوك> و<مالي> ومهندس آخر اسمه <.L وانگ >، في مكتب واحد صغير. وحين يدخل <كوك> و<مالي> يقوم <وانگ> بتقليب نموذج ثلاثي الأبعاد لجنيح الذيل tail fin الشاقولي للسيارة على شاشة حاسوبه، وذلك بصفته خبيرا في مجال الدينامية الهوائية، التي تمثل بالتأكيد التحدي الأكبر للقفز من السرعة 300 إلى 400 ميل في الساعة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن القدرة اللازمة للتغلب على المقاومة الدينامية الهوائية تتناسب مع مكعب السرعة المطلوبة، ومن ثم فإن مضاعفة السرعة مرتين تحتاج إلى ثمانية أضعاف القدرة تقريبا.

 

أمضى <.C بورك> [وهو عضو سابق في الفريق غادره تَوّاً ليعمل في شركة Boeing] سنتين يضبط الغلاف الدينامي الهوائي للسيارة VBB3 ضبطا دقيقا، فيعدل في شكله تارة ويضيف مزايا من شأنها خفض مقاومة الهواء من مثل استعمال ألواح تخميد spoilers تارة أخرى. وستتميز السيارة VBB3 بهيكل فولاذي وغلاف خارجي من ألياف الكربون، ذي نواة قوية وخفيفة الوزن في آن معا، مصنوعة – في جزء منها – من ألياف النوميكس Nomex المقاومة للاحتراق. ومع ذلك، فهناك ثمة مشكلات كبيرة أخرى تنتظر حلا. وحاليا ينصرف اهتمام <وانگ> إلى الجنيح الذيلي للسيارة.

 

إن كل ما يبرز خارج السيارة من شأنه أن يزيد من مقاومة الهواء، ولكن فريق العمل مضطر إلى وضع جنيح ذيلي، حرصا على سلامة سائق الاختبار(20)  test driver .R< شروير> [خبير في سباق السيارات عمره 622 عاما]. ويمكن أخذ محصلة جميع القوى الدينامية الهوائية المؤثرة في السيارة وجعلها تبدو متمركزة في نقطة واحدة تسمى مركز الضغط(21). فإذا وقعت هذه النقطة باتجاه المؤخرة وكان مركز كتلة السيارة أقرب إلى المقدمة، وازنت هاتان النقطتان إحداهما الأخرى وبقيت السيارة على مسار مستقيم حتى بوجود رياح جانبية، علما بأن السيارة VBB3 ستُزوَّد بعدة مظلات وبمجموعة من المكابح الاحتياطية من النمط المستعمل في الطائرات. على أن أيا منها لن يفيد <شروير> في حالة الدوران السريع. ويؤكد <كوك> أن «حياة <شروير> وسلامته هي ما يهمهم أولا وأخيرا.»

 

والسؤال هنا: كيف نصل إلى توازن بين الدينامية الهوائية والسلامة؟ بنقرة سريعة على فأرة الحاسوب يفصل <وانگ> الذيل ويديره في الفضاء الافتراضي الثلاثي الأبعاد، فيحوله من تصميم مسطح ينتهي إلى نقطة في الأعلى إلى شيء يشبه زعنفة ذيل دولفين – جنيح موجه أفقيا مثبت في أعلى جنيح شاقولي آخر. ويبين <مالي> أن الفريق يحاول استنباط طريقة لإضافة وحدة نظام تحديد المواقع (GPS) (22) وآلتي تصوير إحداهما مقابل المقدمة والأخرى تتجه نحو الخلف، بغية التقاط بيانات أثناء السباق، وأضاف <وانگ> الجنيحَ الأفقي لإيواء الجنيحات الثلاثة، ثم بعث بنسخته المعدلة إلى <بورك> في شركة Boeing.

 

ويبلغهم <وانگ> أن <بورك> يرفض الإضافة المقترحة، على اعتبار أنها ستزيد من مقاومة الهواء كثيرا. ويعقب <كوك> شارحا موقف <وانگ>: «إنه يقول: ‘إنكم بذلك تجعلون السيارة تتباطأ، فلا تفعلوا ذلك’.»

وبشيء من الانزعاج، يوضح <وانگ> الأمر قائلا: «كنت أعلم أن الإضافة الجديدة ستجعل السيارة أبطأ، ولكن ما مقدار هذا البطء؟»

 

ومع عودة <وانگ> إلى النموذج، ينتقل <كوك> إلى تحدٍ آخر، وهو البطاريات. فقد كان في أول النهار يتباهى بعرض عدد من حجيرات اختبار البطاريات في المركز CAR. وفي داخل تلك الحجيرات، ثمة برامج مخصصة لاستنفاد خلايا البطاريات وشحنها تكرارا، ويجرى جميع ذلك في إطار ضبط للشروط البيئية. فهذا ما يتيح لمهندسي المركز CAR فهما أفضل للأداء الحقيقي للبطاريات، غير أنه لا يتوافق دوما مع المواصفات المعلنة. فعلى مدى السنة الماضية (2012)، كان <كوك> وفريق عمله يجرون اختبارات دقيقة على نموذج أولي لبطارية من الحديد والفوسفات النانوي وأيونات الليثيوم(23)، من الشركة المصنعة A123 Systems (لم تعد موجودة حاليا). وفي يوم السباق يتعين على السيارة VBB3 أن تنجز دورتين على الأقل لتحقق رسميا رقما قياسيا عالميا. وينبه <كوك> إلى أن البطاريات يجب أن تُستنفد تماما عند نهاية كل سباق سريع مدته 60 ثانية. ويردف قائلا: «نريد أن نستنفد كامل طاقة البطارية في شوط واحد، لأننا لو تركنا أي طاقة إضافية، فذلك يعني أننا نحمل مزيدا من الوزن في البطاريات.»

 

وتوصف بطاريات A123، التي شارك في تصميمها جزئيا عضوان سابقان من فريق بوليت كانا يعملان في الشركة، بأنها لا تختزن شحنة أكبر من كل ما سواها في السوق فحسب، بل إنها تفعل ذلك أيضا ضمن رزمة محكمة. ويوضح <كوك> أن الخلايا الأسطوانية القياسية، كتلك التي استعملوها في آخر سيارة سباق لهم، تشغل حيزا كبيرا جدا بحيث يترك المقطع العرضي الدائري فجوات لدى رزمها معا. ومن شأن ذلك الحيز الإضافي أن يفضي إلى زيادة في الحجم الإجمالي، ومن ثم إلى سيارة أكبر، وهذا يعني هيكلا ديناميا هوائيا أكثر سمكا، وصولا في النهاية إلى سرعة أقل.

 

يتناول <كوك> صندوقا أسود يشبه بطارية سيارة من على الرف المجاور لمكتبه، مع رزمة رقيقة مسطحة مربعة الشكل فضية اللون، قد يخطئ المرء فيحسبها كيس ثلج. وتُولِّد هذه البطاريات الجرابية الشكل تيارا شديدا من حيز صغير، وتحمل كل وحدة module سوداء 25 خلية جرابية، ترتص كل منها بجوار الأخرى من دون فجوات بينها. إذن، سيكون التوفير كبيرا مقارنة بالبطاريات الأسطوانية، ولاسيما إذا علمنا أنه سيكون لدينا بالمجموع 80 وحدة. ويقول <كوك>: «إنك بذلك تختزل ثلث الوزن والحجم، وهذا أقصى ما يمكن أن نحصل عليه.»

 

يمتد تحدي الرزم هذا إلى أبعد من البطاريات. وتهتم عملية تصميم العربة في المقام الأول بحشد أكثر ما يمكن في أصغر حيز ممكن. فمثلا، على الجانب الآخر من مركز عمل <كوك> يعرض مرقاب(24) <مالي> الحاسوبي أداء افتراضيا  لمنظومة التعليق. وكثيرا ما تستغني سيارات السباق التي تحطم أرقاما قياسية عن منظومة التعليق، تخفيفا للوزن. وإذ ليس أمام السائق سوى ميل واحد فقط ليزيد سرعة مركبته، فقد ثبت ل<مالي> وفريق العمل أنهم سيحتاجون إلى السَّحب على كل بوصة من هذا الميل المتاح، وأن أي مطب في المسطحات المالحة يسبب – ولو لحظيا – الدوران السريع للعجلات قد يؤدي إلى ضياع قدرة ثمينة. ولاحقا يشرح <مالي> أن مخمدات الصدم shocks في منظومة التعليق ستتموضع أساسا أسفل المحرك وناقل الحركة. وهو الآن بصدد تعديل ذلك التصميم. وقد رأى، بعد دراسة مختلف جوانب الرزم الإجمالي، أن المخمدات ربما تكون قد أزاحت مركز ثقل السيارة إلى الأعلى. ويقول <مالي>: «حين تفكر في وزن ناقل الحركة والمحرك فإنك في واقع الأمر تتحدث عن بضع مئات من الأرطال، وعليك أن تجعل هذا الوزن أصغر ما يمكن لتحقيق أسباب التوازن والرسوخ.»

 

تصميم

داخل صاروخ كهربائي(****)

 

تُجرى إعادة تصميم النموذج VBB3 من الصفر، بغلاف خارجي مصنوع من ألياف الكربون، وهيكل فولاذي خاص بالسائق، مُعدَّل عن تصميم إندي كار(IndyCar(25. وفي حين يزيد وجود جنيح ذيلي بارز من رسوخ السيارة – ولاسيما في حالة هبوب رياح معاكسة – فإنه يزيد من شدة المقاومة الدينامية الهوائية. أما القدرة فتستمد من 80 وحدة بطارية مصممة خصيصا، إضافة إلى أربعة محركات كهربائية، يولد كل منها 400 حصان. ومع انتهاء السباق تعمل ثلاث مظلات على الأقل على تخميد سرعة المركبة، علما بأنها مزودة بمكابح من نمط مكابح الطائرات، تستعمل كوسيلة احتياطية في حالات الطوارئ.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2013/09-10/Image666.jpg

 

 

بعد ذلك, يتوجه <كوك> إلى ورشة العمل – وهي مستودع طويل مفتوح يضم أيضا مشروعات أخرى يديرها طلبة وتتبع المركز CAR. وعند محطة بوليت يتناول <كوك> إطاراً مطاطيا لسيارة لا يتجاوز سمكه جزءا من 16 من البوصة، ويبين أن المركبة إذا تخطت السرعة 300 ميل في الساعة، دارت إطاراتها بسرعة هائلة بحيث تتسبب قوة الطرد المركزي بتمديد هذه الإطارات. وكلما زادت كمية المطاط، تزايدت الكتلة تبعا لذلك وتعاظمت القوة التي تعمل على تمزيق تلك الكتلة أكثر فأكثر. ومن هنا، فإن الإطار الرقيق (القليل السماكة) يعني كتلة صغيرة واحتمالا ضئيلا لتفسخه وانفراطه عند السرعات العالية. والمشكلة هي أن المركبة ستنطلق بأقصى سرعة على مسطحات مالحة وعرة إلى حد ما. ويتساءل <كوك>: «هل ستنجح هذه الإطارات؟ إنها من المشكلات التي تقض مضجعي حقا.»

 

العد التنازلي للإطلاق(*****)

 

بعد ثلاثة أشهر، وفي مطلع الشهر 2012/11، بات فريق العمل على مسافة شهرين فقط من بدء عملية بناء مركبته. وأعاد <مالي> تصميم منظومة التعليق لخفض مواضع المحركات ومركز ثقل السيارة، غير أن الذيل ما زال مثار جدل. ويدرس الفريق حاليا إمكان تطبيق إجراء احترازي للسلامة، يتمثل في إدخال ثلاث مظلات كبح، أو حتى أربع، علما بأن من شأن هذه الزيادات أن تجعل مؤخرة السيارة عريضة جدا، وذلك يزيد من مقاومة دينامية الهواء. ويقر <وانگ> أن «عدد المظلات ما زال حتى الآن أمرا عائما بين أخذ وردّ.»

 

وقبل ذلك بشهر، أفلست جهة التزويد ببطاريات A123، ومن حسن الحظ أَنْ بادرَ طلبة من خريجي الشركة السابقين بإنقاذ الموقف بهذا الشأن. ويقول <كوك>: «لدينا جميع ما يلزم منها وزيادة.»

 

وها هي المحركات قد اكتملت أيضا، ولو بشيء من التجديد والتعديل في الشكل. على أن مهندسي الشركة Venturi رأوا، بعد إجراء مزيد من اختبارات المحاكاة، أن المحركات قد لا تكون قادرة على توفير القدرة الكافية. ويقول <كوك>، الذي نادرا ما تثبطه المشكلات: «لقد تعلمنا ألا نذعن لمجرد أن يقال لنا ‘لا’؛ فلا بد أن نسأل عن السبب. لماذا لا يمكننا أن نستجر قدرة إضافية؟ هل لأنكم لا تستطيعون عمليا سحب أي تيار إضافي من الملفات النحاسية؟» وقد تبين من استقصاءات أخرى عميقة أن المشكلة في الحقيقة كانت تتعلق بدرجة الحرارة، وأن المحركات – حسبما أظهرت اختبارات المحاكاة – ستكون عرضة لفرط الإحماء overheating. وهذا ما دفع <كوك> و<مالي> وزميلهما الجامعي <.L كيلم> إلى التعاون مع الشركة Venturi لإعادة تصميم نظام تبريد المحرك؛ فغيروا آلية تدفق مادة التبريد المعتمِدة على الزيت، بحيث تكون على تماس مباشر مع المحرك عند عدد أكبر من النقاط، وبذلك تمكنه من سحب حرارة أعلى والإبقاء على درجة الحرارة منخفضة.

 

ويتمثل ميراث مشروع بوليت في هذا الشعار: ابتكارات تقانية محدودة، لكنها مهمة ولافتة، والتزام كبير لفهم حدود التقانات الموجودة بهدف تجاوزها. ويقول <پاستور> [من الشركة Venturi]: «إنها تجربة رائعة؛ عندما يتعين عليك أن تدفع بالمكونات إلى حدودها القصوى، فيمكنك إذاً أن تكتشف آفاقا جديدة، وتدفع بأفكارك باتجاه مختلف.»

 

ولا شك في أن هذه التحديات توفر زادا من المعرفة منقطع النظير، وتصنع ثلة فريدة من الخريجين ذوي الدربة الفذة والخبرة الواسعة. ومن ثمرات مشروع بوليت أنه خرَّج كوكبة من خمسين مهندسا متميزا على مدى سنوات تطبيقه، تبوأ معظمهم مناصب مرموقة في ميادين صناعة السيارات والطيران والفضاء وتقانة البطاريات. ويصفهم <پاستور> بأنهم «من خيرة المهندسين، إذ تصدوا للتعامل مع هذه المشكلات المعقدة.»

 

يقول <كرومر> [طالب السنة الأولى في الجامعة سابقا] الذي انضم إلى فريق العمل استجابة لدافع مفاجئ، إنه اكتسب من المعرفة في ورشة العمل ما يفوق بكثير ما تعلمه في الكلية. لقد قضى هذا الفتى، الذي لم يكن يعرف شيئا عن عالم السيارات، السنتين الماضيتين في تصميم العقل الإلكتروني(26) للمركبة –  وهو نظام يرصد أداء كل من المكونات ويوائمه مع جهاز القيادة الذي يتحكم فيه السائق. ومع ذلك، فإن <كرومر> والآخرين لا يفعلون ذلك فقط من أجل أدائهم الجامعي؛ فهم في جوهر ذواتهم ما زالوا طلبة علم، يحدوهم الأمل الذي تلوح تباشيره في كسر السرعة 400 ميل في الساعة في الشهر 2013/9. ويقول <كرومر>، وهو يبدو واثقا مما يقول: «إن بوسعنا اليوم تحطيم رقم قياسي عالمي في السرعة، فكم من خريجي الجامعات يستطيع أن يدّعي ذلك؟»

 

المؤلف

Gregory Mone
 

<مون> يكتب في العلم والتقانة، دوريات مثل: Atlantic و Discover وPopular Science. وله أيضا أربعة مؤلفات.

 

 

مراجع للاستزادة

Driving to Mach 1. Gary Stix in Scientific American, Vol. 277, No. 4, pages 94–97; October 1997.

The Buckeye Bullet: www.buckeyebullet.com

Scientific American, February 2013

(*) THE BATTERY-POWERED BULLET

(**) FAST DESIGN

 (***) The Shape of Speed

(****) Inside an Electric Rocket

(*****) COUNTDOWN TO LAUNCH

(1) fuel cell: خلية تولد طاقة كهربائية من تفاعل كيميائي.

(2) robotic: نسبة إلى إنسالة = robot وهذه نحت من إنسان-آلي.

(3) Lego: الاسم التجاري للعبة تركب فيها قطع بلاستيكية بعضها إلى بعض لتشكيل نماذج بيوت أو سيارات أو طائرات… إلخ.

(4) e-mail = إيميل = رسالة مرسلة عن طريق الحاسوب.

(5) Center for Automotive Research

(6) wiring

(7) buckeye) The Buckeye Bullet team = أحد أبناء ولاية أوهايو الأمريكية؛ و bullet = رصاصة، أو ما يحاكيها شكلا أو سرعة أو أثرا، وهي هنا: السيارة الخاطفة السرعة المزمع تصميمها.)

(8) intelligence quotient (أو IQ، اختصارا).

(9) كناية عن استمرارهم في أكثر الأحيان بالعمل حتى بزوغ الفجر.

(10) suspension systems: منظومات ميكانيكية تتكون من نوابض ومخمدات تربط عجلات ومحاور المركبة بهيكلها، لتلطيف حركة المركبة على الطرقات الوعرة.

(11) geometrical increase = تزايد وفق متوالية هندسية، أي متوالية من الشكل: ar3، ar2، ar1، ar، ….

(12) centrifugal forces

(13) Electric Flash

(14) Buckeye Bullet 2.5

(15) Computer Simulations

(16) rotating belt

(17) computational fluid dynamics

(18) جمع: مرأب

(19) Venturi Buckeye Bullet 3

(20) أو المختبِر بالقيادة: من يقود سيارة جديدة أو نحوها للتثبت من فعاليتها وحسن أدائها.

(21) the center of pressure

(22) Global Positioning System: نظام ملاحة يستخدم شبكة سواتل لتحديد المواقع.

(23) iron nanophosphate lithium-ion battery

(24) monitor

(25) سيارة استخدمت في سباق إندي.

(26) the electronic brains

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى