دع الألعاب (الرياضياتية) تستمر
دع الألعاب (الرياضياتية) تستمر(*)
لا يزال <M. گاردنر>، كاتب عمود الألعاب الرياضياتية الشهير في
مجلة ساينتفيك أمريكان على مدى طويل، يلهم الرياضياتيين ومحبي الأحجيات.
<C. مُلكاهي> – <D. ريتشاردز>
باختصار
كتب <M. گاردنر> – الذي كان سيبلغ عامه المئة في الشهر العاشر من عام 2014، عمود الألعاب الرياضياتية في مجلة ساينتفيك أمريكان على مدى ربع قرن. وقد ساعد تعدد اهتمامات <گاردنر> وأصدقاؤه وثقافته العالية على إطلاع جمهور واسع على العديد من الموضوعات المهمة التي تشمل الخوارزمية RSA في التشفير ولعبة الحياة والكسوريات ورصف <R. پنروز>. وألهمت أعمدته أجيالا من الرياضياتيين المحترفين والهواة وقادت إلى تكوين جماعات مكرسة بأكملها لبحث التطورات اللاحقة. ويستمر المعجبون والمتابعون لأعماله في التلاقي وفي توليد نتائج جديدة. ويدعو أصدقاؤه القدامى والمناصرون له من جميع الأعمار إلى لقاء كل سنتين باسم «تجمع من أجل <گاردنر>»(1) مخصص للمدعوين فقط. وفي الشهر العاشر من كل عام، يستضيف العديد من الأشخاص حول العالم حفلات على شرف <گاردنر> أو يحضرونها تحت عنوان «احتفال العقل» Celebration of Mind.
|
يمكن لأحجية رياضياتية ذكية، مثلها مثل خدعة سحرية جيدة، أن تثير الرهبة وتكشف حقائق رياضياتية وتحرض أسئلة مهمة. وعلى الأقل هذا ما كان يعتقده <M. گاردنر>. إن اسمه مرادف لعمود الألعاب الرياضياتية الأسطوري الذي كتبه على مدى ربع قرن في مجلة ساينتفيك أمريكان. وبفضل مهاراته الرياضياتية تمكن <گاردنر>، الذي كان سيحتفل بعيد ميلاده المئة في الشهر 10/2014، من تقديم رياضيات جديرة بالاهتمام كل شهر مع الإبهار كلّه والإعجاب المصاحب للسحر وخفة اليد، وقد أسر بذلك عددا هائلا من القراء حول العالم. لقد أشار العديد من الأشخاص – المغمورين أو المشهورين أو ما بين الاثنين – إلى مساهمة الألعاب الرياضياتية في جعلهم يتخذون قرار المتابعة مهنيا في الرياضيات أو في أي مجال مرتبط بها.
وكان <گاردنر> رجلا متواضعا لم يسع قطُّ إلى الحصول على جوائز، كما لم يطمح إلى تحقيق الشهرة. ومع هذا، فإن موروثه المكتوب المكون من نحو مئة كتاب غريب – إرث يعكس اتساع معارف مثيراً للإعجاب يؤلف صلة وصل بين العلوم والعلوم الإنسانية – قد جذب انتباه العديد من الشخصيات العامة وتقديرها. فقد وصفه العالم الإدراكي الحائز على جائزة پوليتزر(2) <D. هوفشتادتر> بأنه «واحد من أكبر العقول التي أنتجها هذا البلد في هذا القرن.» ولاحظ عالم المستحاثات <اJ .S. گولد> أن <گاردنر> كان «المنارة المنفردة الوحيدة المدافعة عن العقلانية والعلم الجيد ضد الباطنية ومناهضة الفكر المحيطة بنا.» ووصف عالم اللغويات <N. شومسكي> مساهمة <گاردنر> في الثقافة الفكرية المعاصرة بالقول إنها «فريدة – في مداها، وعمق رؤيتها، وفهمها للأسئلة الصعبة ذات الأهمية.»
ومع أن <گاردنر> توقف عن كتابة عموده على نحو منتظم في بداية ثمانينات القرن الماضي إلا أن تأثيره اللافت بقي حتى يومنا هذا. وقد ألّف كتبا ومراجعات حتى وفاته عام 2010، وتمتد جماعة المعجبين به عدة أجيال. ولا يزال قراؤه يستضيفون لقاءات للاحتفال به وبألعاب الرياضيات، وهم أيضا يحققون نتائج جديدة. ولعل أفضل طريقة لإدراك قيمة أعمدته المبتكرة تتمثل ببساطة بقراءتها مجددا – أو في اكتشافها للمرة الأولى كما هي الحال في كثير من الأحيان. وربما أدى احتفالنا هنا بأعماله وبالبذور التي زرعتها إلى حث جيل جديد على فهم الأسباب التي تجعل الرياضيات المسلية لا تزال مهمة حتى اليوم.
من المنطق إلى المطويات المسدسية الشكل(**)
مع كل هذه الشهرة في دوائر الرياضياتيين، لم يكن <گاردنر> رياضياتيا بأي من المعاني التقليدية. فقد تخصص بعلم الفلسفة في جامعة شيكاغو في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، وبرع في علم المنطق، ولكنه فيما عدا ذلك أهمل الرياضيات (مع أنه حضر بصفة طالب مستمع حلقة دراسية بعنوان «مبادئ التحليل الرياضياتي»). ولكنه مع ذلك كان ضليعا في الأحاجي الرياضياتية. فقد عَرَّفه والده الجيولوجي على أعظم مخترعي الأحاجي في مُنقَلَب القرن العشرين <S. لويد> و<E .H. دادني>. وقد نشر <گاردنر> بدءا من عامه الخامس عشر بانتظام مقالات في مجلات السحر، يستكشف فيها في الغالب التداخل بين السحر والطبولوجيا [وهو فرع الرياضيات الذي يحلل الخواص التي تبقى لامتغيرة عند مط الأشكال أو لفها أو تشويهها بأي طريقة دون تمزيقها. مثلا، فإن فنجان قهوة ذا مقبض وكعكة الدونت doughnutمتماثلان طبولوجيا لأن لكليهما سطحاً أملس فيه ثقب واحد.]
وفي عام 1948 انتقل <گاردنر> إلى مدينة نيويورك، وتصادق مع <J. گينزبورگ>، الذي كان أستاذ رياضيات في جامعة Yeshiva ومحرر مجلة سكريبتا ماثماتيكا Scripta Mathematica، وهي مجلة فصلية تهدف إلى توسيع نطاق الرياضيات لتصل إلى عموم القراء. وقد كتب <گاردنر> لهذه المجلة سلسلة من المقالات حول السحر الرياضياتي، ويبدو أنه عند قيامه بذلك وقع تحت تأثير حجة <گينزبورگ> أن «المرء لا يحتاج إلى أن يكون رساما ليتمتع باللوحات الفنية، ولا أن يكون موسيقيا ليتمتع بالموسيقا الجيدة. نريد أن نبرهن له على أنه ليس من الضروري أن يكون رياضياتيا محترفا ليتمتع بالأشكال والمجسمات الرياضياتية، ولا حتى ببعض الأفكار المجردة.»
وفي عام 1952 نشر <گاردنر> أول مقال له في ساينتفيك أمريكان حول آلات قادرة على حل مسائل قاعدية في المنطق. وكان المحرر <D. فلاناگان> والناشر <G. پيل>، اللذان كانا يتوليان عهدة المجلة قبل عدة سنوات، متحمسين لنشر المزيد من المواد المتعلقة بالرياضيات، وزاد حماسهما بعد أن نشر زميلهما <J. نيومان> في عام 1956 مقالة حققت مفاجأة كونها أفضل المبيعات بعنوان عالَم الرياضيات The World of Mathematics. وفي العام نفسه أرسل إليهم <گاردنر> مقالة عن المطويات المسدسية الشكل هكسافلكسگون hexaflexagon – وهي بنى ناتجة من طي شريط من الورق، وهذه البنى ذات خواص بدأ باستكشافها كل من السحرة واختصاصيي علم الطبولوجيا. فقد قُبلت المقالة بيسر، وقبل أن تصل إلى أكشاك بيع الصحف في الشهر التاسع من ذلك العام طُلب إلى <گاردنر> كتابة عمود شهري في السياق نفسه.
وكانت أولى مداخلات <گاردنر> بسيطة إلى حد ما، ولكن الرياضيات أصبحت أعمق مع ازدياد فهمه، وفهم قرائه. وبمعنى من المعاني، لقد أدار <گاردنر> شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة به ولكن بسرعة البريد في الولايات المتحدة. وتشارك في المعلومات مع أشخاص كانوا لولا ذلك سيعملون في عزلة، مشجعا بذلك على المزيد من البحث والاكتشافات. وقد احتفظ <گاردنر> منذ أيام دراسته الجامعية بملفات منظمة بعناية تضم طيفا واسعا من المعلومات. وساعدته شبكته على توسيع هذه الملفات، وكسب دائرة واسعة من الأصدقاء الذين كان كل منهم متحمسا للمساهمة بأفكاره. كان كل من يراسله يستلم جوابا مفصلا، وكأنه يستعلم من محرك بحث. ونجد من بين مراسليه وزملائه الرياضياتيين <J .H. كونْوِي> و<P. دياكونيس>، والفنانين <M .C. إشر> و<S. دالي>، والساحر والمشكك <J. راندي> والكاتب <I. آزيموڤ>.
لقد عكست تحالفات <گاردنر> المتنوعة اهتماماته الانتقائية، ومنها الأدب والشعوذة والعقلانية والفيزياء والخيال العلمي والفلسفة واللاهوت. وكان موسوعيا في عهد الاختصاصيين. ويبدو أنه في كل مقالة قد وجد صلة وصل بين موضوعه الرئيس والإنسانيات. وساعدت هذه المراجع العديد من القراء على إقامة علاقات سببية بين أفكار كانوا لولا ذلك سيتجاهلونها. فمثلا، في مقالة عن «لاشيء» Nothing، ذهب <گاردنر> أبعد بكثير من المفهومين الرياضياتيين الصفر والمجموعة الخالية – المجموعة التي لا عناصر فيها – واستكشف مفهوم اللاشيء في التاريخ والأدب والفلسفة. وقد احتشد قراء آخرون وراء عمود <گاردنر> لأنه كان راوي قصص ماهرا. وهو قلما كان يحضر مقالة تضم نتيجة واحدة، بل كان ينتظر حتى يتجمع لديه ما يكفي من المواد لحياكة قصة غنية بالرؤى المترابطة ومجالات التحري المستقبلية. وغالبا ما كان يقضي عشرين يوما في البحث والكتابة ويشعر بأنه إذا ناضل بهدف تعلم شيء، فهو بذلك يصبح أقدر من الخبير على شرحه للعامة.
لقد كان شرح <گاردنر> للرياضيات من الجودة بحيث كان غالبا ما يحفز عموده القراء على التعمق أكثر في بحث موضوعاته. خذ مثلا حالة ربة المنزل <M. رايس> الحائزة على الشهادة الثانوية التي اكتشفت باستعمال ما تعلمته من عمود <گاردنر> عددا من أنواع الرصف الجديدة باستعمال مضلعات خماسية، وهي أشكال ذات خمسة أضلاع تتراكب معا لترصف المستوي دون ترك فراغات. وكتبت ما وجدته <گاردنر> الذي تشارك النتيجة مع الرياضياتي <D. شاتشنايدر> ليتحقق من صحتها. لقد بذر عمود <گاردنر> بذور العديد من الاكتشافات الجديدة – وهي من الكثرة بحيث يصعب سردها. ومع ذلك، في عام 1993 حدد <گاردنر> بنفسه الأعمدة الخمسة التي حرضت القدر الأكبر من استجابات القراء: تلك المتعلقة بالپوليومينوهات polyominoes للرياضياتي <W.S. گولومب>، ولعبة الحياة للرياضياتي <كونوي>، وأنماط رصف المستوي اللادورية التي اكتشفها <R. پنروز> [من جامعة أكسفورد] ونظام التشفيرRSA، ومحيرة <نيوكومب> [انظر الإطار “مسألة غير محلولة”].
الپوليومينوهات والحياة(***)
ربما كان بعض هذه الموضوعات شعبيا لأن اللعب بها كان سهلا في المنزل باستعمال أشياء شائعة مثل رقع الشطرنج وأعواد الثقاب والبطاقات وقطع الورق. وكانت هذه هي الحال بالتأكيد في الشهر 5/1957 عندما وصف <گاردنر> عمل <گولومب> الذي كان قد استكشف مؤخرا خواص الپوليومينوهات، وهي أشكال تؤلف من تجميع مربعات متماثلة جنبا إلى جنب؛ فالدومينو هو پوليومينو ذو مربعين، والترومينو له ثلاثة مربعات، والتترومينو له أربعة مربعات، وهكذا. إنها تظهر في العديد من أنماط الرصف، والمسائل المنطقية والألعاب الشهيرة، مثل بعض ألعاب الڤيديو المعاصرة كلعبة التتريس Tetris. وكانت هذه الأشكال مألوفة لدى صناع الأحاجي، ولكن – كما قال <گاردنر> – فقد نقل <گولومب> الموضوع نقلة أبعد عن طريق إثبات مبرهنات حول أي التراتيب ممكنة التحقيق.
ست صور مختلفة يمكن جعلها تظهر بعد طي شريط واحد من الورق في هيئة بنية سداسية مسطحة تسمى المطويات المسدسية الشكل(3) ثم تطوى ويعاد بسطها مرات عدة، كما أوضح <گاردنر> في عدد الشهر 12/1956 من ساينتفيك أمريكان. (للحصول على شكل يمكنك استعماله لتصنع مطوياتك المسدسية الشكل الخاصة، انظر ScientificAmerican.com/oct2014/gardner) |
وقد ظهرت بعض هذه الپوليومينوهات بصفتها أنماطا في لعبة الحياةGame of Life، التي اخترعها <كونوي> ونشرت في ساينتفيك أمريكان في الشهر 10/1970. وتشتمل اللعبة على «خلايا» متوضعة في مصفوفة مربعة الشكل يجري وصفها بإحدى صفتين «حية» أو «ميتة» وعندما تكون حيّة يمكنها أن تتكاثر، أو تموت وفقا لقواعد محددة – مثلا، إن الخلايا التي لها جاران أو ثلاثة تعيش، في حين تموت تلك التي ليس لها جيران أو لها جار واحد أو التي لها أربعة جيران أو أكثر. وتبدأ «اللعبة» من توضع بدئي، ثم تتطور هذه التجمعات تدريجيا بناء على القواعد. وكانت لعبة الحياة جزءا من الحقل الوليد الذي يستعمل الأتوماتا الخليوية (الخلايا المقادة بالقواعد)cellular automata لمحاكاة نظم معقدة، وغالبا ذات تفاصيل صعبة. فقد تمثل تبصر <كونوي> في قناعته بأن أتوماتا ذا حالتين، صممه يدويا، يمتلك قدرات لا توصف على نمذجة سلوك تطوري معقد.
وبعد صدور عمود <گاردنر>، سرعان ما جذبت لعبة الحياة أتباعا يتبعونها بما يشبه العبادة. ويتذكر <گاردنر>: «في جميع أنحاء العالم، راح الرياضياتيون يكتبون برامج الحياة على حواسيبهم». وسرعان ما أنتج قراؤه المكرَّسون العديد من الاكتشافات المفاجئة. لقد عرف الرياضياتيون منذ زمن بعيد، أنه يمكن لقائمة قصيرة من الموضوعات أن تقود إلى حقائق عميقة؛ ولكن في بداية السبعينات من القرن الماضي خَبِرَ مجتمع لعبة الحياة هذا الأمر مباشرة. فبعد مُضي أربعين عاما تستمر لعبة الحياة بإطلاق شرارات اكتشافات جديدة: ففي الشهر 5/2010، اكتشف نمطٌ جديد ذاتي البناء سُمّي جميني Gemini – ينسخ نفسه ويدمر سلفه ويتحرك في الوقت نفسه على نحو مبتكر باتجاه مائل، وجرى إنشاء أول نمط حياة قادر على التكاثر يستنسخ نفسه وتعليماته، وذلك في الشهر 11/2013.
اللادورية والمفتاح العمومي(****)
عرّف <كونوي> <گاردنر> أيضا على أنماط الرصف التي اكتشفها <پنروز> الرياضياتي والفيزيائي، فأصبحت هذه الأنماط أساس عمود آخر فائق النجاح، يعرض شكلي بلاطتين، تسميان «طائرات ورقية» kites و«سهاماً»darts، بسبب تشابههما مع هذه الألعاب [انظر للشكل “وصف <پنروز>” ]. فإذا أعطينا مخزونا غير محدود من هذين النوعين من البلاط، فيمكن لتراكيب منها أن ترصف أرضية لانهائية الامتداد من دون إبقاء أي فراغ فيها، وهي تبدي خاصة جديرة بالملاحظة تسمى اللادورية aperiodicity. والأشكال المعتادة للبلاط – مثل المربعات والمثلثات والمسدسات – تغطي الأرضية وفق نمط يكرر ذاته دوريا. وبكلمات أخرى، توجد مواقع متعددة يمكنك الوقوف فيها، ويكون نمط البلاط تحت قدميك متماثلا، ولكن عند الرصف باستعمال «الطائرات الورقية» و«السهام»، أو تراكيب أخرى من اثنتين أو أكثر من بلاطات <پنروز>، وفق قواعد محددة، لا تظهر أنماط دورية متماثلة. لقد كانت أنماط الرصف هذه من الجمال بحيث احتلت غلاف عدد الشهر 1/1977 من مجلة ساينتفيك أمريكان، وذلك على أساس رسم تخطيطي عرضه <كونوي>.
ومنذئذ حقق المجتمع المستكشف لخواص رصف <پنروز> عددا من الإنجازات، تشمل اكتشاف أن الأنماط تبدي خاصة تسمى التشابه الذاتي self-similarity التي تتمتع بها أيضا الكسوريات (أو الفركتلات) fractals، وهي بنى تكرر ذاتها ولكن في مقاييس مختلفة. (وقد حصلت الكسوريات أيضا على شعبية واسعة إلى حد كبير بسبب عمود <گاردنر> الذي صدر حولها في الشهر 12/1976.) وقاد رصف <پنروز> أيضا إلى اكتشاف أشباه البلوراتquasicrystals، التي تمتلك بنية مرتبة ولكن لادورية. ولم يكن أحد أكثر سعادة، بوجود هذه الصلة، من <گاردنر>، الذي علق على ذلك بالقول: «إنها أمثلة رائعة تبين كيف يمكن لاكتشاف رياضياتي، وجد من دون أي معرفة بتطبيقاته، أن يكون مألوفا منذ أمد بعيد لدى الطبيعة الأم!»(4)
[مجموعة مختارة من الأحجيات] اختبر نفسك(*****) تصنف أحجيات الرياضيات المسلية في العديد من الفئات الواسعة التي يتطلب حلها خبرات ومواهب متنوعة كما تبين الأمثلة المنتقاة هنا، وبعضها تقليدي معروف. (للحصول على حلول هذه الأحجيات، انظر ScientificAmerican.com/oct2014/gardner) تتطلب بعض الأحجيات أكثر بقليل من المحاكمة المنطقية الأساسية. فمثلا، تأمل هذا اللغز: هناك ثلاثة مفاتيح كهربائية في الطابق الأرضي من بناء. واحد منها فقط يشغل مصباحا في الطابق الثالث. والمفتاحان الآخران غير مرتبطين بأي شيء. ضع المفاتيح في أي وضع إغلاق/فتح تختاره ثم اذهب إلى الدور الثالث لتفحص المصباح. أيمكنك من دون مغادرة الدور الثالث أن تكتشف المفتاح الحقيقي؟ لديك محاولة واحدة. تمثل العمليات الحسابية المشفرة اختبارات أصعب لمقدرات حالّ الألغاز. وفي هذه المسائل يمثل كل حرف رقما عشريا واحدا. فمثلا، أيمكنك تحديد أي رقم عشري يمثل كل حرف لتجعل المجموع في الشكل المجاور صحيحا؟
على محبي الألغاز، مثل الرياضياتيين، أن يحلوا في بعض الأحيان تحديات تعكس مسائل عامة أو تتطلب إنشاء براهين منطقية. تفكر في مجموعة المضلعات المعروفة بمتساويات الزوايا المتسلسلة serial isogons. وتصنع جميع الأضلاع المتجاورة زوايا قياسها 90 درجة فيما بينها، أما أطوالها فهي متزايدة: 1، 2، 3، 4، وهكذا. ويبين الشكل المجاور أبسط متساويات الزوايا هذه الذي أضلاعه 1-8. إنه متساوي الزوايا المتسلسل الوحيد المعروف بإمكانه رصف المستوي من دون ترك أي فراغ. ولكن هناك المزيد من متساويات الزوايا المتسلسلة، أيمكنك البرهان على أن عدد أضلاعها يكون دوما من مضاعفات العدد 8؟
|
وفي الشهر 8/1977 استبق <گاردنر> تطورا معاصرا آخر: إنه استعمال البريد الإلكتروني في الاتصالات الشخصية «بغضون عدة عقود.» فقد فتح هذا التنبؤ عمودا قدم إلى العالم نظام التشفير(5) RSA، وهو نظام تشفير ذو مفتاح عمومي مبني على أساس دوال ذات أبواب خفية(6) – تلك التي من السهل حسابها في الاتجاه المباشر ولكن يصعب حسابها في الاتجاه المعاكس. ولم تكن هذه الأنظمة جديدة في منتصف سبعينات القرن الماضي، لكن العلماء <R. رايڤست> و<A. شامير> و<L. آدلمان> (وقد سمي النظام RSA بناء على بوادئ أسمائهم) قدموا نوعا جديدا من الأبواب الخفية باستعمال أعداد أولية(7) كبيرة (وهي أعداد لا تقبل القسمة إلا على ذاتها والواحد). وينبع أمان نظام التشفيرRSA من اعتماده على الصعوبة البيّنة لتحليل جداء عددين (حاصل ضرب) أوليين كبيرين بقدر كاف إلى عوامله الأولية.
[مسألة غير محلولة] محيرة <نيوكومب>: من يرغب في أن يصبح مليونيرا؟(******) قرأ <گاردنر> عن مسألة معروفة بمحيرة <نيوكومب> في مقالة نشرت عام 1969 للفيلسوف <R. نوزيك>، وجعلها موضوع أعمدته في الشهر 7/1973 والشهر 3/1974. وتعتمد هذه التجربة المدروسة، التي اخترعها الفيزيائي النظري <W. نيوكومب>، على غموض الحتمية والإرادة الحرة، ولا تزال موضوع نقاش نشطاً في الدوائر الفلسفية. يتنافس اللاعبون مع متنبئ – كائن فضائي فائق الذكاء، عارف بكل شيء، ولا يخطئ – يمتلك موهبة التنبؤ بأفعال اللاعب. وتُقدم إلى اللاعب الذي ليس على دراية بالتنبؤات علبتان: واحدة تحتوي دوما على ألف دولار، سمّها العلبة A، وأخرى، العلبة B، يمكن أن تحتوي على مليون دولار. ويمكن للاعب أن يختار إما العلبة B بمفردها أو العلبتين معا. وقبل بدء اللعبة يستبق المتنبئ ما سيفعله اللاعب. إذا اعتقد المتنبئ بأن اللاعب سيختار العلبة B بمفردها، فإن هذه العلبة ستحتوي على جائزة المليون دولار، وإذا اعتقد المتنبئ أن اللاعب سيختار العلبتين معا، فلن تحتوي العلبة B على شيء. تنبثق الأحجية عن وجود استراتيجيتين متعاكستين، كلتيهما تبدوان منطقيتين، لربح القدر الأكبر من المال. فالاستراتيجية الأولى تدعي أن اختيار العلبتين معا يؤدي إلى الحصول على القدر الأكبر من المال وذلك بغض النظر عن تنبؤ المتنبئ. فإذا توقع المتنبئ أن اللاعب سيختار العلبتين معا، فاللاعب الذي يختار العلبتين يربح ألف دولار في حين لا يُكسبه شيئاً اختياره للعلبة B (انظر للجدول التالي). أما إذا استبق المتنبئ العملية متوقعا أن اللاعب سيختار العلبة B، فإن اللاعب الذي يختار العلبتين معا سيتلقى ألفا ومليون دولار، أما الذي يختار العلبة Bفقط فسيربح مليون دولار وهو أقل بقليل من الحالة السابقة. ولكن هناك حجة أخرى تقول إن الربح الأكبر يأتي دوما من اختيار العلبة B فقط. أما محاكمتها فتنص على أن اللاعب يمكنه أن يتجاهل الحالات التي يختلف فيها اختيار اللاعب عن تنبؤ المتنبئ لأن هذه الحالات تتطلب أن يرتكب المتنبئ خطأ، وهذا بالتعريف، من غير المعقول أن يحدث. فالخيار يقع، إذن، بين اختيار العلبتين معا مقابل ألف دولار واختيار العلبة B فقط مقابل مليون دولار. أنتج قراء <گاردنر> كمًّا كبيرا من التعليقات التي تصف بدقة المخرجات المتنوعة، ولكن السؤال لا يزال مطروحا حول أي الاستراتيجيتين أفضل من الأخرى. وفي تغطيته الأصلية للمسألة يعلق <نوزيك> على ذلك بالقول: «ما يجب فعله هو أمر واضح تماما في ذهن كل شخص تقريبا، ولكن الصعوبة تكمن في أن الأشخاص منقسمون مناصفة تقريبا حول المسألة، وأعداد كبيرة منهم يعتقدون أن النصف الآخر يتصرف بحماقة.»
|
وقبل نشر نتائجهم في مجلة أكاديمية، كتب <رايڤست> و<شامير> و<آدلمان> إلى <گاردنر> آملين بالوصول إلى جمهور واسع بسرعة. والتقط <گاردنر> أهمية ابتكارهم وسارع إلى نشر تقريره عنه. وفي عموده طرح تحديا يسأل فيه القراء أن يحاولوا فك تشفير رسالة تتطلب منهم تحليل عدد طبيعي مكون من 129 منزلة (خانة) عشرية، وكان هذا تحديا مستحيل الحل في حينه. وبحكمة استهل <گاردنر> التحدي بمقولة للكاتب <E .A. پو>: «مع ذلك يمكن التأكيد أنه لا يمكن للإبداع البشري أن يخترع شيفرة لا يستطيع هذا الإبداع نفسه أن يكسرها.» وبالفعل، فبعد مضي سبعة عشر عاما فقط، تمكن فريق كبير من المتعاونين معتمدا على أكثر من ستمئة متطوع وباستعمال 1600 حاسوب، من كسر الشيفرة وكشف الرسالة السرية التي كان نصها: ”The magicwords are squeamish ossifrage“ أي «الكلمات السحرية هي كاسر عظم مثير للغثيان». واستمرت تحديات RSA لسنوات عدة ولم تنته إلا في عام 2007.
ما بعد <گاردنر>(*******)
تتابع ولع <گاردنر> باللعب جنبا إلى جنب مع شعوره الشيطاني بالمرح. وتضمن عمود «كذبة نيسان» من عام 1975 «ستة اكتشافات مثيرة بقيت بطريقة أو بأخرى بعيدة عن اجتذاب انتباه الجمهور». وكانت جميعها معقولة – ومغلوطة.
وفي عام 1980، قرر <گاردنر> أن يتقاعد من عموده ليركز على الكتابة في مشاريع أخرى. وسرعان ما قدمت ساينتفيك أمريكان خليفة له هو <D. هوفشتادتر> الذي كتب 25 عمودا بعنوان Metamagical Themas أي «موضوعات فوق سحرية» – هذه إعادة ترتيب لأحرف عنوان عمود <گاردنر> MathematicalGames – وقد ناقش في العديد منها اختصاصه: الذكاء الصنعي. وتبعه <K .A. ديودني> الذي كتب سبع سنوات من التسالي الحاسوبية، ثم استمر عمود <I. ستوارت> الذي حمل عنوان التسالي الرياضياتية Mathematical Recreationsعقدا من الزمن. لاحقا كتب <D. شاشا> سلسلة طويلة من المغامرات المحيرة الغامضة المخفية بمهارة، على أساس مبادئ الحوسبة والخوارزميات. وقد علق <ستوارت> على ذلك بالقول: «كان اتباع <گاردنر> عملا مستحيلا، وما حاولنا فعله هو استنساخ روح العمود: وهو تقديم أفكار رياضياتية ذات مغزى بأسلوب لعوب مرح.»
وفي العقدين الماضيين عاشت روح العمود في مؤتمرات تعقد للمدعوين فقط، بمعدل مرة كل سنتين، تحت عنوان «اجتماع من أجل <گاردنر>» Gathering4 Gardner، حيث يجتمع فيها رياضياتيون وسحرة وخبراء ألغاز يتشاركون ما كانوا يتمنون أن يتشاركوه عبر عمود الألعاب الرياضياتية. وقد حضر <گاردنر> نفسه أول اثنين من هذه الاجتماعات. وفي السنوات الأخيرة، تراوح الحضور بين أصدقاء قدامى، مثل <گولومب> و<كونوي> و<E. بيرليكامپ> و<R. گاي> و<R. گراهام>، إلى نجوم صاعدة مثل عالم الحاسوب <E. ديمين> ومخضرم الڤيديو <V. هارت> وبعض الدماء الشابة بهيئة يافعين موهوبين مثل <N. بيكفورد> و<J. هنتس> و<E. براون>. وقد حرضت وفاة <گاردنر> عام 2010، عقد لقاءات على شرفه في جميع أنحاء العالم في الشهر العاشر من كل عام تحت عنوان الاحتفال بالعقل Celebration of Mind، يمكن أن يحضرها أو يستضيفها من يشاء [انظر «مراجع للاستزادة»].
ومع أن <گاردنر> قد ولى، ولكن هناك سبباً وجيهاً يجعلنا نستلهم من عمله ونناصر التسالي الرياضياتية في يومنا هذا. فالتمحيص في الأحجيات والنشاطات المرافقة لذلك غالبا ما يقود إلى اكتشافات مهمة، كما هو مبين، باقتضاب في هذه المقال. وقد أدت تقريبا كل مقالة كتبها <گاردنر> إلى تكوين مجتمعات من المتحمسين والمختصين. وعدد كبير من أعمدته يمكن الآن توسيعها في كتب – وحتى رفوف من الكتب. إضافة إلى ذلك، يمكن للتفكير في مسألة من وجهة النظر الرياضياتية أن يكون قيّما جدا لتوضيحها وجعلها دقيقة. فلم ينظر <گاردنر> قطّ إلى التسالي الرياضياتية بصفتها مجرد مجموعة من الأحجيات، بل كانت الأحجيات مجرد بوابات تفتح على عالم أكثر غنى بالأعاجيب الرياضياتية.
وفي مقالته الأخيرة في ساينتفيك أمريكان عام 1998، التي تطلع فيها إلى تجربته، أشار <گاردنر> إلى أن «الخط الفاصل بين رياضيات التسلية والرياضيات الجادة خط ضبابي… وعلى مدى أربعين عاما حاولت أن أقنع المربين بأنه يجب إقحام الرياضيات المسلية في المناهج التعليمية. ويجب إدخالها على نحو منتظم بصفتها أسلوبا لتوجيه اهتمام الطلبة الشباب نحو عجائب الرياضيات. وحتى الآن، لا يزال التحرك في هذا الاتجاه جليديا.»
إن رصف <پنروز> رصف مميز لأنه يولد أنماطا لادورية: بوجود مؤونة لانهائية، يمكنها تغطية كامل الأرضية من دون ترك فراغات ومن دون أن يتكرر التوضع البدئي ذاته أبدا. وقد كتب <گاردنر> عن بلاطات <پنروز> المسماة طائرات ورقية kites وسهاماً darts في عمود الشهر 1/1977. ولتحقيق اللادورية يجب رصف البلاطات استنادا إلى قواعد محددة. وتسمى بداية التجميع «أعلاه نمط النجم اللامنتهي.» |
وفي يومنا هذا تستضيف الإنترنت عشرات التطبيقات والدروس والمنتديات المرتبطة بالرياضيات – بما يشمل العديد من تطبيقات «ألعاب الحياة» المختلفة بنوعيات متفاوتة – ويمكن لوسائط التواصل الاجتماعي أن تربط ذوي الاهتمامات المتماثلة أسرع بكثير مما كان يفعل <گاردنر>. ولكن ربما كان لهذه السرعة جانب سلبي: فالتجارب على أساس الوب web مثالية في حالة الاستجابات السريعة من نوع «هذا مثير للاهتمام»، ولكن الأمر يتطلب تفكيرا عميقا للوصول إلى لحظات اكتشاف من نوع «آها وجدتها!» ونعتقد أن جزءا من نجاح عمود <گاردنر> يعود إلى أنه هو وجمهوره قد تحملوا عناء تبادل أفكار مفصلة وكتابة إجابات مدروسة. وفقط مرور الزمن سينبئنا بما إذا كان مجتمع جديد من محترفي الألغاز – في عصر أقل صبرا – سيرتدي عباءة <گاردنر> وسيدفع أجيال المستقبل نحو رؤى واكتشافات جديدة.
المؤلفان
Colm Mulcahy – Dana Richards | ||
<ملكاهي> أستاذ رياضيات في كلية سپلمان، وقد كتب بتوسع عن الحيل الرياضياتية في أوراق اللعب.
<ريتشاردز> أستاذ علوم الحاسوب في جامعة جورج ماسون وهو مؤلف كتاب قادم يضم سيرة حياة <M. گاردنر>. وقد عرف كلا المؤلفين <گاردنر>، وهما عضوان في اللجنة المئوية لمؤسسة التجمع من أجل <گاردنر>. |
مراجع للاستزادة
Gathering 4 Gardner Foundation: http://gathering4gardner.org
Martin Gardner home page: www.martin-gardner.org
Celebration of Mind: www.celebrationofmind.org
A Tribute to Martin Gardner, 1914–2010. In-Depth Reports, ScientificAmerican.com, May 25, 2010. www.scientificamerican.com/report/martin-gardner-1914-2010
Flexagon but Not Forgotten: Celebrating Martin Gardner’s Birthday.
Evelyn Lamb. Observations blog, ScientificAmerican.com, October 19, 2012. http://blogs.scientificamerican.com/observations/2012/10/19/flexagon-but-not-forgotten
(*)LET THE GAMES CONTINUE
(**)From Logic to Hexaflexagons
(***)POLYOMINOES AND LIFE
(****)APERIODICTY AND PUPLIC KEYS
(*****)Test Yourself
(******)Newcombs Paradox: Who Wants to Be a Millionaire?
(*******)After Gardner
(1) Gathering 4 Gardner
(2) pulitzer prize
(3) hexahexaflexagon
(4) Mother Nature
(5) cryptography
(6) trapdoor functions
(7) prime numbers