إنتاج فواكه وخضراوات أفضل مذاقا
إنتاج فواكه وخضراوات أفضل مذاقا(*)
ولا حاجة إلى متعضيات معدلة جينيا (GMOs)ا(1)
لقد أفقد الفواكه والخضراوات الكثير من نكهتها من أجل التوصل
إلى منتجات كبيرة ذات قدرة على التحمل في الأسواق. ومن دون استخدام
الهندسة الجينية يمكن للعلماء الآن إعادة تلك النكهة إلى ما كانت عليه.
<فراس جبر>
باختصار
نجم عن إنتاج محاصيل كبيرة الحجم ومدهشة ما يكفي لتلبية حاجات الزراعة الصناعية، فواكه وخضراوات معروضة في الأسواق المركزية غالبا ما تفتقر إلى النكهة والقيمة الغذائية مقارنة بالأصناف الأقدم. وبدلا من تحسين هذه المحاصيل بالهندسة الجينية، والتي يمكن أن تضيف المتعضيات المعدلة جينيا (GMOs)ا(2) المثيرة للجدل إلى جناح المنتجات، يتحول العلماء إلى تقنية التربية بمساعدة الواسمات(3)، والتي تجمع بين تربية النبات التقليدية وتحاليل الدنا DNAالأسرع دائما. في الماضي كان يمكن لمربي النبات في الجامعات الحكومية أن يتبرعوا بمثل هذه المحاصيل للمزارعين. والآن هم يُجبَرون على ترخيص البذور لعدد من الشركات الخاصة الضخمة التي يعتقد الكثير من الناس أنها اكتسبت نفوذا كبيرا.
|
جناح المنتجات في الأسواق المركزية الحديثة مليء بالخدع البصرية. |
فالفراولة ممتلئة ولامعة، والطماطم ناعمة الملمس ولامعة، والشمام صلب وذو ألوان زاهية – ولكنها غالبا ما تكون خالية من النكهة. ولا يمكن أن نلوم سوى أنفسنا على هذا الجمال الناقص. فمن خلال تربية breeding المحاصيل الانتقائية لتكون مدهشة قدر الإمكان ولتتحمل أسابيع من النقل والتخزين تحت ظروف الظلام والبرودة، نكون قد استنزفنا النكهة والعبير والقيمة الغذائية من غذائنا.
انظر إلى المعضلة التي طرحها الشمام(4) على مربيّ النبات plant breeders. لكي تستمتع بالنكهة الكاملة للشمام، يجب أن تقطفه وتأكله عند تمام النضج قبل أن يصبح طريا جدا. وعند المراحل الأخيرة من نمو الشمام، يتسبب اندفاع من هرمون الإيثيلين في نضج الثمرة وجعلها طرية بسرعة. إن هذا النضج السريع جعل نقل الشمام عبر الولايات أو من بلد إلى آخر إشكاليا: وحتى عند وضعه على الثلج، تحول قوام الشمام في نهاية عملية النقل ليصبح عصيريا. لذلك خَفّض مربو النبات من مستويات الإيثيلين في الشمام المزمع شحنه إلى مسافات بعيدة، من خلال التهجين الرجعي(5) مع الشمام الذي ينتج مستويات أقل من الهرمون بشكل طبيعي. ومن دون الاندفاعات القوية من الإيثيلين، يبقى الشمام ذا قوام صلب خلال رحلته من الحقل إلى مراكز التسوق، ولكن التفاعلات الكيميائية التي تنتج نكهة وطعم الشمام الناضج لا تحدث أبدا.
لقد حقق مربو النبات بعض النجاح في التغلب على هذه المعضلة. ففي تسعينات القرن الماضي استطاع <D. شامبيرون> [مربي نبات وُظِّف من قبل شركة البذور الهولندية De Ruiter] أن يتوصل إلى صنف شمام صغير الحجم ومخطط وبقي محافظا على صلابته ونكهته لأسابيع بعد الحصاد. فهو معروف باسم ميلورانج Melorange، و يزرع هذا الصنف في أمريكا الوسطى ويشحن إلى سلسلة Samʼs Club وسلاسل مخازن أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين الشهرين 12 و 44، حيث يكون الجو باردا جدا لزراعة الشمام بهذه المناطق. فقد تذوقت شريحة منها في الشهر 3 الماضي وكان لها قوام كثيف وطعم ونكهة قوية لدرجة قريبة من كونها لاذعة. ولسوء الحظ، تعتمد طريقة التربية التقليدية المتبعة للوصول إلى ميلورانج على الصدفة. ويمكن لها أن تستغرق أكثر من عقد للوصول إلى صنف جديد جيد وثابت. ويجب على المربين أن يهجنوا النباتات مرات ومرات، على أمل أن ترث الأنسال الصفات الصحيحة. وعادة، عليهم أن ينتظروا النباتات لتنمو وتنتج الثمار الناضجة حتى يعرفوا النتيجة. ويكون كثير مما يجنونه بعيدا جدا عن المطلوب وغير قابل للاستخدام كليا.
قدمت الجينيات genetics مؤخرا مسارا بديلا. ففي الشركة Monsanto التي استحوذت على الشركة De Ruiter في عام 2008، يستطيع <J. ميلز> وزملاؤه التنبؤ بنوعية ثمرة الشمام حتى قبل أن تزرع بذرة واحدة في الأرض. بداية، حدد <ميلز> وفريقه بدقة جينات genes الشمام المسؤولة عن التركيبة المميزة للنكهة والصلابة في ميلورانج. حيث يمكنهم التفتيش عن تلك الواسمات الجينية في بذور الشمام بمساعدة مجموعة متعاونة من الإنسالات(6) robotsتعمل إلى حد بعيد بشكل مستقل.
[أساسيات] التربية بمساعدة الواسمات(**) لتحسين محصول واحد، عادة ما يتعين على مربي النبات أن يؤدوا دور وسيط الزواج بين النباتات لعدة سنوات، بحيث يجهدون لإزالة الصفات غير المرغوب فيها من دون أي فقد للصفات المرغوب فيها. ويفتح تحديد الجينات المسؤولة عن هذه الصفات إمكانية سيرورة فعالة ودقيقة تعرف بالتربية بمساعدة الواسمات.
|
رأيت العديد من هذه الآلات وهي تعمل عندما زرت مختبر التربية الجزيئي(7) في الشركة Monsanto بمركزها الرئيسي لأبحاث وتطوير الخضراوات والذي يقع في وودلاند بكاليفورنيا في الشهر 11/20133. وتقطع الإنسالة رقاقة صغيرة من البذرة لأجل تحاليل الدنا DNA، تاركة باقي البذرة من دون أذى وملائمة للزراعة في البيت الزجاجي أو الحقل. وتستخلص إنسالة أخرى الدنا من الكسرة الصغيرة من البذرة وتضيف الجزيئات والإنزيمات الضرورية من أجل اللصق الكيميائي إلى عُلّامات tags مفلورة إلى الجينات الملائمة، إذا ما وجدت. بعد ذلك، تضخم آلة أخرى عدد العُلامات المتوهجة بغية قياس الضوء الذي تصدره ولتحديد فيما إذا كان الجين موجوداً.
هذه التقنيات المعروفة بالتربية بمساعدة الواسمات(8)، ليست جديدة تماما، ولكنها في السنوات العشر الماضية أتاحت القيام بعمل غير مسبوق من حيث الوصول إلى درجة الكمال في إنتاج المحاصيل، ويعود ذلك إلى أن السلسلة الجينية أصبحت أسرع وأرخص بكثير. وتستطيع إنسالات الشركة Monsantoالتي تقطع البذور العملَ أربعا وعشرين ساعة في اليوم، ويستطيع النظام الكامل تقديم النتائج لمربي النبات خلال أسبوعين. فقد استطاع مربو النبات في كل من الشركات الخاصة والجامعات أن يتوصلوا في السنوات العشر الماضية إلى فواكه وخضراوات عديدة أفضل نكهة وأكثر ألوانا وذات قوام وقيمة غذائية عالية أصبح بعضها متوفرا في محلات الخضراوات وأسواق المزارعين. وتضم السلة، إضافة إلى الشمام الذي تزداد نكهته اشتهاء، البروكلي الحافل بمزيد من المغذيات غير المعتادة، والفراولة النضرة، وطماطم تسر العين واللسان.
«إن تأثير علم الجينوميات genomics في تربية النبات بعيد نوعا ما عن إدراكي،» كما يقول <S. جانسكي> [مربي البطاطا الذي يعمل في كل من قسم الزراعة الأمريكي USDA وفي جامعة ويسكنسون-ماديسون(9)] ويقول: «منذ خمس سنوات كان لديّ طالب دراسات عليا قضى هنا ثلاث سنوات وهو يحاول تحديد سلسلة دنا مرتبطة بمقاومة الأمراض. وبعد مئات من ساعات العمل في المختبر توصل إلى ثمانية عشر واسما جينيا. والآن لديّ طالب دراسات عليا يستطيع أن يحصل على 8000 واسم من كل من 200 نبات فردي خلال أسابيع.»
يبدو هذا الكلام كله عن تحاليل الدنا، بشكل مريب، وكأنه الهندسة الجينية – وهي التقنية التي يعدل فيها الجين وينجم عنها إنتاج متعضيات معدلة جينيا (GMOs)ا(10). ولكنها ليست كذلك. فهي ليست أبدا تقانة التعديل الجيني GMO. وفي الحقيقة، هذا أحد الأسباب الرئيسة لكونها جذابة جدا للباحثين ولشركات البذور مثل الشركة Monsanto.
تغير عملية الزرع(11)(***)
يغير الناس النباتات لملاءمة أغراضهم منذ 9000 سنة على الأقل. وتقريبا كل ثمرة فاكهة وخضراوات نأكلها هي أنواع مستأنسة كنا قد حوَّلناها عبر عقود من الاصطفاء (الانتخاب) الصنعي(12) والتربية breeding: نحتفظ بالبذور فقط من النباتات ذات الصفات الأفضل، ونهجن بشكل مقصود نباتا مع آخر لإنتاج توافقيات جديدة من الصفات. وبهذه الطريقة حَوَّل أسلافنا عشبة هزيلة اسمها تيوسينت teosinte إلى نبات ذرة طويل ويحمل أكوازا ممتلئة، وحولوا نوعا واحدا من الملفوف البري إلى البروكلي وملفوف بروكسل Brussels sproutsوالقرنبيط واللفت.
وبحلول الثمانينات من القرن الماضي، ابتكر العلماء طريقة أكثر دقة بكثير لتغيير دنا النبات: الهندسة الجينية، التي تنطوي على إضافة أو نزع أو تعديل الجينات بشكل مباشر في النبات أو بأي طريقة أخرى باستخدام الوسائل المختبرية. لقد كان أول ظهور للمتعضيات GMOs في السوق بالولايات المتحدة في التسعينات من القرن الماضي. ومع أن أكثر من 700% من الغذاء المصنّع في الولايات المتحدة يحتوي على عناصر مصنوعة من نباتات ذرة وفول الصويا وكانولا معدلة جينيا، فإن نسبة ضئيلة جدا من الخضراوات والفواكه الطازجة التي تُباع في الأسواق مهندسة جينيا. وتشمل الاستثناءات نباتات البابايا والبرقوق والسكواش المقاومة للڤيروسات، وكذلك الذرة الحلوة المقاومة للآفات.
إن أحد أسباب قلة الفواكه والخضراوات الطازجة المعدلة جينيا، هو أنها جميعا أقل ربحية بكثير وتزرع بمساحات أقل من المحاصيل الأكثر زراعة في البلاد: مثل الذرة الصفراء وفول الصويا والحشيش(13) والقمح والقطن والسورجم والأرز. وعندما يتعلق الأمر بالفاكهة والخضراوات والمحاصيل الأخرى ذات الخصوصية(14)، فإن شركات البذور ليس لديها حافز كاف للتعامل مع اختبارات الأمان المكلفة والمتعبة والإجراءات التنظيمية الفيدرالية التي تحتاجها النباتات المعدلة جينيا للحصول على تراخيص ببيعها.
والعائق الآخر الكبير للفواكه والخضراوات المعدلة جينيا هو معارضة الجمهور. وتعلم الجامعات وشركات البذور أن وصول أي نبات معدل جينيا إلى واجهات الأسواق اليوم يمكن أن يسبب غضبا ضمن شريحة من سكان الولايات المتحدة الذين يعارضون ما يعتقدون أنه «أغذية فرانكشتاين» Frankenfoods. ومعظم المتسوقين غير مهتمين بالأعداد القليلة من الفواكه والخضراوات المهندسة جينيا الموجودة في الأسواق لأنه لا توجد عادة لصاقة عليها تشير إلى ذلك.
وفي العقد الماضي أصبحت طريقة التربية بمساعدة الواسمات ذات أهمية متزايدة لتحسين الفواكه والخضراوات من خلال تجنبها الجدال الدائر حول الأغذية المحورة، وخاصة لأن التقانات الجينية كانت قد تحسنت واستمر العلماء بمعرفة التتابعات الجينية للمزيد والمزيد من المحاصيل النباتية. وبشكل خاص، فإن الزواج بين التربية التقليدية وتحاليل الدنا يساعد المربين على تحويل اهتمامهم نحو نوعية الغذاء المهمة للمستهلكين. «وسؤال المستهلك ماذا يريد يبدو واضحا، ولكن الأمر ليس كذلك،» كما يقول <H. كلي> [مربي الطماطم في جامعة فلوريدا]. وبدلا من ذلك، حسبما يقول، فإنك تقريبا ترى بشكل دائم المربين يضعون حاجات المزارعين وموزعي الغذاء في المقام الأول.
والمثال النموذجي هو الطماطم الموجودة تقليديا في الأسواق. فلعقود خلت، اعتبر الخبراء التوازن بين الأحماض والسكريات في الطماطم بأنه العامل الأساسي الذي يُحدد فيما إذا كنا نستسيغ طعمها. وبشكل عام، يحب الناس أن يميل طعم الطماطم إلى المذاق الحلو. ولكن معظم المربين لم يهتموا في المقام الأول بالنكهة. آخذين في الاعتبار المنتجين التجاريين على نطاق واسع، فَضَّل المربون بدلا من ذلك نباتات طماطم تنتج ثمارا كثيرة ناعمة الملمس وقاسية، بحيث تبقى ممتلئة عبر رحلتها الطويلة، غالبا إلى أسواق الخضراوات. ولكن، كلما حمل النبات عددا أكبر من ثمار الطماطم، قلت كمية السكر في كل ثمرة. وقد تبدو الطماطم النموذجية في الأسواق المركزية جميلة المنظر، ولكنها لا تحوي سكرا كافيا لترضي حلمات التذوق(15) لدينا.
إن <كلي> مصمم على إنقاذ الطماطم الصناعية من حالة الركود الحالية التي تصيب مذاقها. فمن خلال سلسلة اختبارات تذوق واسعة، اختبر نحو 200 صنف من طماطم الهيرلوم heirloom – وهي مجموعة أصناف طماطم قديمة احتفظت بها مجموعات صغيرة من المزارعين ومالكي الحدائق وتباع في بعض محال الخضراوات وأسواق المزارعين. وتعرف أصناف الهيرلوم بألوانها النابضة بالحياة وبمذاقها الرائع، ولكن قشرتها تنكشط بسهولة وتجرح، وتصبح طرية بسرعة، كما أنها تأتي من نباتات لا تحمل ما يكفي من الثمار لتلبية حاجات المزارعين التجارية الكبيرة.
تعلم <كلي> في بحثه أن الكثير من الهيرلوم أفضل مذاقا من الطماطم القياسية لا لكونها تحوي كميات أكبر من السكريات ولكن لأنها ممتلئة بمكونات ذات نكهة أكثر تعقيدا بكثير: المركبات الكيميائية اللاذعة المعروفة بالزيوت العطرية التي تنبعث من النبات إلى أنوفنا (فكّر: العشب المقصوص لتوه أو رائحة الحمضيات المغرية). وفي دراسة ل<كلي> وزملائه عام 2012 اكتشفوا أن الناس يستمتعون حقيقة بالطماطم التي تحتوي مقادير معتدلة من السكريات إذا كانت تحتوي ما يكفي من المركب العطري المسمى جيرانيالgeranial. ويعتقد <كلي> أن الجيرانيال ومركبات طيارة أخرى لا تعطي الطماطم رائحتها فقط، ولكنها أيضا تعظم حلاوة الثمرة الطبيعية. وفي دراسات لاحقة، أنتج طماطم تفتقر إلى الجيرانيال والجزيئات العطرية الأخرى، ولم يحبها الناس. وإذا ما احتوت الطماطم على مستويات متوسطة إلى عالية من السكريات ولكنها لم تحوِ المركبات الطيارة، فإن المتطوعين لم يدركوا حقيقة أنها حلوة المذاق.
مؤخرا، يحاول <كلي> الحصول على نباتات هجينة تمنح كلا من المزارعين والمستهلكين أفضل ما في عالمي الطماطم، القديم والحديث. حيث قام في السنوات الثلاث الماضية مع زملائه بتهجين الهيرلوم اللذيذ المذاق الذي استطاعوا الحصول عليه مع الطماطم الحديثة التقليدية بغية الحصول على سلالات هجينة تعطي غلة أكبر وتكون قاسية وناعمة الملمس وذات طعم لذيذ. ويقوم <كلي> بشكل روتيني بتخزين فرش الأسنان الكهربائية الرخيصة الثمن، والتي يستخدمها وزملاؤه لهزِّ أزهار الطماطم برفق، ليجمع حبوب اللقاح المتساقطة في أنابيب الاختبار وليجري التزاوج المطلوب. وفي الوقت نفسه، كان مربو النبات يقتطعون أجزاء صغيرة من الأوراق لإجراء تحاليل الدنا النباتي، باحثين عن الأنماط الجينية التي تتوافق مع إنتاج مستويات عالية من المركبات الطيارة، على سبيل المثال، أو مع بشرة ثمار غير متشققة. وحسبما يقول <كلي>: «إن التحليل الجيني مَكَّن من قرارات تهجين مبنية على المعلومات, وحقيقةً تم تسريع عملنا في السنتين الأخيرتين، مع بزوغ سلسلة جينوم الطماطم.»
لقد استنبطت جامعة فلوريدا حديثا صنفين من هذه التهجينات – GardenGem و Garden Treasure – وترغب في أن تسجلهما في شركة بذور للتوزيع على مستوى تجاري. ومع أن الهجينين لا يعطيان غلة بمقدار تلك التي تعطيها الطماطم التجارية، إلا أنهما ينتجان أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الثمار التي يعطيها آباؤها من الهيرلوم، وهي ذات نكهة رائعة وتستطيع تحمل الشحن لمدة لا بأس بها. ويحرز زميل <كلي>، <V. ويتيكر>، تقدما جيدا بمشروع شبيه يهدف إلى تعزيز مذاق الفراولة المعروضة في الأسواق المركزية، والتي جرى أيضا زيادة حجمها وقابلية تخزينها على حساب طعمها.
وهناك ضحية أخرى لصعوبات التوزيع جديرة بالملاحظة، إضافة إلى الشمام والطماطم، وهي البروكلي. ويزرع نحو 75% من البروكلي المحصود في الولايات المتحدة بكاليفورنيا. ويحب البروكلي الطقسَ البارد ويزدهر في وادي سالينا Salinas Valley مع أغطية الضباب التي تتشكل أحيانا. وعندما يجبَر على تحمل الصيف الحار مع الرطوبة العالية في الشمال الشرقي، فإنه ينتج رؤوسا ملتوية مع براعم ذات قياسات غير متوافقة. إن كلا من البراعم الصغيرة التي تشكل معاً قبة رأس شجرة البروكلي هي زهرة لم تتفتح بعد. ومؤخرا، اكتشف <Th. بجورگمان> وزملاؤه [من جامعة كورنيل Cornell] أنه، خلال فترة حرجة من نموه، يسجل البروكلي عدد ساعات البرودة التي يتمتع بها، وينتج رأسا مزهرا متناسقا فقط إذا كان عدد هذه الساعات كافيا. وهذا هو السبب في أن البروكلي المزروع على الشاطئ الشرقي ينتهي إلى إعطاء خليط غير جذاب من براعم زهرية جميلة وممتلئة إلى جانب براعم صغيرة وغير مرئية تقريبا.
ومنذ ثلاث سنوات ونصف، قرر <بجورگمان> و<M. فارنهام> [من قسم الزراعة الأمريكية USDA] وكثير من زملائهما، تربية نوع جديد من البروكلي يمكن أن ينتعش في الجزء الشرقي من البلاد. وفي غرف النمو بمختبراتهم كان <بجورگمان> وزملاؤه يخضعون البروكلي لمستويات الساحل الشرقي من الحرارة والرطوبة، ويحتفظون فقط ببذور النباتات التي تعطي أفضل رؤوس الأزهار تحت هذه الظروف. وعلى الرغم من أنه لا يزال أمامهم الكثير من العمل، فإنهم قد حصلوا على بروكلي يتحمل عدة أسابيع إضافية من الحرارة مقارنة بالأصناف المزروعة حاليا في الشرق. وفي الوقت نفسه، فإن الباحثين يفتشون في جينومات النباتات العديدة التي يزرعونها عن الجينات التي تشرح لماذا ينجح بعض البروكلي بشكل أفضل من غيره. فإيجاد مثل هذه الجينات يمكن أن يقلل سنوات من عمر رحلتهم نحو النبات الهدف.
إن تربية البروكلي ليبقى جميلا بالطقس الحار ليس فقط تدريبا في علم الجمال- إنه أيضا حول الحصول على بروكلي أفضل مذاقا وذي قيمة غذائية أعلى لأسواق المزارعين ومحلات البقالة. والبروكلي الطازج المستهلك في اليوم ذاته الذي حُصد فيه يختلف عن ذلك الطعام الموجود في الأسواق المركزية التقليدية، يقول <بجورگمان> – إنه طري مع نكهة خضرية يانعة تشبه شجيرة صريمة الجدي honeysuckle من دون أي طعم لاذع بعد التذوق. إن نقل البروكلي من كاليفورنيا إلى أماكن أخرى في البلاد يتطلب تخزينه على الجليد وفي الظلام لعدة أيام. ومع غياب الضوء، يتوقف التمثيل الضوئي، وهذا يعني أن الخلايا ستتوقف عن تصنيع السكريات. كما أن الانخفاض السريع في درجات الحرارة يمزق الجدران الخلوية؛ مما يضعف من قوام النبات على نحو صعب التغيير ويقلل من صلابته. وعندما يذوب البروكلي، تلتقي الإنزيمات والجزيئات المتنوعة المتسربة من خلاياها وتقدح trigger سلسلة من التفاعلات الكيميائية، بعضها يحلل كلا من المركبات الغذائية والمسؤولة عن النكهة. وعليه، فإن إعطاء المزارعين في الشرق بروكلياً يستطيعون زراعته وبيعه محليا يحل هذه المشكلات كلها.
وفي جهد منفصل لتحسين القيمة الغذائية للبروكلي، استخدم <R. ميثين> وزملاؤه [من معهد أبحاث الغذاء في إنكلترا(16)] التربية بمساعدة الواسمات لرفع مستويات الگلوكورأفانين glucoraphanin، وهو مركب تشير بعض الدلائل إلى أنه قد يساعد على مقاومة البكتيريا والسرطان. وكانوا قد رخصوا البروكلي الناتج، والمسمى بيني فورتي Beneforte، للشركة Monsanto، ويمكنك أن تجد رؤوس الأزهار في بعض مخازن أسواق الغذاء المركزية كـ Whole FoodsMarket وStater Bros.
ابتكارات بذور(****)
ولكي يحصلا على المنحة للبدء بمبادرتهما، كان على <بجورگمان> و <فارنهام> أن يؤكدا لقسم الزراعة الأمريكية USDA أن شركات البذور مهتمة بشكل حقيقي بهذا السوق الإقليمي الجديد المحتمل للبروكلي، وذلك من خلال تأمين التمويل من القطاع الخاص. وتساهم كل من الشركات: Monsanto وSyngenta و Bejo Seeds في تمويل ذلك السوق، مع أنها شركات متنافسة. نظريا، ويمكن لكل من باحثي شركات البذور والجامعات الاستفادة من هذا التعاون بين تلك الشركات الثلاث. وخلال مرحلة البحث والتطوير، يتشارك جميعهم المعلومات وتبادل البذور. ولكن في النهاية، يحين الوقت للمفاوضات. وكما في حالة <كلي> وطماطمه اللذيذة، يأمل <بجورگمان> بأنه عندما يقترب هو وزملاؤه من الوصول إلى البروكلي الجميل، فإن إحدى الشركات الخاصة سوف ترخص هذه البذور وتنتجها على مستوى كبير للمزارعين بشكل تجاري. ولا يمتلك <بجورگمان> وفريقه المال اللازم للقيام بذلك بأنفسهم. فقد يصبح البحث عن الواسمات الجينية في النباتات الفردية أرخص مع الوقت، ولكن إنتاج كميات كبيرة جدا من البذور وتسويقها للمزارعين لا يزال مكلفا.
ويشعر بعض مربي النبات بالقلق من أنه بسبب امتلاك شركات البذور الضخمة مقدارا أكبر بكثير من الموارد التقانية والمالية مقارنة بالشركات الأصغر والجامعات، فإن الابتكارات الحقيقية سوف تضمحل. ويقول <I. گولدمان> [من جامعة ويسكنسون-ماديسون، الذي استنبط حديثا شمندر طاولة بلون برتقالي متوهج وذي شرائط ذهبية متحدة المركز]: «هناك انخفاض كبير نوعا ما في برامج التربية للقطاع العام لأن التقانة قد انتقلت إلى القطاع الخاص، وبعض الناس يجادل في أن هذا الانتقال يعتبر نجاحا لهذه البلاد، ولكن التربية ضمن القطاع العام تقوم بأشياء لا يقوم بها القطاع الخاص – مثل التي تستغرق وقتا طويلا أو تلك التي تعتبر ذات مخاطر عالية.»
ويتذكر <J. جوڤيك>، الذي يدير مركزا لتربية النبات في جامعة إيلينوي في أوربانا-شامبين(17) والذي بدأ بهذه التربية في السبعينات من القرن الماضي، الوقتَ الذي لم تكن فيه الشركات الكبيرة مسيطرة كما هي عليه اليوم. ويقول <جوڤيك>: «عندما بدأت كان هنالك الكثير من الشركات الصغيرة التي تبيع الكثير من البذور، ولكن بيعت جميعها أساسا أو أنها أخرجت من السوق من قبل الشركات العملاقة، وهذا ما غيّر كل بنية الصناعة. وبدلا من أن يطور الباحثون في المعاهد الحكومية أصنافا جاهزة، يصمم معظمنا أنواعا جينية [بذورا أو أصنافا] للشركات الكبيرة لكي تعمل عليها. فهذه الشركات الضخمة لديها الموارد للقيام ببعض الاختبارات الجيدة ولتستنبط بعض الأصناف الجيدة حقا، ولكن ينتهي المطاف بهذه الشركات بأن تتحكم في معظم الأنواع الجينية والتقانة المستخدمة لصناعتها.»
ينتمي <جولدمان> وزميله <J. كلوپينبورگ> [من جامعة ويسكنسون-ماديسون] إلى مجموعة من عشرين مربيا ومزارعا من أنحاء مختلفة بالولايات المتحدة، يهتمون بإنشاء ما يوازي البرمجيات المفتوحة المصدر للبذور – أصناف ليس لها الحق في الحصول على براءة اختراع يمكن أن يستخدمها أي شخص. وهذا ليس له سابقة في مثل هذه الترتيبات في عالم البذور التجاري في القرن الحادي والعشرين. وهنالك خيار ممكن، ولكنه مكلف، وهو أن يستأجر مربو النبات محامين للحصول على براءات اختراع نموذجية أو السماح لهم بحقوق النشر لبذورهم بقصد السماح لأي شخص باستخدامها (باستثناء الشركات الخاصة العملاقة بالطبع). وبدلا من ذلك، يمكن أن يحاولوا إنشاء نوع من الرخصة المفتوحة المصدر التي تسمح للناس بأن يستخدموا البذور شريطة أن يوافقوا على مشاركة البذور وأي شيء يقومون به على هذه البذور بالمجان. وقد اقترح <گولدمان> أيضا حلا وسطا يقوم به المربون بترخيص بعض البذور للقطاع الخاص لكي يسوقوها، على أن يعطوا البعض الآخر مجانا.
ويتساءل <كلي> عما إذا كان الوصول إلى نوع من التسوية أفضل الطرق أمامنا. ويقول <كلي>: «الحقيقة أننا نحن – الأكاديميين – لا نستطيع أن نتنافس مع الشركة Monsantos أو أي شركة بذور كبيرة أخرى. ومربو النبات في الجامعات يُدْفعون بعيدا عن المحاصيل الكبيرة إلى المحاصيل الهامشية. وفي قسمي بالجامعة لدينا مربي دراق ومربي توت ومربي فراولة. وأعرف الكثير من الناس في الشركة Monsanto الذين تركوا هذه المحاصيل والتي تعتبر هامشية بالنسبة إليهم». وهذه الثنائية، يأمل <كلي> بأن تكون مفيدة، ففيها يعتمد القطاعان العام والخاص كلاهما على بعضهما البعض في بعض التخصصات.
وفي نهاية المطاف، إن جُلَّ ما يهم <كلي> يدور حول الموضوع نفسه الذي يهمّ أكثر مربي النبات ألا وهو: تجسير الهوة بين حاجة المزارعين لكي يُؤمِّنوا عيشهم وفي الوقت نفسه ما يريده المستهلكون على أطباقهم. ويقول <كلي>: «التربية بمساعدة الواسمات تجعل في الإمكان أن ترجع إلى الوراء وتحسن أشياء مثل النكهة والقوام. وفي النهاية، إنها بسيطة جدا: دعنا نقدم إلى الناس الأشياء التي يحبونها.»
المؤلف
Ferris Jabr | |
<جبر> كاتب يسهم في مجلة ساينتفيك أمريكان وصحفي مستقل. وكان قد كتب لنيويورك تايمز New York Times ومجلة وايرد Wired والميكانيكا الشائعة Popular Mechanics والعالم الجديد New Scientist والجديد التالي NOVA Next و موقع المخرز The Awl. |
مراجع للاستزادة
Improving the Flavor of Fresh Fruits: Genomics, Biochemistry, and Biotechnology. Harry J.
Klee in New Phytologist, Vol. 187, No. 1, pages 44–56; July 2010. http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/j.1469-8137.2010.03281.x/full
(*)BUILDING TASTIER FRUITS AND VEGGIES
(**)Marker-Assisted Breeding
(***)SOWING CHANGE
(****)SEEDING INNOVATION
(1) NO GMOs REQUIRED
(2) genetically modified organisms
(3) marker-assisted breeding
(4) أو: القاوون
(5) cross-pollinating
(6) ج: إنسالة, وهي نحت من إنسان-آلي، ومنها نشتق إنسالية robotics.
(7) molecular breeding laboratory
(8) marker-assisted breeding
(9) the University of Wisconsin-Madison
(10) genetically modified organisms
(11) أو: نثر البذور
(12) artificial selection
(13) hay
(14) specialty crops
(15) taste buds
(16) Institute of Food Research in England
(17) Urbana-Champaign