انتشال حطام سفينة
انتشال حطام سفينة(*)
إن أصغر خطأ يرتكب أثناء إعادة تعويم السفينة السياحية المنكوبة
«كوستا كونكورديا» سوف يؤدي إلى إغراقها، ومن ثم إلى كارثة بيئية.
<L .B. نيدو>
باختصار
من المفترض تخليص سفينة «كوستا كونكورديا» السياحية الإيطالية الجانحة من صخور جزيرة جيگليو الصغيرة وجرها بعيدا بعد تعويمها، وذلك في إطار إجراء مكثف يتمثل بتطويق هيكل السفينة بسلاسل مزدوجة لتجليسها. فإذا نجحت العملية، فإنها سوف تكون أعظم عملية إنقاذ بحري على الإطلاق. بيد أنه إذا حصلت أي هفوة، فإنها ستؤدي إلى تحطم السفينة الضخمة أو غرقها، ومن ثم إلى تحطيم الشعاب المرجانية وسكب محتويات السفينة السامة في محمية بيلاگس المحيطة بالجزيرة التي تُؤوي ثدييات البحر المتوسط.
|
قبل ثمانية عشر شهرا، اصطدمت السفينة السياحية الضخمة «كوستا كونكورديا» بجزيرة جيگليو Giglio الصغيرة، على بعد 12 ميلا من الساحل الغربي لإيطاليا. وفي غضون دقائق، جنحت السفينة البالغ طولها 950 قدما على جانبها قاذفةً بركَّابها إلى البحر؛ فلقي 32 شخصا منهم مصرعهم، فيما أصيب 64 آخرون بإصابات خطرة.
في القريب العاجل، سوف يحاول المهندسون المختصون رفع السفينة الجانحة إلى أعلى حتى تطفو فوق سطح البحر. فقد عَلِقَ هيكلها بنتوءات صخرية مسننة على عمق 60 قدما تحت الماء، فأخذ بالصرير والتأرجح على نحو خطر مع كل موجة واردة تصطدم بحافة المنحدر الشديد الميل الذي يمتد مسافة 200 قدم إلى قاع البحر. فإذا سارت العملية على النحو المتوخى، فإنها ستكون أعظم إنجاز في تاريخ إنقاذ السفن وانتشالها. وإذا حدث خطأ واحد فقط، فإن السفينة سوف تتمزق إربا أو تغرق كليا، مؤدية إلى تلوث خطير لمحمية بيلاگوس الخاصة بثدييات البحر المتوسط والتي تحيط بجزيرة جيگليو، وهي أكبر محمية من نوعها في أوروبا. فالمياه هنا تمثل ملاذا للدلافين وخنازير البحر وصغار الحيتان والعشرات من المخلوقات البحرية الأخرى. أما الشعاب المرجانية الخلابة، فتبطن قاع البحر مباشرة تحت السفينة الجانحة التي بدأ الصدأ يأكلها.
قوارب الإنقاذ تشفط وقود الديزل من الخزانات المغمورة جزئيا بالماء والموجودة على السفينة المنكوبة «كوستا كونكورديا»، وذلك بعد اصطدامها بجزيرة جيگليو الإيطالية. |
ومع أن زوارق الشفط قد قامت بسحب الوقود من خزانات كونكورديا، فإن المحركات الستة العملاقة من طراز وارتسيلا، وكذلك غرفة المحركات، لا تزال تحتجز كميات ضخمة من وقود الديزل ومواد التزليق الزيتية التي سوف تنسكب جميعا في مياه البحر الصافية إذا غرقت السفينة. وسوف تطلق كل حاوية موجودة على ظهر السفينة إلى البحر بتأثير ضغط الماء أيضا آلاف الگالونات من المواد الكيميائية، من مواد التنظيف والطلاءات. وحينما غادرت السفينةُ الميناءَ كانت قد زودت قبل ثلاث ساعات من جنوحها بمواد غذائية لإطعام 4229 شخصا مدة 10 أيام، ووضع معظم تلك الأطعمة في مجمدات يمكن أن تتحطم. وسوف تصدأ وتتآكل corrode أطنان لا تحصى من معادن السفينة في مياه البحر.
عادة، يجري تفجير حطام السفن التي من هذا الحجم، أو يغرق في البحر. ولكن وزارة البيئة الإيطالية ساندت سكان جزيرة جيگليو في الضغط على مجموعة سفن كوستا السياحية لرفع السفينة وتعويمها وجرها إلى اليابسة، وذلك حفاظا على شاطئ الجزيرة الصافية ومياهها. وحالما تستعاد السفينة، سوف تباشر الشرطة أيضا بالتحقيق في حالة أجزاء السفينة الداخلية المائية، وهي مسرح لجريمة قد ينطوي على دليل يدين <F. سكتينو> ربان السفينة الذي اتهم بالقتل غير العمد والتخلي عن السفينة. وتجدر الإشارة إلى أن اثنين من الضحايا لا يزالان في عداد المفقودين، ويتوقع تفكيك هيكل السفينة عقب انتهاء التحقيق.
ويقوم بعملية استعادة السفينة <N. سلون> [خبير الإنقاذ الجنوب إفريقي الوسيم المستقل] وهو يبلغ من العمر 51 عاما، ويشتهر بتنفيذ عمليات الإنقاذ دون مهابة المخاطر. لقد كان <سلون>، الذي استأجرته الشركتان اللتان أبرمتا عقد استعادة السفينة، وهما Titan Salvage في فلوريدا وشركة Micoperi الإيطالية، قد مارس عمليات إنقاذ في عدد من أضخم الحوادث البحرية في العالم. ويوجد لديه ملف صور على هاتفه الـنقال لجميع السفن التي فجرها خلال فترة عمله الطويلة.
أما في هذه الحالة، فلن تستعمل مواد متفجرة. بل سوف يستعمل <سلون> وفريقه إجرائية تطويق هيكل السفينة بسلاسل مزدوجة لرفعها، وتجر كبال وبكرات السفينة الضخمة ببطء من بين الصخور وتجعلها تجلس لتتخذ وضعا قائما [انظر الصور الإيضاحية في الأسفل]. وحينما تتخذ السفينة الوضع القائم، سوف ترسو على ست منصات ضخمة تحت الماء مصنوعة من كميات من الفولاذ تفوق تلك التي استعملت في بناء برج إيڤل. ويقدر <سلون> أن عملية السحب سوف تستغرق ثماني ساعات يتمكن فريقه أثناءها من السيطرة على الوضع إلى حد ما. ويضيف قائلا: «ثم تتولى الثقالةُ المهمةَ. وإذا نجحنا في ذلك، فإن السفينة سوف تُجلِّس نفسها وتستقر على المنصات.»
ولكن إذا أخفقوا في تنفيذ العمل على الوجه الصحيح، فقد تتحطم المنصات وتشق السفينة طريقها منزلقة على المنحدر إلى القاع لتمزق الشعاب المرجانية والأعشاب والحشائش البحرية وتسحقها. ويتمثل الخطر الآخر في أن السفينة التي يبلغ وزنها 000 114 طن سوف تتفكك من جراء ثقلها في أثناء تجليسها، مؤدية إلى انسكاب محتوياتها السامة في المنظومة الحيوية المائية المرهفة التي تكون قد عانت كثيرا ضجيجَ عمليات الإنقاذ والتلوثَ الناجم عنها. يقول <سلون>: «لم تبن أجزاء السفينة الخارجية لترفع بهذه الطريقة. فحينما ترفع، سوف تسمع الطقطقة الناجمة عن التواء وتفكك أجزائها الداخلية، لكننا نأمل بأن يبقى الغلاف الخارجي سليما». لقد أمضى طاقمه شهورا في تقوية ذلك الغلاف الخارجي. وأثناء جولة خاصة حول الحطام ومعدات الإنقاذ قال <سلون> لمجلة ساينتفيك أمريكان: «لم يسبق لي أن أجريت قط محاولة كهذه من قبل، لكن كلما أمعنت في التخطيط والإعداد، كنت أكثر حظا في نجاح مهمتي.»
وحتى لو نجح <سلون> في مهمته، فلن يكون العمل قد اكتمل. فعقد الإنقاذ ينص على إعادة البيئة إلى وضعها الأصلي. ولا بد من إزالة المنصات الفولاذية الكبيرة وردم جميع الثقوب التي حفرت في الأرضية الرملية بغية إرساء الركائز التي تحمل المنصات. وقد أراد <سلون> ترك المنصات في أماكنها لتكون موقعا لمدرسة لتعليم الإنقاذ. ولكن سكان جزيرة جيگليو لا يريدون بقاء أي أثر من ذلك الحادث يذكرهم باليوم الذي تَعكِّر فيه صفو جزيرتهم الوادعة.
[خطة الإنقاذ] اقلب السفينة واجعلها تطفو بغية سحبها بعيدا(**) اصطدمت السفينة كوستا كونكورديا، البالغ طولها 950 قدما، باثنين من النتوءات الصخرية الضخمة تحت الماء. وبغية إبعاد السفينة عنهما وهي على شكل قطعة واحدة، لا بد من تحريرها من النتوأين وتجليسها. لذا قامت فرق الإنقاذ أولا بغرز دعامات في الشاطئ ولف السفينة بسلاسل لمنع انزلاقها باتجاه قاع البحر المنحدر وغرقها (1). ومن ثم ثبت العمال ست منصات فولاذية ضخمة في قاع البحر الگرانيتي لتوفير مكان تحط عليه السفينة، وفرشوا قاع البحر الصخري الوعر بآلاف الأكياس الممتلئة بالإسمنت لتسويته. وعملوا أيضا على تدعيم جسم السفينة الظاهر كي لا يتكسر، وربطوه بعوامات، وهي صناديق جوفاء ممتلئة بالماء والهواء، ويساوي ارتفاع كل منها 100 قدم، لتساعد على تعويم السفينة بعد تجليسها ببطء في إجراء استغرق ثماني ساعات يعرف بالتطويق بسلاسل مزدوجة (2). ولقلب السفينة، تسحب رافعات هيدروليكية كبالا cables تربط أعلى العوامات بالمنصات، ويضيف الشد الحاصل في السلاسل شيئا من التحكم. وتساعد رافعة عملاقة تحتوي على مركز التحكم الرئيسي في عملية الإنقاذ على رفع السفينة والحفاظ على استقرارها حين اللزوم. وتكشف ميكروفونات وكاميرات ڤيديو مثبتة داخل الهيكل الصدئ تصدع أجزاء السفينة الداخلية وكيفية حصوله. ويقوم عمال اللحام بتدعيم الجانب المهترئ وبتثبيت العوامات هناك(3). ومن ثم يضخ الماء من العوامات ببطء، فترتفع السفينة إلى أن تطفو، بحيث يمكن قطرها بعيدا (4). ما الخطأ الذي يمكن أن يحدث؟ تجثم السفينة الجانحة – على نحو خطر – فوق منحدر شديد الميل في قاع البحر يمثل موطنا للشعاب المرجانية المرهفة والحشائش البحرية ومواضع التفريخ. ويمكن لأي هفوة تحصل أثناء تطويق هيكل السفينة بالسلاسل المزدوجة بغية تجليسها أن تؤدي إلى كارثة. وإذا سحبت السفينة بشدة بالغة، فإنها يمكن أن تنقلب على المنصة وتقع من على متنها (a). وإذا ما تقوضت المنصات بسبب الثقل، انزلقت السفينة باتجاه الأسفل (b). وفي كلتا الحالتين، تنسحق وتتمزق مساحات كبيرة من الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية. ويمكن للهيكل المتصدع أن يتفكك بتأثير ثقله في أثناء رفعه (c)، فينزلق متناثرا على المنحدر وتنسكب محتوياته السامة في مياه الشاطئ. وفي الحالات الثلاث، سوف تصدأ السفينة الغارقة مع محتوياتها وتهترئ، ملوثة المنظومة الحيوية المائية المرهفة سنوات عديدة.
|
المؤلفة
Barbie Latza Nadeau | |
<نيدو> صحفية أمريكية ورئيسة مكتب مجلة نيوزويك والديلي بيست في روما، وهي تعمل حاليا على كتابة رواية عن كارثة السفينة السياحية «كوستا كونكورديا.» |
مراجع للاستزادة
Parbuckling Project (official salvage Web site): www.theparbucklingproject.com
Giglio News (port Web cam): http://bit.ly/nzjyqK
Pelagos Sanctuary: www.tethys.org/sanctuary.htm
(*)RAISING THE WRECK
(**)Flip the Ship and Float It Away