أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةعلم النبات

إنقاذ القهوة


إنقاذ القهوة(*)

يتسابق الباحثون إلى تهجين صفات جديدة نافعة في محصول البن

المتجانس تجانسا خطيرا قبل أن يخضع للمرض والتهديدات الأخرى.

<H. روزنر>

 

 باختصار

  تواجه أشجار البن المزروعة تهديدا خطيرا بسبب التغيرات المناخية والأمراض والآفات الحشرية.

وتجانس المحصول يجعله سريع العطب بشكل خاص: حيث إن جميع البن المزروع في العالم تقريبا قد ابتدأ بحفنة من النباتات نمت في إثيوبيا.

قليلة هي الأبحاث العلمية التي تطرقت إلى زراعة البن، إلا أن الوضع آخذ بالتغير. فالعلماء حاليا يسارعون لإدخال جينات نافعة جديدة إلى المحصول من خلال طرائق التهجين.

إنهم ينقبون في بنك الجينات والنباتات البرية عن أوسع مجموعة من الجينات يمكنهم أن يجدوها لتحصين المحصول من المشكلة التي تلوح في الأفق.

 

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/04-03/2015_04_03_10.jpg

 

في الشهر 3/2014 اجتمع نحو عشرين خبيرا في CATIE، وهي جامعة زراعية، لمناقشة المستقبل الغامض لبن أمريكا الوسطى, ومن ضمنهم كبار خبراء المشروب الأحب للبشر.

وقد عقدوا اجتماعهم لمناقشة تهديد خطير: صدأ البن أو رويا roya، كما يعرف في الإسبانية. والصدأ هو فطر يصيب أوراق النباتات، فيجعلها غير قادرة على امتصاص أشعة الشمس التي تحتاج إليها كي تبقى على قيد الحياة. لقد عصف بمحصول الإقليم خلال السنوات القليلة الماضية، فأصاب نحو النصف مليون هكتار المزروعة في أمريكا الوسطى وخفّض الإنتاج بنسبة 20% تقريبا في عام 2012 مقارنة بعام 2011.

إن الجائحة، التي لاتزال تنتشر، هي حقا أزمة تلوح في أفق البن في عصرنا عصر الاحترار العالمي global warming. «ويبدو أن معظم أصناف البن اليوم غير قادر على تحمل ضغوط المرض والحشرات، وكذلك ارتفاع الحرارة والتهديدات البيئية الأخرى الناجمة عن تغير المناخ,» هذا ما قاله <B. برتراند> [اختصاصي علم الجينات وإكثار البن في (CIRAD)، وهو مركز فرنسي متخصص بالزراعة والتنمية] للمجموعة في كوستاريكا بعد استراحة تناول القهوة. وإذا أخفقت المحاصيل، فإن مزارعي البن يفقدون أسباب عيشهم. وربما يقتلعون الأشجار ويزرعون محاصيل أخرى أو يبيعون أراضيهم للمستثمرين – تاركين وراءهم طابورا من العمال العاطلين عن العمل ودمارا بيئيا.

إن <برتراند> الذي كان يرتدي سترة زرقاء ويمتلك المظهر الأنيق لصانع أفلام فرنسي أكثر منه الشخص الذي يقضي أيامه منكـبا على طبق پتري petri dishمهموما بحق. فالحاصل أنه لا يمكن للبن التأقلم مع الحرارة أو تجنب المرض، لأنه يفتقد التنوع الجيني genetic diversity ذا الأهمية في هذا المضمار. ومع أن أنخاب القهوة في مقهاك المحلي قد تُـقرأ على أوعيتها كما يُقرأ دليل إرشادي إلى أماكن سفر غريبة – الشراب الحمضي من Aceh بأندونيسيا، أو الشواء المخملي من فيتنام، وفنجان الميلو mellow  اليانع من مدغشقر – فكل ذلك التنوع يخفي حقيقة مفاجئة: إن البن المزروع متجانس بشكل يصعب تصديقه. وفي الواقع، إن 70% منه يأتي من نوع واحد هو كافيا أرابيكا Coffea arabica. وإن السلالة، منطقة النمو وطريقة التحميص تعطي مجالا لافتا من النكهات، لكنها تحجب أيضا التاريخ الجيني genetic history للنبات. فجميع أنواع البن تقريبا الذي تمت زراعته خلال القرون القليلة الماضية، ابتدأ بحفنة من النباتات البرية من إثيوبيا، والبن الذي ينمو اليوم في المزارع حول العالم يحتوي على أقل من 1% من التنوع الموجود في براري إثيوبيا وحدها.

وعلى الرغم من أهمية البن على المستوى العالمي – ناهيك عن أدواره فيما يتعلق بالاستقرار الاقتصادي والسياسي والبيئي، باعتباره محور الحياة الثقافية وجهازا أساسيا لتوليد الكافيين – فإنه محصول يتيم orphan crop، مهجور إلى حد كبير من قبل البحوث الحديثة. ليست هناك مونسانتوMonsantoا(1)  للبن، فلا توجد شركة زراعية ضخمة تتصدى لتحقيق ثروة من بيع الحبوب المسجلة ببراءة اختراع. وتسمح حالة اليتيم هذه، لصغار المزراعين في الدول الفقيرة بتحقيق معاش لائق بمزراعي البن للتصدير. لكنها تعني أيضا أن الاستثمار في العلم لم يزل قليلا، جاعلا المحصول سهل التأثر بأي شيء ترميه الطبيعة في طريقه. والآن، وأمام التهديدات المتزايدة التي تواجه زراعة البن، يتسابق الباحثون لتطوير العلم وإنقاذ قهوتنا – قبل فوات الأوان.

تسخير التنوع(**)

لقد جعل <T. شيللينگ> [عالم جينيات(2) يقيم في جبال الألب الفرنسية والمعروف أكثر بمساعدته على إعادة تنظيم صناعة البن في رواندا بداية الألفية الثانية] مهمته إضافة شيءٍ من العلم الأكثر ضرورة إلى تجارة صنع القهوة. وهو يشرف اليوم على مؤسسة بحوث قهوة العالم(3)، وهي مؤسسة جديدة غير ربحية ممولة من شركات صناعة القهوة – ثلاثون شركة كبيرة وصغيرة لصناعة القهوة، تضـم: Peet’s و Allegro و Counter Culture. وقد لُقِّب بـ <إنديانا جونز>(4) القهوة Indiana Jones of coffee؛ وخلال ترؤسه الاجتماع في Turrialba، سأل المجتمعين عن الأبحاث المتوافرة حاليا في مجال التغيرات المناخية وصدأ البن, فرفع أحد مزارعي القهوة إبهامه وسبابته بفارق نصف بوصة inch  تقريبا، وهي الإشارة العالمية للمقادير الضئيلة peanuts.

ويخشى الخبراء من أن تأثير فطر صدأ البن قد يكون هائلا، حيث إن هذا الفطر يزدهر في الجو الدافئ، وكلما ارتفعت درجة الحرارة، فإن الفطر يمكن أن ينتشر إلى ارتفاعات أعلى. والتغيرات في هطول المطر – سواء غزارتها أم قلتها – قد تعطي الفطر دفعة أيضا. ويمكن لرش المبيدات الفطرية أن يكافح الرويا، ولكن هذه الكيماويات باهظة الثمن وقد لا تؤثر في السلالات الناشئة للمرض.

وبالنسبة إلى <شيللينگ>، فإن الحل الوحيد الحقيقي الطويل الأمد هو تسخير الجينيات genetics. وكخطوة أولى، فهو يريد أن يستغل التكيفات الموجودة مسبقا في المجمعات الجينية the gene pools لبن أرابيكا وأنواع البن المزروعة الأخرى، كوفي كانيفورا Coffea canephora. وهذا النوع الأخير المعروف في الصناعة باسم روبستا robusta، أسهل نموا وأوفر محصولا، ولكن مذاقه أكثر مرارة ويستعمل بشكل رئيس كمادة مالئة في النوعيات الرديئة من القهوة – مثل ذلك النوع الموجود ضمن الوعاء في اجتماع جامعة CATIE. وعلى الرغم من أن نباتات البن المزروعة متجانسة من حيث كونها تنتمي إلى هذين الصنفين، فإن السلالات العديدة لكل منهما توفر بعض التنوع الجيني المحلي، تماما كما تختلف الجماعات البشرية على الرغم من انتمائها جميعا إلى الإنسان العاقل Homo sapiens. وتتضمن الخطة الكبيرة لـ<شيللينگ> مشروعا بسيطا نسبيا، وهو جارٍ حاليا، لمبادلة سلالات البن بين المناطق والبلاد – وذلك بإرسال النباتات، فلنقل، من الكونگو إلى البرازيل، أو من كولومبيا إلى هندوراس، لمعرفة ما إذا كانت سوف تنمو بشكل أفضل من السلالات المحلية التي يزرعها الفلاحون حاليا. وبعد ثلاث إلى أربع سنوات سوف يستطيع الفلاحون أن يقولوا: «عجبا، إن هذا البن من الهند ينتج حبوبا أكثر بكثير،» ويمكنهم بعد ذلك أن يختاروا زراعة المزيد من البذور الهندية. وقد حدد العلماء ثلاثين سلالة من سلالات البن الأوفر محصولا من عشر دول للدراسة.

إن الاستفادة من التنوع الجيني ضمن البن المزروع قد يساعد في المدى القصير. ولكن من شبه المؤكد أنه لن يكفي لإنقاذ المحصول. وتحتوي السلالات المنماة تجاريا على نسبة ضئيلة فقط من جميع التنوع الجيني لكل من نوعي البن C. arabica و C. canephora. إلا أن نظيراتها البرية متنوعة بشكل لا يصدق. وقد كشف التقدم الحديث في تسلسل جينوم البن ما يسميه <برتراند> «كاتالوجا ضخما للجينات» في أبناء العم البرية هذه لحبوب البن المزروعة، والتي يقطن العديد منها في بنوك الجينات حول العالم. وهو يأمل باستغلال هذا الحساء الجيني الغني لإنتاج محاصيل بن أكثر مرونة وإنتاجية ولذة.

والدليل على ذلك التنوع الجيني يتعاظم في جامعة CATIE. فعلى جهة الحرم الجامعي المقابلة لمكان الاجتماع وبعيدا في طريق وعر، توجد لافتة خشبية بحروف مرسومة بالأصفر تقول «مجموعة البن الإثيوبي (منظمة الأغذية والزراعة FAO).» وهنا ينمو نحو 10 آلاف شجرة من بن أرابيكا، الصف منها إثر الصف ممتدة عبر 21 هكتارا تقريبا. وهذه التشكيلة التي تأسست في أربعينات القرن الماضي تضم نباتات بن جُمعت خلال رحلات عديدة مختلفة إلى إثيوبيا، بداية من قِبل البريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية وأحدث عهدا، في ستينات القرن الماضي، من قِبل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة وفريق بحث فرنسي. كما تضم هذه المنطقة الغنية بتنوعها نباتات بنٍ من مدغشقر، ومن أنحاء مختلفة في إفريقيا، إضافة إلى اليمن. وخلافا لبذور العديد من نباتات المحاصيل الأخرى، مثل بذور الذرة، فإن بذور البن لا يمكنها أن تبقى في جرار مُخزنة في خزائن مُبردة. ولكن يجب أن تكون مزروعة في الحقل باستمرار أو أنها تحفظ مبردة cryopreserved. لهذا، فإن في جامعة CATIEأحد أهم بنوك جينات دنا DNA القهوة في العالم مخزَّن على هيئة حديقة بنٍ كبيرة شعثاء.

يقوم <برتراند> ببناء سلالات مهجنة جديدة للبن مستخدما نباتات واعدة من بنوك جينات البن الحية والمماثلة لتلك الموجودة في جامعة CATIE. وأحد الأصناف الذي صنعه منذ أكثر من عقد مضى بتهجين بن أرابيكا مع بعض أبناء عمها البرية، زاد المحاصيل بنسبة تفوق الـ 40%. والآن انتقى <برتراند> و<شيللينگ> 800 نبتة من جامعة CATIE، و200 نبتة أخرى من بنوك جينات البن حول العالم، وأرسلوها إلى مختبر في Ithaca  بنيويورك، ليصار إلى سلسلة الدنا جينياً لها. وهذه المعلومات سوف تساعدهما على تقييم أي سمة يمكن أن يقدمها كل نبات.

 

[نتائج]

البن في أزمة(***)

  محاصيل البن في مختلف أنحاء العالم متشابهة جينيا بشكل لا يمكن تصديقه. إن هذا التجانس لأوراق البن المزروع يجعلها حساسة بخاصة لتهديدات الأمراض والآفات والتغيرات في درجة الحرارة وهطول المطر. وتزداد هذه التهديدات سوءا نتيجة للتغيرات المناخية. فالأحداث الجوية القاسية أصبحت أكثر شيوعا؛ مما أدى إلى انتشار الفطريات والحشرات في مناطق لم تكن تُرى بها من قبل. إن جمهرات البن البرّيّةwild coffee populations، بتنوعها الجيني الضخم، هي أفضل تجهيزا لتحمل مثل هذه التهديدات. ولكنها تواجه مشكلتها الخاصة بها وهي: إزالة الغابات. وتعرض الأمثلة الواردة أدناه المناطق المصابة حديثا.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/04-03/2015_04_03_13.jpg

 التهديدات

المرض: الفطريات مثل هيملا فاستاتريكس Hemileia vastatrix (صدأ القهوة) وكوليتوتريكم كاهاوي Colletotrichum kahawae  دمرت المحاصيل في أمريكا الوسطى وإثيوبيا على الترتيب.

حشرات: أنقصت خنفساء صغيرة تعرف بحفار البن الأحمر the coffeecherry borer المحاصيل في كولومبيا، من بين الأماكن الأخرى. ومدى الحشرة آخذ بالازدياد مع تغير المناخ.

إزالة الغابات: إن فقدان موطن نباتات البن البرية في مناطق مثل إثيوبيا ومدغشقر يعني فقدان التنوع الجيني الذي يمكن أن يساعد على تقوية أشجار البن المزروعة.

تغيرات مناخية: لقد أنقص الهطل المطري الغزير المحاصيل بشكل كبير في الهند وإندونيسيا. فالجفاف ودرجات الحرارة العالية عملا عملهما في البرازيل.

 

 

ويفتش الباحثون عن الجينات التي تجعل النبات قويا بجميع أشكال القوة: مقاومة للصدأ وأقل عطشا وقادرة على النمو في الحرارة المرتفعة. ولإيجادها، يقوم <برتراند> و<شيللينگ> بعملية مسح للنباتات التي «هي متخمة بكميات لا تصدق من التنوع الجيني،» كما يعبر عنه <شيللينگ>. فهما يطلبان أكبر مجال ممكن من السمات في أقل عدد من النباتات. «وبعد ذلك سوف نقوم بتهجين هذه المادة بأشياء كلنا نحبها – مادة نعرف عنها مسبقا أنها رائعة المذاق، وفيرة المحصول ومقاومة للأمراض.»

نحو البرّيّة(****)

إن <شيللينگ> على يقين بأن جهود تربية البن هذه سوف تثمر أصنافا أفضل بكثير لمزارعي القهوة كي يزرعوها – وللمحمصين كي يبيعوها وللمستهلكين كي يشربوها. ولكن لديه هو ومعاونوه طموحاً آخر أيضا: التفوق على الطبيعة الأم Mother Nature بإنتاج نسخة جديدة، مصنعة من قهوة أرابيكا. فهم يريدون بشكل أساسي أن يطوروا نباتا له نكهة قهوة أرابيكا وطبيعة وإنتاجية قهوة كانيفورا. والخطة هي القيام ثانية بعمل التهجين الأصلي الذي أنتج قهوة أرابيكا (من قهوة كانيفورا وأنواع أخرى، قهوة إيگينويدز C. eugenioides)، فقط مع مجموعة من الآباء الأكثر تنوعا هذه المرة. وللنجاح في تحقيق هذا العمل الفذ، فإنهم بحاجة إلى البحث وراء ما هو موجود في بنوك الجينات. وعليهم أن يعودوا إلى البرّيّة.

هناك نحو 125 نوعا معروفا من البن على الأرض، يحتوي كل منها على تنوع جيني أكثر مما يمكن أن يُمثَّــل في بنك جيني لعيّنة صغيرة. وتبقى بالتأكيد أنواع أخرى برسم الاكتشاف – على فرض أن الباحثين يستطيعون العثور عليها قبل أن تزول.

هناك نحو 125 نوعا معروفا من البن على الأرض، إضافة إلى أنواع أخرى برسم الاكتشاف – على فرض أننا نستطيع العثور عليها قبل أن تزول.

 

عندما بدأ <A. ديڤز> بتعقب نباتات البن البرّيّة عام 1997، لم يكن يتوقع العثور على شيء جديد. ففي أحد الأيام، كان آنذاك الخريج الحاصل على الدكتوراه حديثا يتناول الشاي في الحديقة النباتية الملكية في Kewا(5) بإنكلترا، عندما صادف أن جلستْ بالقرب منه خبيرة تصنيف بنٍ مشهورة؛ فسألها <ديڤز> عن عدد أنواع البن الموجودة، وعن مكان نموها وما هو نطاقها الطبيعي. والإجابة عن أسئلته كلها، كان ردّها «لا أحد يعرف» nobody knows. وبأمر مختصر، أرسلته ليكتشف الإجابة بنفسه. وقضى <ديڤز> الخمسة عشر عاما التالية متجولا في أنحاء مدغشقر – البلد المعروف بتنوع البن فيه – حيث وجد مجالا واسعا من الأنواع، بعضها تمت فهرسته سابقا ولكن الكثير منها مجهول تماما لأي شخص سوى بعض القرويين المحليين.

في مدغشقر، وجد <ديڤز> نبات البن ذا الثمرة أو الحبة الكرزية الأضخم في العالم – أكبر بنحو ثلاث مرات من الحجم القياسي – والأصغر في العالم، نحو نصف قطر الدبوس. ووجد نوعين آخرين تنتشر بذورهما بواسطة المياه بدلا من الحيوانات، وتحمل ثمارا مجنحة تبدو كالشرائط المطوية. واكتشف نوعا يسمى بن أمبونگيسيس Coffea ambongensis الذي تشبه حبوبه الأدمغة. وأظهرت رحلات <ديڤز> أن البن البري ينمو على رقعة واسعة من المناطق المدارية، من إفريقيا حتى آسيا وصولا إلى أستراليا. ففي إثيوبيا، المنطقة الأساسية لبن أرابيكا اليوم، هناك بعض الغابات مكتظة بنباتات بن أرابيكا إلى حد 8000 نبات في الهكتار الواحد. ويعتقد <ديڤز> أن لهذه النباتات إمكانات هائلة للإكثار.

ولكن هذه النباتات البرية، كما بالنسبة إلى نظيراتها المزروعة، هي في مأزق. فما يصل إلى 70% منها مهدد بالانقراض. ونحو 10% قد تنقرض خلال عقد من الزمن. ويشكل تحويل الأراضي التهديد الأكبر. فبحلول أواخر التسعينات كان أكثر من 80% من غابات إثيوبيا قد أزيل. وفي عام 2007 في مدغشقر، حيث يمضي الناس في إزالة الغابات بمعدل ينذر بالخطر، وجد فريق <ديڤز> بالصدفة نوعا جديدا ينمو في بقعة من غابة لا تزيد على مساحة معين ملعب بيسبول. وفيما يتعلق بنباتات البن البرية يقول: «في عدة حالات: لن يكون لتغير المناخ الفرصة للتأثير.» إن النباتات ببساطة سوف تختفي، هي وموطنها سوية.

يخشى <ديڤز> أن الباحثين يركزون بشكل كبير على ما هو موجود مسبقا في البنوك الجينية، بينما المادة الجينية ذات الأهمية الكامنة آخذة بالذبول في البرية – أو تتعرض للاقتلاع. وهو يقول: «هنالك هذا الشعور، نعم، لقد حصلنا على كل شيء، ونحن بخير. لكن ذلك هو مستودع ما لديكم من الموارد الجينية، تلك الجماعات البرية.»

وإثيوبيا نفسها تطرح مشكلة أخرى. فهذا البلد حيث نشأت القهوة، يتعهد مجموعة كبيرة من نباتات البن التي لا توجد في أي مكان آخر من العالم. لكن الحكومة تحفظها في حرز آمن ولا تسمح للباحثين الأجانب بالوصول إليها. «ولطالما كان هناك الكثير من الضغينة بين إثيوبيا وصناعة القهوة، ولا عجب من أن يكونوا حذرين تجاه مواردهم الجينية،» كما يشرح <ديڤز>. وعلى سبيل المثال، منذ سنوات قليلة خاضت إثيوبيا نزاعا ساخنا مع الشركة Starbucksحول ما إذا كان لهذا البلد الحق في تسجيل أسماء أصناف البن الإثيوبية كعلامات تجارية.

والوصول إلى الأصول الوراثية الإثيوبية – المواد العضوية المحفوظة في بنوك الجينات – قد يعطي مشاريع <شيللينگ> لإكثار البن دفعة هائلة. فربما تحتوي هذه الأصول على جينات مهمة للتكيف مع درجات الحرارة العالية أو لزراعة حبوب أكثر في مساحة أقل. ويأمل <شيللينگ> بأن تتراجع إثيوبيا عن قرارها. وفي هذه الأثناء، يعمل العلماء بما لديهم.

وبالتنقيب في أرشيفات الحدائق Kew، اكتشف <ديڤز> سجلات تظهر أن السكان المحليين في أوغندا ومناطق أخرى ما زالوا منذ زمن طويل يصنعون القهوة من أصناف برية تنمو قريبا منهم. ربما كان لبعضها مذاق كريه، لكنها جميعا تنتج نكهة مميزة شبيهة بالقهوة إذا حُمصت حبوبها. ويقول <ديڤز>: «بعضها التي استخدمت قبل 100 سنة اشتهرت بأنها ممتازة. ونحن بصدد الرجوع وإعادة تقصي بعض من هذه الأنواع التي زرعت في وقت مبكر والتي يمكن أن تكون لها إمكانات في حد ذاتها أو في برامج الإكثار.»

سباق مع الزمن(*****)

بعد وقت قصير من إنشاء <شيللينگ> لمؤسسة بحوث قهوة العالم – بالتعاون مع مجموعة صناعية تمثل شركات محلات القهوة العالية الجودة (جمعية القهوة الأمريكية التخصصية(6)) وبتمويل أولي من جبل البن الأخضر(7) وحبوب البن الدولية(8) – ضربت جائحة صدأ البن أمريكا الوسطى.  فعقد <شيللينگ> اجتماعا صغيرا في غواتيمالا لمناقشة ما يمكن للمنظمة أن تفعله. وعلى الفور تقريبا، بدأ يتلقى طلبات من أناس سمعوا بالاجتماع ورغبوا في حضوره. ويتذكر <R. راينهارت> [المدير التنفيذي لجمعية القهوة الأمريكية التخصصية وأحد المتعاونين الرئيسيين مع <شيللينگ>] بقوله: «لقد صار العدد نحو 200 شخص، لم نستطع استيعابهم جميعا.»

ومن بين المهتمين كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي دعت <شيللينگ> إلى التقدم بطلب الحصول على منحة لأبحاث صدأ البن. وإذا كان لصناعة القهوة في أمريكا الوسطى أن تنهار، فإن ذلك قد يحرض موجة من الهجرة إلى الولايات المتحدة – ولذلك فإن للحكومة مصلحة في الأمر. وتقدر مؤسسة بحوث قهوة العالم أن جائحة صدأ البن عام 2012 كلفت مزارعي البن 548 مليون دولار وخفضت أجور العاملين بنسبة 15 إلى 20%. كما اختفى نحو 441 ألف وظيفة تقريبا. فإذا لم يُفعل شيء، فإن صناعة القهوة في أمريكا الوسطى يمكن أن تزول بحلول عام 2050.

ومع أن الاستجابات القصيرة الأمد و«الإسعافية» لأزمة الصدأ كانت جارية في عام 2012 – تزويد المزارعين بالمبيدات الفطرية وتسليفهم، على سبيل المثال – فإن <شيللينگ> كان يعتقد أن هناك حاجة إلى جهد طويل الأمد وأكثر تنسيقا. وقد مولت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أخيرا خطة <شيللينگ> التي سوف تساعد على بناء برنامج إكثار عالي التقنية لتزويد المزارعين بأصناف قهوة جديدة مقاومة للمناخ والآفات.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/04-03/2015_04_03_15.jpg
صدأ البن، فطر أتلف حبوب نبتة البن هذه في غواتيمالا.

 

فوباء الصدأ هو، من عدة نواح، مقدمة لما يمكن أن يلم بالقهوة في أنحاء العالم، حيث تضرب أمراض جديدة نباتات لا قوة لها قد أُوهنت بسبب الحرارة والطقس القاسي. وفي اجتماع جامعة CATIE، ذكر <M .C. رودريگيز> [مدير الزراعة العالمية للشركة Starbucks] أن المزارعين الصينيين كانوا يُبلغون عمّا يصل إلى خمس سلالات جديدة من الصدأ في نباتاتهم. وأضاف قائلا: «في المرتفعات العالية، لم يكن المزارعون يعرفون شيئا عن الصدأ – والآن هم يعرفون.»

حتى يبقى البن، فإنه يجب أن يصبح أكثر مرونة بكثير. ويشبّه <B. سميث> [رئيس شركة الثقافة المضادة للقهوة لنورث كارولاينا(9)] مشكلة الدنا «بمحفظة أوراق مالية فيها عدد قليل من الأسهم.» ومع ذلك، فإنه واثق بأن <شيللينگ> والمجموعة المتعاونة معه هم على مستوى مهمة حماية القهوة.

والسؤال الوحيد هو عما إذا كانوا قادرين على فعل ذلك في الوقت المحدد. ويقول <راينهارت>: «لو عملنا هذه الأبحاث منذ عشر سنوات مضت، لما كنا لنواجه هذه المشكلات الآن, وإذا لم نبدأ اليوم، فإن كل يوم نضيعه هو وقت إضافي، وقد نكون نواجه تهديد وجود.»

 

المؤلفة

   Hillary Rosner
 <روزنر> كاتبة مستقلة تقيم في كولورادو. وكتبت لصحيفة نيويورك تايمز New York Times، وايرد Wired، العلوم الشعبية Popular Science، والأم جونز Mother Jones، من بين منشورات أخرى. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/04-03/2015_04_03_12.jpg

 

  مراجع للاستزادة

 

Uncommon Grounds: The History of Coffee and How It Transformed Our World. Revised

edition. Mark Pendergrast. Basic Books, 2010.

The Impact of Climate Change on Indigenous Arabica Coffee (Coffea arabica): Predicting

Future Trends and Identifying Priorities. Aaron P. Davis et al. in
PLOS ONE, Vol. 7, No. 11; November 7, 2012.

 

(*)SAVING COFFEE

(**)HARNESSING DIVERSITY

(***)Coffee in Crisis

(****)INTO THE WILD
(*****)RACING THE CLOCK

 

(1) Monsanto

(2) Geneticist

(3) World Coffee Research

(4) Indiana Jones: هو الشخصية الأساسية في سلسلة أفلام <إنديانا جونز>، حيث يشتهر <إنديانا جونز> بروح الدعابة الساخرة وغالبا ما يرتدي بذلة جلدية وقبعة <فيدورا>. واعتبرت هذه الشخصية من أهم الشخصيات السينمائية الخيالية التي أثرّت في الثقافة الشعبية الأمريكية.

(5) إحدى ضواحي لندن الغربية، وفيها أهم حديقة نباتية في المملكة المتحدة.

(6) the Specialty Coffee Association of America

(7) Green Mountain Coffee

(8) Coffee Bean International

(9) North Carolina-based Counter Culture Coffee

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى