أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

ما سبب المفعول السحري

ما سبب المفعول السحري
لممارسة التمارين الرياضية(*)

من الجيّد لنا أن نكون نشطين لأسباب عديدة تتجاوز تلك الأسباب القديمة المألوفة.

<S .S. باسوك> – <S .T. تشيرش> – <E .J. مانسون>

 

 باختصار

  إن النشاط الجسدي الروتيني المعتدل أو الشديد يخفّض بشكل كبير خطر الموت الناجم عن أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري والسرطان وأمراض أخرى.

ومؤخرا، حدّد باحثون مؤخرا عدة طرق لم تكن معروفة من قبل عن كيف يمكن لممارسة التمارين الرياضية المعتادة أن تخفّف خطر الإصابة بمَرَضْي القلب والسرطان، وتساعد على التحكم في داء السكري، كما يمكنها حتى تسهيل التعلم.

ومع ذلك، فإن الجلوس لفترات طويلة يمكن أن يُلغي بعض المنافع الصحية التي تم اكتسابها عبر ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.

 

 

جميعُنا يدرك أنه يتعين علينا ممارسة تمارين رياضية. ولكن قلّة من الناس تدرك أن النشاط الجسدي هو الشيء الفريد الأكثر أهمية والذي يمكن لغالبيتنا ممارسته من أجل تعزيز صحتنا أو الحرص عليها. فممارسة الحركة بانتظام لا تخفّض فقط خطر ازدياد السكتة القلبية والسكتة الدماغية وداء السكري أو خطر الموت الناجم عنها، بل يمكنها كذلك أن تمنع بعض أمراض السرطان، وتحسّن المزاج، وتبني العظام، وتقوّي العضلات، وتزيد قدرة الرئتين، وتقلّل خطر السقوط والكسر، وتساعد على إبقاء الوزن الزائد في حالة مراجعة. وتلك كلها هي فقط بعض من أكثر التأثيرات المألوفة.

وقد أدّت طفرة في البحوث على مدى السنوات القليلة الماضية إلى اتساع هذه المشاهدات إلى أبعد من ذلك. فمن بين أمور أخرى، يبدو أن ممارسة التمارين الرياضية تزيد القوى العقلية – ولاسيما القدرة على تنفيذ المهام التي تتطلّب انتباها وتنظيما وتخطيطا – وتقلّل أعراض الاكتئاب والقلق لدى بعض الناس، وتعزّز قدرة نظام المناعة على كشف وتفادي بعض أنواع السرطان. وإضافة إلى ذلك، ذهب باحثون إلى ما وراء تحديد الفوائد الصحية الإجمالية للحركة البدنية المنتظمة بتفصيل التغيرات الإيجابية التي تحدث على مستوى الخلايا والجزيئات في ظروف معيّنة من قبيل مرض تصلّب الشرايين وداء السكري.

والدراسات التي تهدف إلى تعقّب الطرق المتعددة، كبيرها وصغيرها، التي تتأثّر بها الأجهزة المختلفة في الجسم البشري (وعلى سبيل المثال لا الحصر: القلب والأوعية الدموية والجهاز الهضمي والغدد الصمّاء والجهاز العصبي) من خلال ممارسة التمارين الرياضية، فإن هذه الدراسات تظهر أنّ الفوائد تنتج على الأغلب من إدخال تحسينات، بين صغرى ومتوسطة، في عدد من جوانب وظائف الأعضاء، في مقابل تأثيرات إيجابية كبيرة في عدد صغير من العمليات في خلايا وأنسجة معيّنة من جسم الإنسان.

كما تمكّن باحثون من إثبات أنّ الناس ليسوا بحاجة إلى أن يكونوا رياضيين ليكسبوا فوائد ممارسة التمارين الرياضية. فقبل عشرين عاما كان خبراء الصحة الوقائية يركّزون بشكل حصري تقريبا على المكاسب التي يمكن تحقيقها من النشاط القوي. أمّا اليوم، فهم يؤكدون أيضا على قيمة القيام بقسط من الحركة المعتدلة أيضا. وقد ساعدت واحدة منا (<مانسون>) على عرض مقارنة بين فوائد ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة والقاسية للعديد من النتائج الصحية الواردة في الدراسة الواسعة النطاق لصحة الـمُمَرِّضات وفي مبادرة الصحة النسائية(1). واستنادا إلى بيانات data من هذه المشاريع وغيرها، فإن الإرشادات الأخيرة لممارسة التمارين الرياضية في الولايات المتحدة (الصادرة في 2008) أوصت بمعدل لا يقلّ عن 30 دقيقة أسبوعيا من النشاط المعتدل، مثل المشي السريع، لخمسة أيام أسبوعيا (أو 75 دقيقة كل أسبوع من النشاط القوي، مثل الركض)، إضافة إلى 30 دقيقة من نشاط تقوية العضلات ليومين على الأقل أسبوعيا.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/05-06/2014_05_06_35.jpg
الخطوات الأولى: في القرن التاسع عشر أتقن <E. مويبريدگي> فنَّ التصوير الفوتوغرافي بطريقة اللقطات المتعاقبة(2)  لدراسة حركة الإنسان.

 

إن نظرة فاحصة لبعض أكثر النتائج إثارة توفر عيّنة من الطرق الأقل وضوحا للكيفية التي تحمي بها ممارسة التمارين الرياضية جسمنا وتحافظ على عمله كما يرام.

تأثيرات مباشرة(**)

من أجل استيعاب كامل لآخر ما توصلت إليه نتائج البحوث، فمن المفيد معرفة بعض الشيء عن كيفية استجابة الجسم عموما لازدياد المتطلبات البدنية. إن ممارسة التمارين الرياضية تعني أشياء مختلفة للناس على اختلافهم. ومن المشي بحذاء الثلوج إلى السباحة إلى المشي السريع على الشاطئ، يمكن لممارسة التمارين الرياضية أن تتخذ أشكالا عديدة وتتم على مستويات مختلفة من الكثافة. فتمارين الحركات الهوائية(3)  هي النوع الذي يزيد كثيرا كمية الأكسجين التى تحتاجها العضلات؛ مما يتطلب من الرئتين العمل بوتيرة أكبر. وفوائدها الصحية هي أيضا الأفضل فهما. ولكن أشكال التمارين الرياضية التي يكون فيها الجسم أكثر ثباتا – مثل حمل الأثقال أو تمرين التوازن – لها أيضا أهميتها.

لقد طوّر العلماء أساليب دقيقة نسبيا لقياس شدة تمارين الحركات الهوائية في مختبرات البحوث. وخارج المختبر، يعتبر اختبار الحديث talk test طريقة فعالة وأقل تكلفة بكثير لقياس مدى ضغطك على جسمك. فالنشاط المعتدل يبدأ عندما يبدأ قلبك بالخفقان بشكل أسرع وتتنفس بصعوبة أكثر. وأنت لا تزال عند مستوى معتدل إن كان بإمكانك التحدث أو إلقاء قصيدة أثناء قيامك بالحركة. وإذا أمكنك التلفظ بكلمة أو كلمتين فقط في لحظة ما، فذلك يعني أنك تتمرّن بشكل صارم. وفي الطرف الثاني من القياس، إذا استطعت الغناء أثناء قيامك بالحركة، فذلك يعني أنك تعمل عند مستوى خفيف من الشدة.

وكلما اختار شخص وتيرة حركة أعلى، يُحضّر الجهاز العصبي كل أعضاء الجسم للعمل. وفي البداية، يمكن للفرد أن يلاحظ إحساسا عاليا من الوعي، وزيادة معدل ضربات القلب، وتنفسا متسارعا وتعرّقا خفيفا. وداخليا، ينخفض في تلك الأثناء تدفق الدم إلى تلك الأعضاء غير الضرورية للحركة، مثل الجهاز الهضمي والكلى. وفي الوقت نفسه تتفتّح شرايين الدم في العضلات النشطة لتضمن تدفق كمية كافية من الدم الغني بالأكسجين إلى هذه العضلات التي تعمل أكثر من غيرها.

وما أن يصبح الأكسجين داخل خلايا العضلات، حتى ينتشر في البنى الخلوية التي تُسمى المتقدرات(4) mitochondria، التي تستخدمه لتوليد طاقة للخلية. والوقود الأساس لهذه العملية هو الگلوكوز(5)، الذي يكوّنه الجسم من خلال تفتت جسيمات الطعام الكبيرة ويمتصّه أثناء عملية الهضم. وتؤدي إضافة الأكسجين إلى الگلوكوز في المتقدرات إلى نوع من الاحتراق العالي الكفاءة. وعندما يتوفر الأكسجين، يمكن للمتقدرات أن تولّد في كل جزيء من الگلوكوز طاقة تزيد بنحو عشرين ضعفا على ما عليه الحال في غياب الأكسجين.

والجسم يحرق أولا جزيئات الگلوكوز المُخزّنة في شكل مركّب يسمى گليكوجين(6)، الموجود أساسا في الكبد والعضلات. ولكن مع استمرار ممارسة التمارين الرياضية، ينضب مخزون الگليكوجين وتصبح جزيئات الدهون الثلاثية(7)  (وهي نوع من الدهون) المصدر الرئيسي للوقود. وكل هذا الاحتراق الداخلي ينتج بعضا من المنتجات الفرعية أو الثانوية، مثل حمض اللاكتيك(8) وثنائي أكسيد الكربون، التي تتسرّب من العضلات إلى مجرى الدم، حيث يجري استشعارها من قبل سائر الجسم. ويؤدي التركّز المتزايد لهذه الفضلات إلى تفاعلات كيميائية حيوية إضافية في المخ والرئتين والقلب؛ مما يجعل إزالة هذه المكونات في نهاية المطاف أكثر كفاءة وأقل إرهاقا.

ويبدأ فعليا تجمُّع فوائد ممارسة التمارين الرياضية عندما يصبح النشاط الجسدي عادة روتينية. ويتكيّف الجسم مع المتطلبات المتزايدة التي تقع على عاتقه؛ مما يؤدي إلى زيادة القدرة على التحمل(9)  كلما أصبح الأفراد أكثر لياقة. وعلى سبيل المثال، تعالج الرئتان أكسجينا أكثر كلما أصبح النفس أعمق ويضخ القلب دما أكثر مع كل نبضة. وهذه الملاءمة، التي تبدأ بالظهور عادة في غضون أسابيع قليلة من بدء تطبيق أو تجاوز الإرشادات الفيدرالية عن النشاط الجسدي، تؤدي أيضا إلى تغيرات في وظائف الجسم التي تحسّن الصحة على المدى الطويل.

تغيّرات جزيئية(***)

يمكن ملء مكتبات بكاملها ببيانات تظهر انعكاسات ممارسة التمارين الرياضية على كل شيء بدءا من أنظمة الأعضاء الرئيسية وحتى كيفية تشغيل مختلف الجينات أو تعطيلها. وقد تم إيجاز بعض أهم النتائج في الرسم البياني المرافق لهذا المقال [انظر لإطار “ما وراء القلب والرئتين”]. ولكن، سوف نركّز هنا على بعض الآليات المكتشفة حديثا التي تساعد على شرح سبب زيادة ممارسة التمارين الرياضية لقدراتنا المعرفية، وتحسينها لقدرتنا في التحكم في مستويات السكر في الدم وتقوية نظام القلب والأوعية الدموية لدينا. وهذه التغيّرات لها تأثير في نوعية الحياة اليومية أكثر تقريبا من أي فائدة أخرى لممارسة التمارين الرياضية.

 

[ما وراء القلب والرئتين]

ممارسة تمارين رياضية تفيد
حتى الأجزاء الغامضة من الجسم(****)

  معظم الناس لا يدركون أن قسطا مستداما من النشاط الجسدي بوتيرة معتدلة أو قوية يغيّر كليا أجسامنا من داخلها إلى خارجها. وفيما يلي نظرة على أقلّ التأثيرات المعروفة على نطاق واسع، بدءاً بالوصلات العصبية(10)  في الدماغ وامتدادا إلى المسار كله المؤدي إلى العضلات الرئيسية وعظام الأطراف.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/05-06/2014_05_06_37.jpg

  (1)  الجهاز العصبي
تحسّن ممارسة التمارين الرياضية وظيفة الإدراك وتساعد تمارين الحركات الهوائية، خاصة كبار البالغين، على التنظيم والتخطيط والانتباه.

  (2) نظام المناعة
تحمي ممارسة النشاط الجسدي المنتظم الجسمَ من الالتهاب؛ ومع ذلك، يمكن للكثير من التمارين الرياضية إضعاف قدرة نظام المناعة على مكافحة الجراثيم germs.

  (3) نظام الغدد الصماء
تحسّن ممارسةُ التمارين الرياضية استجابة الجسم للإنسولين وتعزّز هرمونا آخر، أديبونيكتين adipoectin. وهذه التغيرات تقلّل من خطر الإصابة بداء السكري من النمط 2 ومتلازمة التمثيل الغذائي(11).

  (4) جهاز العضلات والعظام
تساعد ممارسة تمارين حمل الأثقال وتمارين التوازن الروتينية على الوقاية من الكسور والسقوط. وتقلّل تمارين اللياقة والحركات الهوائية من التعب اليومي من خلال زيادة كفاءة العضلات.

  السرطان
يقلّل النشاط البدني من خطر سرطان الثدي والقولون وغيرهما من الأورام الخبيثة.

  علم الجينيات
حدّد العلماءُ الجيناتِ المعنية التي يمكن تشغيلها أو توقيفها بحسب التغيرات في النشاط البدني. وعادة ما تكون التأثيرات متواضعة، ولكنها تحدث عبر مجموعة واسعة من الخلايا.

 

 

وقد عرف الرياضيون منذ مدة طويلة أنّ ممارسة التمارين الرياضية تعزّز مزاجهم وصحتهم الذهنية. ولكن ذلك لم يحصل إلّا في عام 2008 عندما أصبح العلماء قادرين على القياس المباشر لما يسمى شعور النشوة(12)  – شعور النشاط والخفة(13) الذي يحصل بعد ممارسة طويلة للتمارين الرياضية. ولم يبيّن العلماء فقط أن الدماغ يفرز أكثر من الإندورفين(14) الذي يثير مشاعر ممتعة، أثناء الركض لمسافة طويلة، فقد حددّوا كذلك المكونات التي تنشط في مناطق الدماغ المسؤولة عن المشاعر القوية. (كان بحث سابق قد وجد طفرة إندورفين فقط في مجرى الدم، وهو أمر لم يكن متعلقا بتغيّرات في الدماغ.)

وفي الآونة الأخيرة، ركّز الباحثون على التغيرات الكيميائية في الدماغ التي من خلالها تُعزّز ممارسة التمارين الرياضية قدرتنا على التركيز والتفكير واتخاذ القرارات. وفي عام 2011، اختبرت تجربة علمية دقيقة – تعرف بتجربة معشاة بالشواهد(15) – 120 شخصا في الستينات والسبعينات من العمر، وبيّنت أن الممارسة الرياضية تزيد حجم جزء من الدماغ يسمى الحصين(16). فقد لاحظ مؤلفو الدراسة أن القسم الخاص من الحصين الذي تأثر بالممارسة هو قسم واحد يتيح للأفراد تذكّر البيئات المألوفة؛ إنه أيضا واحد من المناطق القليلة في الدماغ التي تصنع عصبونات neurons جديدة – على الأقل في  الفئران. ويُعتقد أن العصبونات الحديثة الولادة تساعد على تمييز أحداث وأشياء متماثلة ولكنها مختلفة. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أكثر فأكثر أن ممارسة التمارين الرياضية تزيد من المادة الكيميائية المسؤولة عن تحريك نمو هذه العصبونات الجديدة – جزيء معروف بعامل التغذية العصبية الناجم عن الدماغ، أو (BDNF)ا(17).

حاليا، تتحدى البحوث ما كنّا نظن أننا نعرفه عن كيفية وقاية ممارسة التمارين الرياضية من أمراض القلب. فقد اعتقد العلماء في البداية أن النشاط الروتيني يقلّل إلى حد كبير الخطرَ على القلب والأوعية الدموية من خلال خفض ضغط الدم وتقليل كمية الكوليستيرول (LDL) (المعروف كذلك بالكوليستيرول الضار) في حين يرفع كمية الكوليستيرول (HDL) (الكوليستيرول الحميد) في الدم. وهذا الاستنتاج كان صحيحا جزئيا فقط. ففي الواقع، تقلّل ممارسة التمارين الرياضية ضغط الدم لدى بعض الأشخاص لدرجة ملحوظة، ولكن هذه الفائدة بالنسبة إلى أكثر الناس هي صغيرة نسبيا. إضافة إلى ذلك، يمكن لممارسة التمارين الرياضية – ولاسيما تمارين الضغط والمقاومة(18)، مثل التدرّب على حمل الأثقال – أن تزيد من الكوليستيرول HDL، وهو تغيير يستغرق عادة بضعة أشهر للظهور، حتى وإن كان هذا التأثير متواضعا إلى حد ما، بحدود بضع نقاط مئوية.

وقد أظهر مزيد من البحث أن أهم تأثير متصل بالكوليستيرول LDL يتعلق بكيفية تغيير التمارين الرياضية لخصائص الجزيئات، بدلا من تقليل الكمية التي توجد في الدم. ومن الناحية الفنية، إن الكوليستيرول LDL  ليس مرادفا للكوليستيرول؛ إنه يحمل بالأحرى الكوليستيرول عبر مجرى الدم بالطريقة التي تقوم بها شاحنة بحمل ونقل البقالة. (وبما أنه مكوّن من دهن، فلا يمكن للكوليستيرول أن يذوب في البيئة المائية(19)  لمجرى الدم، لذلك يجب أن يكون معبأً في شيء يمكنه ذلك). كما أن جسيمات الكوليستيرول LDL تأتي بأحجام متنوعة بالطريقة نفسها، التي يمكن توصيل البقالة وتسليمها بحافلات شحن صغير أو شاحنات عملاقة.

وخلال السنوات القليلة الماضية، توصّل عدد متزايد من العلماء إلى أن جزيئات الكوليستيرول LDL  الأصغر أكثر خطورة بشكل لافت. فلديها مثلا ميلٌ، إلى خسارة الإلكترونات، التي ترتد عندئذ حول الأوعية الدموية وتلحق الضرر بجزيئات وخلايا أخرى. ومن جهة ثانية، فإن جزيئات الكوليستيرول LDLالكبيرة هي أكثر استقرارا وتطفو من خلال مجرى الدم من دون أن تصدم شيئا.

والآن، تبيّن الدراسات أن ممارسة التمارين الرياضية تزيد عدد جزيئات أو خلايا الكوليستيرول LDL  الأكبر والأكثر أمانا، في حين أنها تقلل عدد الخلايا الصغيرة والخطرة، وأنها تغّير النسبة من خلال زيادة نشاط إنزيم يسمى ليپاز البروتين الدهني(20)  في الدهون والنسيج العضلي. وإذا امتلك شخصان الكمية نفسها من الكوليستيرول في الدم ولكن لكلٍ منهما مستوى مختلف من النشاط الجسدي، يمكن أن يكون لديهما ملامح خطر مختلفة جدا على صعيد أمراض القلب. ومن المرجّح أن لدى الخامل المدمن على مشاهدة التلفزيون(21)الكثير من جزيئات الكوليسترول LDL الصغيرة وقليلا جدا من الكبيرة إن لم يكن أي منها لديه، في حين أن الغلبة ستكون لجزيئات الكوليسترول LDLالكبيرة في دم الأشخاص النشيطين. ومع وجود مستوى متطابق من الكوليستيرول لدى الاثنين، فإن الشخص الأول سيكون معرضا لخطر أزمة قلبية أكثر بعدة مرات من الثاني.

ويؤثّر النشاط البدني المنتظم إيجابيا في مكون أساسي آخر من الدم – سكر الگلوكوز. فالكبد والبنكرياس وعضلات الهيكل العظمي – التي تحرّك رأسك وذراعيك وساقيك وجذعك – تعمل عادة معا على نحو محكم للتأكد من أن كل جزء من جسمك يحصل على السكر الذي يحتاج إليه، سواء كنتَ في راحة أو نشاط. ومن حيث المبدأ، تزيد ممارسة التمارين الرياضية الأعباء على عضلات الهيكل العظمي التي تحتاج إلى كميات متزايدة من الگلوكوز لتلبية أو تغذية جهودها. وعلى المدى البعيد، تدفع ممارسة التمارين الرياضية الأليافَ داخل العضلات لتصبح أكثر كفاءة باستخدام الگلوكوز، الذي يتيح لها أن تصبح أقوى.

ويستجيب الكبد مباشرة لنداء توفير مزيد من الوقود، وذلك بتحريك جزيئات السكر في مجرى الدم، ويطلق البنكرياس هرمونا يُسمّى إنسولين يُؤَشر إلى الخلايا بوجود سحب كميات متزايدة من الگلوكوز خارج الدم. ويمكنك أن تتخيل أن العملية بمجملها ربما تؤدي إلى تقلبات حادة في مستويات الگلوكوز، وخاصة بعد تناول طعام أو الركض، لكن الجسم يعمل جاهدا على الحفاظ على مستويات سكر الدم ضمن نطاق محدود يتراوح بين 70 إلى 140 مليغراما في الديسيلليتر(22) (أقل بكثير من 1266 مليغراما/ ديسيلليترا في حالة الصيام) – على الأقل بالنسبة إلى الأشخاص غير المصابين بداء السكري. وسبب حاجة سكر الدم إلى البقاء فوق نسبة 70 مليغراما/ديسيلليترا هو أن الدماغ يعتمد إلى حد كبير جدا على الگلوكوز كمصدر رئيسي له للوقود؛ وهذا ما يجعله حساسا للغاية تجاه أي تغيير يحدث في كميته في الدم. ومع أن المستويات المنخفضة للغاية من الگلوكوز يمكن أن تؤدي إلى الغيبوبة والوفاة في غضون دقائق، فمن المهم أيضا من وجهة نظر فيسيولوجية، عدم بقائه لفترات طويلة عند أعلى درجة من الميزان. وبشكل عام، يميل السكر الفائض في الدم إلى الحؤول دون القيام بعمله بالشكل الصحيح، مُسببا شيخوخة الخلايا قبل الأوان.

إن حركة منتظمة لفترات طويلة يمكن إدارتها بأمان على أي مستوى من الشدة يجب أن تكون ضمن العادات اليومية لكل فرد.

 

وكلّما أصبحت ممارسة التمارين الرياضية عادة يومية، فإن العضلات تصبح أكثر مراعاة لتأثيرات الإنسولين. وهذا يعني أن ليس على البنكرياس العمل بجهد من أجل المساعدة على بقاء مستويات الگلوكوز تحت المراقبة؛ فالمستويات الأدنى من الإنسولين سوف تحقق النتيجة نفسها كما تفعل الكميات الأكبر. إنّ بذل المزيد من الجهد مع إنسولين أقل يفيد بشكل خاص الناس الذي يعانون داء السكري من النمط الثاني، ممن تعاني أجسامهم مشكلة الحفاظ على سكر الدم عند المعدل الطبيعي، وذلك في جزء كبير منه لأنهم أصبحوا مقاومين لتأثيرات الهرمون. ولكن الإنسولين يشجّع كذلك على تكاثر، أو إنتاج سريع لخلايا جديدة – وعلى هذا النحو، فإن مستويات مرتفعة منه تكون مرتبطة أكثر بخطر الإصابة بمرض سرطان الثدي والقولون على وجه الخصوص.

ومؤخرا تبيّن أيضا أن النشاط الجسدي يعزّز امتصاص الگلوكوز من خلال مسار آخر لا يتطلب وجود الإنسولين. ووجود طريقة أخرى للحصول على الگلوكوز من مجرى الدم وإدخاله إلى خلايا العضلات يمكن أن يفتح اتجاهات جديدة في علاج داء السكري.

ومن المثير للاهتمام أن أهم الفوائد لمن يعاني داء السكري تأتي كما يبدو من خلط أنواع مختلفة من التمارين الرياضية. فقد أفادت تجربتان سريريتان عشوائيتان أن الجمع بين ممارسة تمارين الحركات الهوائية وتمارين الضغط والمقاومة، هو أفضل للتحكم في مستويات الگلوكوز في الدم أكثر من أي نوع آخر من التمارين الرياضية الأحادية. لقد أُجريتْ الدراسة الأولى على نحو لم يكن واضحا ما إذا كانت الفائدة تأتي من المزاوجة بين أنواع مختلفة من التمارين أو من واقع أن المشاركين الذين خضعوا لتدريب تمارين الضغط والمقاومة وتمارين الحركات الهوائية أدّوا في نهاية الأمر التمارين لمدة أطول من نظرائهم الذين مارسوا برنامج تمرين واحدا. وقد قرّر واحد منّا (<تشيرش>) التصدّي لهذا السؤال بالقيام بتجربة ثانية قسّم فيها 262 رجلا وامرأة مصابين بداء السكري وقليلي الحركة إلى أربع مجموعات: مجموعة تمارين الحركات الهوائية (الذين يسيرون على جهاز المشي(23))، ومجموعة تمارين الضغط والمقاومة (التجديف جلوسا، مكابس الساق، وما شابه ذلك)، ومجموعة تُمارس نوعي التمرين معا، والمجموعة الضابطة المقارنة(24)  التي تتّبع جلسات أسبوعية في الاسترخاء وتمدد الجسم.

إن كلا من تلك المجموعات الأربع التي شاركت في النشاط الجسدي أمضت القدر نفسه من الوقت والجهد (تقريبا 140 دقيقة كل أسبوع) على مدى تسعة أشهر. كما أن المشاركين جميعهم قد فقدوا بوصة من منطقة الخصر، وكلٌ من أعضاء المجموعتين اللتين أدّتا التمارين الرياضية الهوائية أصبحوا أكثر لياقة. لكن وحدهم أعضاء المجموعة التي مارست تمارين رياضة الحركات الهوائية مع تمارين الضغط والمقاومة هم الذين شَهِد دمهم على مدى الأشهر الفائتة، انخفاضا مهما في كمية بروتين يسمى HbA1c، الذي يعمل كمؤشر على متوسط مستوى السكر في الدم. وهذه الفائدة الـمُضافة تشير إلى أن تمرينات الضغط والمقاومة وتمرينات الحركات الهوائية تعمل عبر آليات جسدية مختلفة – وهي فكرة يعمل عليها باحثون بمركز بنينگتون للبحوث الطبية الحيوية في باتون روج بولاية لويزيانا وأماكن أخرى، ويتابعونها بشكل نشط.

ثمة طريقة أخرى تقوّي فيها ممارسة التمارين المتواصلة العضلات وذلك من خلال تعزيز تكوين متقدرات منتجة للطاقة. وبالاستجابة للتمارين الرياضية المنتظمة، تبدأ خلايا العضلات بإنتاج بروتين يسمى PGC-1α يوجّه الخلايا لتستخرج متقدرات جديدة. والمزيد من هذه المتقدرات يعني أن كل خلية يمكن أن تحوّل گلوكوزاً أكثر إلى طاقة؛ مما يرفع قوة العضلة كلها ومقاومتها للتعب.

الجلوس الخَطِر(*****)

بالنظر إلى المنافع الصحية المتعددة للتمارين الرياضية المعتدلة، ربما تتوقع أن ينتعل الجميع أحذيتهم الخاصة بالمشي ويتجهوا إلى باب الخروج. ولكن العديد من الأمريكيين يفشلون في تحقيق ممارسة التمارين الرياضية حتى لفترة نصف الساعة الموصى بها من النشاط المعتدل كل خمسة أيام أو أكثر من الأسبوع. وفقط 52% من البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية هم نشطون بما يكفي لتلبية إرشادات ممارسة تمارين الحركات الهوائية، و29% يقوُّون عضلاتهم، استنادا للتوصيات، مرّتين أسبوعيا بمعدل 30 دقيقة لكل مرة. وفقط واحد من كل خمسة أمريكيين يستجيب لتوصيات ممارسة تمارين الضغط والمقاومة وتمارين الحركات الهوائية على السواء.

لقد دفعت مصاعب تغيير عادات الناس القليلي الحركة العلماءَ إلى البحث عمّا إذا كان لقسْط بسيط من التمارين الرياضية فوائد صحية ما. وهم يأملون بأن تحفز النتائج الإيجابية – إن وجدت – حتى الخاملين على أن يقوموا بالحركة أكثر مما اعتادوا عليه. والآن تفيد البيانات أن بعض التمارين اليومية الروتينية البسيطة يمكن أن تطيل حياة الناس إلى حد ما. وفي تحليل أجري عام 2012 للبيانات المجمّعة من ست دراسات تشمل 655 ألف بالغ في الولايات المتحدة ممن تمّ تتبّعهم لعشر سنوات، تبين أن الذين أمضوا ما لا يزيد على إحدى عشرة دقيقة يوميا في أنشطة فراغ مريحة (البستنة، غسل السيارة، نزهة مسائية) زاد متوسط عمرهم المتوقع بعد سن الأربعين 1.8 سنة مقارنة بأقرانهم غير النشطين. وباعتراف الجميع، كان المشاركون الذي استجابوا للإرشادات الموصى بها من نشاط معتدل أفضل حالا؛ فقد زاد متوسط أعمارهم المتوقع 3.4 سنة. وأولئك الذين كانوا نشطوا بين 60 إلى 90 دقيقة كل يوم حققوا مكاسب أفضل (زاد عمرهم المتوقع 4.2 سنة).

على الرغم من منافع جهود الحدود الدنيا، فإنّ نظرة شاملة لدراسات ممارسة التمارين الرياضية التي أجريت حتى هذا التاريخ تُظهر أنّ معظم الناس سيستفيدون من تكثيف أنشطتهم – مثلا، بإضافة نشاط معتدل إذا كانوا يقومون بتمارين رياضية خفيفة أو إضافة جرعة من النشاط القوي إذا كانوا من ممارسي التمارين الرياضية باعتدال. ولعل أسوأ الأخبار اليوم بالنسبة إلى العاملين في وظائف المعرفة من المقيدين بمكاتبهم هو أن الجلوس لأكثر من ست ساعات يوميا أثناء وقت الفراغ يمكن أن يكون ضارا حتى وإن كانوا يقومون أيضا ببعض التدريبات البدنية الشديدة. ويبقى من غير المعروف أين تكمن المشكلة: هل في الجلوس بذاته أم في قلّة الحركة التي ترتبط به عادة.

ونظرا للدليل المتنامي والمتواصل على وجود فوائد صحية للنشاط الجسدي، تصبح الرسالة واضحة في هذا المضمار. فالحركة المنتظمة لفترات طويلة – على أي مستوى من الشدة يمكن إدارتها بأمان – يجب أن تكون ضمن العادات اليومية والبيئة الجسدية للجميع. وينبغي أن تصبح سهلة كالقفز إلى داخل سيارة الآن.

ونحن نوصي بقوة، أن يكتب الأطباء، وغيرهم من مقدمّي الرعاية الصحية، بانتظام، وصفات طبية للتمارين الرياضية التي يحتاج إليها مرضاهم، وندعو كذلك إلى زيادة البحوث في البرامج السلوكية بأنواعها، والحملات الصحية العامة، كما ندعو إلى تغييرات في التصميم المدني بما يسهّل وجود مستويات مستدامة من النشاط الجسدي المفيد لمجتمعنا الحضري القليل الحركة على نطاق واسع.

 

المؤلفون

     Shari S. Bassuk – Timothy S. Church – JoAnn E. Manson     
<باسوك> اختصاصية علم الأوبئة في مستشفى بريگهام والنساء(25)  وباحثة مشاركة في كلية الطب  بجامعة هارڤارد.

 

<تشيرش> أستاذ كرسي <M .J. ماكلهيني> ومدير مختبر بحوث الطب الوقائي وأستاذ في مركز بنينگتون للبحوث الطبية الحيوية بجامعة ولاية لويزيانا.

 

<مانسون> رئيسة قسم الطب الوقائي في مستشفى بريگهام والنساء، وأستاذة الطب وأستاذة كرسي <M. و B. لي> للصحة النسائية في كلية الطب بجامعة هارڤارد، وأستاذة في قسم علم الأوبئة في كلية هارڤارد للصحة العامة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/05-06/2014_05_06_36_c.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/05-06/2014_05_06_36_b.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/05-06/2014_05_06_36_a.jpg

  مراجع للاستزادة

 

Global Recommendations on Physical Activity for Health. World Health Organization, 2010. http://whqlibdoc.who.int/publications/2010/9789241599979_eng.pdf
Physical Activity Guidelines for Americans: www.health.gov/paguidelines

(*)WHY EXERCISE WORKS MAGIC

(**)IMMEDIATE EFFECTS

(***)MOLECULAR CHANGES

(****)Exercise Benefits Even Obscure Parts of the Body

(*****)SITTING HAZARD

 

(1) the large-scale Nurses’ Health Study and the Women’s Health Initiative
(2) stop-motion photography: تقنية تصوير يسميها البعض تقطيع الحركة وتتطلب إعدادا خاصا للكاميرا وللإطار لتجنب اهتزاز الصورة.
(3) aerobic exercise؛ أو: الأيروبيك.

(4) أو: ميتوكوندرية، حبيبات خيطية.

(5) the sugar molecule glucose

(6) glycogen

(7) triglyceride أو: التريگليسريد، الثلاثي الگليسريد.

(8) lactic acid؛ أو حمض اللبنيك أو الحمض اللبني.

(9) stamina؛ أو الجلّادة.

(10) neural connections
(11) metabolic syndrome
(12) runner’s high

(13) a sense of euphoria

(14) (opioidlike hormones) endorphins)
(15) randomized controlled trial
(16) the hippocampus

(17) brain-derived neurotrophic factor

(18) resistance exercise

(19) أو: السائلة.

(20) lipoprotein lipase؛ اختصارا LPL، وهو من مجموعة إنزيمات ليپاز التي تحفّز تحلّل الدهون.

(21) the couch potato: تعبير عامّيّ يشير إلى الخامل الذي يدمن الجلوس طويلا على أريكة لمشاهدة التلفزيون.

(22) milligrams per deciliter

(23) treadmill
(24) the control group : في تجربة علمية، هي مجموعة تنطبق عليها الظروف نفسها لسائر مجموعات التجربة ولا تتعرض للتغيرات نفسها كي تبقى مرجع مقارنة لتحديد مدى التغير الخاص بسبب عناصر التجربة.
(25) Brigham and Women’s Hospital: تسمية نشأت عن دمج ثلاثة مستشفيات في 1980.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى