أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الاجتماعيةفلسفة

العالم بدون إرادة حرة


العالم بدون إرادة حرة(*)

ماذا سيحل بمجتمع يعتقد بأن الناس ليست لديهم القدرة على التحكم في أفعالهم؟

<F .A. شريف> – <D .K. ڤوهس>

 

 باختصار

  خلال العقد الماضي تَبنى عدد من علماء الأعصاب والفلاسفة مقولة مفادها إن الإرادة الحرة غير موجودة في الواقع، وإن عقولنا اللاواعية unconscious minds توجهنا إلى ما نقوم به من أفعال، بينما يُخَيل لنا أننا نتحكم فيما نقوم به.

ومن جهة أخرى، فإن دراسات حديثة تُشير إلى أن تزايد الشك الذي يبديه الناس في حرية الإرادة يرافقه تراجع في دعمهم لمعاقبة المجرمين. ويؤدي في الوقت ذاته إلى تدنٍ في أخلاقيات السلوك الذي يحكم التعامل فيما بين الناس.

لكن الشك في حرية الإرادة المدعوم بأدلة علمية، ربما أسهم في تحسين المنظومة القضائية، إذ قادنا هذا الشك وتلك الأدلة إلى ابتكار سبل تحول دون ارتكاب الجرائم أصلا، بدلا من مجرد إصدار أحكام بالسجن معاقبة لمرتكبيها.

 

 

في الشهر 7/2008 كان عامل مصنع الفولاذ المتقاعد <B. توماس> وزوجته <كريستين> يسافران في عربة تخييم camper  نحو قرية صغيرة على الشاطئ في مقاطعة ويلز. لكنهما تعرضا لإزعاج غير محتمل من قبل دراجين bikersأخذوا يقومون بحركات بهلوانية مزعجة على دراجاتهم النارية بالقرب من عربتهما؛ مما اضطرهما إلى تغيير مسارهما واللجوء إلى مرآب يعود إلى نزل قريب. وبينما كان <توماس> نائما ليلتها، حلم بأن أحد الدراجين قد اقتحم العربة التي كان ينام فيها مع زوجته وظن خطأ أثناء نومه أن زوجته النائمة بجواره هي الدراج الذي حلم به؛ فأطبق على حنجرتها حتى ماتت خنقا. هذه هي القصة التي سردها <توماس> على أي حال.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/09-10/2014_09_10_04.jpg

 

وفي السنة التالية، كان على هيئة من المحلفين الوصول إلى قرار حول ما إذا كان <توماس> مدانا بجريمة القتل. إذ اتضح لديهم أنه كان عرضة للمشي أثناء النوم منذ طفولته. حيث شرح خبير بعلم النفس أن <توماس> لم يُدرِك ما كان يفعل عندما خنق زوجته، وأنه لم يختر أن يهاجمها عن وعي. وهكذا خرج <توماس> من قاعة المحكمة حرا طليقا.

إن حالات كهذه ترغم المرء على التفكير فيما يُعنيه تمتع الإنسان بإرادة حرة. فدماغ الذين يمشون أثناء نومهم يُوجّه أفعالهم بدون أي مؤازرة واعية من قبلهم. مؤخرا، طرح عدد من الفلاسفة وعلماء الأعصاب – بناء على التطور الذي شهدته الأبحاث التي أجريت خلال العقد الماضي على دماغ الإنسان – مقولة مفادها إننا جميعا نعيش، بصورة أو أخرى، حالة تماثل المشي أثناء النوم. إذ يدعي هؤلاء العلماء بأن حوادث الماضي وما تُصوره لنا عقولنا اللاواعية هو ما يدفعنا إلى القيام بأفعالنا، بدلا من أن نكون المخططين المتعمدين لهذه الأفعال. ويضيف هؤلاء العلماء أننا حتى عندما نكون في أشُد حالات اليقظة، فإن حرية الإرادة التي يبدو أننا نمتلكها، لا تعدو كونها مجرد وهم.

ويدعي الفلاسفة الذين يتبنون وجهة النظر هذه، أن جميع الكائنات محكومة بقوانين الكون الفيزيائية، حيث يُمثل كل عملٍ نتيجة لما سبقه من أحداث. والإنسان واحد من كائنات هذا الكون. لذا، فإن سلوك الإنسان ناجم عن سلسلة معقدة من الأسباب وآثارها, وأن هذا السلوك خارج عن إرادتنا تماما. فالكون ببساطة لا يسمح بإرادة حرة. وقد قدم علماء الأعصاب مؤخرا دعما لهذا الرأي؛ عندما اقترح بعضهم أن ما نعتبره ممارسة للاختيار الواعي لا يعدو كونه حصيلة العمليات العصبية التي تدفع الإنسان في نهاية المطاف إلى فعل ما. أي أن أدمغتنا تقرر ما علينا أن نفعله من دون عون «من قبلنا»، لكنها تترك لنا الشعور بأننا أصحاب القرار فيما فعلنا.

لكن هذا الرأي لا يتمتع، بالطبع، بقبول الجميع. وما زال الجدل مستمرا بحرارة حول وجود إرادة حرة. إلا أن سؤالين مهمين يؤرقان كلا منا، مؤلِفَي هذه المقالة: ما الذي يحدث عندما يهتز اعتقاد مجموعة من الناس بالإرادة الحرة، سواءً كان هذا الاعتقاد من حيث المبدأ، صحيحا أم لا؟ وما الشكل الذي سيتخذه مجتمع «ما بعد الإرادة الحرة،» أو بالأحرى مجتمع «ما بعد الاعتقاد بإرادة حرة؟» فقد طرحت الأبحاث التي قمنا بها حتى الآن تلميحات للإجابة عن هذين السؤالين، بعضها يبعث على القلق. ونرى على الأخص أن تراجع الاعتقاد بحرية الإرادة قد يؤدي إلى تمزق النسيج الاجتماعي.

تبرئة مجرمين(**)

لكن بعض تجاربنا ألمحت إلى نتائج حميدة أكثر، إذ تنبأت بأن المجتمع الذي يتخلى عن الاعتقاد بحرية الاختيار يصبح أقل ميلا مما عليه الحال في العالم اليوم إلى معاقبة المذنبين. ففي مسح أجريناه خلال أبحاثنا تبين أن ازدياد الشك لدى الناس في حرية الإرادة عند الإنسان يترافق مع تناقص رغبتهم في اللجوء إلى العقوبات الانتقامية(1) وهي تلك التي لا تهدف إلى  الحيلولة دون ارتكاب المجرم جرائم جديدة بل مجرد جعله يعاني جراء ما ارتكبه. لكن اعتقادات المشاركين في الدراسة التي أجريناها حول حرية الإرادة لم تنل من تأييدهم للعقوبة التالية التي تتخلى عن مجرد القصاص بل تتجاوزه، لتركز بدلا من ذلك على السبل الأنجع لثني الناس عن ارتكاب الجرائم أصلا، وعلى إعادة تأهيل من يقوم بها فعلا. وبالفعل، فإن الذين يشككون في حرية الإرادة يجنحون إلى معاملة الأشخاص الذين يتجاوزون القانون كما لو كانوا صنفا من الڤيروسات viruses، أو من الظواهر الطبيعة غير المرغوب فيها، كالفيضانات مثلا. إنهم يبتغون حماية أنفسهم من الأضرار التي يتسبب بها من يخالف القانون من دون السعي إلى الانتقام منه.

وقد خرجنا من استقصاء لاحق بنتائج مشابهة. إذ طلبنا إلى نصف عدد المشاركين في تلك الدراسة قراءة فقرات مقتطفة من كتاب يجادل في أن النظرة المنطقية لطبيعة البشر لا تترك مجالا لحرية الإرادة. بينما عرضت على النصف الآخر منهم قراءة فقرات مقتطفة من الكتاب ذاته لا تتعلق بموضوع حرية الإرادة. وكما توقعنا، فقد أضحت الزمرة الأولى من المشاركين أكثر ارتيابا بوجود إرادة حرة. فعندما طُلب إلى جميع المشاركين أن يقرؤوا قصة افتراضية عن رجل أُدين بقتل شخص أثناء شجار في حانة، وكانت القصة قد وضعت على نحو يتبين منه للقارئ أن سجن القاتل لن يؤدي إلى تقويمه، أوصت الزمرة التي قرأت الفقرات التي تشكك في وجود إرادة حرة بسجن القاتل مدة بلغت نصف المدة التي أوصى بها المشاركون من الزمرة الأخرى.

وفي تجارب أجريت لمتابعة هذه الأبحاث، تبين لنا أن ذكراً صريحاً لإرادة حرة لم يكن ضروريا لكي تتبدل نظرة الناس إليها، وبالتالي للعقوبة المناسبة على جريمة ما. فبعد قراءة مقالات في دورية علمية عامة تصف الآليات العصبية التي تكمن وراء قيام الإنسان بأفعاله – دون ذكر صريح لإرادة حرة – اعتبر المشاركون المجرم المفترض أقل مسؤولية عما ارتكبه من زملائهم الذين لم يطّلعوا على مقالات كهذه. فالمشاركون الذين قرؤوا مقالات حول علم الدماغ، أوصوا بما يقارب نصف مدة السجن كعقوبة على جريمة القتل. ويبدو أن دراسة موضوع الدماغ في المرحلة الجامعية الأولى لها آثار مشابهة. فالنتائج الناجمة عن تجربة قامت بها <G. أسپينوول> وزملاؤها في جامعة يوتا Utahتدعم استنتاجاتنا هذه. إذ تُبَين أن عَرْضَ تفسير للخلل العقلي الذي يعانيه متهم بجرم ما على القضاة بلغة علمية يحمل هؤلاء على إصدار أحكام سجن أقصر بحق هذا المجرم.

خلل اجتماعي(***)

ومع أن التساهل الناجم عن الشك في امتلاك الإنسان إرادة حرة قد يعتبر حميدا في الكثير من الحالات، إلا أن التخلي عن معاقبة المجرم يؤدي إلى نتائج كارثية على المجتمع. فمثل هذا العقاب أمر حيوي من أجل سلامة المجتمع. وكما تشير أبحاث تجريبية أجرتها <B. روكنباك> [من جامعة Cologne في ألمانيا]، ومع أن قلة من الناس يميلون إلى الفكرة المجردة بأنهم ينتمون إلى مجموعة تعاقب المسيئين من بينهم، إلا أنهم بالفعل يؤيدون العقاب بصورة طاغية. فقد طلبت <روكنباك> وزملاؤها إلى متطوعين المشاركة في ألعاب تعاونية(2) تمنحهم الفرصة للاختيار بين الانضمام إلى زمرة يمكنها معاقبة أفرادها الذين لا يقدمون المساعدة لأقرانهم وأخرى لا يمكنها أن تعاقبهم. وفي بداية الأمر، لم يُقْدِم سوى ثلث عدد اللاعبين على الانضمام إلى الزمرة التي يمكنها معاقبة أفرادها، لكن بعد ثلاثين دورة من اللعب كان معظم المشاركين قد التحق بالزمرة الأخرى التي تؤيد مُعاقبة الأفراد غير المتعاونين. والسبب في ذلك أن المشاركين اكتشفوا ما كانت المجتمعات البشرية قد وجدته بالتجربة مرارا وتكرارا في تاريخها الطويل، فمن دون القوانين والقدرة على إنفاذها لا يبقى لأفراد المجتمع دوافع كافية تحملهم على العمل سوية من أجل الصالح العام. وعوضا عن ذلك، فإنهم يضعون أنفسهم فوق الجميع ويتخلون عن جميع مسؤولياتهم، فيتخذون مسارات تحفل بالكذب والغش والسرقة، فتؤدي هذه المسارات في خاتمة المطاف إلى انهيار المجتمع.

وفي واقع الحال، فإن التشكيك في حرية الإرادة يمكن أن يحمل المخاطر حتى ضمن المجتمعات التي لها قوانين. فقد كشفت بعض الأبحاث التي قمنا بها أن الشك في حرية الإرادة، الذي يُضعِف حِس الفرد بمسؤوليته عما يقوم به من أفعال، يشجع على عدم الالتزام بالقواعد القائمة. فقد بينت دراسات أنجزت مع <W .J. سكولر> [من جامعة كاليفورنيا] أن المشاركين الذين قرؤوا فقرات تعارض حرية الإرادة، كانوا أكثر ميلا إلى الغش في اختبارات أكاديمية بنسبة 50 في المئة أكثر من أولئك الذين كانوا قد قرؤوا فقرات لا تتناول حرية الإرادة. وإضافة إلى ذلك، ففي دراسة أخرى قُدِّمَت ضمنها مبالغ مالية إلى المشاركين كلما تقدموا بإجابة صحيحة عن أسئلة اختبارية طرحت عليهم، ادعى المشاركون الذين كانوا قد قرؤوا بيانات تعارض وجود إرادة حرة، أكثر من غيرهم من المشاركين، أنهم وضعوا إجابات صحيحة عن أسئلة أكثر مما حُسب لهم، وتقبلوا ما دُفع إليهم عندما أُخذ ادعاؤهم هذا في الحسبان.

والأمر الذي يثير قدرا أكبر من القلق بشأن التلاحم المجتمعي، هو أن انحسار الاعتقاد بحرية الإرادة سوف يثير دوافع لإيذاء الآخرين. ومن الطرق التي يعمد إليها الباحثون في علم النفس لقياس العدوانية(3)  في المختبر، وهي طريقة لا تخلو من الغرابة، تتضمن منح المشاركين في التجارب الفرصة لإضافة مرقة أو صلصة غنية بالتوابل الحارة إلى وجبة خفيفة مُعَدة لشخص يعلمون بأنه يكره هذه التوابل. وقد طلب <F .R. باومايستر> إلى متطوعين أسهموا في تجربة قام بها مع زملاء له في جامعة الولاية في فلوريدا بقراءة نصوص تستعرض الحجج مع وضد وجود إرادة حرة قبل القيام بإعداد أطباق رقاقات التورتيا(4)  ليتناولها مشارك في التجربة كان قد تعامل سابقا مع كافة المشاركين بخشونة، كما رفض التعاون حصرا مع من كُلِّف بإعداد الوجبة الخفيفة. وكان المتطوعون جميعا يعلمون بأن هذا المشارك ليس مولعا بالطعام ذي الطعم الحار وأن عليه أن يأكل كلَّ ما سيُقدم إليه من طعام. وتبين بنتيجة التجربة أن المشاركين الذين قرؤوا النصوص التي تشكك في وجود إرادة حرة استخدموا نحو ضعف ما استخدمه سواهم من المتطوعين من الصلصة الحارة المذاق لدى إعداد الوجبة المخصصة للمشارك صاحب المزاج العسر.

لقد كشف علم الأعصاب أن سبيلا واحدا على الأقل يمكن من خلاله للتشكيك في وجود إرادة حرة، أن يعمل على تقليص سلوك أخلاقي، يكمن (هذا السبيل) في إضعاف قوة الإرادة. فقبل أن يقوم شخص بحركة ما – كتناول فنجان من على المائدة – ينشأ نمط من النشاط الكهربي electrical activity، يسميه علماء الأعصاب كمونَ التأهب readiness potential ضمن القشرة الحركية motor cortexفي الدماغ، يساعد على تنظيم هذه الحركة. وباستخدام إلكترودات electrodesتوضع على جلدة الرأس بين <D. ريگيوني> [من جامعة پادوا في إيطاليا] أن تقليص انحسار قناعة الشخص بوجود إرادة حرة يضعف هذا النمط من النشاط الكهربي. وفي دراسة لاحقة، تبين أن الأشخاص الذين ضَعُف اعتقادهم بوجود إرادة حرة كانوا أقل قدرة على كبح ردود الأفعال التلقائية في اختبارات حاسوبية لقوة الإرادة. وهكذا يبدو أننا كلما قَلّ اعتقادنا بحرية الإرادة قَلت قدرتنا على كبح النزعة إلى الكذب والغش والسرقة وإضافة مرق حار المذاق إلى طعام الأشخاص الوقحين.

عدالة جديدة(****)

كيف ستتبدل مجتمعات البشر إذا استمر إسهام الأبحاث في مضمار علم الأعصاب بانحسار الاعتقاد بحرية الإرادة؟

وبإمكاننا تحديد ثلاثة احتمالات. ولا بد أن نتذكر أن التاريخ حافل بالأمثلة عن تبدل المعايير الأخلاقية مع تطور معارفنا عن العالم. ويوثق كتاب عنوانه «الملائكة الأفضل لطبائعنا»(5) ألّفه خبير علم النفس <S. پينكر> [من جامعة هارڤارد] تبدلات تمثل «ثورة إنسانية» شهدها العالم خلال القرون الثلاثة الماضية، تخلى الإنسان بفضلها عن ممارسات مُمَنهجة، كالعبودية والعقوبات غير الاعتيادية وحتى الوحشية، كانت مقبولة فيما مضى، لكنها أضحت الآن مقيتة ومحتَقرة. ويعزو <پينكر> هذه التبدلات، جزئيا على الأقل، إلى انتشار المعرفة بثقافات العالم المختلفة وتطور سلوك الإنسان ابتداء من حقبة التنوير(6) وما شهده العالم بعدها من ازدياد كاسح في القرائية literacy والتعلم وتبادل المعلومات.

ومن المفترض أن تؤدي الأبحاث التي تُجرى الآن حول العمليات البيولوجية التي تتحكم في فكر الإنسان وأفعاله إلى تبدلات درامية dramatic مشابهة في وجهات النظر الأخلاقية. وهذا هو الاحتمال الأول. وكما حدث في الماضي، فإن التبدلات المتوقعة في مشاعرنا الأخلاقية قد تُحَسن بالفعل نظم العقاب المعتمدة. إذ تعتمد هذه النظم في معظم دول العالم، بصورة رئيسة، على مبدأ العين بالعين، وهو مبدأ يحبذه أساسا من يعتقد بحرية الإرادة. ولكنه، ربما بسبب الحدود التي تخضع لها حرية الإرادة، مبدأ غير فعال بتاتا. فينبغي أن يقلع المجتمع عن معاقبة الناس لمجرد رؤيتهم يتألمون بسبب ما أقدموا عليه. وأن يتم التركيز بدلا من ذلك على أكثر الأساليب نجاعة للحيلولة دون حدوث الجرائم أصلا ولتحويل من يخرق القوانين إلى مواطنين منتجين. وهذه استراتيجيات من المرجح أن تكتسب جاذبية أكبر كلما تزايد الشك في حرية الإرادة. ومع أن تَقَبل الشك في حرية إرادة الإنسان، سيكون من الصعوبة بمكان، إلا أنه سيمثل مرحلة من مراحل النضج لمجتمعاتنا، لن تخلو من الألم كسائر مراحل النضج المماثلة. لكنها في نهاية المطاف ستؤدي إلى ملاءمة الحدس الأخلاقي الذي يوجه مؤسساتنا القانونية مع المعارف العلمية التي نمتلكها الآن ويجعل مجتمعاتنا أكثر قوة من الماضي.

لكن الأمور قد لا تسير على هذا النحو. فكما تشير الأبحاث التي أجريناها، كلما ازداد شك الناس في حرية الإرادة أصبحوا أكثر تساهلا مع المتهمين بارتكاب الجرائم وأكثر خرقا للقواعد بأنفسهم وإيذاء الآخرين ليحصلوا على ما يبتغون. وهكذا، فمن الممكن أن يقودنا تشككنا الحالي في حرية الإرادة إلى تهديد الثورة الإنسانية، وربما إلى فوضى عارمة ضمن مجتمعاتنا.

والإمكانية الثالثة، وهي الأرجح، تتصل بما كان <ڤولتير>(7) قد أكده في القرن الثامن عشر عندما قال: لو لم يكن الله موجودا لاضطررنا إلى اختراعه، إذ إن فكرة الإله ذات حيوية فائقة من أجل الحفاظ على القانون والنظام في المجتمع. والمناقشة الموازية لما أكده <ڤولتير> واضحة، فبما أن اعتقادنا بحرية الإرادة يحول دون قيامنا بآثام تؤدي إلى تقويض المجتمع المنضبط، فقد نضطر إلى اختراع حرية الإرادة من جديد.

 

المؤلفان

     Azim F. Shariff – Kathleen D. Vohs     
<شريف> أستاذ مساعد في علم النفس في جامعة أوريگون(8)، حيث يشرف على مختبر الثقافة والأخلاقيات(9).

 

 <ڤوهس> أستاذة Land O’ Lakes للتميز في التسويق(10) في كلية كارلسون للإدارة (11) في جامعة مينّسوتا (12).

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/09-10/2014_09_10_05_b.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/09-10/2014_09_10_05_a.jpg

  مراجع للاستزادة

 

Who’s in Charge? Free Will and the Science of the Brain. Michael S. Gazzaniga. Ecco, 2011.
Free Will and Punishment: A Mechanistic View of Human Nature Reduces Retribution. A. F.
Shariff, J. D. Greene, J. C. Karremans, J. Luguri, C. J. Clark, J. W. Schooler,
R. F. Baumeister and K. D. Vohs in Psychological Science (in press).

(*)THE WORLD WITHOUT FREE WILL

(**)EXONERATION FOR CRIMINALS

(***)SOCIAL DISORDER

(****)NEW JUSTICE

(1) retributive punishment

(2) cooperative games

(3) aggression

(4) tortilla chips

(5) The Better Angels of Our Nature

(6) the Enlightenments

(7) Voltaire

(8) University of Oregon

(9) the Culture and Morality Lab

(10) Marketing

(11) Carlson School of Management

(12) University of Minnesota

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى