أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغ

دماغُ المراهقِ المدهشُ

دماغُ المراهقِ المدهشُ(*)

إن عدم توافق نضوج شبكات الدماغ يترك المراهقين
عرضة لسلوك خطر، لكنه يسمح أيضا بقفزات معرفية وتكيفية.

<N .J. جييْد>

 

باختصار

   تظهر دراسات التصوير بالرنين المغنطيسي (MRI)ا(1)  أن دماغ المراهق ليس دماغ طفل أكبر سنا أو نصف دماغ بالغ؛ إنه كيان فريد يتميز بقابلية التغيير وزيادة التشبيك بين مناطق الدماغ.

تتكثف الجملة اللمبية (الحوفية) limbicsystem التي توجه الانفعالات، في سن البلوغ، لكن قشر مقدم الفص الجبهي the prefrontalcortex الذي يضبط الاندفاعات، لا ينضج حتى  العشرينات من العمر. وعدم التوافق هذا يجعل المراهقين عرضة للمخاطر، لكنه أيضا يسمح لهم بالتأقلم بسهولة مع بيئتهم.

والبداية المبكرة للبلوغ عند الأطفال حول العالم تُوسع مدى السنوات التي يستمر فيها عدم التوافق هذا.

ولا بد أن تساعد زيادةُ فهم دماغ المراهقين الآباءَ والمجتمعَ على التمييز الأفضل بين السلوك النموذجي والمرض النفسي، بينما تساعد المراهقين على أن يصبحوا كما يريدون أن يكونوا.

 

 

غالبا ما يتعرض «دماغُ المراهق» للسخرية كما يحدث عند تناقض لفظي(2) – مثال على إخفاق بيولوجي.

لقد فسر علماء العلوم العصبية سلوك المراهقين المحذور العدواني أو السطحي المحير فقط كنتيجة لدماغ منقوص بطريقة ما. بيد أن البحوث الرائدة على مدى السنوات العشر الماضية، تظهر أن وجهة النظر هذه خطأ؛ فدماغ المراهق ليس معيباً، وليس هو نصف دماغ بالغ. لقد صاغه التطور ليعمل بشكل مختلف عن دماغ الطفل أو دماغ البالغ.

وميزة دماغ المراهق التي تأتي في المقام الأول هي قدرته على التغير استجابة للبيئة من خلال تعديل شبكات التواصل التي تربط بين مناطق الدماغ. وقابلية التغيير الخاصة هذه، أو البلاستية plasticity، هي سيف ذو حدين. فهي تسمح للمراهقين بالقيام بقفزات هائلة في التفكير وتكوين صداقات؛ لكن تخيلاتهم تجعلهم عرضة أيضا لسلوك خطر واضطرابات نفسية خطيرة.

وتشير آخر الدراسات إلى أن أشد السلوك خطرا ينشأ عن عدم توافق بين نضوج الشبكات في الجملة اللمبية، التي توجه الانفعالات فتصبح مندفعة بقوة(3) في سن البلوغ، وبين نضوج الشبكات في قشر مقدم الفص الجبهي الذي يحدث ويعزز الحكم الصحيح وضبط الاندفاعات العصبية. والحقيقة هي أننا نعرف الآن أن قشر مقدم الفص الجبهي يواصل التغير بوضوح حتى نضجه في العشرينات من عمر الشخص. ويبدو أن سن البلوغ يبدأ مبكراً؛ فيمدد «سنوات عدم التوافق.»

وبلاستية الشبكات(4) التي تربط مناطق الدماغ – وليس نمو تلك المناطق كما كان يعتقد من قبل – هذه البلاستية هي المفتاح للتصرف في صيرورة الأمر كالبالغين. وفهم ذلك، مع المعرفة بحدوث الفجوة الواسعة بين تطور شبكات الانفعال وشبكات الحكم لدى شباب اليوم، يمكن أن يساعد الآباء والمعلمين والمستشارين والمراهقين أنفسهم. وسيعرف الناس بشكل أفضل أن سلوكيات مثل ارتياد المخاطر والانغماس في الملذات والابتعاد عن الآباء نحو النظراء، ليست علامات لمشكلات معرفية أو انفعالية. إنها نتيجة طبيعية لتطور الدماغ، فهي جزء سوي من تعلم المراهقين كيفية التفاوض مع عالَم معقد.

والفهم ذاته يمكن أن يساعد البالغين أيضا على اتخاذ قرار التدخل في الوقت المناسب. فابتعاد بنت بعمر 15 سنة عن أذواق أبويها في اللباس أو الموسيقى أو السياسة قد يكون مصدر ذعر للأم والأب، لكنه لا يشير إلى مرض نفسي. وميل صبي بعمر 16 سنة إلى التزلج دون خوذة أو إلى قبول تحديات خطرة من الأصدقاء، ليس تفاهة، بل هو على الأرجح تظاهرة لتفكير قصير الأمد وضغط النظراء أكثر من كونه رغبة في إيذاء هذا الصبي نفسه. بيد أن أعمالا استطلاعية وعدوانية أخرى قد تكون علامات إنذار. والتعرف أكثر على دماغ المراهق الفريد سيساعدنا جميعا على أن نتعلم كيف نفصل السلوك غير الاعتيادي، لكن المتناسب مع العمر، عن ذلك الذي قد يشير إلى المرض. ومثل هذا الوعي يمكن أن يساعد المجتمع على خفض معدلات إدمان المراهقين والأمراض المنقولة جنسيا وحوادث السيارات والحمل غير المرغوب فيه والقتل والاكتئاب والانتحار.

توصيل أعظم(**)

قليل من آباء المراهقين سيتفاجؤون عند سماع أن الدماغ بعمر 16 سنة مختلف عن الدماغ بعمر ثماني سنوات. وحتى الباحثون قد عانوا صعوبة في تحديد هذه الاختلافات على نحو علمي. فالدماغ الملفوف بغشاء جلدي قاس، والمحاط بخندق من السائل والمغلف كاملا بالعظم، محمي جيدا من حالات سقوط وهجمات – ومن فضول العلماء أيضا.

وقد قاد اختراع تقانات التصوير، مثل التصوير المقطعي المحوسب(5)والتصوير المقطعي بالإصدار الپوزيتروني(6)، إلى بعض التقدم، لكن إصدار هذه التقانات لإشعاع مؤين جعل استخدامها في الدراسات الشاملة عند الشباب غير أخلاقي. وجاء أخيرا تقدم التصوير بالرنين المغنطيسي (MRI)ا(7) ليؤمن طريقة لكشف المستور، حيث قدم طريقة آمنة ودقيقة لدراسة تشريح الدماغ وفيزيولوجيته عند البشر في مختلف الأعمار. والدراسات الجارية حاليا تتعقب آلاف التوائم والأفراد على مدى حياتهم. والموضوع الثابت المنبثق هو أن دماغ المراهق لا ينضج عندما يكبر؛ بل ينضج عندما تصبح مكوناته المختلفة أكثر ترابطا فيما بينها وأكثر تخصصا.

وفي تفريسات scans التصوير MRI، تظهر زيادة الترابط بين مناطق الدماغ على شكل حجوم أكبر من المادة البيضاء. و«البياض» في هذه المادة يأتي من مادة دهنية تدعى مايلين(8) myelin تلتف حول السلك الطويل، أو المحوار axon، الذي يمتد من جسم النورون (العصبون) neurons وتعزله. ويحدث تشكيل هذا الغمد الدهني myelination من الطفولة عبر سن الرشد، ويسرع بشكل ملحوظ توصيل الدفقات العصبية بين النورونات؛ فالمحاوير axons المغلفة بالمايلين تنقل الإشعارات signals بسرعة أكبر بنحو 100 مرة مقارنة بالمحاوير غير المغلفة بالمايلين.

كما يسرع تشكيل المايلين معالجة الدماغ للمعلومات من خلال مساعدة المحاوير على التعافي بسرعة بعد استثارتها لتصبح مستعدة لإرسال رسالة أخرى. ويسمح وقت التعافي الأسرع بزيادة تواتر نقل المعلومات من قبل نورون معين بنحو 30 ضعفا. والجمع بين النقل الأسرع وزمن التعافي الأقصر يؤمن زيادة بنحو 3000 مرة في عرض الموجة الحاسوبية للدماغ بين الطفولة وسن الرشد؛ مما يسمح بتشبيك شامل ومتقن بين مختلف مناطق الدماغ.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/09-10/2015_10_09_09.jpg

 

وتكشف التحريات الحديثة دورا آخر أكثر دقة للمايلين. فالنورونات تكامل المعلومات من نورونات أخرى، لكنها تستثار لنقلها فقط عندما يتجاوز المدخل القادم عتبة كهربية معينة. فإذا تمت استثارة النورون، فإن هذا الفعل يبتدئ سلسلة من التغييرات الجزيئية التي تقوي المشابك(9)، أو الوصلات(10)، بين ذلك النورون ونورونات الإدخال.

وتشكل تقوية الارتباطات هذه الأساس للتعلم. وما يتعلمه الباحثون أنفسهم الآن هو أن الوصول الآني لمدخلات النورونات القريبة والبعيدة إلى نورون معين يتطلب أن يتم توقيت النقل بشكل فائق الدقة، والمايلين يسهم بشكل وثيق في الضبط الدقيق لهذا التوقيت. فمع تحول الأطفال إلى مراهقين، يعمل التوسع السريع للمايلين على نحو متزايد على ربط النشاطات وتنسيقها في أجزاء مختلفة من الدماغ لمهام معرفية مختلفة.

يمكن للعلماء الآن قياس هذا الترابط البيني(11) المتغير عبر تطبيق نظرية البيان(12)، وهي نظرية رياضياتية تحدد العلاقة بين «العُقد» nodesو«الأطراف» edges في الشبكة. والعُقد يمكن أن تكون أي جسم أو كيان قابل للكشف، كالنورون أو بنية دماغية مثل ما تحت المهاد(13) أو منطقة أكبر مثل قشر مقدم الفص الجبهي. أما الأطراف، فيمكن أن تكون أي ارتباط بين العقد، من الربط المادي، كالمشبك العصبي بين النورونات، إلى الترابط الإحصائي كما هي الحال عند تفعيل جزأين من الدماغ بالطريقة ذاتها في أثناء مهمة معرفية.

لقد ساعدتني نظرية البيان مع آخرين على قياس مدى تطور مختلف مناطق الدماغ ومدى ارتباطها البيني، كما ساعدتني على ربط مثل هذه الخصائص بالتغييرات في السلوك والمعرفة. وتغيرات الدماغ ليست محصورة بالمراهقة. فمعظم دارات الدماغ تتطور في الرحم، والعديد منها يواصل التغير مدى الحياة، حتى بعد سنوات المراهقة. ويبدو أن تلك الفترة تتضمن زيادة مثيرة في الربط بين مناطق الدماغ التي تسهم في الحكم والانسجام مع الآخرين والتخطيط بعيد المدى – قدرات تؤثر عميقا في بقية حياة المرء.

وقت التخصص(***)

بينما تتطور المادة البيضاء على طول النورونات مع عمر المراهقين، يحدث تغير آخر. فتطور الدماغ، كالعمليات المعقدة الأخرى في الطبيعة، يتقدم بطريقة الـ«دفعة – دفعتين» من فرط الإنتاج، يتلوها حذف انتقائي(14). وكما يظهر <ديڤيد> في لوحة <مايكل أنجلو> من كتلة رخام، ينشأ العديد من مظاهر التقدم المعرفي أثناء عملية نحت تجري فيها إزالة ارتباطات خلايا دماغية غير مستخدمة أو سيئة التأقلم؛ بينما تجري تقوية ارتباطات مستخدمة كثيرا. ومع أن حدوث الإزالة والتقوية يجري على مدى حياتنا، فإن الأمر ينزاح في أثناء المراهقة نحو الإزالة، حيث يوائم الدماغ نفسه بما يتناسب مع طلبات بيئته.

ينشأ التخصص عندما تتم إزالة ارتباطات غير مستخدمة بين النورونات مما ينقص المادة الرمادية للدماغ. وتتألف هذه المادة بشكل رئيس من بنى غير مغمدة بالمايلين مثل أجسام خلايا النورونات والتغصنات(15) dendritesومحاوير معينة. وعموما، تزداد المادة الرمادية في أثناء الطفولة لتصل أقصاها نحو سن العاشرة ثم تتناقص خلال المراهقة. وتستوي كميتها في أثناء سن الرشد لتنخفض أكثر بعض الشيء في الشيخوخة senescence. ويتضمن النموذج أيضا كثافة خلايا المستقبلات على النورونات التي تستجيب لجزيئات النواقل العصبية(16)  مثل الدوبامين والسيروتونين والغلوتامات، التي تنظم التواصل بين خلايا الدماغ.

ومع أن الكمية الخام raw للمادة الرمادية تصل ذروتها في سن البلوغ، يحدث التطور الكامل لمناطق الدماغ المختلفة في أوقات مختلفة. تظهر المادة الرمادية وتبلغ ذروتها بوقت مبكر فيما تدعى المناطق الحسية الحركية sensorimotorareas المكرّسة للإحساس والاستجابة للضوء والصوت والرائحة والطعم واللمس. وآخر ما تبلغ ذروتها في قشر مقدم الفص الجبهي الحاسم للوظائف التنفيذية، وهو تعبير يحيط بصف واسع من القدرات، بما فيها التنظيم واتخاذ القرارات والتخطيط، سوية مع تنظيم الانفعال emotion.

وإحدى الميزات المهمة لقشر مقدم الفص الجبهي هي قابليته على طرح «ماذا لو؟» الافتراضية عبر زمن عقلي – لدراسة الماضي والحاضر والحصائل المستقبلية من خلال إجراء محاكاة في أذهاننا بدلا من إخضاع أنفسنا للواقع مما قد يحمل بعض المخاطر؛ وكما صاغها الفيلسوف <K. پوپر>، فبدلا من تعريض أنفسنا للأذى، «تموت نظرياتنا عوضا عنا.» ومع نضوجنا معرفيا، تجعلنا وظيفتنا التنفيذية أيضا نرجح اختيار المكافآت الأكبر والأطول أجلا على تلك الأصغر والأقصر أمدا.

وقشر مقدم الفص الجبهي أيضا مكون رئيس في مجموعة الدارات المتضَمنة في المعرفة الاجتماعية – قدرتنا على استكشاف العلاقات الاجتماعية المعقدة، وتمييز الصديق عن العدو، والبحث عن الحماية ضمن مجموعات، والقيام بالتوجيه الأساسي للمراهقة: لجذب شريك.

وهكذا، فالمراهقة موصومة بالتغييرات في المادة الرمادية وفي المادة البيضاء، تغييرات تحول مجتمعة التشبيك بين مناطق الدماغ، بينما يجري تَشكل الدماغ البالغ. ووظائف قشر مقدم الفص الجبهي ليست غائبة في المراهقين؛ فهم فقط ليسوا جيدين بالقدر الذي سيصبحون عليه. ولأنهم ليسوا ناضجين بالكامل، حتى العشرينات من العمر، فقد تكون لدى المراهقين مشكلة في ضبط الاندفاعات أو الحكم على الأخطار والمكافآت.

 

[نظرة جديدة]

تشبيك أعظم يولّد نضوجاً(****)

   ليس نمو مناطق الدماغ هو التغيير الأهم الذي يحدث في دماغ المراهق، بل الزيادة في التواصل بين مجموعات النورونات هي الأهم. وعند تطبيق التقنية التحليلية المسماة نظرية البيان(17)  على بيانات تفريسات التصوير MRI، تظهر أنه بين عمر 12 و30 سنة تصبح الارتباطات بين بعض مناطق الدماغ أو مجموعات النورونات أقوى (الخطوط السوداء التي تصبح أثخن). ويظهر التحليل أيضا أن بعض المناطق والمجموعات تصبح مرتبطة أكثر بكثير (الدوائر الخضراء التي تصبح أكبر). وهذه التغييرات تساعد الدماغ في نهاية المطاف على التخصص في كل شيء من التفكير المعقد حتى التأقلم الاجتماعي.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/09-10/2015_10_09_11.jpg
زيادة التواصلات بين مناطق الدماغ مع الوقت

 

 

عدم توافق في النضوج(*****)

على خلاف قشر مقدم الفص الجبهي، تخضع الجملة اللمبية التي تغذيها الهرمونات لتغييرات مثيرة في سن البلوغ الذي يبدأ حسب المأثور بين 10 و12 سنة من العمر. وهذه الجملة تنظم الانفعال ومشاعر المكافأة. وهي تتآثر أيضا بقشر مقدم الفص الجبهي خلال المراهقة لتعزيز طلب الحداثة noveltyوالمخاطرة والتوجه نحو التفاعل مع النظراء. وهذه السلوكيات، وهي المتجذرة عميقا في عالم الأحياء والموجودة في الثدييات الاجتماعية كلها، تشجع التوائم والمراهقين الشباب على الانفصال عن راحة عائلاتهم وأمانها لاستكشاف بيئات جديدة وبحثا عن علاقات خارجية. كما تُنقص هذه السلوكيات من احتمال التوالد الداخلي، فتخلق جمهرة جينية صحية أكثر، لكنها أيضا يمكن أن تشكل أخطارا جوهرية، وخصوصا عندما تمتزج بالإغراءات الحديثة غير المضبوطة بالأحكام الصحيحة مثل الوصول السهل للمخدرات والأسلحة النارية والسيارات السريعة.

فما يُحدد أكثر سلوك المراهق، هو إذن، ليس التطور المتأخر لوظيفة تنفيذية أو البداية المبكرة لسلوك انفعالي، وإنما هو عدم توافق في توقيت حدوث هذين التطورين. فإذا اندفع المراهقون الشباب انفعالياً بالجملة اللمبية، مع أن ضبط قشر مقدم الفص الجبهي ليس جيدا كما يجب، لنقل، حتى عمر 25 سنة، مما يترك عقدا من الزمن يمكن أن يحكمه عدم توازن بين التفكير الانفعالي والتفكير التأملي. إضافة إلى ذلك، فالبدء المبكر لسن البلوغ، كما هي الحال عالمياً، يطيل الفجوة الزمنية بين بداية ازدياد الإقدام على المخاطرة وتوخّي إثارة المشاعر وبين ازدياد قوي ومستقر لقشر مقدم الفص الجبهي(18).

ويدعم تطويل عدم التوافق الفكرة المتنامية التي تُعرب عن أن تعبير سنوات المراهقة teen years لم يعد مرادفا لتعبير المراهقة adolescence. فالمراهقة، والتي يعرفها المجتمع على أنها الانتقال من الطفولة إلى سن الرشد، تبدأ بيولوجيا مع بدء البلوغ، لكنها تنتهي في التركيبة الاجتماعية عندما يحقق الشخص استقلاليته ويقوم بأدوار البالغين. وفي الولايات المتحدة، يجري الآن الحصول على أحد أدوار البالغين – يتميز غالبا بأحداث مثل الزواج وولادة طفل وامتلاك منزل – بعد خمس سنوات تقريبا مما كان عليه الوضع في السبعينات.

 

 

[جذور المخاطرة]

الانفعال مقابل الانضباط(******)

   إن احتمال انخراط المراهقين في سلوك خطر هو أكبر منه عند الأطفال أو البالغين، ويردّ ذلك جزئيا إلى عدم التوافق بين منطقتي الدماغ الرئيستين. فتطور الجملة اللمبية التي تغذيها الهرمونات(19)  (باللون البنفسجي)، والتي تقود الانفعالات، يتكثف عندما يبدأ البلوغ (بين 10و12 سنة من العمر)، وتنضج هذه الجملة على مدى السنوات العديدة التالية. لكن قشر مقدم الفص الجبهي (باللون الأخضر) الذي يحول دون الأعمال الاندفاعية، لا يصل إلى تطور كامل إلا بعد عقد آخر من الزمن؛ مما يترك عدم توازن خلال السنوات الانتقالية. ويبدأ البلوغ مبكراً أيضا، مما يرفع مستويات الهرمونات حتى عندما يكون فيه قشر مقدم الفص الجبهي أقل نضجا.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/09-10/2015_10_09_12.jpg

 

 

لقد قاد التأثير الكبير للعوامل الاجتماعية في تحديد ما الذي يشكل البالغ، بعض أطباء النفس إلى اقتراح أن المراهقة كحقيقة بيولوجية أقل فعليا من كونها ناتجا للتغييرات في تربية الأطفال منذ الثورة الصناعية. ودراسات التوائم – هذه الدراسات التي تتفحص التأثيرات النسبية للجينات والبيئة عبر متابعة التوائم ذوي التجارب المختلفة – تدحض حتى الآن وجهة النظر التي تقول إن العوامل الاجتماعية يمكن جوهرياً أن تتجاوز البيولوجيا. وهي تظهر أن سرعة النضوج البيولوجي للمادة البيضاء والمادة الرمادية، يمكن أن تتأثر قليلا بالبيئة، لكن التوقيت الأساسي خاضع للضبط البيولوجي. وعلماء الاجتماع يرون هذا أيضا؛ فالمخاطرة وتوخي إثارة المشاعر والتحرك نحو النظراء يحدث في كل المجتمعات على الرغم من التفاوت في مداه.

سرعة التأثر والوقت المناسب(*******)

إن تطورات المادة الرمادية والمادة البيضاء والتشبيك المكتشفة بالتصويرMRI، تؤكد الملاحظة بأن الخاصية الأكثر تمييزا لتطور دماغ المراهق هي التغييرات الشاملة التي تحدث فيه. وعموما، تَنقُص هذه البلاستية على مدى سن الرشد على الرغم من احتفاظنا كبشر بمستوى من البلاستية لفترة أطول كثيرا مما هي عليه الحال في الأنواع الأخرى.

والنضوج المطول والبلاستية المطولة يسمحان لنا بأن «نُبقِي خياراتنا مفتوحة» في سياق تطورنا الخاص، وبالمثل في سياق تطور الأنواع كلها. ويمكننا الازدهار في كل مكان، من القطب الشمالي البارد إلى الجزر الحارة على خط الاستواء. وعبر التقانات التي طورتها أدمغتنا، يمكننا العيش حتى في السفن الجائلة حول كوكبنا. وبالعودة إلى الوراء 000 10 سنة من الآن – وهذه المدة تعتبر ومضة عين بالمنظور التطوري – فقد صرفنا معظم وقتنا لضمان الغذاء والملجأ. أما اليوم، فيقضي العديد منا أغلب ساعات اليقظة يتعامل مع الكلمات والرموز – وهذا خصوصا جدير بالملاحظة لا سيما وأن عمر القراءة 5000 سنة فقط.

لقد خدمت البلاستية المطولة نوعنا جيدا لكنها تفرض نقاط ضعف إضافة إلى فرص. والمراهقة هي وقت الذروة لظهور عدة أنواع من الأمراض النفسية، بما في ذلك اضطرابات القلق والاضطراب ذي الاتجاهين bipolar disorderوالاكتئاب واضطرابات الطعام والذهان psychosis ومعاقرة المواد. والمفاجئ هو أن 50% من معاناة الناس من الأمراض النفسية تظهر بعمر 14، و75% منها بعمر24 سنة.

والعلاقة بين تغييرات دماغ المراهق النموذجية وبدء الإمراضية النفسية(20)معقدة، لكن قد يكون أحد المواضيع المستبطنة هو أن «الأجزاء المتحركة تتعرض للكسر.» والفكرة هي أن التغييرات الشاملة في المادة البيضاء والمادة الرمادية والتشبيك تزيد فرص ظهور مشكلات. فعلى سبيل المثال، إن الاكتشافات الدماغية الشاذة التي تحدث في الفصام عند البالغين، جميعها تقريبا يشبه التغييرات النموذجية لتطور دماغ مراهق ذهبت بعيدا جدًّا.

وبطرق أخرى عديدة، تكون المراهقةُ الزمنَ الأفضل صحة في الحياة. فنظام المناعة ومقاومة السرطان وتحمل الحرارة والبرد وميزات أخرى، تكون كلها في ذروتها. بيد أنه، وفي مقابل الصلابة البدنية، فالنسبة المئوية للأمراض الخطرة والوفيات عند المراهقين تصل من 200 إلى 300% منها عند الأطفال. وحوادث السيارات، السبب الأول، هي المسؤولة عن نحو نصف وفيات المراهقين؛ يأتي بعدها القتل والانتحار في المرتبتين الثانية والثالثة. كما أن معدلات حمل المراهقات غير المرغوب فيه والأمراض المنقولة جنسيا والسلوكيات المؤدية إلى السجن عالية أيضا، وتفرض نتائج دائمة قاسية.

وهكذا، فما الذي يستطيع فعله الأطباء والآباء والمعلمون والمراهقون أنفسهم حيال هذه المخاطر؟ فبالنسبة إلى الأطباء السريريين، توحي ندرة الأدوية المبتكرة في الطب النفسي ونزعة (الميل الطبيعي) دماغ المراهق للاستجابة للتحديات البيئية بأن التدخلات غير الدوائية قد تكون الأكثر إثمارا – وخصوصا مبكراً خلال تطور المراهق عندما تكون تغيرات المادة البيضاء والمادة الرمادية والتشبيك سريعة. ومعالجة الاضطراب الوسواسي القهري أحد الأمثلة؛ فالتدخلات السلوكية التي تثير الاندفاع الوسواسي لكنها تعدل تدريجيا استجابة الشخص قد تكون فعالة جدا، ويمكن أن تقي عُمراً من الإعاقة. وتقدير أن الدماغ متغير خلال سنوات المراهقة يزيل فكرة أن الشاب «قضية خاسرة،» وهو يعرض تفاؤلا حول كون التدخلات يمكن أن تغير سياق حياة المراهق.

وزيادة الدراسة ستساعد أيضا. فالبنية التحتية لأبحاث المراهقين ليست متطورة جيدا، وتمويل هذا العمل ضئيل، واختصاصيو العلوم العصبية المتخصصون بهذه المجموعة العمرية قليلون. أما الأخبار الجيدة، فهي أنه بينما يوضح الباحثون آليات تطورات دماغ المراهقة ومؤثراتها، يتم انجذاب المزيد من الموارد والعلماء إلى هذا المجال، وهم متلهفون إلى التقليل من المخاطر التي يتعرض لها المراهقون وتسخير البلاستية المدهشة لدماغ المراهق.

وفهم أن دماغ المراهق فريد وسريع التغير يمكن أن يساعد الآباء والمجتمع والمراهقين أنفسهم على إدارة أفضل للمخاطر وإدراك فرص سنوات المراهقة. ومعرفة أن الوظائف التنفيذية لمقدم الجبهة ما زالت قيد الإنشاء، على سبيل المثال، قد يساعد الآباء على كبح الانفعال المفرط عندما تصبغُ ابنتهم شعرها فجأة باللون البرتقالي، وإلى اللجوء، بدلا من ذلك، إلى تعزية أنفسهم بالأمل بقرار صائب بحكم أفضل في المستقبل. كما توحي البلاستية أيضا أن الحوار البناء بين الآباء والمراهقين حول قضايا مثل الحريات والمسؤوليات يمكن أن يؤثر في التطور.

وقدرة المراهقين المتأصلة على التكيف تثير أسئلة حول أثر أحد التغييرات البيئية الأكبر في التاريخ: الثورة الرقمية. فالحواسيب وألعاب الفيديو والهواتف الخلوية وتطبيقاتها أثرت عميقا، في السنوات العشرين الماضية، في طريقة تعلم المراهقين ولعبهم وتآثرهم. وتتوافر معلومات ضخمة، لكن النوعية تتفاوت كثيرا؛ ومهارة المستقبل لن تكون في تذكر الحقائق بل في التقييم الحرج للفضاء الواسع من البيانات، لتمييز الإشارة عن الضوضاء وتخليق المحتوى وتطبيق هذا التخليق على حل مشكلات العالم الحقيقية. وعلى المربين تحدي دماغ المراهق بهذه المهام، لتدريب بلاستيته على طلبات الزمن الرقمية.

ويمتلك المجتمع الأكبر بعض الفرص المهمة أيضا. فهو أولا يمكن أن يكون أكثر تركيزا على تسخير العاطفة والإبداع والمهارات التي تتصف بها فترة تطور المراهقة الفريدة. ويجب أن يدرك المجتمع أيضا أن سنوات المراهقة نقطة تحوّل نحو حياة المواطنة السلمية أو العدوانية، أو التطرف في بعض الحالات النادرة. والمراهقون عبر المجتمعات كلها هم الأكثر عرضة للتجنيد كجنود وإرهابيين إضافة إلى الاحتمال الأكبر بأن يتأثروا لكي يصبحوا معلمين ومهندسين. والفهم الأكبر لدماغ المراهق يمكن أن يساعد القضاة والمحلفين أيضا على الوصول إلى القرارات في المحاكمات الجنائية.

أما المراهقون أنفسهم، فالآفاق الجديدة في العلوم العصبية للمراهق يجب أن تشجعهم على تحدي أدمغتهم بأنواع من المهارات التي يرغبون في البراعة بها بقية حياتهم. ولديهم فرصة رائعة لصناعة هويتهم الخاصة والتكيف الأمثل لأدمغتهم طبقا لاختيارهم فيما يخص المستقبل الغني بالبيانات الذي سيكون مختلفا تماما عن الحياة الحالية لآبائهم.

المؤلف

  Jay N. Giedd
  <جييْد> رئيس قسم الطب النفسي للأطفال والمراهقين في جامعة كاليفورنيا، وأستاذ في مدرسة <J. هوبكنز> بلومبرگ للصحة العمومية. وهو أيضا رئيس تحرير مجلة العقل والدماغ والتعليم(21). http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/09-10/2015_10_09_10.png

  مراجع للاستزادة

 

The Primal Teen: What the New Discoveries about the Teenage Brain Tell Us about Our Kids. Barbara Strauch. Doubleday, 2003.
Development of Brain Structural Connectivity between Ages 12 and 30: A 4-Tesla Diffusion Imaging Study in 439 Adolescents and Adults. Emily L. Dennis et al. in NeuroImage, Vol. 64, pages 671–684; January 1, 2013.
Age of Opportunity: Lessons from the New Science of Adolescence. Laurence Steinberg. Houghton Mifflin Harcourt, 2014.

(*)THE AMAZING TEEN BRAIN

(**)GREATER CONNECTIVITY

(***)TIME TO SPECIALIZE

(****)Greater Networking Brings Maturity

(*****)A MISMATCH IN MATURATION

(******)Emotion vs. Control

(*******)VULNERABILITY AND OPPORTUNITY

(1) magnetic resonance imaging

(2) oxymoron

(3) turboboosted

(4) the plasticity of networks

(5) computerized tomography

(6) positron-emission tomography

(7) magnetic resonance imaging

(8) أو: نخاعين.

(9) the synapses

(10) the connections

(11) interconnectivity

(12) graph theory

(13) hippocampus

(14) selective elimination

(15) بروزات شبيهة باللواقط تنشأ عن الخلايا التي تستقبل المعلومات من النورونات الأخرى.

(16) neurotransmitters

(17) graph theory

(18) prefrontal cortex

(19) hormonefueled limbic system

(20) psychopathology

(21) the journal Mind, Brain, and Education

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى